القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية على دروب الهوى الفصل الاول بقلمي تسنيم المرشدي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج


رواية على دروب الهوى الفصل الاول بقلمي تسنيم المرشدي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 



رواية على دروب الهوى الفصل الاول بقلمي تسنيم المرشدي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 


عَ دروب الهوى مَشّاني حبيبي

عَ دروب الهوى مَشّاني

وعَ كرم الهوى وَصَّلني حبيبي

وعنقودو اسْتوى وناداني ناداني


سوا سوا رحنا نمشي إيد بإيد

والهَوا يْلَوّحنا متل العَناقيد

غَمَرني بالهَنا

وسَحَرني بالغِنا

حتّى إسمي أنا

نسّاني 


كان يقف على أطراف أصابعه ويمُدُ ذراعه للأعلى لتصل كلمات الأغنية إلى آذانها، انتظر قليل فقليلًا بعد، ثم انشرح ثغره بابتسامةٍ سعيدة حين فُتحت أبواب شُرفتها، وظهرت هي بطلتها الساحرة، التي تسرق قلبه بعد أن استمعت لصوت فيروز، تلفتت يمينًا ويسارًا تتفقد المكان من حولهما قبل أن تُسقِط عينيها عليه. 


تشكلت ابتسامة خجولة على محياها وتساءلت بصوتٍ خافت:

_ عايز ايه؟ 


أسبل عينيه في عينيها الخضراء التي تُشبه أغصان الزيتون، وأجابها بنبرةٍ بلغت من العشق مجده:

_ وحشتيني يا دكترة، بقالي يومين بحالهم مش عارف أشوفك 


عضت على شفاها السُفلية بحياء وأخفضت بصرها قبل أن تعود ناظرة إلى عينيه المُتيمة بها وقالت برقةٍ: 

_ غصب عني، كنت شيفت ليلي 


عبست ملامحه وهو يعاتبها بلطفٍ: 

_ وبعدين بقى في الشيفتات الليلية دي، مش قولنا نبطلها؟ 


حمحمت قبل أن توضح له أن الأمر خارج إرادتها: 

_ الموضوع مش بإيدي والله، دي أيام ومتقسمة عليا أنا وبقيت الـ Doctors 


ارتخت تعابيره من الحِدة إلى اللين تدريجيًا، وقال وهو يُغازِلها بأسلوبه الخاص: 

_ بقيت الـ إيه؟ Doctors، آه من الدكترة آه


قهقهت على أسلوبه الطريف لكن سرعان ما تشنجت تقاسيم وجهها حين استمعت إلى صوت أبيها الذي يناديها من الداخل وأردفت كلماتها بتوترٍ بائن: 

_ أبويا بينادي عليا، أنا هدخل.. 


أدارت ظهرها له ثم تراجعت ونظرت إليه فكان على وشك المغادرة، نادته فعاد ناظرًا إليها ثم قالت ببسمةٍ لطيفة:

_ تصبح على خير يا عبدَالله 


إلتوت شفتيه للجانب وقال بِعذُوبة: 

_ وأنتِ من أهل عبدَالله 


خفق قلبها بقوة واحمرت وجنتيها ثم أسرعت إلى الداخل عندما أعاد والدها تِكرار ندائه، ولج غرفتها

قلقًا من عدم ردها أثناء غلقها لباب الشرفة، وقفت أمامه جاحظة العينين خشية أن يُكشف أمرها فتعجب الآخر من حالتها المريبة وسألها مستفسرًا: 

_ مالك يا صبا، واقفة عندك بتعملي ايه؟ ومش بتردي عليا ليه بقالي ساعة بنادي عليكي


حُشِرت الكلمات داخلها، واجهت صعوبة بالغة وهي تحاول إخراجهم لتجيبه، حمحمت وحاولت تهدئة روعها ثم اقتربت قليلًا منه وأجابته بنبرةٍ متريثة عكس داخلها المضطرب: 

_ معلش يا بابا كنت بصلي ركعتين لله.. 


ابتسم والدها بهدوء ثم قال بصوتٍ أجش: 

_ تقبل الله يا حبيبتي


_ حضرتك كنت محتاج حاجة؟ 

سألته باهتمامٍ ظاهر فتذكر والدها ما جاء لأجله وقال:

_ كنت عايز أشرب فنجان قهوة من ايديكي الحلوين، بقالي يومين مشربتش


انضمت إليهم والدة صبا التي أظهرت غيرتها تجاه زوجها وطلبه من ابنتهما: 

_ شوف الراجل! بقى أنت بقالك يومين مشربتش؟ أومال أنا كنت بعملها لمين؟ لنفسي؟! 


غمز بعينه إلى صبا وشاكس زوجته مازحًا: 

_ وهي دي قهوة برده يا أم جمال؟! 


اتسعت حدقتيها وهي تردد كلماته بحنقٍ:

_ بقى كدا يا محمود؟ 


أولته ظهرها بحزنٍ سيطر عليها وكادت تغادر إلا أنه أوقفها بقوله: 

_ استني بس يا إجلال، أنتِ ليكي منطقتك اللي بتعملي فيها الحلو كله سيبي حاجة واحدة للبنت تعملها حلو..


انفرجت شفتيها وانشرح قلبها فهلل عاليًا: 

_ تعالي إحنا نقعد جوا على لما الدكتورة تعمل لنا القهوة 


سبقته إجلال خارج الغرفة بينما التفت محمود إلى  ابنته وغمزها قبل أن يردف مازحًا: 

_ بتيجي وتروح بكلمتين 


لم تستطيع صبا كتم ضحكاتها وانفجرت ضاحكة بينما أسرع ابيها خلف والدتها، زفرت أنفاسها وهي تحدق بباب الشرفة، إلتوى ثغرها للجانب حين تذكرت عبدَالله، خفق قلبها بشدة، وتعالت وتيرة أنفاسها حين تذكرت دعائه أن تكون من أهله، آمّنت داخلها وهي تتمنى حدوث ذلك، ثم توجهت إلى المطبخ لتعُدُ قدحان من القهوة لوالديها. 


***


غادر بعد تأكُده من عدم عودتها مرة أخرى، تناوب سيره بين الأزقة الضيقة لكي يخرج إلى الشارع، حمد الله أن غرفتها بعيدة عن الأعين ليُمتع نظره برؤيتها كلما اشتاق إليها، لم يتوقف عقله عن تذكيره بدفع ما عليه فتعكر صفوه وزمجر: 

_ آل يعني ناسي.. 


خرج إلى تلك المنطقة الشعبية الذي يقطن بها، كان يلقي السلام على كل من مر به، وصل إلى ورشة تصليح سيارات ثم دس يده في جيبه وقام بسحب ورقة مطوية وهو يردد كلماته حتى يجذب انتباه العامل الذي يظهر جزءًا من جسده والجزء الآخر أسفل السيارة: 

_ يا سطا مرسي، جايب لك إيراد العربية، والعربية وديتها المغسلة زي ما طلبت مني.. 


خرج مرسي من أسفل السيارة فظهر وجهه المُطلخ باللون الأسود، وقال وهو يلتقط منه المطوية:

_ هات يا خويا لما نشوف الفلوس ناقصة النهاردة ولا زايدة..


حمحم عبدَالله وأخبره بتمامِهم: 

_ الفلوس زايدة المرة دي عن اللي فاتت، قبضني بقى عشان أروح أشوف مصلحتي


_ فلوس إيه اللي زايدة يا عبدَالله؟ الفلوس كل مادا ما بتنقص

هتفها مرسي وهو يعُد النقود فرد عبدَالله موضحًا السبب: 

_ البنزين غلى يا سطا مرسي والعربية بتسحب كتير من كتر اللف، وأنا يعني لو بحطهم في جيبي كان هيبقى دا حالي؟ 


زفر مرسي أنفاسه بضجرٍ، أخذ بِضعة ورقات نقدية وأردف وهو يناولهم له: 

_ طب خد يا خويا يوميتك.. 


أخذ عبدَالله النقود، وفغر فاهه بصدمة حين وجدهم ثلاثة ورقات فقط وصاح معترضًا: 

_ إيه دا؟ ٣٠٠جنيه يعني أنا ألف واتعب ١٢ ساعة متواصل وفي الآخر أخد ٣٠٠جنيه!! 


ببرودٍ قاسٍ ولا مبالاة لتعبه هتف مرسي: 

_ دا اللي عندي ولو مش عايز تشتغل هجيب واحد غيرك كمان ساعة 


تشدق عبدَالله بفمه ورمقه بسخطٍ ثم تركه وغادر، فأوقفه الآخر بقوله: 

_ متتأخرش بكرة يا عُبدالله


لم يعيره عبدَالله اهتمام فهو رجلًا ظالم لا يفعل بوصية رسول الله ويعطي الأجير حقه كاملًا، بل ينفق ببخسٍ على الآخرين، بصق عبدَالله باشمئزازٍ وردد بينه وبين نفسه: 

_ راجل عرة 


توجه نحو الصيدلية وأعطى الطبيب الروشتة التي أخرجها من جيب بنطاله، انتظر حتى أتى الطبيب بالأدوية ثم أعطاه نقوده وغادر، قام بشراء بعض الأطعمة ثم عاد إلى منزله، استقبلته والدته بحفاوة وحبٍ: 

_ نورت البيت يا قلب أمك 


التقط يدها وطبع قُبلةً عليها ثم أردف بحنانٍ: 

_ دا نورك ياست الكل، أنا جبت لك علاج الكوليسترول خديه بقى عشان تبقي كويسة 


_ ربنا يخليك ليا يا عبدَالله، ويسعد قلبك يابني يارب 

دعت بفطرتها وهي تتمنى أن يستجيب الله لدعائها، حمحمت ثم سألته باهتمام: 

_ أحضر لك لقمة تاكلها؟ 


_ ياريت، دا أنا واقع من الجوع

قالها وهو يتحسس بطنه بحركات دائرية فأشارت إلى عينيها وقالت قبل أن تغادره: 

_ من العين دي قبل دي 


أسرعت إلى المطبخ تُحضر طعامًا شهيًا يملأ معدته ويُدفء جوفه، بينما ولج عبدَالله إلى المرحاض لينعم باستحمام يُنعش جسده ويريح عضلاته فلقد كان يومًا شاق كغيره من الأيام، وقف أسفل المياه وأغمض عينيه، وحلق بخياله إلى حلمٍ لو تحقق سيزيل عبء كبير من على اكتافه. 


أعاد فتح عينيه حين شعر ببرودة المياه وصاح بصوتٍ عالٍ:

_ المية يا أحلام مش كدا في بني آدمين بتستحمى


جاءه صوتها من الخارج وهي تقول:

_ معلش يا عبدَالله فتحت المية بالغلط 


تنحى جانبًا إلى أن عادت المياه ساخنة ثم وقف أسفلها وأكمل استحمامه وخرج بعد أن حاوط خصِره بالمنشفة يبحث عن شيءٍ يرتديه بسرعة حتى يُدفء جسده من برودة الطقس، فشهر يناير معروفًا بانخفاض درجة حرارته. 


انتهى من ارتداء ملابسه ثم اقترب من بنطاله وأخذ منه النقود المتبقية لديه وتوجه نحو الكومود وأخذ منه عُلبة مكتوبًا عليها 'عشان أتجوز صبا' قام بوضع النقود بها ثم أعادها إلى الدرج وخرج ليتناول طعامًا يُشبع به معدته. 


***


في الصباح، استيقظت بنشاطٍ وحيوية وقامت بأداء ركعتين كما اعتادت من كل صباح، ثم توجهت إلى الخارج فقابلتها والدتها وقالت بحنانٍ: 

_ صباح الخير يا زينة الصبايا 


ابتسمت بسعادة فهي تحب ذلك الإسم منها، اقتربت منها وهي تجيب تحيتها: 

_ صباح الفل يا ماما 


انضم إليهن محمود الذي ألقى تحيته:

_ صباح الخير يا دكتورة 


_ صباح الخير يا بابا 

قالتها فتابع محمود متسائلًا باهتمام: 

_ شكلك عندك نبطشية صباحية 


أماءت برأسها فواصل والدها وهو يلتقط هاتفه من جيب جلبابه البيضاء:

_ حيث كدا أكلم عبدَالله عشان يكون جاهز ومتتأخريش 


خفق قلبها فور سماعها اسمه، عصف بها توترًا حتى شعرت بافتضاح أمرها، فاعتدلت في وقفتها و وحاولت إرخاء وجهها المُتلهف، على الجانب الآخر هاتف محمود عبدَالله وبعد فترة سمع صوته الناعس:

_ عم محمود..


حدّثَهُ محمود عما يريده منه بلهجة طيبة: 

_ عايزك توصل الدكتورة صبا المستشفى يا عبدَالله 


انتفض عبدَالله من مكانه، فرك عينيه وأردف بصوتٍ أكثر اشراقًا: 

_ خمس دقايق وهكون واقف تحت 


أنهى الإتصال ونهض سريعًا يلتقط ملابس له من خزانته، كاد يغادر إلا أنه تريّث وعاد إلى المرآة يتفقد حالته، فلم تكن جيدة، وقف يُمشط شعره ووضع من قنينة العطر الذي اشتراه خصيصًا ليضعها وهو يرافق صبا، أعاد تفقد نفسه فكان لابأس به، خرج من الغرفة فوجد والدته أمامه تسأله: 

_ أنت رايح فين من بدري كدا؟ هتوصل الدكتورة؟ 


أماء عبدَالله دون تعقيب ثم توجه إلى الخارج فهتفت هي: 

_ مش هتفطر قبل ما تنزل؟ 


_ بعدين، بعدين 

هتفها واختفى من أمامها في لمح البصر، توجه إلى ورشة مرسي ليأخذ منه السيارة، بالتأكيد مغلقة فالوقت ما زال باكرًا، تنهد بانزعاج ثم قام بالإتصال على ذلك المرسي، فأجاب بعد قليل على مضضٍ: 

_ في إيه يابني بدري كدا؟ 


أجبر عبدَالله لسانه على مُجاراة ذلك السمج فأجابه بإيجاز: 

_ محتاج العربية..


تفقد مرسي الوقت وعاد يُحادثة بغِلظة: 

_ لسه ساعتين على ورديتك وتستلم العربية 


أغمض عبدَالله عينيه محاولًا تمالك أعصابه وقال بهدوءٍ:

_ بس أنا محتاجها دلوقتي، اعملي استثناء النهاردة ومش عايز حقهم.. 


لم يفكر مرسي كثيرًا، وافق أن يُسلمه السيارة، وقف في شرفة بيته وقام بإسقاط مفتاح الورشة ومعه مفتاح السيارة وصاح عاليًا بأمرٍ: 

_ اقفل الورشة كويس بعد ما تخرج العربية 


اكتفى عبدَالله بإيماءة من رأسه وأسرع خُطاه إلى الورشة، أخرج السيارة سريعًا وقام بتوصيد قفل الورشة حتى لا يسمع سخافاتٍ لا يريدها، قاد السيارة حتى وصل بيت صبا وهاتف محمود يُخبرَهُ بوصوله.


شعر بحاجته المُلحة في إشعال سيجارة، نظر حيث منزل صبا وعندما لم يجدهم قد جاءوا، ترجل من السيارة سريعًا ووقف جانبًا ثم سحب عُلبة السجائر من جيبه وقام بإشعالها، وقف ينفثها باستمتاع حتى وقعت أصواتهم على أذنيه فقام بإلقائها سريعًا ودعس عليها ليمحي أثرها حتى أطفأها تمامًا. 


تلك الأثناء رأته صبا وتجهمت تعابيرها، بينما نظر محمود إلى عبدَالله وقال بصوتٍ أجش:

_ وصل الدكتورة يا عبدَالله وامشي على مهلك


اختلس عبدَالله نظرة سريعة على صبا وجاوبه بعملية: 

_ عنيا يا عم محمود، متقلقش عليها


أسبقت صبا بركوب السيارة في الخلف، وكذلك استقل عبدَالله خلف المقود وودع محمود ثم تحرك بالسيارة مبتعدًا عن الحارة، تفقد عبدَالله المِرآة الخارجية ليتأكد من ابتعادهم الكافي ثم أعدل المِرآة العُليا فعكست له ملامح وجهها الغاضبة وسرعان ما انفجرت به: 

_ هو دا اتفاقنا؟ مش قولنا تبطل سجاير؟ 


راوده بعض الخجل وحاول تهدئتها بكلماته: 

_ وأنا قولت هحاول، مش معقول في يوم وليلة هقدر أبطل من نفسي كدا، بحاول على قد ما أقدر إني أشغِل نفسي ومشربش بس استحملي شوية؛ الموضوع مش هيحصل مرة واحدة.. 


لم تقتنع، ما زالت تقاسيمها حادة غاضبة، ابتسم عبدَالله ومازحها: 

_ خلاص يا دكترة بلاش الوش دا، هحاول أكتر من كدا 


تنهدت صبا وارتخت ملامحها بعد فترة، تابع عبدَالله قيادته وعينيه تختلس النظر إليها من آنٍ لآخر، حاول تلطيف الأجواء فقال بنبرةٍ مُتيمة: 

_ وحشتي قلبي يا دكترة


أدارت صبا رأسها وحركتها مرارًا لا تصدق تغييره للحوار، لكنها لم تستطع منع ابتسامتها التي ظهرت على ثغرها واعتقدت أنه لم يراها لكن هيهات لعينيه التي تتفحصها جيدًا، فهلل عاليًا بسعادة: 

_ اضحكي اضحكي.. 


حاولت إخفائها ونظرت إلى المِرأة بوجهٍ جامد وقالت بغيظ: 

_ متحاولش، أنا مضايقة منك 


صف عبدَالله السيارة جانبًا والتفت بجسده ناظرًا إلى عينيها الخضراوين وأردف بصوتٍ رخيم: 

_ لا مقدرش على كدا، دا أنا ماشي برضا ربنا وأمي ورضاكي علينا يا دكترة


عقدت صبا ذراعيها على صدرها بتحدٍ وهتفت بتزمجر: 

_ متحاولش..


_ طب يرضيكي إيه؟ 

سألها باهتمام فأجابته بإصرارٍ: 

_ يكون عندك عزيمة إنك تبطلها خالص، مفيش هحاول دي تاني 


_ هحاول

قالها بتلقائية فاتسعت حدقتيها ورددت دون تصديق:

_ برده؟! 


_ قصدي هبطلها 

هتفها ثم أضاف بحزنٍ مصطنع: 

_ بس تعرفي، أنا زعلان أوي إني مكملتش تعليمي.. 


قطبت صبا جبنيها بغرابة وسألته بفضولٍ عن سبب حُزنه:

_ ليه؟ 


رد عليها وهو يطالع عينيها اللامعة:  

_ آخر حاجة قالولهالي إن القمر بيكون بليل بس، مش لو كنت كملت تعليم كنت عرفت إنه بيطلع بالنهار برده! 


تفاجئت صبا أن الحديث يدور حولها، وضعت كفوفها أمام وجهها حين شعرت بالحرارة المُنبعثة منه، قهقهت وهتفت وهي تحرك رأسها باستنكار:

_ أنت مشكلة يا عبدَالله


شاركها الضحك ثم أردفت هي:

_ طب يلا يا سيدي عشان هتأخر بسببك 


تحرك بالسيارة ثم قام بتشغيل أغنية لأم كلثوم وردد معها بنبرة مرتفعة حتى غطى صوته على صوتها: 

_ غلبني الشوق وغلبني، أه والله غلبني.. 


لم تمنع ضحكاتها التي خرجت عفويًا منها على ما يفعله، تذكرت شيئًا عليها إعطائه له، أخرجت من حقيبة ظهرها الصغيرة عُلبة طعام ثم مدت ذراعها بقُربه وقالت: 

_ طبعًا مفطرتش، عملت لك سندوتشات 


تقوس ثغره ببسمةٍ عفوية وأخذ منها العُلبة وأردف ممتنًا لها بصوته الهادئ:

_ تسلم الإيدين اللي عملت يا دكترة 


_ الله يسلمك 

قالتها على استحياء بينما بدأ يتناول الشطائر بنهمٍ واستمتاع شديد، وكأن بهما عسل، حتمًا سيكونون كذلك بعد أن لمسته هي بأصابعها الصغيرة،

ظلت تتابعه وهي يأكل بطريقته الطريفة حتى وصلا إلى المستشفى، وقف أمام بوابتها بأمرٍ منها:

_ خليك هنا عشان هما مش هيدخلوك لو عرفوا إنك أوبر.. 


باستنكار تام ردد: 

_ المستشفيات الخاصة دي ليها قوانين غريبة، وعلى كدا اللي عايز يدخل جوا يعمل ايه؟ 

أردفها فقالت صبا مجيبة إياه: 

_ يجي مريض وهو يدخل، سلام بقى عشان أنا فعلًا اتاخرت 


ترجلت من السيارة ولم يبرح عبدَالله مكانه حتى اختفت من أمام عينيه، وبعد ذلك فعّل برنامج التوصيل على هاتفه ليُمارس عمله، ثم تحرك نحو من قام بطلبه. 


*** 


داخل المستشفى، توجهت صبا إلى غرفتها وقامت بارتداء روبها الأبيض ثم خرجت لتُمارس عملها، رحبت بها زميلتها بحفاوة: 

_ صباح الخير يا صبا


بادلتها صبا التحية بودٍ: 

_ صباح النور يا هدى


فحصت صبا المكان من حولها وأضافت بعملية:

_ الجو شكله هادي النهاردة 


_ ما أنتِ عارفة الشيفت الصباحي بيكون أهدى من بليل، ياريتنا نيجي صباحي على طول 

هتفت بهم هدى مُتمنية وجودها في الدوام الصباحي فقط، لأنه أقل مجهودًا من الليل، استمعت إلى قرقرة بطنها فقالت: 

_ أنا مفطرتش، تعالي نفطر سوا 


رفضت صبا معللة السبب: 

_ أنا فطرت، ماما مش بترضى تنزلني من البيت من غير أكل 


ابتسمت هدى وأردفت بلطفٍ: 

_ ربنا يباركلك فيها يا صبا، طب هروح أنا الكافتيريا اشتري أي حاجة أكُلها على ما يطلع لنا شغل.. 


حركت صبا رأسها بإيماءة ثم ذهبت هدى، وبقيت صبا في المكان بمفردها، فقررت التجول قليلًا ربما تجد عملًا لها، طال وقتِ تجولها دون فائدة فتوجهت إلى موظف الإستقبال تسأله عن التطورات الجديدة: 

_ صباح الخير، إيه الجديد عندنا النهاردة؟ 


لم يكاد يجيبها حتى دوت صافرة الإسعاف في الخارج، فصوبت صبا بصرها تلقائيًا نحو الباب تتابع ما يحدث، ترجل الممرضين من الإسعاف حاملين أحد المرضى على الناقلة، ثم انتبهت على صاحبة الصوت التي تصرخ عاليًا بِذُعرٍ: 

_ إلحقونا، عايزين دكتور طوارئ بسرعة 


هنا تحركت صبا نحوهم بخُطوات عجِلة، وقفت أمام الناقلة وقالت موجهة حديثها للمرأة حتى تهدأ: 

_ أنا موجودة، من فضلت اهدي 


نظرت إلى الممرضين وسألتهم بعملية:

_ حصله ايه؟ 


أجابها أحدهم من بين أنفاسه اللاهثة: 

_ عمل حادثة.. 


_ عايزة تقرير سريع.. 

أردفتها صبا فأخبرها الآخر بوضع مؤشراته الحيوية وجميع فحوصاتهم الأولية في السيارة فأمرتهم صبا قائلة: 

_ دخلوه الأوضة بسرعة


أسرعت خلفهم حتى ولجت غرفة الطوارئ لتبدأ عملها مع المريض الأول اليوم. 


*** 


بعد مرور بعض الساعات، كان يقف ذلك المتسكع في زُقاقٍ يُنفث دخان سيجارته حتى انتهت ثم ألقاها تحت قدمه ودعسها بغيظ، توجه إلى ورشة مرسي متأملًا أن يقبل ما رفضه مرارًا، وقف أمام الباب وقال بصوتٍ أجش:

_ مش ناوي ترضى عني يا سطا وتشغلني على العربية؟ 


قلب مرسي عينيه بضجرٍ؛ فلقد سئم من توسلاته التي لا تكِل، انحنى بجسده ومال للأمام وتابع تصليح السيارة ثم أجابه بإيجاز: 

_ العربية شغالة فعلًا.. 


تشنجت عروق عنق الآخر وحاول جاهدًا الحِفاظ على هدوئه على الرغم من غضبه المُتقد داخله: 

_ أيوا بس دي بتشتغل بالنهار بس، ممكن أخدها أنا بليل 


رد عليه مرسي وهو يتابع عمله بتركيز:

_ وليه أستهلكها ليل ونهار، لما تخرب أنت هتنفعني بإيه؟ 


_ وهو عبدَالله بينفعك بإيه؟

قالها بنبرةٍ مليئة بالحقد والبغض استحثها مرسي، اعتدل في وقفته وواجهه ثم قال بأعين ضائقة: 

_ أنت حاطت عبدَالله في دماغك ليه يا حمادة؟ 


لم يتحمل ما قاله وصاح عاليًا بحنُقٍ: 

_ ويطلع ايه عبدَالله بتاعك دا عشان احطه في دماغي؟ 


مالت شفتي مرسي للجانب وشكل بسمة تسببت في مضاعفة غيظ حمادة وأردف بثباتٍ: 

_ لا يطلع كتير، ودا اللي مموتك منه، دا اللي مخليك مش قادر تبلعه، كفاية إنه محترم وآمين ولو حكمت اختار بينكم يشتغل على عربيتي، هختاره تاني وتالت، ما أنا مش بلاقي فلوسي في الشوارع عشان أسيبها مع واحد بايع دماغه للشُرب، روح يا حمادة الله  يسهلك أنا مش فاضيلك 


أولاه ظهره وعاد يواصل عمله غير آبِه لنظرات الآخر التي يشُع منهما الكُره الشديد لعبدَالله، وأقسم داخله بألا يدعه وشأنه، غادر الورشة وهو يردد من بين أسنانه المتلاحمة: 

_ ماشي يا مرسي، أنا هوريك عبدَالله اللي طالعلي بيه القلعة دا هعملك فيه ايه، يا أنا يا أنت عبدَالله


***


نهضت عن مكتبها وتوجهت إلى غرفة المريض الذي جاء في الصباح لتطمئن عليه وتتابع حالته، طرقت الباب ثم دلفت حين سمحوا لها من الداخل، ولجت بإبتسامة رقيقة وقالت وعينيها تجوب المكان متفحصة كم العدد الموجود في الغرفة: 

_ مساء الخير.. 


صوبت بصرها على المريض وتابعت: 

_ حضرتك أحسن دلوقتي؟ 


تعجبت صبا من عدم رده، وما زاد خجلها أنه غاص في ملامحها حتى شعرت بوخزة قوية داخل صدرها وحينها عصف بها الارتباك، ابتلعت ريقها وحاولت جذب انتباهه بسؤالها مرة أخرى: 

_ حضرتك كويس؟ 


والنتيجة ذاتها، دون إجابة، هنا خفق قلبها بقوة، ولم تدري ماذا يحدث معه، تدخلت أحد الموجودات ووجهت حديثها إليه متعجبة من أمره: 

_ عاصم، الدكتور بتسألك أنت كويس يا حبيبي؟ 


خرج عاصم من شروده على صوتها، أبعد نظريه عن صبا بصعوبة وردد بتِيه: 

_ بتقولي حاجة يا ماما؟ 


رُفع حاجبيها بغرابة وأعادت ما قالته بحرجٍ:

_ الدكتور بتسألك أنت كويس، رد عليها؟ 


هز عاصم رأسه وأعاد بصره نحوها ثم قال مختصرًا: 

_ كويس.. 


ابتسمت صبا على حالته المريبة ونظرت حيث والدته وسألتها مستفسرة: 

_ هو كدا من وقت ما فاق؟ 


_ أبدًا والله، هو كان طبيعي معرفش حصله إيه فجأة 

أردفتها والدته فتحولت لهجة صبا إلى الجدية:

_  على العموم أنا موجودة لو حصل أي حاجة  نادوا عليا، اسمي دكتورة صبا 


_ اسمك حلو أوي 

هتفها عاصم فتفاجئ الجميع بردِه، خصيصًا صبا الذي تلونت وجنتيها بالحُمرة وأخفضت رأسها خجلًا، استجمعت قوتها بعد أن زفرت أنفاسها وقالت متحاشية النظر إليه:

_ بعد اذنكم.. 


أولتهم ظهرها فانتفض عاصم رافضًا خروجها، لكن ما لم يحسب له ذلك الألم الذي شعر به حينها، وآنى بألمٍ غير محتمل:

_ ااااه 


عادت صبا إليه مُسرعة وتفاجئت بنهوضه فأردفت معاتبة: 

_ حضرتك لازم تكون حريص أكتر من كدا، أنت عندك ضلع مكسور مينفعش معاه الحركات المفاجأة دي.. 


ساعدته على النوم وأضافت: 

_ حاسس بإيه؟ 


أغمض عاصم عينيه محاولًا تحمل آلامه ورد عليها: 

_ وجع فظيع.. 


_ دا طبيعي بسبب الحركة اللي أنت عملتها، الحركة بحساب، هضاعفلك المسكن، بس دا آخر مسكن النهاردة.. 


التقطت من جيبها حقنة مسكنة وقامت بوضعها في ذلك المحلول الذي يغزو عروقه، أخفضت بصرها عليه وقالت قبل أن تغادر: 

_ ياريت متعملش مجهود، وحمد الله على سلامة حضرتك 


كادت تغادر إلا أنه أمسك يدها فتفاجئت صبا بتصرفه الجريئ ورمقته بنظراتٍ مشتعلة، سحبت يدها بسرعة فحاول عاصم إصلاح ما اقترفه:

_ أنا آسف، بس كنت عايز أقولك شكرًا على اهتمامك 


كزت صبا أسنانها، وأرادت إخباره أنه مجرد مريض ليس إلا حتى يتركها وشأنها: 

_ مفيش داعي للشكر دا واجبي وبعمله مع أي مريض..


لم تضيف المزيد وغادرت على الفور، بينما صاحت والدته وهي لا تصدق تصرفاته التي فشل عقلها في تفسيرها: 

_ إيه يا عاصم، إيه اللي عملته دا؟ 


قطب حاجبيه وتصنع عدم الفَهم وتساءل: 

_ عملت إيه؟ 


تدخل شقيقه وتولى الرد بدلًا عنه وهو يقترب منه: 

_ قول معملتش إيه، دا أنت سرحت فيها أول ما شوفتها وقومت فجأة من غير ما تفكر في اللي هيحصلك ومش بس كدا  دا أنت مسكت ايدها كمان!! بتمسك ايد الدكتورة يا عاصم! 


غمزه بعينيه ثم أضاف مازحًا: 

_ هي غمزت ولا ايه؟ 


ابتسم عاصم بخِفة ثم أخفاها سريعًا وشد تقاسيمه وتحدث بنبرة جامدة: 

_ هي إيه دي اللي غمزت، ما تتلم يابني، كل الموضوع إني كنت عايز أشكرها على اهتمامها


وما أن أنهى حديثه حتى هتفت شقيقته بضيقٍ وعينيها لا تفارق هاتفها:

_ أوف أنا زهقت، إحنا هنخرج امتى؟ 


أجابتها والدتها وعينيها ينطق منهما الغيظ لعدم اكتراثها لوضع أخيها: 

_ تقدري تتفضلي تمشي، وخدي معاكي اخوكي يوصلك 


تفاجئ الاخ الأوسط بما كلفته والدته به دون الرجوع إليه وصاح متذمرًا: 

_ ومين قال إني عايز أمشي، أنا هفضل هنا


دلف والدهم من الشرفة بعد أن أنهى اتصاله ونظر إليهم بالتناوب قبل أن يردف بجدية: 

_ الدكتورة اللي كانت هنا قالت ايه؟ 


ردت عليه زوجته بإيجاز: 

_ قالت يرتاح وميعملش مجهود.. 


أماء بتفهمٍ وقال وهو ينظر إلى ساعة يده يتفقد الوقت: 

_ طيب أنا همشي، لازم أروح الشركة عندي اجتماع لو حصل حاجة كلموني 


هبت ابنته واقفة وقالت بنفاذ صبر:

_ استني يا بابي خدني معاك بليز، الجو هنا ملل أوي 


_ تمام، يلا 

قالها ثم غادر الغرفة وكذلك ابنته، استنكرت الأم تصرفهم، لكنها لم تطيل الأمر فالأن يجب أن تطمئن على صحة ابنها فقط. 


***


مساءًا، وصل عبدَالله إلى المستشفى ليصطحب صبا إلى المنزل، هاتفها ليخبرها بوصوله فجاءه الرد بعد ثوانٍ قليلة: 

_ أنت وصلت؟ 


_ أيوا، مستنيكي برا المستشفى متتأخريش 

هتفها عبدَالله ثم أنهى الإتصال، بينما خلعت صبا روبها وعلقته على الحامل الخشبي، وقامت بضبط ملابسها وحجابها ثم خرجت من مكتبها فتقابلت مع المدير الذي جاء لها خصيصًا: 

_ دكتورة صبا، لو سمحتي خليكي هنا النهاردة شيفت اضافي


عقدت حاجبيها فتلك المرة الأولى الذي يطلب بقائها في وقت اضافي، تنهدت وسألته بفضولٍ يشوبه القلق: 

_ ممكن أعرف السبب يا دكتور؟ 


أخذ نفسًا ثم أخبرها السبب:

_ باشمهندس عاصم سليمان طلبك بالإسم تشرفي على حالته.. 


تضاعفت ريبتها من ذلك الرجل غريب الأطوار، ولم تعي كلماته جيدًا، احتدت تقاسيمها ورددت دون استيعاب: 

_ يعني إيه طلبني بالاسم؟ هو أنا بشتغل هنا بالطلب؟! 


تنهد المدير وحاول اقناعها: 

_ أكيد لأ، بس دي حالة مستثنية ومينفعش نرفض له طلب.. والده شريك مهم جدًا ومُساهم في المستشفى، اقعدي وأنا هضاعفلك المرتب ولا بلاش؛ الرقم اللي تطلبيه هتاخديه وحالًا


اتسعت حدقتيها بذهولٍ، ماذا يقول ذلك المختل، شعرت بالإهانة من كلماته، يُحَادثها وكأنها تعمل في ملهى ليلي وليست طبيبة في مستشفى، رفضت الرضوخ لطلبه واعتذرت منه بنبرة حادة: 

_ أنا آسفة يا دكتور رمزي، مش هقدر أقعد شيفت اضافي، موجود زميلات وزملاء ليا تانيين ممكن يقوموا بنفس اللي هعمله بالظبط 


تفاجئ المدير برفضها التام ولم يكن أمامه سوى إجبارها على ذلك فوضع شرطًا يُرغِمُها على البقاء: 

_ تمام يا دكتورة، لو خرجتي من هنا مترجعيش تاني.. 


ويحك يا رجل! ما الذي تجبرها عليه، تجمدت صبا مكانها ولم ترفع عينيه عنه مذهولة مما سمعته، ابتسم الآخر داخله وعلم أنه نجح في إبقائها، فهتف آمرًا: 

_ اعتقد كدا إنك وافقتي تقعدي، اتفضلي روحي شوفي شغلك.. 


استدار بجسده وغادر تحت نظراتها المتابعة لسيره حتى اختفى من أمام عينيها، أخذت نفسًا عميقًا ثم زفرته على مهل، وحاولت إقناع عقلها أن الأمر لا يستحق كل ذلك القلق، فقط ستبقى ليلة إضافية وتُباشر عملها كما تفعل ليس إلا. 


أخرجت هاتفها من حقيبتها فلم يكُف عن الرنين منذ فترة، أجابت ولم تكاد ترد بعد حتى جاءها صوته القَلِق: 

_ مبترديش ليه يا صبا، أنا قلقت عليكي وكنت لسه هحاول ادخلك..


تنهدت ثم أخبرته بما كانت تفعله: 

_ معلش بس كنت بتكلم مع المدير معرفتش أرد عليك.. 


_ طيب يلا تعالي

هتفها بلهفةٍ لرؤيتها بينما قالت هي بهدوءٍ مخيف ما لا تود قوله: 

_ لأ امشي أنت يا عبدَالله، أنا هقعد شيفت إضافي 


تعجب من أمر دوامها المفاجئ فلم تخبره بذلك من قبل فسألها مستفسرًا: 

_ ليه؟ أنتِ مقولتيش إنك هتقعدي شيفت اضافي، إيه اللي جد؟ 


حاولت اختلاق شيئًا تخبره به، حتمًا لن تخبره بالحقيقة وإلا قلب المستشفى رأسًا على عقِب:

_ في حالات جت فجأة وعندنا عجز في الدكاترة فمضطرة أفضل هنا.. 


أغمض عبدَالله بضيقٍ والتزم الصمت لبرهة قبل أن يعاود التحدث:

_ بس أنا مش بحب الشيفت الليلي دا يا صبا وأنتِ عارفة كدا كويس


_ مضطرة يا عبدَالله وإلا مكنتش هعمل حاجة تضايقك، معلش بقى شغلي 

أردفتها فقال الآخر بنبرة تفتقر للحيوية: 

_ هقول إيه بعد قولك، كله يهون لاجل عيون الدكترة


ابتسمت صبا وأردفت برقة: 

_ يلا روّح ولما توصل كلمني طمني عليك.. 


انتهت المكالمة وعادت صبا إلى مكتبها، ألقت حقيبتها بعصبية على المكتب ثم وقفت تطالع روبها بغيظ، فلم يجبرها أحدهم على شيءٍ من قبل، ومن أجل من؟ من أجل غريب الأطوار الذي لم يروق لها قط، تشعر بغصة في صدرها منذ إعلامها بطلب ذلك العاصم لها خصيصًا، دعت داخلها بأن يمر الأمر مرور الكرام ولا يقابلها مُشْكلات هي لا تريدها. 


***


وصل عبدَالله إلى المنطقة خاصته، قاد السيارة إلى الورشة ولسوء حظه كانت مغلقة، تأفف بضجرٍ وهاتف مرسي الذي أجاب على الفور: 

_ معلش يا عبدَالله تعبت شوية ومقدرتش أقعد أكتر من كدا سايبلك المفتاح تحت عتبة الورشة، دخلها وهاتهولي


_ تمام 

قالها مختصرًا حديثه ثم صف السيارة داخل الورشة وقام بتوصيدها بإحكام ثم توجه إلى منزل مرسي ليعطيه المفتاح ويعود إلى منزله، تلك الأثناء كان يراقبه وعندما ابتعد عن الورشة اقترب  وهو يتلفت حوله يتأكد من خلو المكان، وقف أمام الباب وقام بإخراج آلة حديدية رفيعة من جيبه وحاول فتح قِفل الباب حتى نجح وفتحه، تسلل داخل الورشة على أطرافه محافظًا على هدوئه حتى لا تُكشف فعلته. 


توجه نحو الخزانة التي تحتوي على المال وقام بكسرِها وسرق الأموال جميعها ثم فر هاربًا تاركًا باب الورشة مفتوحًا وتمتم ببغضٍ: 

_ بالشفا يا عبدَالله.. 


***


قلبها قَلِق، لا تأمن على نفسها مع غريب الأطوار ذلك، فلم يسبق وأن قام أحدهم بطلبها بهذا الشكل المريب، كانت تُقَدم قدم وتؤخر الأخرى، تقف في منتصف الممر الفاصل بين الغرف تخشى القدوم إلى غرفته، نفضت عنها أفكارها اللعينة وأجبرت عقلها أن يتوقف عن التفكير. 


أخذت شهيقًا زفرته على مهل ثم كررت فِعلتها مرارًا وهمست بينها وبين نفسها تُطَمئِن قلبها: 

_ الموضوع أبسط من كدا يا صبا، أنتِ دكتورة وهتشوفي شغلك مش أكتر.. 


أقدمت نحو الغرفة قبل أن تراودها أفكارًا تخيفها من جديد، طرقت الباب ثم ولجت فتفاجئت بفتاةٍ بصُحبته، على الرغم من شعورها بالريبة من وجودها في وقتٍ متأخر معه إلا أنها وجودها قد بث الطمأنينة داخلها. 


وقفت الفتاة بعد أن قام عاصم بإبعادها بيده لينظر إلى الدخيلة بتمعُن، إلتوت شفتيه مُشكلًا ابتسامة وهو يراها تقترب منه وقابلها بترحيبٍ حار: 

_ أهلًا يا دكتور، اتفضلي


حمحمت ثم سألت بإيجاز شديد: 

_ حضرتك عامل إيه؟ 


أجابها وعينيه مُثبتة عليها: 

_ بقيت كويس بعد ما شوفتك.. 


صُدمت بردِه وهربت بعينيها بعيدًا عنه، كذلك الفتاة الواقفة لم تكن أقل صدمة منها، وضعت إحدى يدها في منتصف خصِرها تتابع ما يحدث بعدم اعجاب لنظرات عاصم على الطبيبة، فحصته صبا سريعًا ثم وقالت حين انتهت:  

_ شايفة إن حضرتك كويس، متجهدش نفسك.. 


وجهت بصرها على الفتاة بعد أن عرفت هويتها، إنها نفسها من كانت بصُحبته عندما وصل مع سيارة الإسعاف ووجهت حديثها لها: 

_ لو حصل حاجة نادي عليا أنا في مكتبي آخر الممر يمين.. 


أولتهما ظهرها لتفر هاربة من الغرفة لكنه لحق بها بقوله: 

_ لا ماهي سلمى ماشية، وأنا هكون لوحدي، لو تسمحي تخليكي هنا عشان لو حصل حاجة.. 


توقفت صبا عن المشي، واستدارت إليه رمقته ببغضٍ ثم تصنعت اللامبالاة واقتربت منه إلى أن بات لا يفصلهما شيءٍ وأشارت بإصبعها على الزر الذي يجاور الفراش وقالت بجمودٍ: 

_ دا معمول عشان المريض لما يحتاج حاجة يضغط عليه، لكن قُعادي هنا ملوش داعي، أنا دكتورة وأنت مريض وإحنا هنا في مستشفى، واضح إن اختلط عليك الأمر وفاكره ملهى ليلي.. 


ابتسمت صبا بسمة سمجة ثم أدارت جسدها وتوجهت نحو الباب، احتدت تقاسيمها فلا يروق لها ما يحدث، وأقسمت بألا تطيل تلك السخافة حتى وإن كلف الأمر تركها للعمل. 


ظهرت ابتسامة على محياه، فلقد أُعجب بشخصيتها كثيرًا، حتى وإن كانت قاسية قليلًا فحتمًا مع الوقت ستلين، في النهاية إنه عاصم سليمان المغُرم بالفتيات العنيدات. 


_ الله الله، أنت بتعاكسها عيني عينك كدا وكمان قدامي؟! 

صاحت بهم عاليًا وهي تقترب منه، أخرجته من شروده فشعر بالملل منها، تنهد وجاهد على التزام هدوئه ثم قال وهو يُغمض عينيه:

_ سلمى أنا تعبان وعايز أنام، يلا روحي.. 


اتسعت حدقتيها دون تصديق، ثم سحبت حقيبتها وهرولت خارج الغرفة بخُطوات غير متزنة، بينما أعاد عاصم فتح عينيه وهمس بتحدٍ: 

_ لما نشوف آخرتها معاكي يا دكتورة.. صبا 


***


عند بزوغ الشمس، انتفضت والدة عبدَالله على صوت الطرق العنيف على الباب، سحبت حجابها ووضعته أعلى رأسها وهرولت إلى الخارج وهي تردد بخوفٍ عارم: 

_ استر يارب 


قامت بفتح الباب بقلبٍ يخفق بشدة حتى شعرت باختراقه جسدها من شدة تدفق الدماء به، توجست خيفة حين رأت بعض الرجال واقفين أمامها وبصعوبة خرجت كلماتها المتسائلة: 

_ أنتوا مين؟ 

_ حكومة.. 


***

أتمنى تكون الحلقة نالت إعجابكم، مستنية رأيكم وريفيوهاتكم 

متنسوش ترشحوا الرواية لغيركم عشان تتعرف أكتر. .. 




الفصل الثاني من هنا




لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحصريه



اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحديثه



❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺





تعليقات

التنقل السريع
    close