رواية على دروب الهوى الفصل الثالث بقلمي تسنيم المرشدي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
رواية على دروب الهوى الفصل الثالث بقلمي تسنيم المرشدي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
ما بين الركود والنجاح سعي، لا تُوقِفَهُ، اعمل على تطويره أو ربما بناءهُ من جديد، لا تستسلم وخُض ط لترفع من شأنك وتتقدم في طُرِقِك، وتُصبح ذو شأنٍ عظيم في النهاية، حتى وإن طالت لا تيأس، لا تبالي إن تعرقلت، قف بشموخٍ وتحدى الصِعاب، فإن سعيت بِجد ستحصد ثِمار سعيك أضعافًا.
***
مالت بجسدها على طاولة المقهى خافية وجهها بتعبٍ تملك من خلايا جسدها، مُنهكة للغاية، لا يُفارق رأسها ذلك الصداع اللعين، وما بين التثاؤب والآخر تتثاءب دون توقف، يا ليتها الآن بين أحضان الفراش، تُعانق وِسادتها وتنعم بنومٍ هنيء.
_ القهوة جاهزة يا دكتورة
اقتحم ذلك الصوت رأسها المُتعب، فرفعت عينيها ببطءٍ ترمقه بحزنٍ واضح لإنهائه القهوة، فهي تكره رائحتها، ومعدتها ترفض طعمها لكنها تريد شيئًا يساعدها على استعادة وعييها فاليوم ما زال طويلًا.
التقطت كوب القهوة الورقي وقامت بشم رائحتها، فاشمئزت وأبعدتها على الفور، أغمضت عينيها واستنشقت الهواء لتمحي أثر القهوة بداخلها، أعدلت جلستها وقامت بإغلاق أنفها لكي لا تتغلغل الرائحة أنفها ثم بدأت ترتشف القهوة رغمًا عنها، كانت لديها رغبة مُلحة في التقيؤ وبصعوبة تقاوم شعورها حتى فرغت من القهوة فألقت الكوب في صندوق القمامة وغادرت المكان وهي تنعت المدير بغيظ.
_ دكتورة هدى تعالي الطوارئ بسرعة في حالة تسمم وصلت
قالتها إحدى الممرضات وهي تتقدم بخُطى مهرولة، أماءت صبا وركضت خلفها داعية الله أن ينتهي ذلك اليوم العصيب.
_ الحالة اسمها ايه؟
تساءلت قبل أن تدلف غرفة الطوارئ فأجابتها الممرضة بعملية:
_ عبدالله القاضي
تجمدت صبا مكانها تردد الإسم في عقلها حتى اتسعت حدقتيها بصدمة حين استوعبت أنه عبدالله نفسه، فهتفت مذعورة:
_ عبدالله!!
ركضت دون توقف حتى ولجت الغرفة واقتربت منه وهي تُناديه بنبرة مُرتجفة:
_ عبدالله، إيه اللي حصل بس..
بالكاد تماسكت أمام الممرضة ثم أمرتها بإحضار الدواء فغادرت، بينما اقتربت صبا من عبدالله بعينين لامعتين وهتفت بقلقٍ وخوف:
_ عبدالله أنت سامعني؟
فتح عينيها ببطء وابتسم بوهنٍ ثم همس:
_ صبا..
لم تتمالك عبراتها التي انسدلت متأثرة بوضعه المشفق وحاولت طمأنته:
_ متخافش، هتكون كويس، بس قولي أنت، حصل ايه بالظبط عشان نحدد التسمم من إيه
بوهنٍ شديد قال بخفوت:
_ مش مهم، المهم إني أموت بين ايديكي
خفق قلبها بشدة ورفضت سماع ما قاله وهللت باستنكار:
_ إيه اللي بتقوله دا، اسكت أنت هتبقى كويس، عرفني حصلك كدا إزاي؟
أخذ عبدالله نفسًا ليجيبها قائلًا:
_ أكلت كبدة هوهو
حل الصمت لبرهة تحاول صبا فَهم ما أخبرها به، تبادلا النظرات ثم لم يعد يستطع عبدالله التماسك وانفجر ضاحكًا تحت نظرات صبا عليه، لم يُجمع عقلها بسهولة سبب ضحكه وما يحدث، فظلت ترمقه فقط.
اعتدل عبدالله وجلس مقابلها ليوضح لها النقاط المظلمة التي ازدادت في عقلها:
_ بهزر معاكي يا دكترة أنا كويس
كور يُمناه ثم ضرب صدره بقوةٍ وصاح بصوتٍ أجش:
_ عبدالله حديد ميتخافش عليه
طالعته صبا لثوانٍ قبل أن توصد عينيها محاولة بلع مزاحه السخيف، أخرجت تنهيدة بهدوء وعادت ناظرة إليه وقالت بحدة:
_ أنت إزاي تعمل معايا كدا، أنا قلبي كان هيقف من خوفي عليك؟
شعر عبدالله بالندم حيال فعلته واعتذر منها بحرجٍ:
_ متزعليش، بس مكنش قدامي غير الطريقة دي، مش أنتِ اللي قولتي محدش بيدخل هنا غير التعبان
هزت صبت رأسها مرارًا مستنكرة تصرفه، فهتف عبدالله طالبًا العفو:
_ سماح المرة دي يا دكترة، مش هتتكرر تاني..
بوجهٍ محتقن ونبرة حادة سألته:
_ عملت كدا ليه؟
تقوس ثغره وشكل بسمةٍ عذبة أحبتها صبا لكنها لم تُظهِر وأجابها وهو يُسبل عينيه:
_ حنيت لغصن الزتون اللي غايب عني بقاله يومين
قالها وهو يقصد عينيها الخضراوين، فأخفضت صبا رأسها بحياء، احمرت وجنتيها خجلًا من كلمات الغزل خاصته، انتبهوا على عودة الممرضة فنهضت صبا مبتعدة عنه وأوحت إليه بإشاراتٍ من عينيها أن يعاود النوم، فعاد بظهره واستلقى على الفراش الطبي مصطنعًا مرضه.
أخذت صبا من الممرضة ما جلبته لها ثم أمرتها بلطفٍ:
_ خلاص روحي أنتِ أنا ههتم بيه
أماءت الممرضة ثم غادرت تحت نظرات عبدالله عليها، عاد بعينيه على صبا التي ترمقه بغيظٍ ثم صاحت به مندفعة حين تقابلت مع عينيه:
_ إيه؟ عجبتك تحب أجبلك رقمها؟
إلتوى ثغر عبدالله وهو يردف مشاكسًا إياها:
_ ياريت
جحظت عينيها بصدمة ثم ألقته بأحد عُلب الدواء المُمسكة بهما فالتقطها عبدالله وهو يقهقه على غيرتها الواضحة، نهض ووقف أمامها وأردف محاولًا إصلاح ما اقترفه:
_ دا لو عيوني بصت على غيرك أقلعهم من مكانهم وأقضي بقيت حياتي أعمى
_ مش باخد منك غير كلام
أردفتها بحنقٍ وغيظ وهي تعقد ذراعيها على صدرها، فأسرع عبدالله في قول:
_ الرك على النية وأنا نيتي أنتِ
رفعت حاجبها الأيسر وبلهجةٍ حادة قالت:
_ آه دا أنت بتسمع تامر عاشور كتير بقى!
ابتسم عبدالله ومازحها بقوله:
_ أعمل ايه بس بياخد كل الاغاني مني
_ تامر عاشور!!
هتفتها بعدم تصديق فأكد عبدالله على ذلك:
_ أيوا شكلك مبتقرأيش كلمات مين في التتر، كان فاتك قرأتي عبدالله القاضي هو وحي خيال الفنان
حقًا ذلك أكثر من استطاعتها على التماسك، خرجت عن صمتها وقهقهت عاليًا ثم رددت من بين ضحكها:
_ أنت مُشكلة يا عبدالله والله، وأنا مبقدرش أخد منك موقف بسبب اللي بتعمله دا
_ كريزمتي محدش بيقدر عليها يا دكترة
هتفها بغرورٍ فصاحت صبا بنفاذ صبر:
_ طب يلا يا كاريزما امشي عشان أروح أشوف شغلي
طالعها لبرهة ثم عاد إلى الفراش وتصنع التعب مردفًا بوهنٍ:
_ أنا تعبان ومحتاج رعاية، احجزولي أوضة هنا
تراجعت صبا إلى الخلف حتى استندت بمرفقيها على أحد الرفوف خلفها وأخبرته بما يجهله:
_ أنت عارف الأوضة هنا بكام؟
اعتدل عبدالله من نومه، ونهض ثم توجه إليها بتهملٍ، انعسكت تعابير وجهه وتحدث بتزمجر:
_ إيه السؤال دا يا صبا؟ قصدك إني مش معايا تمنها؟ بكام يعني؟
تأكدت صبا أنها قد أحزنته فهو لا يُناديها باسمها إلا في أوقات حزنه منها، ابتلعت ريقها وحاولت ارضائه:
_ عبدالله أنا مش مقصدتش...
قاطعها بانفعال:
_ قولت بكام؟
_ بـ ١٠٠٠ في الساعة
أجابته بنبرةٍ سريعة بالكاد فَهِمهَا، أخفض رأسه فشعرت صبا بوخزة في قلبها لأنها قللت من شأنه، وحاولت الإعتذار منه:
_ عبد الله أنا أسف...
لم يدعها تُكمل وتحدث وهو مُنكس الرأس:
_ متتأسفيش، أنتِ قصدتي إني مش معايا تمنها..
رفع رأسه وقابل عينيها وواصل استرساله:
_ عندك حق أنا فعلًا مش معايا تمنها
انفرجت شفتيه فظهرت ابتسامة على محياه فاكتشفت صبا مُزاحه فلم تستطع تمالك يدها التي ضربته بكل ما أوتيت من قوة في صدره مهللة بنفاذ صبر لتصرفاته الخرقاء:
_ حرام عليك بجد، دا أنا صدقتك وضميري أنبني
ازدادت ضحكاته فما كان منها إلا أنها دفعته خارج الغرفة مرددة بحنقٍ:
_ اطلع برا يا عبدالله..
وما أن أنهت جملتها حتى وجدت صديقيه يقفان بالقُرب منهما، فأشارت إليهما بالمجيء وقالت حين أتوا:
_ خدوا صاحبكم واتفضلوا من هنا..
استدار عبدالله بجسده ناظرًا إليها وقال:
_ بتطرديني يا دكترة، أنا أصلًا ميشرفنيش أقعد في مستشفى زي دي وأقِل من نفسي، ربنا يخليلنا الحكومي
التفت برأسه وأمر صديقيه:
_ شيلني يابني..
ترك جسده يهوى بين يديهم فحملوه، نظر إلى صبا وهمس بخفوت:
_ اه يا دنيا، الناس طبقات فعلًا، طبقة تدفع ١٠٠٠ في الساعة وطبقة شهرها بـ ١٠٠٠
وضع يديه على كتفي صديقيه وأمرهما:
_ يلا بينا يابني
غادروا المكان تحت نظرات صبا المتابعة لهم حتى اختفوا، شعرت بانعكاس حالتها، لن تنكر أنه أضاف لوقتها المُمِل رونقًا وشعرت بصفو مزاجها، سحبت نفسًا ثم استدارت لتُمارس عملها بمزاجٍ سوي، تفاجئت بتلك الممرضة التي تقدُم نحوها ووجها لا يبشر بالخير، ثم قالت من بين أنفاسها اللاهثة:
_ دكتورة صبا، دكتور رمزي قالي أبلغك تهتمي بالحالة اللي كلفك بمتابعتها حالًا..
نفخت صبا بصوتٍ مسموع، وقد اعتلى الإنزعاج ملامحها وهتفت بتذمر:
_ تمام..
وضعت يدها في جيوبها ثم مشت وعلامات كل ماهو سيء ينعكس على وجهها.
***
تقف على بُعد مسافةٍ منه تحدجه بنظراتٍ ساخطة واضعة إحدى يديها في منتصف خَصِرها، لا يتوقف عقلها عن ترديد ما أخبرها عنه عبدالله، نفخ بضيقٍ فلم يعُد يحتمل نظراتها وهدر بها شزرًا:
_ بتبُصيلي كدا ليه؟ مصدقة الكلام اللي اخوكي قاله؟!
اقتربت بِضع خُطوات منه وبهدوءٍ تخفي خلفه بركانًا ثائر أجابته:
_ ومصدقش ليه؟ ليه أصلًا عبدالله هيقول كدا ويتهمك بحاجة زي دي؟
انتفض من مكانه بتزمجر وصاح عاليًا لينهي الحوار قبل بدئه:
_ لا دا أنتِ اتجننتي يا زينب، أنا داخل أنام
ولج غرفة نومهما فلم تقبل زينب إنهائه للحوار بتلك الطريقة المبتذلة ولحقت به رافضة أن تدعه وشأنه قبل معرفة الحقيقة:
_ متسبنيش وتمشي يا حمادة، أنا مش هسكت غير لما أعرف الحقيقة
وقف فجأة فارتطمت به ثم استدار بجسده ورمقها بعينين غاضبتين يكاد لونهما يميل للإحمرار وهتف بحدةٍ:
_ حقيقة إيه اللي عايزة تعرفيها؟
_ الكلام اللي قاله عبدالله دا صح؟ أنت فعلًا سرقت ورشة مرسي؟
هتفتها وقلبها يتمنى أن ينفي ذلك، تخشى سماع ما لا يُود عقلها تصديقه، ابتلعت ريقها وانتظرت إجابته بفروغ صبرٍ، شعر حمادة بانحصاره من قِبل نظراتها فهرب منها والتفت ثم قال بانفعال مصطنع:
_ لأ يا زينب أنا مسرقتش ورشة مرسي..
عاد بنظره إليها بعد أن لبس ثوب الأخلاق الكريمة وواصل مالم يُنهيه:
_ ها كدا ارتحتي؟
قلبها لم يطمئن لإجابته المختصرة، سارت بخُطاها حتى وصلت إليه وتساءلت بتيه:
_ أومال هو قال كدا ليه؟
_ عشان بيحقد عليا، عايز يخرب علينا،مش قابل إني اتجوزتك وهو كان رافضني، لسه مش قادر يستوعب إني اتحديته بجوازي منك، ها عايزة تسمعي إيه تاني؟
صاح بهم منفعلًا، توجه نحو الفراش حين انتهى من مسرحيته التي قام بأداءها على أكمل وجه، حتى أنه لوهلة كان يريد أن يصفق لنفسه، بينما جلست زينب على طرف الفراش ونظرت في الفراغ أمامها، تشوش عقلها ولم تعد ترى الأمور من زاوية واضحة.
أخرجت تنهيدة طويلة ورددت ما يدور في عقلها بخفوت:
_ يعني إيه؟ يعني كدا هو اللي سرق! بس عبدالله عمره ما عمل حاجة حرام، ووضعه نفسه ميسمحلوش إنه يحتاج يسرق، دا بس لو شاور بإيده لأ ايده إيه، لو شاور بصوباعه هيترمى تحت رجليه ملايين وبالحلال..
أدارت رأسها ونظرت إلى زوجها الذي يطالعها باسيتاء واضح وتابعت حديثها المُعقد:
_ فيه حاجة غلط..
تأفف حمادة ونهض فجأة ناعتًا ثرثرتها التي لا تنتهي:
_ أنتِ مش هتسكتي يعني، سايبهالك وماشي خالص، اتكلمي براحتك بقى
خرج من الغرفة فأسرعت زينب خلفه مانعة خروجه حيث وقفت حائلًا بينه وبين الباب هاتفة برجاء:
_ لا لا خلاص معتش هتكلم في حاجة، اقعد نتغدى، أنت مأكلتش حاجة من الصبح
بانفعال شديد صاح:
_ مش عايز، ابعدي عني
حركت رأسها رافضة التحرك من مكانها وأردفت متوسلة:
_ أنا آسفة يا حمادة حقك عليا، أقعد وأنا أوعدك معتش هفتح بوقي تاني..
وضع الآخر يده على ذراعها ثم دفعها بكل ما أوتي من قوة فارتطمت زينب بالأرض، لم يبالي لفعلته وفر هاربًا، تساقطت العبرات من مقلتيها حزنًا على ما أحدثه، نهضت ثم التقطت هاتفها وقامت بعمل اتصالًا عليها إجرائه، لم تدع الطرف الآخر ينبس بحرفٍ بل اندفعت فور إجابته:
_ قولي لابنك يبعد عني وعن جوزي، أنا مش هسمحله يخرب بيتي ويبعدني عن حمادة عشان هو مش بيحبه، قوليله أنتِ بدل ما أقوله أنا بطريقتي ومش هتعجبك ولا هتعجبه..
أنهت الإتصال ثم جلست على أقرب أريكة قابلتها وأمسكت بذراعها التي سقطت عليه، احتدت ملامحها بألمٍ وتوعدت لأخيها إن اقترب منهم مرةً أخرى فسيجد مالا يُحمد عقباه.
***
بعد وصوله مِنطَقتِه وقف جانبًا مستندًا بظهره على إحدى الجدران، رفع قدمه اليمنى على الحائط واليسرى تركها كما هي، أخذ هاتفه وقام بعمل مكالمة هاتفية، لم ينتظر طويلًا حتى أجابته بصوتها الرقيق:
_ زكريا..
بنبرةٍ عذبة أجابها:
_ حبيب زكريا رجع من الشغل ولا لسه؟
_ خلصت وراجعة في الطريق
هتفتها فانتابته السعادة وبحماسٍ قال:
_ تمام، أنا واقف على ناصية الشارع مستنيكي عشان نطلع الشقة أوريكي جبتلك ايه
قلقت بشأن صعودهما معًا إلى الشقة وحاولت الرفض فقالت بتلعثمٍ:
_ بلاش طلوع الشقة متأخر كدا، وبعدين ممكن تصورلي الحاجة وتبعتهالي
استنكر زكريا ما قالته وأصر على طلبه:
_ مينفعش، لازم تشوفيها بعينك، الصور مش بتظهر الحاجة يا لولا، مش هناخد ٥ دقايق وهوصلك البيت..
سحبت نفسًا وأخذت تفكر فيما قاله فلم تجد سببًا للرفض فقبلت بعرضه:
_ تمام، بس ٥ دقايق بس
_ ٥ دقايق بس ..
أردفها ليطمئنها ثم اعتدل في وقفته حين رآها تقترب منه، شكل بسمةٍ على محياه ورحب بها:
_ واحدة واحدة على الأرض إحنا مش لوحدنا
خجلت فأخفضت رأسها وقالت:
_ طيب يلا عشان متأخرش وأبويا يستغيبني
_ يلا يا حبيبي
قالها ثم سار بجوارها حتى وصلا إلى البناية الخاصة بعائلته ثم صعدوا درجات السُلم، حرص زكريا على عدم إصدار أي أصوات كما حذرها أيضًا، تصرفاته بثت فيها القلق وشعرت بانقباضة قلبها لكنها لم تدع شيطانها يؤثر عليها، فالأمر لن يستغرق سوى خمس دقايق او أقل.
صعدا إلى الطابق الرابع حيث الشقة، ثم فتح زكريا بابها ونظر إليها بإبتسامةٍ هادئة:
_ اتفضلي نوري شقتك يا عروسة..
تقوس ثغرها للجانب فظهرت ابتسامتها الخجولة، ثم خطت إلى الداخل فقام زكريا بغلق الباب، استدارت مُسرعة والقلق يسيطر على تقاسيم وجهها وهتفت بذُعر:
_ قفلت الباب ليه؟
أوضح لها زكريا سبب غلقه الباب بنبرةٍ رخيمة:
_ إحنا في بيت عيلة يا ليلى ومش عايز حد طالع أو نازل يشوفنا ويرمي كلام..
بعدم راحة هتفت:
_ طب يلا وريني جبت ايه عشان أمشي
أشار زكريا بإبهامه خلفها قائلًا:
_ هناك، بصي كدا
التفتت تنظر إلى ما يشير نحوه، فاستغل زكريا وضعها واقترب منها محاوطًا خَصِرها بذراعيه، شهقت ليلى مذعورة وحاولت التملص من بين يديه لكنه آبى وزاد من قبضته حتى قيد حركتها فهتفت متوسلة:
_ لو سمحت يا زكريا سيبني..
أرغمها زكريا على الالتفاف إليه فباتت بين أحضانه وهمس بقرب شفتيها:
_ انا بحبك يا ليلى..
أغمضت ليلى عينيها وأعادت توسلاتها بتوجسٍ:
_ وأنا كمان بحبك، بس سيبني، سيبني أمشي..
_ بس أنا مش عايزك تمشي، أنا عايزك يا ليلى، عايز أكون معاكي زي اي راجل مع مراته
همس بهم بأنفاسٍ حارة حاولت ليلى بعدم التأثر بها:
_ قدامنا أسبوعين ووقتها أنا هكون في بيتك ومش هرفضلك طلب، بس دلوقتي لأ، عشان خاطري يا زكريا خليني أمشي، أنا خايفة أوي
تراجع برأسه قليلًا ونظر إلى وجهها الشاحب وحاول طمأنتها قدر المستطاع لتقبل به ويرضي جوارحه التي تطالب بها:
_ أنا آخر واحد تخافي منه يا ليلى، أنا زكريا حبيبك وجوزك وأنتِ مراتي، يعني مفيش مشكلة لو حصل بينا حاجة، مش حرام
فتحت عينيها ونظرت إلى عينيه ورأت رغبته التي تزداد وقالت:
_ بس الأحسن نستنى الأسبوعين اللي لسه، عشان خاطري يا زكريا..
مال بجبينه على جبينها وهمس بصوتٍ متحشرج:
_ بس أنا مش قادر أبعد عنك.. أنا آسف
لم يعد يستمع لحرفٍ مما تقوله، آبت أذنيه الرضوخ لتوسلاتها، كانت تستنجد منه إليه، لا يصغي سوى لصوت عقله الذي يريد الوصول إلى مبتغاه فقط، وهي فشلت في مقاومته، فطوله وجسده العريض يضاعف جسدها الهزيل الذي خر وهوى بالاجبار، لم يرأف لآلامها النفسية والجسدية الذي يتسبب بهما، لا يرى ولا يسمع وأيضًا لا يشعر، بات كالحيوان الذي ينقض على فريسته ليرضي غريزته.
***
دلف بخطواتٍ مُتخاذلة إلى منزله، عقله سيجن، المقارنة لا تتوقف كلما رأهما معًا، العديد من لماذا والعشرات من كيف، لا يجد إجابة واضحة ترضيه، ألقى بجسده على الأريكة وطالع أمامه بقلبٍ جريح متألم.
خرجت والدته من غرفتها إثر الأصوات الذي أحدثها متسائلة باهتمام:
_ أنت جيت يا وليد؟
لم تسمع رد فشعرت بالقلق، تابعت سيرها حتى وجدته جالسًا شارد الذهن فحاولت جذب انتباهه بنبرة قلقة:
_ مالك يا حبيبي، إيه اللي شاغل بالك ومخليك في حالتك دي؟
أخرج تنهيدة مهمومة أكدت لوالدته أن ثِمة أمر به، فانتظرت إجابته على أحر من الجمر حيث قال:
_ نفسي أعرف يا أمي إزاي تختاره هو وأنا لأ؟!
الآن اتضحت الأمور، تشدقت والدته بفمها وتمتمت وهي تقلب عينيها:
_ أنت لسه منستش الموضوع دا يا وليد؟ دا فات عليه ياما يابني، آن الأوان تشوف حالك زي ما شافت حالها وتتجوز وتعيش حياتك بقى
_ أنا بس عايز أعرف ليه؟ ليه هو؟ ليه ترفضني أنا وتوافق على واحد زي حمادة دا، حمادة الحرامي البلطجي توافق عليه وتسيبني أنا يا أمي دا أنا كنت هعيشها ملكة، مكنتش هنقصلها أي حاجة، كنت هعاملها أحسن معاملة، كانت هتقعد في بيت ملك ليها وأنتِ كنتي هتكوني أم تانية ليها، نفسي أعرف بس ليه رفضتني؟!
قالها بعد أن اعتدل في جلسته ودنا من والدته فخرجت نبرته متألمة، لم تستطع والدته السكوت تلك المرة، يكفي العيش جريحًا متألمًا يأمل عودتها إليه، فهتفت بنزق:
_ الحمد لله أنها رفضتك..
حدجها وليد بأعين جاحظة مندهشًا من ردها، ثم واصلت والدته بنبرة قاسية:
_ عشان هي مش شبهنا، بص وشوف عاملة إيه في أمها وأخوها، اللي ملوش خير يابني في أهله ملوش خير في حد، وفي الآخر هي مش نصيبك حاول تستوعب كدا يا وليد، العمر بيجري وهتلاقي نفسك لوحدك عايش على ذكريات كدابة، البنات كتير وأحلى من بعض ولو ركزت شوية هتلاقي اللي يتمنولك الرضا بس أنت اللي مصمم تشوف ناس مش شايفينك يابني..
رفع وليد رأسه ورمقها بنظرات مبهمة وتساءل عما تقصده:
_ قصدك مين؟
ردت دون تفكيرٍ:
_ فريدة بنت خالتك، تتمنى بس أنك تبصلها بصة واحدة..
_ فريدة!!
نطق اسمها بذهولٍ، وكأن والدته أنارت جزءًا في عقله كان مظلمًا، نظر أمامه وعقله يردد إسمها ويُعرِض له ذكرياتهما المعدودة سويًا.
***
يجلس أرضًا يطالع الفراغ بعقلاٍ مشتت، به تعقيدات لا يستطع فك شفراتها، يناقض نفسه، ويلومها على تسرعه، يشعر أن جوفه بات فارغًا من المشاعر، لم يعد يشعر بفيض مشاعره الذي كان متملكًا منه قبل دقائق.
قطع شروده شهقات التي تجاوره، بصعوبة شديدة حرك رأسه ونظر إليها فوجدها مكورة في نفسها تضم ركبيتها أمام صدرها وتحاوطهم بذراعيها، ترتجف بقوة ولا تكف عن البكاء حتى تورمت عينيها وأصبح لونهما أحمر كالدماء.
أغمض عينيه لاعنًا تصرفه الأرعن، لكن لا يوجد ما يفعله الآن فلقد خرب كل شيء، والندم لن يفيد، ابتلع ريقه واقترب منه محاولًا أخذها في حضنه لكنها آبت وصرخت:
_ ابعد عني..
أسرع زكريا في تهدئتها قبل أن يصل صوت صراخها إلى أحد ساكني المنزل، تحرك حتى بات مقابلها وحاول طمأنتها قدر المستطاع:
_ ليلى، عايزك تهدي ممكن، عشان محدش يسمعنا لو سمحتي..
رمقته باستحقار شديد ثم دفنت رأسها بين قدميها تبكي بغزارة، بحث هو عن ملابسها ثم أخذ قطعة تعود إليها ووضعها عليها ليخفي معالم جسدها عن عينيه، وعاود حديثه بنبرةٍ نادمة:
_ ليلى اسمعيني، عارف إن اللي حصل دا مكنش المفروض يحصل، بس إحنا خلاص فرحنا كمان أسبوعين، يعني خوفك دا ملوش لازمه..
اقترب منها أكثر ورفع بيده رأسها فنفرت منه، أعاد وضع يديه بجانبه وواصل كلماته التي يحاول بها تضميد جرحها:
_ أنتِ مراتي وأنا جوزك، إحنا مكتوب كتابنا يعني معملناش حاجة حرام قدام ربنا، وكمان اسبوعين هنكون في بيت واحد وهنخرج قدام الناس كلها ومحدش هيكون لي عندنا حاجة..
توقف يلتقط أنفاسه قبل أن يردف مجملًا تصرفه:
_ مش حتة الفرح اللي هيحلل علاقتنا مع بعض، طلاما كتبنا الكتاب فأنتِ شرعًا مراتي والفرح دا رسميات، فيه ناس بيكتبوا كتب الكتاب ويكتفوا بيه وبيروحوا بيتهم..
زفر أنفاسه وتابع:
_ خلاصة كلامي إننا مغلطناش، أنتِ مراتي قدام ربنا ودا اللي عايزك تقتنعي بيه عشان تهدي ومتفكريش كتير..
لم تُعقب، بل ظلت ترمقه فقط، فإن لم تثور فهي اقتنعت بحديثه، أقنع زكريا عقله بهذا، سمح لنفسه بالإقتراب منها ومحاوطتها بكل ما أوتي من قوة فلم تعارضه بل استكانت بين أضلاعه وأطلقت العنان لعبراتها في السقوط ثانيةً.
شد زكريا من قبضته مرددًا وهو يرفع رأسها بأنامله لتواجهه:
_ ششش بطلي عياط
طالعته بعينين لامعتين تترقرق منهما الدموع وتساءلت بصوتٍ متحشرج:
_ أنت مش هتسيبني صح؟
استنكر زكريا تفكيرها الساذج ونفى ظنونها بقوله:
_ أنتِ عبيطة، عمري ما أسيبك أبدًا ولو أنتِ فاكرة
إن اللي حصل دا ممكن يبعدني عنك أو يغير حاجة فأنتِ بكدا تكوني عبيطة بجد، اللي حصل دا ربطني بيكي أكتر، خلق بينا رابط قوي وخلاني محتاج لك أكتر ما أنتِ محتجاني..
أشار إلى قلبها وأكمل بصوت رخيم:
_ طمني قلبك، زكريا راجل وقد كلمته وأفعاله
انحنى على شفتيها وطبع قُبلة عليها وهمس أمامها:
_ بحبك
كلماته بثت بها الطمأنينة وشعرت ببعض الراحة، أغمضت عينيها واستندت على صدره العاري تقاوم وبشدة أفكارها التي تنتهي بها إلى أحداث مأساوية لا تريد حدوثها، قطع عليها زكريا حبال أفكارها بصوته:
_ يلا قومي عشان تروحي قبل ما ابوكي يقلق عليكي
أماءت بقبول وكادت تنهض إلا أن وضعها التي كانت عليه أخجلها للغاية فأخفضت رأسها بحياء، استشف زكريا ما تفكر به فنهض وابتعد عنها معللًا:
_ خلصي ونادي عليا أنا جوا..
بعد فترة قصيرة انتهت ليلى من ارتداء ملابسها وحجابها ثم نادت بصوت مرتجف:
_ زكـ ريا..
خرج من الغرفة التي مكث بها وقابلها بابتسامةٍ ليزيد من اطمئنانها لكن سرعان ما اختفت من على محياه عندما طُرق الباب، خفق قلب ليلى رعبًا ونظرت إليه بذُعرٍ فهما على وشك الإنكشاف.
أشار إليها بالهدوء فجاهدت على تهدئة روعها ثم أشار إليها بالمجيء ووضعها داخل الغرفة وأغلق بابها بحذرٍ، نظر إلى الفوضى الذي أحدثها في المكان فقام بضبط ما استطاع ثم أخذ نفسًا وزفره على مهلٍ وتوجه ناحية الباب، أدار مقبضه ببطء فظهرت من خلفه والدته التي ارتخت ملامحها حين رأته وأوضحت سبب حضورها:
_ أنا سمعت حركة من تحت، قولت أطلع أشوف في إيه
حمحم ليضبط حنجرته وقال بتلعثمٍ:
_ ااه، دا أنا، كنت.. أنا أنا ياما متقلقيش، أنا حتى كنت نازل
خرج للخارج ليجبرها على النزول، سبقته هي للأسفل فتصنع زكريا نسيانه لشيء وهتف:
_ دا أنا نسيت موبايلي في الشقة، هطلع اجيبه اسبقيني أنتِ وأنا جاي أهو
صعد بعض الدرجات ثم تأكد من دخول والدته المنزل فعاد إلى شقته ونادى بخفوت:
_ تعالي يا ليلى، مفيش حد
ظهرت من خلف الباب ترتجف بقوة، حتى أنه لاحظ اهتزاز جسدها من على بعد مسافة بينهما، أسرع نحوها وأمسك يديها وأردف بقلق:
_ أنتِ بتترعشي كدا ليه؟
خرجت كلماتها متلعثمة بالكاد فَهِمَا زكريا:
_ أنا عايزة أروح..
رمقها بندمٍ شديد فكانت في حالة يرثى لها، والآحر أنه المتسبب في ذلك، لم يكن أمامه سوى مساعدتها على المغادرة قبل أن يراهم أحد، كان يسبقها بخطواته يتأكد من خلو الطريق.
تلك الأثناء صغت والدته لحركة على السُلم فحاولت اللحاق به قبل ذهابه، فتحت الباب وهي تردد:
_ استنى يا زكريا مش هتاكلك لقمة...
انخفض صوتها فور رؤيتها طيف ليلى، قطبت جبينها بغرابة وهمست مندهشة:
_ ليلى!
***
أتاه اتصالًا فتردد في الإجابة، كان رقم مجهول، تنهد ثم أجاب:
_ ايوا..
تجهمت تعابيره عندما استمع إلى صوت الطرف الآخر وواصل حديثه على مضضٍ:
_ أستاذ صادق، اتفضل
_ بكلمك يا عبدالله عشان أعرفك إنك تمام وملكش محاضر في القسم، مرسي أتنازل..
قالها بجدية وانتظر ردًا من عبدالله لكنه طال صمته، فكان عبدالله يتابع نزول صديقه برفقة ليلى أو ربما هروبهما، فهو شعر بالريبة من أمرهما، انتبه على صوت الآخر المتسائل:
_ عبدالله أنت معايا؟
هز رأسه بإيماءة ثم استنكر تصرفه الأخرق وأجابه:
_ شكرًا ليك يا مِتر
_ دا واجبي يابني، ولو أن الفضل الأكبر يرجع لقاسم بيه
قالها صادق فأشعل نيران عبدالله الخامدة وصاح به منفعلًا:
_ الفضل لا ليك ولا ليه، أنا أصلًا معملتش حاجة وكدا كدا برائتي كانت هتظهر، ربك مبيظلمش حد يا مِتر، سلام..
أنهى الإتصال وتوجه نحو صديقه العائد إلى منزله، وقرر المُزاح معه فصاح من خلفه:
_ كنت بتعمل إيه يا شقي؟
تجمدت قدمي زكريا ثم استدار بجسده ورمقه بقلقٍ ثم تساءل:
_ بعمل إيه في ايه؟
تعجب عبدالله من حالته المريبة وعاد مشاكسًا إياه:
_ دا الظاهر الشقاوة كانت بجد بقى
دنا منه وهمس ممازحًا بقرب أذنه:
_ عيب عليك يا زيكو احترم الراجل اللي مأمنك عليها
بلغ زكريا ذروة تحمله، فأعصابه تالفة وعبدالله يثير جنونه وكأنه على علم بما حدث، خرج عن صمته واندفع به:
_ قبل ما تقولي الكلام دا قوله لنفسك
ساد الصمت لبرهة، فكلاهما رددا جملة زكريا الذي شعر بالندم حيال اندفاعه، في الجهة المقابلة شعر عبدالله بألمٍ من كلمات صديقه وكأن صفعة دوت على وجهه، أطال النظر حتى قطع ذلك الصمت زكريا مردفًا:
_ عبدالله أنا مقصدش...
رفع عبدالله يده وأشار إليه بعدم المواصلة ثم أردف بنبرةٍ حزينة:
_ معاك حق..
أولاه ظهره وغادر على الفور تحت نداءات زكريا محاولًا إصلاح ما اقترفه لكنه لم يهتم لندائه وتابع سيره حتى اختفى من أمام زكريا، نفخ بصوتٍ عالٍ وركل بقدمه حجارةً صغيرة ثم عاد إلى المنزل وتوجه إلى غرفته مباشرةً وأوصد بابها حتى لا يقتحمها أحدهم.
جلس على الفراش واستند بظهره على جداره، فراوده ما حدث بالأعلى، مزيج من المشاعر انتابه،
فيض من المشاعر المتناقضة، شعوره بالقوة يتخلله شعورً بالندم لتسرعه.
ظهرت ابتسامة على شفتيه ثم سرت رجفة قوية في أوصاله، فما حدث لم يطفئ لهيبه بل زاده اشتعالًا، عصفت به أفكارًا أخرى تسببت في ضيق صدره عندما تذكر حواره القاسي مع صديقه، انتفض من مكانه ثم خرج من الغرفة سريعًا ودلف المرحاض لينال استحمامًا ينعش جسده ويعيد إليه حيويته.
***
وصلت السيارة على الطريق المقابل للمستشفى، نظر إلى السائق وقال مختصرًا:
_ استنى خمسة يا سطا
ترجل من السيارة ثم قام بعمل اتصالًا:
_ هتخلصي امتى؟
_ قدامي عشر دقايق والشيفت يخلص، أنت فين؟
تساءلت فقام بالرد عليها:
_ أنا تحت مستنيكي، حاولي متتأخريش يا صبا..
تعجبت من منداته لإسمها، وأحست بثمة أمرًا به فسألته بقلقٍ:
_ أنت كويس يا عبدالله؟
_ أنا كويس، مستنيكي يلا متتأخريش..
هاتفها وأنهى الإتصال على الفور، وقف مقتضب الوجه مستندًا على السيارة حتى تسلل إلى أنفه رائحة حريق تبغ السجائر، فبحث بعينه عن مصدرها ووجده السائق من ينفثها فلم يتردد واقترب منه:
_ ممكن واحدة يا سطا..
_ اتفضل
أردفها السائق وهو يناوله العُلبة فسحب عبدالله منها واحدة وقام باشعالها بمساعدة الآخر، اعتدل في وقفته وصوب نظره على باب المستشفى، كان ينفث دخانها بشراسة وكأنه يتقاتل معها، كانت السيجارة منفذه الوحيد لتنفيث غضبه فلم يكن رحيمًا بها قط.
داخل المستشفى، تأكدت ظنونها وازداد القلق داخلها من نبرته الجادة، نظرت حولها تتفحص المكان، ثم عادت إلى مكتبها ووضعت هاتفها عليه لتبدل ملابسها ثم التقطت حقيبتها وخرجت مسرعة ناسية أمر هاتفها.
هرولت نحو الخارج قبل أن يراها أحد وخصيصًا
رمزي، فهي عزمت على قتله إن رأته وطلب منها المكوث لـليلة أخرى، نجحت في الخروج من المستشفى دون أن يعيق أحدهم طريقها.
بحثت عن عبدالله فوجدته واقفًا على مقربة منها ينفث تلك السيجارة اللعينة، توجهت ناحيته بخطى مهرولة، وبالكاد تكظم غضبها، حدجته بنظراتٍ ساخطة فلم يبدي عبد الله رد فعل كما توقعت، بل أطفئها في صمتٍ ودعس عليها بقدمه ثم فتح لها باب السيارة وهتف مختصرًا:
_ اركبي..
رمقت السيارة بنظرة متفحصة وعادت بنظرها إليه مستفسرة:
_ فين العربية؟ جاي بتاكسي ليه؟
أجابها بعد أن زفر بِثِقل:
_ هقولك بعدين، فاضية نتكلم شوية في مكان؟
أماءت بقبول، ثم استقلت المقعد الخلفي بينما جلس عبد الله في الأمام بجوار السائق وأمره بالتحرك إلى مكانٍ بعينه، بعد دقائق قد وصلا إلى المكان، وقبل أن يترجل عبدالله تحدث مع السائق وهو يناوله هاتفه:
_ بقولك يا غالي اكتب رقمك عشان أكلمك وإحنا راجعين
سَجَل السائق رقمه الخاص على هاتف عبدالله ثم غادر، توجها كلاهما إلى النيل ثم جلسا على المقعد الذي يقابله، كان الهدوء يعم المكان يقطعه زقزقة العصافير من آن لآخر، انتبهت صبا إلى ضيق عبدالله الذي أخرجه على هيئة أنفاسًا مضطربة، متابعة لنهوضه وتوجهه نحو السور الذي يفصل بينهما وبين ومياه النيل.
طالع السماء وأطال النظر ولم ينبس حرفٍ، فتوجهت تلقائيًا إليه ووقفت بجواره، تنفست الهواء ثم نظرت إليه وباهتمامٍ سألته:
_ مش هتقولي مالك؟
التفت برأسه ناظرًا إليها قبل أن يجيب على سؤالها بنبرة مختنقة:
_ مخنوق
_ من ايه، احكيلي؟
هتفت بعفوية فتردد عبدالله في إخراج ما لديه، لكن لابد والإدلاء به فمن غيرها سيخبرها بذلك،
ابتلع ريقه وطالع عينيها الخضراوين ثم أردف بنبرةٍ تميل للبكاء:
_ مش حابب اللي إحنا بنعمله دا، مش راضي عن الطريق اللي جريتك فيه، أنتِ دكتورة محترمة بنت ناس طيبين وابوكي بيثق فيا وأمنك معايا وأنا بكل بسهولة خُنت الأمانة، حاسس إني ندل ومش راجل وصعب أوي عليا أحس الإحساس دا لاني عمري ما شوفت نفسي صغير في نظري ولا نظر أي حد عرفني، ومش عايز أصغر نفسي أبدًا..
انتهى من الحديث فأخفضت صبا رأسها في خجلٍ، وضعت كلتى يديها فى جيبها ثم عادت إلى المقعد
واعتلته، رفعت بصرها نحو عبد الله الذي كان ينتظر ردًا منها على أحر من الجمر، ثم قالت بنبرة حزينة:
_ عارف يا عبد الله أنا كمان بشوف نفسي صغيرة أوي كل يوم وانا نازلة أو راجعة البيت وأبص في عيون بابا وأحس إني مستغفلاه، هو ميستاهلش مني كدا، بابا بيحبني أوي وبيحترمني وبيقدرني، ساعدني كتير أوي إني أحقق حلمي ووقف جنبي لغاية ما بقيت دكتورة قد الدنيا، هو عملي كتير ومستعد يعمل أكتر بس أنا رديت على كل دا بإيه؟
هربت دمعة على مقلتيها وواصلت بصوتٍ يكسوه البكاء:
_ خنت ثقته فيا، مش متخيلة لو عرف أننا بنتقابل من وراه، مش متخيلة لو عرف كل اللي بينا، يا ترى هيشوفني إزاي؟
ازداد نحيبها فتسبب بوخزة قوية شعر بها عبدالله في صدره المكلوم، تحرك نحوها وجلس بجوارها تاركًا مساحة كافية بينهما ثم قال:
_ الحل اللي عندي صعب أوي عليا أقوله أو حتى أنفذه بس كدا أحسن لينا إحنا الاتنين
رفعت صبا عينيها اللامعة في عينيه وانتظرت إخبارها بذلك الحل بقلبٍ يخشى قول مالا تود سماعه، ابتلعت ريقها وارغمت أذنيها على الإصغاء جيدًا فتابع عبدالله قائلًا بصوتٍ أجش
يتبع
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇
اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺


تعليقات
إرسال تعليق