رواية على دروب الهوى الفصل الثاني بقلمي تسنيم المرشدي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
![]() |
رواية على دروب الهوى الفصل الثاني بقلمي تسنيم المرشدي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
التهاون في بعض الأحيان، يسلُب منك قيمتك، هناك أناس إذا تخطيت أفعالهم تخطُوك أنت، وإذا تعاملت باللين تعدوا عليك، وقللوا من شأنك، فلا تعبأ بهم ولا تصاحبهم، مُر بجانبهم ولا تلقي السلام فيندموا أنهم أضاعوك مع مرور الأيام.
***
تنحى الرجال جانبًا ليظهر ذلك الشاب طويل القامة وعريض الجسد، ذو هيئة تُرهب من يراه، مرر عينيه على البيت بنظرة ثاقبة ثم أمر رجاله بصوته المبحوح:
_ فتشولي البيت وهاتهولي..
صعقت والدة عبدَالله حين وقع نظرها عليه، لم ترفع بصرها عنه بل ظلت ترمقه لفترة بلا وعيٍ، على جانب آخر ولج رجلين غرفة عبدَالله وقاموا بسحبه من الفراش كدُمى يلعبون بها، استيقظ عبدَالله مذعُورًا ورأى إنه مُجبر على السير من قِبل رجلين يجهل معالم وجوههم، خفق قلبه بتوجس وعقله لم يقدر على تفسير ما يحدث.
للتو استيقظ والذي يحدث كان أكبر من فهمه بسهولة، أوقفوه أمام الضابط الذي أمرهم بجلبه فتفاجئ عبدَالله بوجوده، حدجه بنظراتٍ حاملة علامات استفهام كثيرة، هنا فاقت والدته وسألت الضابط بخوف شديد:
_ أنتوا عايزين ابني ليه؟ ابني طيب وملوش في الغلط
إلتوى ثغر الضابط ببسمةٍ متهكمة وهو يطالع عبدَالله ببغضٍ، ثم وجه أنظاره نحو والدته وبلهجةٍ ساخرة أجابها:
_ ابنك الطيب سرق الراجل اللي بياكل من وراه عيش
شهقت بذُعرٍ وضربت على صدرها مستنكرة تلك التُهمة:
_ ابني ميعملش كدا أبدًا، ابني محترم ولا يمكن يمد أيده على حاجة مش بتاعته
أدارت عينيها باتجاه عبدَالله الذي يطالع الآخر ولا يُبدي رد فعل وتوسلته:
_ ما تتكلم يا عبدَالله وتقول للباشا إن دي لا أخلاقك ولا تربيتك، رد قوله أمي عرفت تربي يا باشا وأنا معملش كدا أبدًا، رد يابني رد عليه
قهقه الضابط باستفزاز وهو يطالع عبدَالله ونظراته تُشفي داخله ثم أمر رجاله بلهجة لا تحتمل النقاش ليفرض سيطرته على الأمر:
_ هاتوه وتعالوا ورايا..
أمسكوه بإحكامٍ وأرغموه على السير معهم إلى أن نزلوا درجات السُلم، تفاجئ عبدَالله بذلك الكَم الهائل الذي يقف بجوار سيارة الشرطة، حرك رأسه مستنكرًا ما يحدث، تابع سيره حتى ركب السيارة من الخلف وتحركت بعد أن جلس العسكريين مقابل بعضهما على جانبي الباب.
في الأعلى، ارتدت السيدة أحلام كامل ملابسها وهرولت خلف ابنها لتعلم حقيقة الأمر وما الذي سيحدث معه، وقعت عينيها على صديقي عبدَالله يقتربون منها على عجلة وسألها أحدهم بتوترٍ يسيطر على نبرته:
_ إيه اللي سمعناه دا يا خالتي، الحكومة أخدوا عبدَالله ليه؟
انسدلت قطرات من عينيها وهي تخبرهم ما أخبرها به الضابط:
_ بيقولوا سرق ورشة مرسي، عبدَالله ميعملش كدا يا وليد أنت عارف صاحبك كويس دا عمره ما مد ايده على قرش حرام
فغر فاهه بصدمة وردد وهو متأكد من أخلاق عبدَالله:
_ أنتِ هتعرفيني على عبدَالله يا خالتي، أكيد طبعًا معملهاش
تدخل الآخر قائلًا:
_ طيب يلا نروح القسم نعرف في إيه ونقف جنب عبدَالله لو احتاج حاجة..
أماء وليد بقبول ثم تريث في المغادرة وأردف موجهًا حديثه لصديقه:
_ ما تكلم جوز خالتك مش هو محامي برده، خليه يسبقنا على القسم أكيد هنحتاجه يا زكريا..
_ تمام
هتفها زكريا ثم قام بالإتصال على زوج خالته وأخبره بالأمر وتحركَ ثلاثتهم متجهين إلى قسم الشرطة ليتابعوا ما سيحدث مع عبدَالله.
***
لم تعد تنجح في مقاومة ذلك النعاس الذي يُراودها منذ فترة، كلما أغمضت عينيها تستفيق خشية أن يراها مدير المستشفى ويجازيها، فذلك وقت عملها؛ لكن كان الأمر هذا أكبر من تحملها، فشلت في المقاومة تلك المرة، وأسندت رأسها على المكتب سامحة للنوم بالسيطرة عليها حتى باتت في عالم آخر لا تشعر بما يدور حولها.
رن هاتفها فأرسل لعقلها ذبذباتٍ ناتجة عن اهتزازته أعلى المكتب الخشبي، بصعوبة بالغة فتحت عينها لتفقد المتصل، ثم أعادت غلق عينيها وهي تجيب والدتها بصوت ناعس:
_ ماما..
بتوجس سألتها حين استمعت لصوتها:
_ في إيه يا صبا؟ صوتك ماله؟
حاولت صبا ضبط صوتها لكي لا تقلق والدتها وشرحت لها حالتها التي لا تَسُر:
_ عايزة أنام من امبارح منمتش
زفرت والدتها براحة وقالت:
_ طيب تعالي نامي في البيت، مش خلاص نبطشيتك كدا خلصت
تفقدت صبا الوقت ثم عادت للحديث معها:
_ ايوا، هطلب عبدَالله يجيلي
_ لا استني، أنا أصلًا كلمتك عشان كدا، عبدَالله الحكومة جت وخدته فمش هيعرف يـ....
لم تكاد تُكمل حديثها بعد حتى انتفضت صبا من مكانها وهتفت مذعورة:
_ ايه؟! ليه هو عمل إيه؟
تعجبت إجلال من ذُعرها المبالغ، وأخبرتها بما تعلمه:
_ بيقولوا سرق ورشة مرسي
_ لا يمكن عبدَالله يعمل كدا..
هتفتها فصاحت الآخرى مرتابة من أمرها:
_ دا اللي سمعته، وبعدين إحنا في زمن تتوقعي فيه أي حاجة
رفضت صبا كلماتها التي آلمت قلبها وهتفت عاليًا بلهفة مهاجمة:
_ أي حاجة من أي حد غير عبدَالله يا ماما
تضاعفت الريبة داخل إجلال وهتفت قائلة بقسوة ربما تفهم ما يوجد خلف كلمات ابنتها أو تنهي الحوار:
_ مالك محموقة أوي كدا ليه؟ أومال لو مكنش حتة سواق بيوديكي ويجيبك!
أغمضت صبا عينيها محاولة التماسك قدر المستطاع حتى لا تنكشف أمامها، أخذت نفسًا طويلًا ثم زفرته على مهلٍ وعادت تُحادثها بنبرة هادئة تخفي خلفها توترًا يشوبه القلق:
_ حتى لو مجرد سواق من وجهة نظرك، من وجهة نظر بابا أكيد حاجة تانية، وإلا مكنش استأمنه عليا، عمومًا أنا هقفل وجاية، سلام
أغلقت الهاتف ونظرت حولها بتيهٍ، وضعت راحة يدها على فمها وباليد الأخرى أمسكت مؤخرة رأسها، محاولة استيعاب ما أملته عليها والدتها منذ ثوانٍ، رفض عقلها التصديق واستنكرت استمرار وقوفها بلا حول ولا قوه دون التحرك والإطمئنان على عبدالله، لا تعلم كيف وبأي وجهٍ لكن لا يهم، ما يهم الآن هو الذهاب إليه.
لم تكاد تدير مقبض الباب حتى تفاجئت بالمدير أمامها، أخفت ذُعرها وتساءلت بقلقٍ من مجيئه:
_ دكتور رمزي، فيه حاجة؟
أخذ نفسًا ببطءٍ وطالعها لبرهةً فأثار القلق في نفسها، حك أنفه بإصبعه فتأكدت صبا أن هناك كارثة لتردُدَهُ المبالغ في الإجابة على سؤالها، انتظرت قليلًا بعد حتى أجابها بحدةٍ تعجبت منها:
_ أنتِ رايحة على فين يا دكتورة؟
على الرغم أن سؤاله مُبهم إلا أنها شعرت بعدم الراحة بعده، وخشت أن يصيب حدسها وقالت متمنية أن يخيب ظنها:
_ ماشية، أنا خلصت النبطشية اللي حضرتك طلبت مني أقعدها..
حد من ملامِحه ووضع كلتى ذراعيه خلف ظهره ثم هتف:
_ حضرتك فهمتيني غلط، أنا كان قصد كلامي أن باشمهندس عاصم تحت مسؤوليتك لغاية ما يخرج من هنا..
_ نعم!!
هتفت صبا بصدمةٍ حين أصاب حدسها، لكنها اعتقدت أنه يريدها أن تبقى ليلة أخرى، لم تفكر أن تبقى مدة وجوده كاملةً، بصعوبة خرجت كلماتها حين فشل عقلها في استيعاب أمره الذي تعدى الحدود:
_ وأنا متأسفة الوضع دا مش مناسب ليا
أعاد رمزي يديه بجواره واستقام في وقفته ليفرض أمره عليها مستخدمًا أسلوب الإجبار:
_ دا أمر من المدير شخصيًا يا دكتورة، يعني واجب تنفيذه وإلا..
لم تدعه يُكمل فقاطعته بحدةٍ ونفاذ صبر:
_ وإلا إيه؟ هتطردني زي ما هددتني امبارح؟ عمومًا أنا اللي ماشية من نفسي
نظرت داخل عينيه بتحدٍ واضح ثم تركته وغادرت تحت صدمته من مغادرتها، فلم يحسب لذلك قط، حمحم وأسرع في اللحاق بها حارصًا بألا يضيع هيبته ولمكانته كان محافظًا وبهدوءٍ قال:
_ دكتورة صبا، من فضلك لحظة..
توقفت صبا عن المشي وأخذت نفسًا قبل أن تستدير بجسدها ناظرة إليه في انتظار سماع ما يريد قوله، عدّل رمزي من ياقة قميصه وأخبرها ما لديه:
_ أكيد المستشفى مش هتحب تخسر دكتوة في كفاءتك، بس ياريت تلتزمي بالقوانين، وتكملي اليوم..
ضاقت صبا بعينيها وهي تطالعه بعدم فهم،استنتج رمزي تساؤلات عقلها وتابع موضحًا ما يقصده:
_ ليلة امبارح كان استثناء، لكن النهاردة الشيفت الأساسي بتاعك
تفاجئت صبا بما ورطها به، داخلها يرفض الوجود لحظة هنا بينما حبيب فؤادها حبيسًا لا تعلم عنه شيئًا، خرجت من شرودها وأخبرته برفضها:
_ ياريت حضرتك تعتبر ليلة الاستثناء مكان النهاردة، أنا مضطرة أمشي، عندي ظروف ومش هقدر استنى هنا دقيقة كمان
_ وأسِد غيابك إزاي يا دكتورة؟ كل الدكاترة ليهم وقتهم ومواعيدهم، هيكون فيه عندي عجز طبعًا لو أنتِ مشيتي
هتفها بجمودٍ يرغمها للبقاء بينما حاولت صبا استعطافه بتوسلٍ:
_ صدقني لو مكنش عندي حاجة ضرورية كنت قعدت، بس أنا مضطرة أمشي، ياريت حضرتك تكون متفهم وضعي
دون اكتراثٍ لأمورها صاح رمزي بجدية يشوبها الأمر الحاد:
_ وأنا مش هقدر أجيب حد مكانك لو مشيتي، ياريت تلتزمي بالشيفت بتاعك يا دكتورة
تفحص ساعة يده وواصل دون رأفة:
_ شيفتك بدأ من خمس دقايق، بلاش تضيعي وقت أكتر من كدا، اتفضلي روحي على شغلك
أولاها ظهره وغادر دون إضافة المزيد، أغمضت صبا عينيها وهي تصِر أسنانها ضاربة الأرض بعصبية، ثم انتبهت على صوت صديقتها المتسائلة:
_ مالك يا صبا؟
أعادت فتح عينيها وأطالت النظر إليها وهي في ذروة غضبها، وبوجهٍ محتقن أجابتها:
_ رمزي دا بجد بني آدم رزل..
تركتها وعادت إلى مكتبها فتبِعتها هدى وأغلقت الباب وهي تتساءل عما حدث:
_ حصل ايه؟
ردت صبا وهي ترتدي روبها الأبيض وتُعلِق حقيبتها على الحامل:
_ كلفني إني أفضل شيفت ليلي، ودلوقتي لما جيت أمشي قالي لأ دا وقت شيفتك الطبيعي ومينفعش تمشي مش هعرف أسِد مكانك
اتسعت حدقتي هدى غير مصدقة ورددت بذهولٍ:
_ غريبة دا عمره ما عمل كدا غير نادرًا لما بيكون في حوادث كبيرة والمرضى كتير، واعتقد المستشفى هادية مفيهاش حاجة ولا فيه حاجة فاتتنى؟
جلست صبا على الكرسي وأخبرتها سبب بقائها:
_ السبب هو اللي غريب، ولغاية دلوقتي بحاول تكون نيتي كويسة..
قطبت هدى جبينها فلقد أثارت صبا فضولها حول معرفة السبب، هزت رأسها متسائلة عنه فتابعت صبا بانفعال لتذكُرها السبب:
_ فيه واحد هنا جه امبارح إسمه عاصم سليمان، وهو اللي طلب من دكتور رمزي إني أشرف على حالته
فغرت هدى فاها وانعقد حاجبيها، حل الهدوء لثوانٍ في محاولة على فهم سبب طلبه، وعندما فشلت سألتها بفضول:
_ وهو يطلب حاجة زي دي ليه؟
وضعت صبا راحتي يدها أمام وجهها خافية إياه وسردت ما تعرضت له وهي تمارس عملها معه بضيقٍ وحنُقٍ شديدين:
_ معرفش، بس انسان مريب ونظراته تخوف، وأنا مش مرتاحة له أبدًا ولا مرتاحة للي بيحصل خالص
أزاحت يديها عن وجهها وصاحت بمزاجٍ غير سوي وهي تنهض عن كرسيها:
_ كل دا ميهمنيش، أنا لازم أمشي ودا المهم ومش عارفة هعمل كدا إزاي بعد ما حطني قدام الأمر الواقع
_ حصل حاجة ولا إيه؟
تساءلت هدى بجدية ونظرت إليها بآذان صاغية لسماع الإجابة، تنهدت صبا مهمومة وبعقلٍ مُشتت أردفت:
_ عبدَالله اتقبض عليه..
شهقت هدى بصدمة ووضعت يدها على فمها تكتُم شهقتها ورددت قائلة:
_ ليه؟ عمل ايه؟
كادت تخبرها صبا إلا أنها تراجعت، حتى لا تُقلل من شأن عبدَالله أمامها فإن كانت والدتها التي تعرفه حق المعرفة قد صدقت تلك التهمة به فماذا عن هدى وهي لا تعرفه، ابتلعت صبا ريقها وحاولت إنهاء الحوار بينهن:
_ ممم مش عارفة، أنا خارجة برا عشان أشغل عقلي شوية..
سبقتها للخارج لتغلق باب النقاش في ذلك الموضوع، وكانت تحاول من حين لآخر الإتصال به ربما يجيب وتطمئن عليه لكن محاولاتها دون جدوى.
***
كان يقف في الخارج برفقة عسكري يُمسك بيده حتى استمع إلى صوت رئيس المباحث الذي دوى خارج مكتبه وهو يأمره:
_ دخل المتهم يا عسكري
شعر بغصة في حلقه إثر لقبه المُهين، دلف المكتب ووقف أمامه يرمقه بنظراتٍ باردة، ليس بها مشاعرًا، فقط يطالعه دون حديث، بينما اغتاظ الآخر من نظراته المُثبتة عليه وصاح عاليًا:
_ أنتِ بتبصلي كدا ليه؟ هتصورني؟!
لم يعقب عبدَالله فازداد الغيظ في نفس الآخر وهلل بانفعال:
_ ما ترد عليا ولا القطة أكلت لسانك؟
ابتلع عبدَالله ريقه وظل محافظًا على ثباته الانفعالي، غير أبِه بتصرفاته الذي يستفزه بها ليخرجه من هدوئه لكن لن ينالها، وقف الآخر ودار حول مكتبه حتى وقف أمام عبدَالله وقال وعينيه مُصوبتان داخل عيني عبدَالله بحقارة:
_ قولي بقى، سرقت الراجل اللي خيرك منه ليه؟
دنا منه وهمس بقُرب أذنه:
_ دي صفة اكتسبتها جديدة ولا الداء في دمك من زمان؟
اعتدل في وقفته وشكل على وجهه بسمةً متشفية آلمت عبدَالله لكنه لم يُظهِر، طالت النظرات بينهما دون أن ينبس كلاهما بحرف، قطع نظراتهما طرقات الباب فسمح الضابط بالدخول:
_ ادخل..
وجه الضابط عينيه إلى الباب فتفاجئ به يدلف بهيئة شامخة، احتدت تعابيره وصر أسنانه بغضب، عاد إلى مكتبه وبلهجة وقحة سأله:
_ خير يا مِتر؟
تحدث المحامي وهو ينظر إلى عبدَالله:
_ أنا جاي حاضر مع عبدَالله، ممكن أشوف المحضر يا آدم باشا
قهقه آدم ومن بين ضحكته الساخرة أخبره:
_ لسه مفيش محضر يا متر صادق، إحنا كنا لسه بندردش أنا وعبدَالله
حرك صادق رأسه بتفهم وقال:
_ طيب ممكن أفهم في إيه؟
جلس آدم على كرسيه بغرورٍ وأجابه وهو يشير إلى عبدَالله باستهانة:
_ البيه سرق الخزنة اللي في محل الأوسطا مرسي
وفين ما يُثبت ذلك؟
سأله المحامي بجدية فتراجع الآخر عن عجرفته قليلًا وبات أكثر عملية:
_ لسه تحرياتنا شغالة يا مِتر
_ ااه لسه التحريات شغالة قولتلي، يعني كل دي اتهامات واهية ملهاش أساس من الصحة، طيب أنا بطالب بالإفراج عن موكلي لحين وجود ما يُدينه
كان قاسيًا معه في الحديث، بينما لم يحب آدم وجوده من البداية، فإن كان محامٍ غيره لم يكن ليعطيه الفرصة لفرض سيطرته عليه، لكنه غيرهم..
خرج آدم من شروده على صوت صادق الآمر:
_ ها يا آدم باشا، حضرتك قولت ايه؟
لم يُظهِر نيران عضبه المتقدة وأخفاها جاهدًا ثم هتف وهو يتحاشى النظر إلى عبدَالله:
_ امشي..
وجه صادق حديثه إلى عبدَالله بلهجة ليّنة:
_ لو سمحت يا عبدَالله استناني برا
أماء عبدَالله ثم خرج من المكتب تحت نظرات آدم البالغة ذُروتها في الغضب، نظر حيث يقف صادق ولم يستطع كبح جماح غضبه أكثر وصاح:
_ هو اللي قالك تيجي صح، هو اللي خلاك تكون موكل ليه مش كدا!!
خلع صادق ثوب المحاماه عن نبرته وتحدث بلين وهدوء صديق وليس محامٍ:
_ أيوا هو اللي قالي أحضر معاه، آدم يابني اللي بتعمله دا غلط، وغلط كبير وأنت عارف كدا كويس، في الآخر عبدَالله دا يـبقى...
قاطعه آدم بهجومٍ رافضًا سماع المزيد من السخافة:
_ لو سمحت يا اونكل متكملش، مش عايز أسمع أي حاجة..
حاول آدم تمالك أعصابه قدر المُستطاع، فنهى صادق الحوار حين رأى حالته التي لا تسمح بالنقاش الأن:
_ تمام، أنا همشي لكن هنتكلم بعدين..
أخذ حقيبته وخرج باحثًا عن عبدَالله، وقف أمامه وربت على كتفه بحنو قبل أن يردف بصوتٍ رخيم:
_ متزعلش يا عبدالله
تشدق بفمه ساخرًا وردد كلماته بتهكم:
_ أزعل! لا هزعل ليه مفيش حاجة تزعل، متقلقش يا متِر عليا أنا تمام
حرك صادق رأسه مرارًا وقال:
_ انا هتابع القضية بنفسي وإن شاءالله نثبت إنك ملكش علاقة بالموضوع دا
_ وأنت عرفت منين إني مليش علاقة؟
قالها ساخرًا من ثقته الذي يتحدث بها فأجابه صادق بإبتسامة ودودة:
_ لأني أنا اللي مربيك وواثق إنك متعملش حاجة زي دي
صمت قليلًا قبل أن يُعَاود حديثه المُسترسل:
_ قاسم بيه اللي بعتني ليك مخصوص، مقدرش يسمع أنك هنا ويسيبك لوحدك
تلفت عبدَاالله حوله وكأنه يبحث عن شيءٍ وعاد ببصره إلى صادق قبل أن يُردف كلماته المتهكمة:
_ فين قاسم بيه بتاعك دا؟ مش شايفه يعني؟
كاد صادق يتحدث إلا أن عبدَالله منع ذلك بقوله وهو يربت على ذراعه:
_ أنا تمام صدقني، عن إذنك
تركه وسار مبتعدًا عنه وشعورًا سيئًا قد راوده فجأة فتألم قلبه إثره، وضع يده على يسار صدره وأوصد عينيه محاولًا مقاومته لكنه كان أشد من أن تقاومه نفسه الضعيفة في تلك الأثناء، فتح عينيه على صوت والدته التي تجري نحوه:
_ يا حبيبي يا عبدَالله، أنت كويس، طمني عليك
حاول طمأنتها بكلماته الهادئة:
_ أنا كويس متقلقيش
تدخل زكريا مُعرفًا عن زوج خالته بأنفاس لاهثة:
_ عبدَالله، دا عمي أشرف المحامي جوز خالتي
_ فهمني إيه اللي حصل معاك بالظبط عشان أعرف أخرجك منها
قالها أشرف بعملية بينما ابتسم له عبدَالله وشكره:
_ شكرًا ليك، بس خلاص أنا خرجت ومش محتاج محامي، معلش تعبناك على الفاضي
بودٍ قال أشرف:
_ لا ولا يهمك، المهم إنك خرجت
نظر حيث زكريا وتابع حديثه:
_ همشي أنا بقى يا زكريا طلاما مش محتاجني..
بحرجٍ رد عليه:
_ معلش يا جوز خالتي تعبناك معانا
ولا تعب ولا حاجة، لو فيه حاجة كلمني، سلام
هتفها ثم غادر المكان، بينما توجهت الأنظار نحو عبدَالله وكان من تولى سؤاله صديقه وليد:
_ هما سابوك إزاي؟
كاد يجيبه إلا أن سؤال والدته قد أوقفه حين قالت وعينيها مُصوبة على شخصٍ بعينه يبعُدهم سنيتمرات قليلة:
_ الراجل دا بيعمل ايه هنا؟
صوّبَ عبدَالله بصره حيث تتطلع والدته فوجده المحامي، حمحم ليضبط حنحرته وقال وهو يلتفت برأسه ناظرًا لوالدته:
_ هو اللي خرجني..
ضاقت أحلام بعينها عليه ثم توجهت نحوه بخُطوات مهرولة، حاول عبدَالله منعها بقوله:
_ تعالي بس ياما أنتِ راحة فين؟
لم تجيبه وواصلت سيرها حتى وقفت أمام صادق الذي ابتسم فور رؤيتها ورحب بها:
_ مدام أحلام، أخبارك حضرتك ايه؟
اندفعت به أحلام شزرًا وعينيها ينطق منهما الشر:
_ اسمع يا صادق ابني خط أحمر، ألاعيبكم دي تروحوا تعملوها مع حد تاني لكن ابني...
قاطعها صادق مبررًا موقفه:
_ يا مدام أحلام إحنا في صف ابنك، أنا خرجته وأنا برده هتابع القضية لغاية ما أظهر براءته، أنا مش عايزك تقلقي أبدًا
_ وأنتوا طول ما أنتوا موجودين هطمن على ابني برده
قالتها بقلبٍ غير مُطمئن ثم أولته ظهرها ومشت وهي تأمر ابنها بحدةٍ:
_ يلا يا عبدَالله
تَبِعها إلى الخارج برفقة صديقيه، ثم غادروا قسم الشرطة عائدين إلى منطقتهم، انتقى عبدالله المقعد الأخير من السيارة وأخرج رأسه خارج النافذة ثم تفقد هاتفه وتفاجئ بالاتصالات الواردة من صبا، نظر إلى الوقت وأغمض عينيه بانزعاج عندما تخطى موعد خروجها من المستشفى.
أعاد الإتصال بها ولم ينتظر لمدة طويلة بل تفاجئ من سرعة ردها، فتحدثت هي بصوتٍ قلِق:
_ عبدَالله أنت كويس يا حبيبي؟
تقوس ثغره للجانب مشكلًا ابتسامة سعيدة، ثم طمأنها قائلًا بعذوبة:
_ أنا بقيت كويس بعد حبيبي دي..
لامته بخوفٍ:
_ دا وقته يا عبدالله، طمنى عليك
أجابها بمزيجٍ من المشاعر الفياضة التي اكتسبها من كلمتها ومن الضيق والهم لما تعرض له:
_ دي من النوادر يا دكترة إنك تقولي كلمة حلوة لحبيبك، دا أنا على كدا أحبس لك نفسي كل يوم عشان أسمع أي كلمة تروي قلبي العطشان دا..
أغمضت عينيها وهي تحرك رأسها مستنكرة ما يقوله الآن، أخرجت تنهيدة طويلة ثم سألته مستفسرة:
_ طيب سيبك من كلامك دا وطمني عليك، أنت خرجت؟
_ ايوا خرجت..
قالها ولم يُنهي جملته بعد حتى استمع لصوت أنثوي يُحادث صبا:
_ دكتورة صبا في حالات جت ومحتاجينك في الطوارئ
أماءت صبا بتفهم وقالت بإيجاز:
_ جاية وراكي على طول
عادت للمكالمة لتُنهِيهَا لكنه أسبق بسؤاله الجاد:
_ إيه دا أنتِ لسه في المستشفى؟
ردت وهي تخرج من مكتبها تهرول باتجاه الإستقبال:
_ ايوا هفهمك بعدين، خلي بالك على نفسك على لما أشوفك هنتكلم، سلام..
_ استني بس..
لم تسمعه فلقد أنهت الإتصال، أدخل عبدالله رأسه من النافذه وأعاد وضع هاتفه في جيبه فتفاجئ بأعين صديقيه ترمقانه وكذلك ضحكاتهم الماكرة، ناهيك عن الهمزات واللمزات بينهما، فصاح الآخر متسائلًا:
_ بتبصولي كدا ليه؟
غمزه وليد مشاكسًا إياه بمرحٍ:
_ واضح إن الدكتورة كانت قلقانة جدًا
لكز زكريا وليد في ذراعه بخفة مضيفًا:
_ وواضح إن قلقها جاي على هوى صاحبك
لم يكفوا عن الضحك والسخرية حتى فاجئهم عبدالله بانزعاجه المبالغ:
_ اقطم منك ليه، وسيرتها مش أي لسان كدا يتكلم عنها
رد زكريا محاولًا توضيح حُسن نواياهم:
_ بس إحنا بنهزر معاك يا عُبد
_ حتى لو هزار، سيرتها متجيش تاني على لسانكم، لا بحلو ولا بوحش ولا حتر بهزار، عشان المرة الجاية فيها زعلة
هتفها عبدالله محذرًا فتدخلت والدته في الحوار:
_ عبدالله عنده حق يا شباب، ودا ميزعلش أبدًا إنه بيحافظ على بنات الناس، هو بيخاف عليها وبيتقي ربنا فيها فانتوا واجبكم تساعدوه لأنها إن شاء الله في يوم هتكون مراته، والهزار اللي بيضحككم دلوقتي بعدين هتتكسفوا من نفسكم لما تفتكروه.
شعروا بالخزي الشديد، وطأطأ كلاهما رأسيهما ثم هتف زكريا معتذرًا:
_ عندك حق يا خالتي، سماح يا عبدالله
_ خلاص ياعم متزعلش كدا
قالها وليد بحرجٍ مسيطرًا على نبرته، بينما اكتفى عبدالله بهز رأسه وعاد يشاهد الخارج وعقله يفكر فيما سيفعله ليُظهر براءته دون مساعدة ذلك الصادق.
***
وصلا إلى منطقتهم، ترجل عبدالله من السيارة فور وقوفها وتوجه مباشرةً إلى ورشة مرسي بوجهٍ محتقن يملؤه الغضب، تبعوه من معه لِيُهَدأوه إن تفاقمت الأمور، صدح صوت عبدالله في الأرجاء قبل أن يصل إليه حين وقع مرسي تحت نظريه وهو يقف في ورشته:
_ مرسي..
اهتز مرسي مكانه واستدار وطالع اقتراب عبدالله منه وقد تملكه الذُعر، ترك المعدات التي بيده ليستقبل موجة غضبه، وقف عبدالله أمامه وأمسكه من تلابيب ملابسه وهتف بانفعال شديد:
_ بقى أنت تبلغ عني أنا؟ أنا اللي طالع عيني لف طول النهار وأجي آخر الليل ترميلي شوية ملاليم وراضي وبقول الحمدلله، أنا اللي محافظلك على عربيتك ومفيش فيها خدش واحد ولو حصلها حاجة بتحملها من جيبي رغم إني مش أنا السبب فيها، وفي الاخر تبلغ عني أنا؟!
بخوفٍ يشع من بؤبؤيه تحدث بصوتٍ مرتجف:
_ أنا آه بلغت بس بلغت عن السرقة مبلغتش عنك
باستنكار تام وعدم تصديق لما أخبره به هلل بإزدراء:
_ ولما أنت مبلغتش عني الحكومة خدتني ليه؟
بأنفاسٍ لاهثة أجابه:
_ هما سألوني مين اللي بيدخل الورشة، قولتلهم عبد الله بيرجع يسيب العربية فيها...
احتدت تقاسيم عبدالله واحمرت عينيه من فرط غضبه فتوجس مرسي خيفة وأسرع في إستكمال حديثه:
_ والله قولتلهم عبدالله دا واد غلبان وأمين وملوش في الكلام دا، بس الظابط اللي ما صدق مِسك في كلامي وأمر العساكر يروحوا ياخدوك..
_ آدم!!
هتفها من بين أسنانه المتلاحمة وهو يجوب بعينيه المكان من خلف مرسي الذي ردد مؤكدًا:
_ أيوا هو دا، سمعت العسكري وهو بيقوله أوامرك يا آدم باشا..
عاد عبدالله ببصره على مرسي ثم سحب يده بهدوءٍ وأولاه ظهره وغادر دون إضافة المزيد، فصاحت والدته متسائلة من خلفه حين رأته يَشُرد عن طريق العودة:
_ رايح على فين يا عبدالله؟
بإيجاز قال:
_ روحي أنتِ ياما..
نظرت أحلام إلى صديقيه بخوفٍ يطغوا عليها وقالت برجاء:
_ خليكم معاه متسبهوش لوحده
أماؤا بروؤسهم وتبعوه مهرولين، حتى صاح وليد متسائلًا:
_ على فين يابني كدا؟
أجابه عبدالله وهو يتابع سيره:
_ رايح صيدلية دكتور كارم أشوف كاميرات المحل مصورة إيه، ما أنا مش ههدى غير لما أعرف مين اللي لبسهالي
ولج الصيدلية دون استئذان مما أثار القلق في قلب الطبيب وتساءل بنبرةٍ غير مطمئنة حينما رأى ولوج صديقيه أيضًا:
_ في حاجة يا عبدالله؟
وقف أمامه ولم يفرق بينهما سوى الحائل المستطيل الذي يُقسم المكان إلى نصفين، وقال وهو يحك مؤخرة رأسه:
_ معلش يا دكتور ممكن نشوف الكاميرات عندك امبارح بليل
_ اه عشان تشوفوا الحرامي اللي سرق ورشة مرسي، دا حمادة جالي من بدري وطلب يشوف برده
أردفها الطبيب فأثار الريبة في نفس عبدالله الذي ردد إسمه بقلق مختلط بعدم الراحة:
_ حمادة!!
عاد بنظره إلى الطبيب وواصل:
_ طيب ممكن تسمح لنا نشوف، لأن دي قضية وأنا ممكن أخد فيها حكم لو مظهرش اللي عمل كدا
بلطفٍ رد عليه:
_ اه طبعًا اتفضل
دار عبدالله حول الحائل حتى تخطاه وجاور الطبيب الذي بدأ يفرغ محتويات الكاميرا بالأمس، لكنه تفاجئ بعدم وجودهم فأبدى استغرابه بالأمر:
_ إيه دا راحوا فين؟ تسجيلات امبارح ممسوحة
تدخل زكريا مستنكرًا ما قاله بهجومٍ:
_ اتمسحت إزاي يعني يا دكتور؟ هو حد بيشوف التسجيلات دي غيرك؟
طالعه الطبيب لثوانٍ بتيه يفكر قبل أن يعطيه إجابةٍ:
_ لأ، بس دول كانوا موجودين الصبح لما حمادة طلب يشوفهم
تضاعف استنكار زكريا من كلماته التي لا يصدقها عقله وصاح بلهجة حادة:
_ ويعني حضرتك كنت واقف معاه ولقيتهم موجودين، فجأة كدا اختفوا؟!
اقترح وليد ما يدور بعقله بصوتٍ عالٍ:
_ ما يمكن حمادة مسحهم؟
قلب زكريا عينيه فلم يحتمل غباء وليد واندفع به:
_ يعني هيمسحهم والدكتور مش هيشوفه، بلاش غباء واسكت
_ سِكِت
قالها وليد مستاءً بينما تذكر الطبيب ما حدث حينها وقال:
_ ما هو أنا مكنتش واقف معاه، جت ست محتاجة حاجة فأنا روحتلها وسيبته لوحده..
هتف زكريا عندما تأكد من حدسه:
_ يبقى هو اللي عملها
رمقه الطبيب وعلامات الاستفهام تَكثُر في عقله حول اتهامه وعندما فشل في إيجاد السبب حينها سألهم بفضولٍ:
_ بس هو ليه يعمل كدا؟
تبادلوا النظرات ثم هز عبدالله رأسه وردد إسمه وهو يتوعد له أشر وعيد:
_ حمادة، تمام
خرج من المكان ووقف يحدج بالشارع يرتب أفكاره جيدًا قبل أن يشرع في فعل أي شيء، وقع على أذنيه سؤال وليد الجاد:
_ ناوي تعمل معاه ليه؟
اقتحم زكريا الحوار بقوله المُندفع دومًا:
_ إحنا نروح نجيبه من قفاه ونعطيه علقة تنسيه إسمه
لم يعقب عبدَالله على الفور بل أخذ وقتًا يعيد ترتيباته ثم ظهرت على ملامحه ابتسامة خبيثة تعجبا الشباب منها، التفت إليهما ومرر بصره بالتناوب بينهما ثم أردف:
_ تعالوا معايا..
***
عاد حماد إلى منزله بعد أن تأكد من عدم وجود ما يُدِنه بعد واقعته الأخيرة، كان يُغرد بسعادة لأنه أساء لعبدالله وحتى إن لم يجد ما توقعه الآن فسوف يراه وهو يُعاقب حينما تُثبت تهمة السرقة عليه.
دلف إلى هاوية الدرج المظلمة، خفق قلبه رعبًا حين استمع إلى صوت صافرة تلاها أخرى من مكانٍ آخر، والثالثة جاءت من آخر غيرهم، وقف يتلفت حوله يبحث عن مصدر الأصوات لكنه لم يرى شيئًا فاستخدم صوته الذي خرج مهزوزًا:
_ مين؟ حد هنا؟
فقط صمت مخيم على المكان، والآحر تلك الأنفاس الذي شعر بها تُحاوطه والتي زادته خوفًا، فقرر الاستعانة باضاءة هاتفه ليرى ما يشعر به حقيقة أم سراب، أشعل الإضاءة الخلفية فتفاجئ بوجهٍ ظهر من العدم يُردد:
_ عملت كدا ليه؟
صدح صوت آخر من جانبه الأيمن فوجه الهاتف نحوه ليظهر وجهًا آخر يهمس:
_ أنت اللي سرقت ورشة مرسي ولبستها لعبدالله
وما قضى عليه ذلك الصوت الثالث الذي تحدث بصوتٍ أجش:
_ انطق، أنت اللي عملت كدا صح؟!
فاض الكيل ولم تعد قدميه تستطيع حمله، وخر واقعًا وبصعوبة بالغة صرخ مستنجدًا بأحدهم:
_ الحقوني..
اشتعل مصباح الدرج ليوضح هوية الواقفين، وظهرت فتاة تركض من على الدرج يكسو وجهها الخوف العارم، اقتربت من حمادة وجست على ركبتيها لتطمئن عليه:
_ في إيه مالك؟
رفعت أنظارها عليهم واندفعت فيهم بهجومٍ:
_ عملتوا فيه إيه؟ ردوا عليا
حدجها عبدالله قليلًا قبل أن يردف مجيبًا:
_ محدش لمسه ماهو عندك أهو، اسأليه لو حد قربله
عادت ناظرة إليه وتساءلت مستفسرة عن سبب الخوف البادي على ملامحه:
_ حصلك إيه وايه اللي وقعك كدا؟
ابتلع حماده ريقه ونظر إلى عبدالله ببغضٍ وقال من بين أسنانه المتلاحمة:
_ اسالي أخوكي واصحابه عملوا إيه
أغمضت عينيها ثم وقفت واقتربت م عبدالله وهتفت وهي تضربه في صدره بقوة:
_ مالك ومال جوزي؟ مش قولتلك ابعد عننا؟ مُصر تبوظ حياتنا ليه؟
صعق عبدالله من كلماتها اللاذعة التي أحرقت قلبه، أمسك بيدها التي تضربه وضغط عليها بغضبٍ ثم قال باستياء واضح:
_ قبل ما تقفي قدام اخوكي وتقوليله الكلام، روحي اسألي جوزك سرق ورشة مرسي ولبسهالي أنا ليه؟
_ حمادة ميعملش كدا
قالتها بثقة فقهقه عبدالله وكذلك وليد وزكريا بسخرية، بينما حرك عبدالله رأسه يمينًا ويسارًا مستاءً من دفاعها الدائم عن ذلك الوغد، أخرج تنهيدة حارة وأردف آخر ما لديه:
_ فوقي بقى يا زينب، فوقي واعرفي إنك واقفة مع الجهة الغلط، انا اخوكي وعايز مصلحتك مش عايز ابوظلك حياتي يا بنت أمي..
استدار بجسده ورمق حمادة بنظراتٍ ساحقة وحذره بإبهامه:
_ حسابك مخلصش، مكانك في السجن مش أنا
غادر المكان برفقة صديقيه اللذان لم يتوقفا عن الضحك على ما فعلوه بحمادة وخوفه المثير للضحك، توقف عبدالله عن المشي ونظرا لأصدقائه هاتفًا بحماسة:
_ تاكلوا سندوتشات كبدة؟
هتف وليد عاليًا:
_ أكيد ودي عايزة كلام
تابعوا سيرهم حتى وصلوا إلى عربة الكبدة التي تقف على ناصية الشارع، فقال عبدالله للبائع:
_ ٩ سندوتشات كبدة ياعم حسن
_ من عنيا يا عبد الله يابني
قالها العم حسن ثم بدأ بتحضير الشطائر لهم فتساءل زكريا مازحًا:
_ إلا السندوتش بقى بكام يا عم حسن بعد الغلا دا؟
أجابه حسن وهو يتابع تحضيره:
_ بـ ١٠جنيه يا زكريا
فغر زكريا فاها وهتف:
_ وعلى كدا دا بلدي ولا مستورد؟
عقد حسن حاجبيه لغرابة سؤاله فلم يعي ما يقصده وسأله:
_ هو إيه دا؟
_ الكلب طبعًا
أردفها زكريا، فصُعق حسن وحدجه بأعين جاحظة ثم دافع عن طعامه بانفعال:
_ حاسب على كلامك أنا بتقي ربنا في اللي بأكله للناس
تدخل عبدالله لينهي سخافة ما أحدثه زكريا:
_ سيبك منه يا عم حسن دا أهبل بيهزر، بس هزار تقيل حبتين، كمل أنت وزود الكلب شوية، قصدي الكبدة
انفجروا ضاحكين على داعبة عبدالله بينما، ترك حسن الملعقة وألقى الشطيرة بعصبية واندفع فيهم بحنقٍ:
_ طب مش عاملكم حاجة، روحوا كلوا في مكان تاني
استنكر وليد أفعالهم واقترب من حسن وقَبّل رأسه ثم اعتذر منه بلطفٍ:
_ حقك عليا يا عم حسن دي عيال رخمة، سيبك منهم وكمل أنا على لحم بطني من الصبح مأكلتش حاجة..
نظر وليد إليهما وأشار بعينه ليعتذروا منه، فبدأ عبدالله بالاعتذار:
_ متزعلش يا عم حسن إحنا زي ولادك وبنحب نهزر معاك
أضاف زكريا قائلًا:
_ كمل كمل يا راجل طيب أنت لو هتاكلنا كبدة وليد حتى هناكلها من ايدك وإحنا واثقين فيك
تأفف حسن وواصل تحضيره على مضضٍ، انتهى منهم فأخذهم وليد وقام عبدالله بدفع حسابهم، ثم بدأوا بتناولهم مستمتعين بلذة مذاقهم الشهية، توقفوا عن الطعام فجأة وصوبوا بصرهم نحو ذلك الكلب الذي خرج من منزل حسن فتساءل وليد تلقائيًا فور رؤيته:
_ بتاعك الكلب دا ياعم حسن؟
التفت حسن ونظر إلى الكلب ثم أجابه بإبتسامة عفوية:
_ دا بتاع الواد ابن ابني
عض عبدالله على شفتيه لبرهة ثم قال:
_ ما شاء الله وكمان بتربوهم تربية بيتي!!
لم يستطيعا التماسك وانفجرا ثلاثتهم ضاحكين، فأثاروا غضب العم حسن الذي ترك ما بيده والتقط المغرفة الحديدية المُعلقة على العربة ثم ركض خلفهم، لكن هيهات لسرعتهم فلقد فاقوه حتى اختفوا من أمامه.
توقفوا عن الركض حين تأكدوا من ابتعادهم مسافة مناسبة ثم وقفوا يلتقطون أنفاسهم التي هربت من رئتيهم، ثم يعاودوا الضحك حين يتذكرون حتى قطع ضحكاتهم صراخ عبد الله المُتألم:
_ أه بطني مش قادر..
***
يا ترى عبدالله حصله إيه؟
مستنية رأيكم وريفيوهاتكم الجميلة، بالمناسبة هي اللي بتشجعني وبتديني باور..
متنسوش ترشحوها لصحابكم واعملوا لاف وكومنتات كتير عشان توصل لغيركم
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇
اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺


تعليقات
إرسال تعليق