رواية وصيّة حب الفصل الرابع والخامس بقلم نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
رواية وصيّة حب الفصل الرابع والخامس بقلم نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
_الفصل الرابع_
الصبح جه هادي زي العادة، بس فيه حاجة خفيفة جدًا في الجو، مش قلق، مش خوف، كأن القلب عامل لود زيادة بس.
سارة فاقت بدري، قبل ملك حتى. قعدت على طرف السرير، خذت نفس طويل وبصّت حواليها. الدنيا عادية، بس التعب اللي في جسمها كان زي أثر موج سايب بلل بسيط على الرمل.
سمعِت صوت ياسر في المطبخ بيعمل شاي. ابتسمت لنفسها :
"هو لحق؟"
قامت، لبست طرحتها، وخرجت. لقته واقف بقميص نص كم، بيحرك الشاي بمعلقة، ووشّه لسه مليان نوم.
سارة :
إنت صاحي من إمتى؟
ياسر (يرفع كتفه) :
والله ماعارف، يمكن قلبي صحاني بدري النهارده.
قرب منها وحط إيده على كتفها :
نايمة كويس؟
سارة :
نايمة كويس الحمد لله. ماتكبرهاش بقى، عادي اللي حصل امبارح.
ياسر :
آه عادي.. عشان لو كانت حصلت لروان كنتِ قُلتِ عادي؟
سارة ابتسملت من جواها وهاديت الموضوع بإيد على صدر ياسر :
خلاص يا عم الدكتور هنعمل التحاليل ونطمن.
ياسر هز راسه، مش راضي قوي بس متأكد إنها بتقول اللي محتاج يسمعه.
ملك خرجت من أوضتها بنص عين مفتوحة ونص مقفولة :
فين الفطار؟
ياسر :
والله أنا شايف حياتنا ماشية كلها على الأكل.
ملك :
وإنت عايزها تمشي على الرياضة؟
ضحكوا.. الجو رايق، البيت لسه بيضحك.
بعد الفطار، روان بعتت رسالة :
"أنا تحت."
سارة لبست طرحتها وبصّت لنفسها في المراية تاني، مش خوف، بس الست بتحب تتطمن على ملامحها قبل ماتخرج تشوف الدنيا.
نزلت، لقت روان مستنياها بعربية صغيرة بس نظيفة ومرتّبة، وشّها صافي، بس فيه تركيز.
روان :
جاهزة نغزو المستشفى ونرجع؟
سارة :
جاهزة، بس على فكرة أنا مش مريضة ولا حاجة عايزة تحليلي؟ تعالي خذي عينتك إنتِ الأول.
روان :
سمّية بس. أنا تحليلّي الوحيد هو السلام العقلي، وإنتِ مش هتخربيهولي.
ضحكوا وطلّعوا على المعمل. الدكتور أخذ عينات، وسارة كانت بتتريق وهي بتقول :
"لو طلع عندي نقص ضحك ماحدش يلومني."
روان :
"أنا متأكدة هتطلع perfect بس هسكت."
سارة خرجت من غرفة التحاليل،
روان شافت إيدها وهي لسه عليها اللاصقة الصغيرة، إيد ست شاطرة، بتشتغل طول اليوم، وبتحضن بنتها، وبتطبخ، وبتضحك، وحد بيحب الحياة.
قلب روان تِقل فجأة :
"يارب خليها بخير."
مش خوف، دعوة تلقائية.
راجعين بالعربية، سارة قالت :
على فكرة يا روان، أنا سعيدة إنك معايا في الموضوع ده. بغضّ النظر هو كبير ولا صغير. إنتِ أخت مش صاحبة.
روان بصّت قدامها، صوتها هادي قوي :
وإنتِ أمان مش مجرد بيت.
سارة إبتسمت، بس جواها كتمت دمعة صغيرة مش بتاعة حزن، بتاعة تقدير.
وصلوا البيت. ياسر واقف في البلكونة مستني يشوفهم يركنوا. أول ما شاف سارة، نزل على طول.
ياسر :
عاملين إيه؟ إيه الأخبار؟
سارة :
ولا خبر لسه، هتطلع النتائج بكرة أو بعده.
روان :
المهم إنها عملت التحليل. هسيبكم ترتاحوا وأنا رايحة ألحق شغلي.
ياسر :
شكراً يا روان.. بجد شكرا.
روان بابتسامة خفيفة :
إحنا أهل.
(بصة سريعة لسارة) :
إفتحي الباب لما أتصل بيكِ.
مشيت وسارة وقفت تبص وراها بتتأكد إنها ركبت العربية.
ياسر قرب منها :
حاسة بإيه؟
سارة (تضحك وتشد يده) :
باحس إني متدلّعة زيادة الفترة دي.
ياسر :
والدلع للي يستاهل. يلا أدخلي أريحك شوية.
سارة حطت راسها على كتفه لحظة قصيرة، زي واحدة بتشرب نفس دافي من الدنيا.
سارة :
ماشي، بس بعد القهوة.
ياسر :
قهوة؟ يا شيخة قومي ادخّلي هاتي المجهود اللي بتعمليه وإحنا نشرب شاي بالعافية.
ضحكت. دخلوا البيت، الدنيا عادية، والحياة بتمشي في مسارها الطبيعي جدًا.
مافيش حاجة اتغيرت، ولا حاجة حصلت. لكن فيه سطر صغير اتكتب في القدر النهارده :
"بدأت رحلة الطمأنينة، قبل أي حاجة تانية."
والقلب؟ لسه خفيف، لسه مطمن.
والحكاية لسه في أولها.
دخلت سارة البيت بخطوات هادية، شنطتها على كتفها وإيدها ماسكة تليفونها كأنها خايفة يرن فجأة برسالة النتائج. هي مش قلقانة، بس جواها خيط رفيع جدًا من التفكير، زي الشعرة المستقيمة فوق كوب شاي ساخن.
حطت المفاتيح على الكونسول، وفكت الطرحة ببطء.
ياسر (وهو بيفك زرار قميصه) :
تعالي ارتاحي شوية. هعمل أنا الشاي.
سارة رفعت حاجبها :
إيه الكرم المفاجئ ده؟ بقى تخاف عليا للدرجة دي؟
ياسر :
مش بخاف، أنا بتحمّس إنك تفضلي كويسة. فرق كبير.
ضحكت وهي تمسك كوباية الميّة و تشرب شوية.
كان جو البيت ساكن، بس فيه شعور لطيف كده، زي لمّة شتوية دافية.
سارة :
طب طالما متحمس، ساندوتش جبنة مع الشاي، ولا ده كده طمع؟
ياسر :
دي طلباتك ولا طلبات ملك؟ لأنها صوتها واضح في الموضوع ده.
سارة :
ملك نايمة على الكنبة من التعب، إزاي صوتها واضح؟
ياسر :
لأن بنتي ما بتسكتش حتى وهي نايمة.
راح يبوس بنتُه وهي نايمة، وسارة فضلت واقفة قدام المشهد ثواني، بتشرب حرارة اللحظة بعينين هادين.
سارة :
ربنا يخليها لينا يا ياسر.
ياسر (بصوت واطي) :
ويخليكِ لينا إنتِ كمان.
الجملة عدّت، بس قلبها مسكها كويس، زي ما الست بتحفظ كلمة حلوة في درجها الداخلي.
دخلت سارة المطبخ معاه تساعد، رغم إنه حاول يمنعها.
ياسر :
طيب سيبيني أعمل الشاي لوحدي مرة واحدة في حياتي.
سارة :
لو سبتك، هتنساني ساعة في المطبخ وهاتطلعلى بشاي بدون سكر وتقوللي "معلش نسيته"
ياسر :
– لا ده افتراء رسمي على راجل محترم.
بدأ يقطع جبنة وهي بتغسل شوية فراولة للملك. فجأة ضحكت سارة لوحدها.
ياسر :
ضحكتِ ليه كده؟
سارة :
إفتكرت أيام الجامعة لما كنت آكل سندوتش فول وأمشي في الشارع وأقول “أنا سعيدة”. شايفة السعادة مش محتاجة كل ده.
ياسر :
وإحنا دلوقتي مش سُعدا؟
سارة (بهدوء صادق) :
جدًا… الحمد لله.
كانت بسيطة الجملة، بس كانت مليانة رضا. وهو ساب السكينة دقيقة وبصّ عليها كأنه بيشكر القدر عليها.
روان في الطريق..
في نفس الوقت، روان كانت سايقة العربية راجعة شغلها. فتحت الراديو، بس قفلته بسرعة، مخها مش في الأغاني.
كانت ساكتة، بس قلبها بيدعي من غير ما ينطق :
“يارب طمن سارة، وطمن قلبها ولاتخلّي لها هم.”
وصلت المكتب، حطت شنطتها على الكرسي، وبصت في مرايتها الصغيرة ثواني.
روان لنفسها :
ليه بحس إن قلبي مربوط بيها بالشكل ده؟ ربنا يدّيها الصحة ويديها العمر الطويل.
مسحت وشّها بإيدها وابتسمت :
خلاص يا بنتي، كفاية دراما، إحنا لسه في أول الحكاية.
رجعت تفتح اللابتوب وتكمّل شغلها، بس عقلها بيرجع لسارة بين كل سطر وسطر.
الرجوع للبيت...
ياسر وسارة قعدوا على السفرة الصغيرة في الصالة، الشاي بيطلع بخار، سندوتش الجبنة معمول بحب بس بدون فخامة. ملك نايمة، والبيت هادي جدًا.
سارة :
تعرف؟ أوقات باحس إن الحياة لو فضلت كده تكفيني.
ياسر :
الحياة هتفضل كده إن شاء الله لحد لما تزهقي ونشرّف على جزر المالديف
سارة :
يا عم خلينا نجيب غسالة جديدة الأول.
ضحكوا…
ضحكة ناس فاهمة إن السعادة في الحياة مش في السفر ولا الهدايا، في تفاصيل صغيرة، وراحة قلب.
سكتوا شوية يشربوا الشاي. ومع السكون ده، سارة وضعت يدها على صدرها لحظة، مش ألم، مجرد إحساس بسيط.
بصلها بسرعة، وخففتها بابتسامة :
سارة :
يا عم ياسر، بطل تبصلي كده، والله أنا بخير. وأهو عملت التحليل، يعني إتصرفنا.
ياسر :
خلاص، طول ما إنتِ معايا وبتضحكي أنا بخير.
سكتوا…
الجو دافي وساكن.
سارة (بحنية ناعمة) :
يلا ننام بدري النهارده، بكرة نستلم النتائج ونطمن.
ياسر :
على بركة الله.
قامت، لفت على ملك تشيلها على سريرها. بوسة على خدها، وشالها بحنية.
وهي بتشوف بنتها نايمة، قلبها قال جواها :
“يارب… خلي فرحتي بيها عمر.”
وبهدوء مشيوا على أوضتهم، والبيت نام على صوت دافي وصمت مطمئن.
مافيش صوت دراما، ولا خوف، ولا حاجة سودا، بس ليلة هادية جدًا.
وأول خيط جديد من القدر، لسه بينسج نفسه. الليل نزل هادي، والبيت كله كان نايم. ملك في أوضتها ماسكة لعبة في حضنها، والنور الخفيف من الأباجورة بينور الأوضة بلون دافي.
سارة دخلت تمسح وشها، وشعرها ناعم نازل على كتفها من غير لفات كتير، بطيبة الست اللي مش بتحاول تبقى أجمل واحدة في الدنيا، بس بتبقى أريح مكان للي بيحبها.
ياسر كان نايم على جنبه، أول ما حسّ بالحركة، فتح عينه وبصلها بابتسامة هادية زي الطفل اللي بيشوف أمه أول الصبح.
ياسر (بصوت ناعم) :
تعالي… بقالك يوم طويل.
قربت منه، حطت راسها على صدره تسمع دقات قلبه، دقات ثابتة مطمئنة، كأن الحياة ماشية على إيقاعه.
سارة :
بتحبني أد إيه؟
نسرين بلعجيلي
ياسر :
أد كل مرة ضحكتِ فيها وكل مرة تعبتِ وأنا ماستاهلش، وكل مرة خُفت عليك وقلت لنفسي ربنا يحفظها.
رفعت راسها تبصله، وعنيها فيها لمعة محبة مش محتاجة كلام. مدت إيدها على خده، وهو مسكها من تحت وكأنه خايف تروح.
سارة (بضحكة هادية) :
أنت بقيت رقيق اليومين دول زيادة.
ياسر :
ما هو الست لما تتدلع، الراجل يبقى بني آدم محترم فجأة.
ضحكت وهي ترد جبينها على صدره لحظة، كأنها بتسيب التعب كله هناك.
سارة :
وعد، لو تعبت تاني ما تزعقليش.
هقولك بنفسي.
ياسر :
وأنا أوعدك أفضل سندك قبل ما أكون زوجك.
ضمّها بإيده، مش ضمة شهوة، ضمة أمان.
سارة رفعت وشها وبصتله، قربت منه، وفى وسط هدوء الليل اتقابلت شفايفهم بقبلة صغيرة، بطيئة، مليانة حنان مش استعجال. قبلة زوجين مش مشهد فيلم.
بعدها حطت راسها على كتفه تاني،
وباس شعرها من فوق وقال وعيونه بتتقفل :
Nisrine Bellaajili
ياسر :
بحبك يا سارة، كل يوم أكتر من اللي قبله.
سارة (بهمس) :
وأنا كمان.. الحمد لله إنك نصيبي.
الليل غطاهم، والدنيا سكتت، ومافيش صوت غير دقات قلوبهم. حب هادي.. نظيف.. صادق.
حب يتكتب في دعوة، مش في سرير بس.
*وصيّة حب*
بقلم نسرين بلعجيلي
Nisrine Bellaajili
_الفصل الخامس_
النهارده ماكانش شبه الأيام اللي فاتت. كان فيه هدوء غريب، لا هو مريح ولا مزعج، زي سحابة ثابتة فوق البيت ومستنية لحظة نزول المطر.
سارة صحيت متأخرة شوية، جسمها تقيل كأن حد سحب بطارية روحها بالليل. لكن قررت ما تفكرش كتير : يمكن مجرد إرهاق.
راحت تعمل فطار لياسر وملك، والشمس كانت داخلة من الشباك كخيط دهب بيلمس جدران المطبخ.
ملك كانت واقفة على كرسي صغير تحاول توصل لطبق :
ماما، شوفي أنا بساعدك.
سارة ضحكت :
أيوة أيوة يا ست مساعدة الشيف، إنزلي بس قبل ما تتحولي لكفتة.
ضحكوا، وياسر دخل لابس قميصه، شكله فيه ذرة توتر بيحاول يخبيها.
ياسر :
جه وقت إستلام النتائج، جاهزة؟
سارة تصلّبت لحظة، ثم رفعت كتافها بابتسامة خفيفة :
يلا بينا. مش هنخلي حاجة توقفنا.
ملك جريت وحضنت أمها :
ماما، لو الدكتور قال إنك بطلتي تبقي بطلة، أنا لسه هفضل أحبك.
سارة انحنت وبصت لها :
أنا عمري ما هبطل أكون بطلتك يا ملك.
في الطريق....
العربية كانت بين صمت وكلام خفيف. روان بعتت رسالة : ما تقلقيش ربنا كريم.
سارة مسكت الموبايل ترد، بس ياسر مد إيده وأخده منها برفق :
خليه بعدين. دلوقتي ركزي معايا.
كان صوته هادي، لكنه محمل بحماية وقلق هادي.
سارة سابت الموبايل ومسكت إيده.
إيديهم إتشبكت بهدوء زي وعد صامت.
روايات نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili
في المستشفى.....
الساعة كانت عشرة الصبح. رائحة مطهر، صوت خطوات، كراسي انتظار.. وسارة حست قلبها بيدق ببطء. مش خوف، استسلام خفيف : اللي هيجي من ربنا خير.
الدكتور دخل. شاب، نظارة، ملامحه جدية لكنها مش كارثية.
ده وش “فيه حاجة محتاجة تفسير أكبر”. :
التحاليل الأولية كويسة، لكن فيه مؤشرات محتاجة متابعة. مش قلق، بس نعمل فحوصات إضافية.
سارة بلعت ريقها :
يعني إيه مؤشرات؟
الدكتور :
فيه علامات ضعف في الأنسجة. محتاج تحليل جيني لحاجة نادرة. مش هنستعجل، خطوة خطوة.
ياسر شد إيدها. صوته ثابت، لكن وراه زلزال مكتوم :
خير يا دكتور إن شاء الله.
الدكتور :
– خير بإذن الله. أنتم جيتوا بدري، وده مهم. هاكتب التحاليل وتيجوا بكرة بدري.
سارة حاولت تبتسم، لكنها كانت شبه شمعة في مهب هوا خفيف. خرجت من العيادة، خطوتها عادية، لكن قلبها صندوق مقفول جواه سؤال كبير.
المفاجأة..
عند باب المستشفى سارة أخدت نفس طويل، تفتكر لما الحياة كانت بسيطة. دلوقتي كل نفس له قيمة.
ياسر قال :
نرجع؟ ولا نتمشى شوية؟
سارة :
– نتمشي، يمكن النفس يرجع لمكانه.
مشيوا جنب المستشفى. سارة بتحاول تكون عادية، لكن فجأة الدنيا لفت حواليها. دوخة مش بسيطة، دوخة تخض. مدت إيدها كأنها بتدور على هوا تتعلق بيه.
سارة بصوت واطي جدًا :
ياسر…
قبل ما تكمل، ركبتها رخُت. ياسر لحقها، حضنها قبل ما تقع :
سارة! إفتحي عينيكِ. سامعاني؟
كانت سامعاه لكن الصوت بعيد،
كأنها تحت الميه. ملك مسكت إيد أمها، صوتها مكسور :
ماما؟ ماما؟!
سارة حاولت تنطق، خرجت جملة واهية جدًا :
حاضر، أنا هنا.
ياسر حضنها بقوة، مش صوت راجل قوي ولا مهزوم، صوت إنسان روحه بترتجف :
خلاص… أنا ماسكك. مش هسيبك.
العودة للبيت...
بعد ما هديت في العربية، وصلوا البيت. سارة على الكنبة، ياسر حط قدامها ميه وساندوتش كأنه بيبني جدار يحميها من أي تعب.
سارة :
أنا كويسة يا ياسر، بس اتخضيت شوية.
ياسر :
ما تقوليش الكلام اللي يريحني. ريّحي نفسك إنتِ.
ملك مسكت إيد أمها ونامت عليها كأنها خايفة تفلت. سارة بصتلها قلبها اتعصر :
هفضل جنبك طول عمرك، ما تخافيش.
وبصت لياسر :
وإنت كمان. إحنا هنعدي.
قرب وباس راسها :
ولا لحظة هسيبك.
الكلمة دخلت قلبها كنور. مش علاج، لكنه أمان.
قالت في سرّها : اللهم قوة، مش ليا بس، للي بيحبوني.
البيت سكت.
بس الصمت المرة دي مش عادي. الصمت اللي ييجي قبل الحقيقة.
الدنيا ماشية..
لكن تحت السطح، القدر بيكتب سطر جديد. الليل نزل بدري يومها، كأنه هو كمان تعبان. سارة حاولت تقوم ترتّب البيت، تعمل أي حاجة تخلي اليوم يمشي بشكل طبيعي،
لكن ياسر وقف قدامها ومنعها بهدوء :
إجازة شغل البيت النهارده. أقعدي خلّيني أخدمك شوية.
سارة ابتسمت بنعومة، ابتسامة فيها محبة وتقدير وخجل خفيف :
بجد مش عايزة أقلقك.
ياسر :
القلق مش حاجة تختاريها، ده حاجة بتيجي لوحدها. بس وجودك معايا، ده اللي باختاره.
الجملة نزلت جواها زي دواء بسيط. راحت جلست على الكنبة وشكلها مايل شوية، مش ضعف، لكن إستسلام رقيق لراحة محتاجاها.
ملك جريت تجيب بطانيتها الصغيرة وغطّت أمها، حطّتها عليها ولفّت وشّها في كتفها، كأنها بتحضن أمانها كله مرة واحدة.
سارة بصّت لها وبصوت خافت :
مبسوطة إنك معايا.
ملك رفعت رأسها بحماس طفولي :
أنا وماما وكوكو ضد العالم.
سارة ضحكت :
وإنتِ مين قالت لك على كلمة "كوكو" دي؟
ملك أشارت لياسر بضحكة بريئة :
هو اللي قال، وبعدين قالّي ده سر.
ياسر خبّى وشه في كفّه :
خلاص هتنشروا أسرار البيت؟
سارة لأول مرة في اليوم ضحكت من قلبها. ضحكة صغيرة لكنها طالعة من جوا، زي نفس فوق الميّة بعد غطسة طويلة.
بالليل، بعد ما نامت ملك، البيت كان ساكت إلا من صوت عقارب الساعة. سارة كانت نايمة على جنبها، تفكّر، تتنفس ببطء، وياسر قاعد على طرف السرير، ظهره مسنود للحائط،
إيده بتلعب في خصل شعرها براحة شديدة.
Nisrine Bellaajili
ياسر :
حاسّة بإيه؟
سألها من غير صوت عالي ولا خوف، صوت راجل بيحاول يفهم، مش يسيطر.
سارة :
حاسة إني محتاجة وقت، ومحتاجة أعيش كل يوم بيومه، من غير ما أعمل سباق مع نفسي ولا مع الدنيا.
سكت لحظة، ثم قال :
وأنا معاكِ يوم بيومه. ولو جت أيام صعبة هنعدّيها. ولو جت أيام حلوة هنعيشها مرتين.
سارة رفعت عينيها له، كانت نظرتها مش بتدوّر على وعد، كانت بتدوّر على صدق.. ولقته :
ياسر… خايفة تكون بتتعب.
ياسر :
التعب اللي بييجي من حب بيقوّي. التعب اللي بييجي من الخوف ما بيبنيش. وإحنا مش خايفين، إحنا جاهزين.
سارة مدّت إيدها ولمست أصابعه، كإنها بتتأكد إنه حقيقي قدّامها، مش فكرة :
ربنا ما يحرمنيش منك.
ياسر :
ولا منك.
دخل بينهم صمت دافئ، النوع اللي فيه قلوب بس بتتنفس مع بعض، من غير كلام. قبل ما يناموا، سارة قامت على مهل، وفتحت شباك الأوضة شق بسيط، هوا الليل دخل بملمس بارد، زي نسمة على صفحة ميّة ساكنة.
وقفت قدّام الشباك لحظة، ما بتبصّش للشارع، بصّت للسماء.
وقالت من غير صوت تقريبًا :
"ربّي… ما تخلّينيش أوجّع حد بيحبني."
رجعت السرير ببطء، حطّت رأسها على صدر ياسر، وهو حضنها من غير كلام.
الدنيا نامت. بس جوا البيت، وفي القلوب، فيه حاجة كانت بتتغيّر
بهدوء… وبصدق… وبأمر ربنا.
الليل قفل صفحته، وبدأ فصل جديد في القدر، لسه ماحدّش قراه.
نامت سارة أخيرًا بعد ما دمع عينيها نشف قبل ما ينزل. جسمها ارتاح جنب ياسر، بس عقلها ماكانش نايم زيها.
في نص الليل…
حسّت بخطوات خفيفة جايّة من بعيد، مش جوّا البيت، من أعمق حتة في روحها. الدنيا حواليها سكتت، حتى صوت الساعة إختفى.
كأن الوقت وقف ثواني.
سمعت صوت… مش همس، مش خيال… صوت ست كبيرة، دافي وناعم زي حضن أول الشتوية.
"يا سارة… تعالي."
سارة فتحت عينيها بفزع خفيف، قلبها اتنفض جوّا صدرها. بصّت حواليها، ياسر نايم، ملك نايمة، البيت ساكن.
لكن الصوت رجع تاني، أهدى… أوضح… أقرب :
"تعالي عندي يا بنتي… أنا وأبوك مستنّيينك."
الإسم اللي جري جواها زي خيط حرير اتقطع فجأة :
"ماما؟!"
اتسحبت من السرير بهدوء كأنها خايفة توقّع الإبرة، وقفت جنب الشباك، الهوا بقى أبرد، والليل أهدى من الطبيعي. مش عارفة هي سامعة بعقلها ولا بقلبها. هي متأكدة، أمها وأبوها ماتوا. ومع كده الصوت كان حقيقي لدرجة ترعب وتطمن في نفس اللحظة.
سارة بصوت مكسور، بتحارب دمعة :
أنا هنا يا ماما، بس لسه بدري. لسه فيه ناس محتاجاني.
الصوت اتبدّل، بقى شبه دفا صلاة الفجر :
"إحنا مش مستعجلين عليك، بس خبّي نفسك، واعتني بقلبك."
وبعدين سكون…
سكون يخوّف ويحضن في نفس الثانية. سارة بتحاول تلتقط أنفاسها،
حطّت إيدها على قلبها تحس نبضها،
وهمست لنفسها :
يا رب.. أنا خايفة، بس في أمانك.
رجعت على السرير، اتدفّت في حضن ياسر، ودمعة صغيرة نزلت رغم مقاومتها. مش دمعة ضعف.. دمعة روح سمعت حد من السماء.
ياسر حسّ بحركتها وهي بتبكي، فتح عينه نصها وقال بنص وعي :
مالك؟ زعلانة؟
سارة مسحت دموعها بهدوء :
لأ… بالعكس. حاسّة إن ربنا بيطبطب عليا، بس بطريقة تخوّف شوية.
ضمّها بين دراعاته أكثر :
طول ما أنا هنا مافيش خوف. وحتى لو الدنيا كلها اتغيّرت، مش هسيب إيدك.
سارة غمضت عينيها، وقالت جوا قلبها مش بلسانها :
"إدّيني قُدرة يا رب قبل ما تدّيني معجزة."
وبين نبضة ونبضة… كان الفجر بيقرّب، ووراه يوم جديد… يوم مش زي أي يوم.
الحكاية لسه بتتنفّس، والقدر لسه بيتكتب، ومن أول ضوء، الدنيا هتبتدي تقول سطور جديدة.
يتبع
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇
اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺


تعليقات
إرسال تعليق