القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية عشقت فتاة المصنع الكاتبة صفاء حسنى الفصل التاسع حتى الفصل الخامس عشر حصريه وجديده

 رواية عشقت فتاة المصنع الكاتبة صفاء حسنى الفصل التاسع حتى الفصل الخامس عشر حصريه وجديده 


رواية عشقت فتاة المصنع الكاتبة صفاء حسنى الفصل التاسع حتى الفصل الخامس عشر حصريه وجديده 


نظر مؤمن وإيمان إلى بعضهما في حيرة، فقررا تغيير الموضوع. سأل مؤمن مراد: "مالك عايز ينام، إيه رأيك نروح نشتري له سرير؟ أصل إحنا كنا جايبين سرير واحد."


دخلت حياة وهي فرحانة وعينيها مليانة حماس، ومراد كان واقف متردد شوية بس مستمع. "وأنا كمان أجي معاكم، عشان نجيب فراشة لونها بمبي لأختي ملك، وأفرشها على سريرها، وكمان ألعاب."


ابتسم مؤمن بحب وقال: "فكرة حلوة، يلا بينا."


مؤمن ابتسم وهو بيبص لهم وقال: "فكرة حلوة فعلًا… يلا بينا نشتري السرير والفراشة واللعب."


اقتربت حياة من ملك وإيمان شايلة ملك في حضنها، وكانت كلها حماس تقول: "أنا عايزة كل حاجة تبقى لونها بمبي، عشان ملك تحس بالراحة وتحب غرفتها."


مراد ضحك وقال: "طيب، بس مين هيركب العربية ونروح بيها كل الحاجات؟"


مؤمن أشار بحنية: "أنا وإنت… يلا بينا كلنا، ونخلي حياة وملك جزء من المغامرة."


حياة قفزت بحماس وقالت: "أنا أول واحدة تختار الألعاب!"


وطبعًا الجو كله مليان ضحك وفرحة، وكلهم متحمسين يجهزوا الغرفة لملك الصغيرة ويخلوها أحلى مكان بالبيت.


اقترب محمد منهم وقال: "أنا جاي مع أحفادي وابني… ممكن؟"


هزّوا راسهم حياة ومراد وهما فرحانين: "يلا يا جدو."


وفعلًا ترك سعاد ومنى واقترب من والدته، وقال لمؤمن بصوت ودي: "أرجوك يا أمي، خليك معاهم عشان ميمسكوش في بعض… وخالي بالك على الأطفال، عيونكم عليهم، إوعي تغفي لحظة."


نفخت الأم بضيق وقالت بسخرية: "على فكرة أنا مش ملزومة أكون هنا في وسطهم… وخصوصًا سعاد هنا، ستة كده مش من مستواي. وكمان أنا ببلع مراتك بالعافية، ولو حلف لي على المية تجمد إن رهف فيها كل اللي اتقال مش هصدق. البت متربية أقدمي فاهم… كبرت أقدمي، استحالة الفيلم اللي اتعمل ده!"


مؤمن اتنفس بعمق وقال بحزم: "تعالي معايا."


دخل بيها غرفة مستشفى فاضية، وقعدها على الكرسي، وطلع دفتر صغير من تحت المخدة وقال: "امسكي الدفتر ده… عشان تشوفي الطفلة الصغيرة اللي صعبانة عليك، وسعاد اللي مش عاجباكم، وكمان إيمان… أصدق ناس عرفتهم، مش مزيفين."


مسكت الأم الدفتر، عينيها فيها ريبة: "إيه ده؟ هو السنور جهزت كذبة تاني تشوه بيها رهف؟"


تنهد مؤمن وقال بوجع: "للأسف… لأ. رهف كانت حاطة الدفتر ده في أمانة بنك باسمي قبل ما تموت."


شهقت ياسمين، قلبها وقع: "إيه! إنت بتقول إيه؟ رهف ماتت إمتى؟ ومحدش بلغني!"


مؤمن بص لها، صوته فيه وجع وكبت: "أيوه يا أمي… رهف ماتت من شهور. وأنا الوحيد اللي كنت عارف. مكنش ينفع أقول لإيمان… نفسيتها كانت هتنهار، والحمل كله كان هيضيع."


إيدها بترتعش وهي ماسكة الدفتر، عيونها دمعت رغم الكبرياء اللي بيشد ملامحها.


مؤمن مد إيده على إيدها وقال: "كفاية ظلم لإيمان… وكفاية كره. سعاد اللي شايفاها مش من مستواكي، هي أكتر واحدة سندتني في وقت الشدة. وإيمان… أنضف من ناس كتير حوالينا."


دموع ياسمين نزلت غصب عنها، لكن بسرعة لفت وشها تخبيها: "سيبني شوية… مش قادرة أستوعب كل اللي حصل."


ياسمين قعدت على الكرسي، إيدها بتترعش وهي بتفتح الدفتر اللي ادهولها مؤمن. قلبها بيدق بسرعة، كأنها عارفة إن اللي جوه هيغير كل حاجة.


أول صفحة مكتوب بخط إيد رهف:


"لو بتقري الكلام ده يا مؤمن… يبقى أنا خلاص مشيت. سامحيني… وخلي ماما ياسمين تسامحني على كل حاجة عملتها. أنا كنت أنانية، كنت بخاف أخسرك، فأي بنت كانت بتقرب منك كانت بتكون نهايتها فظلمت ناس كتير حواليَّ. بس أكبر ذنب مش قادرة آخده معايا في قبري من غير ما أعترف بيه… أنا السبب في اللي حصل لبنت خالتك."


إيد ياسمين اتسمرت، دموعها نزلت فجأة وهي بتقرا: "أنا اللي ضيعت حياتها… أنا اللي كنت سبب موتها. يومها اتخانقت معاها عشان تبعد عنك عشان عرفت إنها بتحبك، وزقيتها بعصبية وأنا بطلب منها… وقعت، وأنا وقفت أتفرج وهي بتنزف. خوفت… هربت بدل ما أنقذها. وكمان ماهي البنت إلا في النادي اللي قربت منك هي كمان موتها أنا، أي حد كان بيقرب منك كنت لازم أخفيه عن حياتك."


ضحكت رهف بخبث.


ياسمين شهقت، مسكت الدفتر بقوة، دموعها مغرقاه: "يا نهار أسود… ده هي السبب في إعاقة سلمى!"


كملت تقرأ ودماغها بيلف: "أنا ظلمت إيمان كتير… كنت بغير منها، وبكره وجودها، وكنت بتعمد أخليها تحس إنها غريبة. وأنا اللي لعبت بعقل الناس حواليها… كل مرة كانت بتقع، أنا اللي كنت وراها. كل دمعة في عينها… أنا السبب. حتى مؤمن، أنا كنت عايزة أخده لنفسي بأي طريقة، حتى لو اتحرقت الدنيا."


"حتى كنت بزرع في عقل طنط ياسمين إنك تعرف بنات عليا وعشان كده دايما بتشتكي مني، حتى أول ما بدت الحقيقة تظهر قولت ليها ان طنط سعاد استغلت قربها من أمي وطلبت منكم ترجعوا بنتها عشان تخلي مؤمن يقع في حبها ومش بعيد يقول ليك كلام وحش عليا او انى مش ام الاطفال أنا مش كدة يا طنط. استغليت الفرصة عشان تكرهي ايمان وعارفة إنك هتكون الشوكة فى ظهرها ل موت عشان كده كتبت ليك يا مومن متفكرش انك انتصرت والحب انتصر انا راجعه."


رجعت ياسمين الورق بإيد بتترعش أكتر، عينيها بتغيم من الصدمة، وقلبها بيتقطع ما بين الغضب والوجع: "إزاي؟ إزاي يا رهف؟ وأنا بدافع عنها في وش الدنيا كلها… كنتِ فين وأنا بخلي نفسي عدوه لابني ومراته عشانك؟"


مؤمن واقف قدامها، عينه كلها حزن، وقال بهدوء: "كنت عارف يا أمي… عشان كده سكت. عشان كده استحملت. عشان كده… ما ينفعش تفضلي شايفة إيمان عدوتك."


 فى  ممر المستشفى – بعد ما مومن ساب ياسمين


كان ماشي بخطوات سريعة، شاف أبوه محمد مستنيه في الكوريدور. مع الاطفال أول ما قرب منه مسك دراعه وسأله بصوت واطي بس فيه قلق:


محمد:

إنت متأكد من القرار ده يا مومن؟

إنت عارف إنك كده بتحط النار جنب البنزين.

أمك مش طايقة تشوف سعاد… ومنى  عاملين زي الزيت والمية.


وقف مومن قدامه، خد نفس عميق وقال وهو بيحاول يبان ثابت:


مومن:

عارف يا بابا… وعارف كمان إن الموضوع مش سهل.

بس أنا مش بفكر في نفسنا… بفكر في العيال.

أولادنا لازم يتربّوا وسط حب مش كره… لو فضل كل واحد في ناحية، الغيرة والحقد هيتزرعوا في قلوبهم من دلوقتي.


محمد هز راسه بضيق وقال:

بس يا ابني، إنت بتغامر… والبيت الكبير اللي ناوي تجمع فيه الكل، هيبقى ساحة حرب مش بيت عيلة.

إيمان ضعيفة بعد العملية… وممكن أي كلمة تكسرها.


ابتسم مومن ابتسامة متعبة وقال:


أنا هكون جنبها يا بابا… ومش هسيب أي حد يجرحها.

يمكن أبقى غلطان… لكن ده آخر حل.

عايزين نبدأ من جديد… مش نفضل أسر متفرقة.


محمد وقف ساكت شوية، عيونه فيها مزيج من القلق والفخر، وقال أخيرًا:


محمد:

ربنا يستر يا ابني… ربنا يستر. وبعد كده جاءت ليه فكرة اقترحها على مومن وكان سعيد وقال 

فكرة كويسة شوف الموضوع ده فى أسرع وقت وكلم عمى عماد 

..... 

عشقت فتاة المصنع الكاتبة صفاء حسنى 

فى غرفة الفندق – عند جاسر وزينب 


بدأت زينب تفوق، عيونها بتفتح على ضباب، لقت جاسر واقف فوقها بيبتسم ابتسامة خبيثة.


جاسر (بغرور):

فاكرة هتفلتِي؟ انسي… إنتي من دلوقتي بتاعتي، فاهمة؟


رفعت زينب راسها وبصت له بسخرية، ضحكة قصيرة خرجت منها رغم إنها لسه تعبانة:


زينب:

بتاعك؟! يا بابا فوق لنفسك.

إنت فاكر إنك لما تجيبني بالطريقة دي… هخاف؟ ولا أصدق أي كلمة من لعب العيال بتاعك؟

تحلم يا جاسر.

اللي أنا شُفتُه في حياتي… أكبر بكتير من كل تهديداتك.


حاولت تقوم من على السرير، مسك إيدها الشمال بعنف، شدها جامد لحد ما قميصها اتقطع جزء منه ومعاه البادي.


عيونها ولعت غضب وهي تصرخ:


زينب:

إزاي تتجرأ تلمسني؟!

أقسم بالله أعملك محضر يوديك في داهية.


انفجر جاسر في ضحكة سخيفة:


جاسر:

محضر؟! لو خرجت من هنا أصلًا.

هناك… في المطعم، حظك كان مع الشرطة، إنما دلوقتي… مين هينقذك مني؟


وقفت زينب بكل قوتها، إصرارها واضح في عينيها:


زينب:

ربنا… وثقتي فيه… ونفسي.


دفعت جاسر فجأة بكل قوتها، وقع على السرير وهي وقفت رغم الدوخة اللي بتهددها. مدت إيدها ناحية الباب بخطوات سريعة.


لكن جاسر لحقها، مسكها بعنف من دراعها وقال وهو بيزوم:


جاسر:

مش هسيبك… مش هتخرجي من هنا!


وفجأة… 🚪 الباب اتفتح باندفاع، دخل شاب طويل، صوته جه هادر:


الشاب:

يا حيوان! إنت هتفضل وساختك دي لحد إمتى؟

صدقني أنا الغلطان… كان المفروض أدفنك في السجن من زمان!


جاسر اتجمد في مكانه، صوته اتلخبط:


جاسر:

ع… عصام بيه! إنت رجعت؟ أنا… أنا كنت…


زينب لفت ببطء، شعرها الطويل الأسود كان مفكوك، اتحرك معاها بانسياب عفوي خلاها أجمل مما تتصور. بصت للشاب بعينين متحدية وقالت:


زينب (بتهكم):

آهو إنت بقى… رئيس العصابة؟


---


انصدم عصام وهو واقف على باب الأوضة، عينه اتثبتت على زينب اللي شعرها سايب ووشها باين عليه الغضب والخوف في نفس الوقت.


زينب كانت بتتنفس بسرعة وصوتها عالي وهي بتزعق:

ـ إنت بقى اللي مشغلهم؟! يعني ملقتش غير أوسخ شغلانة تشتغل فيها؟ شرف البنات وعرضهم؟! اسفوخس عليكم… والله عيب عليكم الرجولة اللي بتتدعوا بيها!


جاسر واقف مصدوم، باصص ما بين عصام وزينب، لسانه اتلجم ومش قادر ينطق.


عصام تقدم خطوتين، عينيه سودة من الغضب، وصوته كان غليظ وهو بيزعق في وش جاسر:

ـ يا واطي… إنت امتى هتنضف؟! إنت مش راجل… ده أنا غلطان إني مرمتكش في السجن من زمان.


زينب وقفت تتحدى، رغم إن جسمها مرعوش، لكن عينيها كانت مليانة نار:

ـ مرمتهش في السجن ليه؟! ولا عشان إنت رئيس العصابة وهو تحت أمرك؟!


الكلمة وقعت زي الطلقة في المكان. الجو اتقلب، وعصام اتجمد للحظة… ملامحه اتغيرت وهو يبص لزينب، كأنها فجرت سر كبير كان مدفون.


جاسر بسرعة حاول يلم الموقف، وهو بيته stotter:

ـ لا… لا يا عصام بيه… دي بتخرف… كانت مرعوبة!


لكن عصام ما بصش له… كل تركيزه كان على زينب اللي واقفة قدامه، عينها بتترجف بس لسانها واقف زي السيف.


لحظة صمت تقيلة نزلت في الأوضة… عصام كان واقف عينه مليانة غموض، وزينب واقفة قدامه متوترة، قلبها بيدق بسرعة.


قال لها بصوت خشن لكن فيه وجع:

ـ إنتي… إنتي مش فاكراني؟ إنتي أكتر واحدة تعرفني… أنا كنت الحماية ليكم زمان. تفتكري ييجي يوم وتلاقيني بالوش القذر ده؟ أنا بدور عليكي من سنين… وكنت هتجنن يوم ما عرفت دار الأيتام اتحرق لما خرجت من السجن.


الكلمات وقعت زي صاعقة على ودنها. زينب اتجمدت مكانها، عينيها اتسعت وهي بتحاول تستوعب.


بصت له بشك وقالت بارتباك:

ـ إيه… إيه اللي بتقوله ده؟!


عصام من غير كلام، مد دراعه وكشف عنه. الوشم اللي محفور على جلده بان قدامها… رمز قديم هما كانوا عاملينه سوا زمان في دار الأيتام.


اتجمدت أنفاس زينب، ودموعها اتجمعت في عينيها. رفعت كومها بسرعة، وورّت نفس الوشم اللي محفور على إيدها هي كمان.


صرخت بصوت فيه فرحة وصدمة:

ـ ظاظااا…! صح؟! أنا مش مصدقة نفسي… إنت عايش؟!


نزلت دمعة على خدها وهي بتكمل بصوت متهدج:

ـ أنا كنت فاكرة إنك مت… وكنت عايشة طول عمري بالذنب إنك اتسجنت بسبب أخويا… وبسبب موت…


صوتها اتكسر، وما قدرتش تكمل الجملة، وهي واقفة قدامه مرتبكة ما بين الفرح والوجع.


عصام كان بيبص لها بنظرة كلها غصة:

ـ آه… اتسجنت عشان جريمة ما عملتهاش… وكل اللي كان في بالي وإنا جوه إنك بخير.


---


زينب وقفت قدام عصام (ظاظا) والدموع محبوسة في عينيها، قلبها مش قادر يصدق. بصت له بارتباك وقالت بصوت متقطع:

ـ انت… انت عايش! خرجت من السجن…!


قربت خطوة، لكن عينيها وقعت على المكان حوالين، البنات المسجونات، والجو المليان قذارة. شهقت وصرخت بصوت مخنوق:

ـ وخرجت… بقيت مجرم محترف؟! وكمان بتبيع البنات الغلابة؟! يا خسارة… يا خسارة يا ظاظا!


صوتها اتكسر والدموع غرقت وشها. لفت بجسمها بكل قوة الإرادة اللي باقيالها، وخرجت من الأوضة بخطوات متخبطة.


نزلت السلالم بسرعة، بس رجليها كانت بتترعش. مش عارفة إذا اللي حاسة بيه ده من الصدمة، ولا أثر البنج، ولا خوفها اللي مسيطر عليها. كانت بتجر نفسها جرّ.


في نفس اللحظة، كان زياد بيراقب من بعيد، عينه عليها من أول ما خرجت. ولما شافها بتتهاوى على السلالم، قلبه وقع.


دخل الفندق بخطة سريعة، وخلقوا مشكلة وهمية مع الحراس عند الباب. صوت خناقة صغيرة شتت انتباه الكل.


في وسط الدوشة، سحب زياد زينب بسرعة، حضنها من وسطها وهي نص واعية.


خرج بيها من الباب التاني للعمارة، قلبه بيدق بسرعة، عينيه كلها خوف عليها.


وفجأة… جسمها انهار بين إيديه. فقدت الوعي تمامًا، ورأسها مالت على كتفه، وهو بيهمس بفزع:

ـ زينب! اصحي يا زينب!


---


كان قلب زياد بيدق بجنون، الخوف مسيطر عليه وهو شايل زينب بين إيديه. نزل بيها بسرعة على الجراج، فتح باب العربية، وحطها بحنان على الكرسي جنب السواق.


ركب وانطلق بأقصى سرعة من الباب الخلفي للفندق، كأن الدنيا كلها مطاردة وراه. إيده ماسكة الدركسيون بقوة، والتانية كل شوية تتهزّ على كتفها وهو يهمس بقلق:

ـ زينب… فوقي، بالله عليكي متسبنيش كده…


كانت عينيها نص مقفولة، جسمها مرمي عليه، أنفاسها ضعيفة. قلبه بيتقبض كل ما يشوفها كده.


لحد ما وصل لأقرب عيادة تبع رجالته. نزل بيها بسرعة، صوته متوتر وهو بينادي:

ـ دكتور! بسرعة… لازم تكشف عليها حالًا.


الدكتور استقبلهم بجدية، دخّلها الأوضة وفحصها بسرعة خلع لها القميص وكان واضح البادى الناحية مقطوعة نزعها الدكتور . وبعد دقائق، جهز ليها محلول وركب ليها الكانيولا.


التفت لزياد وقال بجدية:

ـ حرارتها عالية جدًا… واضح إن في جسم غريب دخل جسمها، يمكن عن طريق حقنة أو مادة في الوريد. ده اللي سبب الإغماء والحرارة المرتفعة.


زياد اتجمد مكانه، صوته متحشرج بالغضب والقلق:

ـ يعني حد سممها؟!!


الدكتور رفع عينه وقال:

ـ مش بالضرورة سم… لكن أكيد حاجة متعمدة، جرعة بنج أو مخدر قوي. لو ما لحّقناشها بسرعة كان ممكن يحصل مضاعفات خطيرة.


زياد مسك راسه بإيده، صدره بيتنفس بسرعة، عينيه كلها نار وانتقام:

وهو يلوم نفسه انه مصدقش انها بتتأثر من أي حاجه غريبة 

ـ أقسم بالله ان كان بسبب المخدر  اللي عمل فيها كده… هخليه يتمنى الموت وميلقهوش!


وبص لها وهي نايمة على السرير، وجهها شاحب لكن ملامحها لسه جميلة . مد إيده، مسك كفها بحنان، وقرب منها وهو يهمس:

ـ استحملي يا زينب… أنا هنا… ومش هسيبك تاني.


عشقت فتاة المصنع الكاتبة صفاء حسنى 

الفصل العاشر 

بدت تفوق زينب بعد وقت، عيونها تتسع من الرعب والخوف، تتنفس بسرعة وتتحرك بعصبية:

- أنا فين؟!


الممرضة حاولت تهديها بصوت هادي:

- متخفيش... إنتِ في أمان... حمد الله على السلامة.


زينب رفعت عينيها ونظرت لجسمها، لاحظت زرعها مكشوف والبادى مقطوع، وصرخت:

- إزاي في أمان؟! دراعي مكشوف... أنتم تابعين ل  جاسر صح؟! عملتوا في أيها... حد يلحقني يا رب... ساعدني...


بدأت تحاول تتحرك بسرعة، يدها ترتجف. فجأة، سمعت صوت خطوة قوية خلفها، رنت اسمها:

- يا... إنت سامعني؟


كان زياد واقف عند الباب مع الدكتور، سمع صوتها الرعبي ودخل على الفور. عينيه كلها خوف وقلق:

- زينب... هدي أعصابك... أنا هنا... مفيش حد هيأذيكي.


زينب نظرت له بعيون مليانة دموع وخوف، جسمها يرتعش:

- أنت... كنت فين ...؟


زياد اقترب منها بهدوء، ماسك يدها بحنان:

- أنا موجود ... وا هحميكي... إهدئي... كل حاجة تحت السيطرة.


بدأت زينب تحس ببعض الأمان، رغم الرعشة اللي لسه مسيطرة على جسمها، بس صوت زياد وكلامه البسيط خلى قلبها يرتاح شوية.


أنا كنت معاكى كل خطوة 

---


زينب بصّت له بعينين مليانين دموع:

– تحمّني… والا تخليني أعيش إحساس كل بنت؟! حسيت إني ضايعة… كنت ممكن يتعمل فى زى البنات ! كنت ممكن أي حاجة تحصل!


زياد ماسك يدها بإحكام:

– أنا فاهم شعورك… لكن كنا معاكي في كل لحظة، من إسكندرية للقاهرة.


زينب شهقت:

– يعني أنا كنت في العربية معاهم من إسكندرية للقاهرة وتقولي إنّي كويسة؟ ولو حد قرب مني، أو كشف جسمي، أو صورني… فين الأمان ده يا حضرة؟!


بدأ زياد يوضّح لها بهدوء:

– يا بنتي… افهمي… الجهاز ده مش لعبة، ده فيديو بيصور أي حاجة وبنسمعها صوت وصورة… وكنت متابعك… وبعت واحدة عملت نفسها عاملة وفوقتك قبل ما جاسر يقرب منك.


زينب صرخت:

– وإيه يضمنلي إنك صادق في كل كلمة؟ مش ممكن تلعب بيا!


ضحك زياد بسخرية، وعيونه مليانة دفء:

– ومش ممكن… أنتي كمان معهم وبتلعب معانا؟ شفتك وانتي بتتكلمي مع ظاظا، والقلوب طالعة من عيونك صح… وكل توترك ده عشان شفت حبيبي القلب… وبتلخوش عشان متكمليش.


زينب هزت راسها بعناد:

– فعلاً… مش هكمل… شوف غيري أو أتصرف… إنت بعيد عني… مفهوم؟ كفاية أوي كده!


زياد ماسك زينب من درعها بعنف لكنه متحكم في صوته:

– دخول الحمام مش زي خروجه… وبت زيك مش هتبوظ شغلي! مفهوم؟

– ليه بتهربي من ظاظا ده؟ وليه اتخنقتي لما شفته؟

– آنتي مش صريحة معايا… سألتك قبل كده: حبيتي قبل كده؟


زينب صرخت بعنف، عيونها مولعة بالغضب والصدمة:

– حب إيه وكلام فارغ إيه!

– إنت فاكر أنا مش عاوزة أكمل عشان بحبه؟ لأ ياباشا… مش عاوزة أكمل عشان ميِتسجنش المرة التانية بسببي!

– ولو حصل… وبقي مجرم… يبقى السبب عليكم أنتم!


زياد صمت للحظة، صوته أصبح أهدأ لكنه لا يزال حازم:

–انا مش  فاهم منك حاجه… بس أنا مش هسيبك الا أم فاهم 


زينب تنهدت بقوة، لكنها ما زالت متوترة:

– بس أنا… أنا مش عايزة اتكلم  والا حد يتحكم في حياتي…


زياد اقترب منها شوية، ماسك يدها بحذر:

– ومحدش هيسيطر عليك… غيري أنا ، مهما حصل. بس كونى صريحة معايا 

زينب حاولت تبعد يديها، لكن صوتها ارتجف:

– وبعدين؟ لو قلتلي الكلام ده…  هصدقك؟


زياد بخفة دم وحب ظاهر في عيونه:

– صدقي أو ما تصدقيش… المهم تعرفي الحقيقة. أنا موجود دلوقتي، ومش هسيبك لأي حد يلحقلك أذى.

زياد شاف العناد في عيونها، وابتسامة صغيرة ظهرت على وشه، لكنه كان جاد:

– طيب… أنا مش هضغط عليكي. بس عايزك تعرفي حاجة… أنا كنت موجود دايمًا، وكل خطوة كنت متأكد إنك هتكوني بأمان… 

زينب تنهدت بعمق، دموعها بدأت تنزل ببطء، لكنها بقيت عيناها مركزة عليه، تحاول تستوعب:

– يعني… مهما  حصل… هتحميني؟


ابتسم زياد بابتسامة دافية:

– أيوه… كل حاجة. حتى لو مش فهمتيها دلوقتي، هتشوفي قد إيه كنت حريص عليكِ من ورا الستار.


زينب كتمت أنينها، وقلبها بدأ يهدأ شوية، لكن صوتها كان مازال مليان توتر:

– وبعدين… إيه اللي هيحصل دلوقتي؟ أنا مش عايزة أي حد يقرب مني.


زياد اقترب منها خطوة بخطوة بهدوء:

– دلوقتي… نبدأ صفحة جديدة، من غير خوف، من غير أي تهديد… كل اللي عليا أعدك بيه، أمانك هو الأولوية.


عايز تعرف ايه؟ تعرف ايه رغم إنك ممكن تعرف كل حاجه عنه. ضحكت بسخرية: "أكيد عملت تحريات وعرفت كل حاجه، صح؟"


تنهد زياد: "أكيد عرفت، لكن عايز اعرف منك كل حاجه."


قطع حديثهم تليفون من بنت من المصنع. سمعت زينب تليفونها بيرن، جابته الممرضة لها من الجاكت.


ردت زينب:

– أوي يا سمر.


ابتسمت سمر:

– يعني طلع كلامه صح، انتي بخير وهو انقذك.


استغربت زينب وهى تنظر لزياد وسألتها:

– تقصد مين الا انقذني؟


شاور زياد تفتح الاسبيكر. وفعلًا فتحت وسمعت سمر بتقول:

– صاحب المصنع، أستاذ عصام، وقت ما وصلنا كان موجود، وسألنا عن نقل الإدارة بتوكيل بتاعه من محمد لينا، واستغرب. ولما حكينا له إيه حصل، طلب منى نختار حد يتابع معه، وكنا مختارينك، لكن لم نسمع صوت صرختك، خوفنا عليك. وقتها رشح الست سعاد وطلع وراءك، ومن شوية اتصل بينا وطمنّي وطلب رقم تليفونك.


كانت مصدومة أنّه صاحب المصنع. طلب منها زياد تقفل المكالمة بسرعة.


ردت زينب:

– أنا كويسة وكويس ظهر صاحب المصنع، وأنا في المستشفى ولم أكن كويسة، هاجي.


قلقت سمر:

– طمنين في المستشفى ليه؟


كان أخد زياد منها التليفون وقفل الخط. وصرخ كمان صاحب المصنع:

– مش عارف ليه، حاسس إنك بتلعب بي. انطقي يا بت!


---


انصدمت زينب وصرخت:

– بقولك ايه! أنا والا يهمني ظابط ولا مجرم، أنا بايع الدنيا وما فيها!

– فأسلوب ظباط الشرطة ده معايا يجيب معاك عكسي، صدقني!

– فبرحة على نفسك عشان أفهم، لأن راسي وجعتني من كل المفاجآت ده!


طلب منها زياد بجدية:

– ابطلي الحبتين دول… واتكلمي… عايز أفهم كل حاجة.

– فاهمني… تعرفي ظاظا بتاعك ده من فين؟ وإيه اللي حصل عشان يدخل السجن؟ وليه مامتك دخلت السجن بتهمة الاتجار بالأعضاء؟


انصدمت زينب، عيونها اتسعت وصرخت:

– إيه!؟ ماما بريئة!


وقفت فجأة… اتبلت على نفسها من شدة الخوف والصدمة، وقلبها كان بيدق بسرعة. كل حاجة حواليها اتلخبطت، دموعها بدأت تنزل، وصوتها اتقطع من الرعب.


زياد لاحظ صمتها الطويل وخوفها، واقترب شويّة وقال بهدوء:

– عارفة إن الموضوع صعب… بس محتاجة تحكيلي كل حاجة، كل تفصيلة… عشان أفهم وأقدر أحميكي.


زينب تنهدت بعمق، لسه مرعوبة، بس قررت تبدأ تحكي…

– كل حاجة… من أول ما ظاظا دخل حياتي، لحد ما مامتك اتحطت في السجن… وكل اللي حصل…


بدأت بالكلام بصوت متهدج، لكن واضح إنها بدأت تواجه الحقيقة، وكل كلمة كانت بتنزل كأنها تخفف شوية من ثقل الخوف اللي جواها.


---

زينب تنهدت بعمق وبدأت تتكلم بصوت مرتجف:

– أنا كنت عايشة أنا ومامي في محافظة المنصورة… ومامي كانت شغالة ممرضة. بعد ما بابا مات، كنا في دار أيتام… النظام هناك كان بيهتم بالأطفال… بيجيبوا لهم تعليم، أكل، شرب… وقت ما مامي كانت في شغلها، كنت بنام في الدار…


وقفت شويّة، دموعها بدأت تنزل، ثم تابعت:

– مامي كانت دورها كبير في عمارة فيها أربع شقق… مكان للنوم، للتعليم، وللترفيه… وكان في ناس بتيجي تساعد وتتبرع للدار.


زياد واقف جمبها، صامت، مركز على كل كلمة بتقولها، عارف إنها هتكشف له جزء من ماضيها اللي مألمها.


زينب استجمعت نفسها وأكملت:

– يوم من الأيام، جه واحد من بلد… وشاف ولد عندنا اسمه جرجير، كان شبه ظاظا… كانوا توأم في الشكل… لكن ظاظا كان هربان من أهله… أو ضايع… مش فاكرة… شافوه في الشارع وجابوه للدار… لكن لما الرجل الكبير ده جه، خدوا جرجير… كنا فاكرين حد هيتبناه ويعيش معاه… لكن للأسف، خدوه عشان يموته…


صدمة الموقف كانت واضحة على وشها، وعيونها مليانة دموع، وصوتها اهتز من الألم.


زياد ماسك يدها بهدوء وقال:

– فهمت… ده كان جزء كبير من حياتك… واللي حصل لجَرْجير… ده فعلاً صدمة…


زينب نظرت له، وعينيها مليانة حزن وصدمة:

– كل اللي حصل بعد كده… كل حاجة… كانت بداية لعالم كله خوف… كل حياتي اتغيرت بعد اليوم ده.


زياد نظر إليها بجدية وسألها:

– عايزك تكلمي بصراحة… مات جرجير إزاي وليه اسمه جرجير، وإيه اسمه الحقيقي؟


زينب تنهدت ببطء، وعيونها مليانة دموع:

– أطفال الدار سموه جرجير… عشان كرتون ظاظا وجرجير… وكانوا شبه بعض في كل حاجة، لكن في نفس الوقت مختلفين.


صوتها ارتجف وهي تتابع:

– وقت ما أخدوا جرجير… ظاظا انهار… كان بيشتاق له… وطلب من مامي تعرف أي حاجة عنه… مين اللي أخده… لكن المفاجأة… إنهم أخدوه  وباعوا  عشان ينقذوا روح … ابن الناس الكبيرة كان محتاج كلية… وكان عايش على واحدة بس، وفيها مشاكل…


زينب توقفت، نظرت لزياد بعينين مليانة حزن:

– واختاروه لأنه كان أكتر واحد فينا صحته كويسة…


كان قلب زياد بيتفطر وهو سامعها، والدموع بدأت تلمع في عينيه من قسوة اللي حصل، لكنه فضل ساكت يسمع كل كلمة.

طلب منها زياد برجاء:

– كلمي… كملّي إيه إللي حصل.


تنهدت زينب وقالت:

– لما ماما بحثت وعرفت ده… وقتها خافت علينا من الدار، وكمان خافت على باقي الأطفال، فاتفقت معانا إن نحاول نساعدهم يخرجوا من الدار. وفعلاً قدرنا بمساعدة ظاظا، وماما أخدتنا على بيت في البلد، وطلبت من ظاظا ياخد باله مني لحد ما تنقل أوراقها ونسافر مكان تاني.


– وفعلاً كان بيهتم بينا ظاظا، لكن الأكل والشرب اللي في البيت خلص، وماما اتأخرت بدل اليوم عشر أيام أو أكتر، وإحنا عددنا كبير وقتها. عمل اتصال ظاظا بولد كان بيلعب معه من سكان العمارة، وعرف منه إن الدار اتشمعت واتقبض عليهم بتهمة الاتجار.


– وطبعاً الناس انتقموا واتهموا ماما إنها معهم وبتساعدهم لأنها ممرضة، واتسجنت ماما فترة التحقيقات.


– ووقتها ظاظا خرج يشتغل هو وبوجي، وأولاد تأنى كان كلهم أعمارهم من 10 لـ 12 سنة، اشتغلوا في الأرض الزراعية مع الفلاحين عشان يطلعوا ليهم قرشين، وفهمهم إن إحنا كلنا إخوات، وكلنا عملنا وشم عشان يصدقوا.


– وفي يوم، أخوي كان جعان، وكان باقي الأطفال وأتأخر ظاظا… وكان رجل بتاع حلويات موجود في المكان. إحنا طلبنا منه كنافة أو بسبوسة أي حاجة لحد ما ظاظا يرجع.


– زعق فينا وقال: "أنتم جيش! ولو حطيت المحل كله مش هتشبعوا… امشوا من هنا!"

– وقتها الأطفال وأنا بتكلم معه وبترجّاه: "والله يا عم مش عاوزة كتير، هات كيلو بس، وأخويا الكبير يديك حقه لم يرجع".

– زعق وقاعد يبعدني عن المحل.


– بقي إخوتي ومنهم أخوي سرقوا صنية كبيرة وجريوا بيها على البيت… لمّا رجع عرف الرجل وبلغ الشرطة.

– وقتها ظاظا رجع وعرف باللي حصل، واتهم نفسه هو وبوجي، وأخدوا ظاظا كمان… وبعد كده بقي الأطفال، كل واحد من الخوف اتسجن، فهربوا… وهربت معهم أنا وأخوي، وركبنا القطر.


– فضل ماشي بينا أنا وشوية بنات. أم الأولاد، كل ما يشوفهم الرجل، إلا بيلم التذاكر ويزعق فيهم وينزلهم.

– ولما وصلنا اسكندرية، كان اتفرقنا نصفين أو أكثر… يعني هربنا من قلوب ميتة، خوفنا على أرواحنا، ووقعنا في التشرط والجوع.


– لما نزلنا اسكندرية أنا والبنات وأخوي، سالنا على شغل واشتغلنا في المصانع… من مصنع لمصنع، وأجرنا شقة نعيش فيها، وقسمنا الراتب على الإيجار والأكل.


– وبعد كده بسنتين، أمي وصلت لينا… كنت بقيت عندي 14 سنة، وأخوي في سن المدرسة وكان كمان أكبر، لكن الحمد لله أمي اتقدمت لنا، وبدأنا في الدراسة… وأنا وأمي بنشتغل والبنات اتعلمت وقتها أحمي نفسي.


– لكن للأسف الناس الوحشة بتاكل في الغلابة عشان هما مش بيشبعوا… ولو ظاظا بقي مجرم كبير، يبقي السبب إنكم حبستوا طفل عشان صنية كنافة!


تركها زياد ترتاح وخرج وهو متأثر، يكتم حزنه وقهره عليها، وبلع ريقه واتصل بمومن، إلا ماسك قواضي الاتجار.


كان مومن في العربية مع أبوه، وبعد كده وصلوا لمول يشتري سرير وعربية أطفال وكل ما يلزم.


رن التليفون، رد عليه مومن وهو سعيد:

– زياد حبيبي والله فيك الخير… بس عرفت من فين إن إيمان ولدت؟


شعر زياد بالإحراج، وصوته كان مكتوم من الحزن.


انتبه مومن وسأله:

– مالك يا زياد؟


تحدث زياد بحزن وقهر:

– إحنا شغلتنا إيه في البلد دي؟ ازاي سنين مش عارفين نمسك الشبكات… ازاي ناس معروفة واسمها كبيرة لكن خط أحمر من أي حساب… ونجري ورا فتيفيت لحم بيرمهم لينا عشان نفرح بيهم ونحس إن إحنا عملنا إنجاز… وكل يوم ورا يوم الجريمة بتكبر وبيكون أكتر شرسًا وبجاحة.


---


طلب منه مومن يهدى وطلب منه يحكي إيه إلا مضايقة، ولما سمع مومن اتأثر لإنه عاش المأساة دي وشاف الجريمة بعينه. وفعلاً، للأسف، الصغار هما اللي بيتمسكوا.


طلب منه مومن يهدى وقال:

– أنا بأحقق في القضية دي، وابعت للمنصورة وكمان للبلد اللي إنت قلت عليها… لكن لازم تتحكم في عواطفك. أنا عارف إنك متأثر من اللي عاشته زينب، زي ما اتوجعت من اللي عاشته إيمان.


وللأسف، اكتشفنا إن كلهم بيشتغلوا لمصالح بعض، سواء كان رجال دين أو يدعوا الدين، أو رجال سياسة، والضحية الناس البسيطة.


اقنع زينب تعرف إن كان عصام معهم أو لا، عشان هتستفيد كتير لو عصام كمان اتعاون معانا.


تنهد زياد وقال:

– في أمل، ولا في الآخر الرأس الكبيرة هتِهرب خارج البلد والشغل اللي يدفعوه التمن؟


#عشقت فتاة #المصنع 

الكاتبة صفاء حسنى 

الفصل ١١

في نفس الوقت، جِيه اتصال لزينب من رقم غريب، وكان التليفون في الشنطة بتاعتها.

طلبت من الممرضة:

– ممكن الشنطة بتاعتي لو سمحتي؟


الممرضة هزت راسها وراحت تجيب الشنطة.


كان صوت التليفون مسموع لحد برّه. زياد سمعه وهو واقف، فقفل مع مومن بسرعة وقال:

– طيب، أسيبك دلوقتي.


رد مومن:

– شوف شغلك واهدَى، وكل حاجة هتكون تمام.


في نفس الوقت، جِيه اتصال لزينب من رقم غريب، وكان التليفون في الشنطة بتاعتها.

طلبت من الممرضة:

– ممكن الشنطة بتاعتي لو سمحتي؟


الممرضة هزت راسها وراحت تجيب الشنطة.


كان صوت التليفون مسموع لحد برّه. زياد سمعه وهو واقف، فقفل مع مومن بسرعة وقال:

– طيب، أسيبك دلوقتي.


رد مومن:

– شوف شغلك واهدَى، وكل حاجة هتكون تمام.


سمع زياد صوت التليفون بيرن، فاتجه بسرعة إلى الغرفة، وكانت الممرضة بتدي التليفون لزينب.


سألها زياد بحدة هادية:

– مين على التليفون؟


ردت زينب وهي بتتلقى السماعة:

– أمي… ممكن أرد؟ أكيد البنات وخوشوشها.


هز زياد راسه بالموافقة، وطلب منها:

– افتحي الاسبيكر.


هزت راسها بضيق، ونفخت، لكنها فتحت الاسبيكر.


ردت زينب على أمها:

– أووي يا ست الكل.


زعقت الأم بصوت مليان غضب وقلق:

– إلا ست الكل وإلا زفت! إنتي فين؟ وإيه موضوع الخطف اللي بيقولوا عليه البنات؟


حاولت زينب تهديها وقالت:

– البنات فاهمين غلط يا أمي. ده ناس تبع الست ناريمان اللي كنت شغالة معاها في القاهرة، بعتوهم عشان ياخدوني… كانوا محتاجني في شغل.


اتنهدت الأم بارتياح:

– يعني إنتي بخير يا نور قلبي؟


زينب بتحاول تطمّنها:

– والله كويسة يا أمي، أغيب أسبوعين كده عشان الشغل… ومتلقلقيش، أبعتلك الفلوس أول بأول.


سألتها الأم بلهجة قلقة:

– شغلك حلال يا نور وإلا لأ؟ طمِّنيني.


ابتسمت زينب وقالت بهدوء:

– أنا أسمى زينب يا ماما… مش نور.


الأم استغربت وقالت:

– في حد يخبي اسمه الحلو ده؟!


ابتسمت زينب بوجع خفيف وقالت:

– اسمي زينب… على السيدة زينب يا أمي


الأم رفضت وقالت بإصرار:

– بس أنا كتبت اسمك في شهادة الميلاد "نور".


زينب بصوت مليان قهر:

– فين شهادة الميلاد؟ ضاعت يا أمي… مع كل أوراقنا. 


في اللحظة دي، كان زياد واقف مصدوم، عيونه مثبتة عليها، وقلبه بيتقلب جوه صدره… اكتشف إن اسمها الحقيقي مش زينب.


كان محمد ماشي جنب مومن وسمع الكلام، فسأله باستغراب:

– مين ده اللي مضايق كده؟


ابتسم مومن وقال:

– مش هتصدق… زياد.


انصدم محمد وهو يفتح عينيه:

– إنت بتهزر صح! زياد؟! ده من أكفأ شباب الشرطة، ومفيش قضية إلا بيقدر عليها. وعشان كده، رغم صغر سنه، اتاخد في أمن الوطن… فاستحالة يكون ده السبب.


استغرب مومن ورد:

– طيب، إنت في رأيك إيه السبب؟


ابتسم محمد وهو يهز راسه بثقة:

– الود ده وقع في الحب… من  فتاة المصنع. هى إسمها ايه 


اتسعت عيون مومن من الصدمة، وهو يتمتم بذهول:

– وقع في حب زينب؟!


قفلت زينب التليفون مع أمها، ولما رفعت عينيها لقت زياد بيبصلها بغضب، وقال لها وهو مكتم:

– مش بقولك وراك لُغز كبير ومحدش فاهمه؟! يا والله ما أعرف أقولك إيه… أسميك "فتاة المصنع" أحسن عشان أريح دماغي.


ضحكت زينب بسخرية:

– ليه بقى إن شاء الله؟ فين الغريب؟ بتحصل في أحسن العائلات. وكمان عندكم في الشرطة سمعت إن أساميكم مش بتكون حقيقية… عشان "دواعي أمنية"!


ضحك زياد بخفة وهو يهز راسه:

– وانتي بقى غيرتي اسمك عشان دواعي أمنية؟


ضحكت زينب وقالت بنبرة متحدية:

وقبل ما يكملوا كلامهم… رن التليفون تاني. المرة دي كان الرقم غريب.


بصت له زينب وقالت:

– رقم غريب… أرد؟


هز راسه زياد بحذر وقال:

– افتحي الاسبيكر.


فتحت زينب الاسبيكر وحطت السماعة قريبة منها وقالت:

– ألو… مين معايا؟


جالها صوت راجل من السماعة، واثق وهادي:

– عصام… معاكي يا "نور"، ولا أقولك يا "طماطم"؟


ضحكت زينب بسخرية:

– أولًا… كانوا بيقولوا عليّا "طمطم". إنما "طماطم" كانت  اختنا زينب… الله يرحمها.


سكت عصام لحظة، وتنهد وقال بنبرة حزينة:

– الله يرحمها… متصورتيش انك تاخد اسمها من  وقتها وانا بدور عليك 

اتنهدت زينب : 

اخدت اسمها عشان ورقها كان معايا وانت عارف لما ماتت 

ادفنت من غير ما يطلع ليها تصريح دفن وكل ورقي ضاع 

تنهد عصام وسألها 


إنتي فين دلوقتي؟ طمّنيني عليكي… أنا نزلت وراكي بعد الوغد ده واللي عمله.


اتنهدت زينب وهي محتارة، عينيها تلمع بارتباك ما بين خوف وثقة، وزياد واقف بيراقبها بنظرة كلها شك.وقبضت أيده بتزيد 


نظرت زينب إلى زياد، وكان واقفًا متضايق، وهي مش فاهمة هو مضايق ليه.

وجالها خاطر عشان ما يتشكش فيها، فقالت:


"أنا رايحة المول القريب من الفندق، بعد ما ابن الحرام قطعلي هدومي ارتحت، اقفل بقى يا عصام وانسى إنك تعرفني."


ترجاها عصام:


"نور بالله عليك، لازم تسمعيني… أنا عندي ليك سر خطير عرفته ولازم تعرفيه."


أشار الضابط زياد لها إنها تكمل، فاستغربت ونفخت وقالت:


"سر إيه إن شاء الله؟ أنت عايز نتقابل عشان تشغلوني معاكم، صح؟ ما أنا عرفت إنك معاهم وكمان صاحب المصنع… يعني طابخ كل حاجة معاهم."


تنهد عصام وقال:


"أقسم بالله العظيم أنا ماليش شغل معاهم، ولسه مشتري المصنع من شهر بس… والأصح إن أبوي هو اللي اشتراه."


انصدمت زينب وسألت:


"ولدك؟! إنت يا ابني مش كنت يتيم؟"


تنهد عصام وقال:


"ما هو ده اللي اكتشفته…"وكمان اكتشفت مين السبب في ضياع ورقك 


وكمان اكتشفت مين السبب في ضياع ورقك المهم… أنا قابلك هناك. أوعى تمشي، مسافة السكة، وقفل."


ارتفعت نبرة زياد فجأة وهو يصرخ بغضب، وعروقه بارزة من شدة التوتر:


"إنتِ إيه اللي عملتيه ده؟! حد قالك تحددي المكان؟"


اتسعت عينا زينب بصدمة، وارتبكت وهي تقول بصوت خافت:


"هو إحنا بعيد قوي عن المول؟"


هز زياد رأسه بعصبية، وأسند يده على خاصرته:


"قومي يا بت … يلا معرفش اسمك! أقولك يا بت يا بتاعة المصنع! يلا عشان تلحقي توصلي… وإوعي تلعب بذيلك… مفهوم؟"


احمرّ وش زينب من الغضب، وعينيها لمعت بحدة وهي تضغط على أسنانها وقالت بصوت متقطع من العصبية:

ـ "بت بتاعت المصنع! وأنا أقولك يا جريتي."


اتجمد زياد من وقع الكلمة، انصدم وبصاله بحدة:

ـ "إيه جريتي ده يا بت إنتي؟!"


زادت عصبية زينب، رفعت حواجبها باستفزاز وردت بسرعة:

ـ ! أنا كمان معرفش اسمك... هتقوللي بت؟ أقولك جريتي! ممكن تفهم؟"

أخرج من هنا إزاي؟! أنتم خلعتم قميصي وكمان البادي متقطع!"

لحظة صمت اتعلقت بينهم، زياد حس بالدم بيغلي في عروقه من طريقة كلامها، وزينب في نفس الوقت قلبها بيدق بسرعة، مش عارفة ليه كلماته بتوجعها أكتر من أي حد تاني.


أطلق زياد زفرة طويلة وهو يشيح بوجهه بعيدًا:


"خدي الجاكيت بتاعي وخلصيني يلا."


مدّت يدها بتردد وأخذت الجاكيت، فشعرت أنه واسع عليها بشكل مبالغ فيه، كأنه يغطيها مثل البحر.

رفعت نظرها إليه وقالت بهدوء ممزوج بالحرج:


"طيب… ممكن أدخل الحمام ولا ممنوع؟"


لوّح بيده بعصبية وهو ينفخ بضيق:


"اتفضلي بسرعة."


انحنت زينب تحمل الجاكيت والشنطة ودخلت الحمام. جلست على القاعدة، أخرجت دبابيس صغيرة وخيوط وإبرة ومتر دقيق، وبدأت بحركة ماهرة تخيط وتضبط أطراف الجاكيت. كانت أصابعها ترتجف قليلًا من التوتر، لكنها تماسكت، وفي النهاية أعادت للقطعة شكلًا أنيقًا.

وقفت أمام المرآة، غسلت وجهها بالماء البارد، وحاولت أن تخفي آثار التعب من ملامحها، ثم تنفست بعمق وخرجت.


وما إن فتحت الباب، حتى تجمّد زياد في مكانه، حدّق فيها مذهولًا، وارتفع حاجباه بدهشة حقيقية.

حتى الممرضة التي كانت تراقب بصمت شهقت بخفة، واضعة يدها على فمها غير مصدّقة أن هذه الفتاة هي نفسها التي دخلت منذ دقائق مهلهلة.


كانت زينب واقفة أمامهم بثبات، والجاكيت على جسدها مرتب بشكل غير متوقع، ووجهها يلمع بندى الماء، كأنها شخص آخر تمامًا.

زياد وقف متسمّر في مكانه، عينه بتلمع بدهشة مش قادر يخفيها.

كان متعود يشوف زينب في صورة بنت عادية، متوترة ومندفعة، لكن دلوقتي المشهد قدامه مختلف تمامًا:

جاكيت واسع اتخيط بمهارة، ملامح هادية ووش مغسول، ونظرة فيها ثقة غريبة.


شدّ نفسه بسرعة كأنه خايف يبان ضعفه قدامها، وقطّب حواجبه يحاول يخفي ارتباكه:


"إيه ده؟!… إنتِ عملتِ كل ده في وقت قصير كده؟"


حاول يحافظ على نبرته القاسية، لكن صوته اتغيّر من غير ما يقصد، وبقى فيه لمسة اندهاش.

الممرضة بصّت له بخبث، كأنها شايفة إنه اتأثر، وده زوّد غضبه الداخلي.


اقترب منها خطوة، وقال بصرامة متعمدة:


"ما تفتكريش إن شطارتك دي هتنفعك… إنتِ لسه تحت المراقبة. فاهمة؟"


لكن وهو بيقول كده، كان قلبه بيدق بسرعة، مش فاهم إزاي شخصية زيها قدرت في لحظة تغيّر صورته عنها.


---


دخلت الممرضة بخطوات مترددة، لكن عينيها كانت مليانة إعجاب، وقالت وهي تبتسم بصدق:


"فعلاً… والله مبدعة بجد!"


ارتبكت زينب من كلماتها، واحمرّ وجهها، وابتسمت بخجل وهي تخفض نظرها قليلًا.

ثم رفعت عينيها بثبات وقالت بصوت دافئ:


"حضرتك… أنا بشتغل في المصانع من وأنا عمري ١٢ سنة. كنت أنتقل من مصنع لمصنع… وكل مرة أتعلم حاجة جديدة.

وكمان كنت أشتري كتب عن الخياطة والتطريز وأقعد أتعلم منها. عندي ماكينة خياطة صغيرة في البيت… وكل هدوم الحارة بخيطها أنا والبنات."


توقفت لحظة، كأنها تستجمع شجاعتها، ثم أضافت بنبرة فيها فخر ممزوج بالشجن:


"وحتى سبب مجيي للقاهرة… إني كنت عايزة أشوف ناريمان، وهي بتصمّم."


سادت لحظة صمت في الغرفة.

الممرضة ظلت واقفة مبتسمة بإعجاب، بينما زياد وقف متجمد، عينيه بتتحرك ببطء ما بين ملامحها وكلامها.

كان واضح عليه الصراع… بين قسوته المعتادة كضابط، وإعجابه اللي حاول يخفيه ويفشله.


زفر أنفاسه بقوة، ثم قال بنبرة متقطعة فيها غلظة مصطنعة:


"يعني… كل ده من تعبك ومجهودك؟"


لكن نظراته خانته، وفضحت إنبهاره بيها.


---


قطع اللحظة زعيق زياد وهو بيفوق من انبهاره، صرخ بصوت حاد:


"يلا… عشان نلحق قبل ما يروح قابلك!"


هزّت زينب رأسها بتفهم، وما قالتش ولا كلمة. خرجت معاه بخطوات سريعة، وركبت عربية المراقبة.

ما إن جلست في المقعد الخلفي حتى رفعت نظرها للشاشة المثبتة قدامها.

اتسعت عيناها بدهشة، شاشة فيها مشهد دخولها للعربية من كاميرا مخفية، والشاشة التانية بتعرض غرفة الفندق بالتفاصيل.


شهقت زينب ووضعت يدها على فمها:


"هو… هو أنتم حطيتوا في إيده هو كمان جهاز؟!"


ضحك واحد من الضباط اللي قاعدين، ضحكة خفيفة كلها سخرية.

فتدخل زياد بصرامة وهو ينظر لها:


"لأ يا أذكى… إخواتك حاطين كاميرا عادي في قلب الترابيزة، وشغلوا كل المتابعة القديمة. شايفة؟… إنتِ في أمان، ومحدش سابك لحظة."


ارتجف قلبها وهي تتابع الصور على الشاشات، انبهرت من كم المراقبة، لكنها لسبب غريب شعرت بثقة فيهم، كأنها لأول مرة تحس إنها مش لوحدها.


العربية وقفت قدام المول.

نزلت زينب مسرعة، قلبها بيدق من التوتر. دخلت من البوابة الكبيرة، والجري شدها للسلالم.

من شدة ارتباكها ما أخدتش بالها إن السلم متحرك للأسفل.

فجأة، رجعت رجليها لورا وكادت تفقد توازنها وتطيح أرضًا.


لكن قبل ما تقع، امتدت يد قوية وثابتة أمسكت بذراعها في اللحظة الأخيرة.

رفعت رأسها بسرعة… لتلاقي شخص واقف قدامها، ملامحه غامضة، لكن عينه بتلمع بنظرة مش سهلة.

بدأت تنتبه زينب وهي تركز في ملامح الشخص اللي مسكها، وفجأة اتسعت عينيها بدهشة:


"… عصام!"


ابتسم عصام ابتسامة واثقة، وفيها لمسة مكر، وقال بهدوء:


"واضح إنك كنتِ عاوزة تهربي مني قبل ما أوصلك."


بلعت زينب ريقها بخوف، قلبها بيدق بسرعة، وحاولت تخفي ارتباكها وهي ترد:


"يعني… حاجة زي دي؟! المهم، سبني أجيب هدومي عشان أروح."


لكن نظراته انتقلت للجاكيت الرجالي اللي لابساه، فرفع حاجبه باستغراب وسألها:


"إيه ده يا نور؟! جايباه منين؟"


تنهدت زينب، وهي تحس القلق بيخنقها:


"من… من فين؟ هو فين؟"


قهقه عصام وهو يهز رأسه:


"إنتِ لسه بتهيسي… كل ما بتتلخبطي بتغلطِ."


هزّت زينب راسها بتوهان، عقلها بيدور بسرعة عشان تلاقي كذبة مقنعة تنقذها، ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت:


"أقولك… بس سر في بير."


ضحك عصام بخفة واقترب منها خطوة:


"قولي…"


وفي نفس اللحظة، داخل عربية المتابعة، كان زياد قاعد قدام الشاشات، عينيه مثبتة على تفاصيل المشهد.

إيده اتشدت على طرف الكرسي بعصبية، قلبه مش مرتاح. كان متوتر جدًا، خايف زينب تغلط في أي كلمة وتكشف نفسها.

لكن اللي كان محيره أكتر… الإحساس اللي مولّع جوه صدره، نار حارقة كل ما يسمع ضحكة عصام معاها.

ضغط على أسنانه بعنف وهو مش فاهم… هل ده غيرة؟ ولا بس خوف مهني إنه يفقد الخطة؟


عشقت فتاة المصنع الكاتبة صفاء حسنى 

الفصل 12

ضحكت زينب وهي تحاول تثبت روايتها وقالت بثقة ممزوجة بدهاء:


"لما نزلت من عند الوغد، وأنا ماشية شفت حاملة ملابس مع عاملة. عملت نفسي تعبانة ووقعت، وهي ساعدتني. طلبت منها ميه… ولما راحت تجيب، أخدت الجاكيت وحطيته في الشنطة. رجعت، شربت الميه، وسألتها عن باب تاني غير ده.

وحكيتلها إن صاحب الشغل حاول يتعدى عليّا… وهي بما إنها بنت زيّي، أول ما عرفت إنه جاسر ساعدتني بسرعة. خرجتنا من الجراج، وقعدتني لحد ما جات عربية تانية وخليتني أركبها. عربية الأكل.

وأنا في العربية، فضلت خيط البطالة بالشكل ده ولفت بالبطالة."


ارتسمت ابتسامة إعجاب على وجه عصام وهو يومي برأسه:


"والله برافو عليكي… هي دي نور اللي بتتصرف في أي حاجة."


في نفس الوقت، داخل عربية المتابعة، جلس زياد يتابع الشاشات.

زفر أنفاسه بارتياح أول ما سمع الكذبة المقنعة اللي قالتها زينب.

ارتخت عضلات وجهه المتشنجة، وكأنه تخلّص من ثِقل كان كابس على صدره.

لكنه رغم الارتياح… لم يستطع يمنع نفسه من ابتسامة خفيفة، ابتسامة ما عرفش إذا كانت بسبب نجاحها في الكذب، ولا لأنه اكتشف قد إيه عندها ذكاء وجرأة تخليه يحس إنها مش مجرد "فتاة مصنع" زي ما كان بيقول.


في نفس الوقت، كان زياد قاعد في عربية المتابعة.

انبسط من ذكاء زينب في تبرير موقفها، لكن في قلبه غصة غريبة. ضحكها مع عصام كان بيشعل جواه غضب مكتوم، مش فاهم سببه… هل غيرة؟ ولا مجرد خوف إنها تضعف وتكشف نفسها؟


داخل المول، فضلت زينب تلف مع عصام على المحلات.

كل ما تدخل محل وتشوف الأسعار، تنصدم وتفتح عينيها بدهشة، كأنها أول مرة تشوف أرقام بالشكل ده.

ضحك عصام وقال بنبرة فيها مزيج من الدعابة والاستغراب:


"إيه يا بنتي؟! مفيش حاجة عجبتك؟ إحنا خلاص لفينا محلات المول كلها!"


وقفت زينب فجأة قدام فستان بسيط مع جاكيت صغير فوقه.

مدّت إيدها للشَنطة بتاعتها عشان تطلع فلوس… لكن فجأة اتسعت عينيها، وقلبها وقع في رجليها.

الشنطة فاضية! لا المحفظة ولا البطاقة الشخصية موجودين!


شهقت بصدمة وقالت بصوت مرتعش:


"محافظتي… اتسرقت!… البطاقة الشخصية والفلوس… يا ترى وقعت فين؟!"


قطّب عصام حاجبيه وهو يحاول يهدّيها:


"ممكن تكوني سبتّيها في الفندق؟ إنتِ أصلاً سحبتي شنطتك بسرعة ومشيتي."


رفعت زينب إيديها على راسها وهي تحاول تفتكر، ملامحها متوترة ومشوشة.

وفجأة قالت وهي تضرب جبهتها بكفها بصوت وبتسمع زياد من جهاز الا فى ودنها 


"يا نهار أبيض… نسيتها في حمام العيادة! اتصرّف بالله عليك يا جيرتي سامعنى 


سألها زياد واتكلم في ودنها وهو بيهمس مستغرب:

ـ "مالك يا بت؟"مش فاهم حاجه 


اتنفضت زينب من الغضب :

ـ مش هعرف اعلي صوتى … نسيتها في حمّام العيادة! اتصرّف بالله عليك يا جريتي، سامعني؟"


عصام اللي كان قاعد جنبها بصّ عليها بقلق وسألها:

ـ "مالك يا بنتي؟ أهدى… لو في الفندق أجيبها ليكي."


زياد كان متابع المشهد، في الأول مش فاهم حاجة،


طلب زياد منها بخبث :

انتى شاطرة فى الكذب عالي صوتك يا بت .

لكن لما زينب رفعت صوتها وقالت بتوتر:

ـ "الحمّام… أنا تعبانة، جريتي افهمني، أبوس إيدك!"


ساعتها استوعب زياد، وافتكر جملتها اللي قالتها له قبل كده: "هتقوللي بت… أقولك جريتي."

ابتسم بخبث وهو بيتصل بالممرضة بسرعة وطلب منها تدور في الحمام على محفظة جلد.


رجع لها بنظرة ماكرة وقال وهو يضحك بخفة:

ـ "لون البطاقة إيه يا بت؟"


اتعصبت زينب وعضّت شفايفها من القهر وردت بعناد:

ـ "لونها أسود… زيك يا جريتي!"


ضحك زياد أكتر، واللي زاد جنون زينب إن الضحكة دي كان فيها استهزاء، لكن جواها حسّت بحاجة غريبة إنها مش قادرة تفهمها.


ضحك زياد وهو بيتابع من غرفة المراقبة، ضحكة قصيرة فيها استهزاء واضح.

لكن الغريب إن الضحكة دي، رغم إنها جرحت زينب، ولّدت جواها إحساس غريب مش قادرة تفهمه… حاجة بين القهر والانجذاب.


وفي اللحظة دي، كان صوت زياد  بيتسلل ليها وهو بيقول بحزم من الجهاز:


"سامعاني يا بنت؟ إلهي في أي حاجة لحد ما أتصرف… فاهمة؟"

فعلاً، بعد ما زينب حسّت إن أعصابها مش قادرة تتحمّل، قالت لعصام بصوت هادي وهي بتحاول تخفي ارتباكها:

ـ "الجو حار… نطلع نشرب حاجة، يمكن أفتكر وأركز… النهاردة كان صعب عليا."


بص لها عصام بنظرة كلها قلق، وهز راسه بالموافقة:

ـ "ماشي يا نور… زي ما تحبي."


اتجهوا ناحية كافيه شيك في المول، ريحة البن والڤانيليا مالية المكان، والأنوار الهادية مديّة الجو إحساس بالهدوء… بس جواها كان فيه عاصفة.


قرب الجارسون وسأل بابتسامة:

ـ "تحبوا تشربوا إيه يا فندم؟"


زينب كانت سرحانة، عينيها مش ثابتة، عقلها بيفكر: يا ترى هتصرّف إزاي؟ أكمّل اللعبة ولا أواجهه بالحقيقة؟


قبل ما تلحق ترد، عصام سبقها وقال بثقة وهو بيبص للجارسون:

ـ "عصير فراولة… هي بتحبه، صح يا نور؟"


زينب اتفاجئت، قلبها دق بسرعة، 


ولسه عاوزة تعترض، لكن لقت نفسها ساكتة، والكلمة دي "يا نور" رجعت لها ألف ذكرى متلخبطة.

دخلت آنسة  ماسكة شنطة فيها بطاقة وفستان. قربت من زينب بابتسامة وقالت:

---


ـ "يا آنسة… إنتِ اخترتِ الفستان ده، وبعد ما حسبتيني… نسيتِ الحاجة وخرجتي."


تنحت زينب وهي بتاخد منها الحاجة باستغراب:

ـ "هه؟ إمتى ده؟!"

ابتسم زياد بخبث وهو بيبص عليها ، 

في اللحظة دي، جه صوت زياد من الجهاز الصغير اللي حاطه في ودنها، صوته جاد وفيه نبرة أمر:

ـ "خدي الحاجة بسرعة… مفهوم؟ هو مش ناقص هبل دلوقتي."


هزّت زينب راسها بتوتر، ومدّت إيدها وهي بتحاول تخفي ارتباكها. أخدت الشنطة ونفسها بيتسحب بالعافية، صوتها متقطع وهي بتكح بصعوبة، كأن صدرها مش قادر يستحمل الضغط.


زينب ما كانتش سامعة زياد من الجهاز أصلًا. فجأة بدأ صدرها يضيق، وبَدَت تكح بعنف.


زياد افتكر إنها بتمثل ببراعة عشان تغطي على توترها، وابتسم بإعجاب… لكن فجأة اتجمد مكانه لما شاف عصام يمسكها بسرعة بخوف حقيقي، ويقعدها على كرسي خشب قديم في أقدم كافيه في المول.


رفع عصام يده للجرسون بسرعة، صوته فيه قلق:


"مَيّة… وعصير حالًا!"


ثم التفت لزينب بعصبية، وصوته ارتفع:


"حد قالك تتوتري؟! إنتي عارفة لما بتتوتر نفسك بيضيق… وممكن يغمى عليكي؟!"


ارتشفت زينب الميه ببطء، وبعد شوية بدأ نفسها يهدى، لكن عينيها فضلت معلقة في عصام وهي تقول بصوت متقطع:


"إنت… إنت اللي قولت عندك سر… وأنا عايزة أعرفه. إنت عارف… لو ما عرفتش، ممكن يغمى عليّا من التوتر."


تنهد عصام، وصوته نزل درجة وهو يمسح جبينه:


"ولو عرفتيه… برضه هتتوترى."


امتلأت عيناها بالدموع، ونزلت دمعة غصب عنها وهي تهمس:


"إنت بتلعب بأعصابي… وبتضيع وقت… لحد ما تسلمني للناس اللي معاك، صح؟"


رفع عصام عينيه لها وسأل بهدوء:


"عاوزة تعرفي إيه؟"


أخذت زينب نفسًا تقيلًا، عينيها مغرّقة دموع، وقالت بصوت مبحوح:


"بصراحة… أنا حتى مش متأكدة. إنت عايز مني إيه؟"


تنهد عصام ببطء، وكأنه بيستجمع شجاعته:


"أنا لما اتسجنت أنا وأصدقائي، جه محامي من المحكمة عشان يترافع عنّا. وقتها حكينا له كل حاجة… وبعد ما بحث عن معلومات عني، اكتشف الحقيقة.

عرف إني ابن رجل أعمال كبير، ضاع مني وأنا صغير. قدر يوصل لأهلي، ووقتها طلعت براءة. وبعدها… دورت عليك، ورجعت للدار اللي كنا فيه. ومع البحث… اكتشفت السر ده."


شهقت زينب وهي ترفع عينيها في خوف:


"سر إيه؟! انطق بقى!"


تنهد عصام مرة تانية، وصوته نزل بنبرة حزينة:


"الست اللي ربتك… للأسف مش أمك."


في نفس اللحظة، اتصدم زياد وهو متابع من الشاشة، عيناه اتسعتا بدهشة والعرق تصبب من جبينه.

أما زينب، فانفجرت بضحكة هستيرية مليانة صدمة ورفض:


"إيه؟! يعني إيه مش أمي؟! إنت بتهزر صح؟!"


ضربت كفها على صدرها بقوة، والدموع نزلت من عينيها وهي تهمس:


"مش أمي؟… مش أمي؟!"

ارتعش صوت عصام وهو بيحكي، كأن الكلام بيطلع من قلبه غصب عنه:


"كانت… ممرضة في مستشفى حكومي

ابتسمت زينب بسخرية

ده مش معلومة جديدة

وضح عصام

. وولدت طفلة… سمّتها نور. لكن نور ماتت وهي لسه في حضّانة المستشفى. الست انهارت… عقلها اتلخبط من الصدمة، وجوزها خاف عليها تتجنن من الوحدة. فاتفق مع واحدة في مستشفى تانية… يجيبولها بنت صغيرة شبه نور، عشان تعيش وتفتكر إنها بنتها."


نظرت له زينب وهى فى حالة لا مبالي

القصة حلو كمل


توقف عصام لحظة، وابتلع ريقه قبل ما يكمل:


مش قصه والله ده حقيقي


"وفي يوم… خطفوك. وأنتي لسه رضيعة." من محافظة تانى


تسمرت زينب مكانها، عينيها متسعة والدموع سايحة على خدودها. همست بصوت متقطع، يكاد ما يطلعش:


"يعني… يعني أنا… اتخطفت؟!"


ارتجفت شفايفها وهي تحط إيديها على ودانها كأنها عايزة تهرب من الكلام:


"لا… مستحيل… الست دي… أمي… هي أمي… مش ممكن…"


أما زياد، فكان قاعد قدام الشاشة مبهوت، كل خلية في جسده مشدودة. إيده اتقبضت بقوة على طرف الطاولة، عينيه مش قادرة تتحرك من على وجه زينب وهي بتنهار. وشعر لأول مرة إن القضية دي مش مجرد شغل… دي حياة إنسانة اتسرقت من البداية.

اكمل عصام

وبعد كده لما ربنا رزقها ب أخوكى  سعيد ولدك حطك فى الدار وقال ل ولدتك عشان الدار تهتم بيها وأنتى زوريها


أكمل عصام كلامه، صوته بيتقطع وهو بيحاول يوصل الحقيقة:


"وبعد كده… لما ربنا رزقها بأخوكِ سعيد… جوزها – يعني أبوكِ الحقيقي – حطك في الدار.

وقال لمراتُه: خلي الدار تهتم بيها… وإنتِ روحي زوريها من وقت للتاني.

كده بس… عشان يبعد الشك عن قلبها."


رفعت زينب عينيها ليه، بملامح ضايعة، وكأنها مش سامعة ولا مستوعبة.

صوتها خرج واهي:


"يعني… حتى وجودي في الدار… كان خدعة؟!"


تنفس عصام ببطء، وعينيه مليانة حزن:


"للأسف… أيوه."


انهارت ضحكة مريرة من بين شفايفها، دموعها نازلة وهي تهمس:


"سنين… كلها كدبة كبيرة… عايشة في وهم… حتى الأم اللي بحلف بيها كل يوم… مش أمي؟"


غطت وشها بإيديها وهي بترتعش، صوتها مختنق:


"أنا… أنا إيه بالظبط؟ طفلة مسروقة؟ لقيطة؟ ولا لعبة في إيد ناس مجانين؟"


في غرفة المتابعة، زياد حط إيده على سماعة الجهاز بعنف، كأن نفسه عايز يوقف كل اللي بيحصل.

عينيه اتلمعت، قلبه كان بيتقبض مع كل كلمة، وحس لأول مرة إنه عايز ينزل بنفسه، يمسكها، ويقول لها: "إنتِ مش لوحدك."


لكن صمته طال… وهو عارف إن لحظة زي دي ممكن تغيّر مصيرها كله.


عند ياسمين حسَّت الغرفة كلها بلحظة صمت خافت، والهوى بتاع المستشفى مالوش غير رائحة المطهِّر، وياسمين قاعدة على الكرسي، الدفتر اللي مومن سلّمهولها مفتوح قدامها. كانت عينها مبتلسة في السطور اللي كتبتها رهف، لكن الصفحة الأخيرة كانت مختلفة — سطور مكتوبة بخط مضغوط، وفي هامشها تعليمات غريبة: «لو عايز تعرف السر يا مومن… اقطع الجلد على الدفتر وهتشوف السر».


لفّت حواليها ياسمين ، شافت مشرط صغير مرمي جنب الأدوات، مسكته بيد مرتجفة وقصّت طرف الغلاف الجلدى للدفتر. كلّ قصّة تكشف سرّ. طلع من تحت الغلاف ورقة مطوية وصورة إشاعة — صورة مجسّمة لرحم وفيها توأم، جنبها ورقة مكتوب عليها بخط رقيق: «الصورة دي تخص طنط ياسمين».


قلب ياسمين وقع. خفضت صوتها بالكاد قادرة تقول:

– إنتِ… إنتِ مستغرِب يوم ما ربنا رزقك بتوام 

عشان إنت  طلعت توأم ؟ بس مامتك زمان جابت توأم بنت وولد…

عيونها تشوّهت من الألم ياسمين وهي تكمل بصوت يكاد يفتّ من تحت:

– عمّتي خطفت البنت، زي ما خطفت ايمان بالظبط.


الصحفة التالية كانت رسالة قصيرة، مرقّمة، فيها عبارة واحدة تقطع النفس: «المطلوب: قتل أطفالكم علشان يتعاقب النائب والقاضي». الورق وقع  تحت رجليهم.


شعرت ياسمين بدوخة، ماسكة  راسه بيده من الصدمة.  … لكن لما قرأ ت السطور استحالت الصورة واضحة: التنظيم استخدم الخطف كأداة ضغط سياسي — ولعبوا بورقة الأطفال علشان يضربوا نفوذ القضاة والسياسيين.


وحدها جملة في الركن فضحت أكتر من مليون دليل اكملت : «لما اتخطفت أختك، جيه حد وخافت الممرضة واستخبت… الممرضة خدت مومن وقالت للدكتور: لو عرف القاضي هتكون سين وجيم. فخافوا وبلغوا إن عندكم طفل واحد مش اتنين… وتم التوزيع».


التوزيع؟ الكلام قسى في ودان ياسمين. إنها اكتشفت إن واحد من توأميها تم توزيعُه على مكان تاني —

اكملت رهف  «أنا مع ماما منى وبنتك اتوزعت في إسكندرية»، همست الكلمات كأنها بتتحرّك من نفسها.


صرخت ياسمين صرخة انفجار — مش صوت بس، بل زلزال فى صدرها. الصوت جَرَّ الممرّات، ومنى وسعاد سمعوه. منى طرعت ناحية باب الغرفة، سعاد فضلت  جانب  إيمان  ومع الاطفال 


منى وقفت جنب أم مومن، عينها كأنها هتطيح من الخوف.

منى  واقفة، كل الخوف متجمّع على شفتاها، وحاولت تمسك إيد ياسمين  اللي كانت تنهار. ياسمين قدّمت الصورة والجواب لمنى، وعيونها بتتلوّح بين الصدمة والغضب: «بيقولوا إن الانتقام بالشكل ده…»، وجرّة الدمع كانت بتسيل من خدودهم كلهم.


الممرّات حوالينهم بقت ضوضاء بعيدة — أصوات أجهزة، همسات طواقم، لكن جوا القاعة دي كان في عالم اتقلب: أكتر من أسرار اتكشفت، أكتر من حياة انسلخت من بعضها.

كان رجع مومن هو وابوها وشاف إلا بيحصل 

أخد نفس عميق ، وشد  دفتر رهف من  إيد أمه ، وصوته اتكسر وهو بيقراء كل كلمة وبعد كده صرخ :

– لازم نعرف كلّ التفاصيل. لازم نرجّع اللي اتاخد. ومين اللي ورا ده؟ مين اللي استغلّ الأطفال؟

محمد كان مكسور متصورش ان اتسرقت بنت منه 


الأسئلة اتكدّست في الهواء، لكن الإجابة لسه بعيدة — وكل خطوة جايه دلوقتي لازم تكون بحذر، لأن اللي قدامهم مش شوارع عادية ولا عصابات صغيرة… ده شبكة ليها نفوذ، ولها أدوات، ولها قدرة على تغييب أطفال وطمس هويّات.


المشهد قفل عليهم وهم في حالة واحدة: صدمة، حزن، وغضب بيترسخ. الخطوة الجاية؟ كانت تبدا بالتحري، بالبحث في سجلات الدار، بمراجعة كل ورقة ضايعة، وبفتح ملفات مش مصرح بيها — لأن لو الكلام ده صحّ، إنقاذ طفل مش مسألة شرطي واحد بس، ده حرب على شبكة كبيرة.

ونفس زينب اتكتم فى نفس الوقت إلا نفس ياسمين 


الفصل ١٣


– قومي بسرعة، غيري هدومك وتعالي… أنا مش واثق في الولد ده، وبيلعب بيّا.

 كانت زينب بتحاول تسيطر على نفسها، النفس بيطلع متقطع وصدرها بيتألم من كل كلمة، لكن صوت زياد في ودنها جه واضح وصارم:


الكلمات رجعتها من عالم كله كذب وأسرار لعالم الواقع. زينب غمضت عينيها لحظة، حاولت تركز في صوت زياد، كأنه هو الحبل الوحيد اللي ماسكها من الوقوع.

الفصل ١٣

عشقت فتاة المصنع الكاتبة صفاء حسنى 

بصّت لعصام وقالت بصوت واطي:

– أنا هدخل ألبس الفستان… حاسة إني مخنوقة من البدلة  دي.


عصام اتغيرت ملامحه للحظة، كأنه حس إن في حاجة غلط، لكنه أخفى قلقه بابتسامة باهتة وقال باعتذار:

– أنا عارف إن الموضوع صعب عليك… ادخلي اغسلي وشك وغيري الفستان، وأنا هافهمك كل حاجة بعد كده.


هزّت راسها وهي بتخفي رجفة في إيديها، وقامت بخطوات تقيلة باتجاه غرفة التبديل. قلبها بيدق بسرعة، عقلها مشوش ما بين عصام اللي قدامها، وزياد اللي صوته في ودنها بيشدها للواقع.


كانت اللحظة دي فاصلة… خطوة واحدة هتحدد هي ما زالت في فخ الكذب، ولا فعلاً خارجة للنور.


أول ما طلب زياد من زينب تطلب تروح على الحمام فورًا، ميعرفش ليه طلب الطلب ده، كان عايز يكون هو معاها مش عصام.


وهى متجهة للحمام، اقترب منها زياد وسحبها على الأسانسير اللي في المول.


وهى من الصدمة كانت هتصرخ، لكن لما شافت زياد شعرت بالراحة.

دخل الأسانسير وصوته معدي بين دوشة المول، وزينب واقفة ماسكة نفسها والدموع نازلة من غير قدرة تكتمها. لما قرب منها زياد وسألها بصوت خافت:

ـ آنتي كويسة؟


الكلمة دي كانت الشرارة؛ انطقت منها تنهيدة طويلة وبكت بقوة، وقعت في حضنه من غير ما تحس.

رحت دموعها تجرّ، والكلام خرج من جوّاها كله مرارة وألم:

— أنا عشت حياتي كلها كذبة… اتخطفِت وأنا طفلة من أهلي… تصدق الكلام ده؟! أنا مش مستوعبة… مرات كنت بحلم يكون ليا عيلة وسند. كنت بحس إن الراجل — جوز أمي — مش أبوي أصلًا، ومعاملته معايا وحشة وكان دايمًا يفضل ابنه عليّ.


زلّت الكلمات واحدة ورا التانية، وهي تفضفض:

— متخيلش… لما قالولي خدّوني الدار وأنا عندي ست سنين، قلت ده حضانة هتعلمنا وتقوّي حياتنا. كنت فاكرة كل الأطفال ليهم أهل بيربوهم، وكنت مستنية سعيد لما يوصل لسني. بعدين مات… وأنا عندي 11 سنة. وابتدت الدنيا تتقل.


تنهدت، وصوتها راجع خفيف:

— ولما مات… حسّيت حاجة.. يمكن غريبة، يمكن ارتياح من حد… مش لقيت غير إنّي طلعت أعيش مع أمّي اللي كانت موجودة بس في ورق؛ ولما عرفنا الحكاية إن في توأم اتسرق… الدنيا وقفت.


زياد ماسكها بحنان، كفيها  إيده على ظهرها كأنه عايز ينقللها من البرد الجواها:

— خدي نفس. إنتِ دلوقتي هنا، ومفيش حد يقدر يزعجك .


رفعت وشها في وشه، عيونه فيها  حزن 

أكمل حديثه 

— اسمعي، أنا معاكِ. مش بس كلمة. دلوقتي هنطلع وتقولي ل عصام إنك هتروحي عشان تعبانة 

إستغربت زينب 

أروح فين أنا في القاهرة وهو عارف انى مخطوفة يعني إنت كدة بتكشف خطتك 

تنهد بجد 

— وميفرقش معايا أنا هقدر  أوجه أي حاجه خطوة خطوة. بس الأول لازم ترجعي تبصي لنفسك، تشربي مية، وتلبسي الفستان اللي أشتريته  ليكي. أنا واقف برا، ومحدش يقدر يمس شعر منك 


زنّور الأسانسير فتح، وصوت الناس في المول رجع أزير حوالينهم، لكن في اللحظة دي كانت الدنيا بسيطة: امان ، وعد، وخطة صغيرة تبدأ من خطوة واحدة.


زينب مسحت دموعها بصعوبة، شدّت نفس، وبلعت كلمة لكن عينها قالتها:

— أنا خايفة.


زياد بادرها وهمس:

— أنا  معاكي. بس محدش هنا هيلعب بيكي تاني.


طلعت من الأسانسير وهي ماسكة شنطتها، ورجليها لسه مرتعشة. زياد واقف بجنب باب الحمام، كأنه حارس وراها — مش فاضح ولا متسلط، بس حاضر.


لكن افتكرت حاجه زينب وقفت متسمّرة مكانها، المية لسه بتنقط من وشها، 

– انت هنا ليه؟!


ابتسم زياد بخبث هادي وهو بيقرب خطوتين وقال:

– قبل ما تخلعي هدومك لازم تضغطي زر تقفلي بيه الكاميرا… أو تبلغيني.


عينيها اتسعت بصدمة:

– حضرتك قولت لي أغيّر هدومي… فـ أكيد قفلت الفيديو!


ضحك زياد وهو بيهز راسه بالنفي :

– صعب يا هانم… القصة مش كده. لازم أكون قريب منك وأبلّغهم يقفلوا الكاميرات. وخصوصًا والشخص ده… موجود حوالين المكان.


اتسمرت زينب لحظة، حسّت إن كل حاجة حواليها بتتسحب منها، وإن زياد هو الوحيد اللي واقف كأنه خط الدفاع الأخير.


رفع إيده بهدوء ناحية الباب وقال بنبرة جادة:

– يلا، أنا واقف برا. البسي الفستان بسرعة… وبعدها هتفهمي الموضوع كله.


سابت نفسها تاخد نفس عميق وهي بتحس إن خطواتها مش ثابتة، لكن جوّاها إحساس غريب بالاطمئنان لأول مرة من ساعة ما دخلت المكان.


الممر فى المستشفى هدى من  حوالينهم، وورق الدفتر في إيد ياسمين كان بيترعش. مومن خد الصورة من إيديها وقَرَأ الإشاعة والورقة اللي طلعوا من تحت الغلاف الجلدى، وشه اتغيّر قدامهم كلهم.


ياسمين شالت نفسها وصوتها هادئ لكنه مليان حزن وندم وقالت بصوت كاد يتحطم:


أنا عندى بنت يا محمد عندنا بنت 

محمد كان مصدوم 

بداء يقرأ مع مومن الورقة 

– أنا خوفت الدفتر يوقع في إيد حد منهم… عشان كده خبّيت السر جوّه الغلاف الجلدى.


مومن بتركيز قرا السطور، وبترتجف إيده وهو يطالع في الجواب. بعد شوية رفع راسه وسألها:

– ليه؟  ما قلتيش لحد؟ ده ممكن يغير كل حاجة!


وكانها عارفة انه يسأل السؤال ده وردت في الرسالة 

– سبحان الله… ده اللى كنت بعمله زمان أنا وإيمان وإحنا صغيرين. كنا بنخبي حاجات مهمّة جوّه حاجات تافهة، عشان لو حصل أي حاجة ترجع.

– لما دخلت السجن وبدأوا وانا معا عمتى … عرفت منها الحقيقة  وكنت خايفة أقولك  وقتها — لو قلت يمكن يبقوا ضغطوا عليك أنك فى يوم ترجع ليا 

… 


مومن مسك الدفتر بيده بقوة، وصوته بدأ يتهدّج:


عند ياسمين ومحمد وابنهم مؤمن، كانوا مصدومين من اللي قراوه.

مسك مؤمن الورق، فتح الأشعة وقرا الكلام اللي مكتوب بخط إيد رهف.


"


الصدمة وقعت على التلاتة مرة واحدة.

مؤمن رفع عينه عن الورق، صوته مخنوق:

– يعني… رهف كانت عارفة من زمان وخبّت؟!


ياسمين مسكت راسها، وقلبها بيضرب بسرعة:

– لأ… دي مش رهف اللي نعرفها. دي كانت عايشة جواها نار.


محمد شد الدفتر من إيد مؤمن، عينه ضاقت وهو يقول:

– هى كتابه. "عمتي"؟… يبقى في سر أكبر من اللي مكتوب هنا.


فضلوا ساكتين لحظة، والجو اتقل عليهم، كأن صوت رهف لسه بيرن حوالينهم من بين السطور.


– 

الكاتبة صفاء حسنى 

---


طلب مؤمن من الكل يهدي:

– إحنا لازم نروح دلوقتي ونشيل العيال من هنا. اللي خطفوا أختي زمان وخطفوا إيمان… ممكن يخطفوا أولادي كمان.


سكت لحظة، وبعدين كمل:

– استنوا… في حاجة مش داخلة دماغي. ليه خطفوا أختي الأول؟ وبعدها بخمس سنين خطفوا إيمان؟! وبعد كده… زي ما بيقولوا… حقنوا العينة اللي كانت في رحم إيمان في رحم رهف! طب ما كانوا خلصوا من الأول وقتلوا الأطفال قبل ما يتولدوا؟ ليه لعبوا اللعبة دي؟!… إلا لو في ندم، أو في لغز أكبر.


تنهد محمد، ووقف جنبه عماد، عينيهم بتلمع بذكريات الماضي.

قال عماد وهو متأثر:

– يبقى أكيد خطفوا كمان ابن محسن… هما بينتقموا عشان إحنا انشقينا عنهم وماكمّلناش معاهم.


مؤمن اتفاجئ بدهشة:

– مش فاهم!


ابتدى محمد يوضح:

– بص يا مؤمن… أنا وعماد وصديق تاني اسمه محسن… كنا مع بعض في الجامعة، في أول شبابنا. وقتها كانت السياسة في حياتنا زي الأكل والشرب. بعد النكسة واستعداد البلد للحرب… الأحزاب كانت شغّالة، والكل عايز يثور. إحنا في البداية انضمينا لتنظيم خطير، سنتين تقريبًا وإحنا جواه.


أخد نفس طويل وكمل:

– لكن بعدين فهمنا إن ده مش طريقنا. قررنا نشتغل على نفسنا ونبني حياتنا بعيد عن الحركات دي. أنا اخترت أكون قاضي… وتعبت على نفسي. عمك عماد دخل حزب الوفد، وفضل لحد ما بقى نائب وزير.


مؤمن سأل:

– والصديق التالت… محسن؟


محمد بص لتحت وقال:

– للأسف، محسن استمر معاهم فترة . بعدين اتقبض عليه واتسجن. ساعتها كنت لسه محامي، وهو طلب مني أكون محاميه. كنت عارف إنه ندمان، لإننا كلنا كنا في كلية حقوق… وهو اختار طريق غلط. وقفت معاه لحد ما خد براءة. وبعدها كره نفسه، وقرر يسافر يشتغل برا… عشان الناس تنسى إنه كان متورط في قضية بالشكل ده.


مؤمن أخد  نفسه وقال بجدية:

– يبقى لازم أوصل ليه. مش مستبعد إنه لما سافر يكون فضل معاهم أو على الأقل يعرف أي حاجة. وأنا كمان لازم أروح السجن وأواجه الزفتة… عمة رهف.


وقف لحظة، وصوته اتغير وهو بيبص لهم:

– بس قبل كل ده… لازم إيمان وأولادي يكونوا في أمان. وكمان… لازم أعمل تحليل نسب لمراد وحياة. أنا بدأت أشك إنهم لعبوا في حياتنا أكتر مما نتخيل.


بالفعل، طلب مومن سيارتين إسعاف: واحدة تنقل أمه اللي تعبت، والتانية تنقل إيمان.

كان هو قاعد جنب إيمان ومعه الأطفال، بينما حياة ومراد كانوا مع منى وعماد.


استغربت منى وهي تبص لعماد:

– أنا مش فاهمة حاجة… ليه استعجل مومن ونقل إيمان قبل ما تفوق من البنج وتمشي على رجلها؟ وليه صمم يودّيها بيت أمه مش عندي؟


تنهد عماد وقال بهدوء:

– هاحكيلك… بس مش دلوقتي. يلا نركب وراها، ناخد حياة ومراد ونروح. بعد كده كل حاجة هتفهميها.


ركبت منى جنب عماد، وسعاد وحسن قعدوا ورا ومعاهم حياة ومراد. كلهم كانوا ماشيين ورا عربية الإسعاف لحد ما وصلوا الكمبوند.


السيارات وقفت قدام عمارة كبيرة.

نزل عماد من عربيته وهو مستغرب، وراح سأل محمد:

– إحنا جينا هنا ليه؟ مش المفروض على بيتك؟


محمد وضّح بابتسامة:

– دي فكرة مومن… قال لازم كلنا نعيش في عمارة واحدة. كل واحد في دور. كفاية اللي حصل… مش ناقص وجع قلب تاني.


سعاد طلبت بتردد:

– طيب حضرتك… أنا وابني نرجع بيتنا.


محمد بص لها وقال بهدوء:

– كل عفشك وحاجتك اتنقلت هنا يا أم حسن. ومتقلقيش… شقتك هتكون بفلوس شقتك اللي هناك.


هزت راسها بالرفض:

– بس المكان هنا غالي… عمر شقتي ما تجيب نص تمنه.


ابتسم محمد:

– مش زي ما متخيلة… ده كمبوند خاص بالشرطة. مومن كان مقدم على شقة ليه هنا، وبعدها طلب مني أشتري في نفس العمارة. وقدمت الطلب، دفعت الفلوس، وتمت الموافقة.


مد إيده بمجموعة مفاتيح:

– كل واحد ياخد مفتاح شقته. العمارة أربع شقق:

الدور الأرضي للحاجة سعاد وابنها.

الدور الرابع للأستاذ عماد ومراته وبنته.


تنهدت ياسمين من التعب وقالت:

– الرابع!… ده مفيهوش أسانسير.


ضحك محمد وهو يهزر:

– طبعًا فيه… أنا ومراتي هناخد الدور التاني. ومومن وأولاده في التالت، يبقى في وسطنا. الباب الحديد تحت، وكل واحد معاه نسخة. وبعد كده كل واحد يبيع شقته الأصلية ويجيبلي فلوسها. مفهوم؟!


قالها بطريقة فُكاهية خلت الجو يخف شوية.


في اللحظة دي بدأ التمريض يطلع إيمان على كرسي متحرك، وبعدها ياسمين برضه بالكرسي داخل الأسانسير.

ولما كل واحد دخل شقته… لاقى العفش واصل ومترتب كمان.


بص عماد لمحمد بإعجاب:

– امتى لحقت تعمل كل ده؟


محمد ابتسم وقال:

– أنا فوجئت إن مومن مجهز كل حاجة. جاب ناس من الشغل ساعدوه. هو كان شاري الشقق وطلب مني أبعت الفلوس على حسابهم، وده اللي عملته. وكمان طلب من مساعد عندي في المكتب يعلن عن شققنا القديمة للبيع. أول ما ييجي زبون… كل واحد منكم ياخد فلوسه. فاهم يا صاحبي؟


ضحك عماد وقال وهو يربت على كتفه:

– حاضر يا صاحبي.


---

بعد ما كل واحد استقر في شقته…

مومن طلع موبايله واتصل بزياد.


زياد كان واقف برة أقدم الحمام ، منتظر خروج زينب، والموبايل رن في إيده.

رد بسرعة وهو متحفّظ:

– أنا في مهمة يا مومن.


ضحك مومن من الناحية التانية:

– لسه مع زينب؟ المهم مش هعطلك… أنا بس كنت عايز أشكرك.

سكت لحظة وبص حواليه، وأضاف:

– والله مش عارف أشكرك إزاي… الخدمة اللي عملتها دي كبيرة. لولا وساطتك ماكنّاش خلّصنا ونقلنا بالسرعة دي.


زياد رد بجدية:

– خلينا في المهم… عاوز إيه دلوقتي؟


تنفّس مومن بعمق وقال:

– محتاجك تدور على اسم واحد… اسمه محمود السيد محمد رضا. ضروري جدًا.


في اللحظة دي اتغير صوت زياد، وانصدم:

– إيه؟! بتسأل عن الاسم ده ليه؟


مومن بدأ يحكي باختصار اللي قراه في الورق والصور اللي كانت مخبية رهف في دفتر ، وبعت نسخة لزياد عشان يشوف بنفسه.


زياد كان ماسك الموبايل عينه متسعة من الصدمة… وفي نفس اللحظة خرجت زينب من المحل.

وقف مكانه وهو شايفها، عينه رايحة جاية بينها وبين الموبايل، كأن الدنيا اتلخبطت فجأة بين السر اللي سمعه… والوجه اللي قدامه.


فكّر زياد شوية، وبعدها قال لمومن بصوت هادي لكنه حاسم:

– ممكن خدمة يا صاحبي؟


ابتسم مومن وهو بيرد بحميمية:

– إنت تأمر يا زياد… مش كفاية إنك ساعدتني وقدرت أنقل في يوم واحد؟ دي كانت فكرة في دماغي مجرد حلم… إنت خليته حقيقة.


ابتسم زياد بخفة:

– أحلامك مجابة يا صاحبي… بس دلوقتي محتاج أجيب زينب عندكم.


اتسعت عيون مومن باستغراب:

– إيه؟! مش كده هتبوّظ الخطة؟


هز زياد راسه نافي:

– بالعكس… وجودها معاكم أمان. ومتخافش، أنا هتصرف. أنا أصلاً كنت عامل حسابي، لكن كنت هاسكنها مع بنت شغالة معايا. بس بعد ما ظهر "الزفت" ده… بوّظ كل خططي.


شد مومن نفسه وسأله باهتمام:

– مين "الزفت" اللي ظهر؟ فاهمني طيب.


تنهد زياد وقال بجدية:

– أجيلك وأحكيلك كل حاجة… وبالمرة أفهم القصة اللي إنت حكيتها. كمان أروح معاك عند العقربية… عمة رهف. واضح إنها عندها أسرار كتير… والخيوط كلها متشبكة عندها.


---


غسلت زينب وشها وهي بتترعش، ومسحت الكحل السايح وظبطت مكياجها بسرعة. بعد كده خلعت هدومها ولبست فستان حرير باللون الأحمر القاني، ضيق من عند الخصر وواسع من تحت لحد الركبة، بسيط وأنيق، وكتافه مكشوفة بشكل يخطف الأنظار. فوقيه لبست بوليرو أسود قصير من الدانتيل الناعم، مغطي كتافها ورقبتها بحركة رقيقة.


أول ما فتحت الباب، زياد اتصدم وهو بيشوفها، حس قلبه هيطلع من مكانه.


زياد بدهشة: "إيه ده!.. مش هو الفستان اللي أنا اشتريته ليكي؟"


شهقت زينب وهي حاسة الدم بيتسحب من وشها: "نعم؟!"


عشقت فتاة المصنع الكاتبة صفاء حسنى الفصل ١٤

اتصدم  لما شاف زياد، الفستان وشك 

فطلب منها تسكت وانسحب من المكان خالص 

خرجت زينب من البروفة وهي مش فاهمة حاجة. حاسة إنها تايهة ومش عارفة إيه اللي بيحصل حواليها.


زياد بدأ يتكلم في ودنها: 

"الفستان فيه جهاز مراقبة".عشان كده أنا خرجت 


زينب اتصدمت وشَهقت وهي بتبص على الفستان. الخوف بدأ يتسلل لقلبها، يا ترى الحكاية دي هتوصلها لفين؟


صوت زياد كان حاد، مليان أوامر وغضب مكتوم:

ــ "بقولك متتكلميش، وماتوضحيش حاجة لحد. اسمعي بس… هتروحي تقولي للواد ده إنك تعبانة ومحتاجة ترتاحي، وماتعرفيش حد هنا ممكن يوديكي فندق رخيص. وإحنا هنبقى متابعينك… تمام؟"


زينب حسّت إن النار مولعة جواها، كرامتها بتتأكل وهي بتسمع كلامه كأمر لازم يتنفذ. بس عارفة إن أي اعتراض ممكن يبوظ الخطة كلها. شدت نفسها بالعافية ورددت بخفوت:

ــ "تمام."


مشت زي ما قال لها، لكن جوّا عقلها عاصفة. كل خطوة بتاخدها كانت تقيلة كأنها ماشيه في رملة متحركة.


وقفها  زياد بصوت حاسم من السماعة الصغيرة:

ــ "إستنى الأول هتروحي المحل… وتسألي البنت." ازى تم تبديل الفستان 


دخلت المحل، وعينيها بتدور بقلق. شافت بنت واقفة عند الكاونتر بابتسامة هادية. اقتربت زينب وقالت مرتبكة:

ــ "حضرتك… أنا كنت مشتري فستان غير ده."


ابتسمت البنت ابتسامة طبيعية جدًا، كأنها متدربة على الرد:

ــ "جيه واحد وطلب نغيره… عشان تكون مفاجأة ليكي."


شهقت زينب بخفة، بس حاولت تلملم نفسها بسرعة، وقالت بابتسامة مجاملة:

ــ "أكيد… الشاب اللي معايا. شكراً."


خرجت من المحل وهي تايهة ومش فاهمة حاجة، خطواتها مترددة، وقلبها بيرتعش من الريبة.


جالها صوت زياد من السماعة، صوته فيه نبرة رضا ممزوجة بالتحكم:

ــ "كده تمام… هما فهموا إنك فاكرة عصام هو اللي بدل الفستان. وكمان اتأكدوا إنهم مش متابعينك دلوقتي."


بعدها بلحظات ظهر عصام، عينه وقعت عليها، وصوته مليان انبهار حقيقي:

ــ "إنتي نزلت ليه؟… وإيه الجمال ده؟ ذوقك حلو… بس أهوه جايبها غالي."


اتنهدت زينب بخنقة، وهي ترددت قبل ما تقول:

ــ "إنت… اللي بدلته أنا لما لقيته أتغير نزلت سالتهم وقالوا ان فى شاب طلب يتبدل 


اتصدمت عصام : "بدلت الفستان إزاي؟ مش فاهم".


عصام حس بخوف. بدأ يحس إن فيه حاجة غلط، وإن فيه حد بيحاول يوقعه.


"يبقى كده جاسر كان بيراقبني وعمل الحركة دي عشان يوصل لي رسالة".


وفعلًا وصلت رسالة لعصام: "مش عيب يا أبن الباشا  تاخدها مني؟ طب كنت قولت!"


عصام اتصدم  وبغضب قفل التلفون وقالها :

"لازم نمشي من هنا".


زينب خافت: "قولي فيه إيه؟"


عصام مرديش يتكلم وخرج من المول وركب هو وهي العربية. وفي وسط الزحمة، ساب العربية وطلب منها تنزل.


وفعلًا نزلت، وهي طبعًا ما اتكلمتش عشان عارفة إن فيه جهاز متابعة. نزلوا واتسحبوا في وسط الزحمة وركبوا تاكسي فاضي كان زياد مجهزه ليهم.


التاكسي مشي وزينب كتبت لعصام على الموبايل: "ممكن يكون فيه جهاز في الفستان".


رد عليها بالكتابة: "احتمال كبير".


وكتب على موبايله وورى للسواق يقف قدام محل هدوم بنات على طول. السواق سمع الكلام.


زياد ابتسم، ان عصام ماشي معاهم في الخطة، ورغم إن  لعن زينب انها   اتكلمت وقالت كلام تاني، بس كده  تمام.

عدت على خير 

زينب نزلت واختارت فستان لبسته وسابت التاني في المحل.


.

خرجت زينب وهي بتتنفس وقالت: "إيه اللي بيحصل ده؟"

.....


مومن كان ماشي بخطوات تقيلة، قلبه مليان حزن ووجع، وهو داخل أوضة إيمان. عينه أول ما وقعت عليها وهي نايمة على السرير، شاحبة شوية، حس بخوف يجري في عروقه.


قرب منها وقال بصوت واطي وقلق باين فيه:

ــ "أخبارك إيه… والتوأم عاملين إيه؟"


إيمان رفعت عينيها له، شافت الحزن متكسر في ملامحه، وكأن الهموم سايبة أثرها على وشه. ابتسمت ابتسامة ضعيفة، بس جواها كانت حاسة بوجعه. مدّت إيدها له وقالت بهدوء:

ــ "تعال يا مومن… إنت تعبت بالك يومين. تعال جنبي."


مومن ما قدرش يقاوم. فعلاً بدأ يخلع هدوم الخروج بهدوء، حاسس إنه محتاج لحظة دفء وسط العواصف اللي بتهد عليه من كل ناحية.


"طلع نام جنبها. ، اللي الشوق كان مالي قلبه ، طلبت منه: "ممكن تنام في حضني؟". كان الأول خايف يتعبها، جسمها كله تعبان من عملية قيصري لسه خارجة منها. سألها بقلق: "أخدتي الدوا؟".

ابتسمت إيمان ابتسامة رقيقة طمنت قلبه، وقالت: "أخدت الدوا، متخافش. أنا أصلاً طلبتك جنبي عشان أستغلك قبل ما تهرب وتروح أوضة تانية".

مؤمن ابتسم على كلامها وضحك وقال: "استغلال مرة واحدة؟ لا أنا أهرب بقى".

مسكت إيده بحنان، وقالت بتصميم: "مش ينفع تهرب، أنت دخلت القفص خلاص، تعالى".


قرب منها ونام على رجلها وهو بيتألم. بدأ يتكلم بصوت موجوع، كأن الكلام بيطلع بصعوبة: "أنا ليا أخت توأم يا إيمان، تصدقي؟ كنت على طول عايش من غير روح، كنت حاسس إن ناقصني حاجة، بس مكنتش فاهم إيه هي. النهاردة كل الذكريات بترجع تروادني، والإحساس اللي كان بيلحقني وكان جزء مني مش موجود... وكنت مستغرب الإحساس ده، لكن النهاردة عرفت سببه".

وحسيت إن الجزء اللي كان ناقص ده ممكن يكون ليه علاقة باللي حصل.


نظر لها، عيناه بتلمع وبيضاها مسرح لألم وحزم مع بعض: — يمكن اللي فقدته زمان كان وراه سبب أكبر… مش بس فقد، ده سر متورط في ناس مش طبيعيين. وأنا لما بصيت في العيون وسمعت الكلام — حسّيت إن لازم أعرف الحقيقة، علشان خاطر أولادي، علشان خاطر روحك، علشان خاطر أي طفل اتسرق من أهله.


ابتسمت إيمان بابتسامة ضعيفة من التعب، ماسكة إيده بقوة أكتر من أي كلمة: — إحنا سوا يا مومن. إنت مش لوحدك في ده. أنا طلعت من العملية وبطني لسه مفتوحة لكن قلبي معاك، ومع أولادنا. لو هتدور، هتدور وأنا جنبك.


مومن تنهد، وخد نفس عميق كأنه بيرتب سلاحه الداخلي: — . هبدأ خطوة بخطوة. هننظم الموضوع، هنأمن الأولاد، بعدين نرجع نفتح الملفات. مش هسيب حاجة معلّقة.


حط راسه بلطف على رجليها، وعيونه بتقفل شويه من التعب ومن الألم اللي اتحول لعزم: — نامي دلوقتي. خليكي مرتاحة. أنا هادور، وهخلي عينى على الدنيا دي كلها.


إيمان مدت إيدها حوالين رقبته، مسكت خده، همست وهي تقفل عينيها: — وأنت تفضل جنبي… متتحررش مني.


ضحك مومن بصوت خفيف، دموع صغيرة على خده من مزيج الحزن والأمل: — دايمًا جنبي. وعد.


النور الخافت في الغرفة وراهم، وصوت تنفسهم اتزنّ، كأن الساعة دي بسّمت لهم لحظة سلام وسط الفوضى. تدريجيًا نامت إيمان، ومومن فضل صاحي شوية، يتأمل ملامحها، ويهمس خطط صغيرة في قلبه قبل ما يغمض هو كمان.

عند زينب 

.... 

عصام اتنهد وقال: "الزفت جاسر كان بيراقب حد، وكان متوقع إني ممكن أوصل لك وبعت لي رسالة كلها كلام وسخ، وهو اللي اشترى الفستان الواطي، بيقول لما تخلص مهمتك معاها رجعها لي، وأنا يا عم وجبت معايا وجبت لها فستان سواريه، وكمان حجزت لكم في مكان يجنن، كنت عايز أكون أول واحد، بس أنا وأنت واحد".


زينب اتصدمت وشَهقت وزعقت: "والله كنت حاسة إنك شغال معاهم!"


عصام شرح لها: "أقسم بالله ما ليش دعوة، هو شغال في الفندق اللي كنتِ فيه، وما كنتش أعرف إنه بيشتغل شغل من ده".


وفعلًا زياد أمرها في ودنها: "سيبي الواد ده بسرعة واعملي اللي اتفقنا عليه، وكفاية كلام فاضي".


زينب بلعت ريقها وهي بتطلب: "ممكن تسيبني يا عصام؟ أنا متلخبطة ومش فاهمة حاجة وخايفة، والدنيا ليل وعايزة أرتاح وأنام، شوف لي أي فندق في أي حتة يكون رخيص ممكن؟"


عصام هز راسه وقال: "حاضر يا زينب".


وفعلًا ركبوا تاكسي ووداها فندق صغير في وسط البلد وقالها: "ارتاحي دلوقتي وبكرة هاجي لك".


وبعد ما حجز الفندق ومشي عصام وركب تاكسي، خرجت زي ما زياد قالها، وعمل شوية "دوشة" مع السكرتيرة عشان ما ياخدوش بالهم، وخرجت زينب ودخلت بنت مكانها طلعت نامت مكانها.


زينب اتنهدت بضيقة ودموع وقالت: "ممكن تعفوني من المهمة دي؟" الدموع بتنزل على وشها، حاسة إنها مش قادرة تستحمل أكتر من كده.


زينب استغلت الفرصة وزعقت فيه: "ابعد عني يا عصام، أرجوك، أنت واحد مسلطينه عليا عشان تدمر لي حياتي، حكيت لي فيلم من شوية عشان أنهـار وتقدر تستفرد بيا، وبعد كده جاي تعمل نفسك الضحية؟ أنا ما أعرفكش عشان أثق فيك، ولو بتتكلم عن زمان... زمان كنا عيال، دلوقتي كبرنا وكل واحد راح في طريق وعاش حياة مختلفة، ولو على المصنع أنا مستقيلة".


وسابته ومشيت. ما بقتش واثقة في حد، حاسة إن كله بيحاول يستغلها.


عصام جري وراها ووقفها: "أنتِ ليه مش مصدقاني؟ أنا اشتريت المصنع ده مخصوص عشان أنتِ شغالة فيه، كنت بدور عليكي زي المجنون".


زينب زعقت فيه وهي بتزقه بعيد عنها بعد ما مد إيده عليها وقالت: "إيدك ما تتمدش عليا تاني، فاهم؟ وبتدور عليا ليه؟ أنت اللي اخترت تتسجن مكاني وأنا ما طلبتش منك تساعدني، صح؟ جاي دلوقتي تاخد تمن سجنك مني وتعمل الفيلم ده؟"


عصام زعق فيها: "يا بنتي فوقي! أنا بعشقك، أنا بحبك من وإحنا صغيرين، وعشان كده اتسجنت بدالك، وجيت لك عشان أساعدك ندور على أهلك وأكون معاكي، أروح أرميكِ في الزبالة والقرف؟ أقسم بالله بحبك، بحلم باليوم اللي أشوفك فيه، كنت برسم لحظة اللقا، بس ما تخيلتش إنها هتبقى بالبشاعة دي وأبقى في نظرك متهم".


وفعلًا زياد أمرها في ودنها: "سيبي الواد ده بسرعة واعملي اللي اتفقنا عليه، وكفاية كلام فاضي".


زينب بلعت ريقها وهي بتطلب: "ممكن تسيبني يا عصام؟ أنا متلخبطة ومش فاهمة حاجة وخايفة، والدنيا ليل وعايزة أرتاح وأنام، شوف لي أي فندق في أي حتة يكون رخيص ممكن؟"


عصام هز راسه وقال: "حاضر يا زينب".


وفعلًا ركبوا تاكسي ووداها فندق صغير في وسط البلد وقالها: "ارتاحي دلوقتي وبكرة هاجي لك".


وبعد ما حجز الفندق ومشي عصام وركب تاكسي، 

زياد بعد ناس تحجز وتسال كتير عشان من الزحمة ميشوفش مين الا طالع ومين الا نازل صاحب الفندق 


دخلت زينب الأوضة الصغيرة في الفندق، قعدت على السرير المبطّن بملاءة بيضا باهتة. الكشاف الخافت المعلق في السقف كان بيطالع ملامح وشها المتعب، وظلّ النور بيرسم خطوط حزينة حوالين عينيها. إيدها كانت ماسكة الموبايل من غير ما تاخد بالها، والأنفاس طالعة من صدرها متقطعة، كأن فيه خنقة ماسكة قلبها.


فتح زياد الباب بهدوء، ودخل بخطوات واثقة لكنه شايل جواه عاصفة. قعد جنبها، وبصّ لها نظرة كلها جدية.

قالت بصوت مبحوح وهي بتحاول تستجمع نفسها:

ــ ممكن أفهم إيه اللي حصل؟


شدّ زياد نفسه، وبصّ قدام كأنه بيرتب الأفكار قبل ما ينطق:

ــ دلوقتي… أنا ملحقتش أجيبلك الفستان.


اتسعت عينيها بدهشة، قلبها وقع:

ــ طيب… إيه اللي كان معايا واتبدل؟


مد زياد إيده وطلع فيديو على موبايله. ظهر فيه زينب وهي ماشية، ووراها بنت غريبة، وشها مش واضح.

قال بهدوء مرّ:

ــ جاسر… هو اللي أخد المحافظة. كان عايز يقطع أي طريقة تعرفي بيها تتصرفي أو تروحي مكان.


اتجمدت زينب في مكانها، عينها معلقة على الشاشة، إحساس بالغدر والقلق بيخبط جواها.

أكمل زياد وهو صوته غليظ، فيه غيظ مكتوم:

ــ وقت ما بطاقتك وقعت، كنت عارف… إن مدام عصام هي اللي أنقذتك. يبقى أكيد هيبقوا متابعين عصام ويشكوا إنه ساعدك تهربي. وده… كان المنقذ لينا. وفعلاً تابعوا عصام.


حاول يقرب منها عشان يطمنها، لكن إيده ارتجفت وهو بيتكلم:

ــ وقت ما كنتي هتقعي… عصام وصل. واللي كانوا متابعينكم واحد واحد وراكم. لحد ما اكتشفتي إن البطاقة مش موجودة. ساعتها جاسر بعت بنت… بالفستان وبالمحفظة.


مدت زينب إيدها بخوف وفتحت المحافظة، وفعلاً لقت جواها فلوس كتيرة ورسالة مطوية. فتحتها، ولقت بخط إيده:

"ده فلوسك يا جميل… بتاعت شغلك. كنت عايز أسلمها ليك بنفسي ومعاهم لحظات رومانسية… لكن عصام قطعهم. وده فستان تعويض عن هدومك اللي اتقطعت."


صوتها اتكسر وهي بتهمس:

ــ يا نهار أبيض…


كمل زياد بسرعة وهو بيبص جوا عينيها:

ــ أنا كنت عارف إن في ميكروفون في الفستان. فكرت أبدله… بس لو عملت كده، كانوا هيكشفونا. كان لازم عصام هو اللي يساعدك. وده اللي حصل.


قعدت زينب للحظة صامتة، عقلها بيصارع بين التصديق والصدمة. بصّت له باستغراب:

ــ بس… إنت كنت مصدوم وقت ما شفت الفستان، وقلت إنه اتبدل!


ابتسم زياد ابتسامة خفيفة، بس عينه فضحت إنه لسه متوتر:

ــ كان لازم أعمل كده… عشان تقولي اللي قولتيه لعصام.


رفعت حاجبها بدهشة:

ــ طب في نقطة مهمة… أنا اتقبلت الهدوم عشان إنت طلبت مني. مش كده؟ جاسر مش هيشك؟


ضحك زياد ضحكة قصيرة بس متوترة:

ــ ما أنا كنت عايز أوصل إن كانوا حاضنك تحت المراقبة، أو  عصام. عملت حسابي. وقفت بنت في أول محل في المول. طبيعي أي حد يدخل، يدخل عليها. ولما واحد من رجالته دخل وقال للبنت إنك نسيتي البطاقة… وكمان الفستان… البنت مشت مع خطتي. وجات وادتهملك.


سكت زياد لحظة، عينه لامست عينها، وقال بصوت أهدى:

ــ كل خطوة محسوبة… بس إنتي لازم تصدقيني دلوقتي.


– كلمتك قبل كده: سيبي الود ده وسوي اللي اتفقتِ عليه. لكن واضح إن الموضوع أثر فيكي أكتر ما توقعت.


بلعت ريقها وبصوت متقطع:

– ممكن… ممكن تعيفني من المهمة دي؟ أنا تعبانه، يا باشا  مش قادرة أتابع. خايفة أوقع حد أو أوقع نفسي.


الفصل ١٥


زياد وقف قصاد زينب، نظرته كلها حزم وخوف، صوته فيه جدية ما بتقبلش جدال:

— قبل ما تطلبي تسيبي المهمة ولا لا، لازم تيجي معايا دلوقتي. أوديك مكان آمن عند ناس أعرفهم.


اتجمدت زينب للحظة، قلبها بيخبط، بلعت ريقها وقالت بخوف:

— طيب… لو عصام حاول ييجي أو اتصل بيا؟


تنهد زياد بعتاب واضح، عينه بتلمع غيظ:

— إنتي مركزة مع عصام ليه؟! شغلك مش مع عصام على فكرة. آه ممكن يكون دخل في الخط، بس مهمتك حاجة تانية خالص… مهمتك إنك تكشفي الناس اللي بيشغلوا البنات في الدعارة. شغلك يبدأ مع مدام نهال، اللي طلبت منك تيجي. وكويس إنك قولت لعصام إنك استقلتي من المصنع، كده عندك مبرر تكوني قريبة من نهال وتكسبي ثقتها… ولما تبقي دراعها اليمين، نفهم هي شغالة تابع مين.

عشقت فتاة المصنع الكاتبة صفاء حسنى الفصل 15 

زينب سابت نفس طويل، وعينيها مليانة قلق:

— طيب… موضوع إني ليّا أهل تاني؟ أعمل فيه إيه؟


ضحك زياد بسخرية وهو بيهز راسه:

— يا بنتي أنا ظابط كبير، مش أي كلام يعني. هعرف أجيبلك قرار بالموضوع ده. يلا… وصاحب الفندق ملخوم بالزباين اللي دخلوا.


زينب رفعت حواجبها مستغربة، لمعت عينيها بعلامة استفهام:

— الناس دي… تابعك صح؟


زياد ابتسم ابتسامة فيها لا مبالاة مصطنعة، وضحك بسخرية:

— مش عارف الصراحة… المهم دلوقتي تقفلي أوضتك بالمفتاح، وتطلعي معايا من الباب الخلفي. ولو عصام سأل عنك، هتكوني دخلتي من نفس الباب تاني.


هزت راسها بالموافقة، قلبها بيتدق بسرعة. أخدها زياد وركبوا العربية. بعد وقت قصير، وصلوا قدام كمبوند قديم، وزياد اتصل بمومن.


في نفس الوقت، مومن كان نايم من التعب جنب إيمان. هو حاطط راسه على حجرها، وهي رغم الألم والتعب حسّت بدفا غريب يخليها ماتصحّهوش. التوأم صحوا، وهي عملت حركة ذكية بالحبل المربوط في السريرين؛ أول ما تهز الحبل، السريرين يهتزوا مع بعض، فيسكتوا الأطفال ويناموا.


صحى مومن على صوت تليفونه بيرن، رفع راسه فجأة وعيونه حمرا، اتفاجئ إنه نام على رجلها طول الوقت ده. بص لها بعتاب:

— ليه سبتيني أنام على رجلك كل ده؟ أكيد اتخدّلتي.


ابتسمت إيمان رغم التعب وقالت بمراوغة عشان تهون عليه:

— حلوة فكرة الحبل ده، صح؟ كنت عايزة أدبسك تشيلهم لما يعيطوا… بس أنت طلعت عامل حسابك.


ضحك مومن وهو بيعدل نفسه، عينيه مليانة حنية:

— عيب عليكي، أنا أفهمها وهي طايرة. وبعدين الصراحة مش عايز نفترق… أنا في مكان وإنتي في مكان. البُعد بيعمل جفاء مع الوقت. وكده كده شغلي بيخليني أسهر، فتبقي معاكي أمي أو… الأمهات بتوعك يا بنت المحظوظة.


ضحكت إيمان من قلبها رغم الألم:

— آه والله محظوظة. بس إنت نسيت عندك ٣ أمهات. وفكرة العمارة دي تجنن… نوزع الأولاد في الشقق وأنا أستفرد بيك وقت ما أحب.


ضحك مومن وهو بينظر لها بهيام:

— يبوي على التشويق في عز التعب. أنا عارف هتلعبِ بيا الفترة دي… ولازم أكتم جوّا.


رن تليفونه تاني، المرة دي انتبه:

— يا خبر… نسيت معادي مع زياد. أرد وأروحله، وأرجعلك نكمّل اللعب على المكشوف.


ضحكت إيمان بخفة:

— انسى… إنت هتصوم شهر كامل يا جميل. خلال الشهر ده اللعب هيبقى بالألفاظ وبس.


ضحك مومن بصوت واطي، وهو يحاول يخفف التوتر اللي حاسس بيه:

— ده البنج لسه مأثر فيكي، صح؟ حاسس إني الصبح هشوف الشويش إيمان أُقدّمي.


كشرت إيمان وهي بتضربه بخفة على كتفه:

— شويش إيه يا راجل؟! أغص عليك. بذمتك شايفني راجل؟… يشهد عليك التوأم دول. يعني جبتهم من السوق؟!


ضحك مومن بحرارة وهو يبص لها بحب:

— في الزمن ده… كل حاجة بقت مش غريبة.


رنّ تليفون مومن للمرة التالتة، وزياد على الناحية التانية كان بينفخ بغيظ، صوته مبحوح من العصبية:

= هو إنت نايم ولا ميت؟!


رد مومن وهو بيحاول يخفّي تعبه بابتسامة باهتة:


معلش يا زياد… كنت نايم.


زياد زفر بصوت عالي، صوته مليان ضيق:

= نايم؟! يعني أنا سايب شغلي وجاي أجري وراك، والبيه مستريح!


ضحك مومن بسخرية وهو يعدل جلسته:


ما إنت هتسيب شغلك عندي وتنام، فيها إيه لو ارتاحت شوية؟


عين زياد ضاقت، صوته بقى فيه وعيد واضح:

= ملحوق يا مومن… ماشي. يلا قوم وتعال خد البت اللي معايا، عشان ألحق أنام أنا كمان قبل ما نروح زيارة للزفت اللي في السجن.


سكت مومن لحظة، قلبه اتقبض لما افتكر الشخص اللي هرب منه زمان، الشخص اللي ممكن يكون مجرد ذكر اسمه كفيل يوقّف الدم في عروقه.

بص لمراته نايمة جنبه وابتلع خوفه:


خايف… خايف يقتلوها قبل ما نوصل ليها.


زياد صوته جِدي، لكن عينه فيها لمعة قلق:

= متقلقش، أنا مأمّنها. طلبت لها حراسة مشددة، وسجن انفرادي. حتى الأكل والشرب منعنهم إلا بعد ما يتفتشوا كويس… أنا مش ضامن إيديهم واصلة لحد فين.


قرب من الحيطة، صوته بقى أخفض كأنه بيتكلم مع نفسه:

= متنساش… دول حكموا البلد سنين، وليهم عيون في كل ركن. مهما وقعوا، لسه في شياطين بيلعبوا في الضلمة.


مومن شد على التليفون بإيده، وعقله رجع للوراء، لصورة "أبو إيمان المزيف" اللي عاش سنين باسم "عماد" وما حدش شك فيه. حس إن ظهره بيتقشعر.

ساعتها بس فهم معنى جملة زياد: "مدرب كويس… يعرف يستخبى في النور قبل الضلمة."


... 


زياد بص لموبايله وهو بيكلم مومن بعصبية:

= المهم دلوقتي انزل خد معاك الأمانة عندك.


رد مومن بهدوء وهو بيحاول يخفّي ابتسامته:


حاضر… اديني دقيقة.


مومن لبس هدومه بسرعة، وهو بيربط زراير القميص وإيده بتترعش شوية من الاستعجال.


في نفس الوقت، زينب كانت واقفة قدام زياد، وشها بيحمر من الغضب وظهرها للباب:


قولتلك ألف مرة، هتقولي "بت" هقولك "جريتي"… متفتكرش إن حضرتك ظابط وكبير يبقى برحتك تهزق فيّ.


زياد نفخ بغضب، صوته بدأ يطلع من تحت لتحت:

= أنا على آخري ومطبق باليومين عشان ساعتك ومشبر ومش شايف قدامي… فتلمي كده.


فتح باب العمارة مومن وهو سامع الحوار وضحك:


تعالي يا بنتي، ليرتكب جريمة وهو مشبر كده!


زينب لفت بسرعة وهي بتضحك رغم عصبيتها:


آه والله مش بعيد… مش كفاية مشغلني معاه بالعافية وكمان عامل يعطني أوامر من الصبح. أقسم بالله أنا زهقت وعايزة أروح.


أول ما شافها مومن، حس كأنه يعرفها من زمان، كأنهم بيكملوا بعض.

ضحك وقال لها:


لو قولتي له كده مش هتشوفي نجوم الظهر، أنا عارفه.


زياد بص لهم بعصبية، صوته اتشد أكتر:

= هو أنتم هتغنوا وتردوا على بعض وتتسلوا عليّ؟ طيب إنسوا المشوار، أنا أجلته لبكرة.


مومن تنهد كأنه فاق على نفسه فجأة، عينه فيها قلق:


لأ… لازم النهارده عشان محدش يسبقني ويقتلها.


زينب فجأة اتسمرت في مكانها، قلبها دق بسرعة:


هو فيها قتل؟! هو أنتم عصابة؟


مومن قرب من زياد وبص لزينب وقال بهدوء:


متخافيش… الموضوع ميخصكيش.

(بعدين لزياد)


المهم… انت أجلت ليه المشوار؟


زياد ابتسم ابتسامة فيها سخرية وهو شايف مومن متردد:

= فين الجامدان اللي كنت بتتكلم بيه من شوية؟ في لحظة نخيت.


مومن نظر له بتحدي:


لا يا حبيبي، أنا ممكن أروح من غيرك. انت اللي أخرتنا، وقلت استنى لما أعمل تحريات وأكون جاهز.


زياد ابتسم وطمنه:

= متخافش، هي تحت الرقابة في سجن انفرادي من غير أكل أو شرب، عشان محدش يفكر يسممها.


زينب كانت واقفة مرعوبة من كلامهم، وشها شاحب، وقلبها بيضرب بعنف.

مومن لاحظ ده وبص لها:


إنتِ بخير؟


زينب هزت راسها وهي بتبلع ريقها:


لحد دلوقتي آه… لكن بعد شوية مش عارفة مصيري هيكون إيه.


زياد ضحك بسخرية:

= طلعت بتخافي أهوه! طيب نفشتي ريشك عليّ ليه؟


زينب نظرت له بحدة، صوتها مرتعش:


إياك تقولها… واقسم بالله ما يفرق معايا حتى لو موتّني.


مومن حس بخوف عليها وقال بهدوء:


بعد الشر عليكي.

(وبعدين لزياد)


روح انت دلوقتي وبكرة نتكلم، عشان وانت مشبر بتضيّع كل حاجة.


زياد ضحك وهو ماشي:

= واضح كده… تصبحي على خير يا بت.


وركب العربية وسابهم.


زينب نفخت بغضب وهي بتبص لمومن:


شايف عمايل صاحبك الجريتي ده؟


مومن ضحك وقال:


بصي، أنا هطلعك عند مراتي عشان لو دخلت بيك دلوقتي عند أمي وأبويا يشكوا إني اتجوزت على مراتي.


زينب ضحكت بسخرية:


يعني خايف توقع قلب أهلك… بس المسكينة عادي.


مومن ضحك وهو بيحاول يخفّي توتره:


هي دلوقتي تحت تأثير البنج عشان ولدت قيصري… وشايف ده أنسب وقت أعمل فيها مقلب.


حركت إيده بطريقة عفوية، وفي نفس اللحظة مومن عملها بطريقته وخبط كفه في كفه وهو بيضحك.


زينب استحت وبصت للأرض:


آسفة جدًا أصلًا…


زينب كانت لسه مكسوفة بعد ما خبطت كفها في كف مومن، رفعت عينيها وقالت بخجل:


أصلًا أنا متعود أعمل الحركة دي… عفواً بتطلع مني من غير ما أخد بالي، وأصحابي كانوا بيستغربوا.


ضحك مومن بصوت واطي وهو ماسك نفسه:


مش إنتِ لوحدك… أنا كمان دايمًا بعملها، بس أنا واخدها وراثة من السيد القاضي محمد… علامة مميزة عنده.


زينب استغربت، عينيها وسعت شوية:


مين سيد محمد القاضي ده؟


مومن ضحك بجد المرة دي، وصوته فيه مزاح وهو سايق:


سيد محمد القاضي ده طيب… إوعي يسمعك، يعلّقك.

(وقف لحظة، وبعدين كمل)


أنا هاخدك عند زوجتي عشان لو دخلت بيكي عليه من غير ما يعرف يفتكر إني اتجوزت للمرة التالتة ويقع فيها.


شهقت زينب بصدمة، حطت إيدها على خدها:


انت متجوز اتنين؟!


مومن ضحك بهستيرية، دموعه نزلت من الضحك:


يا بنتي حرام عليكي… أنا أموت من الضحك وأنا مش فاهم الحالة اللي أنا فيها دي… قلبت معايا ضحك.

(حط إيده على صدره وهو بيضحك)


واضح تأثير البنج بتاع مراتي أثر عليا.


زينب ابتسمت بخفة دم وهي لسه مستغربة:


وانت خايف توقع قلب القاضي… وعادي لما تصدم مراتك؟


مومن ضحك وهو بيهز دماغه:


ما هي تحت تأثير البنج والولادة… فالمقلب مينفعش غير دلوقتي، عشان أطلع كل اللي جواها. هي كتومة وبتشيل جواها كتير.

(بص قدامه للحظة، صوته بقى أهدى)


جوازنا وارتباطنا ليه ظروف… وحصلت حاجات كتير قبلها.


زينب بصلّه وهي أول مرة تحس إنه مش بس بيهزر… ورا الضحكة في حكايات تقيلة.


طلع مومن  بسرعة على السلم،إفتكر إن سايب ايمان لوحدها ، عينه فيها لهفة وخوف على إيمان والأطفال. فتح الباب بإيده وهو بيقول بهدوء مضغوط:

– يلا يا زينب تعالى معايا.


دخلوا الشقة، والأنين الهادي لإيمان كان سابقهم. كانت قاعدة على السرير بتحاول تقوم، رجلها بتوجعها ومش قادرة، والأطفال على صرخة واحدة بيعيطوا. دموعها منزلة على خدها وهي بتحاول تمسك نفسها.


مومن أول ما شاف المنظر قلبه وقع، جري عليها وهو بيقول بلهفة:

– مالك يا قلبي؟! بتعيطي ليه؟


زينب لقت نفسها تتحرك من غير ما تفكر، قربت منها وساعدتها، نولتها الطفلة الصغيرة بإيديها المرتعشة وهي بتقول بهدوء:

– بسم الله ما شاء الله… ربنا يحفظهم. أولادك صح؟


هزّ مومن رأسه وهو بيبص على الأطفال بحنان وقلق مع بعض:

– آه… أولادي.


إيمان كانت بتحاول تمسح دموعها بإيدها التانية، صوتها مخنوق:

– مفيش… الأطفال عيطوا، وحاولت أعدل نفسي عشان أجيبهم لكن رجلي وجعتني ومعرفتش أقوم.


رفعت عينيها لزينب لأول مرة، ملامحها فيها استغراب وقلق:

– مين دي؟


مومن كتم الضحكة اللي عايزة تطلع منه، حاول يخلي صوته طبيعي وهو بيقول:

– جبتلك واحدة تساعدك.


إيمان كانت لسه مش مستوعبة، قلبها بيدق بسرعة، نظرت ليه وليها، وبصوت فيه رعشة قالت:

– واحدة تساعدني إزاي؟!

(اتسعت عينيها فجأة وشهقت وهي بتحط إيدها على صدرها)

– إوعي تكون اتجوزت عليّا يا مومن… والله كنت حاسة إنك هتعملها.


مومن اتفاجئ من كلامها، وقف مكانه نص ثانية مش عارف يضحك ولا يرد، أما زينب فبصّت لتحت، حست إنها وقعت في وسط موقف ملغوم، ووشها سخن من الإحراج.


في العربية، كان زياد ماسك الموبايل وصوته كله جدية:

= وصلت ليك العينة؟


جاله صوت الراجل من الطرف التاني:


أيوة، وصلت.


زياد شد نَفَسه وقال بأمر حاسم:

= عايزك تعملي تحليل "دي إن إيه" بين العينة دي وعينات عيلة القاضي محمد، اللي عندك محفوظة… لسه عندك صح؟


الراجل رد بثقة:


طبعًا، محتفظ بيها من وقت ما شكينا إن في تسمم، وإنت ساعتها طلبت مني أخد عينات وأخليها في مكان مضمون لحد ما تجيبلي حاجة تانية.


ضحكة صغيرة ارتسمت على وش زياد وقال بهدوء:

= تمام… عايز النتيجة في أسرع وقت، وتكون بسرية تامة.


قفل الموبايل، قعد ساكت لحظة وهو يبص قدامه بعينين مليانين قلق وأمل، وبصوت واطي قال:

= يارب… يارب تكون هي يا مومن… وتكون أختك اللي بدوّر عليها… يارب أكون اتصرفت صح.


عشقت فتاة المصنع الكاتبة صفاء حسنى


تتبع 



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 


تابعوا صفحتي علشان يوصلكم اشعار فور نزول الروايات من هنا 👇 ❤️ 👇 


صفحة روايات ومعلومات ووصفات



الفصل الاول من هنا



الفصل الثاني من هنا



الفصل الثالث والرابع والخامس من هنا



الفصل السادس والسابع والثامن من هنا



الفصل التاسع حتى الفصل الخامس عشر من هنا



🌹🌺💙❤️🌹🌺💙❤️🌹🌺💙❤️🌹🌺💙❤️🌹🌺💙❤️🌹🌺💙❤️





تعليقات

التنقل السريع
    close