القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية وبقي منها حطام انثي تكملة الفصل الثلاثون حتى الفصل الثاني والثلاثون والاخير بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

 رواية وبقي منها حطام انثي تكملة الفصل الثلاثون حتى الفصل الثاني والثلاثون والاخير بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 


رواية وبقي منها حطام انثي تكملة الفصل الثلاثون حتى الفصل الثاني والثلاثون والاخير بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 


الفصل الثلاثون الجزء الثاني

لم تذهب "إيثار" لعملها بعد ما صــــار مع مالك ورفضها لعرضه بالزواج منها .. وقررت إعطاء نفسها إجازة مرضية حتى تستعيد زمام السيطرة على نفسها من جديد .. وتستعد لمواجهته بهدوء ..

هي حمدت الله في نفسها أن روان متواجدة هناك حتى لا يزيد شعورها بالذنب تجاه الصغيرة " ريفان " ..

تجهم وجهها بشدة حينما أبلغها أخيها " عمرو " بما حدث أثناء مقابلته مع مالك .. وتحولت نظراتها للشراسة ..

لم تتوقع هي أن يهينه الأخير بكل تلك القسوة والبرود .. وكأن قلبه قد تحول لحجر شديد الصلابة ..

أطرق هو رأســــه بذل واضح ، وبدت نظرات عينيه منكسرة للغاية ..

هو كان فيما مضى متحكماً في مصير غيره ، بل على العكس كان أكثر شراسة وقسوة وظلماً ..

ما آلمه حقاً هو إحساسه بالقهر وقلة الحيلة ..

فالفارق الآن بينهما كبير ..

لم يعد مالك كما كان متوسط الحال مثله ، بل بات أثرى من عائلته المتواضعة بمراحل ..

هو بالفعل خسر أول معاركه معه .. ولكنه لن يستسلم سيحاول مجدداً .. هي تستحق تكبد العناء من أجلها ..

تساءلت إيثار مع نفسها بغرابة ممزوجة بالحنق وهي تنظر إلى أخيها بشرود ..

ألم يكن مالك مثله عاشقاً ؟

ألم يخفق قلبه لأجل الحب ؟

ألم يقاتل من أجل الظفر بحبيبته ؟

فلماذا يتعامل مع أخيها هكذا ؟!

شعرت بالضيق لأجل عمرو الذي أدمعت عيناه وهو يحاول بصعوبة السيطرة على نفسه كي لا يبكي كمداً ..

تملكها الغضب والحمية لأجل أخيها ..

ربما كان متسرعاً في حكمه على مالك ، وفي تحكمه بحياتها وسعيه لتزويجها بالأنسب من وجهة نظره .. لكنها لم تكن لتتركه يعاني مثلها أو يكون في موقف يحسد عليه ..

وضعت يدها على كتف أخيها ، وهتفت بجدية وقد اشتدت تعابير وجهها :

-متقلقش يا عمرو ، احنا معاك إن شاء الله ، ومش هانسيبك

نظر لها بحزن واضح ، فزادت وخزات قلبها ، وتابعت بإبتسامة مشجعة :

-وماتنساش روان بتحبك وهتدعمك وهتحارب عشانك

رد عليها بنبرة حزينة منكسرة وهو يهز رأســــه :

-يا ريت !

لمحت هي في عينيه تلك العبرات التي تتراقص فيهما ، فأشاحت بوجهها بعيداً حرجاً منه .. وعضت على شفتيها بقوة ...

نهض عمرو قبل أن يذرف عبراته المختنقة أمام أخته فيشعر بإشفاقها عليه ، واتجه إلى غرفته ليغلق الباب خلفه ..

احتدت قسمات وجه إيثار ، وصرت على أسنانها قائلة بتوعد :

-مش هاسيبك يا مالك تقهر قلب أخويا ، مش هاسيبك تظلمه ولا تظلم أختك بعنادك ده !!!

طرق بأصابعه بحركات ثابتة على السطح الزجاجي للطاولة الدائرية ، وحدق في المتحدث أمامه بنظرات ثابتة ، ثم استطرد حديثه قائلاً بهدوء :

-تمام ، أنا هاراجع البنود مع المحامي ، وهنتكلم بعدها تاني

ابتسم له الرجل مجاملاً وهو يرد عليه :

-اتفقنا يا مالك بيه ، وأتمنى يكون في تعامل بينا

نهض مالك ليصافح الرجل قائلاً بإقتضاب :

-إن شاء الله

بادله الرجل المصافحة وهو مازال محتفظاً بإبتسامته :

-شكراً على وقتك !

في نفس التوقيت اقتحمت إيثار مكتب السكرتارية ووجهها محتقن للغاية .. بل من ينظر بتمعن في ملامحها يدرك أنها على وشك الإنفجار غاضبة في أي ثانية ..

استطاعت هي أن تحصل هاتفياً على عنوان الشركة من راوية ، وقررت التوجه إلى مالك لمقابلته هناك ..

لم ترد الذهاب إلى فيلته لتتشاجر معه أمام روان فتفسد الأمر وتصعب عليها الوضع ..

اختارت أرضاً محايدة للقتال من أجل أخيها ..

نظرت لها السكرتيرة بإستغراب ، ونهضت عن مقعدها لتسألها بحدة :

-حضرتك مايصحش تدخلي المكتب بالشكل ده

حدجتها إيثار بنظرات نارية قبل أن تصرخ فيها بإنفعال :

-مالك بيه موجود !

ردت عليها السكرتيرة بهدوء :

-أيوه ، بس عنده اجتماع ، ومش هاينفع حضرتك تقابليه بدون ميعاد سابق ، سيبي اسمك وتليفونك واحنا هــ..آآ....

قاطعتها إيثار بعصبية :

-وأنا هاقبله دلوقتي

ثم تحركت بخطوات سريعة في اتجاه باب غرفة مكتبه ..

هبت السكرتيرة من مكانها محاولة اللحاق بها وهي تهتف بتخوف :

-ياآنسة استني ، يا مدام ، حضرتك مايصحش كده !

أمسكت إيثار بالمقبض وأدارته لينفتح الباب على مصرعيه والسكرتيرة من خلفها تحاول منعها من الدخـــول ...

حدق مالك بصدمة واضحة تجاه من تقف على عتبة الباب ..

لم يتوقع قدومها على الإطلاق إلى مقر عمله ..

سعادة غامرة وخفية تسربت إلى جميع خلايا جسده ..

وحماسة مفرطة سيطرت عليه لرؤيتها بخير أمامه ..

هتفت السكرتيرة بحرج وهي تنظر إلى رب عملها بتوجس :

-أنا أسفة يا فندم والله ، هي اللي آآ...

أشــــار لها مالك بيده لكي تصمت وهو يقاطعها بهدوء :

-خلاص ، اتفضلي على شغلك .. !

تنحنح الرجل المتواجد بالغرفة بصوت خافت ، ثم أردف قائلاً بنبرة محرجة :

-احم .. هستأذن أنا ، وعلى اتصال يا مالك بيه

رد عليه بنبرة جامدة :

-إن شاء الله !

تنحت إيثار جانباً لتفسح المجال للرجل لكي يمر .. وتسمرت في مكانها للحظات لتحدق في مالك بنظرات قوية وحادة ..

التوى ثغره بإبتسامة متسلية وهو يراها في حالتها العصبية ..

أغرته بشدة تلك الحمرة الظاهرة على وجنتيها ، ناهيك عن تلك القوة الطائشة التي أتت بها إليه في شركته ..

جلس مالك على مقعده ببرود مستفز ، وأشاح بوجهه بعيداً عن إيثار التي كانت تشتعل غيظاً في مكانها .. ثم أمسك بالملف الموضوع أمامه ، وأردف قائلاً بجمود :

-هاتفضلي واقفة عندك كتير .. تعالي !

ضغطت على شفتيها بقوة ، وكظمت غيظها مؤقتاً منه ، ثم تحركت نحوه ، ولكنها أمرها بهدوء بارد :

-اقفلي الباب وراكي !

اتسعت حدقتيها بغضب جم ، والتفتت لتغلق الباب بعصبية ..

ثم تحركت في اتجاه مكتبه ..

أشــار لها بيده دون أن ينظر إليها لتجلس ..

فنظرت له شزراً ، وصاحت بإنفعال :

-أنا مش جاية هنا عشان أقعد أو أضايف ، أنا جاية أشوف معاك حل في اللي بتعمله مع أخويا

رفع بصره لينظر إليها بنظرات جادة وثابتة .. ثم رد عليها ببرود :

-اقعدي الأول وبعدين نتكلم َ

ألقت بجسدها على المقعد بعصبية ، وأكملت بصياح :

-مش معنى إن أنا رفضتك إنك تحمل أخويا الذنب وترفضه !

توقفت لثانية لتلتقط أنفاسها قبل أن تهدر قائلة وهي تشير بيدها :

-ايه إنت معندكش قلب ، معندكش إحساس بأختك حتى !

نظر إلى يدها التي تلوح بها أمام وجهه بهدوء مهلك .. وجاهد ليسيطر على بروده ..

أغاظها عدم اكتراثه بها ، فصرخت بعصبية :

-إنت عارف كويس إنه مش بيهزر ، وإنه عاوز يتجوز روان !

راقب إنفعالاتها بدون إبداء أن تأثير فزاد هذا من حنقها منه ، وهدرت وهي تصرخ فيه :

-ده انت المفروض أكتر واحد تكون حاسس باللي اتظلم ، جاي دلوقتي تظلم أخويا وأختك !

قبض مالك فجـــأة على يدها التي تهدده بها ، وضغط عليها بأصابعه بقوة ، فإرتجف جسدها من تلك الحركة المباغتة .. وتوترت نظراتها المحتدة ..

مال مالك بجسده للأمـــام ، ورمقها بنظرات ذات مغزى وهو يقول بهدوء :

-بلاش الحركة دي !

ابتلعت ريقها بتوجس وهي تستشعر التهديد الخفي في نبرته الثابتة ، وحاولت سحب يدها من بين أصابعه ، لكنه لم يتركها ، فهتفت بنبرة حادة لكنها مرتعدة :

-سيب .. سيب ايدي !

تلوت بها محاولة تحريرها لكنها رفض تركها .. وابتسم بغرور واثق وهو يرسل لها رسالة ضمنية أنه متحكم بها ، قادر عليها ..

حدقت هي فيه بتخوف ، وإنهار قدر كبير من غضبها بسبب تأثيره الطاغي عليها ، وتابعت بقلق ظهر في نبرتها :

-بأقولك سيب ايدي !

أرخى أصابعه عنها ، وابتسم بتباهي وهو يقول لها :

-إنتي شايفة إن أنا عملت كده عشان أنتقم منك ؟

ردت عليه بحدة :

-ايوه !

أرجع مالك ظهره للخلف ، ونظر لها مطولاً قبل أن يردف قائلاً بغموض :

-طب وليه مش عشان أنتقم من اللي عمله أخوكي فيا زمان ، وأخليه يجرب شوية من اللي شوفته على ايده ؟!

رفعت حاجبيها للأعلى ، وانقبض قلبها بتخوف ، وهتفت بنزق وهي تنهض من مكانها :

-يعني إنت .. ناوي آآ..

بدت الكلمات تخرج من شفتيها بصعوبة وهي تتخيل تكرار الماضي بما فيه من قسوة ومعاناة مع أخيها وروان ..

شحب لون وجهها ، وزاغت أنظارها وهي تستعيد شريط ما حدث ..

رأي مالك في نظراتها وتعابيرها المصدومة ما جعله يتراجع سريعاً عن زعمه بالإنتقام من أخيها ..

نهض عن مقعده ، ودار حول مكتبه ليقف قبالتها ، ثم أردف قائلاً بإبتسامة هادئة :

-مع إن أخوكي يستاهل يدوق الغلب اللي أنا شوفته ، بس آآ..

توقف عن إتمام جملته حينما رأى العبرات تترقرق في عيني إيثار ..

قفز قلبه في قدميه هلعاً ، ومد يديه ليمسك بكفيها وهو يقول بتوجس :

-إيثار متخافيش ! أنا مش زيه والله ، أنا بس كنت عاوزه يتربى ويعرف إن الظلم وحش ، صدقيني ، أنا عمري ما كنت قاسي ، أنا يمكن كنت بأدعي ده ، بس والله أنا مش كده ، أنا بأحبك ! سمعاني بأحبك !

وكأنها كانت في عالم أخــر غير منصتة لما يقوله ولا إعترافه المتكرر بحبها ..

هزها بقوة لتنتبه لها ، وتابع قائلاً بنبرة متيمة وهي معلق أنظاره بعينيها :

-أنا بأحبك يا إيثار بأحبك !

أفاقت من شرودها المؤقت على صوت كلماته ، ونظرت مباشرة في عينيه ..

تلك الأعين التي طالما تأخذها في عالم أخـــر ..

عالم تمنت أن تعشه ، وأن تظل عالقة به للأبد ..

ابتسم لها وجذبها من كفيه إليه ، وهمس لها بحرارة ألهبت وجنتيها ، وأعادت الدموية في وجهها :

-لو كنت أعرف إن خناقتي مع عمرو هاتجيبك لحد عندي كنت عملت ده من زمان

انتفضت إيثار بتوتر كبير من تأثير كلماته الخطير عليها ..

وأدركت أنها محاصرة منه ..فحاولت التملص من يديه المحكمتين حول معصميها ، وهتفت بإرتباك ملحوظ استلذه بشدة :

-آآ.. ابعد عني ، سـ.. سيبني أمشي من هنا

هز رأسه نافياً بثقة ، ورد عليها بنبرة أكيدة :

-لأ يا إيثار مش هاسيبك ، إنتي ليا .. وهتتجوزيني !

تســــارعت دقات قلبها من سحره اللا محدود عليها ، وتلاحقت أنفاسها نوعاً ما ، ونهج صدرها صعوداً وهبوطاً من فرط التوتر..

ابتسم لإحساسه بشعورها يتسرب إليه ..

لم يستطع تمالك نفسه ، وجذبها إلى صدره ليضمها ..

قاومته ، لكنها لم تصمد سوى لثوانٍ معدودة ..

احتضنها بذراعيه ، وهمس لها بتنهيدة عاشق :

-بأحبك يا إيثار !

استندت بكفيها على صدره ، وحاولت ضربه لكنها كانت حبيسة ذراعيه ، وهتفت بكبرياء :

-وأنا بأكرهك ، بأكرهك !

ابتسم بغرور وهو يرد عليها :

-مش مصدقك ، كل حتة فيكي بتقول العكس ، إنتي بتحبيني بس بتكابري ، إنتي عاوزاني زي ما أنا عاوزك !

استشعر ارتجافة بدنها وهي في أحضانه ، فأرخى قبضتيه قليلاً لينظر إلى وجهها ..

هو حقاً يستمتع برؤية تأثير حبه عليها ..

حدق فيها عينيها ، وتابع بصوت هامس :

-ثقي بس فيا ، وإديني فرصة أكون جمبك

هزت رأسها رافضة وهي تجيبه بتلعثم :

-لأ .. ابعد عني !

أرخى ذراعه عن خصرها ، ورفعه ليمسك بطرف ذقنها برقة ، ثم قرب وجهها إليه ، وهمس لها بأنفاس تشتاق لتذوق طعم الحب معها :

-إيثار .. أنا آآ...

شعرت بحرارة أشواقها على وجنتيها خاصة أن المسافات بينهما صارت قصيرة للغاية ..

تسلطت أنظاره على شفتيها المرتعشتين ، وتمنى لو استطاع أن يحظى بقبلة منهما ..

وقبل أن يتحقق حلمه ، قطعت تلك اللحظة المميزة حينما سمع صوت طرقات على الباب ، فإنتفض فزعاً في مكانه ، والتفت برأسه ناحية الباب ، فاستغلت إيثار الفرصة لتتراجع مبتعدة عنه بعد أن سيطر عليها الحرج الشديد مما كاد أن يحدث ..

لقد تملكها بالفعل .. حطم كل حصونها ..

وانهارت دفاعاتها المستميتة أمام سحره الطاغي ..

صـــــاح مالك بحدة وهو في مكانه :

-مش عاوز أقابل حد الوقتي

أتاه صوت السكرتيرة من الخـــارج :

-حاضر يا فندم ، أنا كنت بذكر حضرتك بس بالإجتماع آآآ...

قاطعها قائلاً بعصبية :

-الغي كل حاجة النهاردة !

-اللي تؤمر بيه

قالتها السكرتيرة ممتثلة لأمره المفاجيء ..

توترت إيثار وشعرت بحرج رهيب من مالك ، وأسرعت بالركض نحو الباب لتفر من أمامه ، لكنها تفاجئت به يمسكها من ذراعها ، ويجذبها ناحيته بقوة لتسقط على صدره ، ثم أحكم لف ذراعيه حولها وهو يقول بإصرار :

-احنا لسه مخلصناش كلامنا !

تلوت بجسدها بشراسة محاولة الإفلات منه وهي تقول بعصبية قليلة :

-سيبني أمشي ، اوعى !

أرخى أحد ذراعيه عن خصرها ، لكنه لم يفلت قبضته عن ذراعها ، وتابع بنبرة جادة :

-إيثار ، اهدي ، واسمعيني !

ظلت تجذب ذراعها بعنف محاولة تخليصه من قبضته وهي تقول بعناد :

-ابعد عني ، أنا مش عاوزة أسمع منك حاجة !

كان رفضها للبقاء هو أسلم السبل للنجاة بنفسها قبل أن تنكشف كلياً أمامه ، ويدرك أنها باتت بلا أي مقاومة لتأثير حبه ..

لكنه بالفعل يعرفها أكثر من نفسها .. وأيقن أنها مستسلمة له تماماً .. لكن ينقصها الشجاعة للإعتراف بهذا ، إن لم تكن كرامتها تمنعها من الإقدام على تلك الخطوة ..

نظر لها بثبات ، وتابع بهدوء جـــــاد :

-لو عاوزاني أوافق على خطوبة أخوكي من روان يبقى تسمعيني كويس ........................................... !!!


 

 #الفصل_٣١ج١


الفصل الحادي والثلاثون الجزء الأول

جاهدت لتفلت ذراعها من قبضته ولكنها عجزت ، أبت أن ترفع عينيها لمستوى نظره حتى لا يسقط عنها قناع قوتها المزيف .. سئمت محاولاتها الفاشلة أمام إصراره القوي على عدم إفلاتها من قبضته ، فتركت المقاومة واستكانت نوعاً ما ، وأطرقت رأسها لتحدق أسفل قدميها بناظريها ..

مد هو أصابعه لطرف ذقنها ، وأمسك به ، ورفع رأسها نحوه لتنظر إليه ..

حدق بها مطولاً ، وأشبع عيناه برؤية بريق العشق في عينيها اللامعتين ..وهتف بنبرة هامسة لمستها على الفور :

- الأيام بتعدي ، متضيعيش مننا لحظات ممكن نقضيها مع بعض !

شعرت أنه على وشك الفوز مجدداً أمام ضعفها ، فما كان منها إلا التمسك بلجام القوة لكي تحتمي ورائه من تأثيره عليها ..

فرفعت بصرها ونظرت له بشيء من الحدة وهي تهتف بثبات:

- أنت قولت هتوافق على جواز عمرو وروان! ، ياترى هتوافق ليه!؟

سحب يده للخلف ، و رمقها بنظرات ذات مغزى .. تأمل فيها انفعالات ملامحها ، ثم تراجع بخطواته للوراء ليفسح لها المجال ، و أشار بيده لكي تمرق من جواره وهو يردد بجدية :

- اقعدي عشان نكمل كلامنا ياإيثار !

ردت عليه بجمود وهي تشيح بوجهها للجانب الأخر :

-انا كده كويسة !

هدر مالك وقد تجهمت قسماته فجأة وهو يردد اسمها محذراً بإنفجار وشيك إن عاندته :

-إيثار !

تأففت بضيق ثم تحركت بخطى سريعة نحو المقعد الجلدي المقابل للمكتب ، وجلست فوقه بحذر ، واختلست النظرات من زواية عينها

تابعها مالك ببصره حتى جلست فدنا منها ليجلس قبالتها..

كان يطالع توترها في وجوده بتسلي عابث ، ولكنه جاهد لمنع البسمة التي تكاد ترتسم على محياه من الظهور أمامها ..

أخذ نفساً عميقاُ ، و نطق متصنعاً الثبات :

-انا هوافق بس في شرطين انتي أولهم !

تجمدت تعابير وجهها ، وحدقت فيه بنظرات خاوية من الحياة ، واستشفت من حديثه أنه ربما يقايضها عن طريق أخيها ..

بالطبع ولما لا ، فسيكون هو الرابح ..

أوهمت نفسها أنه سيضع شرط زيجته منها أمام موافقته على زواج أخيها من شقيقته..

سيطر عليها إحساساً قوياً بالحنق لمجرد تفكيره في هذه المقايضة الرخيصة ، فعضت على شفتيها بغيظ ثم نطقت بعجالة وبدون تمهل :

-لو هتحط جواز عمرو وروان قدام طلب بالجواز مني انا مش .. آآ....

قاطعها مالك وقد تنغض جبينه سريعاً لتفكيرها هذا في حقه :

- إيثار !! أكيد مش هفكر كده !

صمتت بحرج شديد لاتهامها المتهور قبل إتاحة الفرصة ليستكمل حديثه ..

تنفس بعمق ، و تابع بحذر :

-هتيجي هنا معايا ، انا محتاجك جمبي الفترة الجاية !

تساءلت إيثار بإستغراب وقد ضاقت عينيها بتفكير محاولة تخمين مقصده :

-هنا فين!؟

أجابها مالك بثقة وهو يشير بكلتا يديه في الهواء معبراً عن الصرح الذي أسسه لنفسه :

-في الشركة اللي انتي شيفاها دلوقتي

نظرت له بإستهزاء ، ورددت متعجبة :

-وانا هعمل إيه هنا! ؟

ابتسم بعذوبته المعهودة ، و حك صدغه وهو مازال محدقاً بها .. ثم تابع بلهجة مثيرة :

- متنسيش أنك خريجة حاسبات ومعلومات ، ده غير انك درستي إدارة أعمال قبل ما تحولي من كلية تجارة !

زفرت بخفوت بعد أن فهمت المغزى الماكر من وراء رغبته في إلحاقها بالعمل لديه ، فهو يريدها أن تكون گظل له إينما كان ..

قبضت على شفتيها وهي تنطق برفض :

-بس أنا مش حابة أشتغل بالشهادة بتاعتي ، ومكملة في شغلي اللي اخترته بإرادتي وآآ...

اقترب مالك بجسده منها لتتقلص المسافات ، وهمس لها بصوت رخيم :

-ومين قالك هتسيبي شغلك مع ريفان ؟

وبهدوء مثير للأعصاب نهض عن مقعده ، وتحرك صوبها ، ثم انحنى على مقعدها مستنداً على ذراعيه ليحاصرها بقربه المربك ، فتراجعت برأسها للخلف

، وازدرت ريقها بإضطراب شديد ..

اشتعلت وجنتيها خجلاً .. وارتبكت أنفاسها .. وحاولت البحث عن كلمات ترد بها عليه ، فابتسم بهدوء ليقاطعها :

- انتي هتكوني هنا وهناك ، يعني super women ياإيثار !

زادت ابتسامته اتساعاً ، وغمز لها .. فحدقت فيه بذهول ورمشت بعينيها لعدة مرات بتوتر بائن عليها ..

أضـــاف مالك قائلاً وهو يهز رأسه بخفة مؤكداً حديثه :

-أيوه ، بصراحة من ساعة ما طردت النصاب اللي كان شغال عندي ، وأنا بأدور على الشخص الكفء اللي يمسك شغلي خلال الفترة الصعبة اللي داخلين عليها ، وبصراحة مافيش غيرك أقدر أثق فيه !

ثم مد إصبعه ليلمس طرف أنفها مداعباً إياها ، فدفعت كفه برفق وهي تقول بتشتت :

-طب.. أبعد ، أنا مش بأحب كده !

أراد مالك أن يعبث معها أكثر ، فقد أثاره وحمسه بشدة رؤيته لإرتباكها ، فنطق بنبرة متسلية :

-ولو مبعدتش!

دنا أكثر منها ليهدد صمودها أمامه ، فأسرعت بتغطية وجهها بكفيها بحياء جلي منه ، وهتفت بصوت شبه مكتوم :

-مش هوافق على عرضك!

رفع حاجبه في إعجاب بها ، و اعتدل في وقفته ثم دس يديه في جيبي بنطاله وطالعها بعشق وهو يردف بجدية :

-يبقى متفقين

انتظرت حتى تراجع للخلف ، فنهضت عن المقعد وكادت تركض من أمامه لتفر منه .. بل لتفر من نفسها الضعيفة التي ترفع رايات الاستسلام أمامه ، ولكنه استوقفها بعبارته التي أثارت خوفها :

- معرفتيش الشرط التاني!

استدارت ناحيته ، وعبست ملامحها من جديد لشعورها بالضيق من تملكه لزمام الأمور والسيطرة عليها بصورة انتهازية ، وهتفت بنبرة شبه محتدة :

-و ايه كمان!!

تغيرت ملامح مالك في لمح البصر من تعابير العاشق إلى الباغض والكاره ، ثم أجابها بتجهم وقد قست نظراته :

-أخوكي ميعرفش اني موافق ، يعني هيفضل على ناره !!

شعرت ايثار بغصة في حلقها وهي تشفق على حال شقيقها ، وهتفت معترضة على أسلوبه القاسي في التعامل معه : ب

-س حرام كدة ، و..آآ..

قاطعها مالك بقسوة واضحة كنتيجة طبيعية لإنعكاس الماضي على حالهما :

-لو نسيتي وغفرتي انا لسه منسيتش ، ومش هنسى ، ولو عارضتيني ياإيثار أو حاولتي تبلغيه إني ممكن أوافق انا.....آآ

نظرت له بوجه خالي من التعبيرات ، لكن نظراتها كانت كافية لكي يشعر بما تعانيه .. فتوقف عن الحديث للحظة ، فهو لا يرغب في إتباع أسلوب التهديد أو الوعيد معها ، فهي حبيبته التي لم يعشق سواها ولم يكن هذا الأسلوب متبعاً مع علاقته العاشقة معها ومشاعره إتجاهها ..

عقدت ساعديها معاً ، وحدقت فيه بنظرات مغلولة ، وانتظرت منه متابعة باقي تهديده

تنهد مالك بعمق وطرد زفيره وهو يقول :

-من فضلك متعمليش كده !

رمقته بنظرات أخيرة حـــادة ، ثم أرخت ساعديها واستدارت، فتحرك مسرعاً قبالتها ، ومــد ذراعه ليكون حائلاً في طريقها ثم همس بثقة :

- هستناكي بكرة الصبح هنا ، هتيجي تلاقي مكتبك جاهز !

ردت عليه إيثار وهي تحرك عينيها يميناً ويساراً هرباً من مجابهته :

-هفكر في عرضك

رد عليها مالك وقد تلوى ثغره ببسمة :

-هتيجي

كان متيقناً من تأثيره القوي عليها .. بل يكاد يجزم أنه يستمع لدقات قلبها المتلاحقة في صدرها ..

وجهت نظراتها المتعجبة له من تلك الثقة الزائدة بنفسه .. ولما لا ؟ وهو أعلم الناس بها.

ثم أسبلت عينيها للأسفل وهي تتابع قائلة بإيجاز :

-ان شاء الله

تجاوزت ذراعه سريعاً ، وخطت بعجالة نحو باب الحجرة لتتركها ولكنها سمعت صوته يأتي من خلفها محملاً بالهيام :

- مبسوط عشان شوفتك النهاردة

ابتسمت وهي توليه ظهرها ، وأكملت سيرها للخــــارج ..

لتترك حجرة المكتب ..

شعور بالسعادة يغمر قلبها وكأن القدر يحدثها بأن أوقات الفرح قد حانت ، ولكن عليها فتح ذراعيها لتحتضن هذه السعادة بين ذراعيها كي لا تفر منها ..

هي تذوقت من العذاب قدراً ليس بالهين ، ورأت منه الألوان التي جعلتها تيأس من كل شيء..

ولكنها عقدت العزم ألا تجعل أيامها الحزينة المكدسة بالذكريات المؤلمة جداراً بينها وبين السعادة التي تنتظرها ، بل ستمضي تاركة خلفها كل ذلك لتعيش أياماً أخرى وردية.

تناول عمرو لقيمات صغيرة موهماً نفسه بأنه سيكون بخير ، ولكنه لم يستطع فعل ذلك ..

نهض عن طاولة الطعام دون أن ينبس كلمة واحدة ، وفضل المكوث في حجرته والإختلاء بنفسه في ظلماتها..

حركت تحية رأسها مستنكرة حال ابنها ، وتنهدت بإشفاق وحزن عليه ..

تركت الملعقة من يديها وهي تردف بإحباط :

- لا حول ولا قوة الا بالله، محدش من عيالي مكتوبله نصيب عِدِل في الحب!

نظرت إيثار إلى والدتها بضيق ، فقد استشعرت من كلماتها اليائسة والتي ضربتها هي في مقتل دون قصد منها .. وردت عليها بحذر :

-ان شاء الله كل حاجة تتعدل ياماما

ردت عليها تحية وهي تهز رأسها بتحسر :

-مش باين! أخوها عايز ينتقم لأيام زمان .. واللي حصل أمبارح بيتعاد تاني دلوقتي !!!

فكرت إيثار للحظة في إبلاغ والدتها بما ينتوي عليه مالك، ولكنها عدلت عن تلك الفكرة للحفاظ على السر الذي أئتمنها عليه ..

بالكاد لن تحافظ أمها على هذا السر إن عرفته وهي ترى عذاب فلذة كبدها أمامها .. لذلك أثرت إيثار الصمت وفضلت عدم التحدث لشقيقها أو تبادل الحديث معه ..

فربما يأكلها الضعف هي الأخرى وتخبره عن وجود ترياق راحته بين يديها.

قضت الليل في غرفتها ، أغلقت الأنوار واكتفت ببصيص الضوء النابع من القمر المضيء بالسماء..

استعادت في ذاكرتها ملامحه حينما رأها تلج لغرفة المكتب ، ، و كيف كان ينظر إليها ببرود أثارها نحوه .. فعبست ملامحها على تعمده استفزازها .. فتلوت بشفتيها بسخط وهي تقول :

-صحيح انك مستفز !

تنهدت بعمق حتى اقتحم مخيلتها مشهد محاصرته لها ، والتقاطه لعبراتها قبل أن تنسال من بين أهدابها لتلمس وجنتيها ، فاحتلت البسمة المشرقة ثغرها وهي تتخيل طيفه أمامها ..

هي تشعر بالبهجة تختلجها وتتسرب إلى خلاياها في حضوره فقط حتى وإن كانت تتظاهر بعكس ذلك.

(( أحبه - نعم أحبه ،

ومن صميم الفؤاد أعشق قربه ..

يحدثني بأنفاسه عن شوقه لي ..

ابتسامتي وضحكتي ،

وحتى ضعفي وظهور غمازتي ،

هو المتيم بي والعاشق لتفاصيلي ،

وإن ظهر العناد على جبهتي

واعتلى الشموخ طرف أنفي ..

لن أفلح في التعبير عن عدم حبي له،

وكأن عشقه گكرات الدم في وريدي ))

هكذا حدثت نفسها وهي تأمل في مستقبلٍ جديد معه .. نهايته تسطرها هي بيدها، وبقلم حبره من سائل دمها المُشبع بعشقه ..

تنهدت بسعادة وهي تتذكر تلك القُبلة التي لم تلمس شفاها ، ربما زاد الشغف إليها عندما لم تنلها ..

لقد اشتاقت للحديث معه كحبيبين .. وربما سيكون هذا الشوق بريق أملٍ ليحقق حلماً غنياً لها. 


#الفصل_٣١ج٢


الفصل الحادي والثلاثون الجزء الثاني

استيقظت بحماسة شديدة وهي متفائلة بأنها ستحظى بمغامرات شيقة ..

احتارت في تحديد وجهتها اليوم .. وتساءلت مع نفسها عن أي مكان ستبدأ منه ..

هل ستذهب لمقر شركته أم تتابع عملها مع صغيرته ريفان ؟!

ارتدت ثيابها وتأنقت بثوب جديد يتناسب مع حلول فصل الشتاء بهواءه الرطب ..

ثم قامت باحاطة عنقها بوشاح صوفي مميز من اللون الأرجواني والتقطت حقيبتها وخرجت من حجرتها بساعة مبكرة .. وعندما هبطت الدرج تفاجئت برجل غريب الهوية يقطع طريقها وهو يقول بجدية وثبات :

- مدام إيثار!

توقفت بتوجس وتراجعت للوراء خطوتين لتحافظ على وجود مسافة معقولة بينهما، ثم حدجته بحدة لسلوكه المباغت وهتفت متساءلة بنبرة قاتمة :

- مين حضرتك؟!

احنى رأسه وهو يبادلها الحوار قائلاً بجدية:

-انا سواق مالك بيه! جاي أخد حضرتك للشركة

ثم أشار بيده نحو السيارة ، فالتفتت برأسها حيث أشار ، ووجدت سيارته بالفعل تنتظرها أمام مدخل البناية ..

تخللها شعور مطمئن بعد أن توجست خيفة منه ..

هزت رأسها بهدوء وهي تتابع مرددة :

-طيب

قام السائق بفتح باب السيارة الخلفي لها فاستلقت في مكانها وفكرت بتعمق ..

كان يومها سيبدأ بالذهاب إلى الصغيرة ريفان أولاً ، ثم بعد ذلك تخطط لما ستفعله .. ولكنه فاق توقعاتها گعادته .. ظلت تنظر للطريق أمامها بترقب حتى أدركت قرب وصولها لمقر الشركة فشعرت ببعض التوتر .

جاهدت للتخفيف من ذلك الإحساس الذي يثير معدتها بالإضطراب ، وتنفست بإنتظام لضبط انفعالاته المتوترة ..

وما إن أوقف السيارة حتى ترجلت منها ، وكادت تتخطى حدود المقر ولكن أوقفها ( السائق) قائلاً :

- ثانية واحدة !

ثم استبقها بخطواته ، فتبعته هي حتى وصل بها لمكتب الإستقبال بالشركة ..

وقف خلف الحائل الزجاجي وهتف فجـــأة بجدية وبنبرة شبه مرتفعة :

- الأستاذة إيثار وصلت

تحركت موظفة الاستقبال من مقعدها ، والتفتت بجسدها لتكون في مواجهتها وابتسمت بهدوء وهي تقول :

- أهلا بحضرتك .. مكتبك جاهز فوق ومالك بيه شدد عليا أوصلك لفوق بنفسي !


ردت عليها إيثار بهدوء :

-شكراً ..

شعرت هي ببعض المبالغة في الأمر مما أثار ريبتها ولكنها تغاضت عن ذلك ، ولم تلقِ له بالاً ..

استبقتها الموظفة وتبعتها هي بخطاها حتى استقلا المصعد ، ظلت تفكر فيما يقوم مالك بتحضيره والتخطيط له ..

عجزت عن تخمين أفعاله .. وأجبرت نفسها على عدم التفكير في ذلك ..

توقف المصعد ومدت لها الموظفة يدها وهي تقول برسمية زائدة :

-اتفضلي على أول أوضة في الطرقة يمين


- شكراً !

قالتها إيثار بامتنان ثم تقدمت بقدميها وهي تتفحص المكان بعينيها .. ففي المرة السابقة لم تستطع رؤيته بوضوح ..

كان صرحاً مميزاً بحق .. تظهر عليه علامات الرقي والحداثة ..

ابتسمت بنعومة ، واعتقدت أنها وصلت للحجرة المنشودة ..

التقطت أنفاسها وكبحتها بداخلها وهي تضع يدها على المقبض ثم زفرته بتمهل وهي تديره.

ولجت لداخل الحجرة لتنبهر بترتيبها المتناسق ، وببراعة الديكور الخاص بها ..

خطت بقدم مترددة لتقع عيناها مصادفة على باقة من ورود البنفسج موضوعة أعلى سطح المكتب ..

فغرت فمها بإعجاب ثم دنت منها وهي تظن أن تلك عادة الشركة في الترحيب بالموظفين الجدد ، ولكن كانت البطاقة التي تتوسط باقة الزهور تعكس لها ما توقعته ..

التقطتها بحذر وقرأت حروفها التي تشكل عبارات أثرة .. وهمست من بين شفتيها :

'' عانقيني...

بوشاح الهوى دثريني ..

وانظري إلي بعينيكي..

وبهما ظل الحب يشفيني..

أما آن للعشق بعينيكِ أن يظهر ُ..

أما آن للعشق بقلبكِ يحييني...

عانقيني ... ''

اتسع ثغرها ببسمة فرحة من جمال كلماته التي تلمس داخلها ، وتجمعت دموع السعادة بمقلتيها وهي تضحك بصوت مسموع للآذان ..

ولكنها تلاشت سريعاً عقب حركته المباغتة عندما حاصرها من ظهرها بذراعيه ..

ارتجف جسدها ، وتلاحقت أنفاسها ، وودت الالتفات ولكنها عجزت من قبضتيه المحاصرة لخصرها ..

حزمت من نبرتها لتظهر أكثر جدية وهتفت :

- مالك ! لو سمحت !

سعد بل طربت أذنيه كثيراً لسماع حروف اسمه تلفظ من على شفتيها من جديد ، فضمها أكثر إليه وهو يردد بعشق :

- اسمي وحشني منك !


توترت أكثر ، وزادت رجفة جسدها ، وردت عليه وهي تجاهد لدفع ذراعيه عنها :

-احنا هنا في مكان شغل ، ميصحش اللي بتعمله ده


التوى ثغر مالك بمكر وهو يبدى عدم اكتراثه بشيء :

-ميهمنيش ، أنا صاحب الشركة وانتي مرات صاحب الشركة المستقبلية ، واللي عنده كلمة هيلمها !

أراد أن يرى وقع كلماته على ملامحها ، فأفلت قبضتيه عنها ، وأتاح لها الفرصة لكي تلتفت نحوه وتواجهه ..

نظرت له ببرود مماثل لما فعله معها بالأمس ثم نطقت بلهجة مثيرة للاستفزاز :

- مين قالك إني موافقة على جوازي منك!

ابتسم مالك بسخرية وقد اكتشف خطتها وفهم مقصدها مما تفعله ، فقرر إفسادها على طريقته الخاصة..

دنا منها فجــأة ، واحنى رأسه على وجهها ، وقام بطبع قبلة على طرف أنفها ، فدبت بداخلها القشعريرة واهتز كيانها لوهلة من هول الصدمة ..

اتسعت ابتسامته وهو يراها مذهولة في مكانها ، ثم مال ناحية أذنها ، وهمس لها بصرامة خافتة :

-انا قولت ، يبقى خلاص

تخللت رائحتها المميزة أنفه فأطبق جفنيه بإستسلام وهو يستنشقها مراراً وتكراراً مستمتعاً بعبقها الذي يثير جنونه ، ويحرك فيه مشاعره بقوة ..

جاهد لكي لا يتهور معها ، وتابع قائلا :

- يا ذات الغمازتين !

انخفضت بجسدها ثم عبرت من أسفل ذراعه المرتفعة على كتفها ، لتصبح خلفه ، و التقطت شهيقاً عميقاً ، وزفرته وهي تردد بنبرة مستكينة :

- انا جيت عشان الشغل .. هو فين!


رد عليها مالك وهو يبتسم بعبث :

-انا الشغل ياحبيبتي

ارتفع حاجباها للأعلى مستنكرة ما يقوله ..

أراد أن يحصل على المزيد ..

فدنا فجأة منها ، وحاوط رأسها براحتيه ، ومن ثم قبّل جبينها بعمق فأغمضت عينيها بضعف شديد ..

حدق فيها بسعادة ، وهمس لها بنبرة آسرة :

-بأحبك ..

ثم أرخى كفيه عنها ، وتراجع مبتعداً ليتركها في غرفتها الجديدة بمفردها ....

لا إرادياً تبعته بأنظارها حتى اختفى ، فتنهدت وهي تطبق على جفنيها ..

أخذت نفساً مطولاً لتستعيد ثباتها الإنفعالي من جديد .. ثم اقتربت من باقة الورد لتحتضنها بين ذراعيها وكأنها تحتضنه هو ..

تناولت البطاقة بأصابعها ، وتأملتها بأعين والهة

................................

عـــــاد مالك إلى غرفة مكتبه وهو يستعد لتنفيذ خطة جديدة ستكون أخر محاولاته لإخضاعها تحت سلطان الحب ...

هو بالكاد استطاع تحطيم الكثير من الحوائل التي كانت تقف بينهما ..

بات مالك متأكداً بأن الجدار الفولاذي الذي بُني سيقع حتماً عقب تلك المحاولة.. فقد حان موعد اختياره هو دون فرض البدائل.

....................................................................

استمرت إيثار في التوفيق ما بين عملها في الشركة ، ومهمتها كمربية للصغيرة ريفان ..

ورغم قلة عدد الساعات التي تقضيها بصحبتها إلا أنها كانت تمدها بطاقة كبيرة من الأمل والتفاؤل ..

وذات يوم ، وحينما انتهت هي من أداء مهامها تجاه الصغيرة ريفان ..

أنامتها برفق في فراشها، وتأملت ملامحها البريئة ، ثم مدت يدها لتمسك بأصابعها الصغيرة ..

فوجدتها أطبقت على إصبعها بكفها الضئيل بشكل لا إرادي .. فخفق قلبها فرحاً لتلك الحركة المباغتة ومسحت على جبين الصغيرة برفق ثم انحنت لتطبع قبلة عميقة على وجنتها.

_ وفجأة .. دب الرعب بداخلها وانخلع قلبها من مكانه..

انتفضت من مكانها بفزع وتحركت للخارج سريعاً محاولة فهم ما يدور ..

كان الصراخ مدوياً بالخارج ، وانتشر في الأرجاء مما أصابها بالذعر المميت ..

كانت تهبط الدرج راكضة وهي تدعو الله ألا يكون الخطب جلياً ..

وجدت روان تصرخ بهلع وبشكل يمزع القلوب ، في حين كانت راوية تقف على مقربة منها والدموع تنساب من بين عينيها بغزارة ، كذلك لم يختلف حال السائق الخاص بمالك فهو كان واقفاً محني لرأسه ويبدو على تعابير وجهه الأسف الممزوج بالحزن ..

صرخت إيثار بقوة وهي تتسائل بفزع :

- في ايه!!

أجابتها روان وهي تصرخ بشدة والبكاء ممزوج ببكائها :

- أخويا بيضيع مني ، مالك !

تعالت فجـــأة صراخاتها المريرة ، وأكملت :

-آآآآآه !!!


قفز قلب إيثار في قدميها ، وهتفت متساءلة بهلع وهي تهز روان بعنف و بنبرة تقطع القلوب :

-اتكلمي ياروان في ايه!! مالك فين وإي جراله!

دفعتها روان بعنف وهي تصرخ فيها لتحملها وزر المسؤلية كاملاً :

- انتي السبب ، اخويا كان بيجهزلك مفاجأة وقايلي انه جاي في الطريق .. انتي السبب في كل حاجة حصلتله من ساعة ما عرفك .. انتي اللي موتيه !!

تجمدت الدماء في عروقها وتصلبت قدميها في مكانها ..

تندى جبينها بقطرات العرق الباردة وهي تتخيل حقاً ما قد حدث ..

هزت رأسها بعنف لتدرك ما سمعته ولكن أبى الحديث أن يخرج من فوهها ، فقاطع السائق تفكيرها وهو يقول بصوت متحشرج :

- مالك بيه كان متفق معايا نجيب شوية حاجات لزوم حفلة ، و..آآ.. و وانا ماشي وراه بالعربية آأ .. عمل حادثة وو.....

_ غطت وجهها فجأة بكفيها ، وصرخت بصوت مكتوم غير مصدقة ما قاله ..

انهمرت عبراتها باندفاع من عينيها وكأنها فيضان جارف .. هدرت بصوتها بشهقات متتالية ، لقد كان معها هذا الصباح مثل كل يوم ..

كان يعبث معها ويداعبها بحركاته التي إعتادتها منه

كان يطرب آذانها بكلماته الساحرة التي باتت ترياقها الشافي لجراحها !

فكيف له أن يفعل هذا بها ؟!

كيف يتركها بعد كل ما حدث في حياتها!

- مستحيل!

كانت تلك الكلمة الوحيدة التي استطاعت أن ترددها بصعوبة واضحة وكلنها كانت تحمل الكثير بين طياتها ...

صرخت روان وهي تضرب على وجهها ورأسها محملة إياها عليها عبء كل ما حدث لأخيها في سنوات حياته منذ أن عرفها ، فخرج منها الحديث حـــاداً كنصل السيف الذي إن لمس النحر قطعه :

- انتي السبب ، انتي السبب منك لله

لم تهتم إيثار بذلك الهراء ، بل أطبقت على ساعد السائق وهزته بعوف قوي وهي تنطق بصراخ :

- هو فين دلوقتي ، قولي!


أجابها السائق وهو يبتلع ريقه بمرارة شديدة : في المستشفي بين الحيا والموت !

قفز قلبها وأهتز بعنف ، ربما يكون هناك أمل ، ربما لن يخذلها الله تلك المرة .. لن تكون هذه النهاية ا أستغاثت بالسائق ونطقت بإستعطاف راجي والدموع لا تتوقف عن السيل منها :

- ارجوك توديني ليه، ابوس ايدك وديني ، عاوزة أشوفه !!!


صاحت روان بتشنج وهي تتقدم بخطواتها نحو باب الفيلا : بسرعة ، ودينا عنده بسرعة

أقلهما السائق صوب المشفى ..

جلست روان بعيدة عن إيثار في المقعد الخلفي وهي تبكي بحرقة وتحسر ، بينما جلست إيثار منكمشة على نفسها تضم يديها إلى صدرها المنقبض ، كانت تبكي بحرارة تذيب أشد القلوب قسوة ..

حادثت نفسها بلوم وعتاب وكأنها تحادث مالك بقلبها وقبلها روحها ..

كيف لك أن تفعل ذلك بنا ؟

لا يحق لك أن تنصرف قبل أن تعيش معها أجمل أيامهما ، كيف يمكن للقدر الذي جمعنا مرة أخرى أن يفرق بيننا بهذا الشكل الشنيع والمميت؟

لا تذهب أرجوك ،

لا تتركني الآن ،

مازال لدينا الكثير لنعيشه ياحبيب القلب وخليل الفؤاد ..

تمسك بأنفاسك قليلاً ، أنا في طريقي إليك ،

أرجوك أن تعاند لتبقى!!

أن تصمد لأجلنا لا لأجلي ..!!

صف السائق سيارته أمام المشفى فاندفعت إيثار لتهبط عنها بسرعة رهيبة ، ركضت للداخل وهي تتلفت حولها لتسأل أياً ممن يقابلها ..

استوقفت إحدى الممرضات وهي تنطق بصعوبة بالغة وقد توقف الحديث بحلقها :

- آآ ... في واحد عمل حادثة وو...

ردت عليها الممرضة مقاطعة إياها وهي تهز رأسها بحزن :

-الأستاذ اللي عمل حادثة بيجهزوه فوق للعمليات .. ربنا يستر !!!!

كانت كلماتها كالمادة شديدة الاشتعال التي سقطت فوق كتلة من النيران لتزيد من توهجها واستعارة ألسنتها ، فركضت نحو الدرج لتصعده راكضة بينما لحقت بها روان وهي تركض بخطاها السريعة ..

وجدت كلتاهما الأطباء يتحركون بسرعة وبشكل غير منظم في الرواق.


مدت إيثار يدها لتوقف أحدهم وجاهدت لتلتقط أنفاسها وهي تذرف العبرات بغزارة من فرط الدموع والقلق والذعر والخوف وكل تلك المشاعر المكمونة داخلها ، ثم هتفت بصراخ قوي هز الأرجاء :

- دكتور، مالك فين ، فين مالك!!

رد عليها الطبيب وهو يقبض على شفتيه بقوة :

- لو قصدك الأستاذ اللي عمل الحادثة احنا بنجهزه عشان يدخل عمليات فوراً ، هتلاقيه في تاني أوضة شمال !

_ تركته وركضت إلى حيث أشـــار ...

تجمدت عند عتبة بابها ..

أصابتها الصدمة ..

توقف القلب عن النبض للحظات عندما وقعت عيناها عليه راقداً على الفراش ، يحيطه من كل جوانبه بقعاً من الدماء..

غير شاعر بما يدور من حوله ...

خفق قلبها هلعاً ..

وركضت نحوه ..

جثت بجسدها عليه ، و أمسكت كفه بيديها المرتجفتين ، وظلت تُقبله كثيراً وكثيراً ..

توسلته بقلبها أن يرد عليها..

ترجته بروحها أن يفتح عينيه لينظر لها ..

ولكن لا حياة لمن تنادي!!


نادته بنشيج مختنق وهي تكافح للتنفس :

- مالك ، متسيبنيش ، خليك معايا انا محتجالك .. مالك

احنا لسه معيشناش ازاي هتمشي!!

تعالت شهقاتها ، وامتزجت بصوت صراخها الذي كان كسكاكين تقطع من لحم جسدها ..

هزته بعنف وهي تهدر من بين أنينها الباكي :

- مينفعش تسيبني ، فوق وكلمني .. مستحيل ربنا يرجعك ليا عشان ياخدك مني بالشكل ده !

اختنقت نبرتها أكثر وهي تتابع :

مالك متسيبنيش ، خليك معايا.. أنا هموت لو جرالك حاجة .. آآآآه ، رايح فين وسايبني ؟!

هزته بعنف من كتفيه وهي تصرخ فيه ببكاء حارق :

-قوم رد عليا وأتخانق معاياااا

فتح مالك جفنيه بصعوبة ، جاهد للالتفات برأسه ولكن لم يستطع..

حاول النطق بحروف متقطعة وبصوت ضعيف للغاية :

-آآ إ يثار !


حبست أنفاسها برعب ، وانتظرت منه أن يكمل :

-أنا .. آآ. هـ.. آآ.. هاموت !

صرخت فيه بفزع متوسلة إياه :

- اسكت ارجوك ، هتقوم وترجعلي بس امسك في الدنيا .. عاند عشان خاطري لأخر مرة !

نظر لها بثقل ، ورد عليها بصعوبة واضحة :

- بــ.... حـ... حبك ، هموت وآآ ...أنا بحـ.. بك .. !!!


ارتعشت نبرتها وخرجت من فمها بصعوبة شديدة وهي تبكي بشدة :

-خليك عشاني ، انا بأحبك .. بأموت في كل حاجة منك ، ماتسبنيش ! طب .. طب عشان خاطر بنتك .. دي ريفان محتجاك ، وانا كمان ، أنا مقدرش اعيش من غيرك .. ارجوك خليك عشاني !!!!

بدأ جفنيه في الإنغلاق رويداً رويداً ، وكأن روحه تُختطف .. احتضنت رأسه وضمتها لصدرها وهي تبكي بصراخ ... نطقت باسمه وهي ترجوه ألا يتركها ويرحل :

- افتح عينيك يامالك .. افتح عينيك ياحبيبي ، انا جمبك يامالك

سكن للحظات في أحضانها يستشعر نبضات قلبها الملتاع من أجله ، ثم ضمها إليها بقوة كادت تكسر عظامها بين يديه ، وتنهد بعمق ، وأردف قائلاً بنبرة طبيعية للغاية :

- مقدرش أسيبك ، انتي حياتي كلها .. انتي نفسي .. انتي نبشي وروح قلبي !

شعرت إيثار بشيء مريب في الأمر ..

هو يتحرك ويضمها إليه بقوة شديدة تتنافى مع حالة الوهن التي عليها ..

استغرقتها عدة لحظات لتستوعب أنها خدعة ..

نعم هي مزحة مفزعة منه .. فلن تمد فيه الروح فجـــأة ..

دفعته لتبتعد عن أحضانه ولكنه أطبق عليها بقوة أشد..

عرف أنها كشفت أمره فتمسك بها بإصرار ، ونطق بنبرة عابثة :

- لا خليكي في حضني أحسن هموت ، انا هرمت من أجل اللحظة دي

تجمدت العبرات في مقلتيها ، واحتقن وجهها من دعابته المميتة ، وكزت على أسنانها بحنق بائن وهي تقول :

- آآ... انت.....!؟

ابتعد عنها وهو مازال ممسكاً بها ثم نطق بتسلية وهو يمسح على وجهها برفق وحنو بالغ :

- انا الحمد لله سليم .. وانتي اعترفتي بحبك ، ودخلتي القفص، ومش هتخرجي منه إلا على جثتي ، يامراتي وأم ولادي وشريكتي وحبيبتي ورفيقة دربي !

احتضن وجهها بين راحتي يده ، ونظر لها بعشق وشغف واضح .. ثم تابع بنبرته المشتاقة إليها :

-انتي الحياة بالنسبالي ، ومن غيرك يا حياتي أنا ممكن أموت.... .............................. !!!


وبقي منها حطام انثي 

الفصل من ٣٢ج١ الي ٣٢ج٢ الاخير

للكاتبة منال سالم 

#الفصل_٣٢ج١


الفصل الثاني والثلاثون الجزء الأول

تحول خوفها الشديد عليه إلى غضب مبرر بعد أن كشف أمامها خدعته المميتة التي جعلتها تعترف بحبها اللا محدود له ظناً منها أنها تفقده للأبد ..

نظر لها مالك بأعينه التي تعشق أدق تفاصيلها ، وتلذذ برؤية تحولها من الخوف للعبوس للتلهف .. تلك المشاعر التي دائماً تشكل جزءاً هاماً من شخصيتها الرقيقة ..

عبست إيثار بوجهها بضيق جلي .. واستنكرت ما قام به لينال منها إعترافها الغالي ..

فهو لا يحق له التلاعب بمشاعرها بتلك الصورة المفزعة .. ألم يحسب ما يمكن أن يصيبها إن اعتقدت أنه قد تعرض جدياً لذلك الحادث المؤسف؟!!


تملصت من أحضانه وهي تضربه بقوة في صدره بقبضتيها ، وهتفت بحنق :

-انت ازاي تعمل فيا كده ؟!!!

ابتسم لها بود وهو يجيبها بحنو :

-أنا أسف يا حبيبتي ، بس فعلا كان ممكن يجرالي حاجة ساعتها كنتي آآ....

قاطعته قائلة بتجهم :

-متكلمش كده ، أنا مش بأحب الطريقة دي !

زادت ابتسامته إغراءاً وهو يجيبها بصوت خفيض :

-حاضر .. انتي بس أؤمريني ، وأنا هانفذ على طول يا مولاتي !

لكزته مرة أخرى في صدره موبخة إياها ، فابتسم لها وهو يضحك بمرح ..

ولجت روان إلى داخل غرفته بالمشفى ، وهتفت متساءلة بنعومة :

-ها يا مالوك ؟ أنفع أكون ممثلة ؟!

ارتبكت إيثار حينما رأت روان بالغرفة ، فشعر مالك بحرجها ، وأرخى قبضتيه عنها ، وتراجعت هي سريعاً للخلف لتعتدل في وقفتها ..

تحركت روان صوبهما وهي مسبلة عينيها للأسفل بخجل واضح ..

نظرت إيثار لها ، ووضعت يدها على منتصف خصرها ، وعاتبتها بحدة :

-وانتي كمان كنتي شريكة معاه وعارفة باللي ناوي يعمله ؟!!!

دنت منها روان وحاوطت كتفيها بذراعها ، ثم أسندت رأسها على كتفها ، وردت بتنهيدة حارة :

-معلش بقى يا ريري ... الحب بهدلة ، وانتي عرفاني ضعيفة قصاد الحب

ردت عليها إيثار بإمتعاض ظاهر في نبرتها :

-ماشي يا روان ، ليكي يوم ، وأكيد طبعاً السواق وراوية كانوا معاكوا في الفيلم ده

رد عليها مالك بتساؤل متباهياً بنفسه :

-أنفع أكون مخرج سينمائي ، صح ؟

هتفت فيه إيثار بغيظ :

-انت مخرج بايخ ودمك تقيل !

ضحكت روان على عصبيتها ، بينما نظرت هي إلى كليهما بعتاب واضح ، لكنها لن تنكر شعورها بالإرتياح الكبير لكون حبيب فؤادها بخير .. .

.....................................

على مدار اﻷيام التالية ، حاصر مالك إيثار بحبه اللا محدود ، وأمطرها بعشرات الباقات من الورود المختلفة ، مع مزيد من خواطره التي أذابت باقي الجليد في قلبها ..

كانت تستعد كل يوم وهي ذاهبة إلى عملها إلى مفاجئة غير متوقعة منه ..

وهو لم يخيب ظنها .. فشغل عن عمد كل تفكيرها .. وأصبح مسيطراً عليها بدرجة كبيرة ، ومستحوذاً على أغلب وقتها .. فيومها يبدأ معه في شركته ، وينتهي في الفيلا مع ابنته الصغيرة ..

كما نجحت هي ببراعة في التوفيق بين عمليها ، واستطاعت أن تُثَبت أقدامها في الشركة ...

حقاً كانت مصدر فخر له بين زملائها في العمل ...

هو أحسن الاختيار ، ولن يفرط فيها مهما عاندت أو كابرت ..

.............................


ورغم وعدها لأخيها بألا ترتكب أي حماقات بدون علمه ، إلا أن قلبها أجبرها على عدم اﻹنصياع لعهدها معه .. واختلقت اﻷعذار لتلقاه مصادفة عبر الشرفة في منزل عمتها ..


ها هي تكرر أفعال أخيها السابقة مع إيثار ، لم تكن تتصور أنها ستفعل مثله ،ولكن الحب جنون و يمكن أن يجبرك على فعل الحماقات ..


كانت يوماً بعد يوم تزور عمتها بحجة مرضها وأنها بحاجة إلى الرعاية ، ثم تتوجه إلى غرفة أخيها لتلج إلى الشرفة ،

وتلتقي به ..

رفعت عيناها للأعلى لتنظر إلى عينيه المتيمة بها .. فتبتسم بسعادة وتطمئن عليه وتشد من أزره وتشجعه على الصمود أمام عِناد أخيها ...

وهو يستمد من دعمها الطاقة الإيجابية التي تعينه على المقاومة وتدفعه إلى عدم اليأس والسعي لفعل المزيد من اجلها هي ...

همس لها بتنهيدة والهة :

-وحشتيني

ردت عليه روان بنعومة هامسة :

-وانت كمان !

تابع قائلاً بصوت خفيض متمنياً :

-ربنا يهدي أخوكي ويرضى عني

-ردت عليه بتضرع :

-يا رب .. معلش يا حبيبي هو بس دماغه ناشفة شويتين لكن آآ....

قاطعها قائلا بتحمس :

-انتي بتقولي ايه ؟!!

إنتابها القلق من تبدل حاله وتحول نظراته للجدية الشديدة حتى بات يخترقها بعينيه المحدقتين بها بثبات عجيب ، فازدردت ريقها ، وهمست بتوجس :

-أنا بأقولك إن مالك آآ....


قاطعها مجدداً وهو يهز رأسه نافياً :

-ﻷ مش دي ، اللي بعدها !

توردت وجنتيها بحمرة هائلة .. وارتبكت أكثر من تلميحه الغير معلن .. وعضت على شفتها السفلى بخجل بائن للعيان ...

تنهد متأثرهاً من حيائها ، و أردف قائلا بصوت آجش :

-نفسي أسمعك بتقوليهالي تاني !

أسبلت عينيها ، وهمست بتلعثم :

-أنا داخلة قبل ما حد يشوفنا

رد عليها بتلهف وهو يستعطفها :

-لأ ماتمشيش ، استني بس

رفعت رأسها للأعلى لتنظر إليه مرة أخيرة قبل أن تهمس له بصوت رقيق التقطته أذنيه ببراعة :

-سلام يا ... يا حبيبي !


وما إن قالتها حتى ركضت بخطوات متعجلة لتختفي من أمام أنظاره العاشقة لها ...

تشكل على ثغر عمرو إبتسامة فرحة وهو يرى بنفسه انعكاس الحب عليها ..

تنهد بعمق أكثر ، وأغلق النافذة وهو يتعهد لنفسه ألا يستسلم ليأسه .. بل سيقاتل من أجلها حتى يظفر بها ...

....................................


شجعت إيثار أخيها على محاربة أي عوائق تحول دون ارتباطه الرسمي بمن أحبها ..

ولم يتردد عمرو في تكرار المحاولة ومقابلة مالك مجدداً حتى لو تعامل معه بفظاظة وجفاء ، فروان تستحق المقاتلة من أجلها ..

لقد كانت أخته نعم السند له ، ودعمته كثيراً في أصعب أوقاته ..

تمنى لو كان مثلها يملك قلباً حنوناً متسامحاً منذ البداية ، وقادراً على الصفح والغفران .


ود لو عاد به الزمن للوراء ليعدل عن قراره المتعنت بحرمانها من حبيبها ويجني عليها بزوج لا يعرف إلا غرائزه الحيوانية فقط ..

هو ندم وتاب .. وأخلص في سعيه الجاد نحو علاقة جادة شرعية ..

.........................................

شعرت إيثار بالفخر من تصرفات عمرو الأخيرة ، وطموحه التي لا تنتهي .. فقد تبدل للأفضل .. وصمد أمام تحديات مالك المتشددة .. حتى حانت لحظة المواجهة من جديد ..

..

وتلك المرة عرض بوضوح خطته المستقبلية للزواج بروان وما استطاع تنفيذه من خطوات جادة ..

رتبت هي لذلك اللقاء المرتقب في مكان عام كي تضمن عدم حدوث مشادات كلامية أو تطاولات يدوية إن أنفلت الأعصاب ، واحتدت المناقشات ..


جلس عمرو في المطعم الفاخر متأنقاً ، ومترقباً بحذر وصول مالك إليه ..

وبالفعل في ميعاده المحدد كان يلج إلى المطعم وعيناه الحادتين تبحثان عنه ..

رأه من على بعد فنهض عن مقعده وتأهب لمصافحته ..

وتلك المرة مد مالك له يده ليصافحه في بادرة ودية مطمئنة ..

جلس الاثنان قبالة بعضهما البعض ، وانتظرا حتى وضع النادل المشروبات الساخنة وانصرف ، فاستطرد عمرو حديثه متساءلاً بهدوء :

-اخبارك ايه ؟

رد عليه مالك بإيجاز دون أن تتبدل ملامحه الجامدة :

-تمام

تنحنح عمرو بخشونة قبل أن يتابع حديثه بجدية :

-قبل ما تقول أي حاجة ، أنا عاوز اعتذرلك عن أي أذية اتسببت فيها ليك زمان !

انتبه له مالك ، وحدق فيه بثبات .. بينما تابع عمرو بنبرة زرينة :

-أنا محقوقلك يا مالك ، وآآ..

أطرق رأسه خجلاً ، وصمت للحظة ، ثم تابع بنبرة شبه نادمة :

- وكنت عاوز أقولك إني زمان لما فكرت في مصلحة أختي كان من وجهة نظري أنا ، ومفكرتش في اللي هي عاوزاه ونفسها فيه !

انتصب مالك بكتفيه ، وبدى على تعابير وجهه الإهتمام ..

أخـــذ عمرو نفساً عميقاً ليسيطر على حاله قبل أن يختنق صوته أكثر ، وتابع بتوتر :

-أنا .. أنا قبل ما أجني عليها جنيت عليك إنت وظلمتك .. !

أغمض عينيه أسفاً ، وتابع بخزي وهو يتذكر أفعاله النكراء مع شقيقته :

-ويمكن ظلمي ليها كان أصعب منك بمراحل ، هي فضلت متمسكة بيك لأخر وقت ، وأنا أجبرتها على واحد مكانتش عاوزاه ، وهددتها إني هأذيك ، وهي .. وهي خافت عليك وضحت بنفسها عشان بس تحميك مني !

تبدلت قسمات مالك للوجوم .. هكذا كانت حبيبته .. مخلصة لعهد الحب ، ووفية لميثاق عشقهما .. وهو من ظن بها كل الظنون ..

هي قاست وتحملت وضحت وهو اعتقد أنها خائنة ..

أخرجه عمرو من شروده قائلاً بندم :

-أنا لو الزمن يرجع بيا لورا كنت هاعوض إيثار عن كل لحظة اتغابيت عليها فيها وحرمتها من حبها !

استشعر مالك صدق نواياه وتوبته الحقيقية عن أخطاء الماضي .

هو أصبح متأكداً أنه قادر على إسعاد أخته بحق و لا يلعب بها ...

نعم لقد غيره العشق للأفضل .. ورأى أمامه عمرو جديد ذو شخصية مختلفة ، متفاهمة ، محبة ، تعترف بأخطائها ، وتحاسب نفسها على أفعال الماضي ..

ظل مصغياً إليه دون أي مقاطعة حتى سأله الأخير بترقب :

-مالك ! إنت موافق أخطب أختك ؟

رد عليه مالك بتساؤل غامض :

-وايه اللي جد عشان أوافق المرادي ؟

أخــذ شهيقاً عميقاً ، وزفره على مهل ، ثم أجابه بجدية دون أن تطرف عيناه :

-لأني بأحب روان بجد ..!

مال بجسده للأمام وتابع بنبرة أكثر صدقاً :

-وصدقني أنا هاسعدها وهاعمل أي حاجة عشان تكون ليا !

ظهر شبح إبتسامة خفيفة على ثغر مالك ، ورد عليه بنبرة هادئة :

-سيبني أفكر في اللي قولت عليه ، وبعد كده هارد عليك

استشعر عمرو وجود بارقة أمل في رد مالك ، وتلون ثغره بإبتسامة فرحة لم يستطع إخفائها ...

.................................

احتضن عمرو شقيقته بقوة ، وقبلها من أعلى رأسها وهو يهتف بحماس :

-ربنا يخليكي ليا يا إيثار ، والله أنا ما مصدق نفسي

نظرت إيثار لأخيها بود ، وردت عليه بسعادة :

-إن شاء الله هيوافق يا حبيبي ، إدعي إنت ربنا بس

اضافت تحية قائلة بنبرة فرحة :

-مبروك يا حبيبي ، إنت تستاهل كل خير ، ومش هتلاقي أحسن من روان عشان تتجوزها

نظر عمرو إلى والدته ، ورد عليه بتنيهدة متعبة :

-أخطبها بس الأول ، وبعد كده ربنا يسهل

ابتسمت له إيثار بثقة ، ورفعت حاجبيها للأعلى وهي تقول له بجدية :

-متقلقش

رد عليها برجـــــاء :

-يا رب يا كريم

................................

-ها يا عمتو رأيك ايه ؟

تساءل مالك بإهتمام جاد وهو محدق في عمته ميسرة بعد أن أبلغها بما دار في مقابلته الأخيرة مع عمرو ..

شردت قليلاً وأجابته بتوجس :

-مش عارفة يا مالك ، أنا خايفة نكون آآ...

قاطعها زوجها ابراهيم بجدية :

-جرى ايه يا ميسرة ، عمرو جارنا والشاب عنده أخلاق ومروءة ، صحيح كان في بينا خلافات زمان ، بس هو كان بيغير على أخته وبيخاف عليها

بررت له خوفها قائلة بتوتر :

-أنا خايفة يبهدل روان معاه ، النوعية دي دماغها مش بتتغير !

ضغط مالك على شفتيه قليلاً ، وقال بعدها بنبرة رزينة :

-والله يا عمتي أنا شايف تعامله مع إيثار اتغير تماماً ، بالعكس هي بتحكيلي عن كل حاجة هو بيعملها عشان يكون احسن من الأول ويعوضها عن زمان !

حدقت فيه ميسرة بنظرات مرتابة ، ثم مطت فمها للأمام لتسأله بفضول :

-مممم.. وانت بتحكي مع إيثار على طول ؟

أطرق رأسه للأسفل للحظة ، ثم هتف بصوت خشن :

-عمتي ماتغيريش الموضوع !

مدت ميسرة يدها لتمسح بها على صدغ ابن أخيها ، وتنهدت بحنو وهي تقول :

-أنا نفسي أفرح بيك أوي !

أمسك بكفها براحة يده ، وربت عليه بخفة ، ثم رد عليها بثقة :

-إن شاء الله هايحصل .. بس خلينا الوقتي في موضوع روان

تساءلت ميسرة بجدية وهي ترفع حاجبها للأعلى :

-وأختك رأيها ايه ؟ مش يمكن تكون رافضة وآآآ..

قاطعتها روان قائلة بحماس مفرط :

-لأ يا عمتو ، أنا موافقة طبعاً عليه

نظرت لها مستنكرة تهورها في الرد ، وهتفت معترضة :

-شايف البت !

رد عليها زوجها إبراهيم بإبتسامة هادئة :

-سبيها يا ميسرة

عاتبته قائلة بصلابة زائفة :

-والله إنت اللي مدلعها يا ابراهيم !

رد عليها زوجها بإبتسامته العذبة :

-هو احنا حيلتنا غيرها هي ومالك ؟!

أومـــأت برأسها بخفة موافقة إياه وهي تقول بنبرة حانية :

-عندك حق ، دول حياتنا كلها !

نهض مالك ليقف إلى جوار أخته ، ثم سحبها من ذراعها إليه ، واحتضنها قائلاً بمزاح :

-انتي يا بنتي مش بتتكسفي كده ؟

لفت ذراعيها حول خصر أخيها ، وردت عليه بدلال وهي تبتسم :

-الله يا مالك ، مش أنا بأعمل اللي انت عاوزه كله

ربت على ظهرها قائلاً :

-ماشي يا ليمضة ، ربنا يسعدك !

تراجعت للخلف لتنظر إليه بعينين لامعتين وهي تسأله بأنفاس مضطربة :

-يعني انت موافق ؟

ابتسم لها قائلاً بإيجاز :

-أكيد !

قفزت في مكانها من فرط السعادة ، وهتفت قائلة :

-حبيبي يا مالك !

أضــــاف هو قائلاً بجدية وهو ينظر في اتجاه عمته وزوجها :

-أنا هاتصل بعمرو وأبلغه بردي ، وبعدها نشوف هنعمل ايه

ردت عليه ميسرة بهدوء :

-تمام يا بني !

حدق مالك أمامه بنظرات متفائلة ، وتقوس محياه بإبتسامة واثقة .. فالقادم سيكون أفضل بأمر الله .. وسيحمل معه أهم المفاجأت ..............................


#الفصل_٣٢ج٢_الاخير 


الفصل الثاني والثلاثون الجزء الثاني

تعالت الزغاريد في منزل المرحوم الحاج رحيم عبد التواب بعد إعلان موافقة مالك على خطوبة أخته الصغرى لعمرو ..

أدمعت عيني السيدة تحية بفرحة جلية وهي تهلل بسعادة :

-لوووولووولي .. أخيراً ربنا نصفك يا ضنايا

قبل عمرو كفي والدته ، وهتف بنبرة متحمسة :

-والله ما مصدق لحد الوقتي ، أنا خايف اكون بأحلم

ابتسمت إيثار لسعادة أخيها ، ثم اقتربت منه ، ووضعت يدها على خصرها ، وأضافت بعبوس زائف :

-وأنا ماليش شكر ولا أي حاجة ، خلاص خلصت حاجتي من عند جارتي ؟!

لف عمرو يده حول كتفي أخته ، وضمها إلى صدره ثم قبلها من جبينها ، وهتف بإبتسامة عريضة :

-إزاي بس ، هو أنا أقدر

مسحت هي على ظهره ورفعت عيناها لتنظر إليه بود وهي تردد :

-ربنا يفرحك دايماً

رد عليها عمرو بجدية :

-يا رب أمين ، أنا عاوز بقى أجهز لكل حاجة عشان نعمل الخطوبة في أقرب وقت

هزت إيثار رأسها موافقة وهي تقول :

-تمام ، وأنا هاظبط مع روان المناسب ليها وأبلغك

أومــأ برأسه إيجاباً وهو يردد :

-متفقين

................................

لم تختلف سعادة روان عن عمرو كثيراً .. فقد حظيت هي بحب شغوف بالرغم من العقبات التي واجهته في البداية ، وحمدت الله أنها لم تعانِ مثل إيثار .. وهـــا قد حان الوقت لرد الجميل إليها ..

ظلت ترقص بسعادة وتدور في غرفتها وهي تمني نفسها بسعادة حقيقية مع من اختاره قلبها ..

ألقت بنفسها على الفراش ، وحدقت في سقفية الغرفة ، وتنهدت بحرارة وهي تقول لنفسها :

-أخيراً .. ده أنا كنت هيأس خلاص .. هانت !

أغمضت عيناها لترسم في مخيلتها الشكل المفترض لحفل خطبتها المنتظر ..

........................................

على مدار الأيـــــام التالية إنشغلت إيثار برعاية الصغيرة ريفان وبمساعدة روان في التجهيز لحفل خطبتها.. واعتذرت عن العمل – مؤقتاً – في الشركة لتتفرغ لمهامها الجديدة ..

لم تتركها للحظة ، وظلت ملازمة لها في كل تفصيلة صغيرة أو كبيرة لتتأكد من إتمامها على أكمل وجــــه ...

انتقت روان فستاناً ذهبياً ذو ذيل طويل مميز ومرصع بالمفصوص اللامعة ..

أكتافه كانت مغطاه بقماش الشيفون ، وفضلت أن ترتدي الحجاب وألا تخلعه كغيرها ممن يتخلين عنه في ليالي فرحتهن المميزة ..

أما إيثار فانتقت لنفسها فستاناً رقيقاً مصنوعاً من الحرير الناعم ، ومن اللون الوردي ..

كان يتميز بأكمامه التي تنساب بوسع معقول لتغطي ذراعيها بالكامل .. وبخصره الذي يبرز تناسق جسدها الممشوق ..

ولم تتردد في تفصيل نفس الموديل للصغيرة ريفان .. لتبدو الاثنتان كتوأم متشابه مع إختلاف العمر والحجم ...

كانت أسعد الأوقــــات لهما حينما قامتا بتجربة قياس الفستانين ، فظهرت كلتاهما كعارضتين خرجتا من مجلة أزياء شهيرة ..

أما الصغيرة ريفان فبدت كملاك رقيق بفستانها الرائع .. وتشبه إيثار بدرجة كبيرة في هيئتها ..

واتفقت الاثنتان على عدم إخبار مالك بما سيفعلاه مع الصغيرة .. لتكون هذه مفاجئتهما له ..

.................................

لم يتجادل عمرو مع مالك كثيراً بشـــأن قاعة الحفل الذي ستعقد في الخطوبة ، ووافق على مضض على رغبته فقد أصر الأخير على اختيار قاعة فاخرة لإقامة الحفل متحججاً بالكم الهائل المدعو من رجال الأعمال لحضور الحفل ...

كذلك تدخلت إيثار في تلك المســألة لإقناع أخيها بعدم الرفض ، وأن المسألة لا تحتاج للمشاجرة وافتعال الخناقات ..

شكرت روان إيثار كثيراً على دعمها لها في كل شيء وخاصة في مســـألة الإرتباط الرسمي بأخيها .. فقد كانت نعم الأخت التي لم تلدها أمها ..

وتمنت لو استطاعت أن ترد لها الجميل أضعافاً مضاعفة .. ولكنها على عهدها بأخيها .. ستحقق لها هذا ..

................................

صدح صوت المزامير عالياً عند مدخل القاعة ، واصطفت الفرقة الشعبية على الجانبين لتستقبل العروسين بالأغاني الشهيرة ..

تحركت روان وهي تتأبط ذراع عمرو بخطوات بطيئة بسبب فستانها الثقيل ، ولكن كان قلبها يطير على جناحي السعادة ..

نظرت إليه بحب ، وبادلها هو نظرات عاشقة .. وربت على كفها المتعلق في ذراعه بحنو كبير ....

تحرك خلفهما والدته تحية وهي تلقي بحبات الملح فوق رأسيهما اعتقاداً منها أنها تحميهما من الحسد ..

وكذلك لحقت بهما إيثار بخطوات شبه متعثرة ، والتي كانت تنحني من آن لأخر لتفرد ذيل الفستان الخاص بروان لتبدو في مظهر لائق ..

شعرت بيد توضع على ظهرها فانتفضت فزعة ، ونظرت إلى من فعل هذا بتجهم شديد ، فرأت مالك يبتسم لها بإمتعاض ، ثم همس لها محذراً :

-متوطيش تاني ، ماشي ! مش لازم الناس تشوفك كده

توردت وجنتيها خجلاً ، وأطرقت رأسها في حياء واضح ..

ابتسم لها مالك بحب ، ورفع صغيرته ريفان للأعلى ليقذفها في الهواء ، ثم تلاقها بيديه ، وحملها على ذراعه وقبلها من وجنتها بقوة ..

لقد فاجئته إيثار بفكرتها الجميلة في إرتداء فستان شبيهاً لها ، وأججت في صدره مشاعر تشتعل بشدة لمجرد التفكير فيها ..

كان يعد الدقائق لتمر فينفذ الجزء الأخير من خطته النهائية في استعادة معذبة فؤاده ، وأسيرة روحه ...

........................

وقف على باب القاعة كلاً من إبراهيم وميسرة ليستقبلا المدعوين بترحاب واضح ..

لمعت عيني ميسرة بوميض عجيب حينما وقع بصرها على ابنة أخيها ..

ها هي اليوم تراها عروساً سعيدة مع من إختاره قلبها..

لف ابراهيم ذراعه حول كتفيها ، وقربها إلى صدره وهو يقول بصوت هامس :

-اوعي تعيطي يا ميسرة ، النهاردة ليلة فرح !

ردت عليه بنبرة شبه باكية وهي تكبح عبراتها من الإنهمار :

-كان نفسي رشاد يكون عايش عشان يشوف بنته وآآ...

قاطعها ابراهيم قائلاً بهدوء :

-دي بنتنا احنا ، والنهاردة فرحتنا بيها فماتبوظيهاش بعياطك !

هزت رأسها بإيماءة خفيفة وهي تقول :

-حاضر !

....................................

جلست سارة إلى جوار والديها وهي تتحسر على حالها البائس ...

هي لم تكن تحمل يوماً نوايا طيبة لأقاربها .. وسعت في تخريب حياة ابنة عمها ، فنالت جزائها .. واليوم هي هنا تشهد على زيجة جديدة بُنيت على أساس طيب ..

تنهدت بإستياء ، واستندت بوجهها على مرفقها ..

نظرت لها إيمان بإشفاق ، وتمتمت بضجر :

-افردي وشك ، بلاش البوز ده !

ردت عليها ســـارة بإحباط :

-يعني لو ضحكت هاتتعدل

هتف فيهما مدحت بنفاذ صبر :

-اسكتوا انتو الاتنين ، ومش عاوز كلام في أي حاجة

ردت عليه إيمان على مضض:

-طيب

............................................

توالت فقرات الحفل تباعاً حتى انتهى العروسين من تقطيع قالب الحلوى ذي الأدوار المتعددة .. فهتف منسق الحفل قائلاً في الميكروفون :

-ودلوقتي نطلب من أصحاب العروسة يتجمعوا عشان البوكيه ..

وبالفعل تسابقت صديقات ورفيقات روان في الوقوف خلفها استعداداً لتلقي باقة الورد المميزة التي تعلن ضمنياً عمن سيأتي عليها الدور في الإرتباط ..

وقفت إيثار بجوار كوشة العروسين تنظر إلى المشهد بنظرات متأملة .. لكن لم يطرأ ببالها أن تشير روان بيدها لمنسق الحفل لتطلب منه الميكروفون ..

نظرت لها بتعجب ، وإرتفع حاجبها للأعلى في ريبة ، وتساءلت مع نفسها بفضول :

-هي ناوية على ايه المجنونة دي ؟

أمسكت روان بالميكروفون ، والتفتت برأسها ناحية رفيقتها الوحيدة ، وصاحت بنبرة جادة :

-سامحوني يا بنات ، أنا مش هاقدر أدي بوكيه الورد ده لحد فيكم !

حدقت الفتيات لبعضهن البعض بنظرات غريبة ومتعجبة ، بينما تابعت روان بنبرة ممتنة :

-البوكيه ده هايروح لأختي وصاحبتي وحبيبتي إيثار

شهقت إيثار مصدومة حينما سمعت اسمها يتردد في المكان ..

ووضعت يدها على فمها في ذهول عجيب ..

قام منسق القاعة بتسليط الأضواء عليها فقط بعد أن أخفض الإضاءات الأخرى لتصبح هي وحدها محور الإهتمام ..

اقتربت منها روان بخطوات حذرة ، ونظرت إليها بود وهي تكمل بنبرة تحمل العرفان والجميل :

-حقيقي أنا مكونتش أتخيل إن ربنا هيكرمني بواحدة زيك ، ونفسي أوي نكون مش بس أصحاب !

هنا تدخل مالك في الحوار ، وطلب من شقيقته بهدوء :

-ممكن أكمل أنا !

ناولته روان الميكروفون ، ليلتفت هو بجسده ناحية حبيبته ، وتأملها بنظرات عاشقة ، وأردف قائلاً بنبرة آســـرة :

-إيثار .. !

ارتعش جسدها على إثر صوته ، وضمت كفيها معاً لتفركهما بتوتر ، وتعلقت أنظارها بعينيه العاشقتين ..

أكمل مالك قائلاً بنبرة متيمة :

-إنتي حبي الوحيد ، إنتي النعمة اللي ربنا ادهاني عشان تكون معايا في الدنيا دي !

تلاحقت أنفاسها من فرط التوتر ، ونهج صدرها علواً وهبوطاً ..

أحقاً سيفعلها ؟ أحقاً سيتقدم لخطبتها هكذا أمام الجميع ؟

ازدردت ريقها بإرتباك كبير ..

وقف هو على بعد خطوات معدودة منها ،وحدق فيها بثبات ، ثم همس لها بتنهيدة حارة :

-إيثار أنا محبتش حد إلا انتي !

وضع يده على قلبه ليشير إليه ، وأسبل عيناه وهو يتابع بصدق :

-قلبي ده عمره ما دق إلا ليكي وبس .. !

زادت نبرته رخامة وهو يضيف بصوت خافت :

-الظروف أجبرتنا على البعاد ، وفرقتنا ، خليت كل واحد فينا يشوف أوحش ما في الدنيا !

تسارعت دقات قلبها وهي تراه يقف قبالتها ..

مد يده ليمسك بكفها ، ثم أطبق عليه ، وتابع بنبرة رومانسية :

-بس النهاردة أنا مش هاقدر اسيبك تبعدني عني ، نفسي تكون معايا على طول للأبد ، تكوني أم عيالي وكل حاجة في حياتي .. بأحبك يا عمري اللي جاي كله !

جثى مالك على ركبته أمامها ، فخفق قلبها أكثر ، واستطاع أن يرى توترها الرهيب ، فابتسم لها ابتسامة مغرية ، وتساءل بصوت جاد وثابت وهو ينظر مباشرة في عينيها :

-إيثار رحيم عبد التواب ، تقبلي تتجوزيني وتكوني مراتي وشريكة حياتي قدام الناس دي كلها ؟

استطاعت أذنيها أن تلتقط شهقات الفتيات المصدومات من ذلك المشهد الرومانسي المثير ..

بدأ فمها في الإلتواء ليتشكل عليه بسمة رقيقة وهي تجيبه بصوت هامس ومرتبك :

-أنا ..آآ...

قاطعها قائلاً بإصرار محب عاشق :

-تتجوزيني يا إيثار ؟ أنا مش هاسيبك تبعدي عني تاني !

لم تجبه ، بل أومـــأت برأسها بإيماءة خفيفة فنهض على إثرها من مكانه ، وجذبها من كفها إلى حضنه ليحتضنها بشغف كبير ..

تعالت التصفيقات والصافرات وتهليلات الحاضرين في القاعة .. وامتزجت مع أغاني الأفراح المهنئة ..

لم تصدق تحية ما حدث ، وانطلقت منها دفعة لا متناهية من الزغاريد السعيدة لفرحة ابنتها التي ستكتمل اليوم مع حبيبها الوحيد ...

.........................................

بعد مرور عدة أيـــــــام ، وفي تلك الحديقة الأنيقة المخصصة لحفلات العرس النهارية كانت إيثار توقع بسعادة على ميثاق الزواج ليعلن بعدها المأذون اكتمال المراسم الرسمية لتلك الزيجة الميمونة ..

أمطرتها روان بقطع الزهور الصغيرة فوق رأسها وهي تقفز بفرح في مكانها ..

مال عليها عمرو قائلاً بعبوس :

-اهدي شوية ، مش كده يا روني

ردت عليه بمرح وهي ترمش بعينيها:

-فرحانة أوي يا عمرو ، مش مصدقة ، أخيراً ربنا جمعهم مع بعض

قال عمرو مبتسماً وهو يغمز لها :

-الحمدلله ، عقبالنا احنا كمان !

ردت عليه محتجة وهي تشير بيدها :

-لسه بدري ، أما أخلص دراسة وآآآ....

قاطعها قائلاً بجدية :

-وأنا مش هاصبر كل ده ، أخلص بس اللي ناقص في الشقة ، وبعد كده هاعجل بجوازنا يا حبيبتي !

ابتسمت روان له بخجل ولم تقل المزيد .. فقد كانت هي الأخـــرى تحترق شوقاً لتكون إلى جواره تحت سقف منزلهما ...

نهض مالك عن مقعده ، واتجه إلى زوجته إيثار ، وأمسك بكفها ليقبله ، ثم جذبها منه لتنهض وهو يقول بجدية :

-تعالي يا حبيبتي معايا

نظرت له إيثار بإندهاش ، واعترضت على ما يفعله :

-استنى يا مالك ، احنا رايحين فين بس وسايبين الفرح ؟

رد عليها بعدم اهتمام بما يظنه المتواجدين من حولهما :

-هاتعرفي الوقتي

سحبها ورائه بعيداً عن الحاضرين ، فضحكوا على ما يفعله مالك بعروسة ، وصفقوا لهما ... فخجلت هي من تصرفه الطائش ، وهتفت بحرج :

-يا مالك ، مش ينفع اللي بتعمله ده

رد عليها بعدم إكتراث :

-محدش ليه حاجة عندي ، إنتي مراتي وأنا حر

تحركت مجبرة خلفه حتى وصل بها إلى سيارته ، ففتح لها الباب الأمامي ، وطلب منها الجلوس ، فامتثلت لطلبه على مضض ، فالفضول يقتلها لمعرفة إلى أين يصطحبها زوجها المجنون ...

استقل السيارة وقـــادها إلى بقعته المميزة على كورنيش البحر ..

تلك البقعة التي شهدت مولد حبهما ، وفراقهما ، ولحظات تعاستهما ، ومعاناتهما ، وانتهت الآن بزواجهما وفرحتهما الأبدية ..

اتسعت حدقتيها في إعجاب كبير حينما رأت كيف زين ذلك المكان وجمله ليليق بها ..

افترشت الرمــــال بالزهور الوردية والحمراء على الجانبين ،

ووضع في المنتصف بســـاط ابيض لتسير هي عليه كالأميرات ..

إنها تعيش حلماً رائعاً لا تود الإستيقاظ منه أبداً ..

صف السيارة على الجانب ، وترجل منها ، ثم دار حولها ليفتح الباب لملكة قلبه ..

مــد ذراعه ليمسك بكفها ليعاونها على الترجل منها .. فابتسمت له بنعومة .. وتحركت معه ..

تأبطت هي في ذراعه ، ونظر لها بنظرات والهة عاشقة لكل ما فيها ، وســـار سوياً للأمام بخطوات هادئة ..

التفت بجسده ليصبح في مواجهتها ، ثم احتضن وجهها براحتيه ، وتلمس بأصابعه موضع غمازتيها ، وطالع عيناها بشغف كبير ...

شعرت هي بأنفاسه الحارة على وجهها فزادت من سخونة وجنتيها .. أخيراً هي له .. وأصبحت زوجته ..

سترتاح في النهاية من كل ما عانته ، وسيسكن قلبها مع من عشقته ..

ابتسم لها مالك بعذوبة ، ورمقها بنظرات هائمة تنطق بالكثير ..

طال صمتهما ، وطالت نظراتهما .. فاليوم لا حاجة بهما إلى الحديث .. يكفيهما أن تنطق الأعين والقلوب ..

أرخى مالك يديه عن وجنتيها ليضعهما على خصرها ، ثم قربها إليه أكثر ، فرفعت هي ذراعيها للأعلى ، ولفتهما حول عنقه ، وتعلقت به ..

امتزجت روحيهما معاً .. واشتعلت شرارة الحب من اقترابهما المغري ..

احنى مالك رأسه على وجهها ليختصر المسافات بينهما لتصبح معدومة ، وهمس لها بصوت أسرها بخاطرة أخــرى أخيرة حفظها وعدل عليها لأجلها :

(( أجملَ ما رأيتُ بِحبِّنا

هذا الجنونُ ، وكثرةُ الأخطارْ

حينًا يُغرِّدُ في وَداعةِ طِفلةٍ

حيناً نراهُ كمارِدٍ جبَّارْ

لا يَستريحُ ولا يُريحُ فدائماً

شمسٌ تلوحُ وخَلفَها أمطارْ

أُحِبُكِ ، وَسَأُحِبُكِ دَوْمَاً ،

حَبِيبَتِي وَ مُعَذِبَتِي إِيِثَارْ .. ))

...............................................

                  تمت بحمد الله



بداية الروايه من هنا



رواية منعطف خطر كامله من هنا



رواية زواج لدقائق معدودة كامله من هنا



رواية خيانة الوعد كامله من هنا



رواية نار الحب كامله من هنا



رواية الطفله والوحش كامله من هنا


رواية منعطف خطر كامله من هنا


رواية فلانتيمو كامله من هنا



رواية جحيم الغيره كامله من هنا



رواية مابين الضلوع كامله من هنا


رواية سيطرة ناعمه كامله من هنا


رواية يتيمه في قبضة صعيدي كامله من هنا



الروايات الكامله والحصريه بدون لينكات من هنا


إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل الروايات اللي بيدور عليها من هنا 👇 ❤️ 👇 


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺


الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا


جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا


انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺




تعليقات

التنقل السريع
    close