رواية غرورها جن جنوني الحلقة التاسعة والعاشره والحادية عشر والثانية عشرة بقلم الكاتبه ابتسام محمود الصيري حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
رواية غرورها جن جنوني الحلقة التاسعة والعاشره والحادية عشر والثانية عشرة بقلم الكاتبه ابتسام محمود الصيري حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
أخذهن ثلاثتهن وذهب بهن إلى المشفى، كل منهن داخلها فزع وهلع من المستقبل. وعندما وصلوا إلى المشفى، تنزل "كارما" تمسك يد جدتها، و"مستقبل" يركض خلف "فريدة" التي تركض والذعر يستحوذ على ملامحها، سألت عن ابنتها ممرضة تسير بجوارها فأمسكت يدها وعينها تنزف دمًا بدل من الدموع، فقالت إنها في غرفة العمليات؛ لأن حدث لها انفجار في المرارة وسبب لها كل هذا، انتظروا جميعهم بجوار الغرفة داعين الله أن ينجدها.
الخبر لم يخفَ على "نايا" فأخبرها "وجود" القلـِق الذي يشعر بالذنب فيما حدث لها، لم تنتظر ثانية واتصلت على "فريدة" لكنها لا تجيب عليها، فقامت بالاتصال بـ"دانية"، وجدتها لا تعرف شيئًا فنزلتا معًا إلى المشفى.
بعد ساعة خرجت "زينة" مغمضة عينيها، لكن دموعها ما زالت تتساقط، حينما رآها "مستقبل" زم شفتيه وظل يسب أخاه الذي يسيطر على عقله الغباء.
أمسكت "فريدة" يد ابنتها تقبلها فصاحت عليها بدموع، فوضع "شادي" يده على كتفها يطمئنها أنها ستصبح بخير، وقفت "نايا" بجوار "فريدة" تهدئها، و"دانية" جلست تحت قدم أمها تطمئنها هي وابنتها.
انسحب "مستقبل" صامتًا فشكلها يمزق قلبه ولا يقدر على التحمل.
فتحت "زينة" عينها ببطء، تحاول النظر على من أمامها، لكنها لم تستطع رؤيتهم رؤية واضحة، فرمشت عدة مرات، في آخر مرة تحاول فتحها رويدًا رويدًا:
- بابي، أنت هنا.
رفع رأسه تجاهها وانطلق مسرعًا إليها ووضع يده حول جسدها بالكامل، عينه تتلألأ بالدموع، و"فريدة" تحدثها:
- حبيبتى طمنيني عليكي أنتي حاسة بإيه؟
سمعت صوت أمها فابتعدت عن حضن والدها، لكنها ظلت تمسك يده وارتمت داخل حضن أمها:
- عيني مزغللة أووي وحاسة بصداع، دماغي هتنفجر.
حينما سمعوا ما تفوهت به قاموا جميعهم فزعين، ناظرين نحوها جاحظين الأعين بقلق ورعب، إلا أمها التي تسكن حضنها ابنتها، تسارعت دقات قلبها ناقلة نظرها لزوجها بلهفة حتى يبث الطمأنينة إليها، فتلاقت أعينهما وأدرك ما يدور في عقلها من تساؤلات فهز رأسه وهو يميل بجسده عليها، ناظرًا لخضرة عينيها اللتين تدمعان، وبعد ما كشف عليها ربت على ظهرها بحنان قائلًا:
- حبيبة بابي، أنتي كويسة هي بس فيها زغللة من الدموع وتأثير البنج، أما الصداع بسبب أنك رفعتي راسك بعد العملية، ما ينفعش ترفعي راسك ولا تنامي على حاجة عالية.
ثم سحبها من حضن أمها، حتى يمدد جسدها على فراش متساويًا بدون وسادة، بأريحية.
ثم نهض يجلس بجوار "فريدة" يسحب جسدها داخل حضنه وهو يمسد على شعرها.
★★★★★
يجلس "وجود" بتوتر واضطراب، يهز قدمه بقلق، فنهض حينما رآه "مستقبل" يدخل الفيلا، فقال بصوت مرتبك:
- هي عاملة إيه؟
طال رده عليه وهو يتفحصه بوجوم، فكان ينتظر إجابته بلهفه وقلق، انتظره لثوانٍ شعر أنهم ساعات كثيرة، فقال:
- في إيه يا مستقبل ما ترد؟
- سبحان الله، تكون الجاني وعايز تتطمن على ضحيتك، مش غريبة برضو؟!
كلام أخيه زاد من تأنيب ضميره، فرد بصوت مزمجر:
- جاني! تصدق إني غلطان علشان بسأل عليها.
قال جملته ورحل والضيق يظهر عليه.
وقف "مستقبل" يشفق على حال "زينة" من الحجر الذي يسكن داخل قلب أخيه جاف المشاعر.
★★★★★
صعد غرفته وأمسك هاتفه الذي يضيء ويهتز يعلن عن صدور مكالمة من خطيبته، ضغط على زر الرفض وأغلق الهاتف، ثم قذفه على الأرض بعصبية وجلس يمسك رأسه. لم يتحمل أن يظل بمفرده، شعر أن عقله سيصاب بالجنون، بدَّل ملابسه ونزل يركب سيارته، لا يحدد خط سيره، أخذ يدور في الشوارع واضعًا يدًا على المقود، ويدًا يرفع بها شعره ويمسك رأسه بقوة، فجأه سمع صوت إسعاف وصوت ضجيج وحالة هرج ومرج، التفت بنظره على الصوت وجد نفسه أمام المشفى، الذي يكون "شادي" شريكًا فيها. سأل نفسه، هل تكون هنا؟ لم يتردد وهو يركن سيارته وصعد ليطمئن بنفسه؛ فهي بمنزلة بنت خالته التي ولدت وترعرعت بين يديه، فشجع نفسه حتى وصل غرفتها، أخذ نفسًا طويلًا ثم طرق على الباب ودخل، اقتربت إليه "نايا" تستقبله بابتسامة حزينة، ثم صافح الجميع على استحياء، وأخيرًا استقرت عينه على النائمة على الفراش، حين لمحته يدلف الغرفة أغمضت عينها بقوة، ودموعها تتساقط واحدة تلو الأخرى في صمت، ينكمش جسدها برعب وخوف منه وقد أصبح يقف أمامها، انتبه "شادي" للموقف فنهض متشبثًا بيد ابنته، ثم قال بصوت واهن:
- بعد إذنك هي تعبانة والزيارة ممنوعة، اتفضل.
لم يقل هذا الحديث من فراغ، فشعر بانقباض قلبها، وارتجاف جسدها عندما استقر بالغرفة.
- أنا كنت عايز أطمن عليها، على العموم ألف سلامة.
قالها بعد أن تحمحم وانصرف مسرعًا من أمام أعين الجميع التي تلقي عليه كل الاتهامات، نزل متوجهًا لسيارته بغضب، فتح بابها بقوة يكاد أن يحطمه بيده، ثم وضع المفتاح بداخلها وانطلق بسرعة السهم، فذهنه يفكر ماذا فعل حتى تفزع منه بهذا الشكل، فتذكر ما حدث في الصباح. أيعقل أن تكون فعلًا صفعت "كاميليا" بالقلم على وجنتها مثلما قصت عليه خطيبته؟ فكيف للطفلة البريئة هذه أن تهاجم فتاة صاحبة هذا الطول الفارع؟! لا بد أن هناك حلقة مفقودة فيما حدث، ويجب عليه أن يعرفها، ذهب لتوأمه حتى يفهم منه كل شيء، عندما وصل دخل مهرولًا قائلًا:
- ممكن أفهم اللي حصل بالظبط.
مال برأسه يتأمله؛ الآن يود فهم الحقيقة! بعدما كان يلح عليه هو أن يقص عليه الحقيقة، لكن الآن انتهى كل شيء، فحدَّثه بسخرية:
- حصل! اللي حصل حصل بطحينة.
أمسكه من ثيابه بضيق قائلًا من بين أسنانه:
- مش وقت خفة دم أهلك، انجز.
- ما أنا قولتلك كلامي خلص قبل كده، ففكك مني.
قالها وهو يخلص نفسه من بين يديه. زفر "وجود" أنفاسه بقوة وهو يمسح وجهه، قائلًا بحدة قبل أن يتركه:
- تمام.
فجلس "مستقبل" مكانه مرة ثانية يضحك بسخرية.
★★★★★
غاب القمر بعد مرور الوقت كالسلحفاة بالنسبة للجميع، وأشرقت شمس يوم جديد، ينزل "وجود" درج السلم، ولم يحدِّث أخاه الذي كان وما زال يجلس أمام التلفاز، فنزلت خلفه "توتا" وعلى وجهها الضيق وهي تلقي عليهما الصباح بغيظ، اقترب منها "وجود" مقبلًا وجنتها:
- صباحك سكر.
فيرد "مستقبل" بمشاكسة، على شكلها:
- صباح الصباح يا جميل، مال خلقتك أنتي كمان؟
- هيكون مالي، مش عارفة بابا ليه بليني بالكائن حازم دا، وكمان على الصبح.
ضحك "مستقبل" بقوة وهو يقول:
- من أعمالكم سلط عليكم.
انكمش وجهها بضيق، فأمسكت وسادة صغيرة كانت على الأريكة وألقتها عليه فأمسك يدها "وجود"، بهدوء أخذها إلى الحديقة، فقام خلفهما "مستقبل" يستند بجسده على الحائط ويضع يده داخل جيبه، يتنصت على كلام أخيه:
- ممكن أعرف مش بتطيقي حازم ليه؟ مع إن هو أكبر مني، بس بحبه جدًّا، راجل ذوق ومحترم.
- ذوق ومحترم! ومع بعض؟ دا اللي هو إزاي؟!
- اسمعي مني، أنا أعرفه كويس أووي.
- صح اسمعى واشتري من العاقل، اللي بيلبس الدنيا في بعض.
قالها "مستقبل" بتدخل وهو يتوجه إليهما، ثم وقف بجوارهما، تركهما "وجود" بعد ما رمقه بحدة حتى لا يفقد صوابه، فتقول "توتا" بتوهان:
- طيب اعمل إيه يا مستقبل؟
- عليكي وعلى فن الرد.
مطت فمها باستغراب، وبعينها استفهام، فيرد عليها:
- لازم تتعلمي فن الرد، يعني مهما يكون اللي قدامك بيعصبك بكلامه مش تندفعي زي الجردل وتردي، لو عايزة تردي اسمعي كلامه كويس، ومن كلامه هتعرفي تردي عليه؛ مش أوقات كتير لما تقعدي مع نفسك بعد مشكلة، بتراجعي الحوار اللي دار بينكم في دماغك، وتقولي المفروض كنت قلت كده.
هزت رأسها بالتأكيد، فأكمل بتوضيح:
- دا معناه إنك اديتي لعقلك الفرصة يفكر في كل كلمة وأعصابك بقت أهدى، فبالتالي بتعرفي تجمعي الرد المناسب لكلامه.
- اوعي تمشي ورا كلامه، هو يبان إنه دمه خفيف ولذيذ؛ بس عقله بيودي في داهية.
نطق بها "وجود" الذي يقف بجوار سيارته، فأجابه وهو يرمقه بحدة:
- داهية لما تشيلك.
ثم نظر لأخته يغمز لها بطرف عينه ويكمل حديثه:
- أهو من كلامه جبت الرد، اتعلمي بقى.
استشاط غيظًا، وكاد أن يرد لكن أوقفته من أتت من خلفه تلف يدها حول خصره:
- هاي بيبي، اتأخرت عليك؟ أصل كنت واقفة أشم هوا بره.
نظر "مستقبل" لـ"توتا" ففهمته، لتقول عن قصد:
- وقفت الماية في زورك.
جحظت عيناها، ثم صك" وجود" أسنانه، فتقول "توتا" متصنعة الكسوف:
- لا أنتي فاكراني بشتمك، دا مستقبل بيعلمني فن الرد، ها يا مستقبل شغال.
- كده نجحتي واطمنت عليكي، انطلقي.
ثم تحركت تصعد السيارة متجاهلة عين أخيها التي تصب عليها نيران مشتعلة، رمقتها "كاميليا" بغيظ، ثم نظرت لـ"وجود" الذي قال بابتسامة باهتة، وضيق ظاهر:
- بتهزر، اتفضلي اركبي.
ركبت وهي تتمنى أن تخنق "توتا"، حتى تفصل رأسها عن جسدها.
★★★★★
وصلت لمقر التدريب ودخلت على تمرينها بدون حديث مع "حازم"؛ فاليوم تمرين فروسية، فقال بعد أن ركبت الفرسة البيضاء وهو يضع يده على ظهرها:
- افردي ضهرك وارفعي راسك.
- يا سافل يا قليل الأدب يا مش محترم.
قالتها "توتا" بدون تفكير بعد أن شعرت بيده تمشي على ظهرها وأصابتها القشعريرة، فوقف يكبح غضبه وهو يضيق عينه بتساؤل واستغراب:
- كل دا أنا؟! والله أنتي هبلة فعلًا، عملتلك حاجة يا مجنونة.
- أنا مجنونة؟ تحط إيدك اللي تنشل على ضهري ليه؟
قالتها وهي تنزل من على ظهر الحصان، وكادت تصفعه على وجنته فأمسك يدها، فرفعت الثانية أمسكها قبل أن تصل لوجهه، فوضعهما خلف ظهرها وأمسكهما بيد واحدة، ناظرًا لعينيها بتحدٍ:
- كلامك كنت هعديه بس إنك تفكري مجرد تفكير تمدي إيدك عليا، هقطعها المرة الجاية، ودلوقتي لازم تعتذري.
كانت تحاول الإفلات من بين قبضة يده القوية كالنمر، فترد عليه بتعالٍ:
- مستحيل اعتذر وليك بالتحديد، سيبني يا مش محترم.
- اللي أعرفه واتربيت عليه، هتغلط هتحط نفسك في مواضع تحرج، إنما هتمشي عدل هيحتار عدوك فيك. فأنتي ببساطة كده هتقولي يا حازم أنا آسفة وما كنتش أقصد وإلا أقسم بالله أندمك على نفسك.
- لا أقصد وأقصد أوي، وكفاية تعرض عليا أقول إيه؛ لأني لغيت من تليفوني القاموس علشان بتخنق من اللي بيقترح عليا كلمة مش عايزاها، ما بالك بقى من اللي بيقترح عليا جمل، وأنت لو راجل ما كنتش عملت كده.
- احترمي نفسك أنا راجل غصب عنك.
- طيب سيب ووريني رجولتك!
- ما تحاوليش مش هسيبك غير لما...
قاطعته وهي تقفز تضربه بالرأس على رأسه، تفاداها سريعًا وهو يركلها في قدمها أوقعها على الأرض، قائلًا وهو يحاوط جسدها ورافعًا حاجبه الأيسر:
- كده هتعتذري صح.
رفعت قدمها من خلفه وضربته تحت الحزام، نهض وهو يغمض عينه من الألم، فقامت بسرعة فهد تركض، لكنه سبقها وأمسكها من زراعها مثل الصقر، حاولت أن تكرر فعلتها وتضربه بالرأس، لكنها فشلت مرة ثانية وأمسك شعرها، سحبت يدها من قبضته محاولة لكمه في بطنه، أمسكها ولم تنجح في إصابته، الغضب اعترى وجهها وصاحت بصوت عالٍ من الألم الذي ينتج عن مسك شعرها:
- سيبناااااي.
وقف بجانبهما رجل يصفق، على هذا العرض.
اكتسى وجه "حازم" الإحراج، وعينيها تلألأت بدموع، فتركها وأردف:
- حضرتك فاهم غلط.
- أمال إيه الصح.
هكذا قالها "مهيمن" وهو يأخذ ابنته داخل حضنه يمسد عليها، فأجابه "حازم" ببرود وهو يهز رأسه ببرأة ذئب:
- يا كوتش دا تمرين سرعة بديهة، توتا اللي بتتدلع.
أشارت له بطرف إصبعها السبابة، وهي ناظرة على أبيها بدموع تنفي ما قاله، ثم تخفض رأسها وتخرج لسانها "لحازم" بنصر، لكنَّ أباها انتبه لفعلتها فأبعدها بلطف قائلًا بمكر:
- لو كده تمام، عايزك النهاردا ضروري، تبقى تجيب توتا ونتكلم.
- تمام يا كوتش، وأنا كمان عايز حضرتك ضروري.
- تمام، سلام.
- با.. ب...
كانت تحاول تستنجد بأبيها، لكنه تركها ولم يعطِها أي اهتمام، فضحك "حازم" وأردف بتروٍ مستلذًا من ملامح خوفها:
- مفيش بابا، فيه أنا وأنتي.. فالزمي حدودك بعد كده واللي حصل ما تقلقيش هتتعاقبي عليه النهاردا وقدام أبوكي.
وانهى كلامه وهو يعقد زراعيه وأومأ برأسه بتأكد جدية قوله، هزت كتفيها وهي تتبختر أمامه بدلال:
- ولا يهمني، هو بابا كان هيسيبك تلمس مني شعرة وقدامه.
- لا طبعًا ودى تيجي، اتفضلى على التمرين وما تستعجليش.
قالها بابتسامة كبيرة تزين وجهه، فابتسامته أقلقتها أكثر من غضبه الذي كان عليه منذ قليل.
بعدما مضى وقتًا في مكتب "وجود" ينهض بعصبية بعدما رحل من كان يجلس معه، فتقترب منه "كاميليا" وهي تنظر لعمق عينه بضيق:
- بيبي، ما تبقاش عنيد، الفرصة مش هتتكرر.. دا ضاعف المبلغ، ومش عارفة ليه أنت متمسك بالبرنامج دا، ما دماغك تقدر تعمل زيه وأفضل كمان.
وقف أمامها يضم حاجبيه بذهول، ثم هاج بها صارخًا:
- أنتي عايزاني أبيع دماغي يا كاميليا، للدرجة دي مش مقدرة تعبي اللي مش تساوية فلوس العالم، مسألتيش نفسك هو ليه عايز يدفع كل المبلغ دا؟
- يا بيبي ما اقصدش، وما يهمنيش هو عايزه ليه؟
- أحب افهمك، اللي بيدفع جنيه في حاجة هيكسب منها عشرة، وغير إنه ممكن يستخدم البرنامج في حاجة ضد شرعنا ومبادئنا في الإسلام، ها يهمك ولا لسه؟
- ما دام دفع، ولا يهمني.
استفزه ردها فاحتدت نظراته لها ونهرها بقوة:
- أنا بقى يهمني؛ لأن أنا اللي هصممه وهشيل الذنب، وأنا بحذرك إياكي مرة تانية تتكلمي في الموضوع دا، حتى قدام أهلي زي ما عملتي امبارح.
أصابها الرعب من منظره الهائج، أخفضت رأسها لتجيب بنبرة متلعثمة:
- كنت عايزة مصلحتك سوري، وامبارح كنت بتكلم مع أنط عادي.
- كلمة عن شغلي ما تطلعش بره المكتب، مفهوم.
- حاضر.
بعد ما أنهى كلامه رحل من المكتب صافعًا الباب خلفه بقوة أفزعتها.
جعلها تعيد النظر من جديد، في كل شيء من وجهة نظرها.
ذهبت "كارما" إلى فيلاتها، حتى تحضر بعض الأشياء التي تخص "زينة"، وتساعدها في تسليتها أوقفتها أمها قائلة بمكر:
- هتقابلي مستقبل النهاردا؟
- أكيد يا ماما.
أجابتها وهي تحضر بعض الأشياء، فتوجهت "دانية" إلى حجرتها وأتت لها بقلم أحمر شفاه، ثم أمسكت وجهها وضعته لها على شفتاها، تركت "كارما" كل شيء من يدها تتطلع على الصورة المنعكسة بالمرآة بفرحة، ثم تذكرت ابنة خالتها:
- أنا فعلًا كان نفسي أحط روچ، لكن هو دا وقته يا ماما؟
- لا يا روح ماما، دا مش عياقة ولا علشان كبرتي. تؤتؤ خالص، دا زي ما أنا حطتهولك كده ترجعيلي بيه.
قالتها "دانية" وهي تغلق القلم بأحكام، فترد عليها بعدم فهم:
- هو حد قالك إني هطلعه زيرو؟!
- لا يا روحي أفهمك أنا، دا علشان لو "مستقبل" لمس شفايفك الحلوة دي تاني مرة اعرف، وأنا ما قولتش لأبوكي المرة اللي فاتت، أما لو حصل تاني هقوله يدبحك.
اختفى انعكاس وجه "كارما" من المرآة وهي تلف وتضع يدها على رقبتها بخوف حقيقي، وتبتلع ريقها بصعوبة:
- حرام عليكي يا ماما افرضي اتمسح وأنا باكل.
- مش مسئوليتي، وإياكي ما ترجعيش بيه يا كاري.
- ماما هو أنا كنت بتمنى تحطي ليا روچ قبل كده؟
- أيون.
- اعتبريني ندمانة.
أبلغتها حديثها، ومشيت تمد شفتيها للأمام مثل (بوز البطة) خوفًا أن يمسح، وتخرج تحمل بعض الأغراض بيدها تنتظر "مستقبل"، الذي قال لها ربع ساعة ويكون عندها، تقف أمامها سيارة يقول سائقها:
- تحبي أوصلك في حتة؟
تأففت بضيق، موجهة نظرها لمكان بعيدًا عنه قائلة من بين أسنانها:
- شكرًا.
- هو إيه اللي شكرًا، هو أنا باخد رأيك، اتفضلي اركبي.
♥️🌹
#الحلقة_العاشرة
التفت نحوه بسرعة صاروخ ينطلق قائلة وهي تهب فيه:
- ما تعصبنيش وتطلع عفريتي عليك، أنا بحاول أمسك لساني فحاول اختفي من وشي أحسنلك وأحسنلي.
- كارما إيه الأسلوب اللي بتتكلمي بيه معايا دا؟
- هو أنت لسه شوفت أسلوب، بقى تهزقني وتفرج عليا الناس امبارح، علشان ست كهن محن بتاعتك، ولسه ليك نفس تقول أوصلك، وتتكلم عن أسلوبي.
رفع "وجود" يده يضرب عجلة القيادة بعنف قائلًا بحدة:
- كارما.
تغمض عينها، وهي تحاول السيطرة على نفسها، حتى لا ترد عليه بأسلوب تندم عليه:
- وجود اخفى من وشي، أنا لحد دلوقتي بحاول أبلع لساني، اللي أنت مش محتاج معرفة عنه.
- طيب لو سمحتي ممكن تاكلي لسانك قبل ما تبلعي وتركبي.
صكت أسنانها بغيظ، وقالت وهي تزفر أنفاسها بقوة:
- اتكل على الله يا وجود، ولو شايل هم هروح إزاي، مستقبل جاي ياخدني.
- بصراحة عايز اتكلم معاكي، ها ممكن تتكلمي مع أخوكي شوية، ولا أنتي مش هتسامحي أخوكي على سوء تفاهم؟!
نظرت له وهي تفكر، أخذ هاتفه من على "تابلو" السيارة واتصل بأخيه:
- كارما واقفة في الشارع، لو وراك حاجة أنا هوصلها ما تشغلش بالك.
أخذ "مستقبل" أنفاسه بأريحية ويقول:
- أشطا؛ لأن عندي اجتماع على اللاب ومش عارف أخلع خالص.
- خلاص، تمام.
قفل الهاتف ونظر لها بترجٍ أن تركب، صعدت معه وقبل أن تتحدث، اتصل عليها "مستقبل" قائلًا بحب:
- قلبي معلش والله كنت بحاول أكروت الاجتماع، لكن الراجل رغاي ومش مبطل.
- خلاص يا حبيبي ركز في شغلك، معايا وجود.
- خلي بالك من نفسك.
- حاضر.
قالت آخر كلمة وعلى ثغرها ابتسامة تحمل السعادة والكثير من الحب، شعر كل هذا "وجود" الذي لم يذُق هذا الشعور:
- ممكن أعرف اللي حصل امبارح بالظبط؟
ردت وهي تضحك بسخرية واستهزاء بآن واحد:
- ليه القطة ما قالتش ليك؟
- كارما لو سمحتي أنا على آخري، بلاش الأسلوب دا معايا، أنا بمسك أعصابي علشان عارف لسانك، فياريت أنتي كمان تقدريني وتجاوبي؛ لأنك أنتي كمان عارفة أنا عصبي ومليش خلق للمهاتية.
سردت له ما حدث وما فعلته خطيبته "لزينة" وجعلها تتصرف بهذه الطريقة معاها، جحظت عينه ثم ازدرد ريقه، قائلًا بأسف:
- أنا بعتذر ليكي على اللي عملته امبارح، أصل اللي شوفته واللي هي قالته غير كده، ممكن تتقبلي اعتذاري.
رفعت يدها تضربه على كتفه قائلة بنبرة خشنة:
- عيب عليك يا جدع، أقل من شوكولاتة جلاكسي، توبليرون، مش هتصالح.. أنت أخويا برضو.
انفرج ثغره بابتسامة وهو يهز رأسه بالموافقة، وعندما وجد محلًّا ترجل يشتري لها، لكن فاجأها بكيس كبير مليء بكل شيء هي تحبه، أمسكت الكيس بفرحة:
- حبيبي يا وجود، ميرسي ليك كتير.. أنت كده معاك تصريح تزعلني براحتك لمدة سنة.
ثم أكملت بصوت قوي:
- بس اوعى تظيط.
- ما تقلقيش مش هزعلك، بس محتاج منك تعتذري بالنيابة عني لزينة.
- ما تعتذر بنفسك هو أنت اتشليت.
قالتها بحدة بدون قصد وهي تفتح شوكولا. رمقها بحدة مستغربها، فردت باعتذار:
- سوري زلة لسان، أنت لسانك فيك لو مقطوع كنت هقوم بدالك بالطلعة دي.
رمقها أكثر بحدة، فأردفت مسرعة:
- إيه ضاااه، ولا دي كمان إجابة بنت ناس، طيب خد دي.. حضرتك اللي غلطت فيها وأنت اللي لازم تعتذر، على ما أظن حلوة دي.. إياك تزغرلي تاني.
ضربها على رأسها وهو يقود السيارة:
- ما أنا مش عارف ليه حصلها كل دا، ما أنتي أهو زي الفل مع إن الكلام كان موجه ليكي أنتي كمان!
- للأسف تفرق من شخص لشخص، غير أن الظلم من حد أنت بتعتبره هو كل حاجة في حياتك، بيبقى أصعب.
- آها ما أنا عارف إنها بتعتبرني مثلها الأعلى.
رد بدون فهم قصدها، لوت شفتها يمينًا ويسارًا بسخرية وهي تبلغه:
- أيوة طبعًا يا أخويا أمال إيه، إنما أنا جبلة ما يهدليش بال واتنقط لو ما رديتش وأخدت حقي.
★★★★★
بعد انتهاء التمرين، تقف "توتا" في الشارع تنتظر تاكسي، فيقف بجانبها "حازم" وهو داخل سيارته:
- على ما أظن عيب وقفتك كده في الشارع وأنا كده كده رايح بيتكم، وغير دا كله الكوتش بنفسه وصاني إني أوصلك، فلو سمحتي بطلي عند واركبي.
تقف ناظرة بعيدًا عنه وتعتبره لم يتحدث من الأساس، فنطق بخبث:
- شكلك خايفة تضعفي وتقعي في حبي وأنتي جنبي، ويظهر حبي في مراية عيونك.
أراد استفزازها حتى ترد عليه، لكنها التفتت عليه بضيق تقول بضحكة ساخرة:
- أقع في حبك أنت؟!
- يبقى خايفة اتحرش بيكي.
- أنت أصلًا ولا تقدر تلمسني، دا أنا افحت تربتك وادفنك فيها قبل ما تفكر.
- أمال خايفة ليه يا سوبر توتا؟
- مش خايفة.
قالتها وهي تنظر بعيدًا عنه، فقال بذكاء:
- طب ما توريني، واركبي السبع اللي جواكي.
فتحت باب سيارته الأمامي بثقة وغرور ملقية حقيبة أدواتها، وركبت في المقعد الخلفي، أخرجت هاتفها تلعب فيه متصنعة الانشغال، كم كان يتمنى أن تركب بجواره حتى يشعر بكل نفس تستنشقه من الهواء! لكنه سعد أكثر بصعودها للخلف؛ حتى يسرق النظر إليها من المرآه الأمامية، كانت شبح ابتسامته لا تفارقه، أخرج هاتفه يلتقط لها بعض الصور وهي منشغلة لكنها كانت تنظر عليه بطرف عينها، فتقول بشهقة وانفعال:
- أنت بتصورني؟
أوقف السيارة بلامبالاة يرمقها داخل عينها:
- كنت بس عايز أخوف بنت الجيران اللى بتعمل دوشة فوقي.
لم ترد عليه، تحدقه بسخط وتفكر في أي شيء علمه أخوها لها، لكن لا تجد جملة واحدة تأتي في عقلها، فرد عليها وهو يحدجها بنظره:
- اوعي تكوني بتشككي في كلامي.
- اللهم طولك يا روح، امشي وأنت ساكت.
- طيب روحي على أقرب مراية وهتتأكدي بنفسك.
جعلها تشك بذاتها، وسألت نفسها بصوت مسموع وهي تضع يدها على وجهها تتحسسه:
- هو في حاجة في وشي.
رفع حاجبه الأيسر وهو يهز كتفه ويلوي فمه استهزاء، تمسك المقعد الذي يجلس عليه والمقعد الذي بجانبه، تنهض تنظر في المرآة الأمامية وتقول بعدما أصبح وجهها أمام وجهه وأنفاسها تتخابط بوجهه:
- ما أنا قمر أهو، ومن غير ميك أب كمان.
- أمال بتلوميني ليه يا توتا.
قالها بحب بعد أن استنشق كل هوائها بدون أن يبعد نظراته المتعلقة بيعنيها وكان يضع يده على خصلة تاركة شعرها الملفوف حول بعضه بتحكم، وقلبه ترعرع به نبتة من عطرها وأنفاسها، لكنه سرعان ما أصيب بنكسة بسبب احمرار وجنتيها خجلًا، منصدمة من قربه. رجعت بسرعة على مقعدها الخلفي تحمحم بإحراج، بعدما علت أنفاسها ولمعت عينها، هو استدار أمام مقود القيادة يحرك السيارة وهو يزم شفتيه ندمًا على ما قاله، ظلت تنظر داخل هاتفها في صمت، حتى وصلا فيلاتها ودخلا معًا، قالت وهي تسبقه في السير:
- ثواني هبلغ بابا إنك هنا.
أومأ برأسه ولم يقدر على التفوَّه؛ فمنظرها بالقرب منه حتى الآن يسرق أنفاسه ويلجلج الحروف في حنجرته وعقله، حتى قلبه ينبض بسرعة تذهب بأنفاسه، مشيت من أمامه متوجهة إلى غرفة أبيها تخبره عن وجوده، فنهض على الفور من مقعده ليستقبله، وعلى ثغره ابتسامة ترحيب، قام "حازم" من مجلسه حين تقابلت أعينهما، قائلًا بترحاب:
- أهلًا أهلًا، بالبطل اللي شكله مخاصم بيتي، إيه يا ابني هو أنت ما تجيش هنا أبدًا غير لما اطلبك.
تذكر آخر مرة وعدها ووعد نفسه أنه سيبتعد عن حياتها، ولن يقترب من طريقها، يوم عيد ميلاد أخويها العاشر، فرد باستحياء ونبرة تحمل الكثير من الألم، بعدما رفع "مهيمن" يده على كتفه يهزه بخفة:
- معاك يا كوتش، حضرتك عارف المشاغل.
جلس مشيرًا له بالجلوس:
- كنت عايز اتكلم معاك بخصوص البطولة.
- اتفضل يا كوتش.
قالها "حازم" باهتمام، فأخبره "مهيمن" بمطلبه:
- عندي شغل الفترة الجاية دي كتير، وللأسف مش هقدر انزل توتا باسم الأكاديمية عندي، ولا هقدر انزل معاها.
غمر قلبه السعادة والسرور وأردف بابتسامة تملأ وجهه:
- ولا تشيل هم يا كوتش، تنزل تبع فريقي.
- أصيل ومجدع زي أبوك الله يرحمه.
- الله يرحمه.
قالها بحزن، ثم أكمل بإحراج:
- كنت عايز اتكلم مع حضرتك في موضوع.
- اتفضل يا حازم.
- دا بعد إذنك طبعًا، عايز أطلب إيد توتا.
- نعم، ودا من إيه إن شاء الله.
قالتها "توتا" التي كانت تخرج من المطبخ تحمل العصير، بعد إلحاح والدتها عليها بتقديمه، فأكملت بنبرة حادة مرتفعة:
- حد قالك إني مستغنية عن إيدي، ولا إيدي دي سبيل.
فنهض وقف قبالتها يرفع حاجبه بتعجب من حالتها الهائجة مثل الثور، قائلًا بتحدٍ:
- تؤتؤ، مش إيدك بس.. هتجوزك وهتبقي حرم حازم محمد بسيوني الشمندري.
- إلهي تتجوزتك أم أربعة وأربعين، وترقد عليك تاكلك ونرتاح.
- تمام، أدينا هنتجوز وهنشوف مين هياكل مين.
جزت على أسنانها وهي تصدر أصوات غيظها العنيف، وذهبت من أمامهما، فالتفت "حازم" لوالدها:
- رأيك يا كوتش.
قام وضع يده على كتفه وأخذه إلى حديقة الفيلا:
- بعد اللي شوفته دا! تفتكر أوافق عليك إزاي؟
- كابتن، بعد إذنك وافق.. وصدقني مش هتندم.
- أنا واثق إنك بتحبها، بس هي مش هترضى.
- ولا عمرها هتوافق، فلازم نحطها تحت الأمر الواقع.
قالها "مستقبل" وهو يمد يده يصافح أباه و"حازم"، الذي يوجد داخل عينه حيرة واستغراب، فرد الأب باستفهام:
- وده إزاي يا ناصح؟
- نتلكك ليها.
- بالذمة أنت أخ.
قالها "وجود" بحدة وضيق، وهو يجذب كرسيًّا يجلس معهم، فرد أخوه:
- عايزها تتجوز وتستت في بيتها، أبقى غلطان!
رمقه بحدة يعلن عن قيام حرب، ثم أولى وجهه لأبيه:
- أممم، وأنت يا بوب عاجبك الكلام دا؟
- أنا واثق إن حازم بيحبها، ولو ما عملتش كده، مش هتتجوز نهائي.
- يعني أنت لو عندك متعة في قفز مرتفعات فتاخدها ترميها علشان احتمال يعجبها الموضوع بنسبة ضعيفة.
قالها "وجود" بضيق، فأردف "مستقبل" بمزاح حتى يخفف من حدة الحوار:
- الله عليك يا فنان، بس دا التشبيه.. إيه المعنى الحقيقي باللي تقصده!
وصل "وجود" لأعلى مراحل غضبه فتشنجت عضلات وجهه، مطلقًا أنفاسه بقوة قائلًا بتحذير:
- مستقبل ما اسمعش حسك خالص.
شعر "حازم" أن الحوار ما بينهم احتد، فتحجرت الحروف داخل صدره، فهو يعلم بأن صديقه الرزين، عندما يخرج من عباءة الاتزان يصبح التصدي له انتحارًا، كالذي يقف أمام موجة من موجات تسونامي، فأنقذ الموقف:
- خلاص يا جماعة أنا هتصرف.
- ما تزعلش مني يا حازم احنا أصحاب آه، بس إنك ترغم أختي على حاجة، في لحظة الصداقة اللي بنا مش هتمنعني أعاديك عشانها.
نهض مبتسمًا لصديقه وهو يخبره:
- يسعدني إن ليها أخ زيك، وما تقلقش عليها معايا.
- تمام بس لو ما عرفتش تقنعها في خلال ساعة انساها خالص.
أومأ برأسه بثقة وهو يرفع حاجبه الأيمن:
- تمام، إن شاء الله بنفسها اللي هتبلغك بموافقتها، لسه عندك شروط.
هز "وجود" رأسه بنفي، وهو يخبره:
- معاك ساعة من دلوقتي.
ابتسم لهم وانصرف وهو يمسك هاتفه يدون عليه رسالة، وبعد دقيقة استقبلتها "توتا" على هاتفها، تناولت المحمول تفتح النص، اجتاحتها نيران من الغضب وهي تقرأ الرسالة، تقوم تأفف من ذا الذي اقتحم حياتها بغوغائية بدون إذن، لكنها تصرخ بغل تريد سحق كل ما يقابلها، وبعد أن تمالكت أعصابها، خرجت إلى الحديقة متوجهة إلى مكان الذي كتبه لها بالحديقة:
- ممكن افهم إيه اللي بعته ليا.
تسطح على الأرجوحة بأريحية قائلًا بلامبالاة:
- أعتقد إنك فهمتي اللي كتبته كويس، بدليل إنك قدامي أهو.
- أنت عايز تعمل معايا ديل رخيص، قدام إنك توافق تاخدني معاك البطولة.
أومأ برأسه وهو يضع ساقًا على الأخرى، فتنهره بحدة وهي تلوح له بيدها:
- يعني لو ما وافقتش اتجوزك مش هتاخدني.
هز رأسه وهو ينظر إلى نجوم السماء التي تتلألأ أمامه، وضعت سبابتها داخل فمها تعضه حتى تفرغ فيه شحنة غضبها، ولا تتسرع في الرد وتضيع حلم حياتها في لحظة، وبعد أن تريثت في ترتيب ردها، تردف وهي تزفر أنفاسها المحبوسة:
- ديل، تاخدني معاك للبطولة وأنا اتجوزك.
- اوعي تفتكري هجوزك لجمال عيونك، مطلوب في شغلي الجديد إني أكون متجوز.
- آه طبعًا، عارفه عارفة.. أنت هتقولي، بس شغل إيه دا اللي بيشرط على الموظفين!
قفز سريعًا من على الأرجوحة، يقترب نحوها متفوهًا بصوته الأجش:
- أنتي هتبدي تحبيني وتغيري، وتسألي رايح فين وجاي من فين، والمواضيع الهبلة دي؟
- أحبك! لا بجد ضحكتني، كان سؤال عابر مش أكتر وخلاص مش عايزة أعرف، موافقة على الديل لمدة شهرين بس زي ما أنت كاتب في المسدج.
يفتح راحة يده يصافحها مرددًا:
- ديل، بس مش ممكن أنتي اللي ترجعي في كلامك وتبقي عايزة تكملي.
- نجوم السما أقربلك.
حك ذقنة مبتسمًا وهو يخبرها:
- لما نشوف، عليكي دلوقتي تروحي لوجود وباباكي وتبلغيهم إنك موافقة، تمام يا عروستي.
رفعت يدها حتى تلكمه، أبعد جسده ذاهبًا من أمامها وبداخله سعادة العالم من التي استحوذت على قلبه من صغرها؛ فهي ستكون أخيرًا على ذمته، وملكة على عرش قلبه قبل منزله، ثم يحدث نفسه بعزم وثقة:
- وأنا أتحداكي يا توتا، ونشوف مين نفسه أطول من التاني.
قبضت راحة يدها بغضب تصب غضبها على الحائط من ذاك الأهوج، ثم ذهبت بعد دقيقة نحو أبيها ترسم ابتسامة بتفنن، فبادلها الابتسامة "وجود" قائلًا بتحدٍ:
- شوفتوا أهي جاية بتضحك كسبت الرهان، أختي وأنا عارفها عمرها ما هتواف...
قاطعته بالابتسامة نفسها تخبره بمزاح:
- اسكت مش أنا وافقت.
اعتلت الدهشة ملامحه وهو يرفع يده يمسح طرف أنفه بإحراج، فيردف بعدم تصديق:
- لا، احلفي!
- والله.
زفر بضيق من تهورها، ثم تحدث بلوم وعتاب وهو يرفع جانب شفته العليا:
- إزاي، لا مش معقول! هو عملك غسيل مخ، انطقي ما تخافيش وأنا اروح امسحله ذاكرته كلها.
- ما قالتلك موافقة بكامل قواها العقلية، عايز إيه تاني.
هتف بها "مستقبل"، وهو يقف مبتسمًا ويلوح بيده لأخيه، الذي يكاد أن ينشق دماغه من رأيها غير المتوقع إطلاقًا.
نهض والدها يقف أمامها يمسك وجهها بحنان:
- قلبي، حتى لو اتجوزتي البيت دا هيفضل بيتك، وحضني أمانك، ودراعي سندك، اوعي في يوم تنامي زعلانة ولا دمعة تنزل على خدك منه، اتصلي بيا وأنا أجيلك لو فين، أملصلك ودانه، فاهمة.
- ودانه بس.
- إيه مش كفاية؟
لم تجِبه، فتدخل داخل أحضانه، تسيطر على دموعها التي تهدد بشق طريقها لتنزل أسفل حشائش جفونها السوداء، فهي ما زالت تتذكر ذكريات الطفولة، واغتصاب فهد لها مسببًا عقدة من الرجال جميعهم.
رفع "مهيمن" وجهها بأناملة يتعمق عينها الدامعتين، فتجيبه بهمس:
- اوعى تفتكر جوازي هيبعدني عنك، أنت الخير والبركة ومحدش هيسد مكانك أبدًا.
ضمها بين ضلوعه بحنان، فهتف "مستقبل" بمزاح:
- إيه جو الستينات دا، دي لازقة بغرا في أم البيت، فبلاش جو القهوة فارت، والموجة خبطت في الشباك.
- لا وأنت الصادق دا جو رخيص منك يا واطي، دا أنا أختك وهسيبك بدل ما تقعد تعيط وتقول احنا من غيرك ولا حاجة.
- في دي عندك حق، مين هيعملي التشيز كيك من بعدك ياختييي.
- امشى يا ولا من قدامي، بدل ما ارتكب جناية.
أمسكها "مهيمن" وهو يضحك، وظلوا وقتًا كبيرًا يتسامرون ويضحكون معًا، لكن أفسد عليهم هذا صوت صراخ "نايا" التي كانت تصرخ بأعلى طبقاتها:
- مهيمن.. وجود.. الحقوني. 🥰
#الحلقة_11
نهضوا جميعهم بفزع يركضون إلى غرفتها، كالذين شاهدوا ثعبان الأناكوندا أمامهم، فدخلوا إليها في مقدمتهم "مهيمن" رآها شاحبة الوجه كالأموات، ترتجف وتبكي وهي تمسك اللاب تنظر إليه بصدمة، فسألها بهلع:
- نايا فيه إيه؟
- وجود تعالى بسرعة اخفي الملف دا، فيه حد بيحاول يخترق الجهاز.
هرول تجاهها يأخذ الجهاز من على قدميها، الذعر أصاب زوجها وشعر بالخوف عليها من هؤلاء المتدخلين، يضمها داخل حضنه وهو يمرر يده على شعرها حتى تهدأ، فقال "مستقبل" بعدم فهم:
- الجهاز دا فيه إيه لكل القلق دا؟
وكزته "توتا" على كتفه ونظرت له بحدة، لم يصمت واقترب بجوار أخيه حدق بعينه داخل الجهاز، ظل دقائق يتفحص الملفات، بعد تركيز رفع رأسه مرددًا:
- ماما أنتي صاحبة الاختراع اللي العالم كله بيتكلم عنه.
نهض "مهيمن" بعدما أبعدها بلطف، قائلًا لأولاده:
- اللي حصل دلوقتي مش عايز حد ياخد خبر عنه؛ لأن أعداء أمكم كتير، وألف من بيدور على المعادلات اللي وصلت ليها.
أومأ ثلاثتهم برأسهم، كانت ضربات قلب "نايا" تكاد تفتك صدرها كالقنبلة من كثرة دقاته، بينما "وجود" منهمك بقوة وتركيز فيما يفعله، كالذي يحارب جيشًا بمفرده، يخشى من ارتكاب أي خطأ يجعله يفشل في حماية ملفات والدته وإخفاء شخصيتها، وبعد مجهود كبير تنفس الصعداء، وأخبرهم بوهن:
- نقلت كل حاجة على جهازي، ودمرت جهازك؛ لأن ممكن يخترقوه بسهولة تاني في أي وقت.
شكرت ربها وحاولت أن تقف مكان القبلة حتى تسجد سجدة شكر، عندما رفعت رأسها جلس بجانبها زوجها، حمد ربه وهو يضمها لصدره، لقد أصابه الهلع من مظهرها المرتعب، وقف "وجود" أمام والدته يقول بفخر:
- أمي أنا فخور إن أنتي أمي، برغم كل هزارك وجنانك معانا، عمرك محسستينا في يوم إنك مخترعة وليكي كيان علمي دقيق وحساس بالشكل دا، والغلطة فيه بعمرك.
ابتسمت له تجيبه:
- أنا اللي فخورة بيكم كلكم ومبسوطة إنكم عيالي.
اقترب منها ثلاثتهم يضمونها إليهم بمودة وحب، ربت "مهيمن" على أكتافهم وهو يبتسم، ثم ذهب كل منهم إلى غرفته، وغفوا في ثبات عميق.
★★★★★
في يوم جديد، تخرج "زينة" من المشفى بعد تحسن حالتها، لكن قلبها ما زال مكسورًا، وعندما زارها الجميع كانت تبتسم وهي تتحامل على نفسها، وتهز رأسها بدون أن تتفوه، وبعد رحيلهم تبقى "مستقبل" وخطيبته فيقول بتساؤل:
- أنتي بتحبيه أوووي كده؟
هزت رأسها بنفي تنفي كلامه، حرك رأسه بتعجب ليهاتفها بضيق:
- عجبك حالك كده.. بصي أنا مش همشي من هنا غير لما تتكلمي.
أجابته بدموع وانهيار:
- يا مستقبل أنا كويسة، واللي أنا فيه دا تعب من العملية مش أكتر.
ضحك بسخرية وأبلغها بتهكم:
- لو عايزة وجود، فالموضوع هيحتاج منك وقت وجهد.
- مش عايزة حد، حرام عليكم بقى، سيبني في حالي.
قالتها بنبرة مبحوحة فأعصابها لم تتحمل أي ضغوط. أردف "مستقبل" باقتناع ما يدور برأسه:
- أسلوبك دا هو اللي بيأكدلي إنك بتحبيه، يا زينة والله وجود مش بيحب كاميليا.. أنا متأكد؛ لأن من البداية قرب ليها علشان يدافع عنها ويحميها من اللي كانوا بيتنمروا عليها.
- آها علشان كده دايمًا تتمنظر بوجود، البت دي مريضة من اللي كان بيحصل فيها، وهي شايفة إن وجود لسان ودراع بيدافع عنها مش أكتر.
قالتها "كارما" وهي تأكد كلام "مستقبل"، فأكمل:
- بصي، عندي ليكي خطة، لو بدأتي فيها احنا هنكون معاكي مش هنسيبك.
لم ترد عليه؛ شاردة بعقلها كالطيور المهاجرة التي تسافر مسافات بعيدة ولم تقف أبدًا.
تفوه بالخطة كاملة ثم أنهى كلامه:
- لو عايزة وجود اعملي اللي قلت ليكي عليه من بكرة، ولو مش عايزه ابعدي خالص عن طريقه، تمام.
نكست رأسها أرضًا تفكر بكلامه، ثم أمسك بيد "كارما" وأخبرها عندما انصرفا:
- ممكن اعرف القمر مكشر ليه النهاردا؟
- تخيل اعرض رسمي للبيع، الناس تتريق عليه وتقول شخبطة.
- أنتي فنانة والمشكلة في دماغهم هما أقل من مواهبك، وريني كده اللوح.
أخرجت من حقيبة لوحاتها لوحات ألوانها متداخلة، عبس وجهه بدهشة ثم وجَّه نظره عليها بذهول:
- أنتي كنتي بتقتلي حد في الصورة دي.
ضاقت عينها سخطًا:
- أنت بتقول إيه يا جاهل أنت؟ دي معناها معاناة الشعب في وقتنا الحالي.
حدق في الصورة بدقة وأشار على اللون الأسود:
- طيب اللون الأسود دا بيرمز لإيه؟
- بيرمز للبيوت المتبهدلة في سوريا والأحمر دم الأطفال، والأصفر...
كانت تتحدث بضيق دفين على من هاجموا دولة بغير حق، فيقاطعها بقوله:
- لا دي مش محتاجة توضيح، دا بقى بيرمز لغرور الرئيس، ومش بيفضل غير نفسه.
- صح كده الله ينور عليك.
- الله على الإبداع والجمال، والترميز والإسقاط العالي يا أستاذة، عارفة لو فتحتي بُقك وقولتي لحد على سر وجمال الصورة هقتلك فاهمة.
- أنت تقصد مش بعرف ارسم رسم ترميزي.
- بصي وعد مني لو رسمتيني، ولا أقولك لو رسمتي صقر، بصي خليها أسد أهو سهل عليكي، ومن المقرر بتاع الابتدائي.. بنفسي هنزل أبيع كل رسمك في الإشاره، تمام.
أومأت رأسها بثقة، واستمرت ترمقه بتوجس، وهي تخرج ورقة رسم جديدة، ثم تضبط حجابها وهي تمسك في يدها اليسرى ريشة تضعها بين شفتيها مبحلقة له بتعمق تحاول أن تركز، فقال "مستقبل":
- بتبصيلي ليه كده! هو أنتي هتتحولي؟ بصي أنتي زي الفل وانسي أي حاجه قولتها.
أطلقت صوتًا عاليًا من حنجرتها جعلته يصمت حتى تبحر داخل بحار خيالها بتركيز:
- هششششششش.
ابتلع ريقه وهو يهز رأسه ووضع كف يده اليمنى على شفتيه بقلق، حتى انتهت من رسمها، فترفع يدها تسحب ريشتها من أعلى لوحتها وتنظر إليها بتفحص، ثم تضع بعض الخطوط تجعل الرسمة جاهزة، تتقدم نحوه وهي تهز رأسها بفرحة وعلى شفتيها ابتسامة، تبسط يدها بتحفتها الفنية رافعة حاجبها بتعالٍ:
- هااااا، إيه رأيك؟
شهق بفزع أكثر ما كان فيه من قبل، ناظرًا لها وهو يتفوه بدهشة:
- مين دا، ولا حصل قنطور ولا بني آدم، حرام عليكي يا مجنونة عملت فيكي إيه علشان تحطي راسي على جسم أسد وتحولي إيدي لجناح صقر.
تتصنع البراءة، وتمط شفتيها للأمام مرددة:
- حياتي، عملت كل اللي قلت عليه، كده أنا غلطانة، ولا شكلك بتتهرب تنزل تبيع رسمي.
ازدرد ريقه بصعوبة، وهو يضع يده حول رقبته، ويقول بصوت مبحوح متقطع:
- لا، هـ ن زل.
- نعم.
- هنزل أهو، وسعي من طريقي.
يأخذ جميع لوحاتها، ثم يتوجه لسيارته فتصعد بجانبه وبداخلها شموخ، كان ينظر لها بخوف وقلق على ما فعلته به في رسمته، فهي لا ترسم من أجل التسلية، فكل رسمة تحمل معاني كثيرة، لكن المعنى الحقيقي (في بطن الرسام). يقف في منتصف الشارع ويقترب من السيارات يشرح لهم معنى الرسمة من وجهة نظره، في الرسمة نفسها التي شرحتها له منذ قليل، قائلًا لأحد السائقين:
- لو حضرتك ركزت في الصورة دي هتلاقي كل الألوان داخلة في بعض والرسامة ركزت على تلت ألوان؛ أحمر يعني العزة بالنفس، الأسود إن الإنسان غامض، والأصفر شموخ، وأكيد اللي هيشتري الصورة هيبقى عنده عزة.. غموض.. شموخ، إيه رأيك بقى تكون أنت صاحب الصورة العظيمة دي.
تهللت أسارير الفرحة على وجه الرجل، كالذي ينقصه كل هذا ويريد اكتساب ثقته في نفسه منها، فهتف بفرحة:
- بكام دي؟
- رخيصة خالص.
قالها وهو ينظر إليها باستفسار منها على ثمنها، رفعت يدها وفتحت كفها بخمس أصابع ثم وضعت صفرين، التفت للرجل مرة ثانية يقول:
- ألف جنيه، ها نقول مبارك عليك.
هز الرجل رأسه وهو يأخذها بين أحضانه بامتلاك ويخرج المال بيده الثانية من جيبه ويعطيها له، انصرف "مستقبل" يرقص في منتصف الشارع ويلوح بيده بالمال، وضعت يدها على وجهها بفرحة عارمة، وقف واضعًا يده على نافذة السيارة يبلغها بغرور:
- شوفتي يا جاهلة الرك على التسويق الصح، مش تقولي بيوت وحرب وغل.
أخذت من يده المال تعده قائلة بدلال:
- كمان أكتر من اللي قلت عليه، حياتي يا مستقبل.
- بقولك إيه ولا تكلميني ولا أكلمك بعد اللي عملتيه فيا.
- يا سيمو أقصد إنك قوي وشجاع.
- لا شاطرة، ييجي منك وبتتعلمي التثبيت بسرعة.
قالها وهو يرفع يده من على النافذة مستعدًا لدخول السيارة.
- تلميذتك ي...
قبل أن تنهي حديثها جاءت سيارة (جيب) كبيرة سوداء اللون، تقف بجانب "مستقبل"، ورجل طويل القامة أسود البشرة يضع يده على خصره ثم يدخله السيارة بعد معافرة منه، عندما أصبح بالداخل التفت بعينه بسرعة البرق بقلق ورعب على "كارما"، التي أذهلتها المفاجأة وألجمت لسانها، وجعلتها لا تستطيع السيطرة على أخذ أنفاسها، وعينها غير مصدقة ما حدث أمامها للتو، عقله أصبح كالقنبلة الموقوتة وسينفجر لا محالة، انطلق السائق في لمح البصر.
اعتلى وجهه علامات الغضب، وظل يصيح بحدة محاولًا صفعهم مما جعلهما يضعون على رأسه قماشة سوداء، لكنه لم ييأس من محاولاته حتى فقد وعيه حينما نثر أمام أنفه منومًا.
بعد انتهاء توتا من تمرينها، أصر "حازم" على إيصالها لكنها كالعادة رفضت بشدة. وبعد أن تشاجرا أمام مركز التدريب، انسحب حازم من أمامها قبل أن يفقد صوابه، دخل وقلبه مشتعل بنار لوعة الحب من طرف واحد، وقفت لها عربة أجرة ويخرج السائق رأسه وبتطفل:
- تاكسى يا أستاذة.
ركبت وهي تضع سماعة هاتفها بأذنها بعدما قالت له العنوان، ظلت تهمهم مع نغمات الموسيقى التي تسمعها حتى نظرت من النافذة، انكمشت ملامحها بالتعجب والاستغراب، أغلقت هاتفها وأخرجت سماعة الأذن تقول بدهشة:
- دا مش الطريق!
لم يجِبها أو حتى يعطيها أي اهتمام، ظنت أن سمعه ثقيل، اعتدلت في جلستها وقعدت على طرف الأريكة وهي تضع يدها على كتفه وتحدثه:
- حضرتك سامعني.
القلق سيطر على ذهنها حين لم تأخذ ردًّا منه عليها للمرة الثانية، فتفوهت بحدة تخبئ توترها:
- لا بقى قولت ما بتسمعش ماشي، ويطلع البعيد كمان مش بيحس! نزلني هنا.
استدار في جلسته بعين حمراء ونظراته مخيفة كالغول، فتمكن منها شعور بالخَشْيَة الناجم عن التهديد الذي أرسله إليها بنظراته الحادة، فتجمدت اتجاه الأحداث الذي صورها لها عقلها، أغمضت عينها بقوة كالنعام، تود الاختباء من الواقع المحتوم الذي ينتظرها، ندمت على الفور على تصرفها السخيف مع "حازم" ورفض عرضه السخي الذي كان سيحميها من كل هذا، أبخرة قلقها تتصاعد وتظهر بوضوح للسائق اللعين، الذي كان يختلس النظر عليها في المرآة ويعزف بشفتيه سيمفونية على مظهرها ووجهها الذي اصطبغ باللون الأصفر الدابل، برغم مرور دقائق فقط، أوقف السيارة وصعد بجانبها رجل غليظ الملامح، وضع قطعة قماش على وجهها، فأفقدها الوعي.
★★★★★
تجلس "نايا" بمعملها المخصص لها تعمل بتركيز، ويجلس على مقعد جلدي خلفها "مهيمن" يتابعها بشغف واهتمام، وبعد دقائق يدخل الفيلا "وجود" و"كاميليا" و"حازم" خلفهما، فقام "مهيمن" يضع على جبينها قبلة حارة، ويصعد لهما من السلم الخلفي حتى لا يلاحظ أحد مكانهما، استقبلهم بابتسامة، لكن صدمه منظر "كارما" التي تدخل تبكي وتقول كلام غير مفهوم، هرول إليها محاولًا فك طلاسم حروفها لكنه فشل، فاقترب "حازم" بتفهم يقول بتحذير:
- أنتي متأكدة من اللي بتقوليه، ولا دا مقلب من مقالبكم.
أمسكت يد "مهيمن" تتنفس الصعداء وتهز رأسها بنفي وتأكد ما سمعه "حازم"، وجَّه "مهيمن" نظره إلى "حازم":
- هي بتقول إيه؟ انطق يا حازم.
- بتقول مستقبل اتخطف!
اتسعت حدقته، إذًا فقد علموا بأن "نايا" هي صاحبة الاختراع؟ وليس أحد أعدائه من خطفه، جلس بتعب يتمنى أن يكون من طرفه حتى لا تتدمر الأسرة بأكملها، بعد دقيقة نظر حوله أردف بتساؤل:
- وفين توتا يا حازم؟
- توتا؟!
نطق بها "حازم" الذي أصيب بغصه داخل صدره، ثم أكمل وهو يمسك بمعصم "كارما" متصطنعًا الهدوء جاذبًا إياها أمامه:
- لمحتي أي رقم، شكلهم، أي حاجة انطقي يا كارما.
هزت رأسها والدموع تغمر عينها، أفلتها "مهيمن" من بين يده يجلسها على الأريكة، ثم يجلس يضع يده على رأسه متأكدًا من كل مخاوفه، فتدخل "نايا" على صوتهم المرتفع تقول باستغراب:
- فيه إيه؟!
نهض "مهيمن" يمسد على شعرها، يزفر أنفاسه بقوة، فتتحدث "كاميليا" وهي ترسم على ملامحها الحزن:
- مستقبل وتوتا اتخطفوا يا أنط!
رمقها بحدة كل الموجودين، فوقعت "نايا" على الأرض من شدة صدمتها.
★★★★★
عندما وصل السائق مكان مبتغاه حمل "توتا" بين يده كالعصفورة، ثم أنزلها داخل حجرة كبيرة ويتردد بها صدى صوت، تأوهت عندما ألقاها أرضًا بوحشية، وصل صوت أنينها لأذن أخيها المكبل الأيدي، وعينه يوضع عليها وشاح، همس باسمها حتى لا يفزعها:
- توتا، أنتي كويسة؟
أخيرًا سمحت لدموعها بالهطول، وظلت تزحف حتى وصلت لصوته الذي طمأن قلبها، رفعت من على وجهها قطعة القماش، ثم من على وجهه، فتفوهت برعب:
- مين دول! واحنا بنعمل هنا إيه؟
- على ما أعتقد، دول الناس اللي كانوا عايزين يخترقوا جهاز ماما، وبما إنك عرفتي إجابة مين دول؟ هتعرفي لوحدك عايزين إيه؟
أغمضت عينها بتفهم ورعب، ثم رفعت رأسها تعاين المكان، فأخبرها "مستقبل":
- ما تحوليش، مفيش غير الشباك اللي على بعد ١٠ متر.
طأطأت رأسها تبكي، أخذها داخل حضنه مربتًا على ظهرها:
- مستقبل أنا مش خايفة على نفسي.. أنا خايفة على ماما، ممكن تتنازل عن كل اختراعها علشانا.
- ماما أقوى من أي حاجة اطمني.
قالها حتى يطمئنها وكان يريد من يطمئنه.
★★★★★
بعد دقائق من إفاقة "نايا"، يعلن هاتفها عن مكالمة بدون رقم، فتتوجه عليه مهرولة تمسكه وتقول من بين شهقاتها، بعد ما سمعت صوت المتصل الذي يطلب كل أوراق ومعادلات البحث حتى يفرج عن أولادها:
- تحت أمرك بس عيالي ما يحصلش فيهم خدش.
أمسك "مهيمن" الهاتف من يدها، قبض عليه حتى كسره داخل يده، قائلًا بصوت جهوري:
- تديهم إيه! سمعيني كده تاني! تديهم أحلامك، طموحاتك، سهرك، وتعبك.. أنتي رجعتي لجنانك تاني؟!
- أمال اسيب عيالي يتبهدلوا، وياريتهم هيكتفوا بكده بس.. مهيمن اعتبره ما حصلش، أهم حاجة عندي عيالي.
تقف "كاميليا" جاحظة العين، مردفة بدهشة وفرحة بآن واحد:
- أنتي يا أنط صاحبة الاختراع اللي العالم كله مش ليه سيرة غيره، الله عليكى بجد، أنا فرحانة أووي إن حماتي هي اللي مدوخة العالم وراها.
- وجود خدها بعيد عن وشي، أنا مش ناقص حد.
قالها "مهيمن" وهو يكز على أسنانه يريد سحقها، قبض "وجود" على معصمها وسحبها خلفه بضيق، حتى وصلا إلى الحديقة:
- أنتي هبلة ولا شكلك كده؟! ولا ما سمعتيش في الحوار اللي دار دا كله غير أمي هي صاحبة الاختراع.
- سيبك من أي حاجة المهم في الأساس.
- لا أنتي فعلًا هبلة.
قالها وهو يتركها وحدها، فتربع يدها وعلى ثغرها ابتسامة.
انصرف "حازم" بعد صراع طويل مع نفسه بدون أي كلام، فعقله يتخبط بين جدران القلق والخوف عليها، وقلبه ينزف ألمًا وحزنًا، فلا يعلم أين يذهب؟ كيف يفكر؟ كيف يتصرف؟
★★★★★
مر الوقت كالدهر عليهما، وبعد تفكير عزمت "توتا" وأخوها على وسيلة للهروب، لكن كل محاولاتهما باءت بالفشل، فأمسكها "مستقبل" بقوة وهو يشير على خطاف يوضع داخل الحائط، ويظهر أمامهما رجل ملثم يرتدي بدلة سوداء مصنوعة من الجلد مثل "باتمان". فزعت "توتا" وهي تقول:
- مين دا؟!
- مش عارف، ممكن يكون سبايدرمان!
- لا دا شكله نطاط الحيط.
سحبها خلف ظهره، عندما ترجل إليهما وأصبح في مقابلهما، استعد "مستقبل" للقتال معه، لكن الرجل رفع يده حتى يبث لهما الطمأنينة واقترب منهم بوهن يقول بلكنة أجنبية، وبصوت رجولي خشن:
- لا تخافا، سوف أنقذقما من هذا المأزق، هل أنتما مستعدان لخوض التجربة.
قالها وهو يشير برأسه على خطافه الذي يستخدمه في تسلق الحائط في الهواء.
فرد عليه "مستقبل" بقلق:
- من أنت؟
- لا يوجد لاسمي فائدة الآن.
قالها وهو يقترب لـ"توتا" بنظرات حارة بها سحر عجيب، ويمسك يدها برقة ولطف يذوب به جليدها، فوضع "مستقبل" يده على يده قائلًا بتحذير:
- إيدك يا برنس.
- ماذا تقول.
- ارفع إيدك من على أختي.
لم يترك يدها قائلًا:
- لا تخاف عليها، فهي في أمان معي سيدي.
ثم استدار بوجهه نحوها يحدثها بصوت هامس هائم:
- هل أنتي بخير يا سيدتي.
هزت رأسها بنعم، وفاقت من شرودها بعد ملامسته ليديها، فلمسته بها نعومة طغت علي صوته الأجش وهيئته القاتمة، وبالرغم من أنها لم ترَ عيناه، إلا أنها شعرت بامتلاكها، ثم ألقى خطافه معلقه بالنافذة المرتفعة قائلًا لـ"مستقبل":
- عليك أن تضغط على هذا الزر وهو سيرفعك، وبعد أن تتمسك بالحائط ألْقِه إلي.
شعر بصدق حديثه، فبسط يده يأخذ أخته، لكنه منعه وأرجعها خطوة للوراء وهو يضع يده حول خصرها، أفقدها الوعي بالكامل، شعرت حينها بقشعريرة تجتاحها بسبب تلك الضمة التي كانت بمنزلة عناق البحر لأمواجه العالية، ثم قال بهدوء:
- عليك أن تهتم بنفسك، وأنا سأهتم بها؛ لأنك لم تتدرب على فعل هذا من قبل.
حرك رأسه بعد أن اطمأن عليها وسمحت له بالانصراف، كانت متشبثة بالملثم، كان مثل طائر العقاب ذي جناحات كبيرة يخطفها تحتها، كأنه بر أمانها وطوق نجاتها، وكأنها لم ترَ أي نوع من الرجال من قبل. تعجبت حالتها، ربما لشدة حنانه، عطفه، حمايتها، استحوذ على كل تفكيرها. بعدها صعد، جعلها أمامه وأردف بصوت واهن رقيق:
- هل أنتي جاهزة، سيدتي.
أومأت برأسها، حاوطها بقوة جعلتها تتحسس يده، التي يرتدي بها قفازات، وعندما وصلا أعاد الكَرَّة وبدأ "مستقبل" يتسلق، بعدما علق الرجل خطافه بأحد الحوائط، ثم أمسك الحبل وقام بلفه حول يده وضغط على الزر فقام بسحبه، ثم ألقى عليهما الحبل من جديد، لكن أحد من رجال العصابة سمع صوت خبط فأدار الكشاف الذي بيده على مصدر الصوت. ♥️🌹
#الحلقة_12
فكان الملثم أسرع من الكشاف وقفز لخارج الفيلا، لكن أصيب بطلقة بظهره، فزعت وتمسكت بيده، نظرت إلى قناعه تتفحصة بشدة، قال بصوت متألم:
- لا تقلقي سأكون بخير.
تأملته لعلها تكتشف ملامح وجهه، ورؤية عيونة الغامضة التي تَشعر بداخلهما بشيء ما يجذبها:
- من هو؟ ولماذا متلهف لإنقاذي هكذا؟ من أين عرف مكاني؟ هل متلهف عليَّ كما أنا متلهفة لمعرفة شخصيته؟
كل هذه الأسئلة تدور بداخلها ولا تجد لها أجابة، فقد كان بالنسبة لها رجلًا نطاطًا لم ترَه من قبل، حقًّا قد عاشت معه مغامرة لن تنساها، وستظل بداخل علقها وقلبها. صعدا السيارة نفسها التي أتى بها منقذهما، جلسا معًا على الأريكة الخلفية، وأمام عجلة القيادة "مستقبل" انطلق بسرعة جنونية، لا تختلف عن شخصيته، وعندما أوصلهما بجوار فيلاتهما، قال لهما:
- أنتما الآن في أمان عليكما النزول.
شكره "مستقبل" كثيرًا، لكن "توتا" ظلت جالسة بمقعدها قائلة:
- أنت مين؟
- ماذا، لا أفهم العربية!
- أريد رؤية وجهك، أنا أعرفك؟
- نعم، تعرفينني.. أقصد اليوم عرفتيني.
رمشت بعينها واقتربت منه تستنشق عبيره الفواح، ترفع قناعه الذي يزين وجهه، ابتعد وهو يمسك يدها الثانية، وأصبحت يداها الاثنتان بين قبضة يده، مرددًا:
- يبدو عليكي أنك ملتصقة بالمقعد، على كل حال تشرفت بعرفتك سيدتي، سأرحل الآن وأترك لكِ العربة بأكملها.
أفلت يده بخفة من يدها، التي كانت تتفحص منحنيات يده وكأنها تحفظها بداخل ذاكرتها، أخرج خطافه وظل يقفز من حائط إلى حائط ببراعة، وقبل أن يختفي رمقها بنظرة تسلب منها كل شيء، فقطع تركيزها وهيامها "مستقبل" بحديثه:
- والله كان عندك حق لما قولتي نطاط الحيط.
لم تعطِه ردًّا؛ عيناها مرتكزة حيث اختفى، أمسك أخوها يدها ودخلا منزلهما، وقبل أن يصلا إلى الداخل وصل على هاتف "مهيمن" رسالة من رقم غير معروف بعنوان المختطفين وكل بيناتهم. قبض ما بين حاجبيه باستغراب، لكن لم يعد وقت للاستغراب، نهض مسرعًا يجلب رقمًا من هاتفه يبلغ حملة كبيرة تكون في انتظاره على العنوان نفسه. وبعدما أغلق الخط، تحرك حتى يبدل ملابسه بملابس العمليات، أوقفته" نايا" بنبرة ترجٍ:
- مهمين علشان خاطر كل الأيام والسنين والثواني اللي بينا، فرط في أي حاجة إلا العيال.
اقترب منها محدثها بنبرة حنونة وهو يضع يده على وجنتها:
- العيال واختراعك مش هتنازل عن حد فيهم.
حينها دخلا "توتا" و"مستقبل"، الجميع أصابهم الذهول إلا "نايا" ركضت كالسهم وأخذتهما داخل حضانها، وبعدها "مهيمن" و"وجود"، ثم تفوه بتركيز:
- لازم تنزلي تمسحي كل معادلاتك من على السبورة وتخفي أي ملف.
ثم وجَّه نظره إلى "مستقبل":
- حمد الله على سلامتكم يا أبطال.
رد عليه "مستقبل"، لكن" توتا" كان عقلها في عالم آخر، قلق عليها فهزها بقوة، فنطق أخوها بدلًا منها:
- روح يا بوب أصلها حكاية كبيرة وأول ما ترجع هحكيلك عليها.
- تمام لازم اتحرك حالًا، دقيقة وهيكون عندكم طقم حرس أكتر من اللي بره، عايزكم بس تخلوا بالكم من نفسكم وأمكم وأختكم تمام.
رد التوأم بحماس وشجاعة:
- تمام يا بوب.
★★★★★
بعد مناورة سقط فيها الكثير من فريق "مهيمن" وفريق العصابة، أمسك بالباقي وحُجزوا بعد تحقيقات كثيرة، ولم يتوصل لرئيسهم.
ذهب إلى منزله بعد ثلاث ساعات، وتملك منه الإرهاق والتعب، جلس بجوار ابنته التي ما زالت تائهة بفكرها، يقول وهو يضغط بعينه يحاول نسيان الألم الجسدي:
- حبيبة بابا لسه مش معانا.
نامت على كتفه تقول بنبرة بها هيام أنثوي:
- النهاردا شوفته يا بابا.
زم من بين حاجبيه:
- مين؟
- الشاب اللي حلمت بيه عمري كله، برغم ما شوفتش ملامحه.. بس عطفه، حنانه، الدفء اللي في مسكة إيده، حضنه، كل حته في جسمه بتنبض بلهفة عليا، أنا حسيته.
حدقها بتعجب واستغراب أكثر من قبل ونظر لـ"مستقبل" حتى يفهمه:
- سيبك من سندريلا الشاشة، دي بتحلم.
- تقصد إيه ها؟ قول كمان ما كنش فيه نطاط الحيط وكنت وموهمة.
قالتها "توتا" بعصبية وحدة مدافعة عن حلمها الوحيد بكل قوتها، فرد "مستقبل" عليها بسخرية:
- ما قولتش إن مفيش عم الخفاش، أنا أقصد إزاي وصلتي واستنتجتي كل دا، في نص ساعة قعدتي معاه فيها؟!
- بس يا جاهل، دي حاجات بتتحس، اتلهي على عينك أنت أصلًا ما تعرفش عنها حاجة.
صفق لها وهو يقول:
- شطورة، ما أنا فعلًا مليش في الأحلام ليا في أماني، إيمان، هيام سم...
قاطعه دخول "كارما" التي تجري بخوف ولهفة وخلفها أهلها، لكن شعورها تبدل لكائن شرس ذي أنياب مردفة بحدة:
- إن شاء الله كنت اتخبطت على نفوخك وذاكرتك اتمسحت وارتحت، هو أنت يا فلاتي مش بتشبع ولا هيجيلك يوم تتوب فيه.
- بعد الشر عليه، أخس عليكي يا كاري.
قالتها "نايا" بزعل وخوف على ابنها، فرد ممازحًا:
- سبيها تدعي كمان وكمان، علشان أنساها واتسرمح براحتي.
- شايفة يا طنط اللي خايفة عليه، هينقطني.
لم يعجبها رد ابنها فقامت تأخذها داخل أحضانها قائلة لها بحنان قبل أن توجه كلامها "لمستقبل" بحدة:
- بعد الشر عنك وعنه، اتكلم مع خطبتك عدل يا سيمو.
- أوبااا الحريم كلها هتتقلب عليا، هو أنا أقدر على زعل الغريب علشان أقدر على زعلكم.
- يالهوووووي حد يلحقني هتشل.
قالتها "كارما" بعدما فاض بها الكيل، ثم أكملت توبيخًا فيه وهي تجري خلفه بحذائها الرياضي.
قطع ضحكاتهم صوت رنين هاتف "مهيمن" معلنًا عن اسم دكتورة "نهال"، فعندما ضغط زر الفتح وصل إليهم صوتها القلق المتوتر:
- كابتن مهيمن أنا سمعت من التلفزيون باللي حصل، حمد الله على سلامة عيالك.
- الله يسلمك يا دكتورة نهال.
- هو حازم كان مخطوف معاهم؟
- لا دا كان هنا قبل ما أنزل اقبض على العصابة.
- قلبى متوغوش عليه، ما شوفتهوش من الصبح وهو مش متعود على كل الغيبة دي.
- لا اطمني هو ما كنش معاهم، وهنزل بنفسي أشوفه في الجيم.
- ميرسي لذوقك وبعتذر على القلق اللي سببته لحضرتك.
- ما تقوليش كده حازم زيه زي عيالي بالظبط.
بعد أن أغلق الهاتف، تأففت "توتا" بغيظ منه، ثم يقول "وجود":
- خليك يا بوب شكلك تعبان، هروح الچيم لو مش هناك أعرف مكان بيقعد فيه.
أومأ له برأسه، فانصرف ومعه عدد من رجال الحرس بناء على رغبة والدته، ظل يبحث عنه في كل مكان توقعه حتى وجده بمطعم ممتد لداخل البحر، جالس يرمي الحجار داخل البحر حتى يفرغ طاقة غضبه، فاقترب منه بهدوء باسطًا يده على كتفه متفوهًا:
- حازم، توتا ومستقبل رجعوا البيت.
التفت نحوه وبعينه دموع حسرة وقهر، ينطق وبداخله حجر يطبق على صدره، وبحلقه مرارة لم يتحملها، فيرد عليه باقتضاب:
- عارف.
- طيب وليه الهم والزعل اللي أنت فيه؟!
- لأن المفروض أن أنا يا وجود اللي أنقذها، أنا اللي تفضل تحكي عنه، لكن الكابتن وأمي الله يسامحهم رفضوا يدخلوني مجال الشرطة، عارف إيه ممكن يكون شعورك لما حبيبتك اللي هي كل ما ليك تكون مخطوفة وأنت متكتف ومش قادر حتى تنقذها، ولما ترجع بيتها تتكلم عن حضن ولمسة راجل غيري.
قالها بانكسار وخذلان، فتحمحم "وجود" وهو يسأله بإحراج:
- أنت عرفت من فين الكلام دا؟
صمت لثوانٍ، فبدأ الغضب يستحوذ على عقله، ثم انفجرت من فمه الكلمات كالبركان الذي انفجر للتو:
- سمعتها وشفتها يا وجود بعيني، لما شوفت الخبر في التلفزيون إن الكوتش عرف المكان ووصل للعصابة، روحت علشان اطمن عليها ويا ريتني ما روحت.
تجمد وجهه ثم نظر إليه بنظرات شفقة، فأخته قالت الكثير والكثير عن الملثم، فكلامها كان جريئًا يجرح كيان أي رجل، فأخبره بحزن:
- مامتك قلقانة عليك، ممكن تطمنها.
هز رأسها بخيبة أمل، فقال له "وجود":
- ما كنتش أعرف إنك بتحبها أوي كده، حارب علشان توصل لقلبها، وقلب الأنثى قطة بسهولة يضحك عليها.
ابتسم بأسى ليردف بتحدٍ، قبل أن ينهض يحدث والدته:
- مش هيأس أبدًا.
بادله الابتسامة وضربة كفوفهما ببعضها معلنون عن مولد تحدٍ، ثم ذهب كل منهما إلى وجهته.
★★★★★
مرت ساعات كثيرة، كل شخص فيهم يفكر ويدبر مخططات جديدة حتى انسحب القمر بهدوء، أمام بزوغ الضوء الخافت الذي يكاد أن يؤمن للشمس طريقها، نزل "وجود" في الصباح الباكر كعادته مع خطيبته، وما زال لم يشاهد "زينة" تمارس رياضتها، استمر يبحث بعينيه عنها، فقد تعود على رؤيتها كل صباح، لكن من يوم ما انفعل عليها لم يشاهدها قط، لكن اليوم أصبح مولدًا جديدًا لكل الأبطال؛ فنهضت "زينة" من فراشها الذي كانت لم تفارقه في الأيام الأخيرة، أمسكت أنبوبة صبغة وطلت شعرها بالون الأحمر بدلًا من الأصفر لون شعرها الطبيعي، أخرجت زيًّا رياضيًّا لكن غير الذي اعتادت النزول به لخارج البيت؛ بنطالًا يوجد به مناطق شفافة، و"تيشيرت" قصيرًا ولبست حذاءها، وقبل أن تنصرف وضعت ميك أب رقيقًا يبرز جمالها، تركض وعلى ثغرها ابتسامة، وبجوارها رجل ممشوق مفتول العضلات يضحكون مع بعضهما، حينما وقعت عين "وجود" عليهما، ادعى اللامبالاة ولم ينظر عليها، فتشير "كاميليا" على "زينة" بضحكة ساخرة قائلة بفظاظة:
- مش دي زينة! واضح كان كلامك صح بنت مراهقة؛ أديها لفت على غيرك لما ما لقيتش فيك فايدة، الظاهر مش لاقية اللي يلمها.
كان "وجود" يصك أسنانه بضيق من الذي يركض معها، يقبض على مقود السيارة بقوة يصب بها غضبه، لكن عندما قالت آخر جملتها أوقف السيارة فجأة، هاج بها صارخًا بعد أن صفعها بالقلم:
- أنتي إزاي تغلطي في خالتي وعمو شادي، أنتي جرى حاجة في دماغك.
اعتلى وجهها الاستفهام، ثم استطردت قائلة وهي تضع يدها على وجنتها:
- وجود أنت بتمد إيدك عليا! وعشان المراهقة الطايشة دي اللي مش عارفة تحدد مشاعرها.
رد بتهكم، وهويميل رأسه لليسار:
- أنا بتكلم في نقطة غلطك في أهلها.
فأكمل وهو يشعر بالذنب مما بدر منه:
- ليه يا كاميليا وصلتيني أطلع أسوأ ما فيا وأمد إيدى عليكي، بعد ما كانت الإيد دي اللي طول الوقت بتدافع عنك هي اللي توجعك!
أرسلت له نظرات نارية، بعدما تلون وجهها بلون الحمرة من كثرة غضبها، بدأت الدموع تتدفق من مقلتيها، ظلت صامتة تتذكر دفاعه عنها وقت مراهقتهما؛ فكان هو الحصن المنيع ضد أي معتدٍ لها.
وقفت "زينة" أمام فيلاتها تتبادل الحديث مع الشاب، فشاهدت عربة "وجود" تقف وهو كالدب الشرس، رفعت يدها تلوح له بلامبالاة. فتحرك بالسيارة وهو يبادلها ابتسامة مجاملة.
وعندما وصلا الشركة ذهب كل منهما داخل مكتبه، لم تهدأ وظلت تمشي ذهابًا وإيابًا، تسأل نفسها عدة أسئلة، حالة غضبه التي أصبحت ملحوظة؟ رده عليها بحدة وعنف؟ إهمالها بقصد أو بدون قصد؟ وكل هذا في آخر أيامه فقط. لم تستطع التحمل، ولا يوجد لديها استعداد لخسارته، فذهبت إليه ترمقه بنظرات أفعى تريد ابتلاعه، حتى يظل داخلها وقلبها يطمئن، فنطق بتساؤل بحاجب مرفوع:
- هتفضلي واقفة كتير؟
- أنت لسه زعلان مني؟
قالتها وهي تقترب منه تضع يديها على كتفيه، أجابها بعد أن زفر بحنق:
- أنتي عايزة حاجة دلوقتي تخص الشغل؟
اقتربت على وجهة تطبع قبلة على ثغره ببلاهة، فنهض مفزوعًا من مجلسه يبتعد عنها بصرامة:
- على ما أظن إن دا مكتب وله احترامه!
- بيبي أنت ليه بقيت بتقفش! الباب مقفول.
- ولو.. مش هيمنع أي حد يدخل في أي لحظة.
- على العموم احنا مخطوبين.
- شكل عندك لبس بين الخطوبة والجواز، زي بالظبط إنك مش عارفة تفرقي بين المكتب وأوضة النوم.
شق ثغرها عن ابتسامة، لترد عليه وهو ما زال على وجومه، قبل أن تغادر المكتب:
- أنا وأنت لبعض في النهاية، فمش هيفرق معايا إمتى ندخلها.
★★★★★
تذهب "توتا" وسط حراسه لتمرينها، بعقل شارد وعندما دلفت للداخل وقف "حازم" يطمئن عليها:
- عامله إيه دلوقتي!
أجابته بصرامة وحدة:
- أنت شايف إيه!
- لا ما شاء الله شايف عيون كلها قسوة، وسامع صوت كله غرور، ولسانك متبري منك.. وبكده اطمنت عليكي.
- طيب يلا ننجز.
بدآ في التمرين وكان عبارة عن أن تكون في وضع نصف جلوس وتسند ظهرها للحائط دون أن تهتز، فعندما اهتزت قفز وقف على ساقيها حتى لا تتحرك مرة ثانية، فحمله بأكمله ينصب على قدميها. كانت تحاول أن تتحمل؛ حتى لا يصعب عليها التمرين أكثر أو يضاعف عليها الوقت، ظلت صامدة حتى الوقت المحدد، وبعد أن نزل أخبرها:
- بكرة هعمل حفلة صغيرة لرجوعك بالسلامة، ونعلن خطوبتنا.
ردت عليه وهي تلملم أغراضها بلامبالاة:
- أعمل اللي تعمله، بس تأكد إنك هتشوف...
يقاطعها وهو يضحك بقوة حتى ظهر صف اللؤلؤ الذي يرتكز خلف شفتيه، ويردف وهو يلتقط مفاتيح سيارتة:
- أيام سودة.
- والله!
- ما أنا قلت أسبق وأوفر عليكي الوقت، والجواز قبل ما نسافر بيوم.
زفرت أنفاسها وردت بعين مستشاطة:
- وفر عليا الوقت بالمرة، وخد ردي اللي كان من ثانية كوبي.
- بتاع اعمل اللي تعمله، يا سلام على ذوقك يا حبيبتى مفيش كلام، بتحبيني وواقعة فيا وش.
تركته بوجه أحمر حاد من كثرة الغيظ، وقلب جاف المشاعر، منصرفة إلى منزلها في وسط الحرس الخاص، لكن كانت عينيها تتفحص كل شخص فيهم بتركيز، تبحث عن "نطاط الحيط" الذي أحيا مشاعر كثيرة مدفونة بأعماق قلبها، كانت تتلاطم مع موجات الزمان حتى تستطيع نسيانها، برغم مرور السنين لم تقدر على النسيان، أو أن تبوح بها لأي أحد، لكن مع المواقف التي تفرضها الأيام.. تقفز إلى شاطئ عقلها؛ فتسبب لها كره، حقد، خوف من صنف الرجال؛ فكانت لم تجد أي مفر من ذكرياتها مع الفهد المتوحش الذي عشقته حد الجنون فاغتصب براءتها وطفولتها، إلا التحمل على دفن الماضي، ومنع قلبها من التنفس فيغطس من جديد للأعماق، وعليها الآن أن تسارع الزمن حتى تمحو هذه الذكرى المؤلمة، فتحيا بقلب خالٍ من أي خدوش وجروح، وتعثر على الرجل الذي أحيا نبضها بلا شك.
★★★★★
عاد "وجود" بيته محتقن الوجه ويكاد أن ينفجر غيظًا، يود أن يفرغ طاقة غضبه، ولم يرى أمام عينه غير أخيه فيلقي عليه سخطه:
- هي زينة عملت عملية، ولا ركبت عقل مكان عقلها؟!
رفع عينه من شاشة حاسوبه، ويرد عليه بلامبالاة:
- ما اعرفش، بس اللي متأكد منه إن العملية مش في دماغها خالص.
بعد أن أنهى حديثه، نظر باهتمام على حاسوبه من جديد، فتفوه هو بنبرة استياء:
- إزاي تلون شعرها باللون الصارخ اللي عكس شخصيتها خالص دا، وإزاي تلبس لبس مبين جسمها، ومن إمتى بتجري مع شباب؟!
لوى شفتيه وعلامات الاستفهام تعلو وجهه:
- ما تعمل اللي تعمله مصدعني ليه، وإيه سبب حمقتك أووي عليها؟!
- زي أختي وخايف عليها من اللطخ اللي كان معاها.
نطقها بتلجلج وتفكير، فرد عليه أخوه وهو يرمقه شزرًا:
- أمممم، وما دام زي أختك ما نزلتش جبتها من شعرها ليه؟
- أصلها بتزعل بسرعة، خايف تزعل مني تاني.
- يبقى مش زي أختك وكبر دماغك منها؛ لأن أنت ومن الآخر ما رضيتش تزعل الآنسة المبجلة "كاميليا" هانم.
- أنت تقصد إيه؟!
- ما تخدش في بالك، بعد إذنك.
انصرف "مستقبل" بعد أن أخذ كل متعلقاته، وجلس "وجود" بذهن شارد كالطائرة المحلقة التي لم يحدد لها مطار للهبوط.
♥️🌹
تابعوووووووني
رواية الطفله والوحش كامله من هنا
رواية جحيم الغيره كامله من هنا
رواية مابين الضلوع كامله من هنا
رواية سيطرة ناعمه كامله من هنا
رواية يتيمه في قبضة صعيدي كامله من هنا
الروايات الكامله والحصريه بدون لينكات من هنا
إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل الروايات اللي بيدور عليها من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا
جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا
انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺