القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الحادي عشر حتى الفصل العشرون حصريه وجدي

 رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الحادي عشر حتى الفصل العشرون حصريه وجديده 


ظلت حرب النظرات مُشتعلة بين العائلتين، كان مظهرًا مُهيبًا لم يحدث  منذُ عدة أعوام كثيرة، نشبت النيران في صدورهم متذكرين كل كبيرة وصغيرة  حدثت، بما حدص لا يُمحي من العقول ولا القلوب.

اعتدل سلطان بتهجم من على ابنه، ولكن قبل أن يقف باغته بضربة من كف يده على  وجه شهاب، تأوه الآخر بألم ناظرًا لوالده بغيظ، تربع محله وهو يُطالع  الجميع بنظرات ضاجرة.

توقفت نظراته على والدته التي كانت تُنظر لعائلة أبو زيد بنظرات خائفة  مذعورة، لم يلحظ نظراتها تلك، بل نداها بصوت هامس ثم وجَّه يده على رقبته  دلالة على الذبح.

لم تعطي له أي إهتمام، بل ظلت ترتعد من الداخل بسبب رؤية تلك العائلة،  ابتلعت ريقها بتوتر ثم انتظرت بترقب حديث زوجها ليعلم سبب وجودهم بعد كل  تلك السنوات التي مرت عليهم وهم في إنقطاع دائم.

اقترب سلطان منهم بغضب، واتضح على وجهه علامات النفور التي اتضحت لهم،  لكن هذا لا يهم، هم قد جاءوا لسببًا محدد ثم سيذهبوا مثلما جاءوا.

خرجت نبرة سلطان متسائلة بفحيح مرعب: جاي هنا ليه يا أبو زيد!

لوى أبو زيد شفتيه بإستنكار، ثم تحدث بسخرية لازعة ممزوجة بقسوة مقصودة: هو دا حُسن الضيافة يا، اخويا!

نزلت الكلمة على مسامعهم بقسوة، ليشتد الكره في الأنفس ويملئ الحقد  القلوب أكثر وأكثر، صاح سلطان هادرًا بنشيج حاد: متقولش ابن أخوك، كل  العلاقة اللي بتربطنا كانت علاقة و ملهاش أي ستين لازمة، ودسنا عليها  بالجزمة من سنين طويلة من ساعة ما مراتك آ...



توقف عن إكمال عندما امسك به طه من تلابيبه يهزه بعنف: سيرة أمي لو جت على لسانك الو دا تاني أنا هقعهولك، انت سامع!

كان شهاب ينظر لهم ببلاهة لا يفقه شئ مما يُقال، فقد كانت العداوة بينهم  منذ صغره وحتى الآن لا يعلم سببها، لكن يبدو بأن جميع كبار العائلة على  صلة به.

عندما احتدم الأمر وأوشك على تطاول الأيدي، تدخل شهاب فورًا ناظرًا ل طه بضيق مردفًا بغضب: انت إزاي تتجرأ وتمد إيدك عليه!

افلت طه ذراعه من يد الآخر، ثم نظر ل شهاب بإستخفاف مُرددًا بما اشعل فتيل الغضب لدي الجميع: هو انت ابن المحروسة!

قالها وهو يُشير ل ماجدة التي كانت ترتعد من الخوف بمجرد رؤيته يقف أمامها.

اخرس.

صعدت تلك الكلمة من فم بكر الذي استمع لصوت الشجار من منزل أخيه، ليهبط مسرعًا للأسفل مدهوشًا مما يسمعه من فم مَن كان صديقه قديمًا.

اقترب بخطوات غاضبة ثم وقف أمام طه رافعًا سبابته أمام وجهه متشدقًا  بتحذير: جيت لحد بيتنا يبقي تقف بإحترامك وإلا ردة فعلي مش هتعجبك يا  سُلطان.

لوى طه ثغره بسخرية ونظرات الحقد واضحة في عيناه بشدة، كاد أن يتحدث يتحدث ليُقاطعه ذلك صوت فارس الذي هبط للتو: في إيه يا بابا!

نظر الجميع لمصدر الصوت ليُلاحظ إبراهيم ذلك التشابه الكبير بينه وبين  شاكر، لم يحبذ أن يتدخل في الأمر، لكن لما يُنادي سلطان بأبي! هل حدث شئ  بعد قطعهم للعلاقات، هناك حلقة مفقودة.

حاول سلطان تهدئة نفسه، ليأخذ شهيقًا كبيرًا يملأ به صدره، وجه بكر  حديثه للجميع متسائلًا بخشونة: جايين ليه بعد العمر دا كله يا أبو زيد!

نظر الجد الكبير الذي رفض التدخل في ذلك الحوار العقيم بالنسبة له للجميع  بنظرات مطولة وكأنه يقرأ تشوشهم وأفكارهم، ثم تحدث بهدوء وهو يتحدث  بعقلانية: طبعًا انتوا عارفين إن ابنكم هرب ومعاه بنتنا غزل، أنا ميهمنيش  ابنكم، كل اللي عاوزه هي حفيدتي وبس.

وقف أمامه بكر مُجيبًا إياه: واحنا منعرفش مكانهم.

مسح الآخير على لحيته رافعًا جابيه بسخرية وكأنه يقول له حقًا: مش جاي اسمع منك كلمة معرفش، أنا جاي عايز اعرف مكان حفيدتي فين.

تدخل تلك المرة فارس مجيبًا إياه بمصداقية: احنا فعلًا يا حَج منعرفش  مكانهم، هما هربوا لحد ما يثبتوا دليل برائتهم وبعدين هيرجعوا تاني.

وانتوا عايزينا نثق في حد منكم، خصوصًا إنكم متعرفوش دا ابن مين ولا جاي منين!

كانت تلك كلمات إبراهيم الذي نطق بها نتيجة خوفه على فلذة كبده، ليهدر  به فارس بقسوة: مسمحلكش. كله إلا ريان، وبعدين الخوف كله من بنتك لتقتله زي  ما أخوك قتل أمي زمان!

قرر عابد مواصلة عمله بعد إجازة دامت لمدة أربعة أيام متواصلة بسبب ذلك  الظرف الطارئ لإبنة عمه، تجهز مرتديًا ثيابه كاملةً والتي كانت عبارة عن  قميص من اللون الأزرق الغامق وسروال من خامة الجينز من اللون الأسود، عدَّل  خصلاته ثم أخذ مفاتيح المنزل الذي يعمل به ك معلم للغة العربية، خرج من  غرفته فلم يجد أي فرد من أفراد عائلته، لم يهتم بالأمر كثيرًا بل اتجه نحو  الخارج بخطوات بطيئة متمهلة، سار عدة خطوات حتى أتي برأسه تلك الفتاة  مجددًا، ضرب على رأسه بضجر وهو يتمتم بضجر: نسيت أبلغها خالص، إيه الحل  بقا، أطنشها خالص ولا أكلمها وأخليها تيجي واكسب فيها ثواب!

ظل واقفًا يفكر في تلك الفتاة التي دخلت لعالمه دون استئذان، لن ينكر أن  هناك شئ جذبه لها، وكلما تذكرها يستغفر ربه في هذا الذنب الذي يفتعله،  أخرج هاتفه المحمول بعد تردد كبير في مهاتفتها، ثم قرر الإتصال بها.

علي الجانب الآخر كانت وصال جالسة على فراشها تنظر لكل شئ حولها بضجر،  فقد استائت من تلك الجلسة المملة وخاصةً إنها بين والداها المراهقان، قضمت  قطعة كبيرة من ثمرة الجزر حتى إمتلأ بها فمها على آخره، استمعت لصوت هاتفها  يرن في الأرجاء لتلتقطه ثم نظرت للرقم فوجدته غير مسجل لديها، همست لنفسها  بسخط: ودا مين ياختي اللي بيرن دلوقتي! أنا ناقصة قرف!

اغلقت الهاتف ليعود الرنين مرة أخري لتنفعل بشدة ثم أجابت صارخة على  المتصل وفمها ملئ بالطعام: هو أنا مش قفلت يا عديم الإحساس والمشاعر، هو  إيه مفيش دم خالص كدا! رد يا جبان. رد ولا خايف!

أبعد عابد الهاتف عن أذناه وهو ينظر له بصدمة، وضعه مرة أخري ثم تمتم متعجبًا بصوت خافت وصل لمسامعها: انتِ هبلة يا بت انتِ!

شهقت بردح وهي تُجيبه بوقاحة: نعم نعم يادلعااادي! لأ بقولك إيه، أقف عِوج واتكلم عِدل بدل ما وديني أفضحك.

استفزته وقاحتها ليهدر بها صارخًا: ما تتكلمِ يا عدل آنسة. إيه شغل الهمج اللي انتِ بتتكلمِ بيه دا! أنا عابد يا أستاذة.

سعلت بصدمة وفرغ فكها من الدهشة، لتفتح عيناها على آخرهما بعدم تصديق،  لطمت على وجهها وهي تسب نفسها وتلعن غبائها، وفي أقل من الثانية كان صوتها  يتحول كُليًا إلى الرقة، وكأنك كنت تُهاتف شخصًا غيرها منذ قليل: ا. استاذ  عابد! إزي حضرتك! عامل إيه! أخبارك إيه! كله تمام!

ورغم حالة الغضب التي تلبسته في البداية لوقاحتها، إلا أنه كتم ضحكته  بصعوبة على ردة فعلها الحمقاء، حاول الثبات ثم أردف ببرود: مستنيكِ كمان  ساعة في المكان اللي بدي فيه الدرس، لو اتأخرتِ اعتبري نفسك مرفودة.

كادت أن تجيبه بلهفة لكنها استمعت إلى صوت صافرة الإغلاق، ليتحول وجهها  للإمتعاض من معاملته الجافة معه، ذهبت إلى خزانتها لتنتقي منها ثيابها ثم  تمتمت بسخط: وأنا عملت إيه يعني عشان يعاملني المعاملة دي!

القلوب تحتاج إلى من يُربتُ عليها بدفئ، يُشعرها بالحنان، يَعِدُها  بالبقاء، فالقلوب إذا أطمئنت أحبت، وإن تألمت تلهفت، ليجعل الله بين قلبين  مودةً ورحمة.

وصلا كُلًا من ريان و غزل إلى المكان المعزول حيثُ يختبئ موسى ورجاله، رأوا  على بُعد أمتار أحشاد من الرجال، مظهرهم كان مُهيب للغاية، خاصةً بجلبابهم  الصعيدي، على عكس موسي كان يرتدي قميصًا وبنطالًا من اللون الأسود.

أشار موسى لرجاله المخلصين بسبابته، ثم تحدث بتحذير وجدية مفرطة: اللي  قولته يتنفذ بالحرف الواحد، أي غلطة ولو كانت صغيرة هتطير فيها رقاب،  فاهمين يا رجالة!

فاهمين يا ريس.

أجابوه بإحترام وتقدير لذلك الشخص المثالي بالنسبة لهم، الذي يسعى جاهدًا  لإثبات براءة جميع الرجال الذين كانوا يعملون بأحد المصانع بما فيهم هو وتم  إتهامهم بتهريب الممنوعات لإخفاء جريمة رب عمله الشنيعة.

تحفزت حواسه عند استمع لصوت وقع خطوات قريبة، ليسحب سلاحه من خاصره موجهًا إياه في إتجاه مصدر الصوت.

لحظة. واثنان. وثلاثة. حتى ظهر آخر شخص توقع حضوره، اخفض سلاحه مرة أخري،  ثم قطب جبينه بتعجب عند رؤيته ل ريان وتلك الفتاة التي تتبعه: إيه اللي  جابك هنا!

حرك ريان أصابعه ببلاهة مردفًا بإبتسامة حمقاء: هاي.

نظر الرجال لبعضهم بإستنكار واضح وصريح، يينما أعاد موسى سؤاله بصيغة حادة: بقولك بتعمل إيه هنا.

تقدم منه ريان عدة خطوات واثقة جاعلًا غزل تقف بالخلف، ثم وقف قبالته  مربتًا على كتفه: عارف إن صدمة وجودي أثرت عليك، أنا قررت إنس أجي أقعد  معاك هنا.

تشنج وجه موسى عقب إجابته، ليردد خلفه بإستنكار: قررت!

هز ريان رأسه بتأكيد ثم تشدق مكملًا: بما إننا هربانين ومش عارفين نروح فين لحد ما نثبت برائتنا، قولت أجي أونسك هنا في وحدتك.

أغمض موسى عينه يُحاول تمالك أعصابه قبل ان يفتك بهذا الأحمق الذي  أمامه، فتح عيناه على مهل، ليتحدث وهو يجز على أسنانه بعصبية: غور من هنا  ومش عايز أشوف وشك بدل ما أأكلك للديابة.

واصل ريان التحدث دون أن يُعطي لحديثه أي أهمية: بس عايز مكان بعيد عن  الرجالة بتوعك عشان معايا واحدة نسوانة، ومينفعش طبعًا تبات وسط الرجالة دي  كلها.

تحدث موسى بهمس خطير وعيناه تتقيدان شررًا: هتمشي من وشي ولا أفصل رقبتك عن جسمك!

آه وكمان عايزين أكل عشان مكلناش من الصبح وعلى لحم بطننا.

صرخ موسى بصوت عالي بأحد رجاله: حفيظ.

ذهب إليه المدعو حفيظ مسرعًا قائلًا بإحترام: اؤمر يا كَبير.

خُد الإتنين دول وارميهم في أي حِتة بعيدة عن هنا بدل ما أقتلهم واخلص عليهم.

أوامرك يا كَبير، ولو عايزني أطخهملك عيارين جول وأنا أنفذ طوالي.

سدد له نظرة نارية ثم هدر به ناهرًا: نفذ اللي قولته بس يا حفيظ، ومتتصرفش من دماغك بدل ما يكون ردة فعلي هي موتك.

ابتلع الآخر ريقه بتوتر وخوف من زعيمهم، ليجذب معه ريان ومن خلفهم تسير غزل التي تُطالعهم بغرابة شديدة.

وصلا إلى مكان بعيد قليلًا عن موقع الرجال، ليجدوا مكانًا أشبه بالكهف حالك  الظلام من الداخل، يُدخل في النفوس الرهبة والخوف، أشار لهم حفيظ لذلك  الكهف وهو يقول بلهجته الصعيدية: هتجعدوا إهني، وطول ما انتوا جاعدين ولعوا  حطب بدال ما الديابة تاكل جتتكم، الديابة عتخاف من النار.

هزوا رأسهم بالموافقة فكاد أن يذهب حفيظ ليُناديه ريان وهو يسأله: بس احنا مش معانا ولاعة، هنولع الخشب بإيه!

طالعه الآخر بسخرية ثم ذهب ولم ينبس بكلمة أخري، تاركًا الإثنان ينظران  لبعضهما بحيرة وقلق، احدثت غزل بخوف وهي تنظر للمكان من حولها: هنعمل إيه  دلوقتي!

تصنع ريان الأسى رغم أنه من حتم عليهم ذلك الموقف، ليردف بطيبة: هنضطر نبات هنا بقا لحد ما النهار يطلع ونشوف هنعمل إيه.

طالعته بضجر ثم خطت عدة خطوات مبتعدة عنه، ممسكة بحجرين كبيرين وأخشاب  كانت تطل من داخل الكهف، ثم وضعتهم أرضًا وظلت تضري الأحجار ببعضها بقوة  عدة مرات.

ناظرها ريان بتعجب ثم أردف لها بغرابة: بتحضري عفاريت ولا إيه!

نفذ صبرها لترميه بنظرات نارية صارخة بوجهه: تعالى ساعدك في حاجة بدل ما انت ماشي تلبسنا في أي مصيبة وخلاص.

جلس القرفصاء بجانبها ثم مصمص على شفتيه متحدثًا بضجر: الحق عليا ياختي إني بحاول أهون عليكِ، عايزة إيه وأنا اعمله!

قذفت له الحجرين مردفة بمضض: خُد اضرب الاتنين دول ببعض لحد ما يعملوا شرارة عشان نولع.

أخذ منها الحجرين وظل يضربهما ببعضهما بقوة كثيرًا إلا أن يئس من محاولاته،  لكن ولحسن حظه قام بإشعال الأخشاب التي أمامه بعد أن فقد الأمل، نظر ل غزل  بنظرة متباهية ثم همس لها: ما يجيبها إلا رجالتها.

استندت غزل على حائط الكهف من الداخل بعد أن أخذت موضعها، وامامها جلس ريان الذي لاحظ وجومها، فتسائل: مالك!

أطلقت زفيرًا من جوفها ثم تمتمت بيأس وبدأت طبقة من الدموع تتشكل على  حدقتاها: هنفضل في الوضع دا لحد امتى! أنا تعبت وحياتي اتلغبطت بسبب جريمة  أنا معملتهاش.

ذهب ريان إليها وجلس أمامها مباشرة ثم تحدث بحنان: متقلقيش كل حاجة هتتحل،  من بكرا هنحاول ندور على أي دليل يثبت برائتنا، مش هنفضل قاعدين كدا.

سألته بحيرة ويأس: هندور فين ونثبت دا كله إزاي بس!

أجابها بعملية محاولًا إمتصاص خوفها وقلقها وإبتسامة صغيرة تتشكل على ثغره  رغم جدية حديثه: واحد زي سليم المنشاوي عنده شركات وممتلكات كبيرة زي دي  ومن وراها بيدير أعمال مشبوهة أكيد فيه ورق يدينه ويوديه في ستين داهية،  والورق دا هيكون عاينه يا إما في خزنة شركته أو في ال يلا عنده، أو مكان  تاني احنا مش عارفينه، بس الأكيد إن احنا هنوصله.

حديثه بَث لها الطمأنينة بعض الشئ، لذلك ابتسمت له بسمة هادئة توحي بمدى  إمتنانها له، تشنجت ملامحها فجأة وتحولت للوجوم، ليسألها بريبة: في إيه  تاني!

حمحمت بحرج ولا تعلم كيف تخبره بأنها تريد قضاء حاجتها والآن، ما هذا الحظ  العثر الذي ليس في صالحها بالمرة، أعاد سؤاله عليها مرة أخري، لتقول له  بصوت خفيض حرج: ع. عايزة أدخل الحمام.

ابتسم لها بعبث وعلم سبب خجلها ليُجيبها بوقاحة لم تكن غريبة عليه: اعملي ورا الكهف وأنا هقف أداريك

فغرت فاهها بصدمة من وقاحته، لم يكن بالشخص البرئ كما لقبته، خاصةً مع  نظرات الخبث والمكر الظاهرة في عيناه، لتصرخ به موخبة إياه: يا. يا سافل يا  قليل الأدب. إيه أداريكِ دي. أنا غلطانة أصلًا إني اتكلمت معاك.

قهقه بمرح حتى أدمعت عيناه من شدة الضحكات وهو يرجع رأسه للخلف، ملامحها  المنزعجة والخجلة أمتعته فهي مُسلية بحق، رمت له نظرة نارية قبل أن تلتفت  للناحية الأخري بينما هو مازال صوت ضحكاته ترن في الأرجاء.

كانت وقع كلمات فارس على أذن الجميع صدمة لهم جميعًا، حديثه أعاد تشكيل  الماضي مرة أخري بكل ما فيه، ومضات من الذكريات أتت بعقولهم التي كانت  تحاول النسيان، بينما شهاب لم يصدق ما تسمعه أذناه، نعم يعلم أن فارس هو  الأخ الشقيق له، لكن لم يكن يعلم بأن والدته والتي كانت زوجة والده تم  قتلها، وعلى يد عائلة أبو زيد! ما هذا الهراء بحق الله!

بينما اشتعلت عين الجميع حقدًا وكرهًا عاد ليتشكل مرة أخري مع تذكرهم، ثار خليل تلك المرة الذي صاح بدون وعي: أمك اللي كانت خاطية.

ومع انتهاء كلماته كانت هناك صفعة مدوية نزلت على وجهه بغل، وكان مصدرها  هو سلطان الذي كان يُطالعه بحقد لم يستطيع الزمن محوه، هدر به صارخًا وهو  يُمسكه من تلابيبه بقوة: أخوك اللي كان وسخ، فرق بيني وبينها وخلاني أطلقها  عشان يتجوزها هو، صاحبي اللي كان بيدخل بيتي كانت عينه على مراتي، اللي  كنت بعتبره زي أخويا وواحد من عيلتي طلع زبالة، وانت جاي تقول إن مراتي أو  اللي كانت مراتي خاطية! انتوا اللي عيلة حقيرة، واحمد ربنا إنه انتحر بعدها  وإلا كنت هخليه يتمني الموت ولا يطوله، ربنا يجحمه مطرح ما هو موجود  دلوقتي.

أنزل خليل يدي سلطان بشراسة، ثم تحدث بفحيح وإتهام مقصود: قبل ما تتهم  أخويا بإتهام باطل، شوف مين من عيلتك اللي دخّل الفكرة في دماغه.

لم يفهم أحد منهم مقصده، استعاد فارس ثباته والذي إنهار مجرد تذكره لوالدته  المتوفية، تلك الحنونة التي قُتلت غدرًا على يد هؤلاء: ق. قصدك إيه.

كاد أن يتحدث لكن قاطعه الجد أبو زيد المُشاهد للموقف بصرامة: لا قصده  ولا مقصدهوش، أنا كنت جاي على أساس أشوف حل بس التفاهم بين العيلتين طلع  مُنعدم.

نظر لأولاده آمرًا إياهم بصرامة قاسية وخاصةً خليل الذي كان أن ينفلت منه الحديث: قدامي على برا ومش عايز أي كلمة زيادة.

امتثل له أولاده بإحترام، لكن نظراتهم كانت تعكس كُرهًا وحقدًا كبيران،  لحق بهم أبو زيد وظهره محني بيأس من تذكره لما وعد به نفسه لنسيانه، لكن  بضعة كلمات أعادت له ما حدث بنفس الألم وكأن تلك الحادثة حدثت بالأمس،  ابتلع تلك الغصة المريرة التي بحلقه ثم خرج من المنزل نهائيًا.

مع خروجهم. التفت فارس ل بكر يسأله بعدم فهم: يقصد إيه إن اللي ساعد أخوهم يبقي حد من عيلتك!

هز بكر رأسه بجهل وهو يُفكر في حديث خليل الذي سيُغير مجري الأحداث  كُليًا: مش عارف يابني واللهِ قصده إيه بالكلام دا، بس قريب كل حاجة  هتتكشف.

نظر لهم فارس بتيهة ثم تركهم وصعد للأعلي ينظرون له بحزن، هم يعلمون مدى  تعلق فارس بوالدته المتوفية، كان أمر موتها صعبًا للغاية بالنسبة إليه،  خاصةً أنه كان صغيرًا عن وفاتها، جلس سلطان على الأريكة بتعب هامسًا: إيه  اللي رجعهم تاني. منهم لله. منهم لله.

وصلت وصال إلى الحارة المقصودة، حيث ذلك المكان الذي ستعمل به مع عابد،  تقدمت عدة خطوات لذلك المنزل، ثم دلفت للداخل بهدوء، لتجده يتجرع قليلًا  من الماء قبل أن يبدأ بشرح المواد للتلاميذ المكدسين بالداخل، أحانت منه  إلتفاتة حيثُ تقف ليجدها تتطلع عليه بهدوء، وضع زجاجة المياة على الطاولة  ثم حدق بها مردفًا بسخرية: أهلًا باللي مهزقاني.

حمحمت متصنعة الحرج، لتقول بصوت خفيض: مكنتش أعرف إنه انت يا أستاذ عابد

أستاذ إيه بقا. انتِ خليتي فيها أستاذ ولا نيلة.

صمت قليلًا ثم أشار لها على مكتبها شارحًا لها بإختصار وجدية شديدة: دا  المكتب بتاعك، هتظبطي المواعيد، والمجموعات، وهتعلمي الواجبات للطلبة،  وفلوس الدروس هتحطيها في الدرج التاني اللي مقفول بالقفل، المفتاح قدامك  على المكتب. أهم حاجة عندي الأمانة ثم الأمانة. مش بتهاون في أي حاجة من  اللي قولت عليها.

التمعت عيناها بجشع عند ذكره للمال لتومئ له بحماس غريب لم يستشعره بعد،  هو يعلم بأنها فتاة تعمل من أجل والدتها المريضة ولا شئ آخر، طالعها بنظرة  أخيرة ثم ولج للداخل ليبدأ بشرح منهجه لتلاميذه بحرافية شديدة.

جلست هي على المكتب ناظرة للمفتاح الذي بيدها بنظرات شغوفة متحمسة، لكنها  ستنتظر بعض الوقت حتى يستطيع وضع كل ثقته فيها ومن ثَم تستولي على أمواله  كما تفعل مع ضحاياها.

أخرجت هاتفها لتُهاتف أحمد ابن عم عابد والمقترِح عليها تلك الفكرة من  الأساس، ليُجيب بعد عدة ثواني، ثم تحدثت بصوت خفيض للغاية حتى لا يستمع  لها: ايوا يا أحمد كل حاجة تمام وبدأت شغل من النهاردة، اسبوعين تلاتة كدا  ونطلع بالقرشين اللي بيكسبهم، ماشي سلام.

أغلقت الهاتف معه حاملة للمفتاح ثم فتحت الدرج الذي يحتوي على المال،  لتلمع عيناها بطمع عند رؤيتها لكل تلك الأموال الطائلة، همست لنفسها بوعيد  وهي تحدجهم بنظرة غريبة: قريب أوي كل الفلوس دي هتبقي ليا.


رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثاني عشر
تجلس في مكانها بضجر منذ أن أتت إلى هنا، ترى الطلاب في دخول وخروج  ومستمر، وهي تجلس كأنها نكرة، نفخت وصال بغيظ ثم نظرت حولها علها تجد شيئًا  لتسليتها، لكن في نهاية المطاف لم تجد سوى السكون، فالمكان مُفرع من حولها  إلا من ذلك المكتب البالي والذي يحتوي على الكثير من النقود، قطع هدوءها  صوت هاتفها، لتُجيب بفتور عندما رأت أن المتصل لم يكن سوى أحمد: ألو يا  أحمد! خير!
أتاها صوته الآجش عبر الهاتف مردفًا: عملتي إيه!
أجابته بعصبية عند تذكرها ما حدث منذ قليل: معملتش حاجة يا أحمد، لسه هاخد  كام ملطوش من الفلوس الكتير اللي كانت في الدرج لقيته جاي عليا وخد كُل  الفلوس ووداها البيت ورِجع تاني.
سبة نابية صعدت من ثغره أدت إلى نفورها من حديثه المقرف، لتستمع له  يُكمل حديثه: حاولي بأي شكل يا وصال نخلص من اللعبة دي، عابد ابن عمي لو  عرف اللي فيها ممكن يودينا في داهية احنا الإثتنين.
لم تتوتر أو تتلعثم فقد مرت بكثير من تجارب الإحتيال كتلك، لذا كان مُعتادة على الأمر، أجابته ببرود: هحاول وأشوف يا أحمد.
سمعت صوته المتعصب وهو يهدر بها: يعني إيه تحاولي وتش...
وقبل أن يُكمل حديثه أغلقت الهاتف بوجهه مردفة بضجر: هي ناقصة قرفك على المِسا!
جلست عدة دقائق أخري تحاول إشغال نفسها بأي شئ، وجدت امرأة في أواخر  الأربعينات تدخل عليها، ذات جسد سمين بعض الشئ وملامحها تكسوها الإنكسار،  سألتها وصال بتعجب عن هويتها: انتِ مين يا حاجة!
همست لها تلك السيدة بصوت خافت حزين: لمؤاخذة يا بنتي. أنا عايزة أقابل الأستاذ عابد.
بس هو عنده مجموعة دلوقتي يا حاجة، ممكن تستني عشر دقايق هنا وهو قرب يخلص.
أومأت لها دون أن تتفوه ببنت شفة ثم جلست على المقعد الفارغ بقلة حيلة،  تابعت وصال يأسها بتعجب، ينتابها الفضول لمعرفة ما جعلها بذلك الحزن البادي  للعِيان، كانت السيدة تهمس ببعض الكلمات التي لم تفهمها وصال، لكنها  التقتطت منها جملة واحدة ظلت تُكررها عدة مرات جعلت جسدها يقشعر منها خوفًا  ورهبة: حسبي الله ونعم الوكيل في الظالم، حسبي الله ونعم الوكيل في  الظالم.
كان لأثر حديثها ردة فعل مبالغة في جسد وصال، أحست بأطرافها ترتعش  وجسدها بات باردًا، لا تعلم ما الذي أصابها، لكنها تتيقن من صدق إستجابة  دعواتها.
مرت دقائق قليلة خرج بعدها الطلاب وهم يتحدثون بأصوات عالية، منهم مَن  يتشاجر ومنهم مَن يضحك، ومنهم مَن يتحدث بصوت عالٍ، ليخرج بعدهم عابد الذي  ما إن لمح تلك السيدة حتى ذهب إليها مبتسمًا بخفة: إزيك يا أم محمد.
نهضت من مكانها لتقف أمامه مباشرةً، مردفة بصوت خفيض: بخير يا ابني والحمد لله.
لاحظ عابد تلك الحالة الحزينة التي بها فظن بأن لديها بعض المشاكل بالمنزل  كعادة أي منزل لذلك لم يُعقب، تشدق بعتاب موجه إليها: بس أنا زعلان وليا حق  عندك يا أم محمد.
نظرت له بلهفة وهي تُجيبه: يقطعني، زعلان من إيه بس يا أستاذ.
يعني يرضيكِ محمد بقاله كام يوم مش بيجي الدرس ولما ابعتله مع حد ميردش عليا!
أخفضت رأسها للأسفل بحرج، لا تعلم بما تُجيبه فهذا هو ما جلبها من  الأساس، مدت يدها ببعض النقود ناظرة له بأسى: ما هو دا الموضوع اللي جيالك  عشانه يا أستاذ عابد، اتفضل دي فلوس الشهر اللي فات واعذرنا لو كُنا  اتأخرنا في دفعها، بس انت عارف الظروف، و، وبالنسبة ل محمد فهو مش هيجي  تاني لأن ظروفنا متسمحش لينا ندفع فلوس الدروس دي كلها.
أشفق عليها ولكن لم يُعقب، هو لا يحب أن يُشعر من أمامه بأنه قليل حتى  لو عن طريق الخطأ، رمقها عابد بنظرة معاتبة، ثم أبعد النقود من أمامه،  قائلًا بصرامة مصطنعة: خلي فلوسك معاكِ يا حاجة وابعتيلي ابنك المرة الجاية  بدل ما أجي أنا أجيبه من قفاه، واعتبري محمد زي أخويا الصغير ومش هاخد منه  فلوس.
نفت تلك الفكرة برأسها: لأ يا أستاذ عابد احنا مبنشحتش، أنا مش عايزة حظ يعطف عليا ولا على ولادي.
حاول بشتى الطرق إقناعها بحديثه محاولًا الضغط عليها: ياستي مين قالك  إني هعطف عليكي، اعتبريه دين عليكِ ولما محمد يشرفنا ويبقي دكتور هروح أكشف  عنده ببلاش، وأنا واحد مستغل.
نظرت له بإمتنان حقيقي، تعلم ألاعيبه ليجعلها توافق على طلبه، ومع إصراره  وافقت، لتقول بنبرة مليئة بالحب: روح يابني ربنا يباركلك، ربنا ما يوقعك في  ضيقة ويرزقك بولاد الحلال.
شكرها بود حقيقي فهو يحتاج لتلك الدعوات خاصةً تلك الأيام، ذهبت من  أمامه وهي تُمطره بسيل من الدعوات المحببة لقلبه والتي تُشرح فراده فرحًا.
كانت وصال تتابع الموقف وعقلها شارد، شتان المعاملة بينها وبينه، هو  يُخرج الأموال في سبيل الله، وبالمقابل هي تنتوي بالنصب عليه، ولأول مرة  تعقد مقارنة بينها وبين ضحيتها، عقلها مشتت الآن، وتعابيرها باتت غير  مفهومة، أتُكمل ما انتوت فعله لآخره! أم تعود لرشدها! في الحقيقة هي لا  تعلم.
حانت إلتفاتة من عابد ل وصال الشاردة به، ولا إراديًا جذبته عيناها  اللامعة مرة أخري، تمتم مع نفسه بضيق بصوت وصل لمسامعها: أستغفر الله  العظيم.
اشتعل رأسها غضبًا منه، فكلما يراها يستغفر ربه وكأنها شيطان لا يُطاق، لا  تعلم بأنه يفعل ذلك لتجنب وسوسة الشيطان، ومنعًا لإرتكاب المعاصي، انتهى  دوامها هذا اليوم، لتُمسك بحقيبتها بغضب متجهة للخارج بخطوات سريعة.
نظر لأثرها بتعجب هامسًا: مالها دي!
تقذفنا الحياة من شاطئ للآخر، لتلتقطني أمواج البحر بمآساتي، لتظل  عالقة كالغراء، فيعجز عن محوها، وأعجز أنا عن نسيانها، فلم يكن عليّ سوى أن  أرضى بواقعي وأجد من يمكنه إزالة آثار ألامي.
تجهز كلًا من ريان و غزل لكشف الحقيقة وإظهار برئتهم، سار الإثنين بهدوء  مريب ليس من عادتهم، كلًا منهم يفكر بما يمكنه فعله، فهم بين ليلة وضحاها  وجدوا أنفسهم هاربين من العدالة بتهمة لم يرتكبوها، تغربوا وابتعدوا وهربوا  حتى تسنح لهم الفرصة لكشف الحقيقة، تخطوا مسافة كبيرة حتى وصلوا إلى  المدينة، وأمامهم كان يوجد قصر سليم المنشاوي، سبب كل هذا العناء، اشتعلت  أعينهم وأصروا أكثر على الإنتقام، نظر ريان ل غزل بملامح مُبهمة ثم أردف  بغموض: سليم المنشاوي هدف مش سهل، مسنود من ناي كبيرة أوي، ناس حيتان بتقتل  من غير رحمة، كل خطوة هناخدها لازم نكون واخدين حظرنا، هنحط أسوأ  الإحتمالات قدامنا، واللي هي إننا في أي لحظة ممكن نتقفش ونتقتل.
كان هيبة الموقف مسيطرة على غزل، نعم هي تدَّعي القوة لكن بالنهاية هي  أنثي تخاف وتخشى، هي ليست ضعيفة، لكن إحتمال موتها تبث بداخلها الرعب  الشديد، ابتلعت ريقها بتوتر بعدما استمعت لحديث ريان، ثم همست بخفوت: إيه!  نموت!
استشعر ريان من نبرة صوتها الخوف، وهذا طبيعي في موقفهم هذا، فإن لم  يستبسلوا ويدافعوا عن حقوقهم لن يكون هناك سوى خيارين لا ثالث لهم: إما أن  يظلوا طوال حياتهم هاربين، أو سيقضوا الباقي من عمرهم داخل جدران السجون  المتعفنة، التفتت لها ثم طالعها بحنان، تلك النظرات التي يرميها إليها  تُشعرها بالحنان، ثم تحدث وإبتسامة رقيقة تتشكل على ثغره: متخافيش، طول ما  أنا معاكِ مش عايزك تقلقي، لو حصل أي حاجة أنا ممكن أفديكِ بروحي.
حدجته بنظرات ممتنة ثم سألته بوجل: ليه!
أجابها ومازالت تلك الإبتسامة الحنونة تتشكل على ثغره رغم نبرة الحزن التي  غلفت حديثه: عشان هعمل اللي معملتوش زمان، لما كانت مراتي قدام مني  والعربية خبطتها قدام عيني وأنا واقف مش قادر أعمل حاجة.
التمعت عينيها بالدموع تأثرًا، شكرته ممتنة وهي تُحدق به بنظرات جهلتها:  أنا مش عارفة أشكرك إزاي يا ريان، واحد غيرك كان ممكن يسيبني ويمشي ويقول  نفسي، بس انت معملتش كدا، انت فعلًا راجل اللي من حق ابنك ومراتك الله  يرحمها يفتخروا بيك.
كلماتها البسيطة والتلقائية أدخلت السرور على قلبه، فرِح ك طفل صغير استمع  لمدح والده به، وهكذا كان هو، قلبه برئ ونقي رغم خبثه كرجل ناضج ماكر.
كاد أن يُجيبها فتوقف عن الحديث لرؤيته لسيارة سليم المنشاوي تخرج من  يلته ومتجهة ناحيتهم، فتح عيناه بصدمة ظنًا بأنهم كُشفوا، أمسك بيد غزل  مسرعًا ثم اختبئا في ركن هادئ وضيق بعيدًا عن أنظار المارة، انقبض قلب غزل  لتُغمض عيناها بفزع مُنتظرة مصيرها، لكن ما حدث كان عكس توقعاتهم، فقد مرت  السيارة من جانبهم دون أن تقف، تنفس ريان الصعداء هامسًا بإرتياح: الحمد  لله. مشفناش.
تفحص وجهها بذلك القُرب المُهلك لكليهما، نظر ريان لملامح وجهها الهادئة  بإسترخاء، وتلك هي المرة الأولي التي ينظر بها لتفاصيلها عند مسافة لا  تتعدى السنتيمترات، وهي كذلك، عيناه كانت جذابة خلابة تدفعها للنظر بها  أكثر.
وعى ريان لوضعهم الحرِج لتعود تلك الإبتسامة العابثة تتشكل على ثغره، كم  يستمتع برؤية غضبها لمداراة خجلها، لاحظت هي تلك الإبتسامة اللي تمقتها،  لتبتعد عنه وهي تُحدجه بحدة وكأنها تقرأ ما يدور بدهاليز عقله.
ابتعد عنه بخطوات عصيبة ليضحك بملئ فاهه على حنقها، هو برئ لم يفعل شئ، لما كل هذا الغضب إذًا!
استدارت له لترفع سبابتها بوجهه مُحذرة إياه بتعنيف: مفيش حاجة تضحك على فكرة، وانت. انت قليل الأدب.
توقف عن الضحك ليُشير لنفسه بصدمة وعدم تصديق: أنا قليل الأدب! دا أنا أهلي كانوا بيخلوني أصلي بيهم وأبقى الإمام.
رفعت حاجبها بإستنكار وكأنها تقول له حقًا! ليؤكد لها وهو يهز رأسه ببراءة: إيه مش مصدقاني!
هزت رأسها بالنفي، لتتحول ملامحه فجأة للبرود مجيبًا إياها وهو يسبقها بعدة خطوات: معاكِ حق، يلا بينا.
نظرت لأثره بدهشة حقيقية من تحوله المُفاجئ، بالطبع هو يُعاني من إنفصام  الشخصية وما شابه، تمتمت لنفسها بهمس قبل أن تلحقه: دا عبيط دا ولا إيه!
بعدما أنهى أحمد حديثه مع ووصال ثار وماج بسبب تجاهلها له، هبط على  الدرج بخطوات سريعة، لكنه توقف فجأة عندما كاد أن يصطدم بشخص ما، ازدادت  وتيرة أنفاسه وعلت نبضات فؤاده عندما رأى تسبيح، محبوبته النقية الجميلة،  خفت غضبه، وتفتت عصبيته لظهورها، تشكلت بسمة عفوية على ثغره عند رؤيتها  بهذا المظهر الجذاب، كانت ترتدي ثوب واسع يغطي جميع جسدها من اللون الأزرق،  وخمار يصل لخصرها من اللون الأبيض، ابتسمت له بمجاملة عند رؤيته قائلة  برقة كادت تقتله: ازيك يا أحمد!
ولا إراديًا أجابها بوله: بقيت أحسن لما شوفتك.
سيطر عليها الخجل وحمحمت بحرج من إجابته الوقحة بالنسبة لها، اصطنعت  الإبتسام قبل أن تهم بالذهاب: يارب دايمًا، عن إذنك هطلع أنا بقا.
سد عليها الطريق بلهفة مانعًا إياها من الصعود وتركه وحده يُعاني من  إبتعادها مرة أخري، نظرت له بتعجب وبعض من العصبية، ليُبرر لها موقفه  سريعًا: ليه ما تستني، احنا بقالنا كتير مقعدناش مع بعض.
انمحت تلك الإبتسامة التي يُحبهها من على وجهها، ليحل محلها الصرامة،  قطبت جبينها وهي تُجيبه بجدية مُتحاشية النظر إليه: مينفعش يابن عمي، انت  من محارمي ومينفعش اقعد معاك لوحدي.
في إيه يا تسبيح!
صعد ذلك السؤال من فم عابد الذي أتى من الخارج للتو، ليدلف بخطوات بطيئة  وهو يُحدج أحمد بنظرات مُتفحصة، لتُجيبه شقيقته بهدوء: مفيش حاجة يا عابد،  أحمد ابن عمي كان بيسلم عليا مش أكتر وهطلع دلوقتي.
لم يُوجه عابد أي حديث لإبن عمه لعلمه بغيرته الشديدة منه منذ الصغر،  أمسك بيد أخته ثم رمى نظرة أخيرة تجاه أحمد الذي يُطالعه بغضب يُحاول أن  يُخفيه بقدر الإمكان: عن إنك يابو حميد.
أفسح له أحمد الطريق، ليمر من جانبه عابد وشقيقته التي رمقته بنظرات غاضبة  محتقرة، تألم من ذلك متوعدًا داخله أكثر بأنها لن تكون سوا له هو.
اقترب كُلًا من ريان و غزل من القصر المُلغم بالحراس، وقبل أن يبدأوا  مهمتهم ذهبوا لشراء الماسكات التي سُتغطي وجوههم مانعة أي شخص من رؤية  وجوههم في حال إن كُشف أمرهم، مشوا عدة خطوات تجاه القصر يُراقبون حركات  المارة من حولهم، التفت ريان من الناحية الأخري لتنفيذ الخطة التي اتفق  عليها كلاهما، قام بجمع بعض الأوراق الكثيرة ثم قام بإشعالها بالقرب من  بوابة القصر التي يقف أمامها الحراس، عندما تأكد من صعود الدخان الكثيف من  قام بالإختباء خلف أحد الأشجار الضخمة التي تُزين المنطقة قبل أن يُكشف  أمره.
وعلي الناحية الأخري، رأت غزل إبتعاد الحراس عن البوابة الرئيسية يركضون  جهة الحريق، هرولت هي للداخل واضعة يدها على قلبها بخوف، هي لأول مرة تخوض  تجربة مُميتة كتلك، لذلك دلفت للحديقة الواسعة مسرعة، رأت ريان يأتي خلفها  ركضًا وهو ينهج بفرط، ثم أمسك يدها وهرول بها للداخل.
توقف كلاهما خلف أحد الحوائط عندما رأوا حارسان يقفان أمام باب ال يلا  الداخلي، همست غزل بخوف وصدرها يعلو ويهبط أثر ذلك المجهود: هنعمل إيه  دلوقتي!
التفت ريان حوله بحذر، ثم جذب بعض الحجارة الكبيرة نسبيًا ليوجهها إلى  حائط كبير مرتطمًا بها بقوة فجذب إنتباه الحارسان، جذب الحراس أسلحتهم ثم  وجهوها تجاه مصدر الصوت ليذهبا لرؤية من الدخيل، أكمل ريان ركضه ممسكًا بيد  الأخرى، لتتحدث غزل بضحك وهي تركض: أول مرة أعرف أنك بتفهم والله.
التفت لها ينظر لها بضجر، ثم تحدث بغيظ: لو مسكتيش هرميكُ ليهم يقتلوكِ واخلص منك.
نظرت له بإستنكار حقيقي لقوله، منذ قليى كان يقول بأنه مستعد أن يفديها  بروحه، والآن يُهددها بتسليمها إليهم! كم أنه حقير وحنون بذات الوقت.
وقفا في بهو القصير الكبير، نظرت غزل حولها بإنبهار، كانت تري تلك  الأماكن في التلفاز فقط، لم تظن أنها موجودة في الحقيقة، كان كل شئ كبير  وجميل ومنظم، كان اللون الأبيض والذهبي يغلب على أساس المنزل، كيف لرجل  حقير مثل سليم المنشاوي أن يتنعم بكل ذلك الثراء، سخرت من نفسها وكأنها لا  تعلم بأنه يقتل الأبرياء للحصول على كل تلك الأموال لبناء مثل تلك القصور.
استمعا لصوت يأتي من جهة ما، ليختبئا خلف الأريكة الكبيرة، شبَّ ريان  برأسه بحظر ليري مصدر الصوت وسط ذهول غزل التي ودت لو تنقض عليه وتبرحه  ضربًا لغبائه، عاد لمكانه مرة أخري ليُلاحظ نظراتها الحارقة، ليسألها بهمس:  مالك بتبصيلي كدا ليه!
تحدثت وهي تجز على أسنانها بغيظ: مشوفتش في ذكائك بجد، عايز تودينا في داهية؟
بشوف صوت مين دا عشان منتقفش.
وطلع صوت مين يا فالح!
أجابها ببساطة: الخدامة.
لم تجيبه بل حاولت تنظيم أنفاسها المتعصبة حتى لا تقتله الآن، رأى ريان  سلم موجه للأعلى ومن فصاحته وذكائه المعهود عَلم بأن غرفة سليم المنشاوي  بالأعلي.
صعد كلاهما للأعلى بخفة بعد أن دلفت الخادمة للمطبخ مرة ثانية، وجدوا  أمامهم ممر طويل به عدد ثلاث غرف، وعلى الفور علمت غزل أن الغرفة الأخيرة  هي ل سليم المنشاوي، سألها ريان بتعجب: عرفتي إزاي!
رفعت رأسها للأعلى بغرور وعنهجية متشدقة بتكبر: حِسي الأنثوي هو اللي قالي.
تشنج وجهه بإستنكار وهو يُجيبها: أنثوي! جبتيها منين دي!
نظرت له بطرف عينها لترى ملامح وجهه المستهجنة، لم تجبه بل خطت للأمام،  اغتاظ من تجاهلها ليمسك بباقة من الظهور البلاستيكية الموجودة على أحد  الأرفف ثم قذفها بإتجاه رأسها لتُصيب الهدف.
تأوهت بصوت خفيض تحكمت به قدر الإمكان، ثم نظرت له بغضب، ليتجه ناحيتها ومن ثَم يسبقها: أنا الراجل يعني أنا الأول.
همست بحقد وهي تراقب أثره: حقير وقليل الذوق.
ذهبت خلفه مباشرةً حتى وصلوا إلى نهاية الممر، وقفا أمام الباب ولكن قبل أن  يمد يده ويفتحه نظر لها آمرًا إياها بنبرة جادة: لو حصل أي حاجة اجري  وصوتي وقولي بيتحرشوا بيا عشان ينقذوني.
نظرت له ببلاهة لما يقوله، هل هذا أحمق أم ماذا! بل هي الحمقاء، كان يجب عليها أن تعتاد على تصرفاته تلك، لما هي مُتعجبة الآن!
فتح ريان الباب ببطئ حذِر، ليدلف للداخل بخطوات مُتمهلة، وبالفعل وجدوا أن  الغرفة خاصة بعدوهما اللدود سليم المنشاوي، فقد كانت تحتوي على صورة كبيرة  تحتل الجانب الأيمن من الحائط، جعدت غزل جبينها وهي ترى ابتسامته المقيتة:  أعوذ بالله. بني آدم يسد النِفس.
خطَّى ريان للداخل ثم وقف أمام درج كبير مُشيرًا ل غزل إلى أحد الأركان  مُردفًا: دوري انتِ هناك وأنا هدَّور هنا، بس بسرعة قبل ما نتمسك ونتشلفط.
أومأت له مُسرعة ثم ذهبت لتبحث عن بعض الأوراق التي من الممكن أن تُدينه،  بينما ريان قام بفتح أحد الأدراج وظل يُقلب بين أوراقها والمستندات، توقف  فجأة ليستدير لها ثم سألها بتعجب: هو احنا بندور على إيه!
توقفت عن البحث ثم فرغت فاهها بصدمة، هل يسأل حقًا عن ماذا يبحثون أم  أنها تتخيل! تأكدت عندما أعاد السؤال مرة أخري ببلاهة أشد جعلتها تقف  متصنمة للحظة تُحاول إستيعاب ما يُقال، تمتمت له بدهشة: احنا بندور على أي  حاجة تثبت برائتنا. أو أي حاجة ممكن ندينه بيها ونكشف أعماله المشبوهة، انت  بتتكلم جد!
تشكلت إبتسامة بلهاء على ثغره وفرحة غريبة لم تفهم معناها سيطرت على  محياه، عادت لما كانت تفعل وعقلها منشغل بهذا الغبي، فمن الممكن أن يوقع  بهم في مشاكل لا تُحصى.
مرت بضعة دقائق وهم يبحثون في الأوراق ولسوء حظهم لم يجدوا ما هو مهم،  اتجه ريان ناحية خزانة ملابسه ليُفتش بها، قام بفتحها لتظن غزل بأنه سيبحث  بداخلها، لكن حدث عكس توقعاتها، فقد أمسك بإحدى البدل الرسمية من اللون  الأسود ثم ذهب للمرآة ليراها، تشكلت ابتسامة راضية على ثغره، ليلتفت ل غزل  التي تتابعه بحاجب مرفوع: إيه رأيك! آخد دي ولا الرصاصي!
وضعت يدها على قلبها لتُسيطر على ضيق التنفس الذي أصابها، لم يُعطي لها  بالًا بل ذهب ناحية الخزانة مرة أخرى ليأخذ تلك البدلة رصاصية اللون ناظرًا  لمظهره أمام المرآه.
لاحظ حالتها تلك ليذهب إليها بقلق مردفًا بفزع: مالك!
نظرة حارقة ألقتها إليه وهو كالعادة لم يفهم ما ترمي إليه، كادت أن تجيبه  لكن شعرت بشئ يوضع على رأسها وصوت آجش غليظ يسأل: انتوا مين وبتعملوا هنا  إيه!


رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثالث عشر
لقد كُشفوا وانتهي أمرهم، هكذا همسوا في أنفسهم عندما استمعوا لذلك  الصوت الغليظ الذي يوجه عليهم سلاحه، التفتوا له فكانت ملامحه حادة، غاضبة،  لا تُبشر بالخير، قسمات وجهه تشبه سليم المنشاوي بشدة، يبدو أنه أبيه أو  ما شابه، لكن بالنهاية هم نفس الدم والإجرام.
ابتلع ريان ريقه بخوف وهو يكاد يبكي تحسرًا على حياته التي ستذهبُ  هباءًا، والآن يتخيل أكثر الطُرق بشاعة والتي من الممكن أن يموت بها على يد  الذي أمامه، نظر ل غزل التي كادت تموت رُعبًا، خاصةً عند رؤيتها لذلك  السلاح الذي يُوجه ناحية رؤوسهم، لاحظت نظرات ريان الغريبة تجاهها لتقطب  جبينها بعدم فهم وهي تهز رأسها كأنها تسأله ماذا تريد.
أشار بعينه تجاه الباب لتهرب كما أبلغها منذ قليل لو حصل واتقفشنا أهربي  وصوتي وقولي بيتحرشوا بيا عشان ينقذوني، ولقد كانت لكلماته الغبية فائدة  في موقفهم هذا، كادت أن تتحرك ببطئ ناحية الخارج، لكن ذلك الصوت الغليظ  الذي صرخ بها مُهددًا إياها جعلها تتسمر في مكانها: لو اتحركتِ من مكانك  هفرغ رصاص المسدس دا في دماغك.
عادت لمكانها لتقف بجانب ريان وهي تهمس لنفسها: منك لله يا ريان، أبقى كلبة لوسمعت كلامك تاني.
تحدث ذلك الذي يقف أمامهم ناظرًا لهم بغموض: انتوا مين وبتعملوا هنا إيه!
فكرت غزل سريعًا في إجابة منطقية تستطيع بها إستمالة من يقف أمامهم قبل أن  يخرب ريان كل شئ بغباءه، لذلك أردفت بكاء: احنا الروم سيرفس والأستاذ سليم  طلب مننا إن احنا نغير له عفش الأوضة بتاعة حضرته.
أخفض الرجل سلاحه ثم ضحك ساخرًا وهو يضع يده على رأسه يرتب خصلاته البيضاء  مردفًا بخبث: يعني انتوا مش ريان و غزل اللي هربانين من الحكومة!
هز ريان رأسه نافيًا ثم تحدث بذكاء يظن بأنه سيُخرجه من هذا المأزق: هي غزل. لكن أنا مش ريان.
نظرت له غزل بعدم تصديق من حديثه، لا يمكن أن يكون غباء العالم قد اجتمع  برأس هذا الرجل! هل يظن بأنه هكذا سيُبرأ نفسه من تلك التهمة!
دار حولهم ذلك الرجل وهو يمط شفتيه بتفكير مصطنع: اممممم، ويا ترى بتعملوا إيه هنا ياللي اسمك مش ريان!
لم يُجيبه أيًا منهم، بل فضلوا الصمت حتى يجدوا حلًا لذلك المأزق، لن  يمر هذا الموقف مرور الكرام، يبدو أن هناك شئٌ عظيم يُحاك خلف ظهورهم، وهذا  ما يُثير حفيظتهم للحقيقة، وقف الآخير قبالتهم ثم تحدث مباشرة دون التطرق  للأحاديث الملتوية: بتدوروا على دليل برائتهم وحاجة تدينوا بيها سليم  المنشاوي وتدخلوه بيها السجن. صح!
صُدموا من تحليله المُفصل لما يفكرون به، فلم يملكوا القوة الكافية  للرد، أمسك ريان بيد غزل ثم أرجعها خلفه ليحميها من أي غدر قد يحدث في أي  وقت، تشبثت هي بذراعه جيدًا وأحست بالرعب يُسيطر على جسدها، سألها ريان  مباشرة ناظرًا له بجمود: انت عايز مننا إيه!
رفع الآخير رأسه مُحدجًا الأثنين بنظرات مُبهمة قبل أن يبدأ بحديثه الذي  صدمهم: مستعد أساعدكم في ظهور برائتكم وتسجنوا سليم المنشاوي.
سيطرت الحيرة على ملامحهم أكثر ولم يعلموا بما يُجيبوه، وقفت غزل بجانب  ريان لتكون بمواجهة ذلك الرجل الغامض بالنسبة لها، ثم أردفت: انت مين!
منير المنشاوي، عم سليم المنشاوي وليا عنده طار وآن الأوان إني أخده.
تحدث ريان بشك: واحنا إيه اللي يخلينا نصدقك! مش يمكن دي لعبة بتلعبوها سوا عشان تورطونا في جريمة أكبر!
هز ذراعه بلامبالاة ثم تحدث بثقة تعجبوا منها: معنديش دليل يخليك تصدقني، ولو كنت معاه مكنتش هتفضل واقف قدامي وعايش زي دلوقتي.
لحدٍ ما اقتنعوا بحديثه بعيدًا عن الأسباب التي جعلته يقف في صفهم ويغدر  بإبن أخيه، لكن بالأصل سليم المنشاوي لديه العديد من العداوات الكثيرة بسبب  عمله المشبوه، ومن الممكن أنه قد تسبب ل منير المنشاوي بكثير من العقبات  بسبب طبيعة عمله، لذلك قرر مساعدتهم.
نظر ريان حوله متسائلًا بحيرة بعد أن قرر الإتحاد معه لإثبات برائتهم: والورق دا هلاقيه فين! دا ملوش أي أثر هنا.
بخطوات بطيئة ذهب منير تجاه الأريكة ثم جلس عليها براحة، واضعًا قدمًا فوق  الأخرى وهو يتحدث بعنهجية: الورق مش هتلاقيه هنا لو قلبت القصر كله باللي  فيه، ممكن تلاقي شوية ورق ملهوش لازمة في أوضة مكتبه، بس الورق الأساسي  هتلاقيه في مكتب الشركة عنده.
عضت غزل على شفتيها بيأس ناظرة ل ريان الشارد في نقطة ما: وإزاي هندخل الشركة دي! هيبقي صعب علينا نعتب لها أصلًا.
أنا ممكن أساعدكم تدخلوها ببساطة والباقي عليكم، وانتوا شطارتكوا بقا.
انتبه له ريان ولحديثه، ليقول بلهفة وكأنه وجد طوق النجاة: وانا عندي استعداد أهكر كاميرات الشركة وأوقفها خالص، ودا هيسهل مهمتنا.
مط منير شفتيه بإعجاب، ثم هب من مكانه فجأة غالقًا زر بدلته الرسمية  وكأنه على وشك الذهاب: ودا شئ هيساعدنا جدًا، ميعادنا بكرا الساعة عشرة عند  (، ) تكونوا هناك على الميعاد، هتلاقوا باب تحت من الجنينة اللي ورا هحاول  ألفت إنتباه الحارس اللي برا لحد ما تخرجوا، سلام.
تركهم وخرج بهدوء مثلما جاء تمامًا، نظر كُلًا منهم لبعض براحة، ليتحدث  ريان بإبتسامة جميلة وهو ينظر لها: مش قولتلك كل حاجة هتعدي على خير!
أومأت له بسعادة وعيناها تلتمع بشغف، ثم تحدثت مسرعة وهي تهمه على  الخروج: يلا بسرعة بقا نخرج قبل ما حد يحس بينا تاني وتحصل مشكلة المرادي.
هز رأسه بنفي قاطع ثم ترك يدها وعاد للداخل ممسكًا بالبذلتين رافعًا إياهم  أمام وجهها المشدوه: مقولتليش آخد البدلة السمرا ولا الرصاصي!
منذ يومين والألم مازال يسيطر على فؤاده، عودتهم تعني عودة الذكريات  الذي حاول دفنها، ذكريات والدته الحنون التي قُتلت غدرًا على يد فرد من  العائلة الآخرى، كم كَره وجودهم ورؤيتهم أمامه، ابتلع تلك الغصة التي سيطرت  على حلقه، مانعًا ذاته من البُكاء والتفكير في الأمر الذي يُرهقه ويُرهق  بدنه، أعاد فارس رأسه للخلف مُستندًا على الحائط من خلفه، ورغمًا عنه هبطت  دموعه حسرةً وإشتياقًا لوالدته، ليعود بذاكرته للخلف، لذلك اليوم المشؤوم  الذي غيَّر مجرى حياته كُليًا، لقطات خفيفة من الماضي الذي يُسارعه حتى  الآن ويُلاحقه.
عادت ميادة والدة فارس من الخارج بعد أن اشترت العديد والعديد من  الأشياء التي يحتاجها المنزل، جلست على أقرب أريكة قابلتها لترتاح قليلًا  من عناء المشوار الذي أتته سيرًا على الأقدام، دلكت قدميها التي تؤلمها  بمرفقيها عدة دقائق علَّها تُزيل من بعض الألم الذي يحتلها، استمعت إلى صوت  جرس الباب لتزفر بتعب، وقفت بصعوبة قليلة ثم اتجهت ناحية الباب لفتحه،  اتسعت ابتسامتها فرحًا عندما وجدت إبنها البِكري فارس يقف قبالتها أمام  المنزل، لتفسح له الطريق للدخول ومن ثَم احتضنته بشوق وحنان كبيران: وحشتني  يابني، وحشتني يا ضنايا، كل دي غيبة!
قبَّل يدها بحنان ومن بعدها جبهتها مردفًا بإعتذار: حقك عليا يا أمي والله، السفرية جت فاجأة وملحقتش أقول لحد.
جلست على الأريكة ليجلس جانبها، ثم ربتت على ذراعه متشدقة بحنان: ربنا يعينك يابني على اللي انت فيه.
ربنا يخليكِ ليا يا ست الكل، ها عاملة إيه بقا! شكلك لسه جاية من برا.
أشارت للمشتريات التي أتت بها للتو: كنت بشتري شوية حاجات للبيت ويا دوب لسه جاية.
عاتبها برقة نابعة من خوفه عليها: مش الدكتور قالك يا ماما لازم ترتاحي شوية عشان رجلك!
متقلقش عليا يا حبيبي، أنا كويسة وبخير الحمد لله.
قبَّل يدها مرة أخرى بحب لتلك المرأة، السيدة الأولى التي امتلكت لُب قلبه،  وهذا حقها، التفت حوله ينظر في أرجاء المنزل ثم تحدث بتأفف: أومال فين  جوزك!
تنهدت بإحباط مُستندة بظهرها على الأريكة: نِزل القهوة من شوية، كان جاي من الشغل مأريف وبيتخانق مع دبان وشه.
نظر إليها بضجر ثم تحدث بإستنكار: مش عارف إيه اللي خلاكِ تتجوزيه! ما  كنتِ اتطلقتِ من بابا وخلاص وأنا كنت هشوفلك شقة وأتكلف بكل حاجة انتِ  عايزاها بدل تعبك دا.
وعلى سيرة ذِكر والده شعرت بالحزن الشديد، لقد تخلى عنها في أكثر الأوقات  إحتياجًا له، ولم يكتفي بذلك بل قام بتطليقها وتركها وحيدة تُعاني من  الويلات، ليس لديها لا أهل ولا أصدقاء في ذلك العمر الكبير.
سحبت نفسًا عميقًا ثم ردت بإيجاز متجنبة تلك السيرة التي لا تأتي عليها  سوى بالألم: النصيب يابني بقا واللي عايزه ربنا هو اللي هيكون.
التزم فارس بالصمت حتى لا يُذكِّر والدته بما عايشته من أيام تجلب لها  العناء، تبادلوا بعض الأحاديث العملية حول صحته وكيفية إستمرار حياته في ظل  تلك الظروف الإقتصادية الصعبة التي كان يمر بها من نقصٍ في الأموال في ذلك  الوقت، وأثناء حديثهم فُتح باب المنزل بحدة ليدخل نجدت وعلى ملامحه علامات  الغضب العارمة، ازدادت خاصةً عند رؤية فارس قبالته، لم يُحبذ فارس التواجد  في مكان واحد خاصةً مع ذلك الرجل الذي لا يُطيق وجوده، لذلك هبَّ من مقعده  ثم انحنى على يد والدته يُقبلها بحنان جارف لتُربت على رأسه بحب شديد، في  ذلك الوقت انقبض قلبه خوفًا دون سبب، وكأنه كان يعلم بأنه على وشك خسارتها،  لكنه لم يُعطي للأمر أهمية حتى لا يُقلِق والدته.
سدد نظرة عابرة ل نجدت الذي كان يُتابعهم بتأفف، ثم خرج من المنزل  ليستمع لصوت إنغلاق الباب خلفه مُباشرة في حركة مُباغتة، لم يحتاج لكثير من  الوقت لمعرفة من صاحبها، وضع يده على قلبه عندما تزايد الألم، ثم همس في  نفسه: يارب استرها يارب.
خرج من البناية الخاصة بعائلة أبو زيد ثم دلف إلى منزل عائلتهم، ليجد  إبراهيم يجلس مع بكر وصوت ضحكاتهم ترتفع في المكان، فقد كانا أكثر من  صديقين حبيبين في ذلك الوقت.
ألقى التحية على إبراهيم بعد أن سأله عن أحواله وأحوال عمله ليُجيبه  بإختصار مهذب، ثم صعد إلى منزله لينام قليلًا ويُريح جسده من مشقة العمل.
ويا ليته لم ينم، فقد استيقظ على فاجعة خسارته لوالدته الحبيبة، تلك  السيدة التي كانت تغدقه من الحنان أطنانًا منذُ قليل فقدها وللأبد، لن  يراها بعد الآن مُجددًا، ازادت صدمته عندما علم بأن الفاعل هو نجدت، الذي  قام بطعنها بكل غل في قلبها عدة طعنات، ومن بعدها قام بالإنتحار هو الآخر،  صرخ وبكى وانهار حُزنًا على فراق والدته، لم ينم لليالٍ كثيرة من الألم  النفسي والجسدي الذي سيطر عليه، أراد أن يعلم ما سبب ذلك ولكن الجميع رفض  في إخباره مستخدمين طريقة المراوغة حتى يُبعدوه عن السبب الحقيقي، وحتى  الآن السبب مجهول، لكن الذي يعلمه بأنه يحمل كُرهًا كافيًا لإحراق عائلة  أبو زيد حية، يكرههم ويكره كل ما يُخصهم وما له علاقة بهم.
عاد من تذكره وصوت شهقاته تتزايد، لم يستطيع التحمل أكثر، أراد أن يبكي  على فقده للأغلى والأحن والأرق، شعر بأصابع تلمس على ذراعه ليجدها زوجته  والتي تُطالعه بحزن شديد.
أحاطت رأسه بذراعيها وكذلك هو، ثم تحدث ببكاء وشهقات مُتعالية: رِجعوا تاني  يا زهر، رِجعوا تاني بعد ما قتلوا أمي، آااااه، أنا عمري ما هسامحهم.
لم تجد بما تُجيبه به، علمت مؤخرًا بمدى تعلق فارس بوالدته الراحلة، كل  الألم يقبع بقلبه الآن ولا يُمكنها التخفيف عنه، مسدت على شعره بحنان  وحاولت التماسك أمامه: ادعيلها بالرحمة هي دلوقتي في مكان أحسن بكتير، مفيش  في إيديك حاجة.
ظل يدعو لها كثيرًا وشهقاته تخفت تدريجيًا لكن عند تذكره إياها ولمواقفها الحنونة تشتد عليه غصة البكاء مُجددًا.
لا قلب ك قلب الأم، ولا حنان كحنانها، عند غيابها نشعر باليُتم، تضيقُ  جميع الطرق أمامنا، كأن الحياة كانت تسير بدعواتها التي تُغدقنا بها، هي ك  الزهرة في حياة الجميع، إذا اُقتُلِعت؛ ذَبُلت جميعُ البناتات.
فكَّر في الإبتعاد عنها حتى تشتاقُ إليه، وهذا بالفعل ما حدث، فلقد  اشتاقت إهداء إلى شهاب بشدة، ويزداد حزنها عند تعمده لتجاهلها، يبدو أنه قد  ملَّ منها ومن عنادها المتواصل معه، شعرت بالضيق من نفسها عند التفكير به  كثيرًا، هي بذلك تخون خطيبها مهاب السمج كما يُلقبه شهاب هي لا تحبه لكن  ظنت بأنها بذلك ستسطيع نسيان شهاب وخيانته لها.
سحبت نفسًا عميقًا ثم زفرته على مهل، لتستمع إلى طرق الباب، ذهبت لفتحه  لينبض قلبها فجأة بشدة، إنه هو، لقد إشتاقته واشتاقت لتغزله الوقح بها، رغم  أنها تدعي الضيق لكن قلبها يكن يرقص فرحًا، خفتت سعادتها عندما استمعت  لحديثه البارد: ازيك يا بنت عمي! أومال فين مرات عمي!
ابتلعت تلك الغصة التي سيطرت علىها، لتفسح له الطريق مُشيرة للداخل: جوه في المطبخ.
دلف لزوجة عمه دون حتى أن يلقي نظرة واحدة إليها، تشكلت طبقة رقيقة من  الدموع في حدقتاها سريعًا ما أخفتها حتى لا يُلاحظها أحد، كادت أن تُغلق  الباب فوجدت خطيبها مهاب يقف أمامها.
قطبت جبينها بتعحب متحدثة بإستغراب: مهاب!
لوى شفتيه بسخرية ثم أردف بإستنكار: مستغربة ليه! ما الأستاذة مش عايزة ترد على مكالماتي قُلت آجي أشوف فيه إيه!
حاولت أن تكون طبيعية معه ولا تُظهر ضيقها منه، ليس لديه ذنب بأنه  أحبها، بل كل الذنب على عاتقها هي، جاء من الداخل كُلًا من والدة إهداء و  شهاب وهم يتسامران كعادتهم، ليجدوا أن مهاب يقف على الباب ويبدو عليه  الضيق، ذهبت إليه سميحة لتُرحب به بسعادة: ازيك يا مهاب يابني، اتفضل متقفش  كدا.
دلف مهاب للداخل بعد أن أفسحت له إهداء الطريق ونظراته الحانقة لا تهبط  عن وجه شهاب الذي يُطالعه ببرود، استدار شهاب لزوجة عمه ثم استأذن منها  بإحترام: عن إذنك يا مرات عمي همشي أنا دلوقتي وهجيلك وقت تاني.
ليه يابني ما تخليك، دا انت بقالك كتير مبقتش تيجي زي الأول.
معلش الجامعة واخدة كل وقتي وانتِ عارفة إني هتخرج السنادي.
قرر مهاب إنتهاز الفرصة لمضايقته، لذلك تحدث بسماجة مُطلقة متعمدًا التقليل من شأنه: ذاكر كويس يا شهاب بدل ما تعيد السنة.
اقترب منه ثم ربت على كتفه: متقلقش أنا عارف مصلحتي كويس.
صمت قليلًا ثم تحدث بنفس السماجة التي تحدث بها الآخر: عرفت إنك اتطردت من الشغل الكلام دا صحيح!
شحب وجه الآخر وجف ريقه من معرفته بالأمر الذي جاهد كثيرًا على تخبئته،  وجهت إهداء حديثها ل مهاب بعدم تصديق: الكلام دا صحيح يا مهاب!
توتر في الحديث ولم يعلم بما يُجيبها لبضعة ثواني، تلعثم قائلًا: اا، اه. حصلت مشكلة بيني وبين المدير فسبت الشغل.
اتطردت.
صحح له شهاب حديثه ونظراته الباردة توجه له.
جز مهاب على أسنانه بغيظ متوعدًا ل شهاب ورد الصاع صاعين له، ثم استدار ل  إهداء مبررًا: بس هلاقي شغل تاني وأحسن من دا كمان إن شاء ا...
قطع شهاب حديثه ثم تحدث لزوجة عمه: عن إذنك يا مرات عمي عشان الجو بقا خانقة.
أنهى حديثه ثم تركهم ينظرون لبعض بحيرة و مهاب يُحدج أثره بإحتقار، هو  بالأساس لا يُطيق شهاب وذلك بسبب المشادات الكلامية الكثيرة التي تحدث  بينهم عند وجودهم سويًا، لا يتفقان أبدًا لو اتحد المشرق والمغرب سويًا.
قرر مهاب أن يهرب بذاته قبل أن تبدأ كُلًا من سميحة و إهداء عن سبب طرده،  لذلك استأذن سريعًا مدعيًا الضيق ليهرول للأسفل قبل أن تُلاحقه الأسئلة  التي لا يملك لها إجابة.
نظرت إهداء لأثره بغرابة ثم قطبت جبينها بتعجم من توتره هذا، أيقنت أن  هناك ما يخفيه بشأن عمله، وهي بالطبع عليها معرفة ما يُخبئه عنها، نفضت  مهاب عن رأسها وظلت تفكر في معاملة شهاب لها، حتى تعبت من كثرة التفكير  ودخلت لغرفتها لإستكمال دراستها.
البقاء للأنقى، للأوفى، للأحن، عادةً ما يكون الحنان هو السبيل المباشر  للسيطرة على القلب، تقاربهم في الفترة الأخيرة جعل التقارب بينهما شديد  الخطورة، أصبحت لا تُطيق فكرة الإبتعاد عنه، إنه بدر الرجال كما تلقبه هي،  الحنان الذي يُغدقها به لم تعيشه في حياتها، باتت تحب نقاؤه، حنانه،  وقاحته، وخبثه، إقترابه منها يجعل قلبها يطرق بشدة، أحبته نعم، ومن الممكن  أنها قد تكون عشقته وأكثر.
كانت نوال تجلس في غرفتهم تقوم بطي ملابسهم وعلى وجهها إبتسامة بلهاء،  إبتسامة تتشكل عند وجوده وحضوره، ينسج من كلماته المعسولة خطوط عشقه، ليحتل  على لُبها ببساطة.
شهقت بفزع عندما شعرت بيد غليظة تُحيط بخصرها من الخلف، هدأت قليلًا عندما استمعت لهمسه الضاحك: مش اتخافي يا حبة الجلب، دِه أني.
عاتبته برقة وهي تضع يدها موضع قلبها: حرام عليك يا بدر خضتني.
وبحركة مباغتة قبَّل جنتها برقة متمتمًا بإعتذار: حجك عليا يا جلب بدر.
اِحمر وجهها خجلًا وتمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها في هذا الموقف المُحرج  بالنسبة لها، عضت على شفتيها بحرج، ورغم أنها حركة عفوية حركت الكثير من  المشاعر داخله، حاول السيطرة على ثباته أمامها حتى لا تذهب هيبته هباءً.
حمحم بصوت عالي حتى يجذب إنتباهها وبالفعل نظرت إليه بتعجب لصمته المريب، سيطر عليها الفضول لتسأله بغرابة: في إيه بتبصلي كدا ليه!
بصراحة في ناس عايزة تجابلك ومستنينك تحت.
ازدات حيرتها وقطبت جبينها بتعجب أكثر: حد مين دا اللي عايزني! أنا معرفش حد هنا غيركوا.
أمسك يديها بحنان ليحتويها، يعلم أن الزائران اللذان بالأسفل من الممكن  أن يتسببان لها بالحزن، لذلك تحدث برقة وهو يُمهد لها الحديث: طبعًا انتِ  عاجلة وواعية وكَبيرة صُح!
وما زادها ذلك الحديث إلا حيرة، لذلك سألته بنفاذ صبر: في إيه يا بدر انت كدا قلقتني أكتر. مين دول اللي مستنيني!
سحب نفسًا عميقًا قبل أن يرمي بحديثه في وجهها دفعةً واحدة: أبوكِ وامك مستنيينك تحت.
نظرت له بصدمة وحاجب مرفوع، أحقًا أتوا لرؤيتها! أتذكروا أن لديهم إبنة  تُدعى نوال الآن! تحدثت بعدم تصديق ومازال عقلها لا يستوعب حديثه: بتتكلم  بجد ولا بتهزر!
وقف وأوقفها أمامه؛ ثم مسح على وجهها بيده متشدقًا بعقلانية: انتِ دلوجتي  ست عاجلة وناضچة، هتنزلي بهدوء تسلمي على أمك وأبوكِ وتجعدي معاهم شوية  لغاية ما يمشوا وتطلعي تاني، اتفجنا!
هي اشتاقت لهم لا تُنكر ذلك، لكن ما زالت قلوبهم مُتحجرة عليها وهذا  أكثر ما يُحزنها، تسللت الدموع إلى عيناها رغمًا عنها، ثم تحدثت ببكاء: هما  مش بيحبوني، لأ أنا مش عايزة أشوفهم.
علم بدر بأنها ستُعاند؛ وهو يعذرها في ذلك، فهي ضحية لإهمال والديها،  شعورها بالنقص جعلها شخصية ضعيفة مهزوزة لا تثق بذاتها، مسح دمعاتها بحنان  بإصبعه، ثم همس أمام وجهها: لو مش بيحبوكِ مكنوش چُم لحد عنديكِ إهني، مش  يمكن حصلتلهم ظروف عاد وانتِ معتعرفيش! يبجي ظلمتيهم إجده! وبعدين أهلك  ليكِ عليهم حج حتى لو هما غلطانين، ربنا سبحانه وتعالي بيقول؛ وبالوالدين  إحسانا، يلا يا نوال، يلا يا حبيبتي تعالي سلمي على أهلك.
اقتنعت بحديثه؛ وغير ذلك هي تشتاق لهم وبشدة، لذلك عدلت من ثيابها ثم  هبطت معه للأسفل راسمة قناع البرود على وجهها، لكن عند رؤيتها للهفة  والدتها الواضحة التي هرولت ناحيتها؛ أسرعت لها هي الأخرى تبكي في أحضانها،  متحدثة ببكاء وعتاب: وحشتيني يا ماما، كل دا متسأليش عليا!
قبَّلت والدتها كل إنش في وجهها وهي تبكي إشتياقًا لفلذة كبدها، ثم قالت:  سامحيني يا بنتي، بس أبوكِ كان تعبان ومعرفناش نجيلك، حقك عليا.
ولا إراديًا حولت أنظارها لوالدها الذي يحاول إخفاء أشتياقه إليها  بجموده الظاهر، ذهبت نوال إليه ثم جلست بجانبه مردفة بقلق: عامل إيه يا  بابا! مالك فيه إيه!
أجابها بهدوء وعيناه تفضحان إشتياقه لها: أنا بخير يا بنتي، متشيليش همي.
وبدون سابق إنذار احتضنته بشوق بالغ، رغم قسوته عليها؛ لكن بالنهاية هو  أبيها، لم يمنع نفسه أكثر من مبادلتها العناق، كانت قسوته عليها نابعة من  خوفه، خوفه من الأيام وما قد تفعله في عقلية ابنته، لذلك رأى أن أنسب حل هو  التشدد عليها من الصغر، حتى يستطيع السيطرة عليها في كِبرها، لكن اكتشف أن  طريقته خاطئة، خاصةً حين هربت ذلك اليوم مع ذلك الشخص الذي أذعن بحبه  الكاذب لها، فهي كانت تبحث عن الحنان، وعندما وجدته تعلقت في تلك القشة  المُتهالكة والتي كادت أن تُخسرها ذاتها.
ابتعد عنها قليلًا ثم مرر يده على وجهها قائلًا بإشتياق: عاملة إيه يا بنتي! سامحيني معرفتش أجيلك زي بقيت الخلق.
وكأنها ببضعة كلمات نسيت تلك المآسات، لُتقبل يده بحب ثم قالت: ولا يهمك يا حبيبي، المهم إنك دلوقتي بخير وكويس.
هنا فقط تأكد أنه ظلمها، فقد تخيل منها معاملة جافة؛ قاسية مثلما كان  يُعاملها، لكن وجد الحنان عكس ما كان يتوقع، فليشهد ربه أن قسوته كانت  خوفًا من أن تقع ابنته في نفس الذنب الذي وقعت به شقيقته، لذلك كان يُحاول  تربيتها على طريقته الخاصة، وللأسف الشديد كان مخطئًا في ذلك، فها هي إبنته  تمتلك طيبة العالم في قلبها، لقد سامحته بسرعة بعد عدة كلمات ألقاها على  مسامعها، ليشعر بمدى حقارته، قبَّل جبينها ثم نظر لها بأسف: سامحيني يا  بنتي، نربيتي كانت غلط ليكِ من الأول، قسيت عليكِ وأنا كنت فاكر إني  بحميكِ، لكن ربنا يشهد إن أنا كنت خايف عليكِ.
ابتسمت بعدم تصديق وقد انشرح قلبها لحديث والدها رغم بساطته، لتقول  بفرحة عارمة لم تستطيع السيطرة عليها: مسمحاك يا بابا على أي حاجة، المهم  إنك معايا دلوقتي.
احتضنها بحب، ثم ربت على ظهرها بحنو شديد، أما هي فقد عادت الدموية  لجسدها، وصَغِر وجهها عدة أعوام لتعود كالطفلة، أبيها لم يَعد قاسي، كانت  تظن بأنها لن تتمكن من مسامحته، لكن كانت عكس ذلك، فقد سامحته أسرع مما  توقعت، لكن لا يُهم، الأهم أن والدها الحنون معها الآن.
نحتاج لمن يُعاملنا برقة، يُدخل السعادة على قُلوبُنا، فنحن ك الفراشات،  تتمنى أن تطير عاليًا في الهواء بأمان، دون قلقها مما هي مُقبلة عليه،  قلوبنا من زجاج، تُخدش لكنها يُمكن أن تعود سليمة ببضعة كلمات.
اليوم هو أكثر من مهم بالنسبة لذلك العاشق، كان يقف أمام المرآة  بإبتسامة سعيدة تُزين وجهه، عدَّل محمود من وضعية قميصه الجديد الذي ابتاعه  مؤخرًا، ثم أغلق أزراره وعقله شارد في معذبته، تنهد بسعادة وفخر من تلك  الخطوة الذي سيُقبل عليها، لقد أنهى قسط المنزل وها هو مستعد للتقدم من  محبوبته منذ الصِغر، لقد جاء الوقت الذي سيُكتب فيه اسم ميران بجانب اسمه،  مجرد التخيل يجعل قلبه يرقص ويُهلل فرحًا.
دخلت عليه والدته ناظرة لملامح وجهه السعيدة بحنان، وقفت قبالته ثم  احتضنته لتدعو له بحب: ربنا يهنيك دايمًا يابني وأشوفك مبسوط على طول كدا.
احتضنها هو الآخر ليطلب منها برجاء: ادعيلي يا ماما، ادعيلي يوافقوا، أنا لسه يا دوب رايح أتكلم معاهم، خايف أترفض.
ربتت على ذراعه متشدقة بما برَّد من خوفه قليلًا: متقلقش، الأستاذ  إبراهيم ومراته عارفينك وعارفين أخلاقك كويس وإزاي انت شاب مُكافح، دا  سبحان الله الست فوزية هي الوحيدة اللي كنت بحكيلها عن اللي بتعمله معانا،  وإزاي انت بتشتغل ليل نهار عشان تسِد إجار البيت.
تمتم برجاء ناظرًا لهندامه للمرة الأخيرة: ربنا يعديها على خير يا أمي، يلا سلام عليكم.
ردت عليه السلام، ثم أمطرته بسيلٍ من الدعوات التي تُعطيه القوة، حديث  والدته أدخل على قلبه السعادة الشديدة والطمأنينة بذات الوقت، لم يبقى سوى  المواجهة الآن.
عاد ريان و غزل لمكانهم مرة أخرى، بعد أن ضمنوا الخطة التي سيتبعونها  لإظهار برائتهم، استندت غزل على حائط الكهف وهي تتنهد بتعب: آااه يا خرابي  على دا مشوار! رجلي ورمت.
ارتمى ريان على الأرض من خلفه ليتسطح عليها، ثم وضع ذراعه أسفل رأسه  مُتخذًا منها كوسادة، ثم أجابها بتنهيدة طويلة: بكرا دا كله هيتحل.
اعتدل في جلسته بحماس ثم جلس قبالتها مُباشرةً وهو يُمسك بالبذلتين الذي  أصرَّ على أخذهم سويًا: بس إيه رأيك في البدلتين دول! هيكلوة مني حِتة صح!
أيدته في رأيه قائلة بسخرية: صح، الحاجة الحرام دايمًا بتكون حلوة يا ضنايا.
لم يُعطي لحديثها إهتمام، بل كان ينظر للملابس بسعادة حقيقية وكأنه أقدم  على فعل شئ يستحق التقدير، هزت غزل رأسها بيأس من تصرفاته التي لا تتماشى  مع سِنه أبدًا، فهو يُعتبر كطفل يرتدي زي الرجولة المُغلفة بالحنان.
جال ببالها سؤالًا فلم تتردد ثانية لمعرفة جوابه منه، لذلك تسائلت على بغتة: فكرت تتجوز بعد موت مراتك يا ريان!
صنمه السؤال محله، لا يعلم أبسبب الصدمة أو لشئٍ آخر، نظر لها مطولًا محدجًا إياها بنظرات غريبة أربكتها، ثم نطق بكلمة واحدة: ليه!
أحست بأنها تخطت حدودها في الحديث معه، لذلك أجابت مُبررة: عادي، بما إننا قاعدين حبيت فاضيين أسألك.
استند على الحائط من خلفه، ثم شرد قليلًا قائلًا بتيهة: منكرش إني فكرت  في كدا زي أي راجل، لكن مش عشاني، دا عشان ابني، طبيعة شغلي كانت بتحكم  عليا إني أتأخر ودا طبعًا كان بيأثر على نفسيته بالسلب، لكن فكرت لو اتجوزت  واللي اتجوزتها دي متقتش ربنا في ابني هيبقي إيه الوضع! هكون خسرت ابني  اللي لما يكبر هيحملني المسؤلية إني اتخليت عنه، وفي نفس الوقت ربطت نفسي  بواحدة أذتني.
اقتنعت بإجابته كثيرًا، احترمت عقلانيته وتفكيره في ابنه قبل أي شئ،  رجلٌ غيره ك كثير من الرجال لم يكونوا لينتظروا كل تلك المدة دون زواج، لكن  هو وضع مصلحة طفله قبل أي شئ، وما أربكها حقًا هو حديثه التالي الذي أكمله  بخبث ومكر: لكن لو لقيت البنت المناسبة واللي ههحبها وفي نفس الوقت تعامل  ابني زي ابنها معنديش مانع آخد الخطوة دي.
ارتبك جسدها، ومرت رعشة خفيفة في معدتها، لكنها أحبت ذلك الشعور، لذلك تمتمت بخفوت وحرج: ربنا يوفقك.
أخفى ابتسامته المرحة عن ناظريها، ودَّ حقًا لو يضحك بملئ فاهه لنجاحه في إرباكها بهذا الشكل، لكن ليكن بها رحيمًا ويصمت الآن.
مرت الدقائق صامتة بينهم حتى جاء إليهم حفيظ وأفزعهم بصوته الغليظ: تعالوا معايا دلوجتي، الريس عايزكم.
نظرا الإثنان لبعضهما بإستغراب، لتتسائل بقلق: عايزنا في إيه!
هزَّ ريان كتفيه دلالة على جهله، ليقول وهو يهم بالنهوض: تعالي نشوف عايز إيه، متقلقيش.
وقفت بجانبه، ليسيروا بجانب حفيظ الذي كان يلتزم الصمت منذ البداية، وكلاهما يُفكر في هذا الأمر المجهول الذي يريدهم به موسى.

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الرابع عشر
وأسبلتُ عيناي لتفاصيلك، لأغرق في التفاصيل وأحبك.
ذهب كُلًا من ريان و غزل خلف المدعو حفيظ الذي كان ينظر لهم بطريقة مُريبة  أثارت حفيظتهم، مالت غزل على ريان ثم تحدثت مستفهمة: ماله دا! بيبصلنا كدا  ليه!
هز ريان رأسه بجهل مُتحدثًا ببلاهة: شكله مُعجب بينا.
حدجته بسخط، ثم وبخت نفسها لسؤاله هو تحديدًا، تمتمت داخلها بغيظ: وأنا هستنى إيه منك يعني!
وصلا أخيرًا حيثُ يقبع موسى وأعوانه، ليجدا وجهه مُتهجم للغاية وكأنه  مُستعد ليدخل عراك الآن، وقفا أمامه ليتسائل ريان بحيرة: خير يا موسى  طلبتنا ليه!
توقف أمامه، ثم قرَّب وجهه منه مُتشدقًا بفحيح: كنتوا في بيت سليم المنشاوي بتعملوا إيه!
قطب ريان جبينه بتهجم، ثم ابتعد قليلًا عنه مُردفًا بعصبية: انت بتراقبنا!
صرخ موسى بوجهه: انطق وجاوب على أد السؤال، كنت في بيت سليم المنشاوي بتعمل إيه!
غضب ريان من تلك الطريقة الوقحة التي يُحدثه بها، ليُمسك به من تلابيبه مُردفًا بحدة: صوتك ميعلاش عليا تاني انت سامع!
أنزل موسى يد الآخر، ثم حاول ضبط أعصابه قبل أن يتهور حتى يكتشف الحقيقة  الكاملة، فعندما أخبره أحد رجاله برؤية كلاهما يدلفان لمنزل عدوه اللدود  ثارت ثائرته وظن بأنهم جاسوسان جاءا ليتطلعا على أخباره، لذلك أردف بهدوء  مزيف: أديني نزلت إيدي، سامعك.
حاول ريان ضبط أنفاسه الغاضبة، لا يُحبذ أبدًا أن يتعامل أحد معه بتلك  الطريقة الوقحة التي تعامل بها موسى معه منذُ قليل، لو لم يكن يحمل له  معروف لكان أبرحه غضبًا من شدة الغضب الذي في قلبه الآن، قطب جبينه بحدة ثم  جلس لذلك المكان الذي أشار له موسى، ثم بدأ في إخباره بالحقيقة الكاملة  دون أن ينقص شيئًا، منذ بداية طورتهم في تلك القضية والتي كان سببها هذا  اللعين سليم المنشاوي ، حتى دخولهم قصره وإتفاقهم مع عمهم في الإيقاع به  للزج في السجن وتبرئة أنفسهم.
كان يستمع له بإنتباه، يبدو أنهم وقعوا ضحية لحقير قذر مثلما كان هو،  ملامح ريان المتهجمة والجادة في الحديث، جعلت موسى يُصدقه رغمًا عنه، شعر  بالحرج منه ومن طريقته المُهينة التي تحدث بها منذ قليل، لذلك حمحم بحرج ثم  ربت على قدمه: متأخذنيش على الطريقة اللي اتكلمت معاك بيها.
لم يُجيبه ريان بل ظل مُتهجم الوجه وكذلك كانت غزل هي الآخرى، استطرد  موسى حديثه بأسف: سليم المنشاوي هو أكتر واحد بكرهه في حياتي، خَد مني  حياتي، وحريتي، وبعدني عن أهلي، وخلاني في نظر الناس والقانون مُجرم، ولما  عرفت إنكم رحتوا بيته مجاش في بالي غير حاجة واحدة بس، إنكم تبعه ودا كمين  معمول ليا عشان يوقعني.
وكطبيعة ريان النقية عفى عنه، لكن يجب أن يُظهر له كيف كان أسلوبه في  التعامل مُجحفًا معه، لذلك ظل على وضعه المُتهجم، علم موسى بأنه قد أحزنه،  لذلك قرر مشاكسته ليضربه على فخذه بيده: ما خلاص بقا ميبقاش قلبك أسود!
بس بغير.
هكذا نطق ريان بعد أن أبعد يد موسى عن فخذه لشعوره بالغيرة الشديدة، علت  ضحكة غزل في الأرجاء من تصرفه هذا، وكذلك شاركها موسى وباقي الرجال، ما هذا  أيغير من قدمه حقًا!؛.
بينما ريان شعر بالضيق لصدوح ضحكات غزل بذلك الشكل المُفرط، لكن، لِما الضيق! هذا لأنها مسؤولة منه في تلك الأوقات، هكذا أقنع نفسه.
حمحم ثم توقف مكانه راسمًا على وجهه إبتسامة طفيفة، موجهًا حديثه ل موسى  والرجال: خلاص حصل خير، عن إذنكم بقا نرتاح عشان يومنا طويل بكرا.
وقف أمامه موسى متحدثًا بألفة عكس التي كان يتحدث بها منذ قليل: ربنا معاك، ولو عوزت أي حاجة أنا في الخدمة.
هز ريان رأسه له، ثم أمسك بيد غزل ليسحبها خلفه دون أن يتخدث بكلمة  واحدة، بينما هي تعجبت من تصرفه هذا لتسأله بضجر: في إيه ماسكني كدا ليه!
لم يُجيبها بل ظل يسير بها حتى وصلا إلى الكهف، أفلتت يدها منه لتصرخ بنفاذ صبر: وسع كدا، ممكن أفهم في إيه، وإيه المعاملة دي!
أجابها بغضب فاقها في الحدة: ممكن أفهم في إيه انتِ! عمالة تضحكي بصوت عالي وسط الرجالة وانتِ ولا هامك!
فتحت عينيها بعدم تصديق من حديثه الطاعن لها، فصرخت به بحدة: انت اتجننت! انت سامع نفسك بتقول إيه! انت بني آدم مش محترم.
استمع لها بغضب عارم وكاد أن يتحدث إلا أنها قاطعته وهي تُوجه سبابتها في  وجهه: كلام بيني وبينك من هنا ورايح مش عايزة انت سامع! لسانك مش هيخاطب  لساني لحد ما نخلص القضية الزفت دي وكل واحد بروح لحاله.
شعر بالغضب منها والضيق من ذاته، لا يعلم ما ذلك الضيق الذي انتابه عند  رؤيتها تضحك وسط كَم هؤلاء الرجال، لكن ما كان يجب عليه محادثتها بتلك  الطريقة، زفر بقوة ثم رآها تذهب بعيدًا عنه وتجلس في نهاية الكهف، مما  أشعره بحقارته معها في الحديث حقًا.
توتر عندما توصل لمعنى واحد لإحساسه، وهو الشعور بالغيرة، هو يعلم تلك الأحاسيس جيدًا، لكن لماذا هي!
قرر مُصالحتها والإعتزار عما ب دَر منه، لذلك توجه ناحيتها مُقدمًا قدم  ومُؤخرًا الأخرى، حمحم بتوتر لتُدير هي وجهها للناحية الأخرى لا تريد  رؤيته.
جلس أمامها ثم بادر بإعتذار وصوت خفيض متوتر: أنا أسف.
نظرت له بطرف عينها لتجده يُطالعها بإعنذار وندم حقيقي، يبدو كالأطفال  حقًا، لكنها صممت على موقفها فأدارت وجهها للناحية الأخرى دون أن تُجيبه،  ليُبرر هو موقفه: ما هو انتِ برضه مكنش ينفع تضحكِ بصوت عالي كدا! انتِ  مسؤولة مني دلوقتي وأنا مقبلش إن راجل يبص عليكِ وانتِ بتضحكِ كدا.
قرع قلبها بشدة، وتوترت أنفاسها، حديثه العفوي أيقظ بها الكثير من  المشاعر المدفونة، ودون أن يشعر تفوه بعفوية: انتِ دلوقتي قدرك بمكتوب  بقدري، واللي يبصلك بصة مش كويسة أنا ممكن أخلص عليه.
أمِن الممكن أن توجد كل تلك اللطافة في إنسان واحد، ورجل! هكذا حدثت نفسها،  أخطأ وغضبت منه لكن بالنهاية جاء ليعتذر، بل ويُبرر خطأه أيضًا، صفة عظيمة  ليست موجودة في معظم الرجال، وحظها أوقعها مع ذلك الرجل الحنون.
عندما طال صمتها، صمم في مُصالحتها لينظر لها بحزن: خلاص بقا متزعليش، حقك عليا.
ولاإراديًا وجدت نفسها تبتسم بعفوية، وكيف لا وهي أمامها هذا الكَم الهائل  من اللطافة والحنان بآنٍ واحد! خرج صوتها ضعيفًا وهي تُجيبه: خلاص مش  زعلانة، بس أوعدني مش هتزعقلي تاني.
تهللت أساريره وشعور السعادة غزا قلبه، ليردف مُسرعًا وهو يهز رأسه بنفي: حرّمت واللهِ.
ثم مد يده في نية لإكمال المصالحة: صافي يا لبن!
صافحته وهي تبتسم بسعادة من ذلك الشعور الغريب الذي تشعر به ثم أردفت: حليب يا قشطة.
للنقاء هالة خاصة من السحر، ذلك الشعور اللذيذ الذي تستشعره لمجرد رؤيتك  لطفل صغير، استشعرته هي عند وجود ذلك الرجل الثلاثيني، وهنا تأكدت بأن  النقاء يكمُن في القلب، في الشعور، في المُعاملة.
(أنا بحب ريان أوي! ).
التوتر والقلق هما سيد الموقف الآن، يقف محمود على أعتاب منزل والدي  ميران وهو يشعر بالتخبط الخوف الشديد، الخوف من رفضه، من رؤيته غير مناسب  لأبنتهم الغالية، رغم أن تعليمه عالي وحاصل على شهادة كلية الهندسة؛ إلا  أنه بالنهاية يعمل كيميكانيكي في حارتهم، استجمع شجاعته الهاربة ثم طرق على  جرس الباب مُنتظرًا بعض الوقت.
في الداخل، كان فوزية جالسة بجانب إبراهيم وعلامات الحيرة ترتسم على وجهها، ثم تسائلت بحذر: وانت رأيك إيه يا إبراهيم!
تنهد بصوت عالي حائر وهو يهز كتفيه: والله ما انا عارف يا فوزية، اللي ربنا كاتبه هو اللي فيه النصيب.
قاطع حديثهم القصير صوت قرع الباب ليقف إبراهيم مستعدًا لفتحه، وذهبت من  خلفه زوجته، استقبل إبراهيم محمود بود ثم أدخله للمنزل ليجلسوا ثلاثتهم على  الأريكة.
جلسوا يتحدثون حول أشياء عملية لبضعة دقائق قليلة، ثم حمحم محمود بحرج  قبل أن يبدأ حديثه بصوت خافت: طبعًا أنا عارف أن أمي كلمت حضرتك في الموضوع  اللي أنا جايلك فيه!
أومأ له إبراهيم بهدوء وكذلك فوزية، مما شجعه على الحديث أكثر: وأنا جاي  النهاردة عشان أطلبه منك تاني، عمي إبراهيم أنا طالب إيد بنت حضرتك ميران،  عايزها تكون زوجة ليا وأم لأولادي، وأنا أكيد هتقي ربنا فيها.
وظروفك!
سؤال طبيعي يخرج من فمه الوالد في مثل تلك الجلسات، ليُحمحم مُجيبًا  إياه بثقة: طبعًا حضرتك عارف إني خريج هندسة ميكانيكا، وعندي ورشة خاصة  بيا، وبفضل الله عرفت أكوِّن نفسي وأعمل بيت عيلة جديد لأمي بعد ما بيتنا  القديم اتحرق، وراتبي مش قليل ولا كتير عشان مكدبش عليك، لكن أنا قادر إني  أبني بيت وأصرف على زوجتي من مالي الخاص. وشقتي جاهزة مش فاضل غير التشطيب.
أحبَّ إبراهيم ثقته بنفسه كثيرًا، وكفاحه وطموحه منذ الصغر، هو يعلم أنه  شاب طموح ومجتهد، لذلك أعطاه فرصة للمجئ، تحدث وهو يبتسم براحة: أنا عن  نفسي معنديش مشكلة، انتِ إيه رأيك يا فوزية!
ابتسمت فوزية بإتساع قائلة بلهفة: موافقة طبعًا، دا محمود زي ابني.
علي بركة الله، كدا مش فاضل غير رأي العروس...
وما كاد أن يُنهي جُملته حتى وجد ميران تخرج من الغرفة وهي تطلق  الزغاريط العالية التي صدحت في الأرجاء بشكل مدوٍ، لتقف بجانب محمود ثم  سألته مُتلهفة: الفرح امتى!
حمحم إبراهيم بشدة ليُجذب إنتباهها، ثم وجَّه حديثه ل محمود مردفًا بإستنكار: طيب سيبها يومين يابني تفكر أصلها مكسوفة.
قهقه محمود عاليًا بسعادة لا يُصدق ما حدث من تلك المُغفلة للتو، بينما  شاركته فوزية الضحك وهي تنظر لإبنتها بيأس من أفعالها الحمقاء تلك.
نظرت ميران بضجر لأبيها ثم دبَّت الأرض بقدمها لتقول: يا بابا يومين إيه أنا أصلًا موافقة!
ارتدى أبيها قناع الحِدة الزائفة على وجهه رغم سعادته لفرحة إبنته، ليقول بصرامة لها: ادخلي يا بت أوضتك ومتخرجيش غير لما أقولك.
نفخت بغيظ ثم اتجهت ناحية غرفتها، لكن قبل أن تدلف للداخل إستدارت لتغمز  بمشاكسة ل محمود الذي فتح عيناه بصدمة واضحة، وحقًا ودَّ لو يضحك عاليًا  عليها.
نظر إبراهيم ل محمود بيأس ثم تحدث: معلش يابني لسه عيَّلة ومخها صغير.
همس محمود داخله والشوق يقتله لأخذها بين أحضانه: أحلي وأجمل عيْلة في حياتي.
ثم استمع لحديث إبراهيم الجاد والذي تحوَّل كُليًا: بس مفيش أي حاجة هتحصل غير لما أختها غزل ترجع لينا بالسلامة.
هز رأسه بتفهم ثم أردف بعقلانية: أكيد يا عمي، أنا مُتفهم حضرتك طبعًا ومعنديش أي مانع.
تشكلت إبتسامة مُرتاحة على وجه إبراهيم ثم تحدثا قليلًا، وبعدها أستأذن  محمود للذهاب لمُباشرة أعماله المُتعطلة، ودعَّه إبراهيم حتى الباب، ثم همس  برجاء: ربنا يرجعك وسطنا تاني يا غزل يا بنتي.
القلب يهوى الحنان من العدمِ، والنبضُ يزدادُ إرتفاعًا بالقربِ، ويا روح اقتربي لتستمعِ، فذلك الحنون يختطفُ الفؤادِ والقلبِ.
بعد ذهاب أهلها؛ صعدت هي مع بدر وعلى محياها أبتسامة سعيدة، وأخرى ممتنة، دلفا للغرفة ليستديرُ لها بدر سائلًا إياها: انبسطي!
لم تُجبه بحديثها، بل احتضنته بدفئ، وذلك العناق كان بمثابة الرد على  سؤاله، والإجابة كانت رائعة، بل أكثر من رائعة، إنها جميلة بجمالِ عينيها.
أحاطها بقلبٍ نابض، شدد على عناقها بقوة حتى كاد أن يُدخلها في أضلعه، سمع همسها وهي تهمس بإسمه: بدر!
عيوني!
بحبك.
أخرجها من أحضانه وهو ينظر لها بعدم تصديق، ماذا قالت للتو! هل قالت أحبك  أم أنه توهم ذلك! أراد أن يتأكد بأنه في حالة جيدة ليسألها ببلاهة: جولتي  إيه!
أخفضت رأسها بخجل شديد، لا تعلم لِمَا أخبرته الآن، لكن هذا ما تشعر به حقًا، هزها مرة أخرى يسألها بإلحاح: جولي يا نوال جولتي إيه!
رددتها مرة أخرى، لكن تلك المرة وهي تنظر داخل عيناه بنظرات لامعة شغوفة: بحبك يا بدر.
أنهت جملتها لينتهي صبره معها هو الآخر، أخذها في أول جولة من جولاته  العاشقة، مُخبرًا إياها بعشقه لها وسط سطوته عليها، ليُذيبها معه داخل  أمواج الحب، الحب الناتج من الحنان، الإهتمام، الإحترام، وأخيرًا الود،  لتُصبح هي زوجته قلبًا وقالبًا، شرعًا وقانونًا، وهنا تُسطر بداية عشقهم،  بعيدًا عن العالم، ليُشيدوا عالمًا خاص بهم، عالم بدر العاشق ل نوال.
عندي ليكِ خبر ب اتنين جنيه.
هكذا تحدث معتصم بحماس في الهاتف ل سجود التي جعدت وجهها بأستنكار: خليهولك احنا مش بنشحت.
قهقه بخفة ليؤكد لها حديثه: بجد والله عندي ليكِ خبر مهم واستاهل عليه جايزة.
فكرت سجود قليلًا قبل أن تقول: اسمع الخبر وافكر في الجايزة.
بدأ معتصم في سرد ما يود قوله، مُتحدثًا بهمس وهو ينظر حوله كأنه سيقول  سر حربي خطير: أبوكِ وأعمامك جُم عندنا على أساس إنهم يتفاوضوا ويلاقوا حل  لقضية ريان و غزل، بس اللي عرفته إنهم اتخانقوا خناقة كبيرة أوي وفِضلوا  يهلفطوا بشوية كلام كدا غريب لما أفهموا هقولك.
مطت شفتيها بتعجب قاطبة جبينها بإستغراب: كلام إيه دا يا صاصا! جرب تقولهولي وأنا هحاول أفهم.
إيه رأيك نتقابل وأحكيلك!
هكذا أردف بعدما سيطرت عليه رغبة عارمة في مقابلتها ورؤيتها أمامه بعد يومين، أشتاق لها حد الجنون، لكن كأصدقاء،!
فكرت قليلًا فكان هو على أعصابه ينتظر ردها، لترتاح ملامحه عندما اردفت ب: أوك، نصاية وهقابلك في المكان بتاعنا.
انتشرت السعادة على محياة ثم تمتم: اشطا هستناكِ يا قمر انت، سلام.
ضحكت بخفة على حديثه ثم أغلقت معه ثم جلست لتُفكر في خدعة لتُخبر بها والدها حتى تستطيع الخروج.
أما هو فلا يعلم لِما أراد رؤيتها، الفكرة أكبر من كونها مجرد صديقة بل  أكبر من ذلك، لدى سجود مَعَّزة خاصة منذُ الصغر، ازدادت عند الكِبر، خاصةً  أنها الوحيدة التي تُعاونه على المرور من أزماته، تقف بجانبه وشدتها كشدة  ألف صديق، لذلك قدرها في قلبه كبير، يخشى أن يكون شئ آخر فتنتهي صداقتهم  عند معرفتها، لكن هل سيستطيع الإبتعاد حقًا إذا طلبت منه هذا! وكانت  الإجابة الحاسمة هي «لا».
تجهز وارتدي ثيابه السوداء، ثم رشَّ ببزخ من عطره الذي يعشقه والذي كان  من إختيارها هي، هبط للدرج مسرعًا ليصطدم بجسد ظهر أمامه فجأة، استمع لتأوه  انثوي لينظر لمصدر الصوت ليجدها خطيبته ني ين، جعد جبينه بضيق وظهر التأفف  على محياه، لم تهتم لتعابيره البادية والواضحة بشدة؛ بل اقتربت منه أكتر  وكأنها تُعدل من ياقة قميصه، متحدثة بوقاحة وهي تقترب منه أكثر: وحشتني يا  عصومي، بقالك كام يوم مش بتكلمني ليه! موحشتكش!
همس داخله وهو يجز على أسنانه: وحشك قطر يا بعيدة، أنا قرفت من رزالتك.
رسم بسمة صفراء على محياه، ثم أنزل ذراعها عن ياقته متحدثًا بإستفزاز: عن اذنك يا ني ين عندي مشوار مهم.
همَّت أن تتحدث لكنه سبقها وهرول نحو الخارج، حامدًا ربه بأنه استطاع  الفرار منها، بينما هي نظرت لأثره بغضب وهي تحز على أسنانها بغيظ: ماشي يا  معتصم، إما أشوف أخرة المعاملة دي إيه! ويا ويلك لو كان اللي في دماغي صح.
خرجت من تفكيرها ثم أكملت صعودها نحو الأعلى لوجهتها المحددة وهي زهر،  صديقتها البلهاء التي تزوجت من فارس، ذلك الشاب الذي أُعجبت به في البداية،  لكن جاء هو ليُحب صديقتها التي كانت أفضل منها في كل شئ، وهي ستسعى لتخريب  حياتها.
وصل معتصم للمكان الذي من المُفترض أن يتقابلا فيه هو و سجود، لم تأتي  بعد لذلك استند بظهره على تلك الصخرة التي تُظهر جزء من المدينة بمظهر جذاب  وساحر، تنهد بهدوء وهو ينظر للشمس التي على وشك الغروب، تخيل لو كانت هنا؛  لكانت اختلطت عيناها مع خطوط الشمس الصفراء مُعطيًا لها مظهرًا رائعًا.
وكأن ما يتخيله أتى ليتحقق أمامه، فها هي أتت بإبتسامة جميلة تُزين  ثغرها، وامتزجت اشعة الشمس مع عيناها الخضراء لتكون زيتونية اللون، اللون  الذي يعشقه لكن في عيناها فقط.
استقبلها وهو يَمد بيده لها ليمنعها من الإنزلاق في أيًا من الأحجار، امسكت  بيده ثم سحبها لتكون أمامه مباشرة، وهنا تعامدت أشعة الشمس على حجراها  الكريمان، ليخفق قلبه بغتةً من سحرها، وللمرة الثالثة يُعلق على جمال  عيناها: عنيكِ!
ابتسمت بيأس ثم أردفت تزامنًا مع حديثه الذي حفظته: بتسحر.
استفاق على صوت ضحكاتها ليجدها تقول بضحك: خلاص حفظت الكلمة والله.
حكَّ عنقه بحرج ثم ابتسم إبتسامة بلهاء ليُداري حرجه، ليجدها تلتفت له بحماس: ها كمَّل بقا السر العظيم اللي كنت عايز تحكيهولي.
أحاد ببصره عن عينها بصعوبة ثم بدأ يسرد ما فهمه من على فم ابن عمه شهاب:  بصي هو اللي انا في فهمته، إن فيه حد في عيلتكم قتل أم فارس ابن عمي.
شهقت بعدم تصديق وهي تضع يدها على فمها بذهول، الآن فهمت سبب العداوة  الشديدة بين العائلتين، لكن لم تكن تتوقع أن السبب بهذا السوء، تحدثت  بذهول: يالهوي يعني احنا عيلتنا قتالين قُتلة.
ظنت بأنه سينفي ليُهدئ من روعها، لكنها أكد لها وهو يهز رأسه بالإيجاب: أيون، دا حقيقي.
ضربته على ذراعه بضجر ناظرة له بإشمئزاز: سيبني أعيش الدور وخليني مصدومة.
لوى شفتيه بسخرية وهو يرفع حاجبيه بإستنكار: قال البت بتحس يعني ومرهفة المشاعر!
كشرت عن أنيابها في تهديد صريح له: عندك إعتراض!
اصطنع الخوف وهو يعود بظهره للخلف: انتِ أكتر حد برئ شوفته في حياتي.
ابتسمت؛ لتعود إلى حالتها الطبيعية ثم وقفت ناظرة للمنظر الطبيعي الذي  أمامها بإبتسامة جذابة: فاكر يا معتصم زمان واحنا صغيرين لما كنا بنيجي هنا  لنفس المكان لوحدنا! رغم إن هلنا منعونا عن دا.
ابتسم بخفة عند تذكره لتلك الأيام، ثم نظر لها بتمعن: ممنون للأيام دي واللهِ عشان عرفتني عليكِ.
بادلته إبتسامة جميلة أهلكته، بات قُربها منه يُشكل له خطرًا كبيرًا،  اعتدلت في وقفتها؛ لكن ولسوء حظها تعرقلت في بعض الأحجار حتى كادت أن تسقط،  التقطها معتصم سريعًا، وحال بينها وبين الأرض الصلبة، كان ذراعه تُحيط  بخصرها، واليد الأخرى موضوعة على وجهها، حتى باتا مُقتربان بشدة.
خفق قلب معتصم بشدة حتى كاد يخرج من محجره، قُربها خطير، وهي مُهلكة،  شعر بإنجذاب تجاهها، أراد أن يقترب أكثر ليشعر بها بين يديه، هي الآن ليست  صديقة بالنسبة له، بل أكثر.
وعلى بُعد آخر، تشكلت تلك الإبتسامة الخبيثة والحاقدة على فم الآخر وهو  يقوم بإلتقاط بعض الصور لهؤلاء العاشقان بالنسبة له، نظر للصور بين يديه  ليقول بغل وحقد: إما نشوف طه أبو زيد هيكون مبسوط وهو شايف بنته في حضن  معتصم بكر النويهي ولا لأ،!


رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الخامس عشر
جاء النهار مُعلنًا عن بداية جديدة، يومٍ جديد، ومشاعر جديدة تبدأ في النمو.
استيقظ ريان المُتسطح على الأرض بكسل، اعتدل مكانه بروية ليجد غزل تنام  مُستندة على الحائط من خلفها، رأى ملامحها المُسترخية بعد يوم مُتعب طويل  ليلة أمس، نظر لها مُطولًا، رغم أنها فتاة عادية إلا أنها تُيقظ به العديد  والعديد من الشاعر، لا يعلم أهي إعجاب أم ماذا! لم يُنكر شعوره بالإنجذاب  تجاهها، ففي النهاية هو رجل، والرجال يعشقون الأنثى القوية، وهي جذبته  بقوتها، وحنانها.
تململت غزل لتفتح عيناها ببطئ من أثر ضوء النهار، وجدته يجلس بجانبها  ويُطالعها بنظرات شغوفة، عيناه الرُمادية تلتمع من أجلها، مهلًا هل قالت من  أجلها!
رسم إبتسامة صغيرة على ثغره، ليهمس بصوت آجش من أثر النعاس: صباح الخير.
ردت عليه بتوتر وخجل: صباح النور.
غمز لها بمشاكسة وخبث، فلقد راقه إرباكها وبشدة: دا صباح القمر والجمال.
خجلت من إطراءه عليها بتلك النبرة الصريحة، لتُخفض عيناها بحرج ولم  تُجبه، راقه خجلها ليتنهد بخبث أخجلها أكثر، همست بصوت خفيض للرد عليه:  الله يسترك.
تحولت ملامح وجهه إلى الإستنكار مُرددًا: هو دا اللي ربنا قدرك عليه! أنا غلطان.
كتمت ضحكتها بصعوبة، حتى عند غضبه يبدو كالطفل الصغير، ما هذا!
مشوْا كثيرًا حتى وصلوا إلى الطريق الرئيسي، ظل أمامهم الكثير حتى يصلوا  إلى وجهتهم، التمعت عيني ريان بحماس عندما وجد بائع غزل البنات أمامه، هز  ذراع غزل بتلهف ليقول لها بعدما نظرت له بتعجب: عايز حلاوة شعر من اللي  هناك دي.
قالها وهو يُشير تجاه الرجل الذي يبيع حلاوه، لتُردد بتعجب ضاحك: حلاوة شعر!
اتسعت إبتسامته وهو يهز رأسه بنعم، لتغمض عيناها بيأس من طفولته اللذيذة  تلك، تحسست جيب بلوزتها الطويلة لتجد به بعض العملات القليلة، ثم ذهبت  تجاه البائع وهو خلفها، اشترت خمسة أكياس من غزل البنات، لتُعطي أربعة منهم  له، وهي أخذت واحدًا.
نظر لها بضجر وهو يُكشر وجهه لتسأله بريبة: في إيه!
التقط منها الكيس الذي أخذته هي متشدقًا بحدة: دا بتاعي، وبعد كدا متخديش حاجتي من غير إذني، مفهوم!
ثم استبقها بعدة خطوات غاضبة تاركًا إياها تنظر له ببلاهة حقيقية، هي من اشترت تلك الحلوى من الأساس! هل هو أبله أم ماذا!
نظرت له بغيظ ثم ذهبت خلفه بخطوات مُسرعة كي تلحقه، صائحة بصوت عالي حتى يصل لمسامعه: على فكرة أنا اللي شرياها ومن خقي أخدهم كلهم.
جعد وجهه بقرف وكأنها نكرة ثم أردف بإشمئزاز: يلا يا بت من هنا، شحاتة وبجحة كمان! أنا في حياتي مشوفتش وقاحة زي كدا!
تشنج وجهها من إتهامه لها قائلة بصراخ: بقا أنا وقحة! والله أنا مشوفتش برود زيك كدا يا أخي.
الله يسامحك.
أردف بها ببرائة وهو يَهم بإلتهام آخر قطعة من الكيس الذي معه، لتقف أمامه  مُدعية الحزن: طب هات دي، أنا حتى مكلتش أي حاجة من إمبارح.
تبًا لمشاعره الحمقاء وطيبته الزائدة، هي باتت تؤثر به وبقوة، لذلك دون  تردد أخذ قطعة صغيرة جدًا من حلواه تكادُ لا تُذكر ثم أعطاها لها دون حتى  أن يُفكر.
تشنج وجهها بإستنكار، ألتلك الدرجة هو كريم! أيُعقل! ردت له تلك القطعة  الصغيرة مرة أخرى ثم سبقته بخطوات غاضبة وهي تُتمتم بغيظ: أما راجل معفن  بصحيح! أبقى أنا اللي جيباله الطفح ومش هاين عليه يديني كيس!
أما هو نظر لأثرها بتعجب حاد، أهذا هو خطأه! قرر أن يعطف عليها ويُعطيها  جزءً من غزل البنات وبالنهاية ترميها له بل وتغضب منه أيضًا! همس مع نفسه  بتعجب: أنا عملت إيه!
جميعُ التضحيات للشخص الخاطئ تُصبح أخطاء، وجميع من حولك يحسبُك منافقًا وانت تُصلح الآراء.
كان أحمد يجلس ويُفكر في ما يمكنه فعله ل تسبيح لينالها، هو يحبها قُضي  الأمر، وستكون له حتى لو فعل أكثر الأشياء قذارة، لن تكون لغيره، هي له منذ  الصغر، هكذا وسوس له شيطانه.
تعتبره كأخ، وليس من الممكن أن تحسبه كصديق، هي متدينة كثيرًا، وبالنسبة  له هي مُعقدة، لم يُحبذها هكذا، تبدو له كأكثر الأمور تعقيدًا، يجب أن  يكون حذر في التعامل معها من الآن، وإن لم يحصل على مراده ويجعلها زوجته  برغبتها، سيتجه إلى أكثر الطرق إيلامًا، حتى لو كانت ابنة عمه، فكل شئ  مسموح في الحب والحرب.
ارتدى ملابس عادية ثم نظر لهاتفه، ف وصال لم تُحدثه منذ أكثر من أسبوع، ماذا حدث لها! هل تأقلمت مع عابد!
ومع ذِكر لسيرة إبن عمه اشتعلت عيناه بالحقد، لطالما كان هو أكثر  إحترامًا، تدينًا، أخلاقًا، نجاحًا، ومجهودًا، وأخير! ا كِسبه للمال بطريقة  سهلة بالنسبة له، لم ينظر للمجهود الذي يفعله طوال اليوم مع الطُلاب، هو  فقط ينظر للنتيجة المُرضية، وهي المال.
طلب رقمها وانتظر لثوانٍ حتى أغلقت الهاتف بوجهه، ليجز على أسنانه بغيظ وهو  يتوعد لها تلك المرة، يجب أن يظهر أمامها كي يخبرها بطريقة غير مباشرة  بأنه هنا.
هبط الدرج بعد أن خرج من منزله وملامح وجهه عابسة بشدة، لكن ارتخت عندما  وجدها هي، تسبيح بثوبها الواسع الفضفاض وخمارها الطويل، كانت آية من  الجمال والبراءة، وقف أمامها بإبتسامة واسعة مردفًا: ازيك يا تسبيح!
حاولت التغاضي عن اسلوبه المرة المُسبقة، لتُجيبه بهدوء مُتحاشية النظر إليه لتجنب المعاصي: الحمد لله يا أحمد.
حاول خلق أي أسلوب للحديث، لذلك تسائل: كنتِ فين!
أشارت للمشتريات التي ابتاعتها مُجيبة إياه: كنت بشتري شوية حاجات لماما.
كاد أن يتحدث لكنها قاطعته بإحترام: مش هينفع وقفتنا دي، عن إنك هدخل شقتنا.
وبالفعل تركته يقف مُسددًا لها نظرة نارية لم تلحظها هي بسبب غضها لبصرها  عنه، استأذنت منه بإحترام لغلق باب المنزل، ثم دلفت للداخل، كانت منزعجة  منه بشدة، هي بالأساس لم ترتاح له ابدًا، بسبب تلك الأفعال التي كان  يُحرضها على فعلها قبل توبتها.
نعم، وهل كنتم تظنون بأن تسبيح ولدت بثوب الإحتشام هذا! بلى عزيزي  القارئ، بل كان يُضرب بها المثل في قلة الحياء والخجل، لم تترك فعلًا  شنيعًا إلا وقد فعلته، وشاء الله بأن يحجب عن عيناها تلك الغشاوة لترى  أفعالها الشنعاء «سنذكرها لاحقًا»، ومن بعدها قررت التوبة والإلتزام وخلع  ثوب المعاصي، ومن بعدها أصبحت تسبيح مثالًا للفتاة ذات الأخلاق الرفيعة.
هذا هو اليوم السابع للعمل معه هنا، وفي كل يوم تأتي وتجلس نفس الجلسة  هكذا، نفخت وصال بغيظ ناظرة حولها بتأفف، بات الوضع مُزعج لها، فكرت مرارًا  في أخذ النقود والهرب بعيدًا، لكن هناك شئٌ يمنعها، وما زاد الطينُ بَلة  هو أخذه لمفاتيح الدرج الموجود به النقود، لذلك بات يصعب عليها حتى أخذ  المال.
دخل عليها بكامل أناقته وهو يرتدي بنطالًا أسود من الجينز، وقميصًا من  اللون السماوي، لكن ما أثار حفيظتها وودت لو تنفخر من الضحك؛ هو ذلك النعل  الذي يرتديه في قدمه، وللحقيقة لم تمنع نفسها من ذلك، بل قهقهت ضاحكةً  تاركة إياه ينظر لها بذهول وإستنكار.
بتضحكِ على إيه!
تحدثت من بين ضحكاتها بصوت متقطع: بقا الشياكة دي كلها وفي الآخر تلبس شبشب!
أكملت ضحكاتها المرتفعة ليُحدجها هو بغضب مُردفًا بسخط: طيب تصدقي بالله! خسارة فيكِ الخبر اللي أنا جايبهولك.
أثارت كلماته حفيظتها لتصمت بسرعة ثم نظرت له بإنتباه متشدقة: خبر إيه!
ادَّعى الغضب فصمت ولم يُجيبها، فألحت عليه بالسؤال وتلقائيًا أمسكت بيده: عشان خاطري قول خبر إيه!
نفض يديه عنها مُسرعًا ثم استغفر ربه بصوت خفيض وصل إليها: استغفر الله العظيم.
جرباء هي أم ماذا! هكذا حدثت نفسها بغل وضيق.
لتجده هو يتحدث مُتحاشيًا النظر لها: بما إني لقيت إنك ملكيش لازمة  وقاعدة زي قرد قطع كدا، قررت إنك تبدأي تدي دروس للأطفال الصغيرة وأهو  بالمرة أستفيد منك!
أهذه طريقته المهذبة في الحديث! كادت أن تتحدث بغضب لكنه تركها وهرول  بإرتباك نحو الداخل، لا يعلم ما تلك المشاعر التي تلبسته عندما أمسكت بيده!  ماذا سيحدث إن أمسكت بوجهه! أو ربما قبلته!
استغفر مجددًا بصوت عالٍ ليُبعد وسوسة الشيطان تلك عن عقله، ثم نهر ذاته: استغفر الله العظيم، إيه هخيب ولا إيه!
بينما هي فكرت في عرضه، ولحدٌ ما نال إعجابها وبشدة، لذلك قررت أن تُبلغه بموافقتها عن الخروج لها مرة أخرى.
استد بكر على المقعد الذي خلفه يُفكر في حديثه ابنته إهداء عن طرد  خطيبها مُهاب، هو بالأصل لم يكن موافقًا على خطبتها في ذلك السن الصغير  بالنسبة له، لكنه وافق تحت إلحاحها الغير مبرر، تنهد مطولًا منتظرًا شهاب  للقدوم، فقد اتصل به منذ قليل عندما علم بأنه على علم ودراية بكل شئ.
طرق على الباب اصحبه دخول شهاب بملامح وجه مُتبسمة كما في العادة،  لطالما كان هو مصدر للضحك في هذا المنزل الكبير، تمتم بخفة وهو يُشير  للمقعد: اقعد يابني.
جلس شهاب منصتًا بإنتباه لعمه: خير يا عمي! فيه حاجة حصلت!
هز بكر رأسه بالنفي قائلًا: أنا عايزك في كلمتين على طول، مهاب اتطرد من شغله ليه!
تصنع الجهل مُردفًا بطيبة زائدة استنكرها بكر: وأنا هعرف منين يا عمي!
يا ولا دا أنا اللي مربيك يا سهُنة.
ضحك شهاب يملئ فاهه، هو يعلم بأن ألاعيبه لن تنطلي على عمه، لذلك أردف  بجدية: مُتهم هو وبعض الموظفيين صحابه بقضية إختلاس من الشركة اللي شغال  فيها.
صُدم بكر بشدة من حديثه، فهو رغم رفضه له إلا أن مُهاب كان يُظهر لهم الإحترام، أو عفوًا كما يدَّعي! ردد خلفه بعدم تصديق: إختلاس!
أكد له شهاب حديثه، ثم استطرد حديثه قائلًا بصرامة: وبصراحة إحنا مش  هنآمن لبنتنا إنها تكمل حياتها مع واحد حرامي زي دا! آااه أحنا من عيلة  محافظة ومش هنسيب بنتنا تضيع.
حامت نظرات المكر بعين الآخر، ثم ربت على قدمه ببرود مستطردًا حديثه: آه عايز تبوظ الجوازة زي ما حاولت تبوظها الشهر اللي فات صح!
سعل شهاب وهو يتجرع الماء، ثم أردف بتوتر: ها! أبوظ الجوازة!
مالك مستغرب كدا ليه! فِكرك إن مهاب مجاش يشتكي منك! وأنا اللي سكت لإني عارفك كويس وعارف إنت كنت بتفكر في إيه!
وُضع شهاب في موقف حَرج للغاية، يبدو أنه كُشِف وانتهى الأمر، تلعثم في الحديث وتلك المرة ظهر ذلك على وجهه: ق. قصدك إيه يا عمي!
مش قصدي حاجة يا روح عمك، روح شوف مصالحك وذاكر بدل ما تعيد السنة، والمرة دي لا هتطول لا سما ولا أرض.
وكأنه كان في قفص وتحرر منه الآن، ليهرول من أمام بكر مُسرعًا وضربات  قلبه تزداد في الخفقان، هل يعلم عمه حبه ل إهداء! أم أنه يلعب على وتره  الحساس فقط لا أكثر!
وحين خروجه وجد إهداء تجلس على الأريكة وتُشاهد المسلسل التركي الذي تعشقه،  ودون أن يدري وتلقائيًا تمتم ببلاهة: غزال والله، غزال وطايح في قلبي.
استمعت لصوته من خلفها، فإعتدلت بفزع، فكاد أن يتحدث مرة أخرى، فوجد كف  بكر يلتصق بعنقه من الخلف، متشدقًا بحدة: مش قولتلك اطلع لأبوك يا بغل!
تلعثم قائلًا: أصل. أصل. أصل.
علي فوق.
صرخ بها بكر ليهرول شهاب مسرعًا للأعلي وهو يكادُ يبكي من حظه العثر الذي  يمنعه عنها، تلك الجميلة الشرسة التي ستُصبح يومًا ما، زوجته!
اتصال أعقبه آخر حتى وصلوا إلى مقر الشركة الكبيرة، نظروا لها بدهشة  وأعين مُنبهرة، فقد كانت كبيرة وفارهة بشدة، شركة سليم المنشاوي، الرجل  الأقذر على الإطلاق، قابل كُلًا من ريان و غزل رجل مجهول الهوية، أعطاهم  بعض الحقائب ثم ذهب بهدوء مثلما جاء.
نظرت غزل ل ريان ببلاهة ثم قالت بتعجب وهي تُفتش في تلك الحقائب: إيه الهدوم دي! هنعمل بيها إيه!
وقفوا بعيدًا عن الأنظار قليلًا، ليأخذ ريان حقيبة أخري ويرى محتوياتها،  وجد بها هاتف صغير ورُزمة من النقود وبجانبهم حجز لغرفة في فندق مُعين!  تحدث بتعجب كبير: ليه الحاجات دي كلها.
وما كاد أن يسأل المزيد من الأسئلة حتى وجد الهاتف يصدر رنينًا مرتفعًا، ورقم غير مسجل، أجاب بحيرة: ألو!
أجاب الطرف الآخر وبهدوء وثقة: معاك منير المنشاوي.
قطب ريان جبينه بغضب ثم تحدث بحدة: احنا متفقناش على كدا، احنا اتفقنا إننا هنتقابل مش هنتكلم في التليفونات!
وبهدوء أشد أجابه منير مُتنهدًا براحة: دلوقتي مش هينفع تدخلوا، الأمن  موجودين في كل مكان، هتاخدوا التذاكر دي وهتلاقوا حجز موجود بإسم منير  المنشاوي قضوا فيه اليوم وبليل الساعة عشرة هتلاقيني برن عليك، جهز نفسك  على الميعاد دا.
أغلق ريان الهاتف بحنق، ثم نظر ل غزل التي توجه له النظرات الفضولية،  ليبدأ بقص كل ما أخبره إياه الآخر، مطت شفتيها بتعجب ثم أردفت بريبة: أنا  خايفة، حاسة إن فيه حاجة غلط في الموضوع.
أكد لها إحساسها ثم ضغط بأسنانه على شفتيه مردفًا: وأنا كمان، بس مقدمناش غير الحل دا، هنستنى لحد بليل ونشوف كدا.
أومأت له بهدوء ثم اتجهت معه ناحية الفندق المذكور ليقضوا به يومهم الغامض.
دخله براحة عشان محدش ياخد باله.
كانت تلك الكلمات تصعد من فم لوچي التي كانت توجه حديثها ل مدثر لإدخال ذلك القط الصغير لداخل المنزل.
أدخل مدثر القط وهو ينظر حوله بحذر، خاف أن يُكشف أمرهم فيكونان مُعرضان  للعقاب من قِبل كبار العائلة، دلفوا للغرفة ببطئ ثم أغلقوا الباب متنهدين  براحة، آه لو تعلم العائلة بما فعلاه لربما يقتلوهم أو يبيعوهم في سوق  الرقيق.
هذان الطفلان، أو عذرًا ليسوا بأطفال إطلاقًا، بل هؤلاء الشياطين قاما  بسرقة قطة جيرانهم بعد أن رأوها، أحبت لوچي تلك القطة كثيرًا وودت بإمتلاك  مثلها، لذلك وبدون تفكير أخذها مدثر ليُعطيها إياها كهدية، أو بمعنى أصح  سرقها.
جلسا على الأريكة ثم افتتحا قناة الكرتون التي يحبونها، لينسجما في  المشاهدة، ولحسن حظهم التقطت عقولهم بعض كلمات ومعاني اللغة العربية  الفصحى، ليبدءا في التحدث بها.
ابتسم مدثر إبتسامة خبيثة ل لوچي ثم احتضنها مردفًا: نجحت الخطة يا فتاة.
ابتسمت لوچي بسعادة وهي تُبادله العناق: نعم يا أخي، لقد نجحت الخطة.
قررا أن يُكملا اليوم وهم يتحدثان الفصحى، مُتأثرين بقناة سبيستون التي تعرض الكرتون.
جعد مدثر جبينه بغضب ثم أردف بحدة: أخي! ما هذا الهراء يا فتاة! أنا زوجك يا معتوهة القلب والنظر!
أسبلت عيناها بحرج واحمرت وجنتاها خجلًا، ثم تمتمت بصوت خافت: حسنًا، انت زوجي لا تغضب عزيزي.
ربَّع يداه بغضب طفولي ثم نظر للناحية الأخرى دون أن يُجيبها، أحست بالندم  الشديد يتخللها رغم صغر سنها، لذلك وقفت أمامه مردفة بإعتذار: لا تكن  قاسيًا يا «دوسي»، انت تعلم بأني أحبك لا داعي للغضب.
وللمرة الثانية لم يُجيبها، فتشكلت طبقة رقيقة من الدموع على عيناها  وبكت، لم يستطيع أن يكون قاسيًا لتلك الدرجة، لذلك أحتضنها برقة ثم ربت على  خصلات شعرها الناعمة: حسنًا لا تبكِ، تعلمين أنني أحبكِ يا لُبابة القلب.
مسحت دموعها ثم ضحكت بخجل؛ ليقرصها من وجنتاها قائلًا بمشاكسة: ها قد سطعت الشمس مجددًا عند رؤيتي لإبتسامتكِ عزيزتي.
كل هذا كان أمام أعين كلًا من فارس و زهر اللذان أتيا منذ بداية الحديث،  نكزت زهر زوجها في جانبه، ليتأوه بصوت مكتوم ثم سألته بغضب: انت عمرك  جيتلي وقولتلي يا لبابة القلب! انت مش بني آدم على فكرة.
قالت جملتها ثم نظرت له بحدة قبل أن تذهب من أمامه بغضب، أما هو فقد نظر  لأثرها بدهشة، أهذا كل ما همها بالأمر! ألا يهمها إبنتها الفاسقة التي  تحتضن مدثر الآن! بل وتلومه أيضًا!
اشتعل الغضب في رأسه ثم ذهب تجاه مدثر ويُمسكه من ياقة ملابسه رافعًا إياه أمام وجهه: بتعمل إيه هنا يلا!
شهقت لوچي بصدمة وكأنه أمسكها في وضع مُخِل بالجُرم المشهود، قائلة بعدم تصديق: بابي!
صرخ بها فارس بحدة ثم أشار لها للخارج: روحي لأمك لحد ما أجي أربيكِ يا روح أبوكِ.
استنكر مدثر وهو يُرفص بقدمه في الهواء: لو سمحت يا عمي متزعقش لمراتي، أنا مسمحلكش!
اقترب منه فارس ليهمس بجانب أذنه بخطورة: انت لو مسكتش هقتلك وهقطعك  حِتت حِتت، وهعبيك في أكياس سودة، وارميك للكلاب، انت سامع ولا لأ.
ابتلع مدثر ريقه بريبة حتى كاد أن يتبول على نفسه، ليقول بتلعثم وحدة ل لوچي: لما عمو فارس يقولك كلمة تسمعيها انتِ فاهمة!
ضربه على مؤخرة عنقه ناهرًا إياه: متزعقش لبنتي أنا بس اللي أزعقلها.
هز مدثر رأسه مسرعًا، وما كاد فارس أن يتحدث حتى استمع لمواء قط يأتي من  جانبه، شهق بصدمة عند رؤيته لذلك القط لينظر إليهم بإتهام: مين جاب القطة  دي هنا.
أشار مدثر بسرعة ناحية لوچي مُلقيًا عليها الذنب بأكمله: لوچي هي اللي حابت  القطة وسرقتها من عند الجيرات وقالتلي مقولش لحد عشان جدو مش يزعقلها،  وأنا فضلت أزعقلها وأقولها بلاش بس هي مش سمعت كلامي.
فتحت لوچي عيناها على آخرهما بعدم تصديق ثم أشارت له وهي على وشك البكاء: والله يا بابي ما أنا، دا هو.
أشار لها فارس بصرامة للخروج صارخًا بها: روحي لأمك.
وبمجرد ما أنهى حديثه وجدها تهرع من أمامه بخوف مُتجهة لغرفة والدها، أما  هو فقد نظر ل مدثر هامسًا له بهسيس مرعب: لو شوفتك مقرب لبنتي تاني انت حر،  سامع!
هز رأسه دون جدال، فأنزله فارس على الأرض ليهرول من أمامه، ويخرج من  المنزل بأكمله، بينما وقف فارس ينظر لأثره وللغرفة القاطنة بها زوجته بسخط  مُتذكرًا حديثها الحانق منذ قليل عن قوله لا يقول لها يا «لبابة القلب»،  همس داخله بإستنكار: بقا مدثر جاي يقطع عليا أنا!
أنهى حديثه ثم اتجه ناحية غرفته لمصالحة زوجته الغاضبة وتربية ابنته الفاسقة من جديد.
حلَّ المساء ليستيقظ كلا من ريان وغزل من غفوتهم القصيرة التي نالوها  عند ذهابهم للفندق، تجهزا للذهاب لمقر الشركة بالتواصل مع منير الشناوي،  تنهدا بإرهاق شديد، فها هم اليوم سيبدآن بالبحث عن دليل برائتهم.
جاءت رسالة نصية قصيرة على الهاتف، ليقرأها ريان بصوت عالٍ: «تعالى على  العنوان دا هتلاقيني مستنيك، الشقة اللي في الدور التاني»، (منير  المنشاوي).
هاجت غزل صارخة بغضب: يعني إيه! هو بيلعب بينا!
شد ريان على خصلاته بقوة، هم في وضع حرج الآن، ومع وسط صراخها ثارت تائرته  صارخًا بها هو الآخر: يعني أنا كان في إيدي إيه وأنا اعمله! ما أنا قدامك  أهو بحاول أدور وبعمل اللي أقدر عليه، أعمل إيه تاني!
جلست مكانها شاعرة بالضيق يطبق على أنفاسها، تسللت الدموع إلى عيناها،  ومن ثم سقطت من مقليتها لتبدأ الهطول بالتتابع، حكَّ جبينه بغضب، موقفهم  صعب وهو يعلم ذلك، لكن ما الذي يجب عليه فعله، هو يقوم بأقصى ما لديه  لأثبات برائتهم.
جلس بجانبها ثم أمسك بيدها لتنظر له بوجه باكٍ حزين، تمتم بحزن: أنا  أسف، مكانش قصدي أتعصب عليكِ، بس أنا بني آدم وبيجي عليا وقت بكون عايز أصب  غضبي على حد، والحد دا كان انتِ، حقك عليا متزعليش.
هزت رأسها وهي تمسح دموعها مردفة بصوت خافت: أنا مش زعلانة منك، عارفة إنك  مكنتش قاصد، أنا بس زعلانة على الوضع اللي وقعنا فيه سوا، خايفة بعد دا كله  تعبنا ميجيش بفايدة.
تردد كثيرًا لفعلها، لكنه حسم أمره وامتدت يده لإزاحة دمعاتها، ثم أردف  بصوت خافت يملؤه الطمأنينة: اتفائلي خير، ربنا كبير ومش هيسيبنا مظلومين  كتير، براءتنا هتظهر بشكل أو بتاني، خليكِ واثقة في دا.
حديثه طمأنها كثيرًا، ريان هو الجزء اللطيف في محنتها، تارةً تشعر بأنه  طفل يحتاج لمن يرعاه، وتارةً أخرى تشعر بأنه رجل يسهل الإعتماد عليه، وهذا  المزيج يجذبها تجاهه، والأكثر هو حنانه، ابتسمت له متمتمة بهمس: شكرًا.
ابتسامة لطيفة تشكلت على ثغره، ليُحثها بالنهوض للذهاب حيث ما ينوون،  خرجا من الفندق بثياب مختلفة، ونظرًا لأنهم في فصل الشتاء، ارتدا قبعات  الملابس لتُخفي ملامح وجوههم، أوقفا سيارة تاكسي ثم صعدا بها ممليين على  السائق العنوان المطلوب.
بعد نصف ساعة، وصلت السيارة إلى وجهتها، ليُعطي ريان للسائق النقود  المطلوبة ثم وقفا أمام البناية الشاهقة، لوهلة أحست غزل بإنقباضة في قلبها،  لكن إمساك ريان بيدها وتسديد نظرة حنونة واثقة لها بددت كل ذلك.
صعدا درجات السلم بهدوء وريبة، ووقفا عند الدور الثاني، وجدا الباب  مفتوحًا، يبدو أن منير الشناوي في إنتظارهم، فتحوا الباب على آخره ثم دلفوا  للصالون لتتجمد أقدامهم من هول ما رأوه.
منير المنشاوي يسقط صريعًا على الأرض غارقًا في دمائه، وهناك بعض  الأوراق متناثرة من حوله، ثوانٍ واستمعوا لصوت صافر الشرطة تنطلق في  الأنحاء، يبدو أن النهاية اقتربت!

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل السادس عشر
لم يكن لهم سبيلٌ للإستيعاب، مصدر نجاتهم الوحيد قد قُتل، دليل برائتهم  قد ذهب، ابتلعوا ريقهم ثم اقتربوا من جثته الجاثمة على الأرض الصلبة،  دمائه مُتحجرة، يبدو أن الجريمة تمت قبل مجيئهم بكثير، وجدوا كثيرًا من  الأوراق المُبعثرة حوله، ارتبكت حواسهم عندما استمعوا لصوت صافرة سيارات  الشرطة، وك رد فعل تلقائي لطم ريان على وجهه متمتمًا بولولة: اتقفشنا.  رُحنا في داهية. يا خرابي على شبابك يا ريان، يلهوي. يلهوي. يلهوي.
ودت غزل في تلك اللحظة أن تنقض عليه وتُبرحه ضربًا، هذا المُغفل سيضعهم  داخل مصيدة حُيكت لهم ببراعة للإيقاع بهم، ضربته على ذراعه بقسوة ثم قالت  موبخة إياه: اسكت خالص دلوقتي.
توقف عن نواحه ثم نظر لها بجمود، مُشيرًا تجاه مكان ضربتها: انتِ ضربتيني دلوقتي!
كادت أن تصرخ به؛ لكن وجدت ملامح وجهه تدل على الجدية الشديدة، وللحقيقة هي  توترت، ابتسمت بغباء وهي تضع يدها مكان ضربته: ك. كنت بهزر.
حُلت عُقدة وجهه ليحل محلها إبتسامة عريضة ثم أردف قائلًا: تمام، يلا نهرب.
نظرت له غزل بسخط، وفي أقل من الثانية كانت تُلملم تلك الأوراق المُبعثرة  حول جُثة منير المنشاوي، قطب ريان جبينه مُتسائلًا بتعجب: بتلمي الورق دا  ليه!
ارتدت ثوب المُحاماة ثم أردفت شارحة وهم يتجهوا ناحية الشُرفة الكبيرة  المُطلة على الشارع الخلفي للمنزل: أكيد هنلاقي حاجة تفيدنا في الأوراق دي،  ما هي مش هتبقى موجودة لله وللوطن، أكيد اللي قتل منير المنشاوي كان بيدور  على حاجة، وسواء لقاها أو ملقهاش فهو في النهاية قتله وعرف خطته معانا  وقرر يلبسنا الليلة دي كلها.
حديثها كان واقعي ومُقنع، بينما ريان كان ينظر للأوراق بخوف، وعندما لاحظت نظراته تسائلت بتعجب: مالك! بتبص للورق كدا ليه!
ابتلع ريقه بقلق ثم أفصح عن مخاوفه قائلًا: طيب افرضي كانت روحه لِبست الورق دا، احنا هيبقى إيه وضعنا! هنموت ملبوسين.
حقًا أصبح الأمر لا يُحتمل، أرادت أن تبكي وتصرخ بآنٍ واحد، ماذا إن قتلته وهربت! بالطبع سيكون الأمر رائع.
نظرت له بشر وكأنها تُفكر في تلك الفكرة التي راودت عقلها، حدجها بقلق مُبتعدًا عنها وهو يبتلع ريقه بخوف: بتبصيلي كدا ليه!
همست بفحيح وهي تُمسك بمقص الأزهار لتوجهه إلى رقبته: بفكر اقتلك وأخلص منك بالمرة.
ارتعدت فرائسه ثم قال بنبرة بريئة وحزينة: خلاص مش هعمل كدا تاني.
واللعنة على تلك البراءة، والجمال المتجمعين بشخصيته، لا تعلم أهو أحمق  أم برئ، قاسي أم حنون، طيِّب أم ماكر، لا تعلم حقًا، لكنها تعتقد أن كل تلك  الصفات به، وبدون مبالغة هو طفل في زي رجل ناضج وبرئ.
استمعوا إلى صوت الأقدام الكثيرة ومن ثم طرقهم على الباب الذي أغلقوه  خلفهم، تحولت ملامح ريان للجدية الشديدة وهو يأمر غزل بصرامة للصعود على  كتفه ثم تعلقها بذلك السور البارز من الشُرفة، وبالفعل نجحت في ذلك بعد  محاولتين على الأكثر.
بينما هو جاورها مُسرعًا، فقد ساعدته بنيته القوية في فعلها في أقل من  الثانية، مشوا بحذر على الأطراف البارزة، كان كل هَم ريان هو غزل، خاف أن  تنزلق قدماها فتتسبب في أذيتها، لذلك أمسك بخصرها بذراع، وبالذراع الأخر  يُمسك بالحافة.
توترت بشدة من فعلته التلقائية، أحس برعشتها تحت يده؛ ليقترب من أذنها  هامسًا لها بصوت خفيض: متخافيش أنا معاكِ، أنا ماسكك بس عشان متقعيش.
أومأت له بصمت، ثم وبحذر هبطت من على مواسير المياه والتي ساعدتهم  كثيرًا في الهبوط، ولحُسن حظهم كان المنزل في الدور الثاني، أي على مقربة  من الشارع الخلفي.
جاء دور ريان للهبوط فتعرقل وسقط على زجاجة حادة غُرزت في جانبه، تأوه  بصوت مكتوم رغم آلامه الشديدة، بينما غزل شهقت بحدة وهرولت له سريعًا بخوف،  جلست جانبه وهي تكاد تفقد وعيها من القلق، تكونت طبقة رقيقة من الدموع على  مقلتاها وهي تهمس له بإرتعاشة: ر. ريان انت كويس.
حاول عدم إقلاقها لذلك أومأ لها بنعم، ثم اعتدل بحذر ليرى جُرح جانبه،  وجد الزجاجة قد جرحت طرفه فقط، ولحُسن حظه لم تُغرز للداخل، تنفس بإرتياح  حقيقي، لوهلة شعر بأنه على مشارف الموت وأنها نهايته.
لاحظ بكاء الآخرى ليبتسم لها إبتسامة جميلة قبل أن يمسح دماعتها: متقلقيش أنا كويس قدامك أهو، دا جرح بسيط خالص والله، حتى شوفي.
أنهى حديثه ثم رفع قميصه ليُريها جرحه، شهقت بخجل ثم أدرات وجهها  للناحية الأخرى لتتحول تعبيراته إلى الخبث والمكر: لأ والله ما ينفع لازم  تشوفي.
همست له بضجر خافت: عيب كدا مينفعش.
عبس ثم وقف أمامها متشدقًا بمكر: مش هتطمني عليا!
أردات أن تُخفي خجلها خلف قناع الغضب الزائف؛ لذلك أدرفت بحدة: لا مش هتطمن، ويلا بقا قبل ما نتقفش المرادي بجد.
وللمرة الثانية تُصيح بوجهه، أردف بجمود مُريب للمرة الثانية: انتِ بتزعقيلي تاني!
هزت رأسها سريعًا وهي تضع يدها على فمها، أراد أن ينفجر ضحكًا على مظهرها  ذلك، لكن، ليلعب على وتر خجلها أولًا، اقترب منها ببطئ أربكها، ثم وقف  أمامها مُباشرةً هامسًا: يلا نمشي.
تجمدت مكانها ونظرت لأثره بصدمة، التفتت فوجدته يذهب وصوت ضحكاته يعلو  شيئًا فشيئًا، حدجته بغضب لكن ثوانٍ ووجدت نفسها تبتسم لا إراديًا، هذا  الريان خطر وبشدة عليها وعلى، قلبها!
.
اتفضل يا نجدت.
دلف نجدت إلى منزل صديقه المقرب سلطان، ليحتضنه الأخير بود وأخوة، ربت على ذراعه مردفًا: عامل إيه يا نجدت! وأخبار شغلك إيه!
تنهد نجدت مطولًا وعيناه تدور على أنحاء المنزل قائلًا: أنا بخير والحمد لله يا سلطان، والشغل فيه شوية مشاكل كدا بس أهي ماشية.
جاءت زوجة سلطان والتي وجهَّت حديثها ل نجدت تُحييه بإحترام: إزيك يا أستاذ نجدت!
رد عليها مدعيَّا الإحترام: الحمد لله يا ست أم فارس.
يدوم الحمد يارب.
ثم وجهت حديثها لزوجها: أعملكوا حاجة تشربوها يا أبو فارس!
اعملي كوبايتين شاي يا ميادة.
عنيا حاضر، دقيقتين والشاي هيكون جاهز.
ذهبت للمطبخ وظلت أنظار ذلك الحقير تُلاحقها من الخلف، جميلة هي والكل يشهد  بذلك، لكن هي تروقه وبشدة، حتى لو كانت زوجة أقرب أصدقائه.
خرج من تفكيره على صوت سلطان المتسائل بجدية: لسه بتشتغل في الشغل البطال بتاعك يا صحبي!
زفر نجدت بضيق، لم يُريد أن يتطرق لتلك السيرة عن أعماله المشبوهة  والرشاوي التي يقتنيها من العملاء والموظفين للغش في أعمالهم، لذلك اختصر  حديثه قائلًا بزيف: طبعًا يا سلطان، أنا ربنا تاب عليا وصلح حالي الحمد  لله.
ربت على قدمه قائلًا بفخر: خير ما عملت والله يا صحبي، وربنا أكيد هيعوضك خير.
رد عليه الآخر بتأكيد زائف وخبيث: أكيد طبعًا.
جاءت ميادة وهي تحمل أقداح الشاي، ثم انحنت لتضعهم أمامهم، لم يغفل ذلك  الذئب عن مراقبة فريسته، بل استباح لنفسه بالتعدي على حُرمة الآخرين، ولم  يكن سوى صديقه.
دخل عليهم في ذلك الوقت فارس الذي كان في مرحلة مراهقته في الخامسة عشر من  عمره، وبالرغم من ذلك أصرَّ على مساعدة والده في دخل المنزل، وذلك لضيق  أحوالهم في ذلك الوقت.
انمحت ابتسامته عند رؤيته لصديق والده نجدت، هو في الأساس لا يُطيقه ولا  يُطيق وجوده، ومع ذلك صمت إحترامًا لأبيه، ألقى عليهم السلام ثم قبَّل يد  كُلًا من أبيه وأمه، ثم دلف إلى غرفته لتبديل ثيابه والنوم ليستريح قليلًا  من عناء اليوم.
وبعد إنقضاء ساعة كاملة، وقف نجدت للخروج، وبعد السلام والتحية من  الطرفين خرج من المنزل بأكمله، وبالطبع لم ينسى أن يرمي نظرة ماكرة ل ميادة  التي لاحظت نظراته لها من البداية، لكنها لم تهتم.
وأثناء خروجه من العمارة التابعة للعائلة وجدها هي، ماجدة (والدة شهاب)  صديقة ميادة ذلك الوقت، كانت تعلم بنظراته الماكرة تجاه صديقتها، وعند  رؤيته له يخرج من البناية وقفت أمامه تقطع طريقه، وقبل أن يهم بالحديث  قاطعته دون مراوغة: عجباك وعايزها صح!
قطب نجدت جبينه بعدم فهم ثم تسائل: هي مين دي!
ضحكت ضحكة خافتة ثم رددت ببرود: ميادة.
شعور بالشلل أصابه ولم يقدر على الحراك، فأكملت هي: هساعدك تاخدها، وفي المقابل هتجوز أنا سلطان.
...
خرجت ماجدة من ذكرياتها على صوت طرق الباب، لتمسح دمعاتها المُتسللة ثم وقفت لتفتح الباب.
وجدت ابنها شهاب أمامها يُطالعها بضجر، أعطاها بعض الوريقات من النقود  متحدثًا بغضب طفولي وهو يمط شفتيه للأمام: بيقولك بابا دا مصروف البيت يا  آنسة ماجدة.
تشنج وجهها بإستنكار، ثم أخذت المال منه، مُردفة قبل أن تُغلق الباب في وجهه: أومال لو مكنتش مخلفة شحط زيك كنت هتقولي إيه!
وقف محله ينظر للباب المُغلق بدهشة، حمحم بحرج ثم نظر حوله؛ ليلمح والده  يُطالعه بشماتة، فأردف ببسمة بلهاء: أكيد مش قصدها، إن شاء الله مش هيكون  بقصدها يعني.
دلف فارس لغرفة زهر فوجدها تجلس على الفراش ناظرة للتلفاز بغيظ، سمع  همسها الغاضب وهي تُتمتم بغيظ: بقا مدثر يقول لبنتي يا لبابة القلب و فارس  عمره حتى ما لمحلي بيها! واللهِ لهنكد عليك يا فارس النهاردة.
لعن فارس ذلك الصغير في سره، فهو دائمًا ما يؤرق سعادته مع ابنته، والآن أصبح ابنته وزوجته أيضًا.
دخل بضع خطوات وكاد أن يتحدث؛ حتى استمع إلى صوت تلك الشيطانة الصغيرة  تردف بغضب طفولى لوالدتها: شايفة جوزك وعمايله! هو كل شوية ينطلي أنا و  مدثر كدا! وبعدين دا حتى مكلفش خاطره يجي يشوفك زعلانة منه ليه.
نظرت زهر لإبنتها بطرف عينها بغضب، فهي أحيانًا كثيرة تشعر بأنها تُحدِث  إمرأة ناضجة وليس طفلة في سن الخامسة، لتردف بحدة: يعني عايزاني أعمل إيه  يعني!
وضعت يدها في خاصرها بعدما استندت على ركبتيها: اتطلقي طبعًا، ونمشي أنا وانتِ وناخد معانا مدثر عشان دا هيبقى جوزي.
جوزوكِ لقطر يعدي عليكِ يا بعيدة، انتِ إيه يا بت انتِ! عملي الأسود في الدنيا! تخليص ذنوب!
صرخ بها وهو يكاد يقتلع خصلات شعره بعدم تصديق، أهذه طفلة حقًا! وضع يده على قلبه هامسًا: أخرتي هتكون على إيد بنت ال دي.
رفعت له لوچي حاجبها، ثم نظرت لظهر مُشيرة له وهي تردف بإشمئزاز: شايفة  بيتكلم إزاي يا مامي! شايفة طريقته البيئة! أنا مش عارفة انتِ اتجوزتيه  إزاي.
تشنج وجهه من طريقتها المُتحدثة بها، طفح به الكيل؛ ليقترب منها بخطوات  بطيئة حتى وقف قبالتها، حملها من ثيابها حتى باتت أمامه مباشرةً، ثم تحدث  بفحيح: أنا ماسك نفسي عنك بالعافية، هعد لتلاتة، عارفة لو لقيتك قدامي هعمل  فيكِ إيه! هعلقك على باب البيت وكل اللي رايح واللي جاي هيفضل يضرب فيكِ  يا قلب أبوكِ، وبعدها هحطك في ميتم ومش هخلي الدبان الأزرق يعرف طريقك يا  أكبر غلطة في حياتي.
ابتلعت لوچي ريقها بذعر، هزت رأسها موافقة على حديثه، ثم همست بصوت مبحوح: ح. حاضر يا. يا بابي.
أنزلها وما كاد أن يبدأ بالعد؛ حتى وجدها تهرول إلى غرفتها هلعًا، تشكلت  إبتسامة جانبية على ثغره وهو يمسح على صدره بغرور، ثم استدار إلى زوجته  التي تحاول أن تُخفي إبتسامتها عنه، جلس ملتصقًا بها هامسًا بعتاب مُضحك:  يعني حد يخفي الضحكة اللي زيك القمر دي! طب واللهِ عيب.
رسمت زهر علامات الضجر على وجهها، ثم ابتعدت عنه قائلة: متكلمنيش لحد ما تعاكسني زي ما مدثر بيعاكس لوچي.
لوى فارس شفتيه بإستنكار مُرددًا: طب بذمتك مش مكسوفة وانتِ بتقولي إن بنتك بتتشقط! دا بدل ما تتحمقي عليها!
ربعت عن ساعديها ثم أردفت بغضب: مش موضوعنا، المهم متكلمنيش تاني.
حاول إسترضائها بحديثه الماكر والوقح: يا هبلة الحاجات اللي عايز أقولهالك مش بتتحكي، دي بتتنفذ على طول.
وللحقيقة قد نجح في ذلك، فقد وضعت يدها على وجهها خجلًا، لقد نجح ذلك  الخبيث في إسترضائها، لكنها ظلت على موقفها قائلة: برضه هتغازلني بالفصحى.
أمسك بها من ذراعها مردفًا بخبث: احنا نخلينا في العملي دلوقتي، ونشوف النظري بعدين.
أ
سبوع عاشته بكل معاني الفرح والسعادة، تشعر بأنها تُحلق في السحاب عاليًا،  تطيرُ فرحًا وبهجة، حضرته كالماء، إذا وُجِد؛ اِرتوت، وإذا ذهب؛ تظمأ شوقًا  إليه.
جلست نوال في شرفة غرفتها تتطلع للأراضي الزراعية بجانب منزلهم، تتذكر  الأيام الماضية، كان يُدللها كطفلته، يرعاها كأباها، يهتم بها كإبنته، هو  رمز للحنان والدفئ، بدر الرجال كما تُناديه دائمًا، هي أكثر من محظوظة  لوجود شخص كهذا في حياتها، مُمتنة لتلك الظروف التي جمعتها به، ولو عاد  الزمان لألف مرة؛ لكانت قد كررت خطأها مُجددًا ليأتي ويقوم بإنقاذها بكل  بسالة كما فعل سابقًا.
انتفضت بفزع عندما وجدت يد تُخيط بها من خصرها فجأة، ثوانٍ وهدأت عندما  استمعت لصوت ضحكاته المشاكسة ترن في الأرجاء، وصوته المُداعب لحواسها يهتف  بها: مالِك يا حبة الجلب! بجيتي تتخضي على طول إياك!
التفتت له نصف إلتفاتة ومازالت مُحاطة تحت سطوته، لتقول بمزاح: لا مش اتخصيت يا بدر الرجال، عشان متأكدة إن محدش هيعمل كدا غير انت.
وه! أنا جلبي إجده ميستحملش الدلال دا واصل.
أنهي حديثه وهو يطبع قُبلة رقيقة على وجنتها التي انتفخت قليلًا في الأيام المُسبقة.
ردت له قُبلته بمشاكسة ليقهقه بخفة ثم أردف: بجيتي مش سهلة إياك!
غمزت له بوجه متورد استرد حيويته وإشراقه بوجوده: اتعلمت منك يا حبيبي.
أغمض عينيه بإستمتاع: يا بووووي، حبيبي طالعة من خشمك زي السكر.
ضحكت بإستمتاع وهي تُلاحظ تعبيراته المُبهجة في قربها، وما كادت أن  تتحدث؛ حتى استمعت إلى صوت جلبة بالأسفل، قطبت جبينها بتعجب وهي تتسائل:  إيه الصوت اللي تحت دا! هو في حد بيتخانق!
هز كتفيه بجهل وتعبيرات التعجب بادية على وجهه، ابتعد عنها متشدقًا وهو يستعد للهبوط للأسفل: مخابرش، هنزل أشوف أهو.
ذهبت خلفه مُسرعة عندما اشتد صوت العراك وداخلها يُخبرها بإقتراب حدوث  شيء سئ، لكنها أخرجت تلك الخرافات من عقلها وأكملت هبوطها خلف زوجها.
هبط بدر بعض درجات السلم، ثم توقف محله في صدمة، توقف الشجار لتنظر له تلك  السيدة بعيناها العسلية وبشرتها المخملية، دارت العديد والعديد من  التساؤلات في عقل بدر، ماذا تفعل زوجته السابقة هُنا،!
أبلغت وصال عابد بموافقتها على عرضه للعمل معه، لكن أن تكون مُعلمة  للغة الإنجليزية ليست العربية مثله، ولم يُبدي أي إعتراض على ذلك طالما  أنها لم تُؤثِر على عمله، لذلك قام بنشر إعلان على حوائط حارته الصغيرة،  ولأن عابد معلم مجتهد وله سيط واسع بإجتهاده؛ ذهب إليها الكثير من الأطفال  بعد الإعلان أسبوع، لم تتوقع كَم هؤلاء الأطفال التي ستُدرس لهم، كانوا  قرابة الخمسون طفلًا أو أكثر.
ابتلعت ريقها بتوتر، ثم نظرت حولها للأطفال المشاغبين هامسة لذاتها: أنا  إيه اللي خلاني أوافق بس! لنفترض إن العيال دي سِقطت في الإنجليزي أنا  هيبقى إيه وضعي!
جاء من خلفها عابد ليجدها تُحدث نفسها ببلاهة، ارتسمت إبتسامة صغيرة على ثغره أخفاها على الفور، ثم تحدث بهدوء: ها إيه رأيك!
نظرت له بسرعة واقفة أمامه برجاء: بقولك إيه تيجي تاخدهم معايا بالنص!
كتم ضحكته بصعوبة ثم تحدث بصوت جعله جاد للغاية: احنا هنهزر ولا إيه! يلا على شغلك يا أستاذة.
رسمت ملامح منزعجة على وجهها ثم أردفت بصوا باكي وهي تجلس على المقعد: لأ خلاص مش لاعبة، احنا متفقناش على كدا.
ما تلك الطفلة؟ عن أي لعب تتحدث هي بحق الله، جلس أمامها ثم تحدث بتروي  ليسحب منها الطاقة السلبية التي داخلها: تعالي ونتفاهم براحة، انتِ خايفة  من إيه؟
ابتلعت ريقها ثم رفعت أنظارها تجاهه كطفلة مُذنبة بشكل جعلها لطيفة  للغاية: ما هو أصل بصراحة، كنت مفكرة إنهم هيبقوا تلت أو أربع عيال بس، مش  خمسين عيِّل!
ضحك بخفة على حديثها ثم أردف: اعتبري إن قدامك خمس عيال مش خمسين سهلة أهي.
تشنج وجهها ثم أردفت بإستنكار: يا راجل!
نعم!
هتف بها في دهشة من ردها المُفاجئ، لتُحمم سريعًا ثم عدلَّت من إجبابتها سريعًا: قصدي يا جدع!
هز رأسه بيأس ثم وقف فجأة قائلًا بجدية مصطنعة وهو يُشير تجاه الغرفة: يلا يا آنسة على شغلك مش ناقصين عطلة.
قال جملته ثم إتجه إلى عمله بالغرفة المجاورة، وإبتسامة صغيرة تشكلت على  فمه، بينما هي وقفت محلها قاضمة لأظافرها بتوتر، لتُخفض ذراعيها سريعًا  مردفة لنفسها بتصميم: يلا يا وصال انتِ قدها، وبعون الله العيال دي هتطلع  من الأوائل،!
طوال الطريق للفندق كان ريان يُغني بصوته البشع، نظرت له غزل بغيظ من  عدم توقفه عن الغناء، مَن يراه يظن بأنه يتجهز للذهاب لرحلة، لا يهرب من  الشرطة!
همست لنفسها وهي تُحدجه بغيظ: طب واللهِ ما أنا سامعة أغاني تاني، انت تتوب اللي مش عايز يتوب بصوتك اللي يقرف المعزة دا.
وكأنها سمعها ليبدأ بالغناء مُجددًا ولكن تلك المرة توترت ملامحها بشدة  عن إستماعها لكلمات أغنيته: هات إيدك تُحضن إيدي، شوف حُبك جوا وريدي، قربت  أقول يا سيدي راح أموت في هواك.
وكأن كلمات تلك الأغنية لها، فقد كان يُدندنها وهو ينظر لها، ولعيناها تحديدًا.!
عضت على شفتيها بتوتر، فصاحت بغضب محاولةً لإخفاء خجلها: ما خلاص بقا، ما قولنا صوتك وحِش ومتغنيش تاني.
نظر لها بقرف ثم رفع ياقة قميصه بغرور، متشدقًا بعنهجية: دا أنا اتعرض  عليا أغني في «أرب جوت تالنت» وأنا اللي رفضت عشان مقطعش عيش زمايلي  المغنيين.
مصدقاك يا ضنايا، مصدقاك ياخويا.
وصلا إلى الفندق ثم دخلا للغرفة بسرعة ليُلملموا من ثيابهم وأشيائهم ثم  استعدا للخروج، أمسك ريان بعض الحقائب والأموال التي أعطاها له منير  المنشاوي قبل موته، و غزل أمسكت بالأوراق التي كانت مُبعثرة حول جثته.
خرجا من الفندق؛ ثم نظرت غزل ل ريان بحيرة، قائلة: هنروح فين دلوقتي؟
اتسعت إبتسامته ثم أردف بضحكة عالية: موسى، هو احنا لينا غيره!
عربية يعني «Car». وأنا نفسي أبقى حمار.
ردد الأطفال خلف وصال التي تُعلمهم على طريقتها العصرية بالنسبة لها، والمُغفلة بالنسبة لنا.
أحمر يعني «Red». شِد في شعرك شِد.
أحمر يعني «Red». شِد في شعرك شِد.
ياللي سَنَتك طين. أخضر يعني «Green».
ياللي سَنَتك طين. أخضر يعني «Green».
كان عابد يُتابعها بصدمة حقيقية، وضع يده على قلبه هامسًا بعدم تصديق: العيال ضاعوا، يا مصيبتي.
كان الأطفال يُقهقهون بسعادة وهم يُرددون خلف معلمتهم، وهي ظنت بأن طريقتها الحمقاء تُعجبهم، لذلك أكملت في طريقتها تلك.
بس.
صرخ بها عابد ليصمت الجميع فزعًا من مظهره المُرعب، نظرت له وصال بحدة  ثم خلعت نظارتها الطبية التي ترتديها كعرض زائد فقط، ثم قالت بغضب: إيه يا  أستاذ عابد مش طريقة دي! المفروض حضرتك تخبط على الأقل عشان متقطعش حبل  أفكاري أنا وتلاميذي!
حدجها بإستنكار ثم أشار للأطفال بسخط: تلاميذ إيه يا أستاذة! دا انتِ ناقص  تجيبي طبلة وتفتحيها كباريه! أنا لا يُمكن أسمح بالمهزلة دي.
وقفت من على الأرض ثم وقفت أمامه قائلة: آاااه شغل المنافسة والغيرة هيبتدي من دلوقتي بقا! إكمني أحسن منك في طريقة الشرح يعني!
لم تُعطيه فرصة للرد؛ لترفع سبابتها أمام وجهه متحدثة بتحذير مُضحك قبل أن  تُغلق الباب بوجهه: اسمع إما أقولك، أنا مش بحب أعادي حد، لكن لحد شغلي  واستوب، أيوا أنا أبلة وليا سمعتي.
وقف هو محله ينظر للباب المُغلق بصدمة، عن أي سُمعة تتحدث هي! هي فقط  بدأت العمل اليوم لا أكثر، وماذا عن المنافسة! هل هو سيُنافسها هي! هي!
حمحم بغضب ثم نظر حوله، ليجد طُلابه ينتظرونه، ذهب إليهم وبداخله يتوعد ل وصال ولفعلتها تلك.
مين دي يا بدر!
تسائلت نوال بإستغراب عن هوية تلك الفتاة التي تُثير الجَلبة في جميع أنحاء  المنزل، لم يُجبها؛ إنما توجه إلى الأخرى بتعابير وجه واجمة سائلًا إياها:  بتعملي إيه إهني يا نجاح!
طالعته نجاح بأعين غاضبة، ثم مررت عيناها على نوال التي لا تفقه شئ مما  يحدث، اقتربت منها عدة خطوات تتفحصها من رأسها لأخمص قدمها، ثم قالت  متهكمة: بجا دي اللي فضلتها عليا يا بدر! هي دي اللي اتچوزتها من بعدي!
صدمة قوية هبطت على رأس نوال عندما استمعت لحديثها، هل كان مُتزوج من  قبلها! وهي كانت تظن بأنها الأولى! خدعها، نعم، ولن تستطيع أن تغفر له  كذبته.
لاحظت نجاح صدمتها، لذلك قررت طرق النار على الحديد مردفة بدهشة مصطنعة:  وه! هي السنيورة معتعرفش إنها چوزها كان متچوز جبلها ولا إيه!
تلك المرة تدخلت والدة بدر ناهرة إياها بغلظة: اطلعي برا يا نچاح، مش  هعمل بعد إجده حساب لصلة الجرابة اللي بينتنا، أي حاجة هتمس ابني هنسى إنك  كنتِ بنت أختي في يوم من الأيام.
ذهب إليها بدر بخطوات غاضبة، أمسك بها من ذراعها بقوة صارخًا بها: رچعتي ليه تاني يا نچاح!
طالعته عن قُرب، ومازال قلبها يقرع بشدة عند حضرته، لذلك اقتربت منه  أكثر بوقاحة متشدقة بوله: رچعت عشان بحبك يابن خالتي، رچعت عشان لسه باجي  عليا وعايزاك.
حسنًا هي غاضبة ولحد اللعنة منه، لكن هي أنثي، والأنثي تغار، تحرق كل ما  حولها عند شعورها بالغيرة، أُلغي عقلها عند رؤيتها لها تقترب منه هكذا،  لذلك ذهبت نوال راكضة تجاه تلك الأفعى ثم أمسكت بها من ذراعها بحدة ناهرة  إياها: حبك برص يا صرصار المجاري انتِ، إيه مش مكسوفة من نفسك وانتِ جاية  ترمي نفسك على واحد متجوز! مرخصة نفسك للدرجادي!
أفلتت نجاح يدها منها، ثم صرخت هي الأخرى: الواحد دا كان چوزي.
وطلقك.
تخصرت نوال محلها وهي تشعر بنيران تضرم داخل قلبها، تلك الأفعى تريد هدم حياتها، لكن لن تسمح لها بذلك ولو على جثتها.
أغاظها ردها لذلك رفعت سبابتها بوجهها مُحذرة: اسمعي يا بت انتِ...
وما كادت أن تُكمل حديثها حنى استمعت لصوت بدر الصارخ بإهانة شديدة لها:  نچاح، إلزمي حدودك وانتِ بتتكلمي مع مرت بدر الأباصيري وإلا تصرفي مش  هيعچبك.
ماشي يابن خالتي، أنا وانت والزمن طويل.
قالت كلماتها ثم ذهبت من أمامهم غاضبة وخرجت من المنزل بأكمله، التفت بدر ل نوال محاولًا التبرير لها: نوال. أنا...
لم يُكمل حديثه لأنها تركته وذهبت من أمامه بخطوات غاضبة أقرب للركض  وصعدت للأعلى، زفر بدر بقوة وهو يلعن نجاح في سره، هو يمقتها ويمقت سيرتها،  والآن هي جاءت لتُعكر صفوه هو وزوجته، ربتت والدته على ذراعه ثم تحدثت  بحنان: اطلع صالحها يابني، صالحها وجولها على كل حاچة متخبيش عليها واصل،  وهي هتسمعك للآخر.
أومأ لوالدته بود، ثم قبَّل يدها بحنان واستعد للصعود للأعلى حيث زوجته،  المهمة الأصعب على الإطلاق، أخذ نفسًا عميقًا ثم زفره على مهل، ومن ثَم  صعد خلفها.
مواجهة كبيرة تدور بينهم الآن، بكر الذي يُحاول أن يستشف ردة فعل خطيب  إبنته، و مهاب المُحاصر بين أسئلة بكر، و شهاب الذي ينتظر الفرصة للإنقضاض  على فريسته، وأخيرًا إهداء التي تُراقب الوضع بقلق.
صعد صوت مهاب الحانق: يعني دي غلطتي يا عمي إني جيت حطيت إيدي في إيديك!
وقف شهاب قبالته متحدثًا بإستفزاز: إيدك تحطها مع إيدك التانية ومتصعدناش بالإسطوانة دي.
اشتعل رأس مهاب غيظًا ثم صاح ب شهاب بغضب: متدخلش انت، أنا مش فاهم انت حاشر نفسك في كل حاجة ليه!
قاطعه بكر بحدة: شهاب واحد من العيلة دي، متنساش نفسك يا مهاب، انت كنت خطيب بنتي، خلي كل حاجة ترجع لمجاريها.
قطب مهاب جبينه بإستغراب: يعني إيه كنت!
رد عليه بكر بجمود: يعني كل شئ قسمة ونصيب يابني، وزي ما دخلنا بالمعروف نخرج بالمعروف.
في تلك الأثناء، ودَّ شهاب أن يرقص فرحًا، أراد أن يُطلق الزغاريد  ليُعبر عن فرحته، لكنه رسم تعابير الجمود على وجهه ولم يُبين أيًا من  سعادته تلك.
بينما مهاب خرج من المنزل وهو يتوعد ل إهداء هامسًا بغل: فكرك إني مش عارف  حالة الحب والغرام اللي بينك انتِ وسي روميو! بس أدي دقني لو خليتك تتهني  بيه، هحسرك وهحسر العيلة كلها عليه،!


رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل السابع عشر
موسى. واحشني يا جدع!
هكذا نطق ريان وهو يذهب لعناق موسى والذي اعتبره كصديق مُخلص له في الفترة الأخيرة.
بادله موسى العناق قائلًا ببسمة: كنت فين يا صايع! محدش عارفلك طريق ليه.
جذبه ريان من يده، ثم جلس كلاهما على بعض الحجارة المُرتفعة عن منسوب  الرمال قليلًا، ليبدأ بقص ما حدث ليلة أمس، وتلك الأحداث المرعبة والتي  كادت أن تُنهي على حياتهم.
استمع له موسى بتركيز شديد وصُدم عندما عَلِم بموت منير المنشاوي، هو  كان يعرفه معرفة شخصية وشديدة، صمت قليلًا ثم نظر ل ريان بنظرات مُبهمة،  ناطقًا بغموض: سليم المنشاوي هو اللي قتل عمه.
قطب ريان جبينه بتعجب مُردفًا ببلاهة: دا سؤال ولا إجابة!
حدجه موسى بإستنكار ولم يُجبه، بل أكمل حديثه بشرود كأنه يُحادِث نفسه: قتله عشان ميكُنش فيه أي مصدر ممكن يسببله شُبهات.
تسائل ريان بعدم فِهم: بس عمه مش زيه، دا قرر يساعدنا وعرض علينا المساعدة بإننا ندخل لشركة سليم المنشاوي.
ضحكة ساخرة ارتسمت على فم موسى من حديثه، ليردف: منير المنشاوي تِعبان زيه  زي سليم، بس دا بيرسم البراءة على وشه لحد ما يوصل لهدفه، وبعد كدا بيخلص  على فريسته.
صدمة كبيرة احتلت عليه بعدما استمع لتصريحه، كانا سيصبحان فريسة لذئب  يدَّعي البراءة! همس بخفوت بصوت بدى متوتر وصل لمسامع موسى: هو اللهم لا  شماتة، بس أنا فرحان إنه مات، الحمد لله.
ابتسم موسى بخفة وهو ينظر لتعابير ريان الخائفة كطفل صغير، لا يعلم أهو شخص  كبير وناضج أم إنه عكس ذلك! تسائل مُتعجبًا: ريان. انت عندك كام سنة.
وفي ثواني نسى ريان ما كانا يتحدثان به منذ قليل، ليرفع رأسه متشدقًا بغرور: 32 سنة بس ممكن تعتبرني 13.
قهقه موسى بصوت عالي، هذا ال ريان مُثير للضحك حقًا، جلسته بها حياه، مرح،  تُشعرك بالود، وتُبدد أحزانك، ليؤكد له حديثه قائلًا بمرح: طب والله أفعالك  كلها فعلًا تدل على إنك 13 سنة، مش شحط كبير وأهبل!
جعد ريان جبينه بإنزعاج متحدثًا: يعني أفرح على إطرائك ليا، ولا أزعل على تهزيقك!
أجابه موسى بعبث: الإثنين.
ضحك ريان عاليًا، وشاركه موسى في ذلك، وبعد قليل من الوقت تسائل ريان بخفوت وحذر: موسى،!
نظر له بطرف عينه وعلم ما يود أن يقول، لكنه راوغ متحدثًا وهو يرتشف من قدح الشاي الخاص به: ارغي.!
حمحم ريان ثم أردف: انت إيه علاقتك ب سليم المنشاوي عشان تكرهه أوي كدا! وإزاي تعرف عمه!
كان يعلم أن الفضول سيقتله في يومٍ ما، فشخصية ريان يَسهُل تحليلها، هز  رأسه بيأس ثم أخذ نفسًا عميقًا بادئًا بسرد تلك الذكريات التي تُعكر صفوه:  سليم المنشاوي كان السبب في إني يتحكم عليا 15 سنة، أنا وبعض الموظفين اللي  كنا بنشتغل في شركته، شوية منهم قدروا يهربوا ومن ضمنهم أنا، والباقي  اتنفذ فيهم الحكم.
قطب ريان جبينه بتعجب قبل أن يتسائل: كان السبب إزاي مش فاهم!
سليم المنشاوي بيدير أعمال مشبوهة ودا انت عرفته، لكن اللي متعرفهوش إنه  ليه في غسيل الأموال، وتهريب أدوية مُنتهية الصلاحية، وكمان بيدير شبكات  دعارة مع ناس كبيرة متخفيين في ثوب الشرف والأخلاق.
في يوم من الأيام جه لينا شغل ماكينات جديد ودا كان شغلنا في الأساس،  ووسط ما كنا بنشتغل ونصلح في الآلات لقينا حاجات غريبة في المواسير اللي  جوا، شوية نلاقي بودرة، وشوية تانية نلاقي ماس، كنا بنقول دا من التخزين مش  أكتر، لكن قلقنا لما الموضوع اتطور وحسينا إن فيه حاجة غلط، بس سكتنا عشان  منخسرش لقمة عيشنا.
جيت مرة في الإستراحة ورُحت أجيب مايه ليا وللرجالة وياريتني ما رُحت،  سمعت سليم المنشاوي الله يحرقه مع عمه في نار واحدة بيتكلم في التليفون  وبيجهز لشُحنة أدوية مُهربة هيدخلها مصر عن طريق الآلات دي، أنا وقتها  اتصدمت ومعرفتش اتصرف، قررت أقول للرجالة اللي كانوا شغالين معايا، وفعلًا  قولتلهم، بس من حظي الأسود كان فيهم واحد ابن راح بلغ سليم بكل حاجة من غير  ما نعرف.
وقتها ندالي وهددني إني أبعد وكأني مسمعتش أي حاجة، مكنش ينفع أشوف مصر  بتضيع، لو كنت سكتت وقتها ربنا كان هيبتليني بإبتلاء أشد من اللي أنا فيه  دلوقتي، كان ممكن بعد الشر أمي تاخد من الدوا دا أو أخويا أو أختي أيًا  كان، فهددته وقولتله إني هبلغ عنه وهشوف شغل محترم وربنا اللي بيرزق،  وفعلًا قررت دا، رجعت البيت لقيته مقلوب على الآخر، وأمي وأختي بيعيطوا  وبيقولوا فيه رجالة هجمت على البيت وسابولي رسالة، وكان مضمون الرسالة  «متقفش قدام سليم المنشاوي عشان هتتداس».
كفيت خيري شري وسكتت فترة لحد ما العين تهدى عليا شوية و سليم المنشاوي  يآمن ليا، لكن بعدها عرفت كمان إنه بيدير شبكات دعارة وبيهرب ألماس وطبعًا  عمه منير المنشاوي معاه، طلب مني أشتغل معاه مقابل مبلغ مادي كبير جدًا،  وأنا وافقت، ولأن كل العملا اللي كانوا معايا عارفين عرض عليهم نفس العرض  هما كمان، وبخطة مننا قررنا إننا هنوقعه، لكن هو اللي وقعنا مع أول خطوة  خدناها، وبلغ عننا، كنا حوالي 15 راجل، اتحكم علينا كلنا ب 15 سنة مع  الأعمال الشاقة، لحُسن حظي كان فينا واحد أهله من الصعيد، محفوظ انت عارفه،  هربوا العربية اللي كان فيها وأنا كنت معاهم، اتمطوحنا ومبقناش عارفين  نروح فين، خدنا أسلحة العساكر دي وجينا هنا على الجبل، بقالنا أكتر من 7  شهور وبنحاول نثبت برائتنا، بس للأسف لسه موصلناش لحاجة.
نظر له موسى بإبتسامة خافتة: أدي يا سيدي حكايتي كلها.
ياه! دا انت عانيت كتير أوي!
هز رأسه مؤكدًا وهو يلوي شفتيه بسخرية: اتكسرت أوي، خصوصًا لما عرفت إن أمي  ماتت بحسرتها من بعدي، وأختي خطيبها سابها ومبقاش ليها حد غير أخويا  الصغير، وأنا هنا متكتف مش عارف أعمل إيه، حتى أمي محضرتش جنازتها.
لم يجد ريان كلمات المواساة المناسبة لكي يشد من أزره، لكنه احتضنه،  احتضنه كأنه شعر به وبحزنه الدفين الذي يخفيه خلف قناع الشجاعة الزائفة،  ريان بنقائه وبرائته قادر على تخفيف آلامك.
شعر الآخر بحاجته لذلك العناق، وكأنه بمثابة طوق النجاة له، أدمعت عينا  موسى تأثرًا بما عاناه، ليتحشرج صوته قائلًا: كان نفسي أشوف أمي لآخر مرة  يا ريان، حتى أبسط حقوقي في دفنها اتحرمت منها.
ربت ريان على ظهره بمواساة، ومن يراه الآن يُقسم برؤية آخر غير ذلك  المَرِح، اشتعلت عيناه بحقد داخل عيناه، زاد كرهه ل سليم المنشاوي أكثر،  أقسم على الإنتقام ورد الإعتبار والحق لأصحابهم، سيُذيقه من نفس كأس  المرارة الذي ذاقه للآخرين.
شِد حيلك انت في أول الطريق، دلوقتي أنا وانت متفقين على هدف واحد وبس، هو تدمير سليم المنشاوي، وهندمره.
طالعه موسى بإمتنان لم ينطقه، لكن عيناه عبرت عن الكثير، مسح أهدابه  المُبتلة ثم قال ممازحًا: متقولش لحد عن اللي أنا قولتهولك بقا، حتى البنت  اللي معاك.
وضع ريان يده على صدره قائلًا بثقة: عيب عليك، سرك عُمره ما يطلع لأي حد!
عندي ليكِ خبر بمليون جنيه.
هكذا نطق ريان ل غزل التي كانت منهمكة في النظر لتلك الأوراق التي جلبوها من منزل منير المنشاوي.
قطبت جبينها بتعجب متسائلة: خبر إيه!
بدأ بسرد ما رواه موسى له كاملًا من خداع سليم المنشاوي لهم، حتى نهاية ما  حدث عند هروبهم دون أن يترك أي تفصيلة تفوته، كان يتكلم بحماس وهو يروي لها  وهي مُنصتة بإهتمام، لكن، ماذا عن ذلك الوعد الذي قطعه بعدم إخبار أحد!
أنهى سرده وهو يلهث من كَم الحديث الذي قاله دفعةً واحدة، خاتمًا إياه: هو قالي متقولش لحد، بس انتِ مش حد عشان كدا قولتلك.
ابتسمت إبتسامة عريضة كادت أن تصل لأذناها من حديثه العفوي، والذي مَس  قلبها دون أن تشعر، لاحظ هو ذلك وكم أسعده سعادتها بمشاركتها يومه، وهو لم  يندم، ولن يندم بمشاركتها لتفاصيله.
استند بجانبها بظهره على الحائط، ليسمعها تنفخ بضيق: أنا مش فاهمة حاجة  من الورق دا، حاساه بلغة غريبة كدا، حاسة إنه سايب لينا إشارة في الورق دا  وعايز يوصلها.
نظر للأوراق بغرابة ليجدها حقًا مكتوبة بخط يده، لكن ليست لغة عربية بل  وكأنها هيروغليفية أو شئ من هذا القبيل، فجميع أحرفها مقلوبة تقريبًا.
وضعت تلك الأوراق بجانبها ثم استندت بكفها على وجهها مُتنهدة بملل، طالعها ريان بإستغراب ثم أردف مُتسائلًا: مالِك!
زهقانة.
معها كُل الحق، فالجلوس هنا ممل وبشدة وسط الصحاري والرمال، فكَّر قليلًا  حتى جاء بعقله فكرة جعلته ينظر لها بخبث، وهي طالعته بإستغراب، شعرت بأنها  قد فهمت نظرته تلك وما يُفكر به، لتبتسم بمكر غامزة له بمشاكسة: موافقة.
جلس الصغير مدثر مع عمه شهاب في حجرته، أخذ هاتف شهاب ليقوم بتشغيل بعض  الأغاني الحزينة التي تصف حالته مع لوچي، جلس على الفراش نائمًا عليه وهو  يضع يده فوق رأسه بأسى، استمع لكلمات الأغنية بحزن وهو يُردد خلفها، يبدو  أنها تؤثر عليه بشدة.
تشنج وجه شهاب الذي خرج لتوه من المرحاض، ليجد مدثر بتلك الحالة الحزينة  والواهنة يُردد بحزن شديد خلف المُغني، اقترب منه ليجلس على طرف الفراش  مُردفًا بإستنكار: دا أنا البت منفضالي بقالها شهرين ومعملتش زيك كدا!
أشار له مدثر بالصمت وعدم التحدث، هذا الطفل تعلم الوقاحة من أبيه، بل جمع وقاحة جميع العائلة لتلتصق به.
انتهت الأغنية ليتعدل هو جالسًا على الفراش وملامحه حزينة، ثم تحدث  بإنكسار: أنا مش عارف عمو فارس بيعاملني كدا ليه! من ساعة ما بوست لوچي وهو  حاططني في دماغه، مع إني عمره ما أذيته!
مصمص شهاب على شفتيه مدعيَّا التأثر، ثم تشدق: متزعلش ياخويا، أنا مش عارفة  إيه الرجالة دي! فيها إيه يعني لما تبوس بنته! مش يمكن بعد فترة ترجعله  حامل ويكون جِد!
رفع مدثر نظره ل شهاب قائلًا بعدما تهدل كتفاه بيأس: هو دا اللي حاولت أفهمه ل لوچي واللهِ يا عمو.
فتح شهاب عيناه بصدمة، هو فقط كان يمزح ويسخر من الحديث، ليُدهش من ردة فعل مدثر الذي حاول إقناع لوچي في ذلك حقًا!
أمسكه من ياقة قميصه وهو يُحركه قائلًا: واد يا مدثر انت بتتكلم جَد!
هز له رأسه بتأكيد مستطردًا حديثه: أه يا عمو، وهو الحب فيه هزار!
أفضل الهدايا لأحبائكم
جلس شهاب جانبه مصدومًا من حديثه الذي يتعدى عمره بكثير مُتمتمًا: الله يخربيتك يا ريان، فسدت أخلاق الواد.
اعتدل شهاب محله بتوتر ثم دار بعقله الكثير من التساؤلات ولم ينفعه أحد  بهذا سوى مدثر: واد يا مدثر، عايز أسألك على شوية حاجات كدا بس أوعدني إنك  مش هتقول لحد.
استند مدثر على حافة الفراش من خلفه رافعًا قدمًا على أختها قائلًا بثقة: سِرك في بير يا عمو.
بدأ حديثه وهو يُفكر في تصرفاته وتجاهله ل إهداء علَّها تشعر به، ولم  يُخيَّل له يومًا من الأيام أن يأخذ نصيحة مدثر: لو أنا بحب بنت وهي كانت  مخطوبة، بس سابت خطيبها وأنا تجاهلتها، دا هيجي معاها بفايدة.
اعتدل مدثر في جلسته ثم تحدث نافيًا: البنات مش عايزة اللي يتجاهلها، بابا  كان بيقولي البنت من دول عايزة الإهتمام والحب، ولو لقت الحاجتين دول في حد  تاني غيرك يبقي بالسلامة انت بقا وخلي تجاهلك ينفعك.
فكَّر مليَّا في حديثه ووجد أنه صحيح بنسبة مئة بالمئة، ليبتلع ريقه قائلًا: طيب أعمل إيه دلوقتي! خصوصًا إنها زعلانة مني.
غمز له مدثر بوقاحة لا تليق بسِنه: بوسة. وردة. هدية. غمزة، والدنيا هتعدي،  البنات مش عايزة غير كدا، ويا سلام لو تدخل في الموضوع وتحضنها على طول،  هتلاقي الدنيا ماشية معاك حلاوة.
فتح شهاب عينه بصدمة، وهو الذي كان يظن ذاته وقحًا عديم الأدب! لكن  بالمقارنة مع ذلك الطفل الناضج وجد نفسه مجرد ملاك برئ لا أكثر، لكن لن  يُنكر بأنه سيمشي على خُطاه وسيفعل ما قاله ذلك الشيطان الصغير لينال قلب  محبوبته مرة أخرى.
انقضت السويعات القليلة في الحديث حتى دقت الساعة منتصف الليل، وجدا  الباب بُفتح بهدوء وتسلل، نظرا لبعضهم بقلق وكاد شهاب أن يستغد لضرب  المتسلل ظنًا منه أنه لِص؛ حتى وجدها هي لوچي إبنة أخيه!
قالوا أن العشق لا يطرق باب القلب، بل يدلف دون إستئذان، يتغلغل لداخل فؤادك حتى يمكث في الصميم، والعشق معجزة، والمعجزة أنه أحبها.
استند معتصم بظهره على طرف فراشه، مازالت تأتي في باله خاصةً الفترة  الأخيرة، عيناها كالسِحر؛ تسلبه دون إرادة، وهو مُنساق خلفها في إستسلام  تام، لم يُقاوم ولم يُجازف، وكأنه يُريد.!
وجد هاتفه يضئ بإسمها «مصدر راحتي»، هذا ما يُلقبها به، وهي فعلًا راحته  المسلوبة، تذكر بكاؤها عندما تشتكِ له بأنها ليست جميلة، ولو تعلم كيف  يراها لعشقت ذاتها، لا يعلم كيف تحولت الصداقة لحب، لكن الشئ الوحيد الذي  بات مُتيقن منه هو حبها.
رفع الهاتف على أذنه ناطقًا بكلمة واحدة وهمس مشتاق: سوچي!
سمع ضحكتها الخافتة على الإسم الذي يُطلقه عليها مردفة بمزاح كان بمثابة إختراق كامل لحصون قلبه المنهارة: عيوني.
حاول السيطرة على تلك الرجفة التي احتلت كيانه بالكامل مُتمتمًا بصوت جعله ثابت نسبيًا: عاملة إيه!
سحبت شهيقًا مُتألمًا ثم زفرته على مهل قبل أن تُجيبه: أحمد قابلني  النهاردة وسألني على تسبيح، وأنا توهت في الكلام وقولتله مجتش مناسبة  أقوىها، حسيته إتضايق مني ومشي من غير ما يكلمني حتى، أنا قلبي بيوجعني أوي  يا معتصم، حاسة الدنيا متقفلة في وشي ومش عارفة أعمل إيه، من جهة الشخص  اللي بحبه طلع بيحب أختي التوأم الجميلة، ومن جهة تانية بقيت أحس بالغيرة  من ناحيتها، وأنا مش عايزة كدا، مش عايزة أبقي وحشة من برا ومن جوا، مش  عايزة أحس بالحقد ناحية تسبيح، تسبيح مش اختي بس، دي حِتة مني ونصي التاني،  بس غصب عني لما بلاقيه بيتكلم عليها بكل الحب دا قلبي بيوجعني وبغير.
هتفت بكل ما يختلجها دفعةً واحدة، وهو سمعها كالعادة، أغمض عيناه بغضب  من تقليلها من شأنها مرة أخرى، وقف من على فراشه ثم اتجه ناحية شرفته آمرًا  إياها بهدوء: أقفي في الشباك عايز أشوفك.
مسحت دموعها التي هبطت رغمًا عنها، ثم فعلت ما أمرها به برحابة صدر،  لتفتح الشباك فوجدته يقف مُستندًا على إطار غرفته والهاتف على أذنه، همس  لها وهو ينظر لعيناها التي أضاءت بفعل أضواء الشارع والأعمدة: مين دي اللي  مش جميلة من برا ومن جوا!
كانت تعلم أنه لم يُمرر حديثها هذا، أغمضت عيناها بألم ثم همست بصوت متحشرج باكٍ: أنا...
انتِ أجمل واحدة شافتها عيني، من برا ومن جوا، صدقيني مش بجاملك، بس أنا بحب وحشاتك اللي انتِ مش حباها.
ذلك الأحمق الذي يقبع يسار صدرها طرق وبشدة، تعجبت من حالها، وتيبس قلبها  من حديثه وكأنه دواءٍ لوجعها، رددت عبر الهاتف وهي تنظر له: معتصم أنا  عارفة إنك بتقول كدا عشان إحنا صحاب، ما هو أكيد مش هتيجي وتقولي في وشي  انتِ وحشة!
نفى برأسه فرأته، ثم همس: لأ مش عشان صحاب، سوچي. انتِ عيونك لوحدها بتهلكني. بحبها زي ما بحبك بالظبط.
تعالى صوت تنفسها، لِما يُحدثها هكذا، صُدمت من إعترافه لها بحبها، فتسائلت بصدمة: إيه!
صحح خطأه مسرعًا: أكيد بحبك. مش صحبتي وزي أختي وعايز مصلحتك!
ابتسمت قليلًا وها قد عاد تنفسها للطبيعي، عضت على شفتيها قائلة بتمني: يا ريتك كنت جنبي يا معتصم، كلامك بيريحني أوي.
اتسعت إبتسامته حتى ظهرت نواجزه، لينظر للأسفل يُحاول السيطرة على قرع  طبول قلبه، ظنت بأنه خجل ورغمًا عنها قهقهت بصوت عالي لتقول بمشاكسة: ياختي  بيضة بتتكسفي يا بطة!
وما زاد من ضحكاتها هو نظرته المستنكرة التي رماها إليها، ليقول مُهددًا: هتسكتي ولا أجيلك أسكتك بطريقتي!
وضعت يدها على فمها مانعة ضحكاتها بصعوبة، قبل أن تقول بصوا مكتوم من الضحك: خلاص سكت أهو.
ولعيناها سحرها الخاص، تسرقه بل تسحره بجمالهما، ضحكاتها كمعزوفة تُعزف  على أوتار قلبه، ونبضه يكون النتيجة، هو سُلب. سُرق. وبالنهاية عشق.
أرادوا تشييد الذكريات وتدوين الضحكات علَّهم يتذكرونها بعد ذلك،  تسللهم ليلًا في الخفاء كان مثير للضحك حقًا، تخفوا في المناطق المظلمة،  ليقف ريان فجأة وهو يُشير إليها: الشارع مفيهوش كاميرات، تيجي نروح عندنا  الأول ولا عندكم؟
هزت غزل كتفيها قائلة بحيرة: أي حاجة مش هتفرق. تعالى نروح عندنا الأول.
أمسك ريان يدها ثم قال آمرًا كأنه لم يأخذ رأيها منذ قليل: تمام. يبقى هنروح عندنا احنا.
رمشت عدة مرات تُقلِب حديثه في عقلها، هو مغفل وأحمق حقًا، نظرت لكتفه  بغيظ ثم حاولت جذب يدها قائلة بصوت خفيض: طب وسع إيدي بقا كدا. وسع.
توقف بها أمام بنايتهم مباشرةً لمقاومتها، فإستدار لها بغيظ ليقترب من وجهها فاجأة قائلًا بهمس: هتمشي ساكتة ولا أشيلك!
شهقت بعنف من وقاحته واضعة يدها الأخرى على فمها متحدثة بعدم تصديق: آه يا سافل يا قليل الأدب! على فكرة انت مش محترم.
رفع حاجبه ثم تحدث بصوت ماكر: لو عايزة إثبات أنا معنديش مانع.
عضت على شفتيها ولم تكن تتوقع وقاحته حقًا، هل قالت من قبل أنه برئ؟ حسنًا اللعنة عليها.
صعدت معه البناية بصمت دون أن تُجيبه، بل اكتفت فقط بتسديد نظرة نارية له،  بينما هو كتم ضحكته بصعوبة، كم يعشق رؤيتها لغضبها الناتج عن خجلها، وللحق؛  هذا يروقه وبشدة.
كاد أن يصعد حيثُ شقته لرؤية إبنه، لكنه توقف على صوت الصراخ القادم من  منزل سلطان وكان مصدره صديقه فارس الذي صدح صوته عاليًا: يابني أعمل فيك  إيه، ألطم على وشي من سفالتكم! وانتِ يا غلطة حياتي أعمل فيكِ إيه! أوأدك  وأخلص من أمك! قولولي أعمل إيه!
هكذا صرخ فارس على مدثر و لوچي الذي كان ينظر له بشر ونظرة إجرامية في  عيناه، بينما شهاب يقف مشدوهًا من وقاحة الصغيرين، لقد تخطوا السفالة  بمراحل، فقد أتت لوچي منذ قليل مُتخفية لتدخل الغرفة ظنًا من أن الجميع  نيام.
لم تكن تتوقع أن تجد عمها شهاب مستيقظ، لكنها تجاهلته مشيرة له بلامبالاه: هاي يا عمو.
كررها شهاب خلفها بعدم تصديق ودهشة: هاي يا عمو!
لم يكد أن يُكمل حديثه حتى انتفض مدثر من جانبه مهرولًا تجاهها، وبدون  سابق إنذار قام بإحتضانها! وهي أيضًا احتضنته ولم تُمانع، ليلطم شهاب على  خديه قائلًا بحسرة صادمة على شقيقه: شرفك ياخويا ضاع في التراب!
خرج مدثر من أحضان لوچي متشدقًا بحزن ونبرة متأثرة: احنا بيتكتب على حبنا  بالهلاك يا لوچي، عمو فارس شكله مش موافق عليا، دا غير معاملته اللي زي  الزفت دي.
وضعت يدها على فمه تمنعه من تكملة الحديث بينما ارتفع حاجبي شهاب بدهشة  تزامنًا مع فعلتها، لتزداد صدمته عند ردت عليه قائلة: احنا مينفعش نبعد عن  بعض يا مدثر. أنا هواجه العالم وهبقى معاك، هتجوزك يعني هتجوزك.
ابتسم مدثر، بل زادت إبتسامته إتساعًا عندما أكملت حديثها قائلة بدون خجل او حياء باللغة العربية الفصحى: أحبك يا نبض القلب ومعذبه.
ليُجيبها بهمس عاشق: وأنا أعشقكِ يا لبابة القلب.
اقترب منها أكثر قائلًا بوقاحة تعدت الحدود: ما تجيبي بوسة مشبك!
ليضرب في تلك الأثناء فارس على صدره من حديثهم، لقد جاء منذ قليل عندما شعر  بفتح أحدهم لباب المنزل عندما كان يتهيأ للنوم، فلم يجد سوى إبنته الطاهرة  والتي تهبط الدرج كاللصوص، حينها استمع لحديثهم كامل، وللأسف شلت الصدمة  جسده.
خرجت لوچي من خلف مدثر الذي كانت تختبأ خلفه، هاتفة بصياح: هو أنا كل ما  أكلمك تقولي يا غلطة! دي مبقتش عيشة دي بقا! وبعدين أنا بحب مدثر وهتجوزه.
فرغت غزل فاهها بصدمة من حديث الصغيرة، على عكس ريان الذي كان ينظر لإبنه بفخر أبوي صادق كأنه فاز بأحد الجوائز العالمية حاليًا.
نظر مدثر ل لوچي بغضب قائلًا بصرامة: لما الرجالة تتكلم انتِ متتكلميش.
خنهت لطلبه فأنزلت رأسها قائلة بهمس خافت: أسفة يا حبيبي.
تشنج وجه فارس أكثر وهو يُردد تلك الكلمة بإستنكار كبير، وضع يده على  صدره كأنه على وشك الإصابة بذبحة قلبية حادة، ليهمس بعدها بقلة حيلة: آه يا  ولاد ال هتموتوني ناقص عُمر!
بدأ مدثر بشرح الأمر ل فارس ببساطة شديدة: الموضوع وما فيه يا عمو إني  هتجوز لوچي يعني هتجوزها، وهي تُعتبر مراتي أصلًا من غير اي حاجة، ف أنا  ببلغ حضرتك بس عشان متجيش تتصدم بعدين لما تلاقيها في مرة نايمة في أوضة  نومي.
أدمعت عين ريان تأثرًا، ثم هز ذراع غزل التي تُتابع الموقف بصدمة، ليردف بفخر بعدما انتبهت له: ابني. وشرفي. اللي رافع راسي.
حدجته بعدم تصديق، ثم عاودت النظر للصغير، ومن ثَم نظرت له مرة أخرى وكأن  على رأسها الطير، هامسة بصوت عالي نسبيًا: دي السفالة طلعت وراثة، وأنا  اللي كنت مفكراك انت اللي سافل لوحدك!
انتبه الجميع للهمس والحديث الخافت، ليقول فارس بعدم تصديق: ريان!
انتبه مدثر سريعًا عند سماع إسم والده الغائب، نظر تجاه الباب ليجده يقف  بهيئته يرسم إبتسامة جميلة على محياه، وبدون أن ينتظر للحظة واحدة اتجه  إليه لإحتضانه، التقطه ريان بإشتياق كبير وحب شديد غريزي، فلذة كبده وجزء  من روحه قابع الآن بين أحضانه، بينما أدمعت عيني مدثر لغيابه، فلقد إشتاق  له حَد اللعنة: وحشتني أوي يا بابا.
شدد ريان من إحتضانه ثم قبّله من جانب عنقه هامسًا بإشتياق: قلب ورح بابا. بطلي عامل إيه؟
لم يخرج من أحضانه، بل ظل قابع بها بعض الوقت، وكأنه يُعوض تلك الأيام التي  عاشها بدون والده، لم يكن يبتعد عنه من قبل، لكن الآن حكمت عليه الظروف  للإبتعاد، بل للهرب.
قبل الصغير والده بلهفة وحب شديدان، ومن ثم بكى، هطلت دموعه بكثرة طالبًا  من والده برجاء قطَّع نياط قلبه: متمشيش تاني يا بابا بالله عليك. انت  وحشتني أوي.
جلس ريان على ركبتاه ولم يُحرر ولده الملتصق به، بل كان يُشدد من عناقه  وكأنه الأخير، همس آسفًا ورغمًا عنه هطلت دموعه: عيوني والله. مش هسيبك  تاني أبدًا. هفضل معاك على طول.
وضع قبل أخرى على جبهته وكأنه لا يُصدق وجوده ليُغمض ريان عيناه بألم،  شاعرًا بما يختلج صدر طفله، يشعر بالوحدة، الغرابة، الحزن، وها هو عناقه  الطويل يعوضه عن كل ذلك.
حاولت غزل ألا تتأثر بالمشهد، لكن رغمًا عنها قد مسَّ جزءً مجهولًا في  قلبها، تكونت طبقة رقيقة من الدموع على عيناها من تأثر الطفل بوالده،  اقتربت منهم ثم وضعت يدها على خصلات الصغير لينتبه لها، رفع عيناه الرمادية  التي تُشبه عين والده بشدة، وكم كانت آسرة بحق!
مسح الصغير دمعاته لينظر إلى أبيه متسائلًا بغرابة ووقاحة: مين المُزة دي يا والدي؟
غمز له ريان بنفس الوقاحة: إيه رأيك؟
قيمها مدثر من أعلاها لأسفلها قائلًا بإعجاب: لأ تستاهل المرمطة اللي انت فيها دي.
استمع لزمجرة لوچي الصارخة بإسمه: مدثر!
استدار لها ليسبل عيناه بوله: عيونه!
أخفضت رأسها بخجل ووجه إحمر من الحرج: بس عشان بغير.
أجابها بصدق وهو يضع يده على مكان قلبه النابض: انتِ الأساس يا روح الروح.
ذهب إليه فارس ممسكًا بياقة قميصه مُبعدًا إياه بغيظ: وسع يا صايع وحسابك معايا بعدين.
أنهى حديثه ثم جذب يد صديقه أو لنقول شقيقه الجالس على الأرضية الصلبة ليقف أمامه، ثم احتضنه بشدة وقوة وإشتياق: واحشني يا صحبي.
شدد ريان من عناقه بحب، وكم كان يريده بجانبه في تلك الأيام الصعبة، فهو  الوحيد القادر على إزالة همه بحديثه الودود، علاقتهم ليست علاقة دم، ولكنها  أقوى وأشد، رابطة قوية تجمعهم تحت مسمى الصداقة.
همس له ريان بتأثر: كنت محتاجك أوي.
ليهامسه فارس بألم وهو يتذكر تلك الأيام الفائتة عند تذكره للماضي: أنا  اللي كنت محتاجك أوي، كنت محتاج حنانك وكلامك المشجع ليا زي ما بتعمل  دايمًا.
قطب ريان جبينه بتعجب من تلك النبرة الحزينة التي يسمعها منه، ليخرج من أحضانه قائلًا بتعجب: مالك! فيك إيه!
ابتسامة باهتة تشكلت على ثغره، ليربت على صدره بقوة: هقولك بعدين، خلينا فيك انت دلوقتي.
أجابه ريان بحسم وهو يستعد للدخول لأحد الغرف: لأ مش بعدين. دلوقتي.
استدار ل غزل المتعجبة قائلًا وهو يشير ل لوچي التي تُلاغي مدثر: اقعدي معاهم يا غزل وأنا دقايق وجايلك.
أومأت له بهدوء ويبدو أن الأصدقاء بحاجة ماسة للتحدث سويًا، لتجلس على الأريكة تنتظر خروجه.
الساعة تعدت منتصف الليل وجرس الباب مستمر في الطرق بمنزل طه أبو زيد،  فتح عيناه ببطئ شديد حيثُ كان غارق في النوم، واستيقظت بجواره زوجته أميرة  التي تحدثت بهلع: يا ساتر يا رب! مين اللي هيجيلنا في الساعة دي؟
هز طه رأسه بجهل مستعدًا للنهوض: مش عارف. قايم أشوف أهو.
ارتدي نعله الخاص بالمنزل ثم خرج من غرفته ليجد أولاده قد استيقظوا أيضًا  على صوت قرع الباب، تحدث عابد بسخط من الوقت المتأخر: هو في إيه!
توقف الطرق ليذهب طه لفتح الباب لكنه لم يجد شيئًا، نهائيًا! نظر حوله  بتعجب وحاجب مرفوع وداخله يسب ويلعن صاحب تلك الفعلة، وكاد أن يدخل؛ لكنه  لمح ذلك الظرف المطوي الموضوع أمام باب المنزل، التقطه وهو ينظر له  باستغراب شديد، خاصةً إسمه المدون عليه.
أغلق الباب وولج حيثُ يقف الجميع منتظرينه بفضول، لتتسائل تسبيح بتعجب: إيه الظرف دا يا بابا!
هفتحه وأشوف أهو.
قالها وهو يهم بفتحه، وليته لم يقم بذلك، فلقد رأى ما جعل وجهه يتجمد،  وجسده يتصنم من الصدمة، فتح عيناه على آخرهما بعدم تصديق، والجميع مستغرب  لحالته، لينظر بعدها ل سجود بنظرات كادت أن تقتلها، بل تحرقها حية،!


رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثامن عشر
لو كانت النظرات تحرق لحرقها، بل وتفتتت إلى غبار، هي فعلت أكثر الأمور  تجاوزًا، ليس فقط بالحديث مع أحد أفراد عائلة النويهي، بل بتواصلها مع  رجل!
إلتقط عابد الظرف من أبيه بتعجب عندما لاحظ تصنمه وتحديقه لشقيقته بتلك  الطريقة، ليُصدم هو الآخر، فقد كان الظرف يحتوي على صور لشقيقته سجود في  أحضان معتصم النويهي!
تعجب الجميع من حالتهم المصدومة والغير مصدقة، فأردفت سجود متعجبة لأخيها: مالك انت كمان متنح ليه!
ويا ليتها لم تتحدث، وكأن بحديثها ذلك أشعلت فتيل الغضب لكليهما  ليُحدجاها بنظرات غاضبة مستحقرة، ذهب إليها أبيها بخطوات غاضبة، وما كادت  أن تتحدث حتى لطم يده بوجهها بصفعة قوية أدت إلى نزيف شفتها السُفلية.
فزعت أميرة من تصرف زوجها ذاهبة لإبنتها لتخبئتها داخل أحضانها، ووقفت  تسبيح أمام والدها تمنع وصوله مرة أخرى لشقيقتها متحدثة بقلق باكٍ: استهدى  بالله بس يا بابا في إيه!
وتلك المرة لم يستطيعون منعها عن يد عابد التي طالت بخصلاتها تُمسكهم  بشدة، وفي المقابل زادت صرخات كُلًا من تسبيح ووالدتها خوفًا على سجود،  ليصدح صوت عابد الصارخ وهو يُريها تلك الصور التي فزعت عند رؤيتها: إيه  علاقتك بإبن النويهي! كنتِ بتعملي معاه إيه! بتقابليه من إمتي إنطقي!
تأوهت بقوة وهي تمسك بيده الممسكة بخصلات شعرها: آااه يا عابد سيب شعري.
شدد من إمساكه منه وهو يصرخ بالمقابل: بقولك انطقي!
لم تتحدث ولن تتحدث، بل أغمضت عيناها في إعتقاد منها بأنها ستتحمل  الألم، لكن ذهب هذا هباءً عندما هجم عليها والدها مُسددًا إليها الضربات  واللكمات وكأن الصدمة قد أعمت بصيرته عنها أو عن صراخها القوي الذي انتشر  في الأرجاء.
لم يستوعب عابد غضب والده الشديد، فأحال بينه وبين شقيقته التي كادت أن  تموت بين يديه، دافع عنها رغم غضبه الشديد منها، لكن في النهاية تظل هي  شقيقته الصغرى وابنته الروحية: خلاص يا بابا كفايا هتموت في إيدك.
لطمت أميرة على صدرها وهي ترى حالة إبنتها المُزرية بين ذراع زوجها الذي  انقض عليها كالأسد الذي رأى فريسته، لتأخذها رغمًا عن الجميع بين أحضانها  مُبعدة إياها عنهم صارخة بوجوههم: محدش يقرب من بنتي، انتوا سامعين!
بينما جلست تسبيح جانب شقيقتها ووالدتها على الأريكة مُمسدة على خصلاتها  ببكاء، لم تتوقع ردة فعل والدها يومًا، خاصةً وأن سجود لها مكانة خاصة  لديه، والجميع يعلم بذلك.
لكن لم يكتفي بذلك، بل أخذها رغمًا عنها ممسكًا بها من ذراعها هاززًا إياها بعنف: انطقي، بتقابلي معتصم النويهي من إمتى!
أخذت بعض الوقت لتجميع شتاتها والسيطرة على شهقاتها المرتفعة، فظن والدها  بأنها لا تريد التحدث، لذلك صفعها مرة أخرى على وجنتها بصفعة أشد لتفقد على  أثرها وعيها.
في نفس الوقت بمنزل عائلة النويهي، جلس ريان مقابلًا ل فارس، ثم تحدث وهو ينظر لتعابير وجهه الحزينة: مالك بقا!
زفر بثُقل على قلبه ومن ثَم بدأ بالتنفيس عن حزنه وغضبه، وها هو صديقه  المقرب يجلس أمامه وهو يروي له ما حدث في الأيام السابقة، روى له قدوم  عائلة أبو زيد للحديث، وتشاد الحديث إلى أن وصل للمشاجرة، وسيرة والدته  التي أتت دون سبب! وعند ذِكر سيرة والدته تحشرج صوته بألم متذكرًا الحديث  المُطعن في شرفها وعلى أنها خاطية!
أنهى حديثه تزامنًا مع هبوط دمعة حارقة من عيناه: أمي اللي عاشت طول  عمرها بتدور على سعادة الكل قبل سعادتها طعنوا في شرفها قدامي. أنا بكره  العيلة دي. بكرهها ومستحيل أنسى إني بسببهم خسرت أغلى حاجة في حياتي. خسرت  أمي.
أمسك ريان بيده شاددًا من أزره، قبل أن يُكمل حديثه المُشجع له: والدتك  مامتتش. والدتك لسه عايشة جواك. الكل عارف سيرتها الطيبة، وإنها أد إيه هي  كانت ست محترمة وبتعامل الكل بما يرضي الله، سيب اللي يتكلم يتكلم، واعرف  إنها في مكان أحسن مني ومنك. نسيت لما كنت بتحكيلي! نسيت لما قولتلي إن  الكل هنا كان بيدعيلها بالرحمة! نسيت لما قولتلي إن الشارع كله عيط على  فراقها! أكيد منسيتش. انت قوي. متخليش حد يأثر عليك بكلامه. طنط ميادة أنا  كان أشوفها من كلامك عليها ومن كلام العيلة كلها عليها، ادعيلها بالرحمة.  روحلها وزرها في قبرها. طلع صدقة جارية على روحها. هي دلوقتي محتاجة لدا.  أكيد مش هتبقى عايزة إنك تفتكر الوحش بس وتسيب كل الحلو اللي عشته.  افتكرلها كل دعوة كانت بتدعيهالك وكل الحنان اللي إدتهولك وقول الله يرحمك  يا أمي. متقفش عند نقطة الصفر وارجع قوي بذكرياتها. هي محتاجاك زي ما انت  محتاجلها. محتاجة دعواتك.
لم يكن يريد سوى لذلك الحديث، إختياره للصديق الصحيح هوَّن عليه الكثير،  احتضنه فارس بحب شديد، ثم أردف بإشتياق متألم: أمي وحشتني أوي يا صحبي،  وحشني حضنها ودعواتها ليا، وحشني كل حاجة فيها.
أغمض ريان عيناه بحزن مبادلًا عناقه، هو يعلم مدى تعلق صديقه بوالدته  الراحلة، ما سرده له من أحداث حدثت بالفترة الأخيرة أعاد له جرح لن يلتألم  أبدًا بمرور السنوات، تسللت العبرات لعيني كليهما، والجرح واحد. الفقد!
في نفس الوقت بالخارج، جلست غزل على مقعد بالصالون، و شهاب بالمقابل  لها، وعلى الأريكة الكبيرة بالمنتصف جلس كُلًا من مدثر ولوچي، لف مدثر  ذراعه حول لوچي المسترخية على كتفه موجهًا حديثه ل غزل المصدومة من أفعال  الصغيران: إزيك يا طنط!
تشنج وجه غزل من كلمته تزامنًا مع إرتفاع جانب شفتيها بإستنكار: طنط! طنط إيه يا عنيا!
أومال أقولك إيه!
عدلت من حجابها في حركة وهمية مردفة بغرور: قولي يا غزل.
اعتقد مدثر من طريقتها بالحديث بأنها تتكبر، لذلك مصمص على شفتيع مردفًا  بوقاحة: ومالك رافعة مناخيرك للسما كدا! إيش حال ما كنتِ هربانة مع أبويا  يا ولية!
فرغت غزل فاهها ناظرة له بعدم تصديق، و لوچي تُطالعها بشماتة طفلة صغيرة تُكِن لها الحقد لمغازلة مدثر لها منذ قليل.
ضرب شهاب الأخر بقدمه ناظرًا له بصرامة بدعوة صريحة للتأدب، لينظر ل غزل المصدومة مُتحدثًا ببلاهة: لمؤأخذة يا أبلة.
جزت على أسنانها بغيظ من تلك العائلة التي تُثير حنقها بحق، لتقول  بعصبية ولم ترى هذان القادمان خلفها: لا عادي، ما هو ابن ريان هتوقع منه  يكون محترم إزاي!
الله! وأنا عملت إيه دلوقتي!
كان هذا صوت ريان الحانق الذي أتى مع فارس للتو، ليجلس بجانب إبنه سائلًا إياه: عملت إيه فيها يا قلب بابا عشان تتعصب كدا؟
رسم مدثر على ملامحه علامات الإنكسار والحسرة: معملتش حاجة يا بابا. هي اللي مش قابلة مني كلمة. محسساني كأني ضرتها يا خويا تخيل!
نظر ريان ل غزل بعتاب قبل أن يجذب ابنه في عناق دافئ: متزعلش منها يا  حبيبي، هي على طول روحها في مناخيرها كدا ومش بتطيق حد، بس هبلة وقلبها  أبيض والله.
هز مدثر رأسه بتأثر وهي ينفي متابعًا بألم: لأ يا بابي لأ، دي حتى كانت  بتبصلي بقرف عشان كنت بصالح لوچي وببوسها بعد ما دخلتوا انت وعمو فارس، أنا  مش عارف هي بتكرهني كدا ليه!
مسح ريان على خصلاته بحنان وكأن الموقف حقيقي ويدعي كل هذا البكاء: خلاص  متزعلش. طلعت مش معايا أنا لوحدي اللي بتفهمني غلط، دايمًا عندها سوء ظن  بالناس أو ر كدا.
أكدت لوچي على حديثه ناظرة تجاه غزل بغيرة: معاك حق يا عمو. هيروحوا من ربنا فين بس!
كل هذا وتلك المسكينة تُتابعهم بصدمة، هل كل هذا الحديث موجه لها هي! هل هي السيئة الآن! هذه العائلة وقحة بحق، وقحة لدرجة لا توصف.
كان جميعهم منهمكين في الحديث لكن لم ينظروا لذلك الذي يحترق، كان فارس  يُطالعها بحقد حقيقي، لقد كَرِه تلك العائلة جميعها، الرجال والأحفاد،  الجميع مذنبون، الجميع قتلوا والدته المسكينة، وهو ظل وحيد دونها.
لاحظ ريان نظراته الكارهة تجاهها ليشعر بالضيق منه ومن ذاته، والآن عليه  الإعتراف له بشئ شديد الخطورة، شئ من الممكن أن يُنهي صداقتهم للأبد! لكن  لن يعد عليه الإخفاء.
زادت صرخات أميرة من مظهر ابنتها الهامد على الأرض، ليستمعوا إلى صوت  طرق الباب الشديد، وكانوا هؤلاء أفراد العائلة الذين هبطوا بهلع عند  إستماعهم للصرخات القادمة من منزل طه، ذهبت تسبيح مسرعة لفتح الباب دون  النظر لما ترتديه، لتجد أمامها إبراهيم وخليل الذي تحدث بفزع: في إيه يا  تسبيح يا بنتي!
أمسكت يده برجاء وهي تبكي بشدة: إلحق سجود يا عمي بابا هيموتها.
صُدم كلاهما ثم دخلا ليجدا أن طه سكب الماء فوق وجهها دفعةً واحدة  لتستفيق، وبالفعل شقهت بقوة عند اصطدام الماء بوجهها، فأصبحت بين حالة  الوعي واللاوعي.
أمسكها والدها مرة أخرى من خصلاتها وهو يسألها بغضب حارق: انطقي يا بنت ال.
دفعه خليل بقوة حتى ابتعد عنها بينما إبراهيم احتضنها مُخبئًا إياها بين  أحضانه حتى لا تطالها يد والدها المتحول في هذه الأثناء، بكت بين ذراعي  عمها تشهق ببكاء يمزق نياط القلب ووجها ملئ بالبقع الحمراء من ضربات أبيها،  غلت الدماء بجسد إبراهيم عند رؤيته لحالتها، لينهره صارخًا: انت اتجننت يا  طه! تعمل في بنتك كدا!
حاول طه الإفلات من ذراعي خليل التي تُقيده وهو يُصيح بهم بغضب: سبوني. سبوني أربيها الو اللي دايرة على حل شعرها دي!
صُدم الجميع من إعترافه وحتى هو صُدم من حديثه، تهدلت ذراعيه بأسى بالغ  متمتمًا بحسرة: بعد ما كبرتها وشيلتها في حباب عنيا تيجي هي وتهد دا كله!
ثم نظر لها بعينان تصرخ بالعتاب قائلًا: ليه تكسريني بالشكل دا! ليه  تهدي كل اللي بنيته ليه! انتي عارفة إنك كنتِ أقرب واحدة ليا، واخواتك كمان  عارفين، ليه تكسري كل دا!
أنهى حديثه ودموعه تهبط بحسرة على تربيته التي ضاعت منه، لم يُقصر في  تربيتها، لم يُهمل، لكنها خانته، لم تحتمل نظرات أبيها المعاتبة لها، لذلك  شهقت ببكاء شديد واضعة يدها على فمها وهي تُشاهد تألمه وحسرته، وقفت بعد  مجهود مضني ثم دلفت لغرفتها مسرعة، لتُغلق الباب خلفها جالسة خلفه وهي تبكي  بحسرة.
ذهب عابد إلى والده ليُعينه على الوقوف بعدما خانته قدمه هي الأخرى، لم  يستطيع التوقف أكثر، لذلك ساعدوه في الجلوس على أقرب مقعد له، جلس إبنه  بجانبه مربتًا على صدره: هون على نفسك يا بابا. هون على نفسك يا حبيبي عشان  خاطري بدل ما يحصلك حاجة.
هز طه رأسه بيأس وهو يشعر بألام صدره تتضاعف، لكنه صمت لا داعي لأن  يُقلق الجميع، جلست فوزية جانب أميرة التي تبكي بشدة، تضرب على فخذها بحسرة  مما حدث في منزلهم الجميل في عدة ثواني: إهدي يا أميرة، شِدة وهتزول والله  متقلقيش.
أما بالداخل حيث غرفة تلك الباكية، وقفت أمام مرآتها تنظر لنفسها بهدوء مريب، غاب العقل وذهب المنطق ولم يبقى سوا وسوسة الشيطان.
مظهرها سئ، ذو وجه بشع، تكره ذاتها، حياتها مُنقلبة، ليست جميلة، حظها عَثِر، وأخيرًا لا أحد يُحبها، إذن لما عليها العيش!
لم تشعر بدموعها التي تسيل، أُعميت بصيرتها، تعالت شقهاتها وتعالى  بكائها حتى ارتفع لدرجة الصراخ، تضرب على وجهها بكره لنفسها أحيانًا وتشد  على خصلاتها أحيانًا أخرى ولم تستمع لأحد، حتى أنها لم تستمع لطرق الباب  ولا لصراخ والدتها الخائفة عليها، أمسكت بزجاجة العطر الخاصة بها ثم دفعتها  للمرآة بصراخ هستيري تملك منها، لتلتمع عيناها بشظايا الزجاج المتناثرة  حولها، وأمسكتها. أمسكتها ولم تعلم بعواقب ما فعلته بعدها،!
وبالخارج. لطمت أميرة على وجهها مردفة بصراخ: إلحق أختك يا عابد. سجود بتضيع مني يا طه.
بينما طه كاد أن يُصاب بذبحة قلبية من خوفه على فلذة كبده، أبعد عابد  الذي يطرق على الباب ويناديها بفزع من صراخها، خفق قلب الجميع من عدم  إجابتها، بل ومن السكون الذي أحاطها بالداخل فجأة! طرق بقلب خافق وهو يقول  بإرتعاشة خوفًا من أن تكون قد أقدمت على شئ متهور: س. سجود! افتحي يا  حبيبتي، افتحي خلاص مش هعملك حاجة والله. افتحي عشان خاطري.
همس الأخيرة بصوت مبحوح وقلب يئن من الخوف والألم، أبعده إبراهيم مسرعًا  ويبدو أنه دخل في حالة صدمة، قبل أن يقول موجهًا حديثه ل عابد المتصنم هو  الآخر: عابد ركز معايا. دلوقتي هنكسر الباب مقدمناش وقت. لازم نكسره بأسرع  وقت.
هز رأسه مؤكدًا بهستيريا وكأنه الآن لاحظ سوء الموقف، ليهمس دون وعي: سجود.
سجود هتبقي كويسة بس ركز انت معايا، هعد تلاتة، ومع تلاتة هنزق كلنا، إتفقنا!
بدأ إبراهيم بالعد والجميع قلوبهم تتآكل من الخوف، ومع الثالثة بدأوا  بدفع الباب بقوة، ولكن لم يفلحوا، فقاموا بتجربتها للمرة الثانية وقد انضم  لهم أحمد لتُصبح القوة أشد ولُحسن حظهم فُتِح الباب، أو لسوء حظهم،!
تشنج الجميع أماكنهم، تُصلبت أجسادهم ولم يقدروا على الحراك، فقد وجدوها  كالجثة الهامدة على الأرض الباردة الصلبة، والدماء متناثر من حولها، توقفت  قلوبهم لثانية، أو ربما لثانيتين! لكن، الدماء ليست من يدها! بل من رقبتها  وتحديدّا عند عرقها النابض!
ولم يُسمع بعدها سوى صوت صرخات أميرة التي هزت أرجاء الشارع بأكمله تصرخ بإسم إبنتها الراحلة!
فزع الجميع وأولهم غزل التي استمعت للصراخ القادم من منزلها المقابل  لمنزل عائلة النويهي، لتتسمر مكانها عندما استمعت للصراخ بإسم إبنة عمها  سجود، وكأن عقلها توقف لعدة ثواني متسائلة: إيه اللي حصل!
هبَّ الجميع من مقاعدهم وقلوبهم تطرق بشدة، لم يشعر ريان بذاته وهو  يهرول خلف غزل التي لم تنتظر لثانية واحدة واتجهت نحو منزل عائلتها لتتصنم،  تصلبت محلها عندما وجدت جميع أفراد عائلتها يبكون وإمارات الفزع بادية على  وجوههم.
ولم يشعروا بذلك المتسمر محله، كان يُحدثها منذُ قليل والآن يراها  مُحملة على يد أخيها ورقبتها تنزف الكثير من الدماء! وضع معتصم يده على  قلبه الذي شعر بتوقفه، لم يستوعب ما حدث حتى الآن، لن تتركه. ليس بعدما  أحبها تذهب هكذا!
ابتلع ريقه الجاف ولم يشعر بالدموع التي أغرقت صفحات وجهه، لم يشعر بشئ  سوى ذهاب روحه عند إنطلاق السيارات بها! أغمض عينه بقوة علَّه يستيقظ من  حلمه هامسًا بصوت مبحوح: يا رب أصحى. يارب سجود مش هتسيبني صح! يارب مش بعد  ما لقيت روحي تاخدها مني.
وفتح عيناه يتمنى أن يجد نفسه في غرفته، لكنه وجد ذاته في الشارع وسط  الجيران الذين خرجوا من منازلهم لرؤية ما يحدث، وقتها صرخ بقوة أدت لتألم  حنجرته: أكيد حلم وهصحى منه. سجود مش هتسيبني.
ذهب إليه ابن عمه شهاب الذي كان يُراقب الوضع من بعيد: في إيه يا معتصم.
نظر إليه بتيهة مشيرًا للسيارة التي أخذوا بها سجود بلا وعي: سجود مش هتموت وتسيبني صح! سجود مسابتنيش، أكيد مش هتعمل فيا كدا لأ.
فتح شهاب عيناه على آخرهما بصدمة، متحدثًا بعدم تصديق: انت. انت ليك علاقة ببنت أبو زيد.
شهق ببكاء وحتى الآن لا يصدق متمتمًا بإنهيار شديد غير واعي بمن يقف خلفه:  بحبها، بحبها يا شهاب. هموت لو جرالها حاجة، واللهِ العظيم هموت.
لم ينتظر أن يُجيبه شهاب، لن ينتظر أحد وسيذهب خلفها وليحدث ما يحدث،  استلقى سيارة جده المركونة بجانب المنزل بعدما أخذ مفاتيحها من على التلفاز  حيث يضعها دائمًا، ثم انطلق خلفهم مسرعًا، وبالطبع سيذهبون لأقرب مشفى  هنا، وصل بعد قيادة دامت ربع ساعة تقريبًا وسأل على مكانها، لتُخبره  الممرضة بأنها في غرفة العمليات وأتت بحالة حرجة للغاية، وهنا توقف كل شئ،  توقف الزمن، الساعات، وحتى أنفاسه توقفت هي الأخرى، وبصعوبة شديدة صعد إلى  غرفة العمليات ليستمع للخبر الذي هز بدنه كاملًا.
جلست غزل بمنزل عائلتها بعدما أمرتها والدتها بالمكوث، تذكرت نظراتها  حين احتضنتها باكية، لا تعلم أهي حزينة من أجل إبنه عمها أم سعيدة لرؤيتها،  وللحقيقة هي لاحظت حيرتها بين السعادة والحزن، لكنها شجعتها على الذهاب  خلفهم لطمئنتها على سجود.
جلست تبكي بقهر وجلس ريان جانبها ينظر لبكاؤها بحزن، لا يعلم كيف يهون  عليها، حزنها يقتله، أمسكها من يدها بحنان مربتًا عليها قبل أن يُردف:  كفاية عياط عشان خاطري، متقلقيش هتبقى كويسة واللهِ.
شهقت بصوت مرتفع ولا تعلم كيف تُجيبه، هي تشعر بأن قلبها يكاد أن ينفجر  من شدة الضغوطات التي بها، لتهمس بصوت مبحوح ومتحشرج من شدة البكاء: سجود  يا ريان بتضيع. خايفة تموت، مكنتش بعتبرها بنت عمي بس. لا كنت بعتبرها أختي  الصغيرة، بريئة ونقية وبتحب الكل، مش عارفة إيه اللي حصل ووصلها لكدا، بس  أنا قلبي واجعني أوي.
تألم قلبه بشدة، وتسللت بعض العبرات لعينيه، لا يعلم كيف يُخفف عنها،  وهو مَن كان يُخفف عن الجميع، لكن معها الأمر مُختلف! فاحتضنها...
احتضنها بقوة علَّ قلبه يتوقف عن التألم، أحاط خصرها بذراعيه دافنًا إياها  بين عضلات صدره القوية، وهي بكت. بكت وشهقت بألم وعناقته هي الأخرى، وكأن  بين أحضانه النعيم، لكنه نعيم مُحرَّم!
دقات قلبها الصاخبة في قربه هدأتها. دفئ أحضانه أشعرها بالأمان. وحنانه، وآه من حنانه الذي تعشقه. تعشقه!
قطبت جبينها من تفكيرها وتصنمت لبرهة، بماذا فكرت! ابتلعت ريقها بتوتر  شاعرة بربتاته على ظهرها، وهدهدته لها وكأنها طفلة، همساته اللطيفة  كلطافته، تمتمته بإسمها لإيقافها عن البكاء، وأخيرًا نبضات قلبه الصاخبة  التي شعرت بها تحت كف يدها، وسؤال يدور بين دهاليز عقلها؛ لِما فؤاده يطرق  بتلك الشدة!
ابعدت وجهها عن صدره بتوتر وهي تعض على شفتيها بخجل، لتُقابل وجهه  وبسمته الساحرة، ناظرة لعيناه الرمادية التي تلتمع بشغف، وكأن بذلك العناق  هدأ صخب كلًا منهما، أو ربما زاد!
انتِ كويسة!
سألها بصوت خفيض لتومأ بالإيجاب شاعرة بالسخونة تسري في أوصالها، لتسمعه  مُكملًا حديثه بعبث وَقِح كعادته: هتفضلي في حضني كدا كتير! لو عاجبك أبقى  أحضنك كل يوم!
خرجت من أحضانه مسرعة مبتعدة عنه بإحراج، لتقول بحدة محاولةً لمداراة خجلها: انت. انت قليل الأدب ومش محترم.
اقترب منها عدة خطوات سريعة ليقف قبالتها مباشرةً، ليتشدق بمكر: قولتيلي كدا من شوية يا «غزالة»
حدقت به بتعجب لتُردد خلفه بإستغراب: غزالة!
أكد لها بالإيجاب ليتمتم بصوت هامس: اه، غزالتي.
وهل لطرق القلب صوت! هكذا سألت ذاتها عندما شعرت بصوت نبضات قلبها تطرق  بصخب، ابتلعت ريقها بتوتر وعيناها تدور في جميع الإتجاهات عدا وجهه، بينما  هو كان ينظر لها بتمعن، تسحبه لها ببطئ ودون وعي، لا يشعر بالوقت في  حضرتها، اقترب لها ببطئ وهي تبتعد للخلف حتى شعرت بالحائط الصلب خلف ظهرها،  توترت بشدة من قُربه خاصةً وأنه أصبح أمامها مباشرة، شعرت بنهيج صدره  لتشهق بعنف عندما استند بجبهته على جبهتها، وصوته الهامس يتردد في أذانها  كأنه صدى صوت ولكن جميل: غزل، أنا، أنا ب...
قطع حديثهم صوت طرق الباب، لتُبعده بيدها عن محيطها وتهرول إلى غرفتها،  لكنها تصنمت محلها عندما وجدت شقيقتها ميران تقف فارغة الفم، وكأن على  رأسها الطير، سحبتها غزل مسرعة لتُغلق الغرفة خلفهم وصدرها يعلو ويهبط  بسرعة شديدة.
وبالخارج. فتح ريان باب المنزل ليجد صديقه فارس يقف أمامه وعلى وجهه معالم  الإمتعاض، أفسح له الطريق وكأنه صاحب المنزل قائلًا بترحيب: تعالى يا فارس.  واقف ليه البيت بيتك.
طالعه فارس بضجر ثم دلف للداخل بعدما رأى أن جميع أفراد العائلة خارج  المنزل، وبالطبع دلف خلفه هذان المُلقبان بطفلان! جلس على الأريكة ولم ينبث  ببنت شفة وعلى الجانب الآخر جلس كُلًا من مدثر ولوجي، استغل فارس تلك  الفرصة مُردفًا دون مراوغة: حبيتها يا ريان.
كان ريان يعلم حساسية صديقه تجاه تلك العائلة، لذلك لم يُجيب، لا يريد  خسارته، لا يريد فقدانه بعدما وجد نصفه الآخر، لكن هو أيضًا لا يريد  خسارتها. أأحبها! نعم، ويعترف، ويحب صديقه أيضًا، لذا كان شارد ولم يُجبه.
وضع فارس يده على كتفه متسائلًا: جاوبني يا ريان، حبيت بنت أبو زيد!
تهدلت أكتافه ليُجيبع بأسف: غصب عني يا صحبي، والله العظيم غصب عني.
أنزل فارس يده من عليه ثم هدر عاليًا بإبنته: لوجي، يلا.
كادت ابنته أن تعترض، فذهب إليها وأمسكها من ذراعها قِسرًا وهو يجرها  خلفه دون الحديث، نظر له ريان بحزن شديد وداخله يتألم، يشعر بأنه على مقربة  من فقد صديقه، وإن انتهى الأمر بنسيانها، للأسف لن يستطيع نسيانها.
نظر حوله بضياع ليجلس على المقعد دافنًا رأسه بين كفيه وهو يُفكر في حل  وسط يُرضي الطرفين، ذهب إليه مدثر ببطئ مربتًا على ظهره دون الحديث، ليرفع  ريان رأسه له بتعب، وضع مدثر قُبلة خفيفة على وجنته قائلًا بحنان اكتسبه  منه: كل حاجة هتعدي يا بابا.
سحبه ريان لأحضانه، وحقًا وجود إبنه في حياته يُهون عليه الكثير، يُمثل كل  حياته حرفيًا دون مبالغة، العائلة، الأصدقاء، الأهل، الأب، والجميع.
بداخل الغرفة...
تحدثت ميران بخطر وهي تنظر ل غزل بتحذير من المراوغة: متلفيش وتدوري عليا،  عايزة تفهميني إن بعد كل اللي شوفته دا مجرد علاقتكوا صحاب بس.
تلعثمت في الإجابة مبررة: ا. اه. قعدتنا مع بعض كتير خلتنا صحاب واللي انتِ شوفتيه مجرد وهم مش أكتر.
استندت ميران على ظهرها بالفراش قائلة بخبث وهي ترفع لها حاجبها: بس باينه بيحبك يابت، عنيه القمر دي فضحاه.
توترت أكثر مردفة بتلعثم: اي. إيه! حب إيه وزفت إيه، وبعدين دا متجوز ومخلف. اسكتي يا بت انتِ.
هزت لها ميران كِلا حاجبيها وهي تقول بضحك: بكرا نشوف يا غزالة.
تأففت غزل من مراوغة شقيقتها، لذلك أمسكت بالوسادة وألبستها بوجهها كاتمة ضحكاتها كُليًا، وظلت كما هي تُفكر في حديثها، هل يُحبها!
ابن النويهي هو السبب. والله لهدفعه التمن غالي.
هكذا همس طه بحقد ووجه مملوء بالدموع بعدما دخلت ابنته غرفة الطوارئ، وللأسف استمع له معتصم الذي وصل لتوه.
كل ما حدث بسببه هو! سؤال يتقاذف داخل عقله يوقفه عن العمل، اقترب ببطئ حتى وصل إليهم متسائلًا دون وعي: ف. فين سجود!
التفت إليه الجميع، صُدموا ولم يتوقعوا حضوره بالمرة، وأول من تدارك  بالأمر هو عابد الذي ذهب إليه مُسرعًا ممسكًا إياه من ياقة قميصه يهزه بقوة  تزامنًا مع صراخه الشديد: انت إيه اللي جابك هنا يا! وديني وما أعبد  لهسففك التراب. واللهِ لهجيب حق أختي منك يا حقير.
أنهى حديثه لاكمًا إياه في وجهه بقوة أدت إلى ترنحه، تماسك بصعوبة وكل  هذا لم يُهمه، ليتسائل مرة أخرى بألم شديد: عايز أشوف سجود بالله عليك.  قولي إنها كويسة بس وأنا همشي ومش هتشوفوا وشي والله.
أمسكه عابد مرة أخرى من تلابيه وهو يهزه متشدقًا بألم: أختي بين الحيا  والموت بسببك انت. أختي بتموت جوا ومش عارفين هتطلع عايشة ولا لأ.
هبطت دموعه بقوة وهو يهز رأسه نافيًا، حتى شهق بعنف وهو يتحدث: مينفعش، مينفعش تموت وتسيبني، مينفعش.
كان يهزي بها بهستيريا وكأنه لا يحبذ فكرة موتها وتركه وحده، استمع إلى صوت  والدتها الباكي ونظر تجاه والدها الذي يجلس بصدمة حتى الآن، قاطعهم خروج  الطبيب وعلى وجهه معالم الأسف الشديد، ذهبت إليه أميرة متحدثة برجاء: بنتي.  بنتي عاملة إيه يا دكتور.
صمت الطبيب قليلًا ثم أردف بصوت مجهد وآسف: للأسف،!

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل التاسع عشر
تصلبت أجسادهم من نبرة الطبيب التي لا تدل على خير، صمت الطبيب قليلًا  ثم أردف بصوت مجهد وآسف: للأسف المريضة دخلت في غيبوبة، لحقناها بالعافية  ودا لأنها نزفت دم كتير، من حُسن حظها إن الآلة الحادة اللي استعملتها  مغرزتش في الوريد، وإلا لقدر الله كان ممكن تتوفى، ومن الواضح إن حصلها  حالة تذبذب وهي بتقدم على الإنتحار، ودا كان شئ في صالحنا، بس حالتها  مازالت صعبة، ادعولها الساعات الجاية تمر على خير ومنفقدش المريضة، عن  إذنكم.
لم يشعروا بذهاب الطبيب من أمامهم، بل كانت عباراته تتردد داخل عقولهم  ادعولها الساعات الجاية تمر على خير ومنفقدش المريضة، جملة صداها كان في  عقول الجميع، وخاصةً ذلك الذي جلس أرضًا وبكى!
استندت أميرة على حائط المشفى قائلة بعدم تصديق: يعني إيه! يعني أنا بنتي كدا راحت!
ساندتها فوزية التي كانت تبكي بشدة هي الأخرى قائلة بمؤاذرة: اهدي يا  أميرة. الدكتور قال لحقوها أهو. تعالي. تعالي نروح نصلي ركعتين وندعيلها  تفوق وترجعلنا بالسلامة.
شهقت بعنف وهي تضع يدها على فمها بعدم تصديق وخوف، ثم ذهبت معها وهي تُردد  جملة واحدة بإنهيار: متختبرنيش في بنتي يارب، متختبرنيش في بنتي يارب.
نظر لها طه بعجز وهي تبتعد مع زوجة أخيه، قلبه يكاد أن ينشق من الألم  على فلذة كبده، ظل يؤنب نفسه ويجلد بها بشدة، فهو من أوصلها لتلك الحالة،  هو من أقدمها على الإنتحار، جلس على المقعد بإنهاك غير قادر على التنفس،  يشعر بأنفاسه وكأنها نصل حاد تخترق عنقه، ليكون أول من ينتبه له هو معتصم  الذي كان يبكي في زاوية الطرقة، ليهرول تجاهه جالسًا جانبه قبل أن يتحدث  بهلع جذب إنتباه الجميع: مالك يا عمي!
نظر له طه بدموع وبدأت الصورة تتشوش أمامه، ذهب إليه عابد مسرعًا متحدثًا بفزع: بابا! مالك يا حبيبي!
ظل يُتمتم ببعض الكلمات وكأنه لا يشعر بوجود الجميع حوله من الأساس، كل ما  يأتي أمام عيناه هي صورة ابنته والدماء تُحطيها من كل جانب، إستطاع معتصم  أن يتلقط كلمة واضعة من بين همساته الضائعة وهي: بنتي، بنتي.
وللحق كاد معتصم أن يبكي مرة أخرى، لوهلة شعر بأنه السبب الرئيسي في  ذلك، وحتى الآن لا يعلم ما حدث، لذلك أردف دون أن يُراعي عواقب الأمور: إيه  اللي وصلها لكدا!
وكأن بسؤاله أيقظ الوح الكامن داخلهم، حدجوه جميعًا بنظرات حارقة ما عدا أبيها الماكث بضعف الذي تحدث بوهن: انت. انت السبب...
نظر له معتصم بصدمة وقلبه يطرق بعنف، ليستكمل طه حديثه بوهن مُبكي للجميع: وانا. انا كمان السبب. بنتي بتضيع مني.
إزاي أنا السبب!
هكذا همس بصدمة جليَّة على قسمات وجهه قبل أن يُوقفه عابد بحدة صارخًا به:  أيوا انت السبب. اطلع بقى من حياتنا ومن حياتها. مش كفاية اللي وصلتله  بسببك، بس الغلط مش عليك لوحدك. الغلط علينا إن احنا مخدناش بالنا عليها من  واحد زيك.
اشتلعت النيران بعين الآخر، لكن ليس لسبه أو إهانته، بل من أجل سجود  النائمة كالموتى بالداخل، ليُمسكه من تلابيبه يهزه بقوة: أنا معملتش حاجة،  انت بتقول إيه! إزاي أنا السبب!
أنزل عابد يد معتصم بقوة متشدقًا بما جعل النيران تضرم داخل جسد الآخر:  بسبب مقابلاتك السرية مع أختي، بسببك انت ومش سبب حد تاتي أختي بقت بين  الحياة والموت، انتحرت عشان قسينا عليها شوية لما عرفنا عملتها ومقابلتها  ليك، ضربانها أيوا بس دا حقنا، عايزنا نعمل إيه لما نعرف إن بنتنا بتنزل  تقابل شاب من ورانا! ناخدها بالأحضان ولا نعملها فرح! عيني اتعمت ومبقتش  حاسس بحاجة غير وأنا بضربها بالقلم، لكن دا!
قال جملته وهو يُشير لأبيه التي تسقط دموعه وهي يتذكر ما حدث من بدايته،  ليستطرد عابد حديثه: دا اللي رباها وكبرها وعلمها وشلها على كفوف الراحة  وراحت هي بكل أنانية وكسرتش بخاطره وثقته، كسرته من غير ما تفكر اللي  بتعمله دا غلط ولا صح. كسرته وكانت بتقابلك من ورا أهلها ويا عالم إيه اللي  حصل غير المقابلات! مش مهم احنا حاسين بإيه. الراجل المسكين دا حَس بإيه  لما يشوف صورة بنته واقفة مع واحد تاني وقريبة منه لدرجة تخلي اللي يشوف  الصور دي يظن بيها ظن مش كويس. أختي سمعتها هتتمس بسبب واحد حقير زيك. أختي  انتحرت بسببك مش بسببنا زي ما بابا قال. بسببك انت فاهم!
قاطعه معتصم بصراخ ودموعه تسقط بلا رحمة: مش بسببي. أنا و سجود مبنعملش  حاجة غلط، كنا مجرد صحاب من صغرنا. لحد ما حصل المشاكل اللي بين العيلتين  ومنعونا عن بعض، بس مكناش بنرتاح مع حد غير لبعض. تعرف انت إيه عن أختك ها!  تعرف إيه عنها قولي! تعرف إنها حاولت الإنتحار قبل كدا كذا مرة! طيب تعرف  هي بتفضل تعيط بليل لوحدها لحد ما تنام من الوجع! تعرف حاجة عن ألمها  النفسي! تعرف إنها معندهاش ثقة في نفسها وشايفة نفسها مش حلوة لمجرد إنها  مش لاقية الإهتمام من اللي حواليها! كام مرة كانت بتضحك قدامكم ومن جواها  بتموت من الألم النفسي اللي مسيطر عليها! عارف حاجة عنها قولي انت!
كان عابد يستمع إليه بصدمة ودون تصديق، وكأن بحديثه قد عراه أمام ذاته،  هو كان يرى شقيقته سعيدة ومشاكسة دائمًا، لم يكن يعلم بألامها النفسية تلك،  كان حنون وعطوف معها يُقسم، لكن عمله كان يسرقه منهم! ومع ذلك لم يُقصِر  في إغداق إخوته بالحنان والحب، وهم يشهدون على ذلك، تمتم بعدم تصديق ودون  وعي: يعني إيه حاولت تنتحر قبل كدا!
لوى معتصم شفتيه بتهكم وهو يمسح سيل الدموع المتساقطة على وجهه مُكملًا:  آه حاولت 3 مرات، وأنا بصعوبة كنت بحاول على أد ما أقدر أفضل معاها  وأقابلها عشان أحسَّن من نفسيتها، كنت بحاول أرجعها عن اللي في راسها  وأقولها إن الكل بيحبها وحتى أهلها، لكن باللي عملتوه النهاردة؛ رسختوا في  دماغها فكرة الإنتحار أكتر لحد ما عملتها، وأنا مش مسامحكم. وهي كمان مش  هتسامحكم و...
معتصم!
قطع حديثه صوت نداء حاد جاء من خلفه ولم يكن سوى أبيه، طالعه بجمود  تلبسه وما هي إلا ثواني واتسعت عيناه بصدمة كصدمة الجميع عندما صفعه بكر  صفعة قوية دوت صداها في الأرجاء...
استندت على أريكة غرفتها وداخلها نشوة الإنتصار بما فعلته، ارتشفت من  كأس المثلجات الذي أمامها مُبتسمة بخبث وهي تُكافئ ذاتها على نجاح خطتها  الدنيئة، وقفت ني ين محلها ضاحكة بإستمتاع بعدما أرسلت مغلف الصور إلى منزل  غريمتها، وعلمت ما حدث مِن مَن يُراقب الوضع أسفل منزلها، لتهمس بشئ من  الحقد والكره: عسان تبقى تعرف بتلعب على مين يا معتصم. مش أنا اللي  تستغفلني مع واحدة زي دي وأسكت.
دارت حول الطاولة الزجاجية ناظرة لهاتفها بمتعة غريبة عندما استمعت  للخبر الصادم والسعيد بنفس الوقت، لم تكن تتوقع أن تقدم سجود على خطوة  الإنتحار تلك، لكن كل شئ أتى لصالحها.
عادت لذاكرتها للخلف عندما تذكرت ما حدث وإكتشافها لمقابلتهم لتُقسم على  الإنتقام منهما بطرق شيطانية مختلفة، لكنها وجدت أن تلك الطريقة هي الأفضل.
.
عودة لذلك اليوم الذي ذهبت فيه نيفين لرؤية زهر وكأنها تريد أن تساعدها  في حياتها، وهي في الحقيقة كالثعبان يبث سمه في الدماء دون أن تشعر، وصلت  للبناية الخاصة ب عائلة النويهي وكادت أن تصعد حتى وجدت معتصم الذي كان  يُدندن بسعادة لذهابه ورؤية صديقته المقربة سجود، وقفت أمامه لتقاطع طريقه  متحدثة بدلال وهي تقترب منه: إزيك يا عصومي!
زفر من طريقتها المقرفة بالحديث، فلطالما كانت وقحة في أفعالها، فحتى لو كانت خطيبته، لا يصح لها فعل تلك الأمور الشنيعة!
أنزل يدها من على طرف قميصه ثم تحدث يإستعجال وهو ينظر لساعة معصمه: بعدين يا ني ين، ورايا مشوار مهم دلوقتي.
ضيقت عيناها وهي ترى ثيابه المهندمة وإستعجاله للذهاب، وبحثها الأنثوي  علمت أن خلف كل هذا فتاة، استشاطت عندما توصلت لتلك النقطة وسمحت له  بالذهاب لتتبعه، ظنت بأنه سيستقل سيارة أبيه وسيذهب، لكنه ذهب سيرًا،  تتبعته خفية وهي تحاول بقدر الإمكان على عدم رؤيته لها، وبالفعل نجحت في  ذلك.
لم يمر خمس دقائق إلا وهو ينزوي خلف الحائط الكبير لشارعهم، قطبت جبينها  بتعجب لتتبعه، وجدته يستند على حائط كبير خلفه وشارد بإبتسامة غريبة، زاد  تعجبها وهي تنظر حولها، أيأتي لذلك المكان وحده ليسترخي! لكن لما عليه أن  يكون بكل تلك الأناقة!
وما كادت أن تستكمل تفكيرها إلا أن استمعت لصوت وقع أقدام قريبة منها،  اختبأت خلف صخرة كبيرة وهي تتنفس بعنف خوفًا من كشف أمرها، هل يُدير معتصم  أفعال غير مشروعة في تلك المنطقة!
توقف تفكيرها، واشتعلت النيران بجسدها عندما وجدتها فتاة، وتحولت غيرتها  إلى صدمة عندما علمت هويتها جيدًا، هل تلك سجود أبو زيد! هل يقوم معتصم  بخيانتها مع تلك!
هكذا همست داخلها وهي تُتابع تحدثهم بدهشة، فمازالت الصدمة مؤثرة عليها،  لم تستمع إلى حرفٍ مما يقولوه لكنها تُشاهد نظراتهم، كانت نظرات والهة، أو  ربما عاشقة!
أخرجت هاتفها من جيب بنطالها ثم قامت بتصوريهم عدة صور، ومازاد الطين  بلة هو تعرقل سجود بأحد الأحجار؛ ليُمسك بها معتصم من خصرها مانعًا إياها  من السقوط، وتلك كانت اللقطة الأخيرة والمدمرة كما أسمتها، نظرت للصور  بإبتسامة منتصرة مُتمتمة بخبث وحقد: إما نشوف طه أبو زيد هيكون مبسوط وهو  شايف بنته في حضن معتصم النويهي ولا لأ!
عادت من تذكرها وهي تضحك بشدة مُعلنة إنتصارها، وتوقفت فجأة وكأن لديها  حالة نفسية قبل أن تهمس بشر: دا عقاب خيانتك ليا. مش أنا اللي أتخان  وأسكت. مش كل ما أحب حاجة الكل ياخدها مني. أنا بكرهكوا. بكرهكوا كلكوا.
همست الأخيرة بغل تزامنًا مع تساقط دموعها بحسرة وألم، شعورها بالظلم من كل  من حولها جعل قلبها قاسٍ كالحجارة، وذلك نتاج أفعالهم لا أكثر!
توقف الوقت والزمان من حولهم ليظل صوت صفعة بكر يتردد في الأذان، وضع  معتصم يده على وجهه ناظرًا أرضًا بثبات وكأنه لم يشعر بها من الأساس، فألم  قلبه فاق ألم الصفعة بكثير، رفع نظره على صوت والده الهاتف بغلظة: سبق  وقولتلك تقطع علاقتك بالعيلة دي ومتدخلش بأي حاجة تخصهم، وبدل ما تسمع  كلامي رايح تصاحب بنتهم! معملتش خاطر لحُرمة بيتك وحطيت أختك مكانها!  مفكرتش للحظة إن ربنا ممكن يعاقبك بأهل بيتك! نسيت تربيتك وتربية أهلك  ورايح تصاحب بنات الناس! بعيدًا على إنها بنت مين ومن عيلة إيه بس غلطك إنك  لعبت بيها.
هز معتصم ريقه بصعوبة ودموعه تهبط متمتمًا بألم: ملعبتش بيها. والله  ملعبتش بيها. كنت بعتبرها كصديقة قريبة ليا. وغصب. غصب عني حبيتها. بس  وقسمًا بالله معملتش حاجة تأذيها أو تقلل منها. أنا حبيت سجود بجد يا بابا.  عشان خاطري صدقني.
طالعه والده بعتاب وداخله يعلم أن إبنه قد أحب بصدق، ودموعه خير دليل على  ذلك، خوفه عليها يؤكد الحقيقة، لكن لا يُمكن، لن يُجازف بولده من أجل الحب،  لن يستطيع حقًا.
جاءهم إبراهيم الذي ترك أخيه الهزيل بجانب خليل ثم وقف أمامهم مردفًا  بهدوء: لو سمحت امشوا من هنا، مينفعش نعمل مشاكل في المستشفى كمان.
التفت له معتصم مسرعًا قائلًا بحسم: مش همشي غير ما اطمن عليها، مستحيل أسيبها.
في هذه الأثناء تدخل عابد الذي كان يحترق عند سماعه لكلمات معتصم بحبه  الشديد لشقيقته متشدقًا بحدة: مش هتشوفها ولا هتقابلها تاني، ولسه حسابنا  مخلصش يابن النويهي.
طالعه بجمود ثم أردف: اللي عندي قولته، ورأيك خليه لنفسك.
اشتدت المحادثة بينهم إلا أن قرر بكر أخذ إبنه معه، وبالفعل وافقه بصعوبة  شديدة وداخله يُصر على رؤيتها واليوم! حتى إن انتهى الأمر بدفع رشوة لإحدى  الممرضات والدلوف ليُطفئ لهيب إشتياقه إليها.
عاد عابد للجلوس جانب والده بعد ذهابهم وهو يفكر في حديث معتصم، هو رجل؛  والرجال لا يُخطئون في معرفة صِدق مشاعر الرجال أمثالهم، وهو رأى صِدق حبه  الشديد ل سجود، ابتسم بمرارة؛ فلو كانت الأوضاع بين العائلتين أفضل لكان  كل شئ تحت سيطرتهم، لكن الشئ المجهول المخفي عن الجميع حتى الآن مازال ينبش  النيران بين الجميع.
التفت شهاب حوله يُؤَمِن المكان من حوله، ليدلف إلى غرفته سريعًا دون  أن يلحظه أحد، وبمجرد ما دلف للداخل؛ حتى تحولت ملامح وجهه القلقة إلى أخرى  متأسفة عندما وجدها جالسة على الفراش لا تنظر تجاهه حتى.
علم بأنها حزينة بشدة بسبب إهماله لها كليًا الفترة الأخيرة، وها هو جلبها  لتقضي معه بعض الوقت ويبث شوقه إليها، جلس جانبها على الفراش قائلًا ببسمة  سعيدة وهي يُقبلها من وجهها: إزيك يا توتا!
ابتعدت عنه للخلف قليلًا دون أن تُبدي أي ردة فعل، ليُمسك بها مُقبلًا  كل إنش بوجهها مُتمتمًا بإعتذار: أسف يا حبيبتي، عارف إني مأثر معاكِ  الفترة دي، وعارفة كمان إني بحبك، متزعليش مني.
ومع كل جملة كان يُقبل مكان مختلف بوجهها، توقف ثم أردف متحمسًا وهو يُجلسها على قدمه: جبتلك الأكل اللي بتحبيه.
أنهى حديثه وهو يضع أمامها صحن من الأسماك التي تعشقها بشدة، وأخيرًا قررت مسامحته قبل أن تُبدي عن فرحتها قائلة: مياو!
اتسعت إبتسامة شهاب وهو يُقبل قطته الأليفة مرة أخرى من وجهها متحدثًا  بسعادة: أخيرًا نولت الرضا منك يا ست توتا! كان لازم أرشيكي يعني!
هزت القطة زيلها وكأنها تؤكد على حديثه مُطلقة مواء آخر وكأنها سعيدة  به، وضع شهاب سبابته يده على فمه وهو يهمس: بس متعمليش صوت، أبويا لو عِرف  إني جبتك تاني هيخرجنا سوا المرادي.
وكأنها فهمت حديثه لتقول بصوت خفيض للغاية: مياو!
مسح على فروها بحنان متشدقًا بحب: محدش غيرك بيفهمني، حتى الحلوفة اللي أنا  بحبها مش حاسة بيا، بس على مين والله لهسمع كلام الواد مدثر وهوقعها فيا  تاني.
أنهت القطة طعامها ثم قفزت عليه في دعوة صريحة لإحتضانها، ولم يؤخر ذلك  بل ظل يحتضنها تارة، ويُقبلها تارةً أخرى، إلا أن انتفض وهو يستمع لصوت  الصراخ في الخارج،!
أمر الطبيب الجميع بالذهاب، فليس بأي حاجة لوجودهم، كما أن إدارة  المشفى لا تسمح سوى بوجود مُرافق واحد جانب المريضة، لذلك ذهب الجميع ولم  يظل سوى طه الذي أصرَّ إصرارًا شديدًا على المبيت معها، اقترحت عليه  الممرضة أن يأخذ غرفة من منفصلة عن غرفة العناية المشددة، لكن ظل يترجاها  أن يراها ولو خمس دقائق فقط، ومع رجائه وافقت على مضض قبل أن تقول بتوتر:  بس الله يخليك يا حج هما خمس دقايق بس عشان ميحصليش مشكلة.
مسح دمعاته قبل أن يومأ مسرعًا بموافقة، التفتت حولها تَؤَمِن الممر  حولها قبل أن تُدخله بسرعة، دلف لها بعد أن ارتدى الزي المناسب ليتصنم محله  من مظهر إبنته، فقد كانت موصلة بالأسلاك من يدها وصدرها، غير ذلك الخرطوم  الموصل بأنفها، انتقلت نظراته لجرح رقبتها المُقطب وعليه الكثير من الشاش  الأبيض المُلتف حوله.
اقترب منها ببطئ وهو يجلد ذاته على ما وصل إليها الحال، شهق ولم يستطيع  منع ذاته من البكاء، لكم كان الأمر مؤلم عند رؤية فلذة كبده تُصارع الحياة  والموت، جلس على المقعد القريب من فراشها، أمسك بيدها الباردة ثم قبلها  برقة وكأنها قطعة أثرية يخشى خدشها، ثم تمتم بهمس وهو يعتذر لها كثيرًا:  أسف يا حبيبتي، أسف يا نور عيني، انتِ عارفة غلاوتك عندي أد إيه، انتِ روحي  يا سجود مش بنتي، عشان خاطري قومي، قومي عشان خاطر ابوكي.
مر الكثير وهو يُحدثها وكأنها تسمعه، لكن لم يكن لديه أي خيار آخر، دخلت  عليه الممرضة آمرة إياه بهدوء قَلِق: بعد إذنك يا حاج أخرج كفايا كدا.
مسح عبراته ممتثلًا لحديثها ثم خرج من عندها دالفًا لغرفة أخرى جانبها، ظل  طوال الليل يُصلي ويُناجي الله لسلامة إبنته، ثم أمسك بمصحفه وظل يتلو بعض  الآيات بصوت خاشع.
ومع كل تلك الأحداث تعدت الساعة الثالثة صباحًا، ليتوقف ريان موجهًا  حديثه ل غزل المُندمجة يالحديث مع والدتها التي أتت منذ قليل، وتجاورها  شقيقتها وكذلك أبيها: يلا يا غزل نمشي قبل ما النهار يطلع.
نظرت له فوزية قائللة برجاء: ليه ما لسه بدري يابني! خليكوا شوية أصلها وحشاني أوي.
نظر لها ريان بحنان لكن الشمس كادت أن تسطع حقًا: واللهِ يا ست الكل ما ينفع، النهار لو طلع علينا ممكن بنسبة كبيرة نتكشف.
طب نص ساعة بس والله أشبع منها.
وعندما رأت إعتراضه الواضح، أغرته قائلة: ددا أنا هقوم أعملكم شوية رز بلبن تاكلوا صوابعكم وراها.
ابتلع ريان ريقه وهو يستمع لعرضها المغري، فكم يعشق الأرز باللبن حقًا،  واستطردت حديثها مردفة: وهعملكم حِتة اللحمة المفرومة اللي جوا ومش هتاخد  مني ربع ساعة سِوا.
جلس محله وعلى ملامحه ترتسم سعادة طفولية غريبة: لا خلاص نستني ساعة مش نص ساعة.
تهللت أساريرها بشدة ثم وقفت جاذبة معها غزل لتبدأ بتحضير الطعام، وجلس  هو مع إبراهيم و ميران المتفحصين له، تشكلت إبتسامة متوترة على ثغره مردفًا  ببلاهة: منورين يا جماعة واللهِ.
استند إبراهيم بظهره على الأريكة جانب إبنته، ثم سأل ريان مباشرة: انت كنت شغال إيه يا ريان قبل كدا؟
شاغبه ريان متسائلًا بعبث مُضحك: إيه عندك عروسة يا عمي؟
ضحك إبراهيم بخفة وهو يهز رأسه نافيًا ليقول: لأ بس كنت عايز أعرف إيه اللي وقعك الوقعة دي؟
جعد وجهه مجيبًا إياه: متفكرنيش يا عمي أصل بيجيلي حموضة، سليم المنشاوي منه لله هو السبب.
ثم تربع حاكيًا له بحماس وكأنه يروي قصةً ما وليس سبب تعاسته: أنا أصلًا  كنت مهندس كمبيوتر، بشتغل في شركة كدا مع شاكر النويهي، كنت طيب وغلبان  وفي حالي ومليش دعوة بحد، وإكمني طيب حليت في عينهم وقالوا إيه ياخدوني  طُعم، لأني غصب عني هكرت نظام لشركة كبيرة وكانت شركة سليم المنشاوي اللي  بيتعاون مع الما يا، ويشهد ربنا إنه غصب عني.
قال الأخيرة ببرائة ليرفع إبراهيم حاجبه بإستنكار حقيقي، ثم ضحك عاليًا غير مصدقًا ما يرويه: مصدقك يا ضنايا إنه غصب عنك.
تتأثرت ميران بحكايته كثيرًا وأدمعت عيناها بشدة، سحبت منديلًا من الطاولة تُجفف به دموعها مردفة بتأثر: انت اتظلمت زي أختي أوي.
إدعى ريان الإنكسار متشدقًا بحزن: يلا بقا. وهما هيروحوا من ربنا فين الظلمة دول!
وبالداخل، جهزت غزل الأرز باللبن وقامت فوزية بتجهيز اللحم من أجل ريان،  لتُثرثر فوزية مع إبنتها قائلة: بس ريان دا باين عليه ابن حلال.
ومع ذِكر إسمه تشكلت إبتسامة لا إرادية على وجه الآخرى مردفة بتأكيد: فعلًا يا ماما معاكِ حق، طيب وحنين أوي.
لم تُلاحظ فوزية نبرة إبنتها الوالهة بل كانت مُنشغلة بما تقوم بتجهيزه، لتُردد بحُسن نية: ربنا يكتبله كل الطيب والكويس يارب.
خرجا من المطبخ بعد تجهيزهم للمأكولات، لتجد غزل والدها وشقيقتها  مندمجان بالحديث الشيق مع ريان الذي أخذ قلوبهم بسرعة، مثلما أخذ قلبها هي!
أردفت غزل بمشاكسة وهي تحمل الأطباق مع والدتها: الله الله يا عم بابا. نسيتني بالسهولة دي والكلام خَدك مع الأستاذ ريان!
قهقه والدها بمرح ثم جذبها لتجلس جانبه مُقبلًا وجنتها بحنان: وحد ينسى روحه يعني! متتصوريش الأيام اللي بنتجمع فيها وحشاني إزاي!
لفت يدها حول خصره ثم أردفت بحب: كل حاجة قربت تنتهي وهرجع وسطكم من تاني يا بابا، وبإذن الله وقتها سجود بنت عمي رجعتلنا بالسلامة.
آمن الجميع على دعائها، بينما ريان يُتابعهم بإبتسامة حزينة، لكم يتمنى  وجود دعم والده ودعاء والدته في تلك الأثناء، يشتاق لهم وبشدة خاصةً عند  رؤيته ل غزل ووالدها.
لاحظته غزل ولا تعلم كيف باتت تشعر بما يختلج صدره، يعلم أنه يشتاق  لعائلته كثيرًا، طالعته بحنان ليُحدجها بود ونظرات لامعة، ولم يكن إبراهيم  بالطفل الصغير حتى لا يُلاحظ نظراتهم، من المؤكد بأن هناك مشاعر مُخزنة  داخل قلب كليهما، ربت على ذراع ريان قبل أن يردف بحنان: وريان كمان هيبقى  من العيلة، طلعت طيب وابن ناس وأنا اللي كنت خايف على بنتي منك!
التمعت عينه بسعادة حقيقية، فها هو يحصل على قلب عائلة أخرى بتلقائيته  وعفويته المُجذبة، نظر له بإضطراب قبل أن يتسائل: والعداوة اللي بين  العيلتين!
وقف إبراهيم جاذبًا إياه تجاه سفرة الطعام، ليردف قبل أن يجلسوا جميعًا: مش  معنى إن انت عايش معاهم يبقى ليك ذنب، انت من طينة وهما من طينة تانية،  وأنا واثق فيك، وإلا مكنتش قدرت تحافظ على بنتي لحد دلوقتي، واحد غيرك كان  قال نفسي وهرب لوحده بدل ما يتمسك.
اتسعت إبتسامة ريان أكثر قبل أن يُمسك بالخبر قائلًا بحماس وسعادة مفرطة: أهو دا الكلام اللي يفتح النفس بحق.
ضحك الجميع على حديثه، وتلك الجلسة لم تخلو من أحاديث ريان التافهة  والتي كان يأخذها على محمل الجد فتُثير ضحكهم أكثر، أنهوا طعامهم ليقف  متثائبًا وهو ينادي على غزل التي دلفت مع والدتها المطبخ لنقل الطعام،  ليردف وهو ينظر لساعة الحائط: هنزل ل فارس، وخمس دقايق بالظبط انزلي عشان  نلحق نمشي قبل ما الشمس تطلع، اتفقنا!
أومأت له موافقة ووقفت تتابع خروجه بأعين لامعة، ولم تُلاحظ نظرات  والدها المصوبة تجاهها، ولا بحدقتي شقيقتها المشاكسة لها، لتقترب منها  ميران هامسة بأذنها بمكر: متبحلقيش أوي كدا كلها خمساية وهتمشي معاه.
فزعت غزل في البداية من صوتها، لكن تعابيرها تحولت للضجر وهي تدفعها بعيدًا مردفة بغيظ: ابعدي عني دلوقتي يا بتاعة محمود مش نقصاكِ.
قهقهت ميران عاليًا وتركت شقيقتها تدلف لغرفتها لتُغير ملابسها التي  بقيت بها منذ فترة طويلة، دخلت غزل غرفتها ثم انتقت بعض الثياب القليلة  لها، وارتدت واحدًا آخر من اللون الأسود يعلوه حجاب من اللون النبيتي الذي  لاق مع لون بشرتها الخمرية، ثم خرجت لتحتضن أبيها بشدة والدموع تتلألأ في  عيناها، لتسمع همسه الخافت: خلي بالك من نفسكيا نور عيني.
أومأت له ببكاء، ثم ذهبت لوالدتها التي بكت محتضنة إياها بشدة: كفايا عياط يا ماما بدل ما اقعد هنا واتمسك. أنا بقولك أهو.
مسحت فوزية دموعها مسرعة لتتشكل إبتسامة خافتة على وجه الأخرى والتي احتضنت شقيقتها بحنان مرددة: خلي بالك من نفسك يا بتاعة محمود.
ضربتها ميران بخفة على ذراعها متشدقة وهي تمسح الدموع العالقة بأهدابها: سيبي حمودي في حاله وخليكِ في نفسك.
ودعتها غزل بسخرية قبل أن تذهب من أمامهم سريعًا: طيب ياختي، ابقي سلميلي عليه.
وذهبت. وليتها تعود كما ذهبت!
قبل قليل،!
هبط ريان من البناية مستعدًا للذهاب لشقة فارس، ليجده واقفًا متهجم الوجه  أمام سيارته، أنظاره تُحدق بعيدًا وكأنه شارد في ملكوت آخر، ذهب إليه ريان  بخطوات بطيئة يشهر بالذنب لإحزانه، ناداه بصوت خافت: فارس!
فاق من شروده على صوته المُنادي لينظر تجاهه، وثوانٍ وكان يَحول بنظراته  عنه، «مازال حزينا»، هذا ما فكر به ريان مؤنبًا ذاته، وقف قبالته مباشرة  وبدلًا من أن يتحدث؛ احتضنه!
وكأن وسيلة الإعتذار الوحيدة له هي العناق، شدد من إحتضانه وهو يقول  بإعتذار: متزعلش مني، مش هقدر أمشي وانت زعلان، حقك عليا بس انت عارف الحب  مش بإدينا، وأنا واللهِ ما كان بإيدي، مش همشي، مش هيهون عليا زعلك.
أغمض فارس عيناه بشدة، غاضب منه لكن لا يستطيع لومه، ليس ذنبه، لا يُمكن  إدخاله بدائرة كرهه لعائلة أبو زيد، وبتردد رفع ذراعه ليُبادله العناق.
تنهد ريان براحة وها هو همه قد إنزاح قليلًا عن صدره، ليستمع لقول فارس  الغاضب: دا مش معناه إني سامحتك يابن الطحاوي. يلا طريقك صحراوي يابا.
ابتعد عنه ريان بضحك ناكًزا إياه في صدره: ميبقاش قلبك أسود يا جدع، أنا طالع أشوف مدثر قبل ما أمشي، أكيد نا.
وما كاد أن يُكمل حديثه حتى استمع كلاهما إلى صوت لوچي والتي تهبط الدرج  بضحكات خليعة جعلت عين والدها تتسع بصدمة، خاصةً عندما قالت: هيهيهي خلاص  يا مدثر بقا،!
التفت فارس ل ريان يحدجه بنظرات نارية: ابنك دا تربيته وسخة.
قطب جبينه بضيق من عصبيته غير المُبررة قائلًا بسخط: ما تسيبهم يا فارس متبقاش عصبي كدا، دول أطفال!
هيهيهيهي.
صدحت صوت ضحكات لوچي مرة أخرى ليؤكد له ريان ببرائة: حتى شوفت!
كانت غزل تهبط من بنايتها متجهة إليهم، وعندما وصلت لهم إستمعت لصوت  الضحكات لتقول بصدمة دون أن تعرفة هوية المتحدثة عنها: هي البت دي ملهاش  أهل يسألوا عليها!
جز فارس على أسنانه بقوة ذاهبًا للطفلان وقد ازداد غضبًا بعد كلمات غزل الغير مقصودة: بت يا لوچي!
فزع مدثر والذي كان يريد تقبيل الأخرى من صوت فارس، ليلتفت الطفلان له قبل أن تقول لوچي بتساؤل برئ: نعم يا بابي!
وبعيدًا عنهم، أخرج ذلك الرجل المُلثم هاتفه من جيب بنطاله قبل أن يضعه  على أذنه منتظرًا الإجابة: أيوا يا سليم بيه، الإتنين قدامي أهو زي ما  حضرتك توقعت بالظبط.
أتاه صوت سليم الهادئ آمرًا إياه بشر: صفيهم.
أوامرك يا ريس. عن إذنك.
أشار الرجل الملثم لصديق له بإشارة يعلم معناها جيدًا، وخلال دقائق كانت  صوت الطلقات تنطلق في الأرجاء، والتي اندمجت مع صوت الصرخات، منها الخائف،  ومنها المذعور، ومنها المتألم،!

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل العشرون
انخفض ضغط أميرة من مجهود اليوم العصيب التي مرت به هي وعائلتها، جلست  على الأريكة بإنهاك وجانبها كُلًا من عابد وتسبيح القلقان عليها بشدة،  تسائل عابد بقلق وهو يفحص نبض يدها: ماما انت خدتي دوا الضغط بتاعك؟
أومأت أميرة بالنفي واضعة يدها على رأسها بألم من الصداع الذي يفتك بها، ثم أجابته بخفوت وتعب: خِلص واتلهيت ومجبتهوش.
هبَّ عابد من مكانه مردفًا وهو يضع محفظة النقود بجيب بنطاله: طيب أنا هروح أجيبه يا حبيبتي من الصيدلية اللي على أول الشارع.
أسندها هو وتسبيح التي لم تكف عن البكاء منذ الصباح، قلبها يتآكل خوفًا  على شقيقتها، ساعدت أخيها بتمديد والدتها على الفراش، ثم خرج كلاهما ليأتيا  بالدواء المطلوب، خرجا من البناية وكلاهما شاردٌ في ملكوته، لمح عابد  ببصره كلًا من فارس وريان يقفان معًا، قطب جبينه ثم تسائل بدهشة لشقيقته  الشاردة: تسبيح مش دا ريان اللي هربان مع غزل بنت عمي؟
نظرت تسبيح حيث تُشير؛ لتُصدم هي الأخرى عندما علمت هويته، ثم أكدت  مردفة بتفكير: أه هو. بس معني إنه موجود يبقى غزل هي كمان موجودة صح؟
هز كتفه حائرًا مُجيبًا بجهل: مش عارف، هنجيب العلاج لماما وبعدين نطلع نسأل عمي.
أومأت له موافقة ثم ذهبت معه لشراء الدواء لوالدتها وهناك ما يشغل تفكيرها ويُقلقها، لكن ما هو!
مرت عدة دقائق ليست بالقليلة ليعودا معًا، ليجدا غزل واقفة مع ريان  وفارس، ارتسمت الفرحة على محياهم ثم هموا بالذهاب تجاهها، لكن ما حدث هو  صدوح صوت الطلقات في الأرجاء، تلتها صرخات فزعة، خائفة، وأخرى متألمة!
في تلك الأثناء ظهر موسى ومَن معه من الرجال ليتبادلوا بإطلاق النيران  مع الطرف الآخر، ولكن من أين أتى وكيف! سؤالٌ لا يهم في تلك الحالات، صرخ  الرجل التابع ل سليم المنشاوي بألم عندما أصابته طلقة طائشة من سلاح أحد  الرجال أصابته في كتفه، أصابه الهلع عند وجد نفسه بين يد أحد الرجال، ليصرخ  مستغيثًا بأصدقائه الذين ولسوء حظه فارقوا الحياة.
عندما استمعت تسبيح لصوت الطلاقات؛ أصابها الفزع وكادت أن تفقد وعيها،  لذلك هرولت بعيدًا بتلقائية ودن وعي عن أخيها الذي صرخ بها عندما شاهد  جريها، لكن صوت الطلقات أخفى صوته كُليًا، صرخت بهلع عندما اصطدمت بصوت أحد  الرجال، وزاد صراخها عندما رأته ممسكًا بسلاحه بيده، رفع موسى يده أمام  وجهها بإستسلام لطمئنتها قائلًا بهدوء: اهدي يا آنسة مش هعملك حاجة، لازم  تيجي معايا تستخبي بدل ما طلقة تلبس في نفوخك وتموتي.
المغفل يظن بأنه يُطمئنها بعدما قال تلك الكلمات، لكن حديثه لم يُزيدها  إلا رعبًا، نفت برأسها وهي تبتلع ريقها بصعوبة، لينفخ بتأفف ونفاذ صبر ولم  يُعطيها فرصة للحديث، فأمسك بيدها ساحبًا إياها خلفه وهي لا تفعل شئ سوى  الصراخ.
أدخلها في مدخل عمارة بعيدة نائية وأغلق بابها حنى لا تُصيبها طلقة  طائشة تودي بحياتها، بينما هي نظرت له بزعر وعقلها يعمل ويُفكر في كل  الإحتمالات، هل سيقتلها! أم سيختطفها! أم سيختطفها ثم يعتدي عليها ومن  بعدها يقتلها ليُخفي جريمته!
نظر لها ببرود ثم تحدث وهو يستعد مرة أخرى للخروج: متقلقيش مش هعتدي عليكِ.
فتحت عيناها بدهشة من معرفتها بما تفكر به، ليلوي شفتيه بسخرية وهو يرى  عيناه المُنصدمة به، متشدقًا بإستنكار قبل أن يخرج من البناية مرة أخرى  ويُغلق الباب خلفه: أصل باين عليكي هبلة وواضح بتفكري في إيه.
فرغت فاهها ناظرة لأثره الفارغ مشدوهة مما قاله، رفرفت بأهدابها عدة مرات  وكأنها مازالت تستوعب حديثه، ثم تسائلت بصدمة يشوبها بعض السخط: أنا هبلة؟
هدأت الطلقات ولم يتبقى سوى صوت غزل المنادي بصوت ريان بصراخ، هرولت له  لتجده مُمسكًا بذراعه الذي يسيل منه الدماء مُعطيًا للجميع ظهره وهو يحتضن  كلًا من مدثر ولوچي لحمايتهم، جلست جانبه ببكاء مردفة بخوف شديد: ريان.  ريان حصلك إيه! رد عليا بالله عليك.
أجابها بنهيج وهو يُحاول إلتقاط أنفاسه من الألم السيطر على جسده: إهدي أنا كويس والله، بس الرصاصة جت في دراعي.
شهقت بأنفاس لاهثة وهي تهز رأسها بخوف وهلع، وبدون وعي تحدثت: يلهوي  هتموت! هتموت وتسيبني! لا بالله عليك متموتش غير ما ناخد برائة، مش هعرف  أهرب لوحدي.
طالعها بإستنكار متألم متحدثًا بصعوبة: قومي يا غزل من وشي أحسنلك. بدل ما والله. ألزق وشك في الحيطة.
مطت شفتها بضيق ناظرة لملامحه المُتعبة بسخط: الحق عليا خايفة عليك. أنا غلطانة وأبقى كلبة لو عبرتك تاني.
ثم وقفت من محلها وخطت عدة خطوات بعيدة عنه، لكن مجرد ما استمعت لتأوه  المتألم بشدة حتى ذهبت إليه راكضة مُردفة بقلق حقيقي: ريان بجد مالك  متقلقنيش عليك، واللهِ هعيط.
ضحك بخفوت ولم يُعقب على حديثها، ابتعد عن الأرض قليلًا يجد ملامح إبنه  مرتعبة بشدة، حتى أنه جزم بأنه تبول على نفسه من شدة الخوف، قبَّله من  جبينه بحنان رغم آلامه متشدقًا بحب: متخافش يا حبيبي.
بكى مدثر رُعبًا من بقعة الدماء المنتشرة على قميص والده، ليتسائل ببكاء طفولي: انت بتجيب دم. انت هتموت يا بابا!
شعر ريان بالدوار ولم يستطيع إجابته، خافت غزل أن تتأثر نفسية الطفل بهذا  المشهد لذلك قالت مسرعة وهي تُربت على رأسه بحنان: هو هيبقى كويس متقلقش.
في هذه الأثناء هرول إليه فارس جالسًا بجانبه متشدقًا بخضة: ريان إيه الدم دا! ريان رد عليا!
مال ريان برأسه على كتفه شاعرًا بالدوار الشديد، حتى أنه ظن بأنه سيفقد وعيه من شدة آلامه، ليتفاقم قلق فارس الذي صرخ به: ريان قوم.
تجمع أهالي المنطقة الذين استيقظوا بفزع من بداية إطلاق النيران، لكنهم  مكثوا بمنازلهم حتى لا تُصيبهم أيًا منها، وعندما هدأ الوضع قليلًا تجمعوا  جميعًا بالأسفل، ليهرولوا تجاه صراخ فارس المنادي بإسم ريان، اقترح أحد  الرجال قائلًا بشفقة: كلموا الإسعاف يابني تلحقوه بدل ما يجراله حاجة.
وآخر صاح بالجميع: اطلبوا الشرطة يا جدعان.
الله! مش دا ريان والمفروض إنه مقبوض عليه!
وآخرين ظلوا يتحدثوا ولم يشعروا بتلك الهوجاء التي تدور بعقولهم، جاء  موسى ومعه رجاله قائلًا بصرامة: احنا هنتعامل مع الوضع يا رجالة، تُوشكروا  لحد كدا.
يابني خلينا نساعده، دا ريان دا أطيب شاب في الحِتة كلها والكل يشهد.
ابتسم موسى بإصطناع قبل أن يقول بإحترام: كتر خيرك يا حَج، بس إحنا مش عايزين نعمل شوشرة، أنا دكتور وهعالجه.
اقتنع الجميع بحديثه وذهبوا لمنازلهم، لكن هبطت العائلتين بفزع عندما  رأوا الجميع يُحيطون ب ريان الذي فقد وعيه، وبجانبه غزل التي تُمسد على  خصلاته بخوف شديد.
جرى إبراهيم ناحية إبنته متسائلًا بقلق: خير! حصل إيه يا بنتي!
ظلت غزل تبكي وهي جانب ريان، لتستمع إلى صوت الصغير الذي أردف بخوف وبكاء: متسبنيش يا بابا.
في تلك الأثناء هبط شهاب من الأعلى بسرعة عالية وعندما رأي ريان ممددًا  على الأرض صرخ: لازم يتنقل المستشفي حالًا قبل ما ينزف أكتر من كدا.
رفض موسى رفضًا قاطعًا وعندما رأى غضبهم المتفاقم وخاصةً فارس ؛ برر  قائلًا: البوليس كلها دقايق وهيبقى هنا، ووقتها هيتبقض عليه والحُكم  هيتضاعف بسبب هروبه.
نظر الجميع له بقلق، لتصرخ به غزل قائلة بإنهيار: يعني هنسيبه ينزف لحد ما يموت!
هز رأسه بالنفي يحاول طمئنتها وطمأنة الجميع: لأ طبعًا، أنا هطلعله الرصاصة بس عايز شنطة إسعافات أولية.
تحدث شهاب مسرعًا وهو يصعد الدرج مرة أخرى: أنا معايا واحدة كبيرة عشان الكلية بتاعتي، وهجيبلك كل المعدات اللي انت هتحتاجها.
انتظره الجميع على أحر من الجمر، ليسائل فارس بخوف: طيب وهطلعله الرصاصة هنا إزاي!
مش هنا، أنا هاخده ونرجع مكانا تاني بس لازم أوقف النزيف الأول.
حك فارس جبينه بعصبية مفرطة وقلق على صديقه، فتلك ضية الملعونة هي من  تُكتفهم جميعًا لنقله لأي مشفي، يخشى فقدانه كما فقد والدته، حينها سينهار  وستنهار معه ذكرياته، عض على شفتيه رافعًا رأسه للسماء وهو يدعو برجاء داخل  عقله: يارب إحميه. يارب متختبرنيش في صاحبي.
تركهم عابد بعد أن تأكد من سلامة الجميع ثم ذهب كالمجنون للبحث عن  شقيقته التي ضاعت منه وسط كل هذا، كان قلبهيطرق بعنف خشيةً بأن يجدها ممددة  على الأرض والدماء تحيط بها، لا يعلم لما فكر بهذا، لكن عقله الآن ليس في  حالته النفسية السليمة.
وحينما لم يجد لها أثر حوله، ناداها بصوت عالي علها تسمعه: تسبيح.
انتفضت تسبيح من محلها بخوف، وعندما استمعت لصوت أخيها المنادي عليها؛  خرجت إليه مهرولة وهي تنادي عليه، وبمجرد ما رآها ذهب تجاهه مسرعًا محتضنها  بخوف، عانقته بشدة وبمجرد ما اطمئنت؛ حتى بكت بإنهيار وكأنها كانت كل تلك  الفترة مُتماسكة وعندما حانت الفرصة للبكاء؛ إنهارت.
هدهدها براحة هامسًا لها: ششش إهدي، كل حاجة خِلصت وعدت.
مضت ثوانٍ هدأت بها عندما شعرت بالأمان لتبتعد وهي تمسح دموعها ونبرتها تُهدد بالبكاء مجددًا: كنت خايفة أوي يا عابد.
مسد على حجابها بحنان قائلًا: الحمد لله عدت على خير يا حبيبتي، تعالي بقا نشوف الباقي لأن ريان اتصاب.
أومأت له وذهبت معه بهدوء، لكن مجرد ما اقترب كلاهما من التجمع الموجود،  حتى رأوا ريان الفاقد للوعي محمول على كتف موسى، دُهشت تسبيح في البداية  من وجوده، وابتعلت ريقها بخوف مُبتعدة بحذر تُحاول الإختباء خلف أخيها؛ حتى  لا يراها ذلك الرجل الغامض، لكن كان قد فات الأوان خاصةً عند مروره  بجانبها طالبًا منها الإفساح: لو سمحت عديني يا آنسة.
تجمدت مكانها لوهلة وأنظارها تُحدجه برعب، لكن سرعان ما استفاقت من  غفلتها ثم أفسحت له الطريق، وقبل أن يمر ويذهب رمى لها نظرة خاطفة تبعها  غمزة من عيناه الغامضة والوقحة.
تسارع تنفسها ناظرة لظهره بدهشة، هل غمز لها للتو أم أنها تتوهم! لم  تستفيق إلا على جذب أخيها لها وهو يُحادث غزل قبل أن تذهب خلفهم: خلي بالك  من نفسك يا غزل، أسف والله مكنتش أعرف إنك موجودة وإلا كنت جيت بنفسي ليكِ،  بس انتِ عارفة الظروف بقا.
ابتسمت له بخفوت قائلة بصوت مبحوح مُتحشرج: ولا يهمك يا عابد، وبإذن الله سجود هترجع وتكون أحسن من الأول كمان.
ابتسم لها بحنان ثم ودعها وكذلك تسبيح التي ظلت شاردة في مكانها، نظر  بكر للجميع ثم قال بهدوء: كل حاجة مرت بخير الحمد لله، ارجعوا بيوتكم قبل  ما الشرطة تيجي، أكيد فيه حد بلغ، مش عايزين نعرفهم إنهم كانوا موجودين في  المنطقة.
عادت عائلة أبو زيد لمنزلها، مع بكاء فوزية الخافت على مفارقة ابنتها  وخوفها مما حدث، بينما شهاب أخذ مدثر الباكي في أحضانه ثم صعد به للأعلى  لتهدأته، وهكذا فعل مع لوچي أيضًا.
ذهب فارس خلف ريان حتى أوصله للسيارة التي ستُقله إلى منطقة الجبل التي يعيشون بها، نظر ل موسى ثم تحدث له بقلق: هيبقى كويس صح؟
أومأ له موسى بنعم متشدقًا وهو يُشير لحقيبة الإسعافات التي أهداها إليه  شهاب: معايا كل حاجة اللي هحتاجها عشان أطلع بيها الرصاصة، المهم دلوقتي  نرجع بأسرع وقت قبل ما يحصله مضاعفات.
أومأ له فارس ثم هبط لتقبيل جبين ريان بحنان، قائلًا بوصية ل غزل: خلي بالك منه، هو ملهوش غيرك دلوقتي في مِحنته.
جففت دمعاتها ثم أومأت له تُؤكد على حديثه وهي تنظر له بحنان، ابتعد فارس  قليلًا ليصعد موسى السيارة وبجانبه محفوظ والذي يُعتبر ذراعه الأيمن،  وبسيارة أخرى خلفه صعد بقية الرجال الذين أتى معهم، ثم انطلقوا إلى وجهتهم.
مرت ربع ساعة، وفي منتصف الطريق تحدث موسى الذي يسير بسرعة عالية:  العربيات دي ترجع لصحابها يا محفوظ، احنا مش حرامية ولا قُطاع طُرق عشان  تتصرفوا بالطريقة الهمجية دي!
برر له محفوظ قائلًا بلهجته الصعيدية: ما احنا يا ريس لو كنا أچرنا عربيات  كانوا هيطلبوا بطايخ وهندخل في سين وچيم واحنا مش جدهم و...
قاطعه موسى بصرامة: العربيات دي ترجع لصحابها أول ما نوصل سمعت!
اللي تشوفه يا ريس.
أكمل موسى قيادته السريعة ومن داخله شاكر لفعلة رجاله، فهم فكروا بطريقة  صحيحة ومنطقية عندما فعلوا هذا، لكن كان عليه إظهار الغضب لعدم تكرارهم  للسرقة مرة أخرى.
كان يقف في شرفة غرفته ينفث سيجاره بغضب شديد، يحبها، بل يعشقها وهي لا  تُعطيه أي إهتمام، هي على إسمه منذ الصغر، لكن يبدو أنها لا تُحبه! أغمض  عيناه بوله يتخيلها عندما كانت تصرخ بالمنزل خوفًا على شقيقتها، لم تنتبه  إلى بيچامتها المنزلية الخفيفة، حينها تصنم محله من جمالها، كم كان قلبه  يدق بقربها! كان الجميع مُنشغل بإبنة عمه الأخرى، وهو منشغل بالنظر لها  ولهيئتها وملابسها التي أظهرت جمالها أكثر!
انتهى من سيجاره ليُخرج الأخرى بغل عارم عندما رآها منذ قليل من النافذة  وسط تجمع العائلتين، لم يُكلف نفسه حتى للهبوط والإطمئنان على الجميع، وكل  ما أثار حفيظته هو نظرات موسى لها وحركاته الوقحة معها، نفث دخان من فمه  وهو يفكر. كيف يمكنه الحصول عليها! يريدها له وبشدة لكنها لا تشعر به، تمتم  مع ذاته مؤكدًا: هتكوني ليا. هتكوني ليا يا تسبيح غصب عنك وغصب عن الكل.
أغمض عيناه بغل على الجميع، وعلى عابد خاصةً، هم يروه الأفضل وهو سراب  بجانبه، هو فاشل، و عابد الناجح، زاد غضبه عندما تذكر مكالمته ل وصال حينها  صاحت به بغضب ألا يُحدثها مرةً أخرى.
.
انتظر أحمد مكالمة وصال له منذ عدة أيام لكنها لم تُهاتفه، قرر مهاتفتها  هو وتهديدها إن لزم الأمر، فهي كانت تتهرب منه الأيام الفائتة، مر شهر  وأكثر على تلك المهمة اللعينة وهي لم تُنهيها بعد، هل رأت معاملة عابد  الحسنة للطلاب! أم طيبته الزائدة لذلك قررت التخلي عن فكرتها والإكمال معه!  أم وقعت بحبه!
انتظر عدة ثواني أخرى حتى أجابته بضجر: عايز إيه يا أحمد!
أجابها بصرامة: عايز فلوس، بقالك كام يوم بتتهربي والمفروض كنا خلصنا من الحوار دا من اسبوعين، بس شكل الموضوع عجبك والباشا معوضك!
فتحت عيناها بعدم تصديق من وقاحته، مغزى حديثه لا يمت للأدب بصلة، لذلك  صاحت بهياج: يا حيوان يا حقير احترم نفسك، اللي بتتكلم عليه دا طلع أحسن  منك مليون مرة، انت اللي وغيران منه وعايز تخسره فلوسه، بس ريح نفسك عشان  مش هعمل اللي قولت عليه، اتفاقنا ملغي وأنا مس هشتغل معاك تاني.
صمت قليلًا بنهيج ثم أكملت بحدة: وآه هو عوضني، ساعدني رغم إنه مش  عارفني وخلاني أشتغل معاه، مستحيل بعد دا كله أضحك عليه وأسرق فلوسه، دا  الوحيد اللي خلاني أحس بالذنب من اللي أنا بعمله، شوفتي ليه كل يوم وهو  رايح يصلي ويدعي ويساعد الغلابة فوقني، هسيب كل القرف اللي كنت فيه وهفضل  معاه، يمكن أنضف بقا.
كان يستمع لها وقلبه يُملأ بالحقد تجاهه أكثر، وها هي الأخرى تحالفت معه  ضده، لذلك أردف بهسيس مرعب: ماشي يا وصال انتِ اللي اخترتي، وأنا هخلي  حياتك الوردي دي تتهد فوق دماغك، هخليه يطردك زي الكلبة وقدام عيني عشان  أشمت فيكِ.
وقبل أن تبدأ وصلة السباب له أغلق الخط بوجهها ولم ينبث بحرف واحد، الغيرة ستُدمره، وشهوانيته ستقضي عليه حتمًا.
.
فاق من تذكره وهو يتوعد ل وصال مرة أخرى، ثم عاد لفراشه بعد أن أغلق  نافذة غرفته، استند على الفراش مُتخيلًا تسبيح معه بتلك الغرفة! وبجانبه!
وصلوا إلى منطقة الجبل النائية ثم وضعوا ريان أرضًا، جلست غزل جانبه  لتضع رأسه على قدمها مُربتة على رأسه بحنان، كان قد بدأ يستفيق قليلًا  مُهمهمًا ببعض الكلمات التي لم تسمع منها شئ، نظرت ل موسى الذي يقوم بترتيب  الأشياء التي يحتاجها لإخراج الرصاصة من كتفه، لتتشدق بقلق: مش هتديله  مخدر عشان الوجع!
هز رأسه ب لا ثم جلس بجانب ريان من الناحية الأخرى: لا للأسف مفيش، مش قدامنا وقت كتير.
ابتلعت ريقها برعب عندما رأته يُسخن المُلقط على النار المشتعلة، بينما أمرها بصرامة: خدي قُصي هدومه من عند جرحه بسرعة.
أخذت منه المقص بأصابع مرتعشة ومن داخلها تموت رُعبًا، لم تختبر تلك  المشاهد من قبل ولم تكن تتخيلها حتى بأبعد أحلامها، بدأت بقص قميصه حتى  بينت عن ذراعه المُصاب، ارتعشت شفتيها وهي على وشك البكاء عندما رأت جرحه،  وبدون وعي قبلت جبينه هامسة له في أذنه: ريان متسبنيش.
طالعها بنظرات زائغة، لم يرى سوى دموعها، يشعر بآلامها النفسية لكن لا  يستطيع مداواتها الآن، هي بالحاجة للدعم أكثر منها الآن، شدد على أصابعها  بضعف حتى يدعمها، لتضمها أكثر ناظرة إليه بتوسل، وكأنها المُتألمة وليس هو.
جلس موسى القرفصاء بجانب ريان، ثم تحدث بقوة ليصل صوته إلى مسامعه: ريان.  مش عايزك تركز في أي حاجة من اللي هتحصل دلوقتي، هتتوجع بس حاول تستحمل  مفيش حل غير دا، لازم تقوى وتستحمل.
أنهى حديثه ثم أعطى ل غزل منشفة صغيرة آمرًا إياها بوضعها في فمه ليشد  عليها أثناء صراخه، فعلت ما طلبه منها لكنها تشعر بأن هي من ستفقد الوعي من  شدة الخوف، أمر الآخر رجاله بتثبيت قدمه وذراعيه حتى لا يتأذي أكثر.
سحب موسى المُلقط المُسخن على النار، ثم جاوره، وبهدوء شديد قام بإدخال  المُلقط داخل جسده ليسحب الرصاصة بعدها، ولم يُسمع بعدها سوى صوت صراخه  المتألم، من يسمعه يشعر بأن أحباله الصوتية قد تقطعت من شدة الصراخ، حاول  التحرك وفك القيود التي حوله؛ لكن كانوا مُمسكين به بشدة.
وأخيرًا نجح موسى في إخراج رصاصته، وذلك بعد أن فقد ريان وعيه من شدة  الألم، ظلت غزل تبكي وهي تحاول تهدأته ولكن كان يصعب ذلك وبشدة، تحدثت بفزع  ل موسى عندما سكن بين ذراعيها: إيه اللي حصله!
أخرج موسى مُطهر الجروح من حقيبة الإسعافات واضعًا إياه على جرحه  ليطهره، قبل أن يُجيبها بهدوء: أغمى عليه من الوجع، متقلقيش دا شئ طبيعي،  المهم دلوقتي بعد ما أخلص تعمليله كمادات مايه ساقعة طول الليل، حتى لو مش  ساخن أعمليله برضه، احنا مش عارفين ممكن يحصله إيه، وللأسف مينفعش نروح بيه  مستشفى، أنا بعت واحد من رجالتي دلوقتي يجيب مايه ساقعة وبرشام من  الصيدلية هياخده بعد ما يفوق على طول، ومُسكن، وإن شاء الله خير.
أومأت له بهدوء، فأمر موسى رجاله بالإبتعاد قليلًا حتى تأخذ غزل راحتها  أكثر ولا تتوتر من وجودهم، رفعت رأسها له متسائلة بإستغراب: انت اتعلمت دا  كله فين؟
ابتسم بخفة وهو يلف الشاش حول ذراعه قائلًا بمداعبة: شكلك اتعلمتي الفضول منه.
أنزلت رأسها بحرج من حديثه، لتستمع له مُكملًا: على العموم أنا واخد دورة  تمريضية أصلًا، بس ملقتش شغل بعدها فاشتغلت موظف وخلاص وقتها.
شكرته بعدما ساعدها في إدخال ريان للكهف الذي يمكثون فيه دائمًا، مردفة بإمتنان: شكرًا ليك بجد، مش عارفة من غيرك كنا هنعمل إيه!
ابتسم لها بأخوية قائلًا بود: متشكرنيش. يعلم ربنا إني بقيت أعتبر ريان زي  أخويا وأكتر، واللي عملته واجبي، أنا قاعد مكاني لو حصل أي حاجة بلغيني على  طول، عن إذنك.
اتفضل.
قالتها بود، ثم تركها وذهب، لتنظر له بحنان مُربتة على جبهته، ولا  إردايًا تشكلت إبتسامة والهة على ثغرها وعيناها تلتمع لأجله. لأجله فقط!
الشعور بأنك مُغفل مؤلم، خاصةً عندما يأتي من الأقرب، أحيانًا يجب على  المرء الحذر عند تعامله مع أشخاص لديها رهاب من البشر، وهو تعامل معها بحذر  لكن كذب، وهذا آلمها بشدة.
مرَّ أكثر من أسبوع و بدر يحاول مصالحتها، لكن دائمًا ما كانت تصده  وتغضب، وعند ذهابه تنفجر باكية، تشتاق له حد اللعنة لكنها مُتألمة، شعرت  بالهزيمة عندما علمت بزواجه من أخرى مُسبقًا، لم يُخبرها، ولم يتكلم بهذا  الموضوع من قبل، وهذا أكثر ما أحزنها.
مسحت دموعها بسرعة عندما استمعت لصوت طرق الباب، سمحت للطارق بالدلوف  ليدخل هو، كان يُطالعها بحزن لإبتعادها وهجرانها له بتلك الطريقة، وهي تنظر  له بعتاب، ذهبت بأنظارها بعيدًا عنه لا تُريد النظر لوجهه، فلو أطالت  ستندفع لأحضانه التي حرمت نفسها من حنانها، جلس القرفصاء بجانبها مُمسكًا  بكف يدها بحنان، ليردف بإشتياق ظهر في نبرة صوته: مش كفياكِ بُعاد إياك يا  نوال! اشتجتلك وانتِ بتصديني ومش حاسة بالنار اللي چوايا إكدا!
ابتلعت ريقها بصعوبة ولم تُجبه، فلو تحدثت سيخونها صوتها وستبكي حقًا،  هي كانت تحاول جاهدة طيلة الأسبوع لتُعاقبه، لكن لم تكن تُعاقب سوى ذاتها،  وقف وأوقفها معه عنوة ثم قبَّل جبينها قائلًا: أقسملك بالله ما كان جصدي  أكدت عليكِ، مكنتش عايز مزاچنا يتعكر على سيرتها، هي كانت مرتي وكانت غلطة  هفضل ندمان عليها طول عمري، متعذبنيش ببعادك يا جلبي، كفياكِ إجده.
نظرت له تلك المرة وعيناها مُمتلئة بالدموع، لترتعش شفتيها قائلة ببكاء:  انت كدبت عليا يا بدر، شوفتي مُغفلة ورخيصة بعد عملتي واستخسرت حتى تقولي  على جوازتك الأولى و...
أوقفها بيده وهو يحتضنها بقوة هامسًا في أذنها: انتِ مش رخيصة، انتِ أغلى  وأچمل سِت دخلت حياتي، أنا بحبك يا نوال، ومش بجولك إجده عشان أراضيكِ، لأ،  بجولك إجده عشان دِه اللي حاسس بيه.
قبَّل جبينها ثم أكمل حديثه قائلًا: انتِ من أول ما چيتي إهني وأنا  بعاملك كأنك بنتي، وربنا يشهد عليا، عمري ما فكرت أزعلك ولا أضايجك، فعشان  إجده محبتش أفتح الجديم وأعكر حياتنا.
حديثه هدأها، أطفأ تلك النيران التي كانت في قلبها، أخذت نفسًا عميقًا ثم  زفرته على مهل، لذلك أجابته بهدوء يشوبه بعض الجمود: خلاص يا بدر، اللي حصل  حصل ومش زعلانة.
انفلتت من بين ذراعيه ثم اتجهت للفراش لتتسطح عليه، لم تنم منذ عدة أيام  والآن تشعر بالإرهاق، الإرهاق من التعب، من التفكير، من البكاء، من  الوحدة، من كل شئ، أغمضت عينها وتشكلت طبقة من الدموع داخلها، تشعر بالفراغ  من دونه، لكن لا بُد من معاقبته.
كان هو يُتابع إبتعادها بيأس، هجرانها يؤلمه، والأدهى يعلم بأنها تتألم  هي الأخرى، خلع جلبابه ثم علقه في الخزانة، ليذهب تجاه الفراش ويتمدد  جانبها، شعرت به بجانبها فأدارت وجهها للناحية الأخرى لا تريد رؤية وجهه،  لكنه لن يقبل بذلك تلك المرة، أحاطها من الخلف تحت تحركها العنيف هامسًا  بأذنها: مبجتش جادر، بجالي كام يوم منمتش بسببك، سبيني إجده.
صمتت عندما استمعت لصوته المُنهك وقررت تركه، هو يحتاج لإحتضانها  ليستطيع النوم، وللحقيقة هي تحتاج هذا أكثر منه، خفتت حركتها وكادت أن  تستسلم للنوم؛ فشعرت بقُبلته على عنقها مرددًا بهمس: تصبحي على خير يا حبة  الجلب.
تشكلت على ثغرها إبتسامة بسيطة لم يراها، ولكم تعشق هذا اللقب منه، تشعر  بأنه يخصها به وحدها، وتلك المرة نامت وعلى وجهها معالم الإرتياح، والحب!
سطعت الشمس بأشعتها لتُغمض غزل عيناها بضيق، نظرت ل ريان لتجد ملامحه  مُمتعضة من الضوء، فردت كفها أمام عينه لتمنعها عنه، ظلت تنظر له بهيام،  القلب يدق بقربه، والعين لا ترى سواه عند وجوده، تعشق عبثه، وقاحته، حديثه،  طفولته المُهلكة.
فتح عيناه ببطئ ومعالم الإنهاك بادية على وجهه، بينما هي نظرت له بسعادة  بالغة عندما استعاد وعيه، لكم اشتاقت لعيناه الرمادية، اشتاقت له حقًا رغم  أنه لم يمر سوى القليل، ابتسم عند رؤيتها أمامه ناطقًا بجملة وقحة صنمتها  مكانها: ما تجيبي بوسة!
فتحت عيناها على آخرهما بصدمة بينما هو أكمل بإبتسامة بلهاء وصوت خافت: أول مرة أصحى على وش القمر.
ابتلعت ريقها ببطئ قائلة بتلعثم واضعة يدها على جبهته برعشة: ريان! انت. انت لسه ساخن!
تذكرت حينما ارتفعت حرارته أمس، لكن فعلها للكمادات طيلة الليل ساعدته على  إنخفاضها، وتلك المسكنات التي قامت بإعطائها له، قاطع شرودها عندما أمسك  بيدها التي تُلامس جبهته مُقربًا إياها من شفتيه مُقبلًا إياها بعاطفة  جياشة، تلاها همسه الخافت بعشق: بحبك...

تابعووووووني 




لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 

















أدخلوا واعملوا متابعة لصفحتي عليها كل الروايات بمنتهي السهوله بدون لينكات من هنا 👇 ❤️ 👇 


صفحة روايات ومعلومات ووصفات


❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺







تعليقات

التنقل السريع
    close