القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الحادي والثلاثون والثاني والثلاثون والاخير حصريه وجديده

 رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الحادي والثلاثون والثاني والثلاثون والاخير حصريه وجديده 


كانت تستند على فراشها ودمعاتها تتسابق للهطول، تصنعت الجمود أمام عائلتها، وحين سنحت لها الفرصة؛ أجهشت في البكاء، تلك اللحظات المُرعبة التي مرت بها تتقاذف داخل عقلها مُجددًا، لا تستطيع إخراجها من عقلها مهما فعلت، فُتح باب الغرفة فجأةً لتُحاول مسح دموعها بسرعة قبل أن يراها أحد.

جلست سجود على طرف الفراش خلف شقيقتها، ثم خرج صوتها مُعاتبًا: فِكرك لما تعملي نفسك نايمة هسيبك يا تسبيح! دا أنا توأمتك. يعني حاسة بكل حاجة انتِ حساها دلوقتي.

اهتز جسد تسبيح بعنف، سامحة بإطلاق صرخاتها الخافتة التي تدل على تألم قلبها، أجلستها سجود حتى أصبحت في مواجهتها، وفجأة اندفعت تسبيح لإحتضانها وشهقاتها تصدح في أرجاء الغرفة، مسدت شقيقتها بيدها على ظهرها صعودًا وهبوطًا لتهدئتها، تاركة لها العنان لتُخرج ما في قلبها، قلبها يؤلمها مثلها تمامًا، تشعر بها وبكل إنتفاضة في جسدها، وكيف لا وهي نصفها الآخر!

مرت نصف ساعة و تسبيح لا تفعل شئ سوى البكاء، وكأنها وجدت ملاذها ومصدر راحتها للبوح، خرجت من أحضانها؛ فرفعت سجود كفها ومسحت بها عِبراتها، ثم طبعت قُبلة طفيفة على وجهها، تلاها سؤالها المُترقب: أحسن!

طالعتها تسبيح بإمتنان، ثم عانقتها مُجددًا بحب شديد، شددت من إحتضانها وكأنها تشكرها على وجودها اللطيف بجانبها، لتتسلل الدمعات لعيني سجود، لا تتخيل كيف كانت ستغار منها من أجل مَن لا يستحق! قبَّلت جانب وجهها وكأنها تعتذر منها على تفكيرها الأحمق، الجميع يُعوَض إلا الأخت.



فُتح الباب مرة أخرى دون استئذان، ليجدا كُلًا من غزل وميران تدلفان للغرفة ومعهما بعض المُسليات، لوت سجود شفتيها بإستنكار، متحدثة بسخرية: مش في حاجة إسمها باب! ولا معدتش عليكوا دي!

دفعتها غزل بقوة ثم صعدت على الفراش لتجلس بالمقابل لها وبجانب تسبيح: اسكتي يا بت انتِ، البيت بيتنا واللي له عندنا حاجة، مش هياخدها برضه مش حوار.

كادت أن تُجيبها بحنق، لكنها تحدثت بمشاكسة: صحيح. كفارة يا برنس.

سددت لها نظرة حارقة قبل أن تدفعها بالوسادة الثقيلة في وجهها، والتي أدت إلى سقوطها من على الفراش، ثم أردفت بسخط: لو مسكتيش هاجي أركب فوق أفطسك، وابقي قابليني لو حَد لحقك من تحت إيدي.

تشكلت إبتسامة خفيفة على ثغر تسبيح من مشاكستهم المرحة، نظرت لهم بحب، فمن دونهم لم تكن ستستطيع المرور بما تُعايشه الآن.

جذبت ميران التسالي واضعة إياها أمامهم ثم فتحتها قائلة بحماس: شوية لِب على سوداني على شوية شيبسيات وحركات هتخلي السهرة صبَّاحي.

التفوا جميعًا كدائرة حول الأطعمة ثم بدأوا بالحديث حول أشياء مختلفة مُحاولين إلهاء تسبيح عن ما مرت به ولو حتى قليلًا.

أمسك موسى بذلك الرجل من ثيابه بقوة ضاربًا إياه بعنف، حتى سالت الدماء من أنفه ووجه الذي جُرِحَ أثر ضربه، توقف وهو ينهج ثم نظر له بأسف: متزعلش مني يا محفوظ على اللي عملته فيك.

كتم محفوظ ألمه داخله، ثم حدجه بتيهة: أنا مش فاهم يا ريس، انت عايزني أبلغ عنك ليه!

اعمل بس اللي قولتلك عليه يا محفوظ وملكش دعوة، هتطلع دلوقتي على القسم وهتبلَّغ عني إني ضربتك، وساعتين تلاتة كدا وتعالى اتنازل عن البلاغ.

أومأ له محفوظ واضعًا يده على وجهه مُتحسرًا، ثم ذهب من أمامه ليفعل ما طلبه منه، بينما موسى نظر لأثره بشرود وبملامح وجه غامضة، أخرج هاتفه قديم الطراز، ثم جاء برقمها والذي حفظه عن ظهر قلب، تردد كثيرًا في مُهاتفتها والإطمئنان عليها، لكن هُناك صوت داخله يصرخ به بعدم فعلها، وبالفعل لم يُحادثها، إنما قامت أصابعه بكتابة رسالة لها بما يختلج به صدره، وبسمة صغيرة حالمة تتشكل على ثغره، يبدو بأنه وقع بها، أحبها وحُسِم الأمر.

وضع الهاتف بجيب بنطاله ونظرة عابثة رُسِمت بعيناه، كيف ستكون ردة فعلها الآن، يرغب في رؤيتها وبشدة ليُشبع عيناه منها، عاد لمنزله سريعًا لتتم خطته التي رتَّب لها بنجاح، وهُنا عاد الجمود يُسيطر على تعابيره.

سلكتُ طريقٌ غير الذي أسلكه، لأقع أسيرًا لعقلي وأفكاري، وجدتُ الضلال بين فؤادي ليغمره، وكنتُ الوحيد الضحية لأفعالي، فكيف لي الخلاص من الذي أذلني! وهو عقلي الهارب من محلهِ.

جلس أحمد على الأرضية الباردة، بجروح وجهه وجسده المُتسبب بها عابد، هبطت دموعه بألم على وصل إليه، كيف فعل بها ذلك! كيف كان سيُضيعها للأبد! هو ليس بوحش لتصل أفعاله لتلك الدرجة من الدناءة، زاغت أبصاره بمَن حوله، وجد المجرمين أمثاله يُحدقون به، لكن لم يهتم إليهم، بل كان شاردًا بواديه الخاص.

تذكر تلك الليلة التي ذهب بها مع أحد أصدقائه، ليُعطيه سيجار غريب المظهر، ولغباءه الشديد لم يتسائل عن ماهيته، بل قام بتدخينها بتلذذ وصورتها تتقاذف أمام عيناه، ببسمتها وضحكتها الساحرة، يُريدها بكل جوارحه، يعشقها بكل ذرةٍ فيه، لكنها لا ترغبه، وهذا أكثر ما أثار حنقه.

غاب العقل وذهب المنطق ولم يشعر بأي شئ بعدها، بل وجد ذاته في غرفته شاعرًا بألم حارق في مُفترق جسده، ووالدته التي تنظر جانبه تُطالعه بحسرة ودموعها تنهمر على وجهها بحرقة، ومن بعدها تم القبض عليه بتهمة الإعتداء على إبنة عمه، حينها إنهار كل شئ فوق رأسه، ولم يستطيع الحديث أو الدفاع، حتى لم يصرخ بكلمة واحدة يُدافع بها عن ذاته، وكأن لسانه قد تجمد من الصدمة.

فُتح باب الزنانة، ليدفع الشرطي الرجل قائلًا بغلظة: ادخل يا مُتهم.

دلف موسى ينظر في الأرجاء حتى وقعت عيناه يجلس مُنزويًا في أحد الأركان، يظهر عليه البؤس والتعاسة، اقترب من مكانه يجلس جانبه حتى اصطدم به بقوة، فتحدث بغلظة: ما تحاسب يا أعمى.

قطب أحمد جبينه بغضب من إهانته، فدفعه من ذراعه: ابعد يلا مش نقصاك.

انتفض موسى من جلسته بغضب، مُشمرًا عن ساعديه، قائلًا بنظرات ذات مغزى: حلو. غِلِط، وأنا كنت مستنيه يغلط.

وما كاد أحمد أن يُجيبه، فأمسكه الآخر من تلابيبه يجذبه له بقوة، ثم سدد له لكمة في وجهه أدت إلى إنفجار الدماء من فمه نتيجة لجُرح أسنانه، أطاح بجسده أرضًا ثم جلس جواره على رُكبتيه هامسًا بجانب أذنه: اللي يجي ناحية حد يخُص موسى. يستاهل اللي هيجراله.

أنهى حديثه ثم هبط على معدته بالضربات المؤلمة التي أدت إلى إرتفاع صرخاته، ولم يقدر على الدفاع عن ذاته، بسبب الألم الذي يغزو جسده من ضربات عابد له.

دخل عليهم الشاويش يصرخ بهم: ابعد يا مسجون انت وهو. فين موسى!

ابتعد موسى عنه وصدره ينهج بشدة، ثم بصق عليه بإشمئزاز تاركًا إياه يتلوى من الألم، ذهب تجاه الرجل مُعدلًا من ثيابه، قبل أن يُجيبه بقوة: أيوا أنا.

أشار له مردفًا بما جاء لأجله: تعالى، عندك زيارة.

ابتسم موسى بخبث، ثم عاد بأنظاره تجاه أحمد يُطالعه بتهكم، ثم ذهب خلف الشرطي، ليرى محفوظ أمامه ليتنازل عن البلاغ الذي قدمه ف موسى بأمر منه.

وعلى بُعدٍ آخر، كانت تسبيح بتلك الأثناء مُمددة على فراشها بعد ذهاب شقيقتها وبنات عمها، شاردة في عالم آخر تُحاول الفُرار منه، ولكن رغمًا عنها انغمست في ذكرياتها التي حدثت منذ خمسة أعوام وأكثر.

Flash Back:

يلا يا تسبيح هنتأخر.

عدَّلت تسبيح من بلوزتها التي تصل إلى ما قبل ركبتيها بقليل، ثم وضعت أحمر شفاهها لتُعطي لثغرها مظهرًا مثيرًا أكثر، نظرت لوجهها وحجابها الذي يخرج منه بعض الخصلات برضا، ثم رسمت عليهم إبتسامة عابثة عندما رأت ذلك الشاب الوسيم يتقدم منهم، مُوجهًا نظره لها هي تحديدًا.

وقف قبالتهم ومعه أحد أصدقائه، ثم أردف بمرح وهو يغمز لها بمشاكسة: إزيكم يا جميلات!

أجابته راندا والتي كانت تُعد صديقة تسبيح بتلك الأثناء، ونظراتها يليح بها الكثير من الإعجاب تجاهه: الحمد لله يا وائل، أخبارك انت إيه!

رد عليها مُرتكزًا بأنظاره تجاه تسبيح والتي لم تخجل هي الأخرى من مطالعته: أنا الحمد لله فُل بعد ما شوفتكوا...

صمت قليلًا ثم أردف بكلمات ذات مغزى: تسبيح تعالي ثوانتي عايزك.

أومأت له ثم ذهبت لتقف معه جانبًا، تاركة نظرات أصدقائها تتآكلها بحقد، نظرت راندا لصديقتها مُتحدثة بغل: شايفة خَادها وبيتكلموا على جنب إزاي!

تحدثت صديقتها روان برقة مصطنعة وهي تُطالع عامر الذي ينظر لها بنظرات وقحة: إهدي يا بيبي، وكله بالهداوة هيجي.

لم تُلاحظ راندا نظراتها للآخر، بل كانت تشتعل وهي ترى إقتراب وائل من تسبيح التي تعم ضحكاتها المكان، غمز عامر ل روان لتتبعه، فأومأت له بمكر، ثم نظرت ل راندا مُردفة بحنان مُزيف: حبيبتي هروح الحمام ثواني وجاية، أوك!

أومأت لها بهدوء، ثم اتبعت عامر الذي سبقها لمكان بعيد نسبيًا، وما كادت أن تُناديه؛ حتى وجدت من يُطوِق خصرها مُقتربًا منها بوقاحة، ثم أردف قبل أن يتخطى جميع الحدود معها: وحشتيني.

بينما كان وائل يُحاول إقناع تسبيح بالخروج معه، لكنها كانت ترفض مُتحججة بإحتمالية شخص من عائلتها معه، لذلك فكَّر قليلًا قبل أن يقترح بترقب وشيطانية: طب إيه رأيك تيجي نقعد في شقتي! وانتِ عارفة إني بحبك وحاكي لماما عنك وهتكون في إنتظارك.

لاح التردد على قسمات وجهها وهي تُفكر في حديثه، فماذا ستُخبر أهلها! وكأنه قرأ أفكارها ليقترح عليها مرة أخرى بخبث أشد: ولو على أهلك قوليلهم إنك راحة درس حِصة إضافية، وهما أكيد هيصدقوا.

كانت تسبيح تلك الأثناء في الصف الثاني الثانوي، مازالت مُراهقة وتحتاج للعناية، وللحقيقة كانا والداها يعتنان بها وبقوة، لكنها سلكت طريقًا خاطئًا عندما تعرفت على صديقاتها راندا وروان، تبدلت حياتها كُليًا، سواء أكان في أسلوبها، أو حديثها، وحتى شكل ملابسها الذي تغير للغاية.

ملَّت من التفكير، لذلك أجابته بتردد: خلاص أوك. نتقابل بكرا، باي.

تبعها بعيناه وهي تسير أمامه، مُردفًا بخبث: باي يا قطة.

جاء اليوم التالي، لتقوم تسبيح بإختلاق كذبة على والديها بأمر حصتها، وهم بحُسن نية صدقوها، جلست أمام التلفاز مع والدها مُنتظرة الموعد الذي ستذهب به، فمازال يتبقى ساعتين، قلَّب طه التلفاز حتى جاء بإحدى القنوات، ثم نظر إليها بحنان وهو يطوق كتفها بذراعه: بما إن فاضل على درسك ساعتين، تعالي نسمع البرنامج دا، بحبه وبسمعه من وأنا كنت صغير.

أومأت له بسعادة وبداخلها تشعر بالذنب حيال والدها، والذي لا يبخل عليهم في إظهار حنانه أبدًا، نفضت كل تلك الأفكار عن رأسها ثم وجهت كامل تركيزها على التلفاز، لتجد رجل يُقف على المنبر يُقدم البرامج الدينية، عادةً ما كانت تشعر بالملل من تلك البرامج، لكن لا تعلم لِما ركزت في حديثه تلك المرة تحديدًا.

استمعت لبعضًا منها حتى بدأ الشيخ يُغير مسار حديثه قائلًا: وزي ما الذنب بيكون على الرجل اللي مش بيغض بصره، البنت بيكون لها نفس الذنب ويمكن أكتر كمان، أقفي قدام المرايا يا بنت الناس، بُصي لنفسك، بُصي للبسك، هل انتِ راضية تموتي بمنظرك دا! راضية تكون ماشية في الشارع حاطة عِطر يشمه الرجال وفجأة تيجي عربية تدوسك وتموتي فتكوني في حُكم الشرع زانية! شيلتي ذنب كل رجل شافك جسمك، شيلتي ذنب كل رجل شم ريحتك الحلوة، شيلتي ذنب كل رجل شاف شعرك، راضية عن نفسك! لو راضية عن نفسك تبقي في نصيبة والله، نصيبة ولازم تفوقي منها قبل فوات الآوان، محدش فينا عارف هيموت إمتى، ومحدش فينا عارف هيقابل وجه رب كريم بأي منظر وبأي شكل.

ابتلعت ريقها بصعوبة شديدة، ورغمًا عنها تشكلت الدموع بعيناها، قلبها يخفق بقوة رُعبًا وفزعًا، ماذا إن ماتت اليوم حين ذهابها لمُقابلة أحد الشباب! وثيابها الفاضحة لمفاتنها والتي كانت تتفنن في إظهارها! هل هي مُستعدة لمقابلة خالقها الآن! وكثير وكثير من التساؤلات التي كانت تدور في عقلها في تلك اللحظة.

بينما والدها كان يُراقبها ويُراقب تعابيرها منذ البداية، هو بالأساس لا يعلم عن أفعالها بالخارج لثقته الشديدة بها، لكنه لا يرضى عن مظهر ثيابها، فكم مرة تشاجر معها بسبب تلك الثياب ولكنها ولم تُبالي لا به ولا بحديثه، لذلك قرر أن ينصحها بلين، لكن ليس بفمه، بل بفم أحد الشيوخ، ويبدو أن خطته قد نجحت.

استأذنت تسبيح من والدها لترتاح قليلًا مُدعية التعب، ثم دلفت إلى غرفتها مُغلقة الباب خلفها، وللغريب أنها وقفت أمام المرآه حقًا ونظرت لمظهرها الذي كانت تستعد به للهبوط، بنطال من الجينز الضيق، وبلوزة من اللون الأبيض تصل لركبتيها، وحجابها الذي يظهر منه نصف شعرها تقريبًا، ارتعشت شفتاها ومازال صوت الشيخ يتردد بأذنها مستعدة تقابلي ربنا بمنظرك دا! .

نفت برأسها وكأنها تُجيبه، دموعها تتسابق على خدها الأحمر من إنفعالاتها، استمعت إلى صوت هاتفها فوجدته وائل يستعجلها للقدوم، وهُنا شردت مُجددًا، هي ستؤدي بذاتها للهلاك، لا يكفي ثيابها، بل أتت لتُبادل أحد الشباب الحب في مرحلة مُراهقتها، شهقت بعنف وهي تجلس على الأرض تبكي بشدة، تحتاج للهداية، تحتاج إلى أن تتوب، مسارها خاطئ، يجب إصلاحه.

خرجت لوالدها بخطوات واهنة بعدما محت دموعها، ثم جلست جانبه بتردد، ثم قالت: بابا. أنا. أنا كنت عايزة هدوم جديدة.

اعتدل طه في جلسته، مُتحدثًا بتعجب مصطنع: ليه يا حبيبتي! ما انتِ عندك هدوم كتير.

حمحمت بحرج قبل أن تُجيبه مُتلعثمة: لأ. ما. ما أنا كنت عايزة أغيَّر استايل لبسي لچيب ودريسات، حاساه هيبقى أفضل عليا.

حاول طه الثبات ومُداراة فرحته لكنه لم يستطيع، احتضنها بسعادة مُقبلًا جبينها، ثم تشدق بفرحة: من بكرا هننزل نشتري كل اللي انتِ عايزاه يا حبيبتي، دا يوم المنى والله، ربنا يثبتك يا حبيبة قلبي ويهديكِ يارب.

لم تكن تعلم بأن بقرار صغير مثل هذا ستتسبب في إسعاده لتلك الدرجة، وهُنا علمت بأن لا أحد يستحق الحب والإهتمام مثل عائلتها التي حاولت جاهدة في إرجاعها عن ثيابها العارية من وجهة نظرها، وهي من كانت تتشاجر وتُصمم على إرتدائها.

وبالفعل في اليوم التالي، هبطت هي ووالدتها لتختار الملابس التي تُرضي خالقها قبل أن تُرضيها هي، لم تُنكر بأن شيطانها كان يوسوسها للرجوع، فكان والدها عندما يُلاحظ تراجعها يُناديها للإستماع إلى أحد الخُطب، ولم يكتفي بذلك، بل كان يُرسل إليها بعض المقاطع الدينية للإستماع إليها على هاتفها، وقررت الإبتعاد عن صديقاتها وحظر وائل الذي لم يكف عن مُطاردتها، حتى أبدلت رقم هاتفها ولم تُعطيه لأحد سوى لأقاربها، ومن بعدها بعام قررت إرتداء الخِمار، ليكتمل زيها الشرعي في أبهى صورة.

وهنا جال بخاطرها قوله سبحانه وتعالى: يهدي من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيم.

Back:

فاقت من تذكرها ودمعاتها تهبط سريعًا، مسحتها بهدوء مُتمتمة بالحمد على ما وصلت إليه، انتبهت لصوت هاتفها والذي أعلن عن رسالة نصية، فتحته على مهل، فتوسعت عيناها بصدمة، وعاد قلبها للنبض مرة أخرى من ذلك الرجل الغامض:

فمتَى اللِقاءُ وكم يطولُ تساؤلي،

‏هل في الحياة بقِية لِأراكَ؟

‏إن كانَ عُمري قد تصرَّمَ وانقضّى.

‏فالعُمرُ يبدأُ حينَما ألقاكَ.

«موسى».

أغمضت عيناها تُحاول الثبات، فتحتهما مُجددًا وبدون تفكير قامت بحظره، لتمنع كل سُبل الشيطان للسيطرة على عقلها.

أخذ ريان ابنه ليجلسا على الفراش في غرفته ولا يعرف كيف يبدأ الحديث معه، حمحم في البداية قبل أن يتحدث بجدية: طبعًا انت عارف إني معتبرك راجل وعاقل صح!

هزَّ مدثر رأسه بالإيجاب وهو يُجيبه: أيوا يا بابا.

تشجع لإخباره ثم أردف بهدوء: دلوقتي أنا في بنت عجبتي، وعايز أتجوزها لأني بحبها، وطبعًا مش هاخد الخطوة دي من غير موافقتك، لإنك ابني الراجل وليك كل الحق في إنك ترفض أو توافق.

فكَّر مدثر قليلًا قبل أن يسأله بترقب: هتبقى بدل ماما يعني!

هز ريان رأسه نافيًا، قبل أن يُجيبه بحنان: مفيش حد هياخد مكان ماما الله يرحمها، بس كل اللي هقولهولك إن هي طيبة جدًا، وهتحبك زي ماما بالظبط، ها إيه رأيك.

ابتسم مدثر بخفة لوالده، ثم أجابه بحنان طفولي شديد: طالما انت هتبقى مبسوط يا بابا يبقى اتجوزها عادي، أنا هكون فرحان كمان.

سأله بحذر مجددًا: بجد يا مدثر!

انتفض مدثر من مكانه، ثم احتضن والده الذي أفنى حياته لتربيته: بجد يا بابا، أنا بحبك ومستحيل أزعل منك أبدًا.

اتسعت إبتسامة ريان بسعادة جلية، ثم أحاط ابنه مردفًا بحب: ربنا يخليك ليا يا روح قلبي.

«بعد مرور شهر»

جاء هذا اليوم والذي تنتظره بفارغ الصبر، جلس ريان أمام إبراهيم ينتظر جوابه، فلقد تقدم لها للتو وأتى معه عمه بكر الذي أصرَّ على عدم تركه وحده في ذلك اليوم تحديدًا، ابتلع ريقه بترقب مُنتظرًا إجابته، يخشى رفضه ويخشى ضياعها، وأخيرًا خرج صوت إبراهيم هادئًا يسأله: وابنك هيعيش معاك انت وبنتي!

قطب ريان جبينه بتعجب، بينما صُدمت غزل من سؤال والدها، حتى أنها كادت أن تبكي، خرج صوت ريان يومئ بتأكيد: طبعًا هيعيش معانا، أومال هيعيش فين يعني!

هز إبراهيم كتفه بلامبالاة قبل أن يُجيبه ببرود قاتل: يعيش مع أعمامه، لكن ليه بنتي تتجبر تعيش مع إبنك.

في تلك اللحظة عمَّ الصمت المكان، نظر بكر ل إبراهيم بحاجبين معقودين وكأنه يقول له حقًا! لكن الآخر لم يُبالي، كان وجه ريان جامد لا يظهر عليه شئ، وفجأةً هبَّ من مكانه واقفًا مُتحدثًا بهدوء غلفه الألم: لو جوازي من بنتك هيخليني أبعد عن إبني؛ فأسف اعتبر إني مجتش هنا أصلًا.

نظرت غزل لوالدها بدموع هامسة له برجاء: بابا.

لم يُعيرها إنتباه، بل مالَ للأمام ليسحب كأسًا من العصير أمامه ثم عاد مُستندًا على الأريكة من خلفه مُجددًا، مُشيرًا له: دوق عصير أم غزل يجنن، عشان تعرف عمايل إيد حماتك.

رمش ريان بعدم تصديق يستوعب حديثه، سُرعان ما صرخ بسعادة وهو يتسائل: بجد يا عمي! يعني خلاص وافقت!

ضحك إبراهيم عاليًا يُتابع فرحته، ثم أومأ بنعم مما جعل السعادة تعم قلوب الجميع، وصدمهم ريان بإطلاق زغرودة عالية، جعلتهم ينفجرون من الضحك على بلاهته.

تحدث بلهفة عندما عاد لمكانه بجانب عمه: احنا نخلي كتب الكتاب الأسبوع اللي جاي. أو أقولك خليها بكرا وخير البر عاجله.

التوى فم إبراهيم بتهكم، ثم تحدث ساخرًا: وبكرا ليه! ما تخليها دلوقتي.

صفق ريان بكلتا يديه، وعلى ما يبدو أن إقتراحه الساخر قد نال إعجابه: انت راجل مُحترم وزي الفل، أنا رايح أجيب المأذون.

تركهم في حيرتهم يُحدقون لأثره ببلاهة، فضرب بكر على قدم فارس الجالس بجانبه يزجره بسخط: قوم شوف الكائن دا والحقه، بدل ما نلاقيه جايب المأذون بجد وجاي.

وبالفعل هرع خلفه فارس ليلحقه، ضاربًا على كفيه بقلة حيلة من أفعال صديقه المتهورة.

وبالداخل. تحدث إبراهيم بإستنكار موجهًا حديثه ل غزل الخجلة: بقى راحة تحبيلي راجل أهبل! يخربيت اختياراتك انتِ وأختك.

تدخلت ميران بضجر: إيه يا بابا، محمود مش بيعمل حاجة.

سخر منها وهو يؤكد على حديثها بكلمات ذات مغزى: فعلًا هو مش بيعمل حاجة، انتِ اللي بتعملي كل حاجة.

مرَّ شهر آخر وها هو يجلس أمام المأذون وأمامه أبيها الذي يُردد كلماته، عيناه تجول عليها بإشتياق وعشق جارف، لا يُصدق بأنها وبعد دقائق قليلة ستكون زوجته أمام الجميع، انتقلت أبصاره بفستانها الأبيض الذي يضيق من الأعلى، ويتسع من بعد الخصر بطبقات عديدة مُزينة بورود بيضاء رقيقة تلتمع تحت الأضواء، عاد لوجهها مرة أخرى ولا يطيقُ الإنتظار، يعشقها بكل جوارحه، يُريد إحتضانها الآن ليُثبت للجميع بأنها ملكه وحده.

كادت أن تبكي من شدة الفرحة، فها هي وبعد عناء ستُصبح زوجته وملكة قلبه، اهتز قلبها بعنف عندما غمز لها بمشاكسة كادت أن تُهلكها، وأكثر ما ضاعف سعادتها، هو ترديد المأذون لكلمته الشهيرة: بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.

وكان أول من يسحب المنديل هو شهاب الذي تحدث بمرح وهو يُطالع إهداء التي تُبادله النظرات العاشقة: يارب اتجوز بقى عشان قربت أخلل.

ضرب والده على كتفه متشدقًا بمزاح: انجح الأول وبعدين اتجوز، ويكون في علمك لو منجحتش السنادي هفشكل الخطوبة، أنا بنت أخويا تستاهل أحسن من كدا.

مط شهاب شفتيه بضجر من ضحكات الجميع عليه: يا بابا أنا ابنك على فكرة.

التوى فم سلطان بحسرة وهو يُجيبه: دا للأسف، ومن حظي الأسود إني خلفتك.

بينما ريان كان بعالم آخر، ترك الجميع وذهب إليها هي، عيناه تلتهما وكأنها قطعة حلوى لذيذة يرغب في تناولها الآن، ذهب إليها ليقف أمامها مباشرةً مُحدقًا بها بعيناه، وآه من عيناه الرمادية التي تُغرقها في عالمه، أمسك بيداها بأطراف مُرتعشة كطفل صغير، ثم رفعها إليه ليلثمها بحنان شديد.

لم يُعير للجميع أي أهمية، فليحتضنها الآن واللعنة عليهم.

لذلك أحاط بخصرها مُحتضنًا إياه بقوة، حتى كاد أن يدفنها داخل أضلعه، لفت يدها حول عنقه تضمه هي الأخرى، وهمسة خافتة خرجت من فوهها بإسمه، همم بهدوء ومشاعر مُتأججة، قبل أن تردف هي بحنان شديد: بحبك.

كاد أن يُجيبها، فقاطعهم قدوم إبراهيم وعلى محياه الغضب، والذي تحدث بسخط: لأ بقولكم إيه أنا مُحن مش عايز، اصبروا لحد ما نكتب كتاب البغال التانية دي، ما هو فرح جماعي بروح أهلكوا.

ضرب ريان بقدمه الأرض متحدثًا بمقط طفولي: وأنا مالي، أنا قولتلكم إني عايز فرحي لوحدي.

أجابه إبراهيم بإستهجان: واختها كانت عايزة تكتب معاها، وابن عمك التنح أصر يكتب معاك، وصاحبك البارد كمان، دا مبقاش فرح عادي، دا دخلة جماعية وكله طِلع فوق دماغي.

جاء على صوتهم طه والذي قهقه بضحك شديد: تعالى يا إبراهيم نشوف الليلة اللي ورانا دي، وشوف بنتك ميران عمالة تسبل للواد، تعالى نلحقها قبل ما تتمسك بفضيحة.

ذهب خلفه إبراهيم مُتوعدًا لتلك الوقحة الصغيرة، والتي وقع بها محمود، تحدث ريان بمشاغبة ناظرًا ل ميران: أختك دي برنسيسة، اتعلمي منها بدل ما هتموتي من الكسوف كدا.

ضربته بكوعها في معدته بقوة لتصمت، ليتأوه بخفة قبل أن يقول بعبث استشفته من نبرة صوته: بقولك إيه!

طالعته بترقب لما هو قادم ثم قالت: إيه!

اقترب بوجهه منها قائلًا بوقاحة: ما تجيبي بوسة تصبيرة كدا لحد ما نطلع!

أجابته غزل بحنق وهي تكز على أسنانها: نفسي أشوفك محترم في موقف إنساني واحد.

جاء دور معتصم والذي كان يجلس بدون راحة، وكأن من أسفله جمرات حارة تمنعه من الجلوس، كاد الشيخ أن يخطب خطبته، فقاطعه معتصم بحنق: يا شيخ ما انت لسه خاطب من شوية هي شغلانة! بسرعة اللي يكرمك خليني أحضن البت حضن حلال، بدل ما والله هاخدها ونطلع من غير جواز ها.

جاء من خلفه طه يضربه على رقبته بعنف: اتلم يلا بدل ما وعهد الله آخد بنتي وأمشي، مش كفاية وافقت عليك!

نعم نعم! إيه وافقت عليك دي! لا على فكرة دا كان بمزاجي، متفكرش إنك...

قاطع بكر حديث ابنه الوقح مُبتسمًا بإصفرار: خلاص يا طه دا هيفضحنا هنا وسط الناس، دا عيل مترباش أساسًا.

تراجع طه عن مشاجرة ذلك الوغد ناظرًا له بغل قابله الآخر بشماتة، فبدأ الشيخ بقول كلماته التي رددها كلًا من طه ومعتصم، حتى أنهى حديثه بجملته المعهودة: بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير .

صدحت الزغاريط تصدح في الأرجاء، فأمسك معتصم بيد سجود مُقبلًا إياها أمام الجميع، مما فاقم الغيظ بقلب طه، الذي صرخ بغيظ: ولا. بقولك إيه طلق البت. أنا معنديش بنات للجواز.

إهدى بس يا حمايا دي قُبلة بريئة، لسه التقيل جاي قُدام.

أمسك طه بيد إبنته التي تضحك بصوت عالي على مشاكسة معتصم وأبيها، والذي اتضح أنه يغارُ عليهم وبشدة، وجَّه طه حديثه للذي يُحدق به ببلاهة: روح لأمك بقا، أنا بنتي هتِرجع معايا.

أنهى حديثه، ثم أمسك باليد الأخرى يد تسبيح المُنتظرة دورها مُوجهًا حديثه ل موسى: وانت كمان روَّح، أنا بناتي هيناموا في حضني الليلادي.

هبَّ موسى من مجلسه هاتفًا بطريقة سوقية: وعهد الله أقلبها دم دلوقتي، مين دي اللي مش هتجوزها، لأ بقولك إيه أنا ماسك نفسي بقالي شهرين بالعافية، والله أخطفها وأتجوزها وقتي.

وضع طه يده على قلبه مُرددًا بألم مُزيف: آه قلبي بموت...

هرعت تسبيح لوالدها بهلع، مُتحدثة بخوف: بابا مالك!

لوى موسى شفتيه بإستنكار، ثم جلس أمام المأذون طالبًا منه بحدة: يلا يا شيخ جوزنا قبل ما يتكل على الله.

اعتدل طه فجأةً ثم هتف بعناد: أنا مستحيل أجوزك بنتي.

وبعد عدة دقائق، هتف المأذون كلماته بإنهاك شديد وهو يُحدقهم بنفاذ صبر: بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير .

أنهى كلماته وهو يمسح حبات عرقه قائلًا بتعب: يلا اللي بعده، أنا مش عارف إيه العيلة اللي بتتجوز مع بعضها دي!

وتلك المرة بادرت ميران بالحديث وهي تجلس أمام المأذون بإبتسامة واسعة: يلا اقعد يا محمود.

صفَّر ريان لها مُشجعًا إياها، صائحًا بصوت عالي: كل الدعم يا حلوة، كل الدعم يا قمر.

امتلأت القاعة بصوت الضحكات العالية لِما يحدث أمامهم من وقاحة، وتلك المرة تمتم إبراهيم بحسرة: أنا معرفتش أربي أقسم بالله.

جلس محمود أمامها مُتحدثًا من بين ضحكاته الشديدة وأمامه إبراهيم: ابدأةيا عم الشيخ بدل ما نتمسك آداب بسبب الأستاذة.

بدأ المأذون للمرة الرابعة على التوالي بتكرير نفس الجُمل ونفس العبارات، حتى أنهى قائلًا: بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير .

وبمجرد ما انتهى، حتى اندفعت ميران لأحضان محمود تضمه بقوة وإشتياق، وبتلك اللحظة لم يُمانع بإحاطتها، بل وقبَّل وجهها بحب جارف مُتمتمًا من بين أنفاسه الثقيلة: بحبك يا أسفل واحدة في حياتي.

أجابته وعلى ثغرها يرتسم إبتسامة عاشقة: وأنا كمان بحبك يا حودة.

مال إبراهيم على فوزية التي تُطالع بناتها بإبتسامة فَرحة، ودموعها تتسلل داخل مقليتها: فكريني كدا يا فوزية أنا كنت فين والبت دي بتتربى!

مسحت دموعها ثم أجابته تعجب: دا انت اللي مربيها يا حَج.

يا مراري.

نطق بها بحسرة وهو يُتابع إبنته الوقحة التي تتغزل بزوجها، ومن المفترض أن يحدث العكس.

لملم المأذون أشياؤه وكاد أن يمشي، فاستمع لذلك النداء الطفولي والذي لم يكن سوى من مدثر، أخفض المأذون رأسه بتعجب لذلك الصغير، سائلًا إياه: عايز إيه يا حبيبي!

أجابه مدثر وهو يُمسك بيد لوجي التي تتصنع الخجل: عايز نكتب كتابنا أنا و لوچي.

عايز إيه يا عنيا!

كانت تلك الصرخات من فم فارس الذي أمسكه من ياقة ملابسه، رافعًا إياه لمستوى وجهه، ثم استطرد حديثه بحدة: ولا روح لأبوك بدل ما أعلقك في النجفة وعهد الله.

ظل مدثر يُحرك قدماه في الهواء مُتحدثًا بغلظة: سيبني يا عمو، هتجوزها يعني هتجوزها.

سيبه يا بابي عايزين نتجوز قبل ما عمو الشيخ يمشي.

التفت فارس ل زهر التي تُحاول كتم ضحكاتها بصعوبة، ثم صرخ بها: شيلي بنتك من قدامي بدل ما أقتلها والله العظيم، محدش هيجيبلي العار غيرها.

ألقى فارس ب مدثر في أحضان ريان الذي انتشله سريعًا، ليتحدث مدثر بحزن بائن: شايف يا بابا مش عايز يجوزني بنته إزاي! عايز يقتل حبنا.

احتضنه ريان بتأثر ثم أجابه بتصميم: هتتجوزها ياض، بس ارفع راسي وشرفني وكون دكتور أد الدنيا.

ضحكت غزل عاليًا ثم تقدمت من مدثر مُقبلة إياه بحنان: متسمعش كلام أبوك هيبوظك، خليك محترم وكويس وأي بنت هتتمناك مش بس لوچي.

زجرها ريان مُعنفًا: إيه يا غزل انتِ عايزة تبوظي أخلاق الواد! محترم إيه دا!

طالعته غزل بدهشة مُنتشلة من الصغير لتمسكه بيدها، ثم أردفت مُحذرة: ملكش دعوة بالولد تاني، أنا مش هسمح إنك تبوظه أكتر من كدا، صح يا مدثر!

أجابها الصغير بوقاحة: صح يا مُزة.

ابتسم ريان ابتسامة منتصرة من تربيته الراقية لصغيره، وظلوا طوال الجلسة يتشاجرون حول تربية الصغير.

وعلى الجانب الآخر. مال عابد على أذن وصال متمتمًا بتمني: عقبالنا.

طالعته بحب ولن تنسى طيلة حياتها مسامحته لها، تذكرت حين فاض به الشوق، وأتى ليأخذ ميعادًا من والديها ليقوم بخطبتها، أرادت أن ترد له الصاع صاعين فأعلنت عن رفضتها للزواج منه، لكنه عاند أكثر مُتذكرة حديثه الذي وُشِم بقلبها: مش بمزاجك يا وصال، غصب عني حبيتك يبقى انتِ اللي هتدفعي التمن وهتجوزك، سلام يا جميل.

حينها تركها في حيرتها ومع دقات قلبها المرتفعة، لتتم خطبتهم منذ شهر تقريبًا، وسيتم عقد قرانهم الشهر القادم حتى ينتهي من تشطيب شقته، والتي بناها فوق شقة والداه.

انتهى الزفاف، ليصعد كل عريس بفتاته، وقف ريان أمام غزل التي كادت أن تنصهر من الخجل، ثم فتح باب الغرفة، لينحني قليلًا ثم حملها على بغتة، جعلتها تشهق بفزع: ريان بتعمل إيه نزلني.

دلف للداخل وهو يُحدجها بنظرات مشاكسة، قبل أن يُجيبها بعبث: شايلك يا قلب ريان.

أغلق الباب بقدمه، ثم أنزلها أمام الفراش، قائلًا بصوت أنهكه العشق: بحبك.

زحفت الحُمرة لوجهها، لتُنزله للأسفل متحاشية النظر لعيناه التي تلتهما، رفع وجهها بإصبعه متحدثًا بتنهيدة حالمة: واخيرًا يا غزالتي! أخيرًا بقيتي معايا، وفي بيتي، وفي حضني!

التمعت عيناها بالدموع، وما كادت أن تُجيبه حتى قاطعها بطريقته الخاصة، أخذها في رحلة عصفت بكل ذرة من كيانها، ليطير بها عاليًا وسط السحاب، ليعزف على أوتار الحب بعشقه اللامُتناهي، وهُنا أصبحت زوجته شرعًا وقانونًا.


30=رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثاني والثلاثون والأخير
دلفت للداخل بخطى رتيبة تعكس رهبتها وتوترها، استمعت لصوت إغلاق الباب من خلفها، لتزدرق ريقها بصعوبة شديدة، سار موسى بهدوء وكأنه يستمتع بخجلها المُحبب له، ثم وقف قبالتها مُباشرة، يُطالعها بإبتسامة عاشقة، أمسك بكف يدها البارت فشعر بإرتعاشته أسفل يده، تحولت بسمته العاشقة لأخرى عابثة والمكر يحوم بعيناه الوقحة مُلتزمًا الصمت، وكأنه يُزيد الطين بَلة بصمته المُريب هذا.
رفعت تسبيح عيناها له لتجده يُحدجها بتلك الطريقة التي وترتها أكثر، وبعنف غير مسبوق سحبت يدها بعنف، ثم أمسكت بطرف فستانها مُهرولة تجاه الغرفة الرئيسية لتختبأ بها، حدث كل ذلك في ثوانٍ وبلمح البصر، مما جعل الآخر يُحدجها ببلاهة شديدة.
هرول خلفها طارقًا على الباب بقوة طفيفة وهو يُحدثها: لأ بقولك إيه! هتضربيلي الليلة من أولها هعملك فيها مجنون، افتحي يا تسبيح الباب.

أجابته من خلف الباب وأطرافها ترتعش من الخجل والتوتر: ل. لأ مش فاتحة، نام انت في أوضة الأطفال عشان أنا دماغي مصدعة.
جاءت إجابته على هيئة صراخ: نعم ياختي، افتحي يابت بدل ما أكسر الباب، دا أنا راسم سيناريوهات في دماغي بقالي شهرين.
تحدثت بإصرار وهي تتجه ناحية الخزانة لتختار منها ما يُناسب لنومها: لأ يعني لأ مش فاتحة، بطَّل قلة أدب بقى.
صرخ بتحسر ضاربًا على الباب بكفيه: وهو أنا لحقت أعمل قلة أدب! افتحي بس هقولك كلمة في بوقك.
وضعت يدها على ثغرها تمنع خروج ضحكاتها المُشاكسة، ثم شرعت بتبديل فستانها الضخم، ولحُسن حظها استطاعت خلعه لكن بصعوبة قليلة، حيثُ كان فُستانها من السيتان الناعم رقيقٌ للغاية، وارتدت فوقه خمارها الأبيض والذي أضاف لها جمالًا.
أما هو بالخارج. حكَّ رأسه بحسرة، ثم جلس على الأريكة وهو يكاد يبكي من فعلتها الحمقاء تلك، لقد انتظر كثيرًا للحصول عليها وإحتضانها كما يشاء، لكن أتت هي لتخرب عليه ليلته، هبَّ فجأة ثم صاح عاليًا بغيظ لتسمعه: وعهد الله ما هعديهالك، وغلاوة دقني ما هعديهالك يا تسبيح وهتشوفي.
جلست على الفراش تتحرك عليه بعشوائية مرحة تتلذذ في إغضابه، تنهدت ثم ارتمت على ظهرها تتذكر ذلك اليوم الذي جاء به لخطبتها، تتذكر ضربات قلبها العنيفة التي سببها وجوده، ارتسمت إبتسامة حالمة على ثغرها عندما تذكرت مشاكساته الوقحة لها، لكن سرعان ما انمحت عندما شعرت بكف غليظ تُطوق عنقها.
شهقت بفزع وكادت أن تُطلق صرخة عالية؛ لولا يده التي كممت فمها لمنعها عن الصراخ، حدقت بعيناه التي تتوعد لها بهلع، ليُردف بها بتوعد: جيتي تحت إيدي يا حلوة.
أنهى جملته ثم هبط مُقبلًا وجنتها بعمق، ونظرة ماكرة تتشكل في حدقتاه، جف حلقها من التوتر، لتقول بصوت مُرتعش باكي: موسى عشان خاطري ابعد.
أسبل عيناه لتفاصيلها ينظر لها بعشق جارف تمكن من أوصاله، ثم تحدث ب وَلَه: قولي إسمي كدا تاني الله يكرمك.
ارتعشت شفتاها خوفًا وهي تُكرر حديثها: موسى ابعد.
أجابها بصوت آجش مُتيم بها: يا روح موسى وقلبه من جوا، موسى دايب فيكِ وف حبك.
وكأنها قلبها رقص طربًا لإعترافه، رفعت يدها واضعة إياها على صدره لتُبعده، لكن وعلى ما يبدو أن له رأي آخر، أخذها معه في جولة من جولات عشقه، جعلها تطيرُ كالفراشات تُحلق بسعادة، وهو يعزف على أوتار عشقها، حتى أصبحت زوجته شرعًا وقانونًا.
في إيديك قوة تهز جبال، في إيديك قوة، و.
كانت تلك الكلمات تصعد من فم تلك الوقحة التي أبدلت ثيابها لأخرى مُريحة، خرج محمود من المرحاض ليجدها بتلك الهيئة الفاتنة التي خطفت أنفاسه، رمى بالمنشفة على الفراش ثم اقترب منها بهدوء وعيناه تجول عليها، اقتربت منه هي الآخرى حتى أصبحت أمامه مُباشرةً، أحاطت بعنقه بدلال، وهو أحاط خصرها ضاممًا إياها لصدره بقوة، ثم همس بإنتشاء وكأنها أعظم إنتصاراته: وأخيرًا بقيتي ليا، وفي حضني.
أكملت له حديثه بعبث وهي تُشدد من إحتضانه: وفي أوضتك. وعلى سريرك.
أرجع رأسه للخلف مُطلقًا ضحكة عالية رنت في الأرجاء، لا يُصدق وقاحتها تلك، هي أكثر فتاة عابثة وقحة رآها بحياته، وللحقيقة هو يعشقها بكل ما بها، حتى وقاحتها التي تُثير ضحكاته دائمًا.
حاول السيطرة على ذاته، مُتحدثًا من بين ضحكاته: أكتر واحدة سافلة شوفتها في حياتي.
اقتربت منه بشدة مُرددة: وانت أكتر واحد بحبه في حياتي.

تحولت نظراته للمكر والعبث ولأول مرة، ثم أخذها بجولة من جولاته قبل أن ينطق بوقاحة: عمي كان موصيني إنه عايز يبقى جِد، وأنا بصراحة بقا مقدرش أرفضله طلب.
(ميران دي مش من فصيلة البنات ملناش دعوة بيها ).
يا بختك يابن المحظوظة.
هكذا هتف شهاب ل معتصم قبل أن يستعد لولوج منزل الزوجية، رفع معتصم خمس أصابع أمام وجهه متحدثًا بفزع: الله أكبر، هتبوظلي اليوم.
لوى شهاب شفتيه بإستنكار، مُحدجًا إياه بسخط، قبل أن يردف بحسد: ما انت لو كنت أقنعت أبوك يجوزني أختك معاك مكنتش هحسدك.
حدجه معتصم بضجر ثم ذهب من أمامه وهو يقرأ المعوذتين حتى لا تحدث كارثة من خلف نظرات إبن عمه الحاسدة.
نظر شهاب لخطيبته إهداء متشدقًا بحسرة: ايفة أبوكِ وعمايله! أنا مش مسامحه ليوم الدين.
دلف معتصم للمنزل حاملًا سجود بين ذراعيه وهو يتراقص بها كالأبله تمامًا، ابتسامته الواسعة تعكس مدى سعادته والتي تظهر لها قبل الجميع، علت ضحكاتها عندما دار بها في الهواء، وقبل أن تتحدث بأي كلمة، وجدت ذاتها تقع أرضًا فوقه بعدما تعثر في فستانها الطوي.
أطلق تأوهًا قويًا بعدما وجع على ظهره بشدة، وما ضاعف آلامه هو وقوعها هي الأخرى فوقه، اعتدلت سجود فجأةً مُحدجة إياه بسخط: هو دا اللي كنت خايفة منه، اتوكس يا معتصم.
مدَّ يده لها لتُوقفه، فأخذت بيده، لكنه شعر بألم حارق في ظهره، فلم يستطيع الوقوف بطريقة طبيعية، بل وقف مُنحنيًا للأمام قائلًا بألم ونواح: آه يا ضهري ياني. شكلك هتقضي كل حياتك بتلف على المستشفيات يا معتصم، يا خرابي على شبابك اللي ضاع يا صاصا، منك لله يا شهاب عنيك رشقت في الجوازة.
طال صمت سجود ولم تتحدث بكلمة، فرفع أنظاره لها؛ ليجدها تُحدجه ببعض السخط ولا يوجد على محياها أي شفقة تجاهه، حاول الإعتدال في وقفته مرة أخرى لكنه لم يستطيع، بذلك أردف لها بإبتسامة صفراء وهو يكادُ أن ينفجر من الغيظ: منورة يا بومة يا وش الفقر.
جاءه صوتها المُغتاظ مُحذرة إياه: لأ بقولك إيه. غلط من أولها مش عايزة. بدل ما والله أروَّح لأبويا دلوقتي وأقوله جوزتني واحد بايظ.
تشنج وجهه بإستنكار مُجيبًا إياها بسخط: ب. إيه! لأ بقولك إيه دا أنا راجل أوي.
صمت قليلًا، ثم أردف بعدها بعدة ثوانٍ ماددًا يده تجاهها: خدي بإيدي يا بنتي وصليني الأوضة، مش قادر أمشي.

أمسكت بيده وهي بالكاد تُخفي بسمتها التي كادت أن تظهر على وجهها، دلفا للغرفة الخاصة بهما، فتمدد على الفراش بحذر، فجاءت بالغطاء الثقيل ثم قامت بفرده على جسده، قائلة بمشاكسة: ليلة مباركة يا عريس، أستأذنك أنا بقا هروح أغيَّر الفستان عشان أنام أنا كمان.
نظر لأثرها وهي تُغادر الغرفة بحسرة، مُطلقًا سبَّة بذيئة على شهاب الذي قام بتخريب ليلته التي كان ينتظرها بفارغ الصبر.
صعد فارس لشقته وعلى ذراعه إبنته النائمة بإنهاك، و زهر تصعد بجانبه تشعر بالإعياء الشديد، دلفا للداخل بعد عناء يوم طويل عانوه في تحضيرات الزفاف للجميع، وضع فارس ابنته على الفراش، ثم خرج من الغرفة مرة أخرى، ليجد زوجته تتمدد على الأريكة مُغمضة العين.
جلس القرفصاء جانب الأريكة ناظرًا لها بحنان، ثم حاول فك حجاب شعرها حتى نجح في ذلك بعد عدة محاولات، فتحت هي عيناها تُطالعه بعشق، فقرَّبت وجهها منه دافنة إياه في عنقه تشتم عطره بتلذذ، تعجب من فعلتها الغريبة تلك، قبل أن يتسائل بريبة: هتتحولي وتاكلي لحوم البشر ولا إيه!
أحاطت عنقه بذراعها ثم همست جانب أذنه بعدة كلمات جعلته يتصنم في مكانه، ابتعد عنها قليلًا قائلًا بصدمة: قولتي إيه!
ابتسمت بعشق، مُمررة يدها على ذقنه النامية قليلًا ثم كررت حديثها بهمس عاشق: أنا حامل.
ابتلع ريقه بصعوبة وكأنه لم يستوعب كلماتها بعد، ثم كرر حديثه ببلاهة: قولتي إيه!
ضحكت بخفة على ملامحه المصدومة مُتحدثة بمزاح: محسسني إنها أول مرة!
لم يُجيبها فارس، بل احتضنها بقوة وعيناه مغرورقة بالدموع الكثيفة، صعد صوته مبحوحًا بعد أن قبَّلها أعلى جبينها: أنا عايز 3 ولاد، و3 بنات، وشايب.
أطلقت زهر ضحكة رنانة من فوهها، فغمز لها بوقاحة قبل أن يحملها على ذراعيه: حلاوتك يا جميل يا حلو انت.
«بعد مرور سبع سنوات».
ابعد ابنك عن بنتي يا فارس بدل ما أعلقهولك والله.
هكذا صرخ ريان ب فارس الذي يحمل إبنه عُدي على قدمه، مُطلقًا ضحكات عالية وهو يُطالعه بشماتة: شوف يا جدع، الزمن بيعيد نفسه واللي إبنك كان بيعمله في بنتي، ابني بيعمله في بنتك.
حدجه ريان هو وابنه بنظرات نارية، ثم نظر لإبنته التي تندس في أحضان والدتها، متحدثًا بمقط: ملكيش دعوة بالواد دا يا بت انتِ أنا قولتلك أهو، مش اللي بنعمله في الناس هيطلع علينا.
خرجت منار من أحضان والدتها ناظرة لوالدها بغضب طفولي لذيذ: يا بابي وفيها إيه يعني! وبعدين دا كان عايز يبوثني بوثة واحدة بث.
بوثة واحدة بث يا لدغة! وليكِ عين تتكلمي! والله. والله لو شوفتك مع الصايع دا تاني ل هربطك في السرير وما هتخرجي من البيت تاني.
صدحت ضحكات فارس عاليًا، ثم قبَّل عدي الذي ينظر إلى ريان بغضب طفولي، مُردفًا له بتشجيع: شاطر يا حبيب بابا، وريه اللي كنت بشوفه من ورا ابنه.
في تلك الأثناء. دلف مدثر، والذي بات يبلغ من العمر 14 عامًا.
بتجيب في سيرتي ليه يا عمو!
قالها بمرح، ثم اتجه ناحية والده مُقبلًا إياه من وجهه بحنان، وكذلك فعل مع غزل الذي بات يعتبرها كوالدته تمامًا من شدة حنانها، وأخيرًا حمل شقيقته رافعًا إياها للأعلى بخفة، لتصدح ضحكاتها المرحة في الأرجاء.
ابتسم ريان بحب على إبنه الحنون، والذي يأخذ كل صفاته كاملةً، والأكثر هو حنانه، كان يظن بأنه سيغار من شقيقته في بداية مولدها، لكنه حطم توقعاته عندما بدأ بالإهتمام بها وكأنها نصفه الآخر، حينها سأله بطريقة غير مباشر إن كان يغار منها أو يحمل تجاهها شيئًا من هذا القبيل، فنفى نفيًا قاطعًا وتلك الجملة التي قالها مازالت يتردد صداها في ذاكرته:.
لأ طبعًا يا بابا عمري ما أغير منها، هكون ضهرها دايمًا وأول حد يتسند عليه، عشان أنا بحبها أوي.
فاق من شروده على يد غزل المُمسكة بكفه، تبتسم له بحنان، اقترب قليلًا منها هامسًا في أذنها بعشق جارف: بحبك يا غزالتي
بادلته همسه ناظرة لعيناه التي أدمنتها: وأنا بموت فيك.
دخل الجميع فجأةً للمنزل، فذلك اليوم هو يوم التجمع العائلي، وأول من دلف هو معتصم ومعه زوجته سجود وبناته التوأمتان رهف وجميلة، تلاه شهاب ومعه إهداء وأبنائه زينب وميادة، ومن بعدهم دلف موسى الذي يحمل إبنه إسحاق ومعه زوجته تسبيح التي تُمسك رضيعتها مي بين ذراعيها، ثم محمود ومعه ميران وإبنه سليمان، ومن بعدهم عابد و وصال ومعه إبنته سلسبيل وأخيرًا أحمد الذي دلف ومعه زوجته ساندي وفتاته حور.
فتح ريان عيناه بصدمة من ذلك الهجوم المُفاجئ، قائلًا بدهشة: عيلة دي ولا فريق كورة!
جاء كبار العائلة من الخارج بعد صلاة الجمعة، وذهب كل والده لإبنه لعناقه وعناق أحفاده، اتجه أحمد تجاه والده، ثم قبَّل يده بحب وإحترام، وكانت تلك عادته منذ أن تنازلت تسبيح عن المحضر من أجل عمها، تغير كُليًا وظل يطلب السماح من والديه وأعمامه لفترة طويلة، لكنه لم ييأس، بل أصر فوق آذانهم حتى نال مسامحتهم، وتزوج من ساندي التي أعطته كل الحب والإحترام دون مقابل، حتى وقع بها هو الآخر، فأصبحت تسبيح شقيقة له كجميع فتيات العائلة.
أصبحت الصالة ممتلئة بصوت الضحكات العالية المُمتزجة بين صوت الرجال والشباب والأطفال، فكان الجو الأسري والألفة بين العائلتين جميل للغاية، خاصةً بعد أن تم التصالح بين العائلتين، وأصبح يوم الجمعة بالنسبة لهم هو يوم مقدس.
دخلت لوچي التي أتت من درسها للتو، قائلة بصوت خافت وإبتسامة واسعة: السلام عليكم.
ردَّ عليها الجميع بود، عدا ذلك الوقح الكبير الذي أطلق صفيرًا عاليًا قائلًا بمشاكسة: أهي كدا القاعدة التمام على ست الحُسن والجمال.
قذف فارس حذائه على وجهه مُزمجرًا: احترم نفسك يلا انت مبقتش صغير، انت بقيت شحط 14 سنة يعني تتلم.
ورغم الألم المُسيطر على وجهه، أجابه ببرود مُستندًا على الأريكة من خلفه: إهدى بس يا حمايا صحتك.
زجره بكر بحدة: ما تتلم يا واد هو محدش مالي عينك ولا إيه!
هبَّ مدثر من مكانه قائلًا بضيق طفيف: في إيه يا جدو، أنا أكيد بهزر.
أنهى حديثه ثم تركهم وذهب ينظرون لأثره بحيرة، وضع فارس ابنه على قدم زهر ثم ذهب خلف مدثر لمراضاته، وكذلك ذهبت خلفه لوچي لتراه.
وجده يقف في الشرفة يشرب مشروبه المفضل الذي فعلته عمته لهم، وهو الشاي بالنعناع، قيده فارس رقبته من الخلف قائلًا بمزاح: لأ متقوليش! السافل بيزعل ويتقمص زينا عادي كدا!
لوى مدثر شفتيه بسخرية مُجيبًا إياه: - أصلًا مش زعلان عادي، وبعدين أنا مش جاي هنا عشان كدا.
انتشل فارس الكوب من يده مُرتشفًا منه عدة رشفات، ثم تسائل بتعجب: أومال جاي ليه!
غامت عيناه بالمكر مُجيبًا إياه: أسبابي الخاصة يا عمو.
هز فارس رأسه بيأس من خبثه، ثم تركه وذهب عائدًا للعائلة من جديد، لقد جاء خلفه تحديدًا ليتأكد من عدم ضيقه، وها هو قد تأكد الآن.
انتظرت لوچي ذهاب والدها ثم ذهبت إليه منادية عليه بصوت خفيض: مدثر. ان.
شهقت بفزع عندما وجدت ذاتها مُحاطة بين ذراعيه، ثم تحدث بعشق: مدثر بيعشقك من لما كنتِ بنت 3 سنين يا لوچي.
عضت على شفتيها بخجل، ثم نظرت إليه بغموض مُقررة الإصفاح عما بداخلها: يعني. يعني مش بتحب حد من بنات دفعتك!
اقترب منها أكثر هامسًا بأذنها: مش بحب حد، ومش شايف غيرك، أول دقة من قلبي طلعت ليكِ انتِ، وانتِ مش هتكوني لغيري يا لوچي.
طرق قلبها بعنف من حديثه، من يستمع إليهم يظنهم مراهقون، لكن ما بداخلهم أقوى من ذلك، حتى أقوى من الحب ذاته، نظرت حولها بترقب، ثم عادت لتنظر إليه وقد عادت نظراتها العابثة التي كانت تتسم بها منذ وأن كانت صغيرة، متشدقة بوقاحة: بقولك إيه ما تجيب بوسة وانت عسل كدا.
اقترب منها مستعدًا مُجيبًا إياها بعبث: والله أنا ذات نفسي معنديش مانع.
وبالفعل كاد أن يطبع قُبلة على وجنتها، حتى ظهرت أمامهم غزل التي أمسكت من ثيابهم كالمجرمين، متحدثة وهي تكز على أسنانها: أنا نفسي أعرف هتبطلوا قلة إمتى! انتوا مبتتهدوش!
تململت لوچي من بين ذراعيها قائلة بضجر: سبيني يا زوزو مينفعش كدا، هو لِحق يعمل حاجة!
تحدثت بصدمة وهي تنظر لها: يابت انتِ كبرتي، يعني احترمي نفسك شوية بقا، دا احنا شوية وهنلمكوا من تحت السلم.
أطلق مدثر ضحكة عالية وهو يعلم كل العلم بأن معها كل الحق، وضع يداه داخل جيب بنطاله، غامزًا للإثنان بمشاكسة، ثم تركهم وذهب.
ابتلعت ريقها بخوف وترقب، ها هو العام الثامن ولم تحصل حتى الآن على أطفال، أمسكت نوال بإختبار الحمل بإرتعاش وداخلها خوف كبير من فشله، دلفت للمرحاض عدة دقائق ثم خرجت مجددًا.
لكن تلك المرة وعيناها مغرورقتان بالدموع، هي حامل! تحمل نطفة داخلها! ستُصبح أم بعد عناء دام لسنوات، ستختبر شعور الأمومة وأخيرًا!
دلف بدر للغرفة ليُناديها، ليجدها على تلك الحالة، هرع إليها بفزع من حدوث لها أي مكروه، كاد أن يتحدث فقطع حديثه عندما رآها تُمسك ذلك الشئ الأبيض بيدها، نفخ بيأس وهو يُحاوط وجهها مُتحدثًا بحنان: يا حبيبتي بالله عليكِ كفاياكِ بُكى، معتحملش أشوفك إجده، جولتلك ألف مرة مش عايز عيال إياك، أنا بعتبرك بنتي وحبيبتي، ليه تنكدي على روحك!
رفعت عيناها المليئة بالعبرات ثم همست بخفوت: بدر أنا حامل.
ألف مبر، إيه!
نطقها بصدمة، فضحكت هي وبكت بذاتِ الوقت، وفجأة قفزت محلها ناطقة بعدم تصديق: بدر أنا حامل.
فاق من صدمته ليوقفها بخوف مُحيطًا بخصرها: اهدي اهدي، من فرحتك هتسجطي الچنين يا هبلة.
علت ضحكاتها المكان ثم احتضنته بسعادة شديدة، وفجأة انفجرت في البكاء، ظلت بعض الوقت تبكي وتُتمتم بالحمد وهو فقط يحتضنها، وعيناه مليئة بالدموع، إلى أن تحدثت هي من بين شهقاتها وكأنها تؤكد على ذاتها ما حُرمت منه لسنوات: بدر أنا حامل.
أكد لها عندما رأى حالتها المثيرة للشفقة، مُقبلًا جبينها بحنان: هتكوني أحسن وأجمل أم في الدنيا كلياتها، بحبك يا حبة الجلب.
رفعت وجهها المُمتلئ بالدموع ثم تحدثت بعشق: وأنا بعشقك يا قلب حبة الجلب.
طرق الباب فجأة وجاء صوت شقيقته من خلفه: يلا يا بدر حماك وحماتك وخالتي ماجدة مستنينك تحت.
ضربت على جبينه بتذكر، ثم نظر لها متحدثًا بمزاح: شوفي نستيني كنت جايلك ليه، أمك وأبوكِ وعمتك تحت مستنينك، تعالي ننزل نفرحهم.
أومأت له بسعادة، ثم ذهبت معه وهي تُشبك يدها بين أصابعه كالطفلة، من يراهم يظنهم أب وابنته من شدة لُطفهم.
يلا يا زين اتأخرنا على الحفلة.
قالتها ني ين وهي تنادي ابنها الصغير الذي يبلغ من العمر أربع سنوات، وجدت من يُحيطها من الخلف وبالطبع لم يكن سوى زوجها، الطبيب الوسيم رامي الذي قام بمعالجتها، ومنذ ذلك الوقت بدأ الحب يتشكل بين طيات قلوبهم دون أن يشعروا.
أتاه صوته وهو يعبث بخصلاتها: حبيبي بيعمل إيه!
ضحكت بخفة وهي تُمسك بكوب العصير لتُعطيه إياه: بجهز الحاجة اللي هناخدها معانا الحفلة، هيبقى يوم ولا أروع.
اقترب منها بخطورة هامسًا أمام وجهها: عشان انتِ فيه بس.
اتسعت ابتسامتها من حديثه الذي لم يفشل ولو مرة واحدة في إسعاده، لذلك اقتربت منه مُحيطة بخصره، قائلة بهيام: بحبك.
أحاطها هو الآخر مُشددًا من عناقها، ثم أجابها بحب: وأنا كمان يا نور عيني.
انتهى اليوم وذهب كل شخص إلى منزله بعد تعب يوم طويل عايشوه، نظرت غزل بجانبها إلى الذي يغطُ بنومٍ عميق، طالعته بعشق ناظرة لكل إنش بوجهه بهيام، لقد عوضها عن الكثير، حنانه كان نقطة ضعفها، طفولته المُغلفة برجولته كانت تُهلكها، هو الشخص الأول والأخير الذي يدق له قلبها، بإختصار هو لن ولم يُعوض.
أمسكت بهاتفها ثم فتحت ملاحظتها، وظلت تدون بها بعض الكلمات، تململ في نومته بإنزعاج ليفتح عيناه بكسل فوجدها ما زالت مُستيقظة، اعتدل في نومته قائلًا بصوت يشوبه النعاس: صاحية لحد دلوقتي ليه!
أجابته ببساطة وبسمة خفيفة تتشكل على محياها: عادي مش جايلي نوم.
أومأ لها بهدوء، فأمسك بذراعها يُبعده عن جسدها، ثم وضع رأسه موضع قلبها قائلًا بلُطف: طيب نيميني في حضنك.
وهل سيعشقه القلب أكثر من ذلك! جملة ترددت في أذهانها كثيرًا ولم تجد لها إجابة حتى الآن، أحاطت برأسه بيد، وباليد الأخرى أمسكت بهاتفها تُدون عليها ما يأتي بخاطرها:
عِشقه كالنيران، نشبت بكل ذرة في جسدي، حتى طال موضعه إلى قلبي، ف تغلغل داخله مُحطمًا تلك الحصون التي بنيتُها، أحببت طفلًا ب زي رجُلًا بالغ، طالتني نيرانه المُتيمة، فأصبحتُ أنا: مُتَيمة بنيران عشقه.

                             تمت


لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 

















أدخلوا واعملوا متابعة لصفحتي عليها كل الروايات بمنتهي السهوله بدون لينكات من هنا 👇 ❤️ 👇 


صفحة روايات ومعلومات ووصفات


❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺








تعليقات

التنقل السريع
    close