رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الحادي والعشرون والثاني والعشرون والثالث والعشرون والرابع والعشرون والخامس والعشرون بقلم الكاتبه فاطمه طه سلطان حصريه وجديده
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
كأنَّ في كِلينا قلبًا ينتظرُ قلبًا من زمنٍ بعيد.
مقتبسة
- الذكريات هي الشرخ الذي يظل مفتوحًا، يتسرب منه الألم.
مارسيل بروست 📚.
"ليلة أخرى
ثمة رسائل بداخلي
تخصكَ وحدك
مضى عليها الوقت
لا أعلم هل يأتي يوم سوف أنطقها لك"
مقتبسة
______________
ياربُ قلبي لم يعد كافيا
لأن من أحبها تعادلُ الدنيا
فضع بصدري واحداً غيره
يَكُونُ فيه مساحةِ الدنيا
حُبُكِ يا عميقةَ العينين
تطرفٌ، تصوفٌ، عبادة
حُبُكِ مثلُ الموتِ والولادة
صعبٌ بأن يُعادَ مرتين
![]() |
عُدي على اصابعِ اليدينِ ما يأتي
فأولاً، حبيبتي انتي
وثانياً، حبيبتي انتي
وثامناً، وتاسعاً، وعاشراً
حبيبتي انتي، انتي
حبيبتي انتي، أنتي انتي انتي
حبيبتي انتي
ياربُ قلبي لم يعد كافيا
لأن من أحبها تعادلُ الدنيا
فضع بصدري واحداً غيره
يَكُونُ فيه مساحةِ الدنيا.
دعي نظراتكِ الحمراء تقتُلني
ولا تكوني معي
يأساً ولا أملَا
وقاوميني بما أوتيتِ من حيل
إذا أتيتكِ كالبركان مشتعلَا
أحلى الشفاه التي تعصي
احلى الشفاه التي تعصي
وأسوأها تلك الشفاه التي
دوماً تقولُ بلى
كرمال هذا الوجه والعينين
قد زارنا الربيعُ مرتين
كرمال هذا الوجه
كرمال هذا الوجه والعينين
تصدع كلمات الأغنية في السيارة الخاصة بـ جابر صديق زهران المقرب أو وفقًا لمقولته هو صاحب عمره، يقوم بتشغيل أغاني مطربه المفضل من الهاتف بعدما قام بتوصيله في السيارة..
بعدما تم عقد القرآن الخاص بـ سلامة وجهاد، سلمى ونضال؛ أخذ زهران صديقه وهرب بعدما أخبره سلامة بأنهم ذاهبون للعشاء في الخارج بسبب تلك المناسبة، هبط خلفه دياب الذي كان يعلم بأنه سوف ينال من بطش وغضب نضال....
الغريب بأنه ذهب مع زهران وجابر بعدما نادى عليه الاثنان بسرعة وكأنهم يتخفون في أحدى المهمات السرية...
من دون مقدمات أصبح جابر يجلس بـ جوار زهران، في الخلف يجلس دياب...
في طريق إسكندرية الصحراوي بعدما اقترح زهران بأن يعزمهم على العشاء "أكلة سمك".....
تمتم جابر وهو يقود السيارة:
-أنتَ تحب كاظم الساهر حقًا يا صديق عمري؟!.
رد عليه زهران بنبرة عذبة ورومانسية:
-إلا بحبه يا جبورة؛ ده أنا كنت بغني أغانيه لأم العيال وحب عمري، خد بالك ده من أيام التمنينات والتسعينات قديم أوي، والاغنية دي مش قديمة أوي بس بموت فيها، تعرف أنها قصيدة لنزار قباني بس كان كلامها شمال شوية عن كده وهو ظبطها.
هتف جابر بنبرة هادئة وهو يقود السيارة:
-وكيف كانت قبل التعديل؟! أخبرني فقد أثرت اهتمامي وفضولي معًا..
أستدار زهران للخلف ناظرًا إلى دياب وغمغم بجدية:
-لا لما نكون لوحدنا هقولك يا صاحبي أصل معانا عيل صغير، نخاف على حيائه.
تمتم جابر ساخرًا وهو يلوح بأحدى يديه:
-كل ده وصغير اومال لو كان كبير بقى كان هيبقى عامل ازاي؟!.
هتف دياب بنبرة جادة وهو يحاول أن يستوعب أنه رحل معهما:
-أنا مش عارف أنا جيت معاكم ازاي بجد وطاوعتكم، لا وكلمت أمي وبعدين قفلت الموبايل.
رد زهران عليه بنبرة هادئة إلى أقصى حد:
-ده أنا هعيشك ليلة ولا ألف ليلة وليلة وهأكلك أحلى أكلة سمك، هتقضى يوم معايا ملهوش حل، وبعدين لو كنا قعدنا كان نضال مسك فينا ما أنتَ عارفه.
تمتم دياب بسخرية لاذعة:
-وهو أحنا هنسافر العمر كله ولا مهاجرين ده احنا رايحين اسكندرية صد رد نأكل سمك وراجعين وساعتها مش هيحلنا برضو.
هتف زهران بغضب:
-بقولك إيه متوجعش دماغي أنا مبحبش النكد وعايز أصفي دماغي، وبعدين أنا كمان قافل موبايلي يعني...
رد جابر بعده:
-وأنا أيضًا لقد أغلقت هاتفي المحمول.
قال دياب هنا ساخرًا ولم يتحمل أكثر من هذا:
-طب أحنا وقافلينه علشان اللي هببناه أنتَ قافله معانا ليه يا عم أنتَ؟!.
صاح جابر باستنكار كبير:
-عمك دبب.
ثم أسترسل حديثه بنبرة جادة:
-قفلته علشان لقيت صديقي قفل موبايله فقولت لازمًا ولابد أشاركه هروبه، مع إني مش عارف بهرب من إيه بس مش مشكلة أي حاجة مع زهورة أنا راضي وموافق عليها بصدر رحب.
تمتم دياب وهو لا يصدق فعلته حقًا:
-أنا إيه اللي راكبني معاكم يارب؟، أنا قولت هتروحوا أي حتة قريبة مش ألاقي نفسي على طريق اسكندرية مع واحد اسمه جبورة وواحد اسمه زهورة.
صاح زهران بجنون وهو يشير إلى جابر:
-اقف في أي حتة نزلي الواد ده على الصحراوي نسيبه في الطل كده مع نفسه، علشان يحترم نفسه..
ضحك دياب هازئًا هو مجرد تهديد من يقف على هذا الطريق؟!!!..
لكن ما حدث كان عكس ذلك...
لم يحاول جابر أن يثنيه عما يريده بل توقف في إحدى الجوانب هاتفًا:
-يلا ياض أنتَ انزل من عربيتي حالًا بالًا، أنتَ خنقتنا وقرفتنا وأنا جبت آخري منك خلاص، ده أنا أول مرة أسافر مع صديق عمري مش عايزين وجع دماغ و وش.
بدأ دياب يتأكد فعلًا أنه يسير مع شخصين قد هربا من مستشفى الأمراض العقلية وهو ينظر على الطريق السريع ووقوفه مرة واحدة وهنا غمغم دياب بتردد:
-خلاص كمل أنا غلطان.
ضحك جابر بكبرياء شديد وغرور وهو يعود ليقود سيارته مرة أخرى وأثناء قيادته تحدث بعنجهية:
-الناس مبقتش تيجي إلا بالعين الحمراء يا زهران ياخويا والله.
تمتم زهران مؤيدًا حديثه:
-معاك حق يا جابر الجيل ده كله كده.
تحدث جابر بنبرة مرحة:
-طب وريني كده عينك أشوفها حمراء اللون أم لا؟!.
أستدار بالفعل ينظر ناحية زهران لرؤية عينه، هنا صاح دياب بعدم تصديق:
-انتم شاربين إيه؟! ولا مجانين ولا إيه حكايتكم؟! ركز في الطريق يا عم ركز عايز أوصل لأمي سليم، تشوف عين إيه بس.
تمتم جابر بغضب كبير وهو ينظر إلى الطريق:
-أنتَ نداب ليه ياض احنا غلطانين أننا خدناك معانا.
هتف زهران بجدية هو الأخر:
-والله معاك حق يا جابر.
هتف جابر مهددًا:
-والله لو مسكتش وحطيت لسانك جوه بُقك لا اسيب زهورة عليك اديني عرفتك أهو..
قال دياب بمكر كبير:
-يعني إيه تسيبه؟! قصدك أن عم زهران إيه..
تحدث زهران بنبرة هادئة:
-صاحبي وعلى قلبي زي العسل أطلع أنتَ منها يا بوتجاز لأن عمري ما اسخن عليه.
ثم قال:
-ياريت تنقطنا بسُكاتك بقا مش عايزين نسمع صوتك لغايت ما نوصل.
رد عليهما دياب بغيظ من نفسه قبل أن يكن منهما بأنه قد رحل معهما:
-اديني اتخرست اهو..
_________________
هل سوف يذهب زهران ويهرب قبل أن يقضى مهمته الأخيرة؟!
بالطبع لا.
هو لا يكتفي بفعل واحد قد يذهب بعقل نضال، بل يحاول جعله مجموعة أفعال ليأخذ جائزة كبرى عليها.
يخطر في عقولكم الآن ما الذي فعله زهران؟!
قام بجعله يقضي أمسية هو وسلمى مع "سلامة وجهاد" في الخارج..
يجلس نضال وبـ جواره سلمى كلاهما يعقد ساعديه، ينظر في أي مكان دون النظر إلى الآخر وأحيانًا يذهب نظرهم ناحية سلامة وجهاد عنوة يراقبون أفعالهم، لم يكن تطفل واضح بل هما يجلسون أمامهم وعلى نفس الطاولة لكنهما في عالم مختلف تمامًا.
الطعام موضوع على الطاولة لكن كل شخص يحمل هم مختلف، ولم يمد أي شخص يده على الطعام حتى الآن.
تمتم سلامة وهو بين يديه يد جهاد يضغط عليها برفق واحتواء في الوقت ذاته:
-أخيرًا يا جهاد والله ما مصدق نفسي.
ابتسمت له جهاد متمتمة بنبرة هادئة:
-ولا أنا كمان مصدقة نفسي يا سلامة.
هتف نضال رغمًا عنه:
-والله ولا احنا مصدقينكم، مش يلا نأكل بدل جو حديقة الأورمان ده.
نظر له سلامة بنظرة غاضبة ثم تحدث بانزعاج جلي:
-هو أنتَ ورايا ورايا؟! يعني يوم كتب كتابي قاعد معايا وعلى نفس الترابيزة مش مديني فرصة أنطق، واقف ليا زي اللقمة في الزور.
تمتم نضال ببساطة شديدة وهو يشير له:
-قوم أقعد في أي حتة تانية لو أنا مضايقك أو امشي خالص.
أردف سلامة باستنكار:
-مفيش خصوصية فعلا في مصر.
رد نضال عليه ساخرًا:
-خصوصية إيه؟! هو أحنا داخلين عليكم شقتكم، ده أنتَ قاعد معانا على نفس الترابيزة.
بدأت سلمى في تناول الطعام تحاول أن تشغل نفسها قدر المُستطاع دون أن تنتظر أي شخص..
هنا نهض سلامة وكانت جهاد على وشك أن تخرج يدها من يده لكنها منعها هاتفًا:
-أنا هنادي حد يحط لينا أكلنا ونقعد بعيد عن المراقبة دي مش كفايا أنتم اتجوزتوا بسرعة لكن أنا قعدت في مرحلة الشبكة رايحة جاية في السبت عشرين سنة.
هتف نضال وهو يكز على أسنانه:
-في ظرف عشر ثواني يا سلامة تكون اخذتها واخدت أكلك ومتخلنيش أشوفك.
تمتمت جهاد بنبرة جادة وهي ترفع سبابتها في وجهه:
-والله أنا ساكتة ليك بس علشان أنتَ دلوقتي في مقام أخويا الكبير مدام بقيت جوز اختي، لكن لو كنت أخو جوزي بس كان هيكون ليا تصرف تاني..
رحل سلامة وجهاد ثم جلسا على طاولة أخرى بعيدة نوعًا ما عنهما.
نظر نضال على سلمى التي تتناول الطعام بشهية أو على الأغلب تنتقم من نفسها، هي لم تتناول الطعام بتلك الطريقة السريعة طوال حياتها فهي لا تنتظر أحد ولا ترغب في قول كلمة مازالت لا تصدق حتى ما حدث!
الأمر بمثابة حلم غريب!
تحدي مثير!
لا تعلم ماذا فعلت حقًا في نفسها؟!...
أردف نضال رغمًا عنه معلقًا بعفوية:
-كويس أنك بتأكلي لأني مش حابب نكرر الموضوع تاني والاقيكي بيغمى عليكي من قلة الأكل ونمشي وأنا شايلك...
توقف الطعام في حلقها وأخذت تسعل بقوة، مد يده لها بسرعة وهو يحمل كوب المياة هاتفًا:
-اشربي طيب.
تناولت منه ثم هدأت قليلًا، لا تدري الأمر مختلف تمامًا حينما ذكره هو، لكنها حاولت بدلا من أن تشعر بالخجل أو أن يستمر طويلًا أن تخرج أشواكها وتتحدث بنبرة غاضبة نوعًا ما:
-متقلقش لو حصلت تاني ابقى سيبني وبلاش تتعب نفسك.
رد عليها بنبرة هادئة وصلبة رغم ما يقوله:
-لا متقلقيش من الناحية دي أنا هحب اتعب نفسي بس ياريت تكوني فايقة.
جحظت عيناها وكادت أن تتفوه بكلمة لكن جاء النادل وكان على وشك أن يضع طبق ما، فأردف نضال بنبرة هادئة وهو يشير له:
-لا ده مش تعبنا، هناك عندهم.
ابتسم له النادل ثم رحل ليضع الطلب عند طاولة جهاد وسلامة..
بدأ نضال يتناول الطعام بهدوء وثبات مُريب، كلاهما كان يحاول إشغال نفسه بتناول الطعام وحينما شعرا بأنه لم يعد هناك مكان بداخلهما توقفت سلمى أولا ثم توقف نضال وأمامهما أطباق شبه فارغة.
سألها نضال رغمًا عنه:
-غريبة يعني أنك وافقتي يا سلمى.
تحدثت سلمى وهي تضيق عيناها ناظره له تلك المرة لا ترغب في إبعاد أنظارها عنه:
-غريبة أنك أنتَ وأهلك بتاخدوا الخطوة ولما سلمى توافق تسألها وافقتي ليه؟! وأنه غريبة إني أوافق، زي ما قولت في الخطوبة برضو.
صمتت لبرهة ثم سألته باستنكار طفيف ونبرتها ارتفعت قليلًا:
-هو المفروض مكنتش اوافق يعني؟! على العموم أحنا لسه فيها يعني محصلش حاجة.
أردف نضال وهو يكز على أسنانه ناظرًا لها نظرة أصابتها بالتوتر بعض الشيء:
-ياريت تبطلي تعلي صوتك وتتكلمي بصوت واطي وبلاش طريقتك في الكلام دي.
تحدثت سلمى بنبرة غاضبة:
-مالها طريقتي يعني؟! أنا زي ما أنا على فكرة، ودي نبرة صوتي وبعدين يعني لو فاكر أن كتب الكتاب يحق ليك تتكلم معايا كده لا يبقى أنتَ متعرفنيش كويس.
نظر لها نضال بعدم فهم، هي تدافع عن ذاتها وتنثر أشواكها، مخرجة أنيابها لكنه في الحقيقة لم يتحدث بشيء يستدعي هذا كله ومع ذلك رد عليها بهدوء:
-من ناحية يحق ليا اه بيديني الحقوق دي، ثانيا اتعلمي تتكلمي عدل واتعلمي تكوني هادية؛ مفيش حاجة اسمها نبرة صوتي كده ولو هي كده غيريها لكن متتكلميش معايا بالأسلوب ده ولأني معملتش حاجة أصلا ولا قولت حاجة.
يفرض هيمنته وسيطرته عليها..
بشكل ازعجها، أربكها...
كانت غبية عند الموافقة...
تحدي غير مقبول وهي خاسرة إلى حدٍ كبير سوف تفقد نفسها معه حتما..
لأنه سيصبح هو السلطان..
المتحكم بها..
تمتم نضال بنبرة جادة حينما أخذت تحلق ببصرها فيه وتنظر له:
-حلو ده معناه أنك بدأتي تفهمي كلامي وبدأ يكون في مساحة أنك تسمعي اللي قدامك متسمعيش نفسك وتتكلمي أنتِ وبس.
أبعدت بصرها عنه ثم نظرت أمامها على المقاعد الفارغة عاقدة ساعديها متمتمة بجفاء:
-أنا عايزة أشرب قهوة فرنساوي وعايزة اروح.
على طاولة أخرى..
كانت جهاد انتهت من تناول طعامها لكنها تراقب سلمى ونضال، من الواضح جدًا من صوتهما الذي يصل لها، نظراتهما وحركاتهم بأن هناك شجار بينهما..
-سلامة ألحق شكلهم بيتخانقوا..
قبل سلامة كف يدها في عالم أخر لتسحب يدها من بين يديه هاتفة:
-سلامة ركز بقولك بيتخانقوا.
تمتم سلامة بنبرة هادئة:
-وأنا مالي يا ستي ما يتخانقوا، وبعدين ده رياكشن وشهم الطبيعي أنهم مش طايقين نفسهم ولا طايقين حد سيبك منهم وركزي معايا أنا وبس.
هتفت جهاد بسخرية:
-بقولك إيه أنتَ مش عاجبني النهاردة فوق كده وبلاش جو أسامة منير ده والمشاعر الفياضة دي.
خرجت ضحكة ساخرة من فهمه وهو يعقب لطيفة نوعًا ما:
-ده هو ده الوقت المناسب اللي المفروض أطلع فيه مشاعري أنتِ عبيطة؟! ده النهاردة كتب كتابنا، والفرح قدامه أقل من أسبوع.
قالت جهاد بتردد:
-برضو مش مبرر.
تجاهل سلامة كلماتها وألتقط كف يدها يضعه بين كفيه متمتمًا:
-مقولتليش عايزة نسافر فين؟!..
كادت أن تتحدث لكنه سبقها مسترسلا حديثه:
-خلينا في الحتت القريبة علشان أنا مش عايز نضيع من الأيام يوم كامل في السفر يوم رايح ويوم جاي.
تمتمت جهاد بطاعة:
-اللي تشوفه مش فارقة يعني اللي أنتَ شايفه مناسب.
وعلى العكس بعدما كانت هي تردعه وتجعله يتوقف عن اخراج عاطفته القوية هي من قالت بضحكة رقيقة:
-أي معاك بالنسبالي هيكون شهر عسل زي كل أيامي معاك........
قاطع هذا الحديث المعسول والجميل رنين الهاتف وهو يعلن اتصال من سلمى، فأجابت عليها جهاد وهي تخبرها:
-أنا هروح ، لو عايزة تقعدي أنتِ اقعدي، أنا همشي.
تمتم نضال بنبرة هادئة وهو يجلس بجوارها:
-خليهم براحتهم أنا هوصلك.
____________
في الطريق إلى الإسكندرية.
كان زهران يقوم بتغيير الأغاني وطال الصمت بينهما وهنا حاول زهران الحديث إلى جابر:
-صحيح يا جابر مالك كده.
رد عليه جابر بعدم فهم:
-مالي؟؟! كيف أبدو لك يا صديقي؟!.
هتف زهران موضحًا:
-شكلك مهموم كده ومش عاجبني، إيه اللي مضايقك بس قولي؛ هتخبي على صاحب عمرك؟!.
تمتم جابر رافضًا هذا الظن:
-أنا لا يمكن اخبي عليك حاجة يا زهورة بس أنتَ شايف عيالي، حالهم لا يسر عدو ولا حبيب ولا خطبوا زي اللي خطبوا ولا اتجوزوا مع اللي بيتجوزوا، هيفضلوا سنجل كده ومحدش هيفرحني منهم.
لم يدعه زهران يستكمل حديثه مما جعله يهتف معاتبًا:
-اهو كله من ابنك والقرف اللي كان لابسة وقف سوقه بيه لابس ليا بمبى وابنك التاني بيكشر زي ايموشن الواتساب الأحمر اللي بنبعته لبعض.
أسترسل جابر يقص له ما يزعجه بنبرة درامية من الدرجة الأولى:
-ولا آسر آسورة الصايع اللي جايبنا دايما ورا وسمعة العيلة هتبوظ على ايده، قولتلك أنا صحيح أنه بيشرب سجاير ولا مقولتلكش؟ أنا نسيت مخي مش دفتر..
شهق زهران مستنكرًا وهو يغمغم:
-بيشرب سجاير؟! هي الدنيا اتقل خيرها من شوية، اومال عمل نفسه محترم ليه لما عزمت عليه بـ كريمة؟.
تمتم جابر بطريقة درامية وهو يهز أحدى كتفيه:
-يدعي المثالية أمامك يا صديق عمري.
لوى زهران شفتيه بتهكم ثم صاح:
-أنا برضو مدخلش عليا، أصل خد بالك أنا فيا شيء لله ودايما بقفش اللي قدامي وأنا مش مرتاح له من أول ما شوفته صايع كده زي دياب صاحب ابني نضال، يا خوفي يفسدوا أخلاق عيالنا.
أقترب دياب برأسه لهما وتحدث بجانب زهران هاتفًا:
-اقدم ليك الصايع بنفسه يا عم زهران.
شهق جابر وزهران في الوقت ذاته، ليتحدث جابر بخوف طفيف:
-بسم الله الرحمن الرحيم.... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
ثم استرسل حديثه باستنكار:
-هما بيطلعوا امته دول أنا كنت نسيتك أساسًا مش تعمل حس كدة تفكرنا انك موجود يا بني.
رد دياب عليه ساخرًا:
-هو فعلا واضح أنكم نسيتوني لأنكم ارتاحتو في الكلام زيادة وكل واحد خرج اللي في قلبه تحديدًا عم زهران.
ابتلع زهران ريقه ثم حاول تخفيف ما قاله:
-أنا يا ابني بس خايف على صحتك لا أكتر ولا أقل، وبعدين ده أنتَ ابني التالت.
ثم وجه حديثه صوب جابر بنبرة ذات معنى:
-مش أنا دايما يا واد يا جابر بقولك أنا لو كان عندي بنت كنت جوزتها الواد دياب؟.
رد جابر عليه وهو يقود السيارة بعفوية شديدة:
-لا عمرك ما قولتلي كده.
تمتم زهران بنبرة هادئة تحت ضحكات دياب:
-اهو شوفت يا دياب؟ دايما كده بجيب سيرتك في الخير.
تذكر جابر شيئًا...
مما جعله يقاطعهما:
-أنا افتكرت حاجة يا زهران.
رد زهران عليه باهتمام وإنصات:
-إيه؟.
عقب جابر ببساطة شديدة وكأنه لا يقول شيئًا:
-أنا معيش المحفظة.
تمتم زهران بغباء وعدم تركيز:
-وده معناه إيه يا صاحب عمري؟! لو على الفلوس متشغلش بالك الليلة كلها على حسابي.
هتف جابر ساخرًا:
-ياريتها فلوس يا زهران ده فيها البطاقة ورخصتي ورخصة العربية بتاعتي.
خرج لفظ اعتراضي من فم دياب لم يستطع كبحه وهو يقول صارخًا:
-مسفرنا إسكندرية ومعكش رخص ولا بطاقة؟! لا نزلوني في الطريق نزلوني أنا اللي غلطان، نزلوني في الصحراء، أنا عايز اقف في الطل وفي عز الثلج احسن ما نتمسك في كمين، نزلوني وإلا هقول أنكم خاطفيني لو وقفنا كمين......
هتف جابر بنبرة جادة وهو مستمر في القيادة:
-ياض ميبقاش قلبك خفيف كده، وبعدين أنا صديقي بس مش صديق عمري زهران لا، صديقي عادي وحما بنتي محامي؛ ابو الواد الحيوان اللي قولتلك عليه يا زهران اللي متجوز بنتي البسكوتة.
تمتم زهران بنبرة هادئة:
-أيوة فاكره يا صاحبي..
عقب جابر بنبرة جادة إلى اقصى درجة:
- يارب يوقفنا كمين ده هيكون اختبار لخالد وابنه الحيوان لو مطلعونيش منها زي الشعرة من العجينة أنا هطلق بنتي منه.
اخرج دياب الهاتف من جيبه هاتفًا:
-أنا يا هتصل بنضال يجي ياخدني حتى لو هيدفني في الصحراء هنا، يا هاصل بالبوليس..
صاح زهران مستنكرًا وهو يستدير له برأسه:
-ولا بطل وش وصداع بقا احنا قربنا نوصل أساسًا اهمد بقا وان شاء الله مش هيقابلنا حاجة.
______________
فتحت سلمى باب المنزل ثم سارت بخطوات سريعة متوجهة صوب غرفتها دون قول كلمة واحدة.
خلفها ولجت جهاد وأغلقت الباب، رغم إصرار سلمى ونضال عليها بألا تفسد أمسيتها من أجلها إلا أنها عادت معها.
كانت يسرا جالسة على الأريكة وشاهدت هذا المشهد، مما جعلها تسأل جهاد باستغراب:
-في إيه أختك مالها؟!.
اقتربت جهاد من والدتها ثم جلست بجوارها على الأريكة متمتمة بنبرة خافتة:
-الظاهر كده الله اعلم، بنتك بدأت الخناق هي ونضال بدري بدري، يعني اتخانقوا..
تمتمت يسرا بقلق وارتياب:
-اتخانقوا على إيه بس؟!.
ردت عليها جهاد وهي تخلع حجابها:
-والله معرفش اتخانقوا على إيه هي مقالتش حاجة ولا هو قال حاجة.
سألتها يسرا ساخرة:
-ومدام محدش قالك حاجة بتقولي اتخانقوا وتوجعي بطني ليه؟!.
قالت جهاد مفسرة الأمر إلى والدتها:
-يعني باين على وشها والله أنا خايفة ادخل الاوضة، وبعدين أنا مش عارفة اقولك تفاصيل أصل احنا كنا قاعدين على ترابيزة وهما قاعدين على ترابيزة تانية بس يعمني من طريقة كلامهم وأنا شايفاهم واضح أنهم اتخانقوا وكانت بتشوح ليه بايديها.
سمعت يسرا حديث ابنتها وهي تحاول التفكير ثم تحدثت بتعجب كبير:
-والله أنا مستغربة لغايت دلوقتي أنها وافقت، يعني بعد ما مشيتوا خالك قالي رايح يعمل كذا مشوار وممكن يبات مع واحد صاحبه، فضلت أساله أنتَ خليتها توافق ازاي؟! لأني عارفة بنتي قالي عادي هي وافقت ومرضيش يقولي حاجة.
غمغمت جهاد وهي تعقد ساعديها:
-والله هي حاجة غريبة فعلا.
بداخل الحجرة....
خلعت سلمى خِمارها، وسترتها الثقيلة، أخذت تنظر إلى ذاتها في المرآة بشرود كبير، تحاول التفكير في كل ما حدث..
تفكر في تلك الليلة العجيبة...
...قـــبـــل ســاعـــات...
-أنا مش موافقة مفيش حاجة تجبرنا نكتب الكتاب بالسرعة دي.
هذا ما قالته سلمى في الرواق وهي تقف مع خالها، لكنه عقب بنبرة هادئة:
-بما أن الأوضة عندكم زحمة، تعالى نتكلم في اوضة أمك لوحدنا شوية.
بالفعل ذهبت معه سلمى...
ولجت معه إلى حجرة والدتها ثم جلست على الفرا أما هو أغلق الباب خلفهما ثم جلس بجوارها على الفراش هاتفًا:
-أنتِ عايزة تسيبي نضال بعد فرح اختك صح؟!.
تمتمت سلمى بوضوح:
-أيوة هسيبه أنا مش عايزة أكمل وده اللي قولته ليك أساسًا إني اتحرجت بعد ما قولت قدام أهل بابا إني مخطوبة، وجهاد وصلت الكلام برضو في ساعتها والدنيا اتعكت بشكل مش مفهوم.
سألها خالها بنبرة واضحة مختصرًا هذا الحديث لأنه لا يرغب فيه ويعرفه كله، حافظًا أياه عن ظهر قلب:
-نضال هو الشاب اللي حكيتي عنه وكنتي معجبة بيه من كام سنة؛ بس موضحتيش هو مين.
تلون وجه سلمى تمامًا..
كـيـف عــرف؟!
حسب ما تتذكر هي لم تخبره بأي تفاصيل وقتها عن هوية الشاب لأنها كانت تعرف بعلاقة جهاد وسلامة لذلك لم تخبره بهويته.
حاولت سلمى الإنكار قدر المُستطاع:
-لا مش هو أنا كنت معجبة بحد تاني وبعدين كان مجرد إعجاب من طرفي وبس.
علاقة سلمى بـ خالها علاقة فريدة من نوعها، هو كان الأب الروحي لها، بالرغم من المسافة هو يحرص أن يحدثها يوميًا أكثر من شقيقته حتى...
الغريب أن سلمى تخبره بمشاعرها، أفكارها، حتى عُقدها كما يطلق عليها البعض، تخبره بما لا تتفوه به أمام أي شخص.
هتف خالها بتأكيد تحديدًا وهو يرى نظراتها تذهب بها بعيدًا عنه لا ترغب في تواصل بصري مباشر بينهما:
-أنا متأكد أنه هو الشاب اللي كنتي بتقولي عليه نفس مواصفاته تقريبًا، غير كده أنا متأكد بأن رغم كل اللي حصل وكل الأسباب اللي حصلت واللي قولتيها للكل مش حقيقية، أنتِ ميهمكيش جوازة جهاد بالشكل ده اللي يخليكي تتخلي عن تفكيرك وتربطي نفسك بواحد إلا لو كان هو نفس الشخص اللي اتكلمتي عنه ومن بعد خطوبة جهاد بطلتي تتكلمي عنه خالص.
تنهدت سلمى وهي تضع وجهها بين كفيها متحدثة بخجل رهيب:
-مش هو صدقني واحد غيره..
-انا أكتر حد بيفهمك يا سلمى، أنتِ بنتي الكبيرة زي ما بقول لكل الناس بفهمك أكتر ما بفهم عيالي حتى.
رفعت سلمى بصرها له بتردد كبير، ليأخذ كف يدها بين كفيه الدافئتين بحنان كبير:
-متتكسفيش مني يا سلمى؛ دي مش حاجة تتكسفي منها، أنتِ عمرك ما عملتي حاجة ممكن تخلي حد من أهلك يتكسر بسببها أو يحس بالحرج.
ثم تحدث خالها سائلا أياها للمرة الأخيرة:
-هو نفس الشخص اللي اتكلمتي عنه؟!.
هزت سلمى رأسها تلك المرة بإيجاب لم تستطع أن تدعي العكس أبدًا هو عبث بها وزلزل كيانها حطم الهالة الصلبة التي تضع نفسها فيها.....
هتف خالها وهو يرفع يده ويحاوط وجهها بها بعدما ترك كفها:
-أنا عايزك تكتبي كتب الكتاب يا سلمى وتوافقي.
ردت سلمى عليه برفض كبير:
-لا مينفعش انا أصلا هسيبه.
غمغم خالها بتفهم كبير ومرونة لا تتواجد بداخل الجميع:
-لأول مرة جت ليكي الفرصة تاخدي قرار بقلبك ومشاعرك، تبطلي تاخدي قرار وتتصرفي تصرفات على أساس اللي فات؛ لأول مرة اهزمي كل خوفك ووافقي واتبعي قلبك، ده الشاب الوحيد اللي اتكلمتي عنه في عمرك كله.
هبطت دمعة من عين سلمى متحدثة بتردد كبير:
-بس هو مش حاسس بحاجة ناحيتي الموضوع كله غريب أساسًا ومش حاسة أنه كان عايز يخطبني بإرادته.
- يمكن دي أوهام في دماغك أنتِ بس، مدام قاعد لغايت دلوقتي برا يبقى حاسس دي مخاوفك اللي بتقولك كده.
كانت تخبره بصوت خافت وكأنها طفلة صغيرة، كأنها ليست سلمى التي يعرفها الجميع:
-افرض سابني، أفرض أنا وافقت دلوقتي ومكملناش وبقيت مطلقة.
هز خالها كتفه بلا مبالاة:
-إيه المشكلة؟! اعتبريها تجربة، امشي ورا احساسك لمرة واحدة، واللي يحصل يحصل بعد كده، وحتى لو اطلقتي مش مشكلة علاقة وفشلت، محدش عارف بكرا مخبي إيه، ياما ناس اتجوزت بعد قصص حب مهولة واطلقت بعد أسابيع والعكس.
...عودة إلى الوقت الحاضر....
انتفضت مرة واحدة بعدما طال شرودها وتذكرها ما حدث، ثم أخذت تبحث في خزانتها عن ملابس منزلية مريحة لتغير ملابسها، يبدو أنه الأمر لن يحدث..
لن تستطع حتى لو كانت تكن له مشاعر لم تشعر بها تجاة أي شخص..
لن تستطيع التعايش...
لن تقبل بأن تكون نسخة اخرى من والدتها وتتحمل مرارة ما تحملت هي...
هي لا تستطيع أن تكون تحت رحمة رجل...
أخطأت رُبما حينما اتبعت كلمات خالها..
في النهاية اللقاء كان كارثي...
_____________
-أنا مش مسامح، ومش هسامح أنك بوظت ليلة كتب كتابي أنتَ والبت اللي مكشرة زيك طول الوقت دي، روحنا بسببكم.
كان سلامة مستلقي على الأريكة ولم يبدل ملابسه بعد، يتحدث والهاتف بين يديه يراسل جهاد أو بالمسمى الجديد لها زوجته..
ظن أن نضال مازال يجلس على المقعد لكن إذا كان ذلك صحيحًا لما حتى الآن لم يتلقى دفعة لا بأس بها من غضبه حتى الآن؟!.
اعتدل وجلس على الأريكة ليجد المكان فارغًا...
فجأة لم تمر سوى ثواني من اعتداله وسمع تكسير زجاج يأتي من الخارج.
نهض سلامة وتوجه صوب باب الشقة الذي كان مفتوحًا على مصراعيه، ليجد زجاج متواجد على الأرض وعرف ما هو الشيء الذي تم تكسيره..
سأله سلامة بتردد:
-أنتَ كويس يا نضال؟!.
تمتم نضال بنبرة هادئة وابتسامة واسعة:
-أنا دلوقتي حاسس إني مرتاح ومبسوط جدًا الحمدلله.
ثم ولج إلى الشقة ليأخذ حمامه ويغير ملابسه، جلس في النهاية منتظرًا أن يأتي والده لن يتأخر أكثر من هذا على الأغلب....
فعل سلامة المثل وجلس الاثنان ينتظرا إتيان والدهما، الذي فتح باب المنزل وولج منه في الثانية بعد منتصف الليل بوجه شاحب نهض سلامة ووقف أمامه، تحدث زهران بصوت يكاد يخرج منه:
-هي إيه اللي مكسورة برا يا سلامة دي؟! قول أنها اي حاجة غير اللي في بالي ابوس ايدك يا ابني.
رد سلامة عليه متأسفًا:
- للأسف يا بابا هي كريمة، نضال كسرها..
لم يصدق زهران ما يسمعه حتى فقد وعيه وسقط ارضًا وكان أخر كلمات خرجت منه:
-الحق ابوك يا سلامة، اه قلبي وقف هموت..
_______________
اليوم التالي.
تجلس ياسمين على الأريكة في الفيلا الخاصة بزوجها "ابن خالتها" ووالدته، تستمع إلى أحاديث شقيقها التي اغضبتها وهي في فترة الحداد على والدتها، مازالت ترتدي ملابسها السوداء ولم تجف دموعها وهو يرغب منها أن تقف في زيجته.
تمتمت ياسمين بنبرة منزعجة وغاضبة إلى حدٍ كبير:
-أنتَ بتهرج يا حمزة، جواز إيه ده اللي بتفكر فيه بالسرعة دي؟!.
رد حمزة عليها وهو واقفًا أمامها يناظرها بارتباك طفيف:
-وإيه المشكلة يعني؟! دي سُنة الحياة ولا عايزاني أفضل لوحدي زي قرد قطع قاعد؟! ناقصني أنا إيه علشان متجوزش.
هتفت ياسمين بانزعاج جلي وهي تخبره محاولة السيطرة على أعصابها قدر المُستطاع ولكنها على ما يبدو تفشل:
-هو إيه اللي ناقصك إيه؟ إيه الكلام الغريب اللي بتقوله ده؟ ولا أنتَ مش لاقي حاجة تقولها فبتقول أي كلام يجي في بالك وخلاص؟؟.
ابتلعت ريقها ثم أخبرته بضيقٍ كبير:
-التوقيت مينفغش خالص، أنتَ ازاي هتفرح وتتجوز وماما لسه مدفونة من كام يوم، وأساسًا مين دي اللي قبلت تتجوزك بالسرعة دي؟!.
أردف حمزة ببساطة وهو يكرر الأمر:
-واضح انك مكنتيش مركزة في اللي أنا بقوله يا ياسمين، قولتلك هي ساسو أو سامية اللي جت عملت ليكي الميكب يوم فرحك..
هتفت ياسمين بنبرة جادة:
-ماشي يا حمزة براحتك اختار اللي تختارها لكن أنا مش هحضر ليك حاجة، إلا لما يعدي فترة مناسبة على وفاة ماما وده اللي عندي، وكده أكون كويسة معاك لأن مفروض اللي زيي متحضرش ليك حاجة أصلا.
تمتم حمزة بنبرة جهورية وواضحة:
-ياسمين هتيجي معايا يعني هتيجي معايا، مهما حصل احنا اخوات والمفروض علاقتنا عمرها ما تتأثر ولا تتغير تحت أي ظرف أحنا ملناش إلا بعض، هتيجي معايا وهتقنعي خالتو تيجي معايا وإلا أنتِ عارفة أنا هعمل إيه..
قالت ياسمين ساخرة وهي تنهض من مكانها لتقف قبالته:
-يعني أنتَ بتهددني يا حمزة؟!.
قال حمزة بنبرة هادئة وهو يخاطبها بهدوء شديد:
-مش بهددك يا ياسمين بلاش كل حاجة تاخديها بالمعنى ده يا حبيبتي.
ثم وضع يده على كتفها هاتفًا بنبرة جادة:
-احنا ملناش إلا بعض يا ياسمين؛ أنا اخوكي الوحيد وأنتِ اختي الوحيدة، وحتى لو بأخد قرار أنتِ شايفاه غلط أقفي جنبي لغايت ما اشوف أنه غلط بنفسي، أنا مش هعمل فرح طبعا هو هيكون كتب كتاب بسيط بينا وبينهم لا أكتر ولا أقل اقفي جنب اخوكي يا ياسمين بلاش تخليني لوحدي.
بعد نصف ساعة..
كان يتواجد في سيارته يقودها متوجهًا صوب المقهى الخاص به، يضع السماعة في أذنيه ويتحدث مع سامية يخبرها بأخر التطورات بالنسبة إليه، ليأتيه صوتها:
-يعني هتيجي معاك هي وخالتك ولا لا؟!.
أجابها حمزة بثقة كبيرة:
-هتيجي طبعًا.
جاءه صوتها مندهش:
-مش حاسس أنك واثق زيادة فيهم رغم أنك قولت بنفسك أن في مشاكل ما بينكم غير طبعًا وفاة والدتك مأثرة عليهم طبعًا.
تمتم حمزة بنبرة هادئة وهو مستمر في القيادة على الطريق السريع:
-واثق في اختي، وواثق أن مهما كان في خلافات ما بينا أنها مش هتصغرني وهتقنع خالتو وهيجوا هما الاتنين معايا، وجوزها أنا كلمته وقالي هيجي يعني الأمور كلها تمام أهم حاجة تظبطي الدنيا عندك أنتِ بس.
لم يجد منها رد فعاد يتحدث:
-سامية أنتِ سمعاني؟!.
ردت عليه بنبرة مترددة:
-تعرف يا حمزة أنك الوحيد اللي حبيته يناديني بـ اسمي.
اتسعت ابتسامته ولكنها لم تدوم طويلًا وهو يهتف:
-المهم يعني سيبك من اللي أنا بقوله، بصراحة الدنيا عندي مش أحسن حاجة ماما وعمو منشفين دماغهم أوي.
صمت حمزة لعدة ثواني ثم تحدث بنبرة كئيبة:
-مش قولتي اتكلمتي مع خالك؟!.
ردت عليه سامية موضحة:
-أنا كلمت خالو فعلا وهو مقالش حاجة قالي لما يقعد معاك وأهلك ساعتها يقدر يتكلم لكن دلوقتي ميقدرش يتكلم في حاجة بس يعني أنا متعشمة فيه خير أنه أن شاء الله بعد مقابلة أهلك الوضع هيكون أحسن وأنه يقدر يخليهم يغيروا رأيهم.
تمتم حمزة محاولا بث الطمأنينة فيها:
-ماشي يا حبيبتي أهم حاجة متقلقيش أنتِ بس وكل حاجة هتكون كويسة أنا هقفل دلوقتي علشان هبعتلك صور الشقة تشوفيها لو حابة تغيري فيها أي حاجة ألحق أعملها من دلوقتي، وطبعا نغير أوضة النوم وأي حاجة تانية تشوفيها مش عجباكي.
ردت عليه سامية بحرج:
-تمام، يلا على مهلك لما توصل الكافية ابعتلي ماسدج طمني عليك.
-تمام يا حبيبتي سلام..
-سلام
_____________
لم يكن الطريق متعب بالنسبة إلى ايناس بقدر السير وسط الحشود والألاف من الناس، حقًا تعبت غير أطفالها؛ لو كانت بمفردها كان الأمر هين.
هي تمسك بأطفالها بصعوبة تحديدًا جواد الذي يرغب دومِا في الركض غير رغبته في اللعب بالكتب التي يراها مرصوصة باحترافية.
قامت بشراء بعض الكتب الخاصة بالأطفال والانشطة الخاصة بهما مثل التلوين وغيره، قصص قصيرة لعلها تقوم بالقراءة لهما..
هي واقفة في أحد الأماكن المخصصة للانتظار..
تنتظر أن تأتي هدير وحور بعد ذهابهما لمقابلة أحد الكُتاب..
على باب القاعة...
وقفت حور بوجه غاضب وحزين جدًا، فغمغمت هدير بنبرة ساخرة:
-خلاص يا حور بلاش التكشيرة دي.
هتفت حور بانزعاج كبير:
-أنا بجد مضايقة أوي، كان نفسي اشوفه هو الوحيد اللي اشتريت له كتابه، واجي الاقيه مشي أصلا..
تمتمت هدير بنبرة متهكمة رغمًا عنها:
-والله شكل ما حد بيتابعه غيرك أصلا، ده أنا بخش الاقي الحاجات اللي عماله تعمليلها شير مش عليها خمسة لايك حتى، وأنتِ عماله تمجدي فيه وخلاص.
ردت حور بدفاع عن نفسها:
-يا ستي أنا جمهورة الوحيد ودايما بشوف بوستاته وهو قلقان أن محدش هيجي مع إني متأكدة بجد أنه في يوم من الأيام هيكون حاجة كبيرة صدقيني أنا بحب مقالاته وكتاباته أوي ودي أول رواية ليه.
هتفت هدير بعدها تركتها وتوجهت صوب القاعة:
-لا اصدقك ولا مصدقكيش، دي أختك إيناس هتعجنا بسبب التأخير ده..
سارت خلفها حور حتى وصلا إلى المكان التي تتواجد فيه إيناس التي هتفت متأففة بمجرد أن رأتهم:
-أنتِ فين أنتِ وهي كل ده؟!.
رفعت حور يدها بالكتاب الوحيد الذي يتواجد معها:
-كنت بجيب دي، وبعدين ما طبيعي نتأخر أنتِ شايفة المسافة بين كل صالة والتانية قد إيه..
صاحت إيناس مستنكرة وهي تشعر بالدوران:
-اخرسي كانت شورة مهببة ده أنا دوخت وصدعت ومفيش شبكة ومش عارفة اتصل بيكي تليفونك مش مجمع، أنا حاسة من كتر التعب مش هقدر أخرج لغايت البوابة برا علشان نركب ونروح.
تمتمت هدير مقترحة وهي تشير لها على بعض المقاعد المزدحمة ولكنها رُبما تحاول إيجاد مكان لها:
-ده أكيد علشان مكلتيش الصبح ولا فطرتي معانا، إيه رأيك تقعدي شوية كده نروح نجيب مياة وعصير وباتية لازم تأكلي حاجة..
فقدت إيناس الكثير من الوزن بسبب حالتها النفسية السيئة والمجهود الجسدي التي تقوم به يوميًا وهي من ترغم نفسها عليه..
مثل تنظيف المنزل بطريقة مريبة، وكأنها تجبر ذاتها على الانشغال حتى تجد عمل مناسب..
أردفت إيناس مترددة وبرفض كبير رغم شعورها بالاعياء وهي مازالت ممسكة بيد أطفالها، يد تمسك بها كف جواد واليد الأخرى تمسك بها كف جنى..
-البت حور قالت أن كل حاجة هنا غالية الطاق طاقين حتى ازازة المياة ياريتنا كنا جيبنا سندوتشات أو حاجة معانا..
ردت عليها هدير كاذبة بابتسامة واسعة:
-لا دي بتفتي كالعادة هي أغلى جنية او اتنين جنية بالكتير أوي، تعالى بس نقعدك ونروح نجيب حاجات من الكافتيريا اللي هناك دي..
وجدت إيناس مكان بصعوبة، جلست بين العديد من النساء...
كادت حور أن ترحل برفقة إيناس لكن قبل رحيلها ترك جواد يد والدته هاتفًا:
-هور خديني معاكي.
مازال ينطق حرف الحاء بصعوبة قليلًا، ومن دون تفكير وقبل أن يعقب أي شخص تركت جنى يد والدتها هي الأخرى:
-وأنا كمان..
صاحت إيناس مستنكرة:
-لا هتقعدوا أنتم الاتنين معايا الدنيا زحمة هتجروا منها.
قالت حور بنبرة حنونة وعطوفة وهي تنظر إليهما:
- همسكهم والله متقلقيش وهدير معانا أهي، اقعدي أنتِ ريحي خمسة من غيرهم كده.
في ذات الصالة....
لكن في جزء أخر منها كان جواد يقف يختار الكتب بعناية من أجل شقيقته التي تتواجد بجانبه، وخلفهما تقف منيرة.....
نسمة تعشق القراءة، القراءة بالنسبة لها هي العالم التي لا تستطيع أن تعيش فيه بـ حرية، هي المنفذ الوحيد لها....
المواساة الرائعة لها في جميع الأوقات، هي تقضي وقتها في القراءة أكثر مما تفعل في أي شيء أخر، ويحاول جواد بقدر المستطاع الاختيار معها كتب وروايات غير معقدة، بسيطة نوعًا ما...
هو يحب القراءة أيضًا يبدو أنه اكتسب تلك الصفة أيضًا من والده، لكن يومه ونمط حياته الروتيني المزدحم دومًا بالعمليات والجراحات لا تسمح له بممارسة تلك الهواية إلا قليلًا في بعض الليالي قبل النوم إذا لم يغلبه التعب والإرهاق..
هتفت منيرة بنبرة هادئة:
-مش ترتاحوا شوية بقا عمالين تلفوا طول اليوم.
كان مقصدها وصل إلى أذن جواد الذي هتف بنبرة هادئة:
-ممكن نطلع نقعد في أي حتة، وبعدين أنا حاسس إني محتاج اشرب قهوة وعطشان جدً..
ردت عليه نسمة بعفوية وكلمات متقطعة:
-طيب روح وهاتلي عصير معاك...أنا ومنيرة هنكمل...ولسه عايزة أروح تاني عند الدار اللي كنا فيها.
غمغم جواد بنبرة هادئة:
-طب تعالوا نقعد برا نشرب حاجة ونرجع.
قالت نسمة بعفوية:
-لا لو طلعنا برا..محدش فيكم هيدخلني تاني وهتكسلوا.
أردفت منيرة حتى تُنهي هذا الجدال:
-خلاص روح هاتلنا يا ابني حاجة نشربها واشرب قهوة وتعالى تاني، وبعدين أحنا هنحاسب هنا وهوديها مكان ما هي عاوزة.
تمتم جواد بنبرة جادة:
-ماشي بس ركزي مع موبايلك شوية ولو اتأخرت عليكم أو معرفتوش توصلوا ليا بسبب الشبكة اطلعوا برا وكلموني تمام؟!.
هزت نسمة رأسها بنبرة هادئة وهي تهتف:
-تمام.
رحل جواد وخرج من القاعة في المنطقة الخاصة بالاستراحة "البلازا" وكان على وشك أن يخرج تمامًا من القاعة لكنه شعر بالقلق من تركهما هذا الوقت...
لذلك بحث بعينه في المكان الذي يقف فيه، وجد مكان صغير هنا، من الممكن أن يحصل على قهوته منه لذلك كان هذا هو الحل المثالي.
اقترب جواد منه ووقف أنتظر الأشخاص التي تقف أمامه وقبله أن تنتهي من شراء ما تريده.
تقف هدير بجوار حور وكلًا منهما يمسك يد الصغار خوفًا وقلقًا من كلمات إيناس...
هتفت حور برفض واضح:
-لا هو يا الشيبسي يا العصير مع الباتية اختار حاجة يا جواد يا حبيبي مش فرح هو..
قالت هدير بحسن نية:
-خلصينا يا حور بقا قولتلك هدفع أنا وخلاص هتفرجي الناس علينا.
تمتمت حور بعدما تركت يده ورفعتها في وجه هدير:
-لا مفيش حاجة تدفعي أنتِ، هو النص بالنص، والمفروض ميجيبش كل اللي هو عايزه..إيه ده هو راح فين..
أستدارت لتجده يمسك الحلويات والمقرمشات واقفًا بجوار جواد الذي انحنى له هاتفًا وهو يصافحه:
-ازيك يا جواد؟!
رد عليه جواد الصغير بابتسامة هادئة:
-كويس، أنتَ عامل إيه؟!
ابتسم جواد له هاتفًا:
-أنا تمام وكويس جدًا إني شوفتك مش مصدق الصدفة الحلوة دي وبعدين أنتَ تايه تاني ولا إيه؟.
ثم رفع رأسه وهو ينتظر أن تأتي تلك الأم التي تصرخ وتذعر بشكل مخيف لكنه وجد حور وهدير يقتربا منه وبين يديهم فتاة صغيرة في عمر جواد..
نهض جواد وهو ينظر لهما، وكان الشبة واضح وكبير بين حور وبين تلك المرأة التي لا يعرف اسمها.
أردفت حور وهي تجذبه بلطفٍ رغم كل شيء متحدثة بنبرة أكدت إليه انطباعه عن تلك المرأة:
-سيبت ايدي ومشيت؟! ده أمك محلفاني لو مكنتش لقيتك كانت هتقتلنا..
قال جواد بنبرة جادة:
-واضح أن جواد متعود يقلقكم عليه دايما.
تحدثت حور بعدم فهم وهي تنظر له بعدما حملت الصغيرة وهدير امسكت بيد جواد جيدًا:
-هو حضرتك تعرفه منين؟! وعارف اسمه هو لحق يقولك؟!.
ضحك جواد وابتسم قليلًا وهو يخبرها:
-يعني معرفة قديمة شوية...
قاطع حديثهما صوت الشاب الذي يعمل في المكان:
-يا آنسة هتحاسبوا على الحاجة ولا لا؟!.
كان يشير صوب الأشياء التي يحملها الصغار أثناء حديثه وهنا أردف جواد بنبرة هادئة وهو يذهب ناحيته، يخرج بطاقته الائتمانية وأخذها الرجل منه أولا قبل أن تخرج هدير النقود من محفظتها:
-اتفضل شوف كام أنا هحاسب.
جاءت حور هاتفة:
-لا مينفعش طبعًا احنا هندفع.
تمتم جواد بنبرة هادئة ولطيفة نوعًا ما:
-دي حاجة بسيطة عشان جواد أنا مبسوط جدًا إني شوفته...
ثم أشار إلى الصغيرة وكأنه يسأل عن هويتها فأجابته الصغيرة بطلاقة عن شقيقها:
-أنا وجواد توينز.
أثناء حديثهما كان الرجل يقوم وضع المياة والعصائر في كيس بلاستيكي، وأعطاهم أياه..
أردفت هدير هنا:
-مش يلا؟!..
تمتمت حور بتردد كبير
-يلا إيه بس..
ثم وجهت حديثها صوب جواد هاتفة وهي بين يديها النقود:
-حضرتك مينفعش تدفع لو سمحت، والله إيناس لو عرفت مش هترحمنا.
تحدث جواد بنبرة خفيفة:
-هي مربية ليكم الرعب؟! دي حاجة بسيطة لجواد و...
-اسمك إيه؟!.
كان هذا السؤال الذي طرحه جواد على الصغيرة التي أجابته مبتسمة:
-اسمي جنى.
بعد وقت من المحاولات ومن رفض جواد الصريح أن يأخذ نقود منهما ذهبت حور وهدير برفقة الصغار إلى إيناس....
بمجرد أن أخبرتها حور بالأمر صرخت في وجهها رافضة قبولها الأمر كان يجب عليها ألا تأخذ شيئًا وأصرت أن تذهب نحو المكان لعلها تجده لكن عند ذهابها إلى هناك كان هو قد رحل من هذا المكان منذ وقت...
في الأتوبيس..
تجلس حور وهدير على المقعد وخلفها تجلس إيناس وأطفالها، كانت مازالت غاضبة إلى حدٍ كبير بعد جلوسها وقت أكثر مما تريد لعلها تصادفه لكنها لم تصادفه مرة أخرى، هنا تحدث حور بانزعاج:
-ما خلاص بقا يا إيناس ارحميني، خلاص غلطت مدام أنتِ شايفة إني غلطت، بس الراجل حب العيال وحب يجيب ليهم حاجة اعمل إيه أنا يعني؟!.
ثم أسترسلت حديثها بنبرة حالمة وشاعرية نوعَا ما:
-وبعدين عينه العسلي اللي منورة من تحت النضارة والساعة اللي لابسها مخلتنيش أعرف اتكلم..
ضربتها إيناس على كتفها لتتأوة حور مما جعل الأولى تصيح:
-اخرسي يا مهزقة، واحترمي نفسك.
هنا تحدثت هدير بنبرة عقلانية نوعًا ما:
-هي بس بتهزر لكنها والله عرضت عليه كتير وأنا كمان عرضت والراجل كان مُصر واسلوبه بصراحة بيخليكي تسكتي كده والعيال خدوا منه الحاجة مرضيوش يسيبوها.
صدع صوت هاتف حور لتخرجه من حقيبتها الجلدية، وجدت أحدى صديقاتها أو زميلاتها الغير مقربة منها تتصل بها وكان هذا شيء عجيب فأجابت:
-ألو.......
____________
في شقة بهية..
استيقظت ريناد من النوم أخيرًا، منذ أن أخذت إجازة منتصف العام وهي أصبحت تنام في الصباح وتستيقظ قُرب أذان المغرب...
امسكت بـ هاتفها أول شيء وهي مازالت مستلقية على الفراش، هي تغلق الإشعارات الخاصة بالتطبيق "التيك توك" كونها تنزعج من صوت الإشعارات الخاصة به، انشغلت الأيام الماضية بعدما كام بتنزيل مقاطعها هي وحور..
فتحت التطبيق لتجد كم مهوول من الإشعارات لم يسبق لها أن رأته من قبل، فتحت المقاطع لتجد أحدى مقاطعها مع حور قد تخطى الثلاثة مليون مشاهدة، كم غير منطقي من المشاركات والاعجابات والتعليقات.
الفصل الثاني والعشرون من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
"هل تعي ما معنى أن يخطو إليك، بكل ثقة، شخصٌ متردّد؟"
#مقتبسة
- إن أكبر الأخطاء هو أن تعتقد أن الحياة دائمًا ستمنحك الوقت الكافي لتصحح ما فعلته.
- دوستويفسكي 📚.
-أيظلُ المرء مجروحاً طوالَ عُمره؟
ألا توجد تدخُلات ، نِهايات ، بِدايات أُخرى؟
أي نجّاة من هّذا الطريق؟ . .
#مقتبسة
_____________
المكالمة التي وردت لها من أحدى زميلاتها جعلتها تشعر بالخوف الكبير والقلق..
بعدما انتهت المكالمة فتحت المحادثة بينها وبين صديقتها لتجد العديد من الروابط لصفحات كبيرة من حيث عدد المتابعين والتفاعل عليها بمختلف وسائل التواصل الاجتماعي قد قامت تلك الصفحات بمشاركة المقطع، حتى أن الفتاة نفسها أرسلت لها المقطع من حساب ريناد.
كان الأمر يسبب لها الرهبة..
الدهشة..
لا تستطيع أن تحدد شعورها في تلك اللحظة حتى أن شقيقتها رأت المقطع وكذلك هدير، كلاهما شعر بالصدمة بسبب هذا الكم من المشاهدات...
حسنًا الفيديو لا يعيبها في شيئًا لكن ماذا سيكون رأي دياب؟ طوال الطريق كانت تبكي ولا تتوقف رغم محاولات الجميع معها.
حينما وصلت إلى المنطقة برفقتهم توجهوا صوب البناية ثم صعدت على الدرج حتى وصلت إلى الطابق الخاص بـ شقة بهية فـ قرعت الجرس.
فتحت لها ريناد بوجه متوتر لكنها لم تكن تشعر بالخوف أو بمعنى أوضح الأمر بالنسبة لها كان عاديًا بل رُبما رغم توترها سبب لها السعادة بسبب انتشار حسابها وأصبحت فيديوهاتها رائجة.
جلس الجميع بالداخل في الشقة يحاول الجميع الوصول إلى حل..
تمتمت بهية بنبرة بسيطة لا تفهم تلك الأشياء جيدًا:
-طب ما تمسحي الفيديو يا بنتي.
أردفت هدير ترد بالنيابة عن ريناد الصامتة والتي لم تتحمل لوم حور الواضح لها منذ أن أتت:
-حتى لو مسحته يا طنط في النهاية الناس اللي عملت شير وخدت الفيديو عندها كم مش طبيعي، حتى لو مسحته هو بقى موجود في كل حتة تقريبًا.
هتفت حور بنبرة غاضبة وهي توجه حديثها صوب ريناد:
-كان المفروض تأخدي رأيي وتعرفيني؛ أنا عارفة اه أنك ساعات بتعملي فيديوهات ميكب بس مجاش في بالي أنك هتنزلي الفيديوهات دي قولت أخرها هتنزليها ستوري واتس وعدى عليها كتير أصلا، كان المفروض تسأليني الأول ده أنا حتى صوري مش بنزلها فيس.
أردفت إيناس مستنكرة عند تلك اللحظة وابنتها نائمة في أحضانها وجواد يجلس بجوارها صامتًا:
-كان المفروض أصلا متتصوريش على موبايل حد ولا عملتي كده دي غلطتك من الأول.
ابتلعت ريناد ريقها ثم حاولت الحديث أخيرًا لكن خرجت نبرتها بانزعاج كبير واعتذار لن يفِ بالغرض:
-مكنتش شايفة أن فيها مشكلة والفيديو عادي جدًا مفيهوش حاجة بالعكس الناس حبته وشافت أن دمنا خفيف أصلا مفيش حد قال كلمة وحشة، أنا أسفة بجد.
قالت حور بنبرة جادة:
-أسفة ولا مش أسفة بقا مش دي المشكلة، المشكلة في دياب لو شافه.
عند ذكر دياب هنا سرت بجسدها رعشة خفيفة وقلق طفيف مما هو قادم...
ليتها لم تفعلها بحماقتها، ليتها لم تقوم بنشر أي شيء يخص شخص أخر في حسابها، تحديدًا لو كان هذا الشخص له شقيق مثله.
تمتمت هدير بنبرة جادة:
-هو يومين أكيد وهيرجع يختفي مش هيفضل علطول تريند يعني ودياب أعتقد مش هيكون مهتم بالسوشيال أوي يمكن ميشفهوش وريناد برضو تمسحه.
هتفت إيناس معقبة على حديث هدير:
-دياب فعلا مش بيمسك ويفتح فيس إلا قليل أوي بس يعني خايفة تيجي على حظها ويشوفه.
أردفت حور هنا وهي ترغب في تحمل عواقب أفعالها بأنها قامت بعمل مقاطع معها من الأساس:
-دياب هيشوفه هيشوفه، مدام زمايلي وأغلب الناس شافته وارد جدًا أنه يظهر ليه وأنا لازم أعرفه قبل ما يعرف من برا واللي يحصل يحصل.
قالت بهية بانزعاج شديد:
-ادي أخرة اللي خدناه من القرف والفيديوهات ده..
______________
صورة إلى أرجيلته كتب فوقها على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي..
"اعتبروا أن في شريطة سوداء فوقها علشان ابني سلامة حبيبي في الشغل وأنا مبعرفش في الحاجات دي، وحشتيني يا كريمة فراقك صعب عليا يا حبيبتي".
كان أكثر التعليقات تأثرًا هو جابر الذي أخذ يواسيه في التعليقات...
ترك زهران الهاتف وأخذ يرمق الأرجيلات الموجودة أمامه والتي تخطت العشر.
تمتم الصبي بنبرة هادئة:
-متزعلش نفسك يا عم زهران، حقك عليا اديني جيبتلك كام شيشة اختار اللي عايزها منهم كلهم جداد.
نظر زهران لهم هاتفًا بتأثر واضح ومبالغ فيه:
-ما أنا بشرب من غيرها لما بكون برا البيت لو ماخدتهاش معايا، لكن كريمة غير والله، لو مخنوق هي اللي تسمعني، لو مضايق هي اللي بتسمعني لو فرحان هي اللي بتشاركني فرحتي، بقالها سنين معايا دي بتسمعني وبتتحملني أكتر من عيالي وأكتر من أي ست اتجوزتها.
ابتلع ريقه وعاد يشرح له والصبي يسمعه بإنصات واهتمام:
-بالك أنتَ لو مخنوق ومش طايق نفسك محدش يتحمل منك نفخة ولا اتنين ولا أنك تطلع غلك فيه لكن هي استحملت مني كتير أوي الغالية.
حينما فُتح باب الشقة مُعلنًا عن دخول نضال تحدث زهران بغضب واضح:
-منه لله اللي كان السبب، قلبي غضبان عليه.
تمتم نضال بانزعاج حينما أغلق الباب خلفه ووجد هذا الكم الكبير من الأرجيلات أمامه:
-إيه ده؟!
ثم تحدث بنبرة متأففة:
-وإيه اللي أنتَ كاتبه على الفيس بوك ده..
صاح زهران مستنكرًا:
-وأنتَ مالك هو فيسبوكي ولا فيسبوكك، أنا اكتب اللي يعجبني وقت ما يعجبني الفيس بتاعي والموبايل بتاعي وبفلوسي، وبعدين لسانك ميخاطبش لساني أنتَ سامع!..
ثم وجه حديثه إلى الصبي التي لم تكن مرته الأولى الذي يأتي فيها إلى الشقة:
-روح اعملي حجر يا ابني أنتَ عارف الطريق دماغي هتتفرتك.
هز الصبي رأسه موافقًا ثم غمغم:
-حاضر يا معلم زهران..
أنهى حديثه ثم توجه صوب المطبخ حتى يغسل الأرجيلة ويقوم بإشعال الفحم.
لم يتحدث نضال هذا ما جعل زهران يهتف غاضبًا:
-مش قولتلك لسانك ميخاطبش لساني ولا هو جر شكل وخلاص؟.
غمغم نضال بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-أنا مفتحتش بوقي أساسًا!.
سأله زهران متجاهلًا ما يسمعه:
-اخوك قالي أن شكلك اتخانقت مع البت امبارح؟ ليه كده يا ابني يوم كتب كتابك بدل ما يكون ذكرى حلوة ويوم حلو تفتكروه تنكد عليها فيه؟.
أسترسل زهران حديثه بألم نفسي واضح:
-ونكدت عليا أنا كمان الله يسامحك يا ابني.
تمتم نضال بنبرة مغتاظة:
-قال يعني هي اللي بير فرفشة، دي لما بتصدق تطلع كلام غريب وتعترض على أي حاجة، كأن سلمى اللي كنا بنشوفها قبل ما اخطبها حاجة ودلوقتي سلمى تانية أصلا.
ما أعجب زهران وراق له بشدة أنه حتى الآن لم يُصرح نضال بأنه غاضب من أجل عقد القرآن!!
هذا شيء مُريب وعجيب في الوقت ذاته!!
هل رق قلب ابنه قليلًا؟!.
أم فقد الأمل بأن يعلق على أفعالهم..
لا يعرف زهران لكنه يجد أن هذا الأمر خيرًا بكل تأكيد...
هتف زهران بنبرة هادئة:
-أنتَ اللي في ايدك تطلع من الست اللي قدامك أنثى.
قاطعه نضال بنبرة مشتعلة:
-ابوس بلاش النصائح اللي ملهاش لازمة والمُريبة دي، علشان أنا مش ناسي اللي أنتَ عملته أنتَ وأستاذ دياب.
أتت اللحظة التي ازعجت زهران الذي تمتم منفجرًا فيه:
-عملنا إيه يعني؟، وبعدين مش عايز تتجوز ليه؟! البت حلوة ومحترمة ومؤدبة، ده وأنا في سنك كنت مخلفك أنتَ واخوك..
رد نضال عليه بنبرة غاضبة بعض الشيء:
-أنتَ السبب في الموضوع ده كله، ماشي حلوة ومؤدبة وفيها كل الصفات الحلوة، بس أنتَ اللي عمال تأخد خطوات مش أنا لدرجة انك مسيبتش حاجة اعملها، وبعدين سلمى غريبة شوية في منها جانب غريب.
عقب زهران على حديثه بثقة وجدية:
-كل النسوان غريبة يا حبيبي، والراجل الصح هو اللي بيفهم ويريح أسالني أنا خبرة عنك، وبعدين أنا سايب ليك خطوة الفرح انا لو عليا كنت عايز ادخلكم مع سلامة وجهاد، والله لو كان ينفع كنت عملتها والشقة افرشها من أولها لأخرها في ظرف ثلاث أيام.
تمتم نضال بامتنان كاذب:
-كتر خيرك والله، مش عارف اودي جمايلك دي فين بس؟!!!!!!!.
انقلب وجه زهران فجأة متحدثًا وهو ينظر للناحية الأخرى:
-متتكلمش معايا كل ما افتكر منظر كريمة وهي مكسورة قلبي بيوجعني أنا مش هاين عليا ارميها وهي مكسورة قلبك طاوعك أنتَ؟!.
هتف نضال بنفاذ صبر:
-أرجوك أنا على أخرى كفايا مبالغة وأفورة بقا.
-صح معاك حق أنا بكلم واحد مشاعره ميتة هيفهم علاقتي بكريمة ازاي يعني؟!.
فُتح باب المنزل وبعد دقائق كان سلامة يحاول فيهم حمل الأشياء، دخل وهو يحمل كيس بلاستيكي وصندوق كرتوني.
أردف سلامة بنبرة هادئة بعدما وضعهما أرضًا وأمسك الكيس البلاستيكي:
-ولا تزعل نفسك ولا تعكنن نفسك يا معلم زهران أقدملك كريمة نامبر تو ولازم تو.
أنهى حديثه مخرجًا الأرجيلة من الكيس البلاستيكي..
أشار زهران له بفرحة وهو ينظر إلى نضال:
-اهو ده ابن عمري اللي مقدر ابوه، واللي هيجيب حفيد لابوه كلها كام يوم.
تمتم نضال ساخرًا:
-ليه هيجيبه اونلاين علشان يوصل كمان كام يوم؟!.
لم يعقب زهران على حديثه بل نهض وأخذ يحمل الأرجيلة بين يديه يحاول تقييمها، ثم سأل سلامة بنبرة هادئة وهو يشير صوب الصندوق الكرتوني:
-هو البتاع ده فيه إيه؟!
تحدث سلامة بعدم فهم وهو يخبره:
-ازاي متعرفش؟! ده الاوردر باسم المعلم زهران وبين قوسين زهورة ومدفوع حقه.
ترك زهران الأرجيلة ثم توجه صوب الصندوق يفتحه باستغراب فهو لم يطلب شيئًا من الأساس..
وجد أرجيلة مغلفة جيدًا وأنيقة ومعها ورقة مدون عليها..
"إلى صديق عُمري:
عارف أنك زعلان ولسة في حداد على كريمة، بس معلش هي الدنيا كدة يوم ليك ويوم عليك..
وعشان كدة مهنش عليا أسيبك وحيد من غير لا أنيس ولا ونيس فحبيت أهديك هدية عارف أنها الأحب والأقرب إلى قلبك.....
وآه قبل ما انسى أرجو منك تسميتها أصيلة لأني لازلت اتذكر جيدًا حيرتك الشديدة في انتقاء الاسم وطالما الأولى كانت كريمة فلتكون تلك الأصيلة......
وبالنهاية أرجو أن تنال إعجابك يا صديقي.."
إمضاء صاحب عُمرك جابـر سلطان على سنح ورمح.
تمتم زهران بابتسامة واسعة وهو يخبر نضال:
-صاحب عمري وابن عمري اللي مفرحيني ومقدرني وحاسيين بيا مش زي ناس، مدام التانية بقا اسمها كريمة نامبر تو، دي هسميها أصيلة علشان أصالة صاحب عمري والله ما أكسر له كلمة.
صاح نضال مستنكرًا في الوقت الذي جاء فيه الصبي وهو يحمل الفحم في أحدى الأشياء المخصصة له:
-هو احنا كنا لاحقين على دماغك مع واحدة لما نلحقها مع اتنين..
تمتم سلامة بنبرة جادة لا تناسب الموقف تمامًا:
-ده العوض.
ثم تحدث برجاء حقيقي:
-بقولكم إيه أنا فرحي بعد ثلاث أيام مش عايز لا نكد ولا غيره مهما كان السبب هحله.
غمغم نضال بتهكم:
-حالو يا حالو أنا ماشي نازل تاني أحسن.
___________
بعد مرور ساعة تقريبًا..
جائزة الفتاة المثالية في الحماقة تذهب إلى حور كان هذا رد ايناس وهي تستمع إلى حديث حور مع دياب عبر الهاتف بعدما أرسلت له المقطع من حساب ريناد وهي تقوم بإخباره بالأمر بنفسها هو لم يكن لديه علم وكان مشغولًا في عمله..
-وأنتِ تتنيلي على عينك تتصوري على تليفون واحدة غريبة منعرفهاش إلا من كام اسبوع ليه؟! وتعملي فيديوهات ليه معاها وسايبة مذاكرتك، قسما بالله يا حور لاوريكي أنا جاي..
أغلق المكالمة في وجه شقيقته دون أن يستمع المزيد، جاء نضال على صوته هاتفًا فهو حتى الآن لو يعاتبه على ما فعله به:
-مالك يا دياب بتزعق ليه كده؟!..
تمتم دياب بنبرة غاضبة:
-كده هقولك بعدين أنا لازم امشي دلوقتي مروح البيت اقعد بدالي بس خد الاوردرات أقل من ساعة وجاي.
رد نضال عليه بنبرة قلقة ومهتمة:
-ماشي مفيش مشكلة، بس في حاجة حصلت؟! أمك واخواتك كويسين؟!
هز دياب رأسه بإيجاب ثم رحل بسرعة البرق دون النطق بكلمة واحدة متوجهًا صوب المنزل شاعرًا بأنه على وشك الانفجار لا يدري هل كان يسير أم يركض؟!.
لا يعرف لكنه في بضعة دقائق كان يصعد على الدرج مر على الطابق الأول بعده الطابق الثاني توجه صوب شقة بهية وأخذ يقرع الجرس ويطرق الباب بيده في الوقت ذاته بقوة كبيرة وعصبية واضحة توضح أن الطارق لا يأتي حاملًا نية طيبة.
العــاصــفــة..
بـــــدأت للتو..
فتحت ريناد له الباب بيد مرتجفة كانت تعرف بأنه هو الطارق من طريقته ولأنها رأته عبر "العين السحرية" المتواجدة في الباب؛ تلك الدائرة الصغيرة التي تسمح لك برؤية من يتواجد في الخارج.
تمتم دياب بنبرة صارخة وهو ينظر لها بطريقة أربكتها:
-أنتِ ازاي تنزلي فيديو لاختي؟!.
قاطعته ريناد بنبرة متوترة:
-أستنى بس أنا هفهمك.
صرخ دياب في وجهها بنبرة تسببت في أن تهبط دموعها دون أن تسيطر عليها:
-ولا تفهميني ولا غيره بأي حق تنزلي فيديو لاختي؟! ومن غير ما تعرف؛ من غير ما تكلفي نفسك حتى تأخدي رأيها.
تمتمت ريناد بعذر أقبح من ذنب بالنسبة له:
- أنا مكنتش أعرف أنه هيتشاف بالطريقة دي.
صاح دياب بغضب جامح:
-هي دي كل مشكلتك؟! احنا مش زيك ولا شبهك ومش معنى أن اختي كلمتك وبتقعد معاكي وارتاحت ليكي واتنيلت عملت معاكي وفت فيديوهات على أساس أن محدش هيشوفها تروحي منزلاها لكل الناس تشوفها، مفرقتش واحد غريب يشوفها ولا مليون بالنسبالي، وتقوليلي عادي في الأخر؟!..
جاءت بهية من الداخل وهي تسير بخطوات بطيئة هاتفة:
-استني بس يا ابني هي مكنتش تقصد.
تمتم دياب بنبرة غاضبة وهو يتجاهل حديث بهية لأول مرة:
-الفيديو يتمسح أنتِ سامعة؟! هو والفيديوهات التانية تتمسح من أي حتة نزلتيها وتتمسح من موبايلك وأختي مش هتنزل تقعد معاكي تاني ولا لسانها يخاطب لسانك، لو أنتِ جاية تغيري جو لمدة يومين هنا يبقة مع نفسك واتقي شري وابعدي عن أي حد يخصني أنتِ سامعة؟!.
هزت ريناد رأسها بإيجاب رغمًا عنها وهي تشعر بالخوف والحرج الكبير ولم تجد حتى كلمات قد تستخدمها أمام ثورتها، هي ليست معتادة على التوبيخ أو الصوت العالي!!!!
لم تواجهه إلا مرة واحدة فقط حينما حدث ما حدث وتلقت هذا العقاب، لكن الأمر كان من والدها لا من رجل غريب...
تركهما دياب وصعد على الدرج متوجهًا صوب شقة عائلته متجاهلًا نداء بهية ثم أخرج ميدالية مفاتيحه وولج إلى الشقة صافعًا الباب خلفه.
"داخـــل الشــقــة"
أقتربت منه والدته التي كانت ترتدي خِمارها المنزلي حتى تهبط بسبب صراخاته التي سمعتها من داخل شقتها.
تمتم دياب ولم يعطِ فرصة لوالدته للحديث:
-هي فين؟! بنتك فين والله لاربيها من أول وجديد أنا طالع عيني علشان فلوس دروسها وعلشان المصاريف وهي رايحة تعمل ليا فيديوهات ومصر كلها تشوفها والله ما حد هيوحشني عنها..
هتفت حسنية بنبرة جادة وهي تضع يدها على كتفه المشتغل كجسده كله وجهه الأحمر الغاضب:
-اختك جوا مع إيناس ومع عيال أختك، متعملش مشاكل ولا خناقة يا ابني الله يرضى عليك البت مكنتش تعرف...
تحدث دياب بانفجار حقيقي:
-مكنتش تعرف اه، كام مرة نبهت عليها حتى متتصورش على موبايل حد حتى لو كانت تعرفه واهي واحدة متعرفهاش تروح تعمل معاها فيديوهات وملايين يشوفها؛ أنتِ فاكرة إني هسيبها ده أنا هطحنها وهكسر عضمها..
ردت عليه والدته بهدوء وثبات:
-أنا لسه مموتش يا دياب علشان تمد ايدك على أختك وأنا على وش الدنيا، أبوك مات لكن أنا لسه عايشة، استعيذ من الشيطان وانزل روح شغلك أختك غلطت اه بس برضو مكنش ذنبها، خلينا نتكلم وقت تاني، متتعبنيش يا ابني ولا تقهرني في عز مرضي أنكم تتخانقوا قدامي.
هنا لم يتوقف غضبه...
لكنه ألتزم الصمت رغمًا عنه تاركًا المنزل بأكمله......
انعقد لسانه بسبب كلمات والدته...
حتى غضبه أنصاع إلى كلماتها ورجائها الحقيقي...
داخــل شقة بهية..
كانت ريناد تشهق وتبكي بقوة بين أحضان بهية التي حاولت مواساتها قدر المستطاع متمتمة:
-أنتِ غلطتي يا ريناد اللي بالنسبالك عادي يا بنتي بالنسبة للناس مش كده حتى لو كانت نيتك كويسة ومفيهاش حاجة، اما هو انفجر الضغط النفسي اللي فيه مش شوية، بالنسبة لراجل زي دياب ملايين تشوف اخته الصغيرة مش حاجة سهلة ومن غير ما تكون عارفة كمان، اللي حصل ده لازم يعلمك حاجات كتير أوي.
____________
في اليوم التالي..
تجلس سلمى على الأريكة في منزلها بشرود كبير كحالتها منذ أن عقد قرأنها، خالها لا يتواجد في المنزل هو يقوم بزيارة معارفة طوال اليوم تقريبًا لا يأتي إلا في الليل، أما شقيقتها كانت في العمل تقضي يومها الأخير فيه وغدًا ليلة الحناء وبعدها الزفاف..
جاءت والدتها من الداخل ثم جلست على أحد المقاعد هاتفة بقلق من أحوال ابنتها:
-مالك يا سلمى؟!.
انتبهت لها سلمى ثم اعتدلت في جلستها مغمغمة:
-مالي يعني؟! ما أنا كويسة اهو.
تمتمت يسرا بنبرة ذات معنى وهي تناظرها:
-لا مش كويسة أنتِ من يوم كتب كتابك وأنتِ مش طبيعية أصلا، وكأن في حد غاصبك، خالك قال أنك وافقتي، وأكيد مكنتيش مغصوبة لأن دي مفيهاش إحراج لو كنا قولنا أنك مش عايزة كتب كتاب دلوقتي.
هتفت سلمى محاولة قول أي شيء:
-هو أنا قولتلك إني مغصوبة يعني؟.
قالت يسرا بنبرة بينة وجادة:
-مقولتيش حاجة اه بس تصرفاتك غريبة، وأصلا أنا مش عارفة ازاي توافقي، ومدام عايزة توافقي اتخانقتي مع نضال ليه لما خرجتوا ومن ساعتها وأنتِ في دنيا تانية.
تمتمت سلمى بنبرة مختنقة:
-وافقت اه بس ده مش معناه يعني إننا مش هنختلف ومش هنتخانق ده شيء وارد بين أي اتنين.
هتفت يسرا بعدم فهم:
-طب بلاش وافقتي ليه أنتِ حرة، إيه اللي خلاكي تتخانقي معاه وأنتم خارجين مع بعض؟!.
كزت سلمى على أسنانها هاتفة بانزعاج واضح:
-بنتك خيالها درامي شوية احنا متخانقناش يعني، عادي شدينا في الكلام شوية يمكن، خليها بس تخليها في حالها وتبطل تبقى فتانة.
ثم حاولت سلمى تغيير الموضوع متمتمة:
-ما علينا من ده كله أنا شوية ونازلة.
سألتها والدتها باستغراب:
-نازلة رايحة فين؟!.
هتفت سلمى موضحة مكان ذهابها:
-جيم تاني عندي فيه انترفيو ما أنا اكيد مش هفضل قاعدة في البيت أكتر من كده وهما لسه محلوش مشكلتهم.
تمتمت يسرا بهدوء:
-ربنا معاكي ويوفقك يا حبيبتي.
صمتت يسرا لبضعة ثواني ثم أردفت:
-قولتي لـ نضال؟!.
تغيرت ملامح سلمى تمامًا وهي تسألها باستنكار شديد:
-وأنا اقوله ليه هو ماله؟.
تحدثت يسرا متعجبة:
-هو إيه اللي تقوليله ليه؟ أنتِ عبيطة ولا إيه؟ ده مبقاش خطيبك وبس ده بقى جوزك ولازم تعرفيه طبعًا أنتِ رايحة فين وجاية منين حتى لو في بيت أهلك.
لوت سلمى شفتيها بـتهكم ثم غمغمت قبل أن ترحل متوجهة صوب غرفتها:
-أه ده اللي ناقص كمان، لا وعلى إيه أنا مش رايحة في حتة خالص.
بعد مرور نصف ساعة..
الهاتف بين يديها ترغب في الحديث والاتصال معه، لكنها تمنع ذاتها بصعوبة بالغة، تسيطر على نفسها حتى لا تطلب منه إذن!
هل تطلب إذن من رجل؟!..
لن تستطع الذهاب رغم أنها سوف تكون فرصة جيدة لها..
وها هي سوف تفقدها بسبب عِنادها.
اهتز الهاتف بين يديها لتشعر بالصدمة وهي تجد أن المتصل هو نضال!!!
هل قرأ أفكارها؟!
أخذت نفس طويل..
شــهيــق.
زفــيــر..
ثم أجابت:
-ألو.
سمعت صوته الهادئ نوعًا ما:
-الو، ازيك يا سلمى عاملة إيه؟.
ردت سلمى عليه بنبرة جادة نوعًا ما:
-الحمدلله أنا كويسة وفي أفضل حال.
لم تجد منه رد فقالت مرغمة أو راغبة في معرفة حاله:
-وأنتَ عامل إيه؟!.
سمعت صوته هاتفًا:
-الحمدلله.
أسترسل نضال حديثه لا يرغب في أن تصبح تلك الليلة ذكرى سيئة بينهما، حسنًا هو مازال عند رأيه بأنه لا يرغب في أن يكون أسلوبها حادًا أو جافًا بهذا الشكل لكن في الوقت ذاته شعر بالذنب الطفيف من أن يكون بالغ في ردة فعله كما بالغت هي:
-عمومًا أنا كنت حابب أنك متزعليش مني بسبب اللي حصل احنا الاتنين أسلوبنا مكنش حلو مع بعض علشان كده اتصلت بيكي علشان متبقيش شايلة مني.
قالت سلمى معترفة رغمًا عن أنفها:
-وأنا برضو أسلوبي فعلا كان وحش وأسفة، حصل خير.
رُبما مرت في أذنيه كلمة أسفة بطريقة عادية لكنه لا يعلم بأنها كبيرة عليها...
كبيرة أن تنطقها سـلـمـى...
لكنها فعلت من أجــلــه...
كرر نضال كلماتها الأخيرة:
-حصل خير.
ثم سألها بعفوية:
-بتعملي إيه كده؟!.
ردت عليه كأنها تخبره لا تطلب إذن:
- ولا حاجة بس احتمال كمان شوية اروح انترفيو في جيم تاني.
لا يدري لما رغمًا عنه شعر بأنها لم تكن عفوية بل ترغب في أن يعرف، عقب نضال بنبرة لطيفة:
-كويس ربنا يوفقك، هو أنتِ كنتي كده كده رايحة؟!.
قالت سلمى كاذبة:
-لا لسه بفكر يعني لأن صاحبته قالتلي أنها موجودة النهاردة وكنت هقولك يعني.
تمتم نضال بنبرة هادئة:
-لو رايحة هتروحي على الساعة كام أوصلك..
غمغمت سلمى بتردد:
-لا شكرًا ملهوش لزوم تتعب نفسك ولا تتعطل أصلا المكان مش بعيد.
-قوليلي هتروحي امته وأنا هوصلك، أنا قاعد مش بعمل حاجة ولا في حاجة هتتعطل...
_____________
بعدما انتهت المكالمة بينه وبين سلمى كان مازال جالسًا على الأريكة.....
بعدما تناول الطعام مع شقيقه ووالده الذي أتى من الخارج حديثًا...
ينتظر نضال بضعة دقائق ثم سوف ينهض حتى يأخذ حمام ويبدل ملابسه لـيهبط ويقوم بتوصيلها.
هتف سلامة بنبرة غاضبة مقاطعًا اندماج زهران مع أرجيلته الجديدة "كريمة نامبر تو" كما قاطع شرود نضال:
-ما تتصل بـ سلمى وأحكم عليها تبعت ليا الصور بعتلها ألف مرة فيس وواتس مش بترد، دلوقتي أنتَ جوزها كلمها وقولها اشكمها كده.
سأله نضال بعدم فهم:
-تبعتلك صور إيه؟!.
رد سلامة ساخرًا:
-هتكون صور إيه يعني؟! صور كتب الكتاب كلها على تليفونها وتليفون اللي اسمها ميار دي.
غمغم نضال تحت مراقبة زهران لهما:
-طب وأنا مالي؟! ما تقول لجهاد تقولها ودنك منين يا جحا.
تحدث سلامة بنبرة ساخرة:
-الحق عليا يعني إني بديك فرصة تخش تكلمها في أي حاجة بدل العلاقة الصامتة دي وعلى الأقل تفتح معاها سكة بدل ما أنتم متخانقين كده.
قال نضال بـتعجب حقيقي:
-والله أنا مش عارف ليه بتتعاملوا معايا إني اخرس واعمى واطرش ومشلول وأنتَ وأبوك قايمين بـكل الأدوار في العلاقة.
صاح هنا زهران رافضًا هذا الوصف:
-أبوه ماله دلوقتي؟! ما أنا في حالي وكافي غيري شري متجيبش سيرتي بقا.
تمتم نضال بنبرة متهكمة وهو ينظر لهما:
-صحيح أنتَ مبتعملش حاجة حقك عليا أصل أنا ابن عاق وظالم.
هتف زهران بجدية بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-اهو هنعمل إيه بقا غير إني ادعيلك في كل صلاة ربنا يهديك، مهوا في النهاية أنتَ ابني.
هتف سلامة معقبًا بنبرة ذات معنى:
-صحيح وأنا ببعت لسلمى على الماسنجر لقيتها لغايت دلوقتي لسه عاملة نفسها سنجل على الفيس بوك.
وجد والده يعقد حاجبيه فأردف سلامة موضحًا:
-عزباء يعني يا بابا، حتى في الخطوبة منزلتش حاجة هي مش من النوع اللي بينزل بس برضو.
قال زهران متعجبًا وهو يشعل النيران في قلب ابنه:
-مهوا طبيعي كل يوم والتاني عريس مدام البت سنجل وابني خيال مآته.
كاد نضال أن يتحدث ويرد على والده لكن سبقه سلامة وهو يطرح عليه سؤالًا:
-هو أنتَ عندها على الفيس يا نضال؟!.
رد نضال عليه بعفوية شديدة ومن دون تفكير:
-بعتلها تقريبًا أدد ولسه مقبلتهوش.
شهق سلامة ونهض من مكانه هاتفًا بثورة:
-ازاي لغايت دلوقتي متقبلكش؟! أنتَ شكلك مش مسيطر ده أنا لما قولت للبت جهاد أنا بحبك وجاي اخطبك كانت كتبت على الفيس بوك أنها في relationship، علشان أنا أسد وعلشان أنا مسيطر..
أثناء كلماته الأخيرة كان يقوم بعمل بعض الحركات الخاصة بـالملاكمين والرياضيين، يستعرض عضلات غير موجودة أساسًا..
تمتم نضال بنبرة جادة:
-اقعد بس كده علشان منعلقش ليك محاليل قبل الفرح، سبحان الله بتأكل ولا يبان عليك حاجة.
أنهى حديثه ونهض من الأريكة رغم أن كلماتهم علقت في ذهنه إلا أنه تصنع عكس ذلك..
قال نضال بنبرة هادئة:
-أنا هخش أخد دش والبس وأنزل.
هتف زهران معقبًا باهتمام:
-رايح فين؟!.
هز نضال رأسه نافيًا وهو يخبرهما قبل رحيله:
- رايح أوصل سلمى مشوار..
أنهى حديثه ثم رحل و هنا غمغم زهران بعدم تصديق، وهو مازال يراقب طيفه:
-سمعت اللي سمعته يا واد يا سلامة؟.
عقب سلامة على حديث والده بعدم استيعاب هو الأخر:
-سمعت بس؟! إلا سمعت يا بابا ده الكلام خرم ودني.
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا.
بداخل حجرة نضال كان يقوم بوضع عطره المفضل بعدما صفف خصلاته وأرتدى ملابسه، نما إلى سمعه صوت هاتفه يعلن عن اتصال من سلمى...
أجاب عليها هاتفًا:
-ألو يا سلمى، خلصتي؟!.
جاءه صوتها الهادئ نوعًا ما وهي تجيب على سؤاله:
-أنا خلصت اه بس حصل ظرف هناك ومش هتعرف تقابلني، والموضوع اتأجل يعني هروح بعد فرح جهاد بقا أنا قولت أقولك.
هتف نضال بنبرة محبطة بعض الشيء لأنه برغم غيظه الشديد بسببها كان يرغب في رؤيتها شيء بداخله كان يريد هذا ولا يعلم لما حتى هو متعجب من الأمر لم تعد سامية لها مكان في عقله أو يومه حتى تفكيره هذا شيء عجيب تمامًا، أصبح ذكرها أمامه أمر لا يزعجه ولا يصيبه بأي شيء:
-حصل خير كل تأخيرة وفيها خيرة ان شاء الله.
-ان شاء الله معلش ازعجتك على الفاضي.
رد عليها بنبرة جادة:
-لا مفيش ازعاج ولا حاجة..
شعر بأن الحديث انتهى وكأنها على وشك أن تلقي التحية وتغلق المكالمة لكنه أخبرها بنبرة هادئة:
-صحيح أنا بعتلك أدد على الفيس من كام يوم من بعد الخطوبة ولسه مقبلتهوش يعني؟!
رأت حسابه الشخصي وعلمت بأنه أرسل لها طلب صداقة بل كانت يوميًا تشاهد صوره وهي تحرص بألا تضغط على أي شيء قد يظهر له...
لكنها كانت متردده في قبوله...
هتفت سلمى بنبرة كاذبة:
-مشوفتش بس حاضر هشوفه واقبله.
تذكر نضال هنا تعقيب والده الساخر بأنه يأتي لها رجال ويطلبون يدها بسبب حالتها الاجتماعية على الفيس بوك وبالرغم من تعقيب والده العبثي إلا أنه أخبرها:
-اه اقبليه علشان ابقى اعملك تاج واغير إني سنجل على الفيس.
اندهشت سلمى من طلبه الذي اسعدها وفي نفس الوقت ازعجها هل هو يرغب في مضايقة سامية بها؟!
لا تعلم لما أتى في عقلها هذا الظن..
لكنها في النهاية قالت قبل أن تُنهي المكالمة:
-ماشي، يلا سلام.
-سلام..
هكذا انتهت المكالمة وأخذ نضال ينظر إلى هيئته هو استعد وكذلك هي كما أخبرته لما لم يعرض عليها أن يقابلها ويذهبا معًا إلى أي مقهى؟!..
اندهش من أنه يفكر بتلك الطريقة وعقد حاجبيه..
هناك أشياء كثيرة تحدث له كحسوسة لكنها غير مفهومة ولا تخضع لقوانين المنطق أبدًا...
_______________
ليلة الحــنــة
وغدًا يـــوم الــزفــاف..
قام زهران بـ عمل احتفال كبير في شارع خطاب بأكمله من بدايته إلى نهايته، بل قام بذبح ثلاثة عجول وقام بتوزيعهم على الجميع من أجل حفل زفاف ولده، غير الأطعمة التي سوف تأتي من المطعم الخاص به من أجل العشاء...
امتلأ الشارع بالفراشة المختلفة والكثير من الطاولات والإضاءة، لم يكن لديه فرحة قد تكون أفضل من زواج ابنه...
كان زهران سعيدًا جدًا، ويقوم بنفسه بالإشراف على وصول المشروبات لجميع معارفه....
بينما سلامة يقوم بالرقص مع أصدقاءه وجيرانه رغم عدم حبه للافراح أو الاحتفالات التي تتواجد في الشارع لكنه انطلق وعاش سعادته وفقًا لما رغب فيه والده.
كان نضال يقف مع دياب في أحد الأركان، هتف الثاني:
-اللي يشوف أخوك وهو عمال يرقص مع المزمار والطبل اللي أبوك جايبه ميشفهوش وهو أول امبارح بيعارض الفكرة ويقوم بيئة.
ضحك نضال رغمًا عنه مغمغمًا:
-ده سلامة يعني مش غريبة عليه بيتكيف على أي وضع، رايح مع الرايحين وراجع مع الراجعين..
الجدير بالذكر أن نضال لم يعاتب دياب على الأمر لا يدري ما السبب هل لأنه ليس السبب الوحيد، أم أن الوقت لم يكفي للعتاب تحديدًا لما حدث له وهو انتشار فيديو إلى شقيقته.
وأخيرًا أتت الفرصة للحديث عن الأمر بالنسبة إلى دياب...
أردف دياب بتردد واعتذار طفيف:
-حقك عليا لو كنت السبب في اللي حصل وأنك كتبت الكتاب وكده.
رد نضال عليه بنبرة غريبة بالنسبة إلى دياب لم يفهم ماهيتها:
-مش فارقة كده كده أبويا كان هيقولها لو أنتَ مقولتهاش.
تحدث دياب بنبرة ساخرة:
-والحق يتقال أنا اتعاقبت عمومًا بسفريتي مع عم زهران وصاحبه، دول كانوا هينزلوني على الطريق الصحراوي يا عم والتاني ماشي من غير رخصة ولا بطاقة ده أحنا لو كنا وقفنا في كمين مكنش هيحصل كويس.
ضحك نضال مغمغمًا:
-هي أبدان بتتسلط على أبدان، المهم سيبك مني عامل إيه في البيت معاهم؟!.
تخشبت ملامح دياب متمتمًا بضيقٍ:
-مش بتكلم مع حد بروح أنام واصحى اروح الشغل من ساعتها ولا بأكل حتى وكل ما حد يحاول يكلمني بقفل في الكلام..
تمتم نضال بنبرة عقلانية:
-مش حاسس أنك ممكن تكون بالغت في الموضوع شوية؟!..
رد دياب عليه بانزعاج واضح:
-نضال بلاش تقفلني أنا مش طايق نفسي وبلاش نتكلم فيه أحسن ومتقوليش بالغت لأن المفروض أعمل أكتر من اللي عملته، حسبي الله ونعم الوكيل.
ثم أسترسل حديثه بنبرة مختلفة تمامًا حينما وقع بصره على زهران الذي يتواجد جابر بين أحضانه:
-الحق صاحب ابوك المجنون ده جه.
عند زهران وجابر..
ابتعد جابر عن أحضانه مغمغمًا بتمني حقيقي:
-عقبالك يا زهورة، إن شاء الله المرة القادمة تكون حنتك أنتَ يا صديق عمري.
رد زهران عليه بغرور كبير:
-لا الحنة دي بتاعت العيال الصغيرة أنا بتجوز علطول يا صاحب عمري، وبعدين اتأخرت ليه؟!.
تحدث جابر بتأثر ونبرة درامية:
-أبدًا يا سيدي الواد أحمد ابني والواد آسر ابن أخويا كانوا بيتخانقوا كالعادة وكنت بحل بينهم يا صديق عمري ما هو احنا مش بيجي من ورا العيال إلا وجع القلب والله، يلا بقا مبحبش أجيب في سيرة حد كلهم ولاد كلب.
تمتم زهران بنبرة جادة:
-أنا قولت العشاء مش هيتحط إلا لما تيجي.
ثم ابتسم له متحدثًا بامتنان حقيقي:
-شكرًا يا صاحب عمري على أصيلة، سميتها أصيلة زي ما طلبت و علشان اصالتك برضو معايا يا صاحبي.
تحدث جابر بنبرة مرتفعة بسبب صوت الأغاني وبسبب أيضًا اقتراب دياب ونضال منهما:
-ربنا يخليني ليك يا زهورة ولا يحوجك لحد ولا سبت ولا لأي ابن عاق مترباش، أنا صديقك حبيبك اللي بيريحك وجبلك أصيلة.
سمعا الاثنان صوت نضال وهو يهتف:
-ازيك يا عم جابر، ليك وحشة أنا ابنه العاق اللي مترباش اللي كسر كريمة.
رد جابر عليه وهو يعقد ساعديه ينظر إلى دياب بدلًا من النظر إلى نضال:
-أخبر صديقك يا فتى بأنني لا أتحدث مع اللي كسر كريمة وحرق قلب صديق عمري عليها..
لم يعطِ فرصة لأي شخص أن يتحدث بعدما فك عقدة ذراعيه وأخرج المحفظة من جيبه هاتفًا وهو يفتحها:
-صحيح أنا جبت المحفظة، المحفظة اهي يا صديق عمري، وفيها البطاقة والرخص وكل حاجة معايا على كام كريديت كارت يارب أكون قولتها صح، على صور مراتي وولادي وبنتي بسكوتة النواعم زهر.
تحدث دياب ساخرًا:
-واحنا هنعمل إيه بالبطاقة والرخص في الحنة؟! هنطلع نرقص بيهم مع العريس يعني ولا هنطلع ننقطه بيهم؟!
تمتم جابر بنبرة غاضبة وهو ينظر له نظرات نارية:
-بقولك إيه أنتَ وصاحبك العاق ده ملكوش كلام معايا، أنا اصلا مش مستريحلك من ساعة ما سافرت معاك.
تحدث زهران بنبرة حالمة وشاعرية لا يعبأ بالشجار الذي كان يحدث بجواره:
-تصدق يا جبورة..
تمتم جابر بإنصات:
-مصدقك يا زهورة من قبل ما تقول وتفضفض.
رد زهران بهدوء وابتسامة واسعة:
-أنا بحب اسم بنتك زهر لأني كنت هسميه لو خلفت بنت لما كانت حب عمري حامل في سلامة، علشان زهر جاية من زهران..
مال دياب على أذن نضال هاتفًا:
-يارب زهر دي تطلع متجوزة أو عيلة عندها خمس سنين واللي في بالي ميطلعش صح وأبوك مصاحب الراجل مصلحة.
تمتم نضال بغيظ:
-اسكت بقا.
رفع جابر يديه وهو يتخذ وضعية الدعاء:
-طب والله لادعيلك مش خسارة فيك الدعوة الحلوة دي..روح يا زهورة ربنا يرزقك ببنت تفرح قلبك، يارب تجوز الجوازة الثامنة قريبًا وتجيب لينا بنت حلوة كده وتبقى زي زهر بنتي بس هتبقى نمبر تو أكيد علشان نامبر وان هي بنتي، واروح كدة اسجلها معاك في الصحة وأهي تبقى عوض ليك عن الحجود اللي شايفه من ابنك العاق ده.
_____________
تصدع صوت الأغانى بقوة من منزل يسرا....
بعدما قامت منظمة الحنة بتزيين المنزل منذ الصباح بأجواء الحنة الخاصة بالفتيات..
كانت كل ساعة تقريبًا تقوم بتغيير ملابسها وتلتقط صور فوتغرافية مع صديقاتها ووالدتها وسلمى التي توافقها مرغمة...
وأثناء تبديلهم للملابس الهندية كانت سلمى تمسك رأس ميار تحاول إخراج الخيوط التي تشابكت في الحلقات المعدنية التي تتواجد في أذنيها كانت ميار تبكي من الألم أثناء خلعها إلى ملابسها بعفوية وحماس كادت أن تصيب نفسها بجرح بالغ.
-اهو ده أخرة القلع واللبس والبيرسينج بتاعك، ده مفيش مكان معملتيش فيه أنتِ مجنونة فعلا.
تمتمت ميار بألم حقيقي وهي تنظر إلى جهاد:
-خلي أختك تسكت يا جهاد هي مش ناقصة.
أخيرً استطاعت سلمى والفتيات فك الخيوط ثم أخذت سلمى الملابس التي سوف ترتديها وكانت راحلة ممل جعل جهاد تسألها باستغراب:
-أنتِ رايحة فين؟!.
تمتمت سلمى بنبرة جادة وهي تناظرها:
-رايحة اغير هدومي هكون رايحة اتشمس يعني؟!.
رحلت بعد كلماتها وهنا تحدثت ميار متألمة وهي تضع كفها على أذنيها:
-يا خوفي تلبس بدي كارنيا اللي اتلغى من سنين تحت البدلة..
بعد مرور نصف ساعة...
كانت تقف جهاد وترقص مع الفتيات بعدما بدلت ملابسها، كانت في أكثر حالاتها سعادة وحماسة من الأجواء....
لا تتذكر أنها كانت سعيدة في يوم من الأيام كما هي اليوم.
جاءت سلمى من الداخل وهي ترتدي هذا الزي تغطي نصفها الأعلى بوشاح شتوي ثقيل جذبتها ميار حتى ترقص معاهم وهي تحاول أن تجاريهم رغم أنها مصابة بصداع شديد لكنها لا ترغب في أن تنزعج شقيقتها حتى ولو كانت لا تحب تلك الأجواء ولا تفضلها.
قالت جهاد بنبرة مرحة:
-شيلي الشال ياست الحجة، ما احنا شوفنا شوية حاجات، هو أحنا جايبين جدة صاحبتنا الحنة ده الله يكون في عونك يا نضال.
قالت سلمى بنبرة ساخرة:
-افرجك إيه يا حلوفة، الجو تلج أنتم اللي مش حاسين.
تحدثت ميار بعدما جذبت الشال عنوة عن أكتافها:
-ارقصي بحماس زينا وأنتِ مش هتكوني سقعانة عيب يا كوتش والله عليكي اللي بتعمليه ده.
بعد مرور بضعة دقائق....
أخبرتهما الفتاة التي تقوم بالتنظيم بأنه أتى الوقت من أجل أن تغير العروس ملابسها معها ميار وسلمى.
لكن اندمجت ميار في التصوير ودخلت جهاد وسلمى الغرفة..
قالت سلمى بنفاذ صبر:
-بقولك إيه أنا تعبت مش هلبس حاجة تاني أنا زهقت..
صاحت جهاد مستنكرة وهي تمسك هاتفها جالسة على الفراش:
-لا هنلبس لبس هاواي ونبقى ورد ورد كده، بطلي تبقي قفيلة بقا يا سلمى وبعدين شكلك زي الفل.
قفزت سلمى فوقها حتى انكسرت إحدى الأخشاب الخاصة بالفراش..
-عارفة لو مبطلتيش تقولي عليا قفيلة يا جهاد هعجنك ده أنا لبست هندي واسكندراني ولبست بدلة رقص وتقوليلي قفيلة؟!
-أيوة قفيلة.
- طب محدش هيحلك من تحت ايدي شكلك وحشك عض زمان.
قامت سلمى بعضها مما جعلت جهاد تصرخ؛ فى ذات الوقت صدع صوت الهاتف فأجابت جهاد على الفور ليأتيه صوت سلامة مشاكسًا:
-إيه بقا مش هتفرج ولا إيه أنا قولت هتكلميني فيديو طول..
قالت جهاد وهي تحاول أن تبعد سلمى عنها:
-تتفرج على إيه أنا بضرب.
-مين اللي بيضربك؟!.
ردت جهاد قبل أن تغلق المكالمة في وجهه:
-سلمى...
_________
في الشارع أخذ نضال يبحث بعينه عن سلامة الذي اختفى وأخيرًا وجده في فناء المنزل مما جعل نضال يهتف:
-إيه يا ابني بتعمل إيه؟! يلا علشان نتعشى الأكل بيتحط..
تحدث سلامة بنبرة غريبة:
-اتعشى إيه؟! مراتي بتضرب.
ردد نضال كلماته باستنكار واضح:
-أنتَ شارب إيه؟ يعني إيه بتضرب ومين اللي بيضربها؟!
تمتم سلامة بسخرية:
-مراتك اللي بتضربها..
ثم رفع سبابته محذرًا:
-بكرا لو لقيت خدش في عروستي مش هيحصل ليكم كويس أنا بقولكم أهو.
هتف نضال بسخرية قبل أن يرحل:
-أنا رايح أكل خليك أنتَ في الهبل والعبط بتاعك ده.
ركض سلامة خلفه قائلا:
-لا أنا جاي معاك اهو أنا هموت من الجوع..استنى يا نضال...
______________
في محافظة ساحلية..
تبتعد تمامًا عن المحافظة والمنطقة التي يتواجد فيها شارع خطاب...
تصرخ بقوة وهي تطرق على الباب بيد واليد الأخرى تضغط بها على مقبض الباب فتاة في أوائل العشرينات من عمرها ترتدي ملابسها السوداء..
-افتحوا الباب، بقولكم افتحوا، والله ما هتأخدوا مني حاجة، افتحوا الباب بقولكم.......
تصرخ بقوة حتى أن صوتها على وشك الزوال لكن لا أحد يستجيب لها...
أرفعوا ريتش الرواية فضلا❤️
الفصل الثالث والعشرون من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
لا تحاول اسعادي كُن شيئ لا يُؤذيني فقط.
#مقتبسة
"دعيني احبكَ
كي اتخلص من
فائض الحزن في داخلي"
#مقتبسة
لكُل منا ذُكريات غير قابلة للتخطي.
#مقتبسة
____________
عاد دياب من الحفل بعد منتصف الليل..
لم يجد سوى والدته هي التي كانت جالسة على الأريكة تشاهد التلفاز وعلى ما يبدو شقيقته وأطفالها ذهبوا في نومٍ عميقٍ، وشقيقته الصغرى تجلس في الداخل كالعادة تتجنب الاحتكاك به تمامًا منذ ما حدث، كما هو يفعل المثل.
تحدثت والدته بنبرة هادئة:
-حمدالله على السلامة يا ابني.
رد عليها دياب رد مقتضب وهو يشعر بالدهشة أنها مازالت مستيقظة لكنه لا يعلم بأنها لا تذهب في النوم قبل أن تعلم بأنه أتى وأغلق باب المنزل خلفه، اليوم فقط كانت جالسة في انتظاره في الخارج لأنها ترغب في الحديث معه.
-الله يسلمك يا ماما.
هتفت حُسنية وهي تحاول أن تتجاذب معه أطراف الحديث:
-عقبالك يا ابني، عقبال يوم حنتك وعقبال ما افرح بيك يارب.
صمت دياب ولم يعقب على حديثها برغم من ذلك لم تثور والدته بل أشارت على المكان الخالي بجوارها على الأريكة هاتفة:
-تعالى أقعد يا حبيبي نتكلم مع بعض شوية.
لم يحاول الرفض...
بل أتى وجلس بجوارها لأنه لا يرغب في أن يحزنها، فتحدثت والدته:
-أعتقد جه الوقت أننا نتكلم مع بعض في اللي حصل.
هتف دياب بنبرة حانقة وثائرة:
-اعتقد الكلام واضح ومتحاوليش تقنعيني أو تهديني أن اللي بنتك عملته ده مش غلط.
ردت والدته عليه ببساطة ونبرة رزينة:
-مين قالك أنها مش غلطانة؟! ده أنا وايناس بهدلناها على فكرة، هي غلطت أنها اتصورت على موبايل ريناد بس هي استحالة كانت تعوز تنزل ليها فيديو، أنتَ مش غلط، أنتَ صح بس طريقتك هي اللي كانت غلط.
ابتسمت له حُسنية ثم أسترسلت حديثها بحنان ولكن بجدية في الوقت ذاته:
-الزمن بيتغير بشكل مخيف يا ابني، أنا أمك اهو اللي ممكن أكون في نظر الناس واحدة جاهلة مش متعلمة بحاول إني امشي مع اللي بيحصل دلوقتي كل سنة الدنيا بتتغير والحاجات دي بالشدة مش هتنفع.
ابتلعت ريقها ثم غمغمت:
-صدقني الكلام ده أنا شخصيا بقوله لنفسي كل ما اتعصب على حاجة معاها بحاول اقنع نفسي بكده أن فعلا الوقت اتغير وهي واللي في سنها بتواجه تحديات كتير في حياتها مختلفة، وأنا عارفة أنك انفجرت يا حبيبي وكتر خيرك على الحِمل اللي شايله.
زفر دياب بضيق وهو يتذكر كلماته الغاضبة في ذلك اليوم:
-أنتم مش حِمل، أنتم واجبي وأهم عندي من نفسي.
هتفت حُسنية بامتنان حقيقي:
-يمكن كلامك صح بس مبقاش في حد كده يا ابني إلا قليل، واحد غيرك ومن سنين كان فضل نفسه علينا بس أنتَ معملتش كده، وأنا متأكدة أن ربنا هيكرمك على كل ده.
ابتلعت ريقها ثم تحدثت بنبرة هادئة:
-بكرا الصبح تفطر معانا وتصالح أختك قبل ما تروح درسها أو واحنا رايحين الفرح متخلوش الزعل يبات في بيتنا أكتر من كده.
تنهد دياب وهتف بجدية:
-أنا مش زعلان منها قد ما خايف عليها، قد ما خايف تمشي ورا الناس دي، خايف عليها يا امي، وعارف أنه مش قصدها كله بسبب اللي نزلت الفيديو حتى من غير ما تقولها.
قالت حُسنية وهي تنظر له نظرة ذات معنى:
-ريناد مش أكبر من حور إلا بكام سنة تقريبًا أربع سنين علشان كده هي صغيرة برضو وطايشة شوية، وأنتَ زودتها معاها ده صوتك كان جايب الشارع كله يا ابني.
-يعني تنشر فيديو لاختي ومن غير ما تعرف وعايزاني اسقف ليها يعني يا امي ولا إيه؟!.
تمتمت حُسنية بتوضيح:
-أنا مقولتش كده يا حبيبي بس كل حاجة بالعقل حلوة وبعدين البت مكنش قصدها حاجة، وأنتَ زعقتلها ولازم تعتذر ليها ولو مش علشانها، يبقى علشان خالتك بهية اللي هي في مقام جدتك وعيب أوي تزعق كده في بيتها لقريبتها مهما كان السبب.
حديثها أوجعه وازعجه...
أصابه بـشكل كبير أكثر مما كانت هي تتخيل..
نهض دياب تاركًا قُبلة على جبهتها...
ثم ذهب ليخرج ملابس له...
_______________
زهــران يبكي..
نعم قرأتم العبارة صحيحة..
زهران يبكي في الصباح الباكر من حفل زفاف ابنه الصغير سلامة...
يجلس بجواره نضال هاتفًا يحاول أن يساند والده الذي بالتأكيد يشعر بالسعادة التي قد تصل إلى حد البكاء بسبب عدم التصديق بأن اليوم هو حفل زفاف ابنه وهل هناك سعادة أعظم من تلك بالنسبة إلى المرء؟!..
-متزعلش يا بابا بقا، وبعدين يعني هو مهاجر ده قاعد فوقينا.
نظر له زهران بعدم فهم تحديدًا حينما سحب نضال منديلًا ورقي من العلبة ووجهه له، أخذه منه زهران ثم مسح دموعه هاتفًا بعدم فهم:
-أنتَ بتتكلم عن مين؟!.
ضيق نضال عيناه وهو ينظر له قائلا بجدية:
-هكون بتكلم عن مين يعني؟ عن أمي؟! بتكلم عن سلامة يعني باين أنك متأثر أوي.
قال زهران بعفوية شديدة وهو يخبره دون حتى أن يتريث أو يفكر فيما يقوله:
-وأنا مالي بـ سلامة وازعل ليه؟! هو رايح يحارب ده هيتجوز في الشقة اللي فوقينا أنا زعلان علشان حاجة تانية وقلبي واجعني أوي.
سأله نضال بنبرة غامضة:
-طيب إيه اللي مزعلك بس يا حج؟!.
هتف زهران ساخرًا:
-لما البجاحة تكون عيني عينك، أنتَ السبب في اللي أنا فيه ده...
ابتلع ريقه ثم تحدث بحزن حقيقي:
-ازاي بعد اللي حصل لـ كريمة أروح احضر فرح كده عادي ولا كأن حصل حاجة، أنا حاسس باحساس وحش، احساس إني خاين ومش بصون النفس اللي كنت باخده منها، والله لولا أنه فرح ابني أنا ما كنت حضرت فرح إلا لما نفسيتي تتحسن.
تحدث نضال متهكمًا وهو يتصنع المواساة:
-معلش بقا، كتر خيرك، تعالى على نفسك وخلاص علشان الواد.
-اهو قلبي الطيب والحنين ده اللي جايب ليا الكافية.
انقطع حديثهما حينما أتى سلامة من الداخل وهو يحمل حقيبة سفر متوسطة الحجم بها بدلته واحتياجاته الشخصية وكل ما يحتاجه، حجز سلامة غرفتين واحده له هو وأصدقائه والأخرى إلى جهاد وصديقاتها في مكان الزفاف.
-أنا عرفت ليه الناس بقت بتعمل الحنة قبل الفرح بكام يوم مش قبل الفرح بيوم واحد زي ما أنا عملت أنا مش قادر أقوم بجد وملحقتش أنام.
هتف زهران وهو ينظر له بضيقٍ بعدما سحب نفس تلك المرة من الأرجيلة التي أتت من صديق عمره جابر:
-في عريس يقول كده، انشف كده وفوق وبعدين في كام نصيحة حابب أقولهم ليك تحطهم حلقة في ودنك.
تمتم سلامة بحماس وهو ينظر إلى والده:
-قول يا معلم زهران قول أنا مستني النصايح دي من زمان..
تحدث زهران بنبرة جادة:
-أهم نصيحة في القاعة وأنتم بترقصوا أوعى تشيل البت أحسن تتقلب أنتَ وهي مش هنلاقي اللي يقومكم أنا بقولك أهو، متفردش عضلاتك مرة واحدة لسه شايف اتنين على الفيسبوك بتاعي العريس شالها راح واقع بيها واتكعبل في فستانها، مش هنفرح بيكم لما تتكسروا ولا يجيلك الغضروف في أول ايام جوازك.
قال سلامة بعد شهقة خرجت منه ولاح التردد على ملامحه:
-طب اعمل إيه يا بابا؟ دي جهاد جايبة فستان ثلاثة متر باين، وكمان هي حالفة إني لازم اشيلها.
رد زهران عليه ببساطة بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-هتعمل إيه يعني؟! هتعمل نفسك عبيط طبعًا، مش هينوبك إلا قسمة الوسط والغضروف والفضيحة طبعًا أنك وقعت بيها مش بعيد تلاقوا نفسكم في صبايا الخير مع ريهام سعيد.
كان كل هذا نضال يتابع المشهد..
تمتم سلامة باهتمام حقيقي:
-كمل يا زهران، يا حبيبي كمل يا صاحب النصايح الذهبية.
تحدث زهران بنبرة جادة:
-إياك تخلي صحابك يفضلوا يشيلوا فيك ويرفعوك لفوق ويفرهدوك أنا عايزك تبقى راجع كده فايق.
عقد سلامة ساعديه ناظرًا له:
-وإيه كمان؟!.
تمتم زهران وهو يتذكر ما كان يرغب في قوله:
-اه والنار اللي هتطلع حواليكم وأنتم بترقصوا دي أنا مش مطمن ليها لسه شايف فيديو على الفيسبوك لفستان عروسة شبك في النار دي والدنيا ولعت فأنا بقولك أهو بلاها منها الفقرة دي اسمع من أبوك..
تمتم سلامة وهو يبتلع ريقه في توتر:
-يا ساتر يارب..
غمغم نضال ساخرًا مما يقوله والآخر الذي يصدق ما يسمعه:
-ما بلاها الفرح أحسن وخليه يروح يجيب البت ويطلعوا شقتهم وخلاص، ده أنتَ جيبت للواد الغضروف والكُساح، وولعت في فستان البت، هو الفيسبوك ده مش بيظهر ليك إلا فيديوهات أفراح بس؟!.
تحدث زهران بلا مبالاة وهو يهز كتفيه ثم سحب نفس من الأرجيلة:
-طب والله ما أنا مكمل نصايح خسارة فيكم اعملوا اللي تعملوه، بكرا تقولوا ولا يوم من أيام نصايحك يا معلم زهران.
تمتم نضال بجدية:
-لا خلينا في النهاردة أحسن.
ثم وجه حديثه إلى سلامة متمتمًا:
-يلا أنتَ مش كنت رايح توصلهم ورايح معاهم، يلا روح بقا وأنا شوية كده وهاجي.
بعد مرور ساعة تقريبًا...
كان نضال على وشك أن يغادر المنزل لولا الرسالة الصوتية التي تلقاها من سلامة جعلته يغلق الباب ولا يخرج من المنزل قبل أن يسمعها لعل شقيقه قد نسى شيء في المنزل ويرغب في أن يحضره له..
ضغط نضال على الرسالة الصوتية ليصدع صوت سلامة هاتفًا:
"احنا لسه واصلين وجهاد وامها وصاحبتها دخلوا الأوضة، سلمى مجتش على فكرة، بيقولوا راحت تشوف فستانها مفهمتش ليه، وامها قعدت تقولها متتأخرش، فأنا قولت أقولك يعني لو معندكش خبر، مش عارف اعمل ايه في نفسي شكلي هفضل كده فتان لأخر عمري ربنا يغفر ليا، يلا بقا شوف مراتك فين بدل ما أنتَ قاعد كده متعرفش حاجة ونايم على ودانك".
رسالة سلامة الصوتية الطويلة اشعلته بشكل كبير لا يدري لما، هل من أسلوب سلامة الذي يصيبك بالغضب ويشعلك، أم أنه غضب بسببها كونها لم تخبره بهذا الأمر؟!!
قد تحدث معها في الليل قبل أن يذهب في النوم، صحيح بأن المكالمة لم تتخطى الدقيقتين ولكن كان من الممكن أن تخبره فيها لكنها فضلت الصمت...
أخذ يبحث عن اسمها دون أن ينتظر شيء أو يتمهل وقام بالاتصال بها....
___________
في متجر خاص بالفساتين النسائية...
للسهرة والزفاف، كانت تقف سلمى وتقوم أحدى الفتيات بضبط الفستان على جسدها، مما جعل الفستان تهتف وهي تضع دبوس ما في المكان المراد..
-والله يا سلمى أنا فاتحة بدري مخصوص النهاردة علشان أظبط ليكي الفستان أنتِ جيتي متأخر اوي فستانك اتعمل في أقل من ثلاث أيام رغم أن في فساتين كتير متأخرة.
كانت الفتاة التي تعمل في المكان هي صديقتها، والمكان خاص بها وبـ عمتها، لذلك كان وضع بعض الاستثناءات من أجلها ليس شيئًا غريبًا.
-معلش بقا تعبتك معايا اعمل إيه الوقت سرقني وملحقتش وأنتِ عارفة إني مش بستقر على الفستان اللي عايزة اعمله بسهولة، وكمان الظروف اللي حصلت دي لغبطت الدنيا.
تمتمت الفتاة بنبرة هادئة:
-حصل خير؛ يلا اقلعي بقا علشان اضيق الحتة دي بسرعة علشان تاخديه توديه حتة يتكوي لأني اللي بتعامل معاهم مش بيفتحوا بدري كده، وعلشان متتأخريش عليهم أكتر من كده.
هتفت سلمى ببساطة:
-تمام..
ما أن كادت أن تسترسل حديثها حتى نما إلى سمعها صوت هاتفها، فأخرجته من الحقيبة بـ غيظ كبير فهي تعلم بأن والدتها لن تكف عن الاتصال.
خاب ظنها وتوترت حينما وجدت أن المتصل هو الوحيد الذي رق له قلبها من بين معشر الرجال..
كما أن اسمه يزين الشاشة:
"نـــضــال".
أجابت عليه:
-الو.
دون مقدمات ولج نضال إلى صُلب الأمر..
"أنتِ فين؟!".
ردها استفزه دون أن تقصد:
-ليه؟!.
"هو إيه اللي ليه؟! ليه أنتِ بتردي على سؤالي بسؤال تاني، بسألك أنتِ فين ومروحتيش معاهم ليه لغايت دلوقتي وبتعملي إيه الصبح كده؟!".
لم تفهم سلمى لما هو حانقًا إلى تلك الدرجة..
على العموم هي لم تخبره...
لعدة أسباب..
منها أنها ظنت بأنه لن يعرف...
وسبب أخر هو أنها قد تناسته حقًا بسبب قلقها من أمر فستانها وتأخيرها.
ردت عليه سلمى بتردد:
-أنا في الاتيلية بضبط الفستان خلاص وهروح اكويه وبعدين هروحلهم؛ في إيه بقا؟!
كان رد نضال عليها مختصرًا إلى حدٍ كبير..
"ابعتي لوكيشن وأنا جاي ليكي".
لم يكن لديها العديد من الخيارات..
فأرسلت له موقعها، ثم بدلت ملابسها وأعطت الفتاة الفستان حتى تقوم بتطبيق أخر التعديلات عليه.
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا..
كان نضال يقف معها أمام أحدى الأماكن المخصصة لـ كي، تنظيف وغسيل الملابس، بعد رحلة بحث طويلة أن يجد أحد في هذا الصباح...
تمتمت سلمى بنبرة جادة وهي تسأله فلم تسنح لهما الفرصة للحديث حينما هبطت له عند وصوله لها بل أخبرته بأن عليها أن تذهب لـ كي فستانها فهي على عجلة من أمرها:
-صحيح أنتَ جيت ليه؟ تعبت نفسك على الفاضي يعني
وبعدين الموضوع مكنش مستاهل أنك تيجي.
هتف نضال بنبرة منزعجة لا يدري هو نفسه لما يشعر بالانزعاج إلى تلك الدرجة:
-هو الموضوع يمكن مكنش مستاهل إني أجي بس كان مستاهل إني أعرف أنتِ رايحة فين وجاية منين.
صمتت سلمى لثواني تحاول قول أي شيء إلا أن تعترض على حديثه رغم رغبتها في هذا أن تظهر تمردها الواضح....
لكنها لا تريد فعلها الآن ليست لأنها أصبحت أمرأة تطيع زوجها ولا حتى فتاة مغيبة بأمر الحب.
لكن...
لأن اليوم هو يوم زفاف شقيقتها لذلك لا ترغب في أي
أمر مزعج قد يحدث ويؤثر على أي شخص.
تمتمت سلمى ببساطة تحاول شرح موقفها بلُطفٍ زائد عن حده بالنسبة لها:
-أنا مكنش عندي وقت للأسف والدنيا مدربكة فوق دماغي، والفستان كان لازم أنزل من بدري علشان أخلصه.
رد عليها نضال رد واضح وصريح غير مقتنعًا بما سمع:
-تلمفروض كنتي تعرفيني.
الأقطاب المتشابهة في المغناطيس تتنافر والاقطاب المختلفة فيه تتجاذب، هذا ما قمنا بدراسته في الكتب العلمية...
والكثير من الناس تشبه الحب بالمغناطيس....
نضال وسلمى يسيران على نفس النهج كلاهما يتمتع بـ شخصية فريدة من نوعها، قيادية؛ حانقة وناقدة، لا ترغب في اتباع الأوامر، رُبما يعود هذا بالنسبة إلى نضال كونه رجل شرقي..
أما هي تعلن عن خلل وغضب، ألم تكابد وتكاتل في قلبها على مدار السنوات جعلها تتمتع بغضب كبير أن تسير وفقًا لما يريده أي شخص، هناك فارق من كونها أنثى ذات فطرة طبيعية ولها شخصية، رأي وأن تكون ناقمة لا ترغب أبدًا الانصياع للأوامر والفضل كله يرجع إلى والدها.
على ذكر المغناطيس بأنه يشبه الحب..
هو تشبيه خاطئ إذا كنا لا نتحدث علميًا بل نتحدث عن وجدان ومشاعر عميقة...
حب عتيق....
وقتها ستصبح كل المعادلات بلا قيمة، لأن القلوب تصنع معادلة مختلفة تمامًا...
___________
بعد مرور عدة ساعات وبعد الخضوع إلى جلسة تصوير طويلة للعروسين فقط وبعدها مع العائلتين..
كان يقف سلامة في وسط الساحة والأضواء مُسلطة عليهما وباقي القاعة غالبًا مُظلمة..
كانت كلمات الأغنية تصدع بقوة..
صدقني خلاص من بين الناس
حبيتك وإخترتك ليّ
طول ما أنا وياك قدامي ملاك
خلتني ما غمضشي عينيّ
الله يا سلام في عينيك أحلى كلام
قرب مني شوية، شوية
قلبي وقلبك سوى يتلاقوا
الدنيا إنت ملتها عليّ
ده الحب اللي ما حدش ذاقه
قرب مني شوية، شوية
قد ما تقدر قرب ثاني
الدنيا إنت ملتها عليّ
وكإنك مخلوق علشاني
يا أرق الناس في عينيك إحساس
بيخذني معاه بنسى الدنيا
ضمني بإيديك لو غالي عليك
ما ضيعشي يا ريت ولا ثانية
الله يا سلام في عينيك أحلى كلام
كان الحب يفيض من أعين جهاد وهي تنظر له وهو يحاوط خصرها، تضع يديها على كتفة المتواجد عليها بعض النقوش العائدة للحناء...
وهو يناظرها بنظرات أخجلتها واربكتها، رغم أنها لم تفهم ماهيتها لكنها بكل تأكيد حسب نظرها هي نظرات محبة مثلها وشغوفة بها، والعاطفة في أوج حالتها في قلبه...
بينما هي تعيش في عالم من الرومانسية والعواطف الجميلة مع هذا التواصل البصري الرهيب اقتحم سلامة هذا العالم الوردي متحدثًا بسُخطٍ جعلها تصبح على أرض الواقع:
-البيرسينج شكله زي القرف ومجنن أمي حسبي الله ونعم الوكيل.
هالة سوداء...
ظهرت أمام عيناها حينما استمعت إلى كلماته التي أخرجتها من العالم الوردي التي كانت تعيش به منذ دقائق...
تمتمت جهاد بشذر وغضب حقيقي بعد أن تغيرت ملامحها:
-ابعد عني والله أنا غلطانة أصلا..
شدد من أحكام يديه على خصرها هاتفًا:
-الصراحة حلوة وبعدين إيه أبعد عني دي؟ مفيش يا ماما الكلام ده خلاص، من هنا ورايح مفيش أي استعباط بقا وخد شبكتك وامشي والكلام الحمضان ده.
هتفت جهاد وهي تنظر إلى أي شيء إلا له:
-ملكش دعوة بيا ومتتكلمش معايا من فضلك.
-عادي أنا مش محتاج اتكلم النهاردة، رغينا كتير...
قالها غامزًا لها ثم عاد يتحدث بتهكم:
- هي بس العكننة جاية من مناخيرك...
صاحت جهاد في وجهه ولولا الموسيقى والانغام العالية لكان سمع صوتها الجميع:
-سلامة هصوت بجد متعصبنيش..
-صوتي محدش هيسمعك كلهم واقفين يصوروا وبيفكروا ياترى بنقول إيه؟!.
تمتمت جهاد بغيظ:
-اه ميعرفوش أن مناخيري هي محور الحديث...
على أحدى الطاولات...
حيث تجلس هدير شقيقة طارق تعبث في هاتفها برفقة عائلة دياب الموجودة بأكملها بعد دعوة دياب وزهران لهم، كما أرسل نضال دعوة إلى بهية وقريبتها، وكانت بالفعل سلمى قامت بدعوتهما أيضًا لكنهما لم يأتيا حتى الآن...
قالت إيناس بضيقٍ وهي توجه حديثها إلى والدتها التي تجلس جنى على فخذيها أما جواد يجلس على فخذي أمه:
-ياريتني ما كنت جيت ما كنت قعدت في البيت وخلاص.
كانت إيناس ترتدي فستان بسيط جدًا لونه وردي ولكنه كان جميل ويناسبها، يعود إلى سنوات لم يكن قياسه يناسبها بعد ولادتها لطفليها؛ لكن بسبب فقدانها الكثير من الوزن في الفترة الأخيرة عاد يناسبها من جديد..
هتفت حُسنية بضيقٍ:
-افرحي يا إيناس ولا أنتِ نسيتي ازاي تفرحي يا بنتي، افرحي كده وبصي لعيالك هما مبسوطين بدل قعدة البيت، افرحي يا بنتي شوية.
أثناء هذا الحديث...
قرب دياب مقعده من مقعد شقيقته الصغرى حور ثم وضع ذراعيه على مقعدها هاتفًا:
-درجتك في امتحان الكيمياء زي الزفت...
كان يرغب في أن يفتح حديث بينهما ولكن بدأ الحديث بتوبيخ...
تمتمت حور بنبرة مترددة وهي تتجنب النظر إليه:
-أنا مذاكرتش كويس وهو كان على كل اللي فات وملحقتش أراجع.
-إيه اللي مخلكيش تذاكري كويس غير أنك عماله تسحي وتعيطي طول اليوم...
هتفت حور بنبرة جادة وصادقة:
-مليش نفس اذاكر ومليش نفس أكل مليش نفس أعمل أي حاجة طول ما أنتَ مخاصمني وزعلان مني ومقاطعني، أنا عارفة أنك مضايق ووالله مكنتش اعرف لو أعرف مكنتش خليتها تنزله أكيد.
تحدث دياب مقاطعًا أياها:
-مش عايز اسمع حاجة عن الموضوع ده، خلاص اللي حصل حصل؛ أهم حاجة تاخدي بالك بعد كده، وأهم حاجة متهمليش دروسك لأي سبب أنتِ الحلم اللي أنا معرفتش أحققه ولغايت دلوقتي حتى مش عارف أخلص الجامعة بسبب الظروف، أنتِ الحلم اللي أختك مشيت ورا أوهام ومعرفتش تحققه ربنا يجعل حظك أحسن من حظنا.
قال تلك الكلمات لتلقي نفسها بين أحضانه كطفلة صغيرة في حضن أبيها...
بالفعل دياب هو والدها التي لم تشعر به..
ولم تستطع فهم أو إدراك حنانه.....
هتفت حُسنية بنبرة ذات معنى وهي تجد هذا المشهد الذي جعل دمعة تهبط من عيناها:
-ناقص حد كمان تصالحه....
________
انشغلت جهاد بالرقص مع صديقاتها والأقارب من ناحية والدتها التي لا تراهم إلا في المناسبات..
كان من الطبيعي ألا تشارك سلمى في الأمر..
هي فقط كانت تقف بين الحين والآخر تصفق لهن بيدها وأغلب الأوقات كانت تجلس على الطاولة تراقب الرئح والغادي.
والأهم تراقب الاشخاص التي تصل، كانت دون وعي تنتظره أن يأتي.......
نعم تنتظر والدها...
تعلم بأن إتيانه لن يُسبب إلا ضيقٍ وغم سوف يصيب الجميع ولكنها كانت ترغب في أن تشعر ولو لمرة واحدة بأن هذا الرجل يمتلك قلب حقًا...
أخذت تسأل نفسها طوال الأيام الماضية، هل من الممكن ألا يرغب رجل في رؤية ابنته عروسًا؟!
كيف له أن يكون قاسيًا ومُستغلًا إلى هذا الحد؟!!!
هي لم تصرح تلك المرة بما يدور في خلدها إلى أي شخص.....
أخــيـــرًا...
جاء عمها الكبير وزوجته..
وقتها نهضت وألقت التحية عليهما بعدها سألتهما بطريقة مباشرة:
-هو مش هيجي؟!.
رد عليها عمها وقتها بنبرة هادئة:
-لا عمك جاي ان شاء الله هيحصلنا...
قاطعته سلمى متحدثة بتردد كبير:
-أنا قصدي على...
توقفت عن الحديث وكأن لسانها يعجز عن إخبارهم بأنها تسأل عن والدها، لسانها عاجزًا على أن يطلق عليه هذه الصفة، تفهم الرجل هنا بأنها تسأل عن والدها فغمغم بنبرة جادة:
-من ساعة ما امك جت عندنا في البيت وقال أنه مردهاش مشوفنهوش تاني ولا سمعنا عنه أي حاجة.
ابتسمت سلمى ابتسامة مجاملة ليست حقيقية أبدًا وهي تشير لهما ناحية أحدى الطاولات الفارغة:
-اتفضلوا اقعدوا أنا هروح أنادي ماما واقولها أنكم جيتوا.
ابتسمت لها زوجة عمها متمتمة:
-سبيها براحتها واحنا شوية وهنقوم نسلم عليها، وألف مبروك ليكي يا حبيبتي عرفنا أنه اتكتب كتابك.
ردت عليها سلمى مختصرة:
-الله يبارك في حضرتك يارب....
بعد وقت..
كانت سلمى تجلس على أحد الطاولات البعيدة جدًا لا التي تتواجد في المقدمة تجلس عليها والدتها، خالها وصديقات والدتها...
مسحت دمعة فارة من عيناها.
لا تدري لما أصبحت بهذا الضغف؟!!!
هل هو اختفائه الأول؟!.
أم هروبه الأول؟!.
بالطبع لا.
فهو الأمر الطبيعي له بأنه غير موجودًا في كل محطات حياتهن لما الآن تريده أن يمارس دور لم يدركه يومًا من الأساس؟!!!..
-قاعدة لوحدك كده وبتعيطي ليه؟!....
لم تكن تلك الكلمات من شخص أخر غير نضال الذي سحب مقعد وجلس بجوارها، من بعد انتهاء جلسة التصوير وبدأ حفل الزفاف هو يتابعها بعينه باهتمام هو نفسه لم يفهمه وكأنه قد حدث ترابط غير مفهوم بينهما، ترابط لا يظن بأنه أتى من أجل عقد قرأن بخطة من أبيه...يراقبها إلى درجة كبيرة جعلته يعلم بأنها تحدثت مع عمها...
مسحت سلمى دموعها سريعًا ثم نظرت له هاتفة:
-مين دي اللي بتعيط؟!.
-أمي...
كان هذا رده الاستنكاري وهو يرفع حاجبيه، وقبل أن تثور حاول الحديث مرة أخرى بنبرة هادئة:
-هيكون مين يعني؟! أكيد بتكلم عليكي أنتِ...
ردت عليه سلمى مختصرة الأمر وهي تعدل من وضعية الدبوس المتواجد في خِمارها ثم عقدت ساعديها متمتمة:
-عادي دموع الفرحة فرحانة إني شوفت جهاد عروسة علشان كده بعيط.
لم يصدقها أبدًا...
رُبما هي لا تدرك بأنها لا تحسن الكذب وتكون مكشوفة إلى من أمامها إذا فعلت....
رد عليها نضال غير مقتنعًا ولكنه يحاول أن يجاريها لعله يخرجها من حالة لا يعرف سببها وليس هو بالقرب التي تجعلها قد تخبره:
-دي سنة الحياة، وبعدين يعني ما تعيطي وأنتِ قاعدة هناك لازم تعيطي وأنتِ بعيد.
هتفت سلمى وهي تكز على اسنانها تحاول أن تتحلى بالهدوء قدر المستطاع:
-معلش أنا في أوقات بحب أكون فيها لوحدي.
-أقوم يعني؟! ممكن كنتي تقوليها بطريقة أحسن من كده.
تمتمت سلمى وهي تسأله:
-أنتَ قاعد معايا ليه؟! روح لاخوك متسيبهوش لوحده.
رد نضال عليها بنبرة دبلوماسية وهو يستند بذقنه على كف يده بينما كوعه يستند به على الطاولة:
-سلامة مش لوحده وبعدين أنا كنت معاه فعلا بس لما لقيتك مختفية قولت اشوف فيه إيه؟!.
نهضت سلمى من مكانها مغمغمة وهي تحاول قطع هذا التأثير الغريب والعميق التي تقع فيه:
-خلاص اديني قايمة اهو رايحة لجهاد..
كادت أن تتحرك لكن وجدت شيء يوقفها بعدما سارت خطوتين فقط، عادت مكانها لتهتف:
-الكرسي بتاعك محطوط على ديل الفستان.
نهض نضال وأزاح المقعد لتسير هي فورًا وكأنها تتهرب منه، يسأل نفسه لما وافقت عليه بعدما كانت لا ترغب في الزواج من الأساس....
تنهد بضيقٍ شديد..
يحاول التفكير في السبب الحقيقي وراء بكائها ولم يجد إلا تفسير وحيد بأنه شيء يخص أبيها...
___________
-في إيـه يا صديقي؟!.
قال جابر تلك الكلمات معلقًا وهو يسلط بصره على جميع من يتواجد في الفرح تقريبًا حتى أن زهران لم يفهم ما الذي يحدث!.
-في إيه يا جبورة إيه اللي مزعلك وأنا أشوف له صرفة.
تحدث جابر وهو يشير على مجموعة الشباب التي تلتف حول سلامة:
-إيه الفرح الكئيب ده اللي مفيهوش واحد لابس بدلة لونها حلو زي ابني أحمد ربنا يحرسه ده الواد كان لابس بدلة إيه ملهاش حل واضح أنكم مش بتفهموا في البدل خالص ومفيش ذوق.
خرجت ضحكة ساخرة من زهران ثم تحدث بتهكم:
-اه مش بنفهم، سيبنا الفهم والذوق لابنك صحيح، وبعدين سيبك من العيال وتعالى اوريك حب عمري..
اتسعت أعين جابر هاتفًا:
-حقًا؟! هل ستدعني أراها؟ إذن هيا بنا فـ أنا اتلهف شوقًا لرؤية حب العمر لصديقي.
تمتمت زهران وهو يحاول ألا تكون إشارته واضح:
-شايف الترابيزة اللي قدامنا دي، اللي لابسة لون زيتي دي، هي دي حب عمري اللي فرقنا القدر واتكتب عليا قصة حبنا تنتهي قبل ما تبدأ.
كان يتحدث زهران بتأثر كبير جعل جابر يشفق عليه حقًا:
-متقولش كده بس يا صديق عمري، مفيش حاجة بعيد عن ربنا والعشاق مصيرهم يجتمعوا مهما طال الزمن ومهما كانت النضلات صدقني عاجلًا أم أجلًا ستظفر بها..
رد زهران بعدم فهم:
-مين النضلات دي؟! أنتَ قصدك على نضال ابني؟ أنتَ بتجمعه ليه بس؟.
حاول جابر تفسير كلماته:
-النضلات دي بدل العقاب يعني، مش لازم اقعد اشرح وافهم فيك مش معقول كدة مش عيشة دي.....
بينما جابر وصديقه في عالمهما الموازي...
كانت سامية تجلس بجانب خالها ووالدتها على الطاولة تنتظر بشغف رد حمزة عليها حينما أرسلت له صورتها بفستانها من اللون الأبيض المائل إلى البيج...
أرسل لها حمزة رسالة متغزلًا فيها...
"زي القمر يا حبيبتي"
"متأكد أن مغطية على العروسة"
"ياريتني كنت معاكي دلوقتي"
"أنا في الكافية علشان كده مشغول شوية أول ما تروحي كلميني هكون روحت أنا كمان ونتكلم، وخليكي جنب مامتك ملكيش دعوة باللي اسمه نضال ده"
تحب غيرته كما تحبه هو..
____________
ولجت ريناد برفقة بهية إلى القاعة، لم تكن ترغب أبدًا في أن تأتي لأنها تعلم كل العلم بأنه سيكون هناك..
ما جعلها تأتي هو أنها اشفقت على بهية الاتيان بمفردها وفي الوقت ذاته وجدت نفسها ستكون فظة بعدما قامت سلمى بدعوتها أن لا تأتي...
ولجت ثم جعلت بهية تجلس على الطاولة التي تجلس عليها حسنية، حور، ايناس وأطفالها، ثم رحلت متحججة بأنها سوف تبحث عن سلمى فهي خجلت من الجلوس مع حور على طاولة واحدة..
وأثناء رحلة بحثها عن سلمى وقف دياب مرة واحدة أمامها حتى كادت أن تصطدم به لولا إدراكها الأمر..
-خير؟!.
تمتم دياب بنبرة هادئة لا تراها كثيرًا فهي في الغالب تراه دائمًا ثائرًا وناقمًا:
-عايز اتكلم معاكي شوية.
ردت عليه ريناد بنبرة قوية لا تشبهها:
-مفيش كلام نتكلم فيه إلا لو عايز تهزقني تاني.
-لا في حاجات عايز اقولها.
لم تستمر قوتها كثيرًا بل شعرت بالخنوع بسبب نبرته المسيطرة بعض الشيء رُبما أو لأنها كانت ترغب في سماعه بفضول كبير...
خرجت معه إلى خارج القاعة حيث يكون الصوت مسموعًا بعض الشيء...
عقدت ريناد ساعديها تنتظر منه أن يتحدث...
ولم يقم بإطالة الأمر هاتفًا بنبرة واهنة لأول مرة تراها منه:
-أنا هكون كداب لو قولت ليكي أنك مغلطتيش وأنا أسف لأنك غلطتي، بس أنا انفعلت عليكي ممكن أكون بالغت في انفعالي لكن انفعالي ده مكنش على شخصك لا كان على اللي عملتيه ولو حد غيرك كان عمل كده كان هيكون عندي نفس ردة الفعل.
ابتلع ريقه ثم حاول توضيح نفسه متحدثًا بجدية شديدة ومشاعر صادقة وحقيقية:
-حور بنتي أنا علطول خايف عليها، خايف عليها من نفسها ومن اللي حواليها، خايف عليها يحصل معاها زي إيناس، خايف تحس بعدم وجود ابوها، أنا علطول خايف عليها من أقل حاجة، حور بنتي ولو خلفت في يوم من الأيام ممكن محبش ولادي زي ما حبيتها، هي حتة مني، فأنا اسف لو بالغت في رد فعلي.
كلماته لمستها بشكل كبير...
رغم انزعاجها وغضبها الكبير منه لم تستطع أن تستمر في ضيقها بعد كلماته تلك لتقول...
-أنا برضو غلطت.
تحدث دياب يحاول اختصار كلمات كثيرة:
- أنا مش حابب اتكلم في مين غلطان ومين مش غلكان المهم إني مش عايزك تكوني زعلانة مني، وحور علاقتكم هترجع تاني أهم حاجة يكون كل واحد فهم حدود التاني إيه.
_____________
كانت ليلة حافلة وجميلة..
الجميع كان يشعر بالسعادة من أجل العروسين....
صعد العروسين إلى شقتهما وثم ذهبت عائلة العروس إلى منزلهما...
ولج زهران إلى شقته هو ونضال ثم إلى المطبخ يقوم بتحضير أرجيلته بينما نضال ذهب حتى يغير ملابسه بعد هذا اليوم الطويل والمرهق للاعصاب فتخطت الساعة الثانية بعد منتصف الليل....
يقف زهران في المطبخ ينتظر أن يشتعل الفحم ويقوم بممارسة احدى الألعاب الاكترونية التي تروق للكبار على هاتفه....
جاء نضال من الداخل وقميصه غير مغلقًا بالكامل وعلى ما يبدو أنه كان على وشك خلعه:
-بابا..
كان زهران يعطي كامل تركيزه إلى اللعبة ولم ينظر له لكنه هتف:
-خير...
تمتم نضال وهو يقترب منه بجدية وقلق:
-في صوت صويت..
رد زهران بلا مبالاة ومازال بصره معلقًا بالهاتف:
-مش مشكلة...
أتسعت أعين نضال وهو يهتف:
-ابنك بيصوت هو وجهاد وتقولي مش مشكلة؟!...
بدأ زهران يستوعب ما يحدث تحديدًا عند طُرقات الباب ورنين الجرس الذي قُرع وبقوة، وقتها خرج نضال يهرول من المطبخ بقلقٍ كبير وخلفه زهران...
فتح نضال الباب ليجد أمامه سلامة وجهاد بملابسهم الخاصة بالزفاف كما هي لكن بوجوه شاحبة وخائفة:
-الحقونا..
تمتم زهران بقلق وعدم فهم:
-في إيه يا ولاد وإيه الصويت ده كله؟! وإيه اللي جابكم؟!.
تحدثت جهاد هنا وشفتيها ترتجف:
-القطة، القطة السوداء بتولد يا عمو في اوضة النوم، بتولد وشكلها مُرعب أوي وفي قطة صغيرة نزلت منها وشكلها لسه بتولد...........
فـدخلت القطة حينما صعدت انتصار برفقة يسرا تاركين العشاء بداخل الشقة بعدما انتهوا من تلك المهمة وتعطير الشقة....
تركت انتصار هي ويسرا باب الشقة مفتوحًا بالنهاية هما سوف يصعدون الآن وفي تلك الدقائق القليلة ولجت القطة حينما شعرت بأنها على وشك الولادة بعدما رحلت يسرا برفقة انتصار..
بعد دقائق...
دخل سلامة وجهاد إلى الشقة وجلسا على الأريكة أمام زهران الذي يدخن أرجيلته ينظر لهما بغيظ كبير.
بينما نضال صعد برفقة انتصار إلى شقة العروسين محاولين إنهاء تلك المهزلة، قامت انتصار بمساعدة القطة وتوليدها بعدها أخذتها هي وأطفالها في علبة كرتونية ووضعتهم خارج الشقة ثم أخذت تنظف الغرفة تمامًا وتغير الفراش بسبب تلطخه من تلك الولادة وتعطير الشقة مجددًا....
وتنظيفها...
ثم هبطت انتصار برفقة نضال إلى الأسفل وكانت الساعة تخطت الثالثة بعد منتصف الليل...
فتح نضال باب الشقة وأردف محاولًا كتم ضحكاته قدر المستطاع:
-القطة ولدت ونضفنا وكل حاجة تمام تقدروا تطلعوا بقا.
ابتلعت جهاد ريقها متمتمة:
-أنا هقرف أنام على السرير أنا مش هعرف اطلع..
تحدث زهران هنا بغضب واضح:
-بقولكم إيه أنا صبري بدأ ينفذ منكم، هو إيه اللي مش هتعرفوا تطلعوا المفروض كنتم أنتم اللي تعملوا كده..
ثم وجه حديثه إلى سلامة متحدثًا بغضب:
- ما تقوم يا شملول خد مراتك واطلع يلا عايزين ننام في ليلتكم دي، ده الفجر قرب يأذن..
سحب زهران نفس من الأرجيلة أثناء الوقت الذي غمغم فيه سلامة:
-هو لازم يعني نطلع؟!.
ضيق زهران عينه متحدثًا بسخرية:
-لا مش لازم، ممكن تدخلوا تناموا جنبي على السرير...
ثم صرخ مرة واحدة في وجهه:
-هو إيه اللي لازم نطلع دي؟! أنتَ اتعبطت ولا إيه فس ليلتك اللي مش فايتة دي؟!..
هتف سلامة مقترحًا فهو مازال يشعر بالخوف الكبير ورهاب لن يفهمه أحد:
-أنا بقول يعني أننا ننام هنا النهاردة في أوضتي وبكرا يحلها الحلال.
تمتمت جهاد مؤيدة:
-أنا برضو شايفة أن ده كل كويس.
ضحك نضال ولم يستطع الصمود أكثر، يشعر أن قلبه على وشك أن يتوقف من كثرة الضحك الذي يصيبه من هذا الموقف العبثي...
الغريب أن نضال كان يضحك وزهران هو الذي على وشك أن ينهض ويقوم بصفع سلامة:
-أنتم اتجننتوا ولا إيه؟! يلا يا سلامة خد مراتك واطلع هتناموا هنا ازاي يعني أنتم مجانين في ليلتكم البيضاء دي؟!.
رد سلامة عليه باقتراح جديد:
-خلاص أنا لقيت الحل...
هتف زهران ساخرًا بعدما سحب نفس من الأرجيلة:
-حل إيه دا لامؤاخذة؟!.
قال سلامة بتلقائية شديدة:
-جهاد تطلع وأنا أنام هنا وان شاء الله الصبح كده اطلع أشقر واطمن عليها لغايت بس ما المنظر يروح من دماغي..
صدعت ضحكات نضال بقوة...
حتى أصبح أخذ أنفاسه شيئًا صعبًا هو حقًا لا يصدق ما يسمع.
تمتم زهران وهو يميل ناحية سلامة:
-عارف سمعتك قدام الناس لما تعرف أن ابني نايم عندي وسايب العروسة لوحدها فوق هتكون ازاي؟!
هتف سلامة بعفوية شديدة:
-مهوا محدش هيعرف احنا أهل مع بعضنا..
قالت جهاد مقاطعة هذا الهراء كله وغير مدركة عما يتحدث زهران:
-أنا مش هطلع الشقة دي تاني ومش هطلع لوحدي، أكرم ليا اروح انام في بيتنا....
صرخ زهران بعدما ألقى خرطوم الأرجيلة على الطاولة ناهضًا من مكانه وهو يشير ناحية الباب:
-أنا مش هستحمل عبط أكتر من كده، هعد لغايت عشرة لو ماخدتش مراتك وطلعت أنا هكسر كريمة نامبر تو وهضحي بيها علشان لسه مبقاش في بينا عشرة فوق دماغك يا سلامة...
كاد سلامة أن يتحدث لكن بدأ زهران بالعد...
-واحد..
-اتنين
-ثلاثة..
-أربعة...
هنا بدأ سلامة وجهاد بالركض حتى فتح سلامة الباب وخرجا من باب الشقة ثم أغلقه خلفه.
جلس زهران على الأريكة متمتمًا:
-أنا شوفت وسمعت عن أن العريس بيدبح لمراته القطة مع سلامة ابني شوفت لأول مرة العريس والعروسة بيجروا من القطة...
"أمــام الـشـقـة"
تمتم سلامة بنبرة غاضبة:
-هو أنتِ ازاي يا هانم تنزلي من شقتك من غير مفتاح؟!.
هتفت جهاد بسخرية لاذعة وهي تعقد ساعديها:
-هو إيه اللي ازاي؟! كان في وقت يعني؟! وبعدين أنتَ كمان مش معاك مفتاح...
أردف سلامة بجدية:
-وإيه العمل..
تمتمت جهاد ببساطة:
-خبط عليهم مش عمو زهران كان شايل نسخة عنده..
طرق سلامة الباب بخفة هاتفًا بتردد:
-نضال، بابا، كريمة، أصيلة، أي حد فيكم يجيب ليا مفتاح الشقة....
____________
في اليوم التالي...
-واشمعنا المرة دي أنتِ اللي بتتحايلي عليا تروحي معايا غريبة يعني؟!.
كان هذا تعقيب حُسنية التي على وشك أن تنهض حتى تتجهز من أجل الذهاب لتلقي جلستها العلاجية.
تمتمت إيناس بنبرة عادية دون أن تفصح عن رغبتها الحقيقية:
-عادي همشي رجلي واروح معاكي ما أنا قاعدة في البيت علطول مبعملش حاجة وأنتِ اللي نصحتيني أنزل عمومًا وكمان دياب الله يعينه يعني مش بيلحق يريح جسمه ويرتاح.
كانت والدتها تسمعها باهتمام بالغ حتى قالت إيناس بنبرة جادة:
-أنا هقوم أخد دش وهلبس علطول متقلقيش مش هأخرك كلمي بس دياب وعرفيه إني هروح معاكي.
تحدثت حُسنية بنبرة هادئة وهي تشير نحو الأطفال المشغولين بألعابهم:
-طب لبسي العيال الأول.
قالت إيناس وهي ترد عليها:
-لا هما مش رايحين معايا مش هقعد اتبهدل بيهم، حور وهدير زمانهم جايين وهيكونوا هنا قبل ما ننزل.
بعد مرور ساعتين تقريبًا..
اقتنع فيهما دياب بذهاب شقيقته برفقة والدته.
كانت تجلس بجانب والدتها في المستشفى وهي تتلقى جلستها تحاول التهووين عليها والحديث معها في أي شيء، هي والنساء التي يتلقون جلسات كوالدتها؛ ومعهم أخصائية نفسية تابعة للمستشفى تكن في الغالب متواجدة من أجل دعمهم نفسيًا في تلك المرحلة التي ليست سهلة أبدًا.
نهضت إيناس وما أن رأتها والدتها هتفت:
-إيه رايحة فين يا بنتي؟!.
تحدثت إيناس بنبرة هادئة:
-رايحة الحمام واحتمال اجيبلي ازازة مياة وحاجة اشربها.
-ماشي.
بعد تعقيب والدتها الهادئ رحلت إيناس وخرجت من هذا القسم متوجهة إلى الإستقبال هاتفة وهي تسأل أحدى الفتيات:
-هو دكتور جواد عز الدين فين؟!.
تمتمت الفتاة بابتسامة ونبرة لبقة:
-مساء النور يا فندم، حضرتك حالة عند الدكتور؟! ولا لسه جاية تحجزي..
ردت عليها ايناس بتوضيح:
-لا أنا مش حالة ومش عايزة أكشف أنا عايزة أعرف هو موجود ولا لا؟!.
تحدثت الفتاة بعدم فهم من سؤالها لكنها اجابتها بالرغم من ذلك:
-حضرتك عندك مشكلة أو عايزة حاجة معينة؟!.
أردفت إيناس بنفاذ صبر وهي تتمالك أعصابها قدر المستطاع:
-أنا عايزاه هو وعايزة أتكلم معاه.
اندهشت الفتاة من طريقتها ولكنها غمغمت ببساطة:
-عموما دكتور جواد مش موجود دلوقتي ولو موجود لازم اعرف حضرتك عاوزة إيه قبل ما أوصلك ليه.
هتفت إيناس بنبرة هادئة نوعًا ما رغم غرابتها إلا أنها استجابت لمطلبها:
-أنا هسيب معاكي حاجة من فضلك اديهاله، ولو ينفع ممكن ورقة وقلم..
____________
بعد أذان العصر.
كانت تنام جهاد بين أحضانه في الحجرة الأخرى..
لم ينام الاثنان في الحجرة الخاصة بهما بسبب شعورهما بالخوف أو التقزز أسباب كثيرة..
استيقظت جهاد أولا، ثم خرجت من الغرفة متوجهة صوب المطبخ تحاول تسخين أي شيء، فهي لم تتناول أي شيء منذ عودتهما من حفل الزفاف..
وضعت الطبق الملفوف بالورق الألمنيوم في الميكرويف حتى تقوم بتسخين بعض المحاشي وقطع اللحم لكنها بمجرد أن أغلقت باب الميكرويف وقامت بتحديد الوقت سمعت صوت مخيف غير الإشعاع والمنظر الغريب الذي يحدث ومن دون تفكير جذبت المقبس الموضوع في الدائرة الكهربية وتوجهت صوب الغرفة تنادي على سلامة وتضع يدها على كتفه..
-سلامة قوم يا سلامة، قوم بسرعة..
نهض سلامة مفزوعًا من الفراش وهو يمسك ذراعيها:
-إيه؟! القطة السوداء جت تاني هي وعيالها؟! إيه اللي حصل؟!..
-لا اهدى بس الموضوع مش موضوع قطة.
تنفس سلامة الصعداء هاتفًا:
-الحمدلله، اومال في إيه؟!.
ردت جهاد عليه بارتباك:
-الميكرويف كان هينفجر....
_________
بالأسفل كان نضال لتوه قد صعد من الجزارة..
وجد هاتفه يعلن عن اتصال فأخرجه من جيبه ليجد شقيقه مما جعله يجيب عليه ساخرًا:
-إيه في قطة تانية ولدت عندكم ولا إيه؟!.
"لا يا ظريف بس عايز استشارة، البت جهاد حطت الأكل في الميكرويف وعمل صوت وطلع ريحة وظهر إشعاع غريب".
رد نضال عليه وهو يضيق عينه:
-ليه حطت حلة ولا حطت إيه بالظبط الحاجات دي مش بتدخل الميكرويف؟!.
"حطت أطباق الفل الملفوف بالفويل مش عارف فين المشكلة محتاج يروح الصيانة ولا نكلم خدمة العملاء "
كانت إجابة سلامة عفوية وهو يخبره بما حدث ليغمغم نضال متهكمًا:
-الفويل مش بيدخل الميكرويف يا جماعة أنتم كنتوا هتولعوا في الشقة.
ثم غمغم بجدية:
-أنتم الاتنين غير مؤهلين أنكم تتجوزوا ولا تقعدوا في مكان لوحدكم...
"مولود في ميكرويف أنتَ يعني؟ طبيعي نكون مش عارفين اتكلم عدل أنا مسمحش ليك وبعدين يلا سلام أنتَ هتصاحبني ولا إيه أنا عريس وفي صباحيتي مش عايز إزعاج..."
_____________
في التاسعة مساءًا..
ولج جواد إلى المستشفى وهو يحمل حقيبة الحاسوب الخاص به، كالعادة يلقي التحية على العاملين، حتى أقترب من الاستقبال ألقى التحية وكاد أن يرحل لولا صوت أحدى الفتيات التي نهضت من مقعدها وخرجت له..
-دكتور جواد.
رد عليها جواد بهدوء:
-خير.
تمتمت الفتاة بنبرة عملية:
-في واحدة جت وكانت بتسأل عنك وعايزة تشوف حضرتك.
غمغم جواد وهو يضيق عينه:
-مين دي واسمها إيه وعايزة إيه؟!.
هتفت الفتاة بعدم معرفة:
-مش عارفة بصراحة، بس يعني هي سابت لحضرتك دول وقالتلي أوصلهم ليك.
مدت يدها بورقة ملفوفة ومطوية بعناية فأخذها منها باستغراب ورغم أن الفتاة كانت ترغب في معرفة ما كتبته تلك المرأة لكن رغم فضولها الكبير خشيت أن تعبث بها.
-تمام شكرًا.
أنهى حديثه وتوجه إلى غرفته يضع الحقيبة على المقعد الجلدي، ثم جلس على مقعد أخر وثير ومريح.
فتح الورقة ليجد بها عدة ورقات نقدية، وورقة مكتوبة بخط جميل ومنمق يكاد يجزم بأنه من أجمل الخطوط التي رأها في حياته.
ما دون عليها كان ..
"السلام عليكم، أنا ايناس اللي حضرتك دفعت لاولادها واخواتها في معرض الكتاب، أول مرة لما بعت الحاجات مع والدتي أنا عديتها علشانها لأنها شافت أنها هدية كونها أول مرة
لكن أنتَ كررتها تاني وده مينفعش، ولو حصلت صدفة تاني من فضلك متعملش كده؛ لأني مقبلش أن حد غريب يدفع لينا ولو جنية؛ وعمومًا شكرًا ليك".
جمال وروعة الخط وتناسقه يتنافى تمامًا مع ما تم كتابته...
كان ينقصه أن تخرج يدها من بين الكلمات وتصفعه، كانت رسالة مضحكة ومثيرة للاعجاب بالنسبة له، أنها حقًا أمرأة تغضب من دون سبب.
يستطيع تخيل ملامحها وهي تكتب تلك الرسالة....
عدلت من مزاجه رغم ضيقه من تركها للنقود إلا أنها تسببت في ظهور بسمة عابثة على وجهه....
______________
بعد مرور أربعة أيام..
في الشقة الخاصة بـ زهران..
التي لا يقيم فيها مع أولاده..
بل حينما يتزوج بأخرى...
كان يجلس مع شقيق انتصار "خال سامية" الذي أتى اليوم لزيارته بالرغم من أنه كان هنا منذ يومين حينما أتى حمزة وعائلته....
هتف زهران بنبرة غاضبة بعدما سحب نفس من الأرجيلة تحت نظرات شقيق انتصار البالغ من العمر ستون عامًا:
-هو أنتَ مش سامع نفسك بتقول إيه؟! هو إيه اللي نوافق وخلاص هو بنتنا معيوبة؟!!.
صاح الرجل هاتفًا:
-عيب يا زهران اللي بتقوله ده بنتنا زي الفل.
رد زهران عليه بنبرة مغتاظة:
-قول الكلام ده لنفسك لما تيجي تقولي نوافق نجوز البت سُكيتي وبالسرعة دي ولا كأن في حد بيجري ورانا، غير إني مش مرتاح للواد ده.
رد الرجل عليه بجدية شديدة:
-وأنا بقولك الواد وأهله كويسين وناس محترمة وولاد ناس.
تحدث زهران ساخرًا بعدما سحب نفس طويل من أرجيلته:
-مهوا بنتنا بنت ناس وكل الناس ولاد ناس مجبتش التايهة أنتَ.
هتف الرجل بانفعال هو الأخر:
-بقولك إيه يا زهران متعصبنيش بقولك سألت على الواد كويس ومفيش حاجة تعيبه وعنده كافية وشقته جاهزة ومستواه المادي كويس إيه مشكلتك بقا متعقدش الأمور يا زهران الواد طالب البنت بالحلال وداخل البيت من بابه....
ثم أسترسل حديثه بنبرة ذات معنى:
-ما ابنك راح خطب وكتب كتابه، إيه عايزنا نفضل مقعدين البنت جنبكم أنتَ بتتلكك بقا.
صاح زهران في وجهه بنبرة جادة ولأول مرة يخرج عن الإطار الذي يكن دومًا به أن يكون رجلًا مرحًا وصبورًا يتفهم الجميع:
-سامية دي بنتي مش بنت أخويا وعلشان أنا شايفها بنتي أنا مقبلش أن بنتي تتجوز بسرعة كده من قبل ما نعاشر الواد ونعرفه ولو كنت عايزها تتجوز ابني مش علشان هو ابن عمها وبس لا علشان هو الراجل اللي هيصونها مش لمجرد أنه ابني، وموضوعهم اتقفل وخلاص ده مش معناه إني ارميها لأول واحد يجي.
شعر الرجل بأنه تسرع فيما قاله فهو رجل لين القلب تمامًا يتحدث بكلمات سامية التي كانت تخبره بها بأنه ليس له حق حتى يعارض زواجها، إلا لو كان يرغب في جلوسها دون زواج كعقاب..
هتف الرجل بنبرة مترددة:
-مش قصدي يا زهران بس أنا مش شايف الواد فيه مشكلة كويس ومحترم وسألت أنا عنه، وكل حاجة جاهزة مش كل جوازة عملوا خطوبة فيها طويلة هو ده اللي خلاها تفلح بالعكس ده أحسن.
ثم أسترسل حديثه بنبرة جادة بعدما نفذ صبره:
-من الآخر يا زهران البت عايزاه ومبقاش في حد في الزمن ده حد يقدر يمشي كلمته عليه في جوازة، وأنتَ وأنا عارفين أننا منقدرش نمشي كلمتنا على بنت في سن سامية لو معملتهاش برضانا هتعملها غصب عننا مهما حاولنا نمنعها علشان كده نكون جنبها أحسن.
صاح زهران مستنكرًا رغم أن كلمات الرجل كانت واقعية بعض الشيء:
-طب بذمتك مش مكسوف من نفسك وأنتَ بتقولها.
-أنا بقولك الواقع يا زهران في النهاية أنا خالها وأنتَ عمها، علينا النصيحة وخلاص لكن مش هنقدر نمشي كلمتنا في حاجة خصوصا إني بقولك البت عايزاه، وبعدين بلاش أنتَ تعترض على الجواز اللي بسرعة ده علشان مش لايق عليك..
كان تعليقه الأخير متهكم قاصدًا زيجات زهران المتعددة، لم ينزعج زهران من الأمر بل علق بطريقة واقعية:
-علشان أنا راجل كبير وبتجوز واحدة في سني مطلقة أو أرملة يعني أكيد مش هروح اخطب سنة ولا سنتين، بتكون ظروفنا شبه بعض وده الوضع الطبيعي لينا، لكن ده أول بختها أنتَ بتقارن إيه بـ إيه؟!.
غمغم الرجل ببساطة وهو يحاول اقناع زهران:
-فكر في كلامي يا زهران، وبعدين أحنا نكتب مؤخر ونطلب مهر عالي برضو مش هنديله البت بالساهل ولو هو لعبي أو مش جاد أكيد مايته هتبان مع أن الواد وأهله ناس كويسة.
تمتم زهران بانزعاج بعدما سحب نفس من الأرجيلة:
-ربنا يسهل.
______________
في اليوم التالي..
يجلس زهران مع سامية ووالدتها..
بالنسبة إلى انتصار أخبرها شقيقها بما قاله إلى زهران أضعاف مضاعفة يحاول اقناعها بالأمر كما طلبت منه سامية..
تحدث زهران بنبرة جادة وهو يجلس في الشقة الخاصة بشقيقه:
-بصي يا سامية قدام أمك أهو أنا مش موافق على الجوازة دي من قلبي.
سألته سامية بجراءة تناسبها:
-ليه حضرتك مش موافق على حمزة؟! قولي سبب واحد يخليك متوافقش وأنا هقتنع.
رد زهران عليها مستنكرًا:
-مش لاقي سبب أقوله علشان معرفش عنه حاجة أصلا، الجواز مش بمجرد معرفة شغل الراجل ومكان سكنه وعربيته، الجواز أكبر من كده بكتير، الناس عملت فترة الخطوبة علشان يعرفوا بعض أكتر ويعرفوا طباع بعض، فيها إيه لو عملنا حتى خطوبة ست شهور؟!.
تمتمت سامية بتهور واضح:
-أنا اعرفه من أيام الجامعة وهو حد كويس، وبعدين يعني ما نضال كتب كتابه على سلمى بسرعة جدًا حضرتك مقولتش النصايح دي غير ليا أنا بس ولا إيه؟!.
رغم وقاحتها إلا أن زهران رد عليها ببساطة شديدة:
-سلمى نعرفها من وهي عيلة صغيرة وبقالنا سنتين معاشرينهم، وبعدين كتبوا الكتاب في فترة الخطوبة مش كتبوا الكتاب وجبناها تقعد معانا، واصلا احنا بنتكلم في حاجة بدخلي نضال في الموضوع ليه؟.
غمغمت سامية بنبرة هادئة:
-أنا بضرب لحضرتك مثال.
تحدث زهران موجهًا حديثه صوب انتصار:
-إيه رأيك يا انتصار؟!.
ردت انتصار عليه وهي تعقد ساعديها تشعر بالكثير من الهموم بسبب حديث ابنتها كل يوم وهي تصرح بأنها سوف تتزوجه ولا تهتم برأي أحد.
-رأيي في إيه يا زهران هي بنتي سابت ليا رأي ولا كلمة؟! بنتي بتقول بكل بجاحة في وشنا أن رأينا مش مهم.
تحدثت سامية محاولة تبرير كلماتها وهي تحاول جعلها أكثر لُطفًا:
-أنا مقولتش كده رايكم فوق رأسي بس برضو أنا ليا رأي، المفروض انا اللي اختار الشخص اللي اتجوزه.
تمتم زهران بنبرة جادة:
-أنا لأخر مرة بقول اهو علشان اريح ضميري علشان أنتِ في رقبتي يا بنت اخويا، جوازة بالسرعة دي مش حاجة مريحة بالنسبة ليا لكن لو ده اللي أنتِ عايزاه ومصممة أنتِ حرة ومعنديش مشكلة واللي بيشيل قربة مخرومة بتخر على دماغه أول واحد.....
كلمات زهران ازعجت انتصار بشكل كبير...
لأنه سيجعلها تفعل ما تريده..
كانت تظن بأن شقيقها أو حتى زهران سيظل ثابتًا على موقفه..
هو بالفعل ثبت على موقفه لكن بطريقته ستجعل الكرة في ملعب ابنتها وهذا ما كانت تخشاه!!!!!
ما جعل زهران يفعل هذا هو شقيق انتصار بكلماته لأنه يعلم بأنه لا أحد يستطيع السيطرة على فتاة كـ سامية.......
لن يقوم بحبسها في المنزل، غير أنه في موضع حرج بسبب معرفة الجميع لرغبة نضال في الزواج منها سابقًا، وهذا ما يجعله في موضع اتهام قليلًا..
لذلك هو سوف يمرر الأمر ويجعلها تفعل ما تريده تحت عينه ومراقبته لها، مع وضع شروطه...
رغم كل شيء كان يتمنى أن يكون حدسه وظنه بهذا الشاب خاطئًا، وأن تكون هي التي لها رؤية مختلفة عنه وصحيحة....
هو لأول مرة لا يرغب في أن يكون مُحقًا...
الفصل الرابع والعشرون من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
الحنيةُ أزهى تعبيرًا من التصريحِ بالغزَل، والإنصاتُ أكثرُ رحابةً من تبادل الملامة، والتغافلُ أسرعُ وصولًا من إثباتِ التقصير، واستيعابُ التعبِ أعظمُ منازلِ العشق، والطمأنةُ أوسعُ ملاذًا من الاستفهام، واللامبالاةُ مطفأةُ المحبَّة!.
#مقتبسة
“ الوصفة الأولى للسعادة : تجنب
التأمل الطويل بالماضي “ .
— أندريه موروا
أحيانا ً..
لا بل دائما !
يحتاج المرء منا من هو احن
عليه حتى من نفسه
#مقتبسة
_______________
يومٍ جديد..
في أحدى المناطق الساحلية.
في الفندق تحديدًا الجناح الخاص بالعروسين والتي حالتهما لا تصف بأنهما عروسين في أولى أيام زواجهما أبدًا...
جاء سلامة من الخارج بعدما أخذ الأدوية الذي أوصى بشرائها من المندوب الخاص بالصيدلية، كان يلف نفسه بوشاح ثقيل جدًا من اللون الوردي يخص جهاد أتت به، فهو كان يسعل بقوة، ولم يكن يظن بأن أولى أيام زواجه قد يحتاج ملابس ثقيلة كهذه حتى يأتي بها، لا يقرأ الغيب هو...
جلس على الفراش بجوار جهاد النائمة وأخذ يقوم بأخذ الأدوية وتجرع المياة بعدها بألم في حلقه واضح، حينما انتهى وضع يده على المفرش السميك فوق جسدها التي كانت لا تظهر منه أساسًا.
-جهاد، جهاد، قومي يلا كلي وخدي العلاج...
فتحت جهاد عيناها بإرهاق واضح وأعين حمراء، كانت تشعر بالاعياء الشديد بسبب "البرد" الذي أصابهما في اليوم الثالث من شهر عسلهما...
حاولت جهاد الاعتدال والجلوس لتسعل هي الأخرى في وجهه رغمًا عنها بقوة فأخذ يناولها المناديل الورقية هاتفًا بصوتٍ مبحوح ويكاد يخرج منه:
-إيه أحسن دلوقتي؟!.
ردت جهاد عليه بصوتٍ لا يقل تعب عنه بل رُبما يفوقه وهي تستند على ظهر الفراش:
-اه احسن بكتير الحمدلله عن امبارح، بس زوري هو اللي واجعني أوي.
تمتم سلامة محاولًا بث أي روح من المرح في شهر العسل الذي تحول إلى حجر صحي لأنهما منحوسين:
-كله بسبب صاحبتك أم عين مدورة وحلق مدور، وبسبب خرم مناخيرك ده طبيعي كل العكوسات تحصل بسببه أو في عين راشقة فينا مش عارف بصراحة العطلة منين..
أردفت جهاد بغضب وإعياء واضح:
-والله مفيش حد بيجي الساحل في عز الشتاء طبيعي نأخد برد هو كل حاجة تجيبها عليا أنا؟ ما تجيبها على اختيارك..
غمغم سلامة بجدية وهو ينظر بها يأعين حمراء وتدمع بسبب البرد:
-مش أنتِ اللي صممتي يومها نتصور على البحر، الغروب على البحر هيكون تحفة يا سلامة..
كانت كلماته الأخيرة يقلدها فيها...
قالت جهاد مدافعة عن نفسها:
-أيوة بس أنا قولتلك من قبل الفرح خلينا نروح الأقصر وأسوان على الأقل كان الجو هيكون دافي شوية.
تمتم سلامة ساخرًا:
-الاقصر وأسوان يوم سفر ضايع رايح ويوم وأنتِ راجعة ومفيش إجازة لكل ده وبعدين بطلي رغي بقا، أنا أصلا مش عارف ازاي بعد بكرا هنسافر واسوق أنا حاسس إني تعبان، ياريتنا ما جينا بالعربية وكنا جينا بأي حاجة على الأقل مكنتش شيلت همها.
هتفت جهاد مقترحة:
-اتصل بحد يجي ياخدنا.
صاح سلامة مستنكرًا تلك المرة وهو يهتف بجنون وحرج:
-والله صح هو ده اللي ناقص فعلا أقول لحد تعالى خدنا علشان يبقى شكلنا عيال في المدرسة، احنا شكلنا عرة لوحده وكله بسببك وبسبب اللي عملتيه علشان القطة..
جحظت عينا جهاد وهي تخبره ساخرة:
-مين دي اللي عملت علشان القطة؟! ده أنتَ اللي شوفت القطة كأنك شوفت عفريت أصلا فضلت تصرخ ووشك أزرق وده اللي وترني أصلا.
رد عليها سلامة متهكمًا:
-اه بقت المشكلة دلوقتي في سلامة.
تحدثت جهاد بجدية وغضب مكتوم:
-خلاص يا سلامة بقا احنا الاتنين فينا مشكلة ونحس مُركب خلاص مش هنقعد نرمي المصيبة على التاني أحنا بقينا باكدج على بعضه.
هتف سلامة بهدوء وهو ينظر لها بعدما وجدها محقة بعض الشيء ليس لديهما طاقة حتى للشجار، هل يقضى كل الأزواج شهر عسلهما بتلك الطريقة أم أنهما أصابتهما لعنة لا يدري سببها:
-طب يلا قومي كُلي علشان تخدي العلاج.
هزت رأسها موافقة ليعلق سلامة بحسرة:
-أنا كان مخيلتي أن شهر العسل بتحصل في حاجات غير اني اصحي مراتي علشان تاخد العلاج.
تمتمت جهاد بعدما أخذ تسعل بقوة:
-مش وقته يا سلامة بقا اطلب لينا اتنين ينسون زوري واجعني...
______________
تجلس إيناس في الشقة مع هدير التي تتواجد في منزل عائلة زهران خطاب.
كعادتها تمر عليها يوم واليوم التاني تمر عليهما هدير وهكذا تسير الأيام بينهما تحاول عائلة دياب العناية بـهدير قدر ما يقع في يديهما..
كانت إيناس ذاهبة لشراء احتياجات المنزل بينما أطفالها يجلسون مع والدتها وشقيقتها في المنزل وهي تعلم جيدًا بأن هدير في المنزل اليوم ليس لديها دروس لذلك قررت الذهاب إليها ورؤيتها، كما تطمئن على حالها....
قالت هدير بنبرة هادئة:
-والله متقلقيش عليا يا إيناس صدقيني أنا كويسة جدًا صحيح كنت في الأول مش واخدة إني اقعد لوحدي وفي شقة جديدة بس مع الوقت اتعودت والبيت هنا أمان وطنط انتصار علطول بتيجي تسأل وتطمن عليا وتبعتلي غداء رغم أن بيكون عندي بس هي بتصر وحقيقي أنا بدأت أخد على الوضع الحمدلله.
ثم نظرت لها قائلة بامتنان حقيقي، فـ إيناس أمرأة يفيض منها الحنان، خُلقت لتكون أمرأة، أم، شقيقة وابنة، يا ليت شقيقتها كانت تحلت بربع حنانها وأخلاقها لم تكن قد أقدمت على فعل كهذا..
-وأنتِ وهدير وطنط حسنية وكلكم بجد مش سايبني ربنا يخليكم ليا..
ابتسمت لها إيناس هاتفة بـرقة:
-مفيش حاجة محتاجة الشكر يا حبيبتي، والشكر اللي أنا عايزاه بجد أنك تركزي في دراستك ومستقبلك وتهتمي بكورس الإيطالي اللي بتروحيه علشان لما تسافري لاخوكي..
تجهمت ملامح هدير ثم نظرت لها بنظرات غير مفهومة بالنسبة إلى إيناس، ثم غيرت الموضوع تمامًا قائلة دون أية مقدمات وكأنها ترغب في البوح إلى أحد قبل أن تجن:
-أحلام بعتت ليا على الواتساب والفيس بتسألني أنا عاملة إيه بكل برود وكأنها كانت نايمة في البيت امبارح.
ابتسمت هدير مستهزئة مما تقصه على إيناس التي تنظر لها باستغراب شديد هذا ما جعل هدير تستكمل حديثها:
-بكل بجاحة بعد المدة دي كلها وبعد اللي عملته فيا وفي أخوها بعتالي رسالة باردة من كلمتين بتسألني عاملة إيه تخيلي...
تنهدت إيناس ثم سألتها بعفوية رغم صدمتها وترقبها لاستكمال الحديث:
-رديتي عليها؟!.
تمتمت هدير بعد نفس طويل أخذته لتخبرها بما فعلته وهي تشعر بالقهر حقًا شقيقتها قامت بالقضاء عليها:
-أنا فتحت الرسالة أول ما بعتتها، كان جايلي شعور غريب أوي يا إيناس قعدت أكتب رسالة طويلة أوي بعاتب وبشتم وبخرج كل اللي جوايا واللي عايزة أقوله ليها، بقولها ليه عملتي فيا كده؟ ليه عملتي في أخوكي كده؟، كتبت كتير أوي وأسئلة كتير كانت في دماغي وأنا عماله أكتب لغايت ما كنت خلاص هبعتها لقيتني بمسح كل اللي بكتبه حسيت أن حتى العتاب خسارة فيها.
ابتلعت ريقها بألم كبير وهي تخبرها:
-بلكتها من كل حتة؛ مش عايزة حتى افتكر في يوم من الأيام أنها أختي.
لذلك يبقى السؤال...
هل من الممكن أن ينسى شخص، شقيقه الذي يحمل دمه مهما فعل به؟ هل من الممكن أن تنقطع الصلة بين الأشقاء بتلك السهولة مهما كان السبب فظيعًا ومروعًا رُبما قاسيًا...
تلك العُقدة والعلاقة التى تحاكى وتغنى بها الجميع وذكرت في القرآن الكريم هل من الممكن أن تنقطع أواصرها بسهولة؟!..
أم أن الأمر متروك للزمن..
فـرُبما لكل قاعدة شواذها وكذلك ينطبق على العلاقات...
تمتمت إيناس بنبرة هادئة وهي تحاول عدم التطرق إلى الأمر قدر المُستطاع لأن الجرح غائرًا ومازال حديثًا وحتى ولو شفى سوف يترك ندبة لا تعلم كيف سيصبح أثرها..
-أهم حاجة أنتِ واخوكي يا هدير، حبي أخوكي وكوني عوضه عن اللي شافه من أشرف ومن أحلام، كوني أنتِ العوض الحقيقي ليه يا حبيبتي.
بعد مرور نصف ساعة...
كانت إيناس تقوم بتحضير الطعام لها قبل ذهابها إلى السوق فهي ترغب في ترك طعام محفوظ في البراد من أجل هدير التي لا تفرق عن حور شيئًا الاثنان لا يحسنا أبدًا طهي الطعام وتحضيره.
بينما ذهبت هدير لشراء البهارات التي تحتاجها إيناس حتى تستكمل طبختها بعدما اتصلت بـوالدتها وتأكدت من أن الأمر على ما يرام مع أطفالها..
أثناء تحضيرها إلى الطعام كانت تفكر في طليقها ليس لأن الشوق يجتاحها أو أنها تقع ذليلة العشق بقدر كونها تشعر بالاستغراب من استمراره في إرسال النقود ولا تعلم لما لم تخبر دياب بالأمر!!
لا تعلم ما الذي تخشاه حقًا؟!..
والدتها هي فقط من تعلم وتشعر بالاطمئنان الشديد التي تراه إيناس سذاجة ولا تشعر أبدًا بتلك السكينة التي تحتل قلب والدتها...
تنهدت ثم تركت التفكير في الأمر....
المهم بالنسبة لها الآن بأنها تبحث عن روضة لإرسال أطفالها فيها، فهن بلغوا من السن ما يجعل الأمر متأخرًا حتى...
هي فقط تشعر بالخوف وترغب في إرسالهم إلى روضة أمنة تجعلها تشعر بالراحة فمازالت حديثة وجديدة في تلك الأمور ولم تعتد على ابتعاد أطفالها عنها.
وسط ما كانت تقوم بتقليب الطعام مفكرة بأن عليها إخبار دياب بأمر النقود قبل حتى أن تجد روضة مناسبة حتى لا يكن الأمر مفاجئًا بالنسبة له حينما يسألها من أين أتت بتلك النقود؟!
أخرجها من شرودها....
صوت هاتف هدير التي لم تأخذه معها ولم يتوقف عن الرنين وهو موضوع على رخامة المطبخ أمامها ومنذ هبوطها تلاحظ اتصال طارق أكثر من خمس مرات............
شعرت إيناس بالتردد لكنها في النهاية قررت الإجابة عليه حتى لا يشعر بالقلق كونها تختبر جيدًا شعور العجز والخوف فـليس هناك وسيلة بالنسبة له للاطمئنان على شقيقته سوى جهاز سخيف في بعض الأحيان....
هو مسجون خلف القبضان ومقيدًا بقيود مختلفة لكنه لا يختلف عن المسجون في شيء كلاهما العجز حليفهما...
أجابت عليه بالفعل ليأتيها صوته صارخًا بعنف وقلق يقتله:
-أنتِ مش بتردي ليه يا هدير؟! ناوية تجننيني، أنتِ المفروض في البيت يعني.....
ابتلعت إيناس ريقها لتخبره بصوتٍ هادئ يختلف عن ثورته تلك:
-أنا إيناس يا طارق، متقلقش هدير كويسة هي نسيت بس الموبايل وبتجيب حاجة من السوبر ماركت.
تنفس طارق الصعداء وبدأ يشعر بالارتياح قليلًا هاتفًا:
-معلش يا إيناس أصلي قلقت عليها.
ردت عليه إيناس بهدوء:
-ولا يهمك أنا رديت عليك علشان اطمنك هي زمانها خلاص جاية أول ما تيجي هخليها تكلمك..
-تمام يا إيناس..
قبل أن تلقي إيناس عليه التحية حتى تغلق المكالمة سمعته يهتف بامتنان حقيقي لمجهودها مع شقيقته، فهي تفعل واجب ما تركته شقيقتها الحقيقية..
-أنا بشكرك وببعتلك سلامي كتير مع دياب، بجد شكرًا ليكم كلكم على اللي بتعملوه مع هدير.
ردت عليه إيناس بنبرة صادقة:
-احنا أهل يا طارق وهدير وحور الاتنين ميفرقوش حاجة عن بعض بالنسبالي، الاتنين اخواتي...
سمعت صوت إغلاق الباب لذلك هتفت:
-اهي هدير جت اهي....
______________
الأيام تمر بسرعة..
كذلك السنين....
ومع مرورها تزداد غرابة...
توقفت عن العمل..
عاد والدها بعد إختفاء طويل جدًا بعدما كانوا لا يعرفون هل هو حي أم ميت، حينما أخبرهم بأنه رد والدتها ثم اتضح أنه كاذبًا واختفى ثانيًا...
تمت خطبتها ليس هذا فحسب بل تم زواجها أيضًا وعُقد قرأنها وتزوجت شقيقتها ثم عاد خالها إلى البلد الذي يقيم فيها.....
مازالت تفكر مع نفسها أي جرعة تناولت أو ما تناولته حتى توافق بإرادتها الكاملة على أن يتم عقد قرأنها، تحت أي سحر كانت مغيبة؟!..
لا تعلم حقًا هي منزعجة إلى حدٍ كبير..
تشعر بالضيق من جلوسها في المنزل كل هذا الوقت..
أصبحت تتناول طعام والدتها من دون الاعتراض على كمية الدهون كما كانت تفعل لم يعد لها نفس أو طاقة حتى للطبخ لنفسها كما كانت تفعل ولكنها تحرص على التناول بكميات قليلة إلا فقط عند "الايس كريم" الذي أصبح شغفها فيه غريبًا وتتناوله بكميات تبدو مهوولة بالنسبة إلى شخصية مثل سلمى...
تتناوله الآن وهبطت دموعها دون توقف مرة واحدة حتى انتبهت لها والدتها الجالسة بجوارها هاتفة بلهفة وحرارة:
-مالك يا بنتي بتعيطي ليه يا سلمى؟!.
مسحت سلمى دموعها بأناملها هاتفة بجدية تناقض ما تقوله:
-وحشتني البقرة بتاعتي وعايزة سلامة يرجعها.
ضحكت يسرا رغمًا عنها هاتفة:
-يا بت احترمي نفسك متقوليش عليها كده بتجننيها، وبعدين اهو اديكي عرفتي قيمتها دي لو عرفت أنك بتعيطي علشانها هتفرح فيكي أوي..
ردت عليها سلمى بضيقٍ ثم أخذت ملعقة من "الايس كريم" التي تتواجد علبته في يدها:
-اهو طلع عندها حق..
انتبهت والدتها بأن العلبة الكبيرة أوشكت على الانتهاء وهي لم تتناول منها من الأساس، فهنا غمغمت والدتها باستغراب كبير:
-هي دي العلبة اللي جبتها امبارح؟!.
قالت سلمى بحرج واضح:
-أيوة هي..
قالت يسرا بنبرة جادة وهي تشرح لها سبب اندهاشها:
-أنتِ مكنتيش بتأكلي الآيس كريم اللي بنجيبه وبتقعدي تعملي واحد صحي كده ميتأكلش...
تمتمت سلمى بنبرة مختنقة:
-عادي قولت أغير زهقانة.
هنا تركت العلبة وهي تفكر هل أصبح الطعام ملجأها؟وأصبحت تتناول أشياء كانت ترفض تنازلها، هل أصبح الطعام عندها يمثل شيء عاطفي؟.
يجب أن تتوقف....
تمتمت والدتها وكأنها قرأت أفكارها:
-لو زهقانة يا سلمى انزلي اخرجي مع صحابك، اخرجي مع نضال، هو معرضش عليكي تخرجوا مع بعض من بعد الفرح؟!.
كان سؤالها الأخير في محله ترغب في الاطمئنان على العلاقة بينهما، فهي تعلم ابنتها حق المعرفة، لكن أي شاب بالتأكيد سيرغب في الخروج والتنزة مع خطيبته أو زوجته بالمسمى الصحيح.
تنهدت سلمى وهي تخبرها:
-بيقولي بس أنا مش حابة انزل أنا مرتاحة كده.
لم تكن كاذبة..
كان نضال من بعد الزفاف خلال الخمسة أيام الماضية يعرض عليها الخروج معه ولكنها ترفض، كل مرة تجد حجة مختلفة وتظهر له سخيفة لكنه لا يحرجها أبدًا وفي الوقت نفسه يجدد عرضه عليها كل مرة...
سألتها يسرا بفضول حقيقي وتخشى أن تكن ابنتها غير سعيدة بخطوتها الجديدة في حياتها تلك، فمن لها غيرها هي وجهاد؟..
هما من أفنت عمرها من أجلهما...
-أنتِ حاسة أنك اتسرعتي في موافقتك على كتب الكتاب طيب؟! ولا أصلا إيه اللي خلاكي تأخدي قرار زي ده، كلنا عارفين الحاج زهران بيطق في دماغه حاجات غريبة لكن لو مكنتيش عايزة مكنتيش وافقتي يعني.
تمتمت سلمى بنبرة كاذبة:
-مش حاسة إني اتسرعت ولا حاجة يا ماما أنا بس الفترة دي كل حاجة حصلت ورا بعضها وأنا قلقانة وبعدين يعني المفروض تكوني فرحانة..
ردت عليها يسرا بنبرة صادقة وهي تناظرها بأعين حنونه:
-أنا هكون مبسوطة ومرتاحة وفرحانة لما احس أنك فرحانة بجد.
كادت سلمى أن ترد عليها لكن سمعت صوت هاتفها الموضوع في الغرفة وكان صوته ضعيفًا جدًا بسبب المسافة لكنها سمعته.
أردفت سلمى بنبرة هادئة وشبه ناعسة فهي لم تتخلى
عن نومها مبكرًا واستيقاظها في الصباح الباكر:
-هشوف مين بيرن وهنام بقا الساعة عدت عشرة أنا كده سهرت...
أومأت والدتها برأسها بإيجاب ثم قالت أثناء رحيلها:
-ماشي تصبحي على خير وأنا برضو هخلص المسلسل وهنام.
قالت سلمى قبل أن تغلق باب الغرفة:
-وأنتِ من أهل الخير...
سارت بخطوات متوترة صوب الهاتف الذي توقف على الرنين في الوقت الذي ذهبت إليه، لكن المتصل كان لحوحًا فـ ها هو يصدع صوته مرة أخرى...
هي لا تدرك معنى أن يكون نضال لحوحًا هذا ما لا يعتاد عليه ولا يتواجد في صفاته بل اكتسبه مؤخرًا معها هي وحدها.
فتحت سلمى الاتصال وقبل أن تتفوه بشيء أتاها صوته مترددًا:
-إيه نمتي ولا إيه؟!.
دخلت إلى فراشها أسفل الغطاء وهي تحدثه بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-يعني أنتَ عندك احتمال إني هكون نايمة لأن ده وقت نومي ومع ذلك كررت اتصالك؟!..
لا تدري هل كانت ساخرة أم مستنكرة في حديثها؟!
لكن لا شك أنها كانت تشعر بالدهشة.
تمتم نضال بصوتٍ رخيم أتاها من الهاتف:
-المهم أنك الحمدلله صاحية يبقى مشلتش ذنب إني صحيتك من النوم.
قالت سلمى بنبرة لم تكن فظة بالرغم من كلماتها:
-غريبة أنك بتتصل بعد الساعة تسعة مع إني قولتلك قبل كده...
قاطعها نضال بثبات كبير بهيمنة الرجال التي تبغضها لكنه معه لا تروق لها لكن رُبما تتقبلها:
-وقتها كنت خطيبك لكن دلوقتي أنا جوزك حتى لو في بيت أهلك أعتقد لازم يتعمل ليا استثناء بسيط زي ده.
-أنا مبعملش استثناء لحد.
يا لها من أمراة فظة..
تصرفاتها تغضبه لكنها تجعله يشفق عليها أو يحزن، كأنه يُدرك هشاشتها خلف كلماتها المستفزة بالنسبة إلى رجل يمتلك عقل وقلب شرقي إلى حدٍ كبير كـنضال..
لكنه لسبب لا يعرفه يحاول الهدوء..
يحاول أن يتقبلها...
رغم أن سامية التي كانت تعتبر حب طفولته كما كان يظن ويصف لكنه لم يتحمل عنادها معه كما يفعل مع سلمى ويحاول التبرير لنفسه رُبما بأنه يحاول التعامل مع وضع تم وضعه فيه بالاجبار..
لــكــن..
هل اهتمامه نابع من كونه مجبور..
أم يشعر بالفضول حيال تلك الفتاة غريبة الأطوار...
أو هناك سبب مازال يجهله..
رغم أنه رجل مثله أو في موضعه كان يجب عليه أن يسمعها ما لا يرضيها أبدًا أو حتى يغلق المكالمة في وجهها إلا أنه سألها عن أحوالها بهدوء شديد:
-عاملة إيه النهاردة؟.
ردت عليه ببساطة وكأنها لم تكن تلك المرأة الفظة منذ ثواني:
-الحمدلله بخير، أنتَ عامل إيه؟!.
-أنا كويس الحمدلله، إيه لسه الجيم اللي روحتي عملتي فيه انترفيو مكلموكيش؟.
ردت عليه سلمى باقتضاب وعادت ملامحها صلبة كـنبرتها مجددًا:
-لا.
تمتم نضال بنبرة مواسية إلى حدٍ ما:
-لعله خير ان شاء الله.
-ان شاء الله.
قالت سلمى وهي تحاول إخباره بما حدث معها لأنها لا ترغب في أن تكون وقحة معه إلى تلك الدرجة تحديدًا لأنه يهتم لأمر عملها وهو من قام بتوصيلها عند مقابلة عملها بعد زفاف شقيقتها بيومين...
-يعني مدام متصلوش كل ده يبقى مش هيتصلوا خلاص.
رد عليها نضال بفتور:
-الله اعلم.
أخبرته سلمى بما حدث وكأنها تثرثر كان هذا الأمر بالنسبة إلى سلمى التي لم تعتد أن تخبر الحميع بما يحدث معها ما هو إلا ثرثرة:
-صاحبة الجيم القديم كلمتني قالتلي أن ممكن بالكتير على أخر الشهر تكون المشكلة اتحلت يعني وده هيكون بالنسبالي أحسن كتير علشان أنا اعرفهم ومكان شغلي من سنين، وحتى البنات اللي بتيجي اعرفها يعني أفضل من إني ابدأ في مكان جديد وربنا يعمل اللي فيه الخير.
هتف نضال بسعادة استطاعت الشعور بها:
-كل تأخيرة وفيها خيرة زي ما بيقولوا.
-معاك حق.
سألها نضال بنبرة هادئة:
-إيه معقول لسه مزهقتيش من قعدة البيت؟! مش ناوية تنزلي في يوم نروح أي حتة، أنا لو منك كنت اتجننت من القعدة الايام دي كلها.
سألته سلمى برغبة تدب في أوصالها لمعرفته عن كثب:
-ليه مبتحبش قعدة البيت للدرجة دي؟!.
تمتم نضال بجدية يغدق عليها بالمعلومات التي تريدها عنه:
-بحبها لو معايا دياب أو لو كلنا موجودين وبنسهر مع بعض أو لما احب افصل بس كبيرها يوم واحد لكن مقدرش أقعد كل ده حتى لما مبيكنش ورايا حاجة ممكن انزل اعدي على الجزارة أو اروح اصلي في الجامع واطلع مبحبش أفضل مكاني يعني بزهق، بحب اتحرك.
ثم أسترسل حديثه عابثًا:
-بس واضح انك انتِ بتحبيها.
هي لا تحب الجلوس لمدة طويلة في المنزل على العكس كانت تحب حياتها العملية إلى حدٍ كبير بل كانت تعشق أن تغيب أحدى زميلاتها في العمل وتحضر مكانهن.
لكنها ترفض الخروج معه متهربة..
كأنها تسجن ذاتها في المنزل ولا ترغب في أن تفضح مشاعرها أو لتكن صادقة تخاف أن تتعمق معه أكثر..
مــن مثل سلمى يخاف على مشاعره أكثر مما يخاف على حياته..
لم يجد منها رد فقال برغبة لاستكشاف المرأة التي أصبحت زوجته:
-في مكان بحب اروحه إيه رأيك نتغدى فيه يوم الخميس وياريت متجبيش عذر جديد علشان كلهم خلصوا، ولو هتتحججي بوالدتك أنها متبقاش لوحدها علشان جهاد مبقتش موجودة ناخدها معانا بس انزلي..
أخجلها بكلماته وكأنه يخبرها بأنها فاشلة ولا تتقن فن الكذب كما تتقن الحدة...
-أنا موافقة..
______________
جاء والدها اليوم..
لم تكن زيارة عادية أبدًا...
بل جاء طافحًا بالسعادة ومهنئًا لها بالنجاح..
لم تظهر النتيجة بشكل رسمي بقى لها أيام معدودة ولكنه بطريقة ما قبل إعلانها أستطاع معرفتها من الرجل ذاته الذي قام بنقلها رغم فوات الموعد الخاص بالتسجيل..
كان فخورًا بها أنها استطاعت النجاح بعد سنوات من الانفلات وعدم المسؤولية رغم محاولته ردعها بكل الطرق اللينة والحادة لذلك كان هذا الخيار الأخير..
من لديها غيره؟....
إذا توفاه الله في أي وقت من عنده يرثه غيرها؟، ومن سوف يهتم بها ويتحمل طيشها؟ من سيقف بجوارها حينما تكن معها ثروة طائلة وهائلة إلا ومن هو يطمع بها....
كان يجب عليه أن يعطيها درس في الحياة أن تعلم بأن النعم التي أغدق الله عليهما بها والرفاهية التي تحيا بها ليس شيئًا طبيعيًا...
أحيانًا قد يكون الحل هو تذوق مرارة الحرمان بعد أن يألف القلب النعم وتصبح بالنسبة له شيئًا طبيعيًا..
قام بتزويد مصروفها خمسمائة جنية ليس هذا فحسب بل أعطاها هاتفها القديم الذي وعدها به، كانت ترغب في الحاسوب المحمول وباقي أجهزتها الإلكترونية لكنه رفض يجد أن هذا يكفي ورضيت هي لأول مرة بأن تحصل على جزء مما طلبته عوضًا عن حالتها في السابق...
فهي كانت ترغب في أن يعطيها والدها ضعف ما تطلبه في أي شيء وإذا لم يحدث تشن تمردًا وتزيد تهورًا...
علم بأمر المقاطع التي تنشئها ولكنه لم يعترض هو يتركها تمارس حياتها الجديدة وهو له النتائج، كما لم يكن شيئًا معيبًا في مجتمعه.
هو عرف بأمر المقاطع لكنها لم تخبره بأنه هناك مقطع انتشر لها هي وشقيقة دياب لم ترغب في أن تخبره هذا الجزء كما امتثلت بهية إلى مطلبها...
تمتم محمد وسط الحديث بعفوية قاصدًا إخبار بهية بالأمر بعدما أخذ رشفة من قهوته:
-صحيح اللي اسمه دياب ده..
انتبهت بهية لحديثه في الوقت ذاته التي انتبهت ريناد إليه بكل خلية من خلايا جسدها عند ذكر اسمه وكأنه يفرض نفسها عليها بأن تهتم بكل ما تخصه:
-ماله دياب؟
كان هذا تعقيب بهية بينما ريناد كانت تشعر بالتوتر يتزايد والفضول يتفاقم إلى أن تحدث والدها مشكورًا:
-جبت له شغل واتصلت بيه لأني كنت مسجل رقمه من زمان قالي أنه مش حابب يشتغل ومرتاح في شغله.
يبدو أن والدها شعر بتأنيب الضمير لذلك رغب في أن يعوض دياب عما اقترفته ابنته...
هكذا كان تفكير ريناد..
فقالت دون أن تدري بصوتٍ مسموع:
-طب ليه مأصرتش عليه؟!.
رمقها والدها بنظرة غريبة لم تفهمها لكنه قال بنبرة جامدة وعملية من الدرجة الأولى:
-مفيش بينا ود ولا كلام لدرجة إني اتحايل عليه، والشغل عرض وطلب هو أدرى بظروفه وحياته وكل واحد حر.
عند تلك الكلمات لم تستطع ريناد التفوه بحرف أخر ولا تدري لما شعرت بالقلق من نظرة أبيها...
_____________
-شوفت خالها بيقول إيه بقا؟ أنا عن نفسي مش راضي وبرأت ذمتي ياريت هي بس تفكر كويس.
كان زهران يخبره ابنه نضال بما يحدث معه منذ أسابيع وما يحدث مع ابنه شقيقه، وحديث خالها معلنًا عن موافقته، كان نضال خرج من غرفته بعدما استعد للهبوط وانتهت مكالمته مع سلمى..
هتف نضال بعد تنهيدة خرجت منه:
-كلام خالها مستفز و**** بس نصه صح وحقيقي، هي فعلا عنيدة ومش صغيرة سيبها تعمل اللي هي عايزاه وريح دماغك في النهاية هي هتتجوزه.
من الممكن أن يتوقع زهران من أن هذا الحديث قد يخرج من سلامة، بل من الممكن أن ينطق به الحائط ولكنه لم يتخيل بأن تخرج تلك الكلمات من فم نضال أبدًا كانت صدمة بالنسبة له..
تمتم زهران بنبرة غاضبة إلى أقصى حد بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-هي أمانة أخويا، وكون أن الوضع مش مريحني وإني مضطر أوافق على حاجة زي دي مجنني.
رد عليه نضال بنبرة جادة ولامبالية في أعين زهران:
-عمي نفسه الله يرحمه لو كان عايش كان هيعمل ليها اللي هي عايزاه، سامية طول عمرها صيتها من دماغها وهو كان السبب في دلعها؛ مش هتيجي مرة واحدة تسمع كلام حد ومدام خالها وكله موافق ريح دماغك.
قال زهران بجدية:
-مهوا ريحت دماغي وقولت هقف جنبها وخلاص بس مش مرتاح برضو أنا حتى لسه مكلم الواد الصبح وقولتله على طلباتي هو اتصدم وقالي هيكلم أهله وبعدين هيكلمني.
كاد نضال أن يتحدث لولا صوت الجرس الذي نما إلى سمعهما فنهض من مكانه ثم أخذ ميدالية مفاتيحه وهاتفه ففي كل الأحوال هو كان على وشك الهبوط ولكنه حينما رأى والده مهمومًا قرر الحديث معه..
فتح الباب ليجد أمامه سامية التي عادت خطوة للخلف حينما رأت وجهه لكنها حاولت تجاوز الصدمة سريعًا وكبتت انفعالها:
-أزيك يا نضال.
رد نضال عليها بنبرة عادية خالية من أي تعبير:
-الحمدلله.
ثم وجه حديثه إلى والده الذي يجلس بالداخل:
-أنا نازل يا بابا، وسامية اهي جت..
أنهى حديثه ورحل بوقاحة كما وصفته كونه لا يعيرها أي اهتمام لكن ليس وقته بالنسبة لها هي جاءت من أجل شيء أكثر أهمية في نظرها منه.
فولجت إلى الشقة ثم أغلقت الباب خلفها بغضب متوجهه إلى الداخل حيث يجلس زهران الذي هتف بمحرد رؤيتها:
-اهلا يا سامية يا بنتي؟ إيه اخبارك؟!..
تمتمت سامية بنبرة مغتاظة:
-أخباري إني مش كويسة.
بدأ زهران يشعر بالسبب الحقيقي التي جاءت من أجله لكنه هتف بنبرة هادئة بعدما سحب نفس من أرجيلته مرة أخرى:
-ليه بس يا بنتي مالك؟.
تمتمت سامية بغيظٍ حقيقي وعدم رضا واضح:
-حضرتك طالب طلبات مبالغ فيها من حمزة..
ترك زهران خرطوم الأرجيلة بغضب بعدما قذفه على الطاولة هاتفًا:
-بقولك إيه يا بت أنتِ أنا ساكت وبحاول امشي الجوازة علشانك لكن انا مش مركب قرون يا سامية علشان الباشا يتصل بيكي كل شوية يشتكي زي النسوان من الطلبات اللي قولتها ولغايت دلوقتي مفيش بينكم حاجة رسمي..
ابتلعت سامية ريقها بتوتر وهي تسمعه يهتف بنبرة جادة:
-وبعدين طلبات إيه اللي طلبتها؟ غير أنه يغير عفش الشقة كله ومتدخليش على عفش قديم يا بنت اخويا، وطلبت منه المهر مش هو عايز يتجوز جواز شرعي ولا يكتب قايمة ولا غيره، يبقى يدفع المهر اللي أنا أطلبه واشوفه مناسب والشبكة متكلمتش فيها لأنها هديته هو حر ايكش يجيب ليكي دبلة بس مش مشكلتي....
ثم أسترسل حديثه بجدية شديدة لا تعتادها من زهران إلا في الأوقات العصيبة جدًا:
-مهر إيه اللي بتتكلمي عنه يا ست سامية ده مش ثمن ربع الدهب اللي معاكي واللي هيدخل بيته، وبالنسبة للمؤخر ميعترضش عليه إلا اللي ناوي على الغدر.
هتفت سامية بتردد:
-احنا بندور على راجل كويس يا عمي مش بندور على فلوس.
-وأحنا مش محتاجين فلوس ولا بندور عليها ولا اللي طلبته ده يساوي ظفرك من أساسه لكن دي شروطي مش كل حاجة هتمشي على مزاجك لا في حاجات بتمشي بالأصول يا بنت أخويا وياريت متنسيهاش ولا تتكلمي معاه طول ما مفيش بينكم حاجة أنتِ سامعة؟!.
ردت عليه سامية كاذبة وخائفة من طريقته وكأنها تجد وجه أخر من عمها:
-أنا مش بكلمه اخته اللي كلمتني وقالتلي، وأنا بس حبيت أفهم حضرتك عايز تعمل كده ليه.
قال زهران بنبرة واضحة ناظرًا له نظرات لو تفهمها أنه لم يصدق ولا كلمة مما قالتها:
-واديكي عرفتي أنا بعمل كده ليه بعليكي وبغليكي متقليش أنتِ من نفسك يا أستاذة سامية وسمعيني بقا أنتِ عندك اعتراض؟!.
زفرت بضيقٍ ثم غمغمت:
-معنديش اعتراض اللي تشوفه حضرتك.
______________
القهوة البلدي التي تتواجد في حيهم..
سوف تظل المكان المفضل دومًا لهما مهما تعددت الخيارات....
يقوم دياب بتدخين سيجارته بعدما ألقى الخبر على مسامع نضال الذي أخذ ينظر له مذهولًا حتى أنه لم يخرج عن صمته بسهولة إلا حينما فاض به الكيل..
-يعني الراجل جاب ليك شغل في مكان زي ده وأنتَ رفضت؟!...
تمتم دياب بنبرة هادئة:
-أه هو أنتَ بتكرر كلامي ليه؟! مهوا ده اللي أنا لسه قايله قدامك، أبوها بس ضميره وجعه فحب يشوف ليا شغل لا أكتر ولا أقل بعد ما عرف أن بنته السبب.
رد نضال عليه ساخرًا وهو ينظر له بعدم فهم فهو يشعر في الآونة الأخيرة بالغضب كونه لا يعلم حقًا ما الذي يدور في عقل صديقه وكأن بينهما حائل غير مفهوم:
-وإيه المشكلة يا فقري لما تقبل ما أنتَ مش لاقي شغل وحاجة شبة اللي كنت فيها لا وأحسن كمان ترفض ليه يعني ولا هو رخامة وخلاص؟!...
تمتم دياب بنبرة واضحة وهو يخبره بما يدور في عقله بعدما أطفأ سيجارته:
-أفهم يا نضال أنا المرتب اللي هاخده في الشغل حرفيا مش هيكفي حاجة حتى لو ضعف مرتبي القديم، التوكتوك اه شغلانة بنت **** لكن فلوسها أكتر وبنجز بيها الدنيا غير الشغل عندكم، أنا أكيد مش حابب أفضل في القرف لكن ده وضع مؤقت.
ثم صاح بنبرة مستنكرة أثارت شكوك نضال:
-وبعدين أنا مش عايز حاجة من طرفهم أصلا.
هتف نضال ساخرًا:
-أنتَ فقري يا دياب عمومًا، والبت أنتَ مشخصنها معاها أوي وبعدين أنا مش عارف هي قاعدة لغايت امته هي مش هترجع بيتها بقا؟!.
رفع دياب يده إلى السماء متمتمة بنبرة جادة إلى أقصى حد:
-يارب، يسمع من بقك ربنا يارب تمشي النهاردة قبل بكرا..
تمتم نضال بعدم فهم:
-هي قاعدة فوق رأسك؟! وبعدين بقولك إيه متصعدنيش بقا.
تمتم دياب وهو يضيق عينه وهو يتواصل معه تواصل بصري صريح عاقدًا ساعديه متحدثًا بنبرة خرجت لئيمة منه:
-إلا صحيح يا نضال أنتَ بتختفي مرة واحدة ليه؟! ولا هي العروسة خلاص شاغلة وقتك...
قال نضال بنبرة متضايقة بشكلٍ واضح:
-يا عم خليك في نفسك بقا ولا عروسة ولا غيره احنا بنتكلم بالعافية ولا كأن حد ماسك علينا ذلة علشان نكمل في العلاقة دي كله منكم..
لم يجعل دياب يتهرب من الأمر بل هو من أراد غلقه هاتفًا بجدية:
-في موضوع كده في بالي بدوره في دماغي و لو اللي في بالي تم هقولك أنا بختفي فين..
رد دياب بفضول وسخرية في الوقت ذاته:
-ربنا يسترها.
_____________
عادت سامية إلى شقة والدها مستشاطة غضبًا من عمها وبالرغم من أسئلة والدتها الكثيرة عن سبب غضبها إلا أنها أخبرتها بأنه لا شيء...
لم تخبرها بأنها ذهبت إلى عمها فهي استغلت وجودها في السوق، وعادت قبل أن تأتي لكن من معالم وجهها شعرت انتصار بأن هناك شيء لكن ظلت سامية تنكر وفي النهاية حينما فقدت الأمل منها ذهبت تصنع الغداء.
بينما سامية توجهت صوب غرفتها وأغلقت الباب خلفها ثم أمسكت هاتفها وقامت بالاتصال به..
ليأتيها صوته منزعجًا:
-أخيرًا اتصلتي؟! أنا كلمتك فوق العشرين مرة ومش بتردي مع أننا كنا بنتكلم عادي و...
قاطعته سامية بشراسة وغضب واضح:
-يعني عايزني أعرف أنه طلب منك الطلبات دي واسكت؟! كان لازم اروح واتكلم معاه طبعًا.
تحدث حمزة معاتبًا أياها وهو يغمغم:
-أنا لو هبيع اللي ورايا واللي قدامي علشان اتجوزك يا سامية هعمل كده، وعمك معاه حق ومن حقه يتشرط عليا وأنا من واجبي أنفذ طلباته كلها مدام في النهاية هتكوني معايا.
كلماته تعانقها...
تلامسها بعدة مواضع لا يصل لها مخلوقًا سواه...
لكن بالرغم من المشاعر الفياضة التي شعرت بها إلا أنها قالت بجديةٍ وضيقٍ حقيقي لم تستطع أن تجادل عمها فيه:
-بس الطلبات دي مبالغ فيها أوي.
رد عليها حمزة بنبرة صادقة:
-ملكيش دعوة أنا هتصرف وبعدين أنا كنت بتكلم معاكي وبفضفض وبقولك المكالمة اللي حصلت ما بينا مش علشان تروحي وتعملي مشكلة وتعقدي الدنيا ده أنا لما صدقت أنه وافق مهما هيطلب..متفكريش في أي حاجة يا سامية أنا هتصرف وهعمل كل اللي يطلع في أيدي واكتر علشان نكون مع بعض....
كلماته تبثها بالطمأنينة لأنها تشعر بمدى صدقها..
هي بالفعل مأخوذة ومعجبة به إلى حدٍ كبير...
يختلف عن أي شخص مر في حياتها هو الوحيد الذي سلب لُبها لذا كان عليها أن تفعل المستحيل من أجل يوافق الجميع على زواجها منه....
______________
بعد مرور شهر..
اتصال من منيرة جعله يأتي من العمل بسبب هذا الزائر.
ولج إلى المنزل وأغلق الباب خلفه ثم ألقى التحية على أحدى الفتيات التي تعمل في المنزل وبمجرد دخوله وجد "عصمت" البالغ من العمر تسعة وستون عامًا تقريبًا وهو ابن عم والده، يمكث في الإسكندرية ولا يأتي إلى القاهرة إلا في النوادر حتى أنه أخر مرة قد رأه فيها يوم العزاء الخاص بوالده..
بسبب حالته الصحية لا يتحمل السفر والعودة حتى أن والده هو من كان يذهب إلى زيارته دومًا، يبدو لن السبب كبيرًا الذي جعله يأتي إلى هنا...
أقترب جواد من المكان الذي يجلس فيه عصمت على المقعد وأمامه على الأريكة تجلس نسمة بجوار منيرة..
-مساء الخير..
كاد عصمت أن ينهض وهو يلتقط عكازه لكن تحدث جواد باحترام:
-خليك زي ما أنتَ..
ثم أنحنى إليه واحتضنه هاتفًا بترحاب كبير بعدما ابتعد عنه وجلس على المقعد الذي يجاور مقعده:
-والله لغايت أخر لحظة كنت فاكرهم بيهزروا معايا وأني هاجي مش هلاقيك.
تمتم عصمت بنبرة حنونة وبها عتاب واضح:
-أعمل إيه بقا مهوا أنتَ مجتش زي أبوك الله يرحمه كان بيعمل ويجيب نسمة معاه فقولت أجي أنا اشوفكم واطمن عليكم وحشتوني أوي.
قالت نسمة بنبرة عفوية:
-وحضرتك وحشتنا.
قاطعت منيرة هذا الحديث الحميمي هاتفة:
-هقوم أخليهم يجهزوا السفرة...
بالفعل تناول الجميع الطعام ومازال جواد لا يشعر بالارتياح من إتيان عصمت الغريب ولا يظن بأن رجل في عمره وأسلوبه منذ سنوات وصحته المتدهورة قد يأتي هكذا دون سبب..
جلس معه بمفردهما بعدما صعدت نسمة حتى تشعر بالراحة قليلًا برفقة منيرة فاليوم استيقظت مبكرًا عن موعد استيقاظها الطبيعي.
سأله عصمت باهتمام ونبرة استطاع جواد أن يستشف أن خلفها الكثير الذي لم يُقال..
-يعني ولا حس ولا خبر ولا حتى ترفع سماعة التليفون تسأل عن عمك عصمت..
رد عليه جواد بحرج:
-حقك عليا والله بس الظروف الفترة اللي فاتت مكنتش أحسن حاجة و...
قال عصمت رغمًا عنه وخرجت من فمه من دون أن يفكر:
-طبعا من ضمن الظروف دي طلاقك أنتَ و رانيا.
رغم أن الجميع قد عرف الخبر بسبب حساب رانيا لكنه لا يظن بأن عصمت عرف الأمر بتلك الطريقة وهنا بدأ يشعر بالقلق...
قال جواد باقتضاب واضح:
-اه من ضمنهم فعلا.
رد عليه عصمت بعتابٍ ولومٍ واضح:
-وليه كده يا ابني هو أنتم عِشرة يوم ولا اتنين؟ ده أنتم كنتوا متجوزين يجي عشر سنين مينفعش مرة واحدة مهما كانت الأسباب تطلقوا ده أنتم حتى عيلة واحدة يا ابني دي بنت عمك عيب عليك...
غمغم جواد كلماته الأخيرة باستنكار شديد:
-عيب عليا؟! هي رانيا كلمتك طبعًا وهي السبب في أنك تيجي وتتكلم في الموضوع.
لم يكن عصمت يُدرك بأن جواد سوف يكتشف ما جاء لأجله بتلك السرعة لكن ليست مشكلة أن يعرف لذلك تحدث عصمت بأعين قوية:
-أه رانيا اللي كلمتني وجت ليا اسكندرية وعايزة ترجعلك يا ابني حرام عليك.
تمتم جواد مقاطعًا حديث الرجل بـسُخطٍ كبير:
-حرام عليا هي قالت إيه ليك بالظبط؟!
هتف عصمت بنبرة جادة وهو يدافع عنها:
-مش هيفرق قالت ليا إيه هي عايزة ترجعلك ومستعدة تعمل أي حاجة أنتَ عاوزها وتنفذ كل طلباتك، وتعمل كل اللي تطلبه منك وتغير كل اللي مش عاجبك فيها، ظلم بنات الناس وحش يا جواد وربنا عمره ما يبارك ليك في حاجة.
تحدث جواد غير مصدقًا تماديها حقًا:
-هي أزاي تسافر ليك وتكلمك في موضوع زي ده..
قاطع عصمت حديث جواد تلك المرة هاتفًا بنبرة جادة وحكيمة:
-وإيه المشكلة يعني؟ واحدة متمسكة بيك وعايزة تعمل أي حاجة علشانك وقررت تدخل حد ما بينكم علشان يرجعكم لبعض، مهما كنتوا كبار يبقى ليكم كبير تتكلموا معاه، وبعدين مينفعش تمسح رانيا من حياتك باستيكة بالشكل ده..
قال جواد بنبرة غاضبة:
-رانيا كانت بتعامل نسمة أسوء معاملة مستحملتنيش لما وقعت وموقفتش جنبي في أكثر موقف كُنت محتاجها فيه، بل طلبت الطلاق، الحقيقة هي كانت الاشجع مني أنها طلبت تنهي وضع زي ده كان المفروض أنا اللي أطلقها من غير ما تطلب ومن زمان مش في ساعتها وبس..
تجهم وجه الرجل ولكنه حتى اللحظة الأخيرة له هنا سيحاول أن يجد حل لهما..
من أجل تلك الفتاة التي أثارت شفقته...
-معلش كانت نفسيتها تعبانة ما عزالدين مكنش عمها بس كان أبوها كمان وطبيعي أنها كانت أعصابها تعبانة برضو واهو أدركت غلطها ومستعدة ترجعلك وتقعد هنا وتعامل نسمة بما يرضي الله فـ ليه العند يا ابني؟!.
قال جواد بنبرة غاضبة ومشحونة كونه يُدرك بأن الرجل الذي أمامه على ما يبدو قامت رانيا أمامه بلعب دور الضحية:
-رانيا علشان تطلقني طلبت مني الشقة تكون باسمها لا بل طلبت كمان إني اكتبلها مستشفى باسمها، رانيا طمعانة فيا مش عايزة راجل تفضل متجوزاه عايزة بنك يصرف عليها لو مقالتش المعلومة دي اديني بقولها ليك.
تلون وجه الرجل ولكنه حاول الدفاع عنها قدر المستطاع:
-متهورة الستات كلها بتحب الراجل اللي يصرف عليها ويدفع وأكيد غلطت في طلبها ده لأن رانيا مش محتاجة فلوس...وقولتلك أكيد كانت هي كمان زعلانة على وفاة أبوك، غير موضوع الحمل مقصر على نفسيتها وكفاية أوي أنها كانت عارفة أنك هتتجوز عليها علشان الخلفة وساكتة ودي حاجة توجع أي ست مهما كان عندك حق.
رد جواد عليه بنبرة غاضبة إلى حدٍ كبير وهو يناظره:
-رانيا مش محتاجة فلوس دي حقيقة لكنها طماعة والطماع ده مش شرط يكون محتاج، وبعدين رانيا مكنتش ساكتة على أني عايز أتجوز علشان هي مكسورة الجناح أو عايزة سعادتي إني أخلف وأن ده حقي لا هي سكتت علشان تقدر تعيش دور الضحية وتطلب بقلب جامد.
ابتلع جواد ريقه وقد فاض به الكيل وها هو يخبره بما لا يعلمه:
-عارف أول يوم رانيا عرفت بيه إني على علاقة بواحدة غيرها وإني هتجوز عملت إيه؟!.
نظر له الرجل بفضول كبير..
مما جعل جواد يخبره بغضب جامح:
-مجتش عاتبتني ولا قالتلي براحتك ولا عبرتني أساسًا لا راحت تعيط لابويا ومش بتعيط علشان عمها يواسيها لا كانت بتبتزه عاطفيًا لدرجة أن من قريب بعد وفاته لما قعدت مع المحامي عرفت أن أبويا السبب أنها فتحت ثلاث أفرع للـ brand بتاعها في نفس الشهر هو اللي اتكفل بكل ده علشان بس يسكتها ومتزعلش.
تمتم عصمت بنبرة غريبة:
-كأنك بتحكي عن واحدة منعرفهاش.
قال جواد بصدق:
-محدش عرف رانيا ولا فهمها قدي بس أنا كنت بعدي وبفوت وكُنت باقي أنها بنت عمي لغايت أخر لحظة لكن ياريتها كانت حاسة بكده..
غمغم عصمت بنفاذ صبر وهو يخبره:
-بقولك إيه يا جواد يا ابني حتى لو كنت اللي بتقوله صح ده مش معناه أنك تيجي عليها بنت عمك وحدانية مهما اتصرفت غلط ممكن تقعدوا مع بعض ونعمل قعدة كده وكل واحد يقول اللي عنده لأن بالطريقة دي محدش فيكم عايز يطلع نفسه غلطان..
ابتلع ريقه ثم أخبره بحنان:
-وكمان أنا بجد حاسس أنها بتتكلم بجد وأنها بتحبك وباقية عليك هتنفذ كل اللي تعوزه، حتى لو اتجوزت عليها ده حقك علشان الخلفة وهي مش هتعترض على أي حاجة.
قال جواد بنبرة يحاول كبت انفعاله فيها قدر المُستطاع:
-أنا متأسف لو حضرتك جاي لغايت هنا علشان الموضوع ده بس أنا ورانيا استحالة نرجع لبعض تاني في حاجات اتكسرت عمرها ما هترجع زي الأول وصدقني رانيا مش ضحية ولا أنا ظالمها...
______________
خلال هذا الشهر...
قام حمزة بتغيير كل ما أراد زهران في الشقة حتى أنه دفع المهر المطلوب منه، وافق على كتابة المؤخر الذي أراده وقام بتنفيذ كافة طلباته وكان هذا من ضمن الأسباب الذي جعلت شقيق انتصار يتفاخر بموافقته الأولية وأن بالفعل الرجل يحب ابنة شقيقته ويرغب في فعل أي شيء حتى يظفر بها..
كان هذا الجانب أراح انتصار والدة العروس نفسها قليلًا ولكنه لم يعطها الطمأنينة الكاملة أو رُبما لأنها أم كانت ترغب في زيجة تحتفل بيها كما يجب فهي ابنتها الوحيدة.
تم عقد القرآن في أحد المساجد بوجود العائلتين وعدد محدود جدًا من الأقارب والأصدقاء...
أخذت سامية تحتضن عمها، والدتها وخالها والجميع قبل ذهابها معه إلى منزلهما..
كانت تشعر بتوتر وارتباك طفيف..
تظن بأنه قد يصاحب أي عروس بعد أن تضع توقيعها على تلك الورقة؛ الحقيقة أنها مجرد ورقة ولكنها تجعل على عاتقك بعض الواجبات وتجعل على عاتق شريكك حقوق لك، ورقة تسمح وتأذن بما كان محرم بل تجعله حلالًا شرعيًا...
ورقة تجعل حياتك تنقلب رأسًا إلى عقب...
رُبما لذلك هي تشعر بالتوتر والارتباك الشديد...
ودعت الجميع وهي ترتدي فستان أبيض بسيطًا جدًا كذلك مساحيق التجميل التي تضعها على وجهها في منظر ومشهد لا يناسب سامية أو "ساسو" خبيرة التجميل التي لطالما انتظر الناس رؤية فستانها ووجهها يوم زفافها...
منذ أن خرجت من دار المناسبات وركبت معه في السيارة متوجهين صوب منزل الزوجية وخلفهما سيارة عمها التي يجلس فيها مع زهران والدتها وخالها لم يأتِ الجميع لأنها ليست زفة بمفهومها الحرفي ولا يستطيع أحد فعل شيء بسبب وفاة والدة حمزة القريبة جدًا...
كانت سامية طوال الوقت صامتة رغم أنه كان يحاول جذب أطراف الحديث معها....
توقف أخيرًا حمزة بسيارته أسفل البناية التي تتواجد فيها شقته في أحد الأماكن الراقية..
هبط من السيارة والسعادة تغمره فتح لها الباب لتبتسم له رغم خوفها وقلقها...
في الوقت ذاته وقفت سيارة زهران ثم هبط الثلاثة منها وخالها أتى بالعشاء الخاص بالعروسين من الحقيبة الخاصة بسيارة زهران..
تمتم خال سامية بهدوء:
-هات المفتاح يا ابني علشان احط ليكم العشاء فوق..
قال حمزة بارتباك طفيف وهو يحاول الحفاظ على ابتسامته وأخرج المفتاح من جيبه وأعطاه له..
-ملهوش لزوم تعبتوا نفسكم..
تحدث زهران بنبرة جادة لكنها باردة:
-مفيش تعب ولا حاجة احنا مش بنتعب في الأصول ربنا يتمم ليكم بخير.
صعد خال سامية وهو يحمل الطعام بينما زهران يستند على سيارته الفخمة، وهنا تمتمت انتصار بنبرة هادئة فهي تجد من أن اللوم أو العتاب قد انتهى وقته:
-خلي بالك على نفسك يا حبيبتي وأنا أن شاء الله هجيلك بكرا يا حبيبتي.
لم ترد عليها سامية بل ألقت نفسها في أحضان والدتها في حركة لا تليق بها لكنها كانت ترغب في الشعور بالمساندة رغم أنها هي سيدة القرار التي أتخذت قرار لا يعجب الجميع.
احتضنتها انتصار رغمًا عنها مهما كانت ابنتها متهورة إلا أنها سوف تظل ابنتها وسوف تظل خلفها في أي قرار حتى لو كان ضد رغبتها...
فمن لها سواها؟.
بعد وقت من العناق والوداع حتى أن خالها الذي ترك الطعام في الأعلى وبعض الحقائب هبط...
صعد حمزة برفقة سامية أمام انظارهم هنا غمغمت انتصار بحسرة وهي توجه حديثها إلى زهران وشقيقها:
-يعني بنتي تكون طالعة مع عريسها كده ومرقعش زغروطة؟!.
كاد شقيقها أن يعاتبها بأن والدة حمزة لم تمر الكثير لكن أعطاها زهران الإذن بقوة:
-زغرطي ولا يهمك حد يا انتصار دي بنتك وفرحتك بيها مش هتتعوض تاني...
لا تدري هل كانت ستفعلها بمفردها؟
أم كانت تنتظر تشجيع أو إذن !!
لا تعلم ولكن بعد كلمات زهران انطلقت زغاريطها التي رنت في أرجاء الشارع الهادئ الذي نادرًا ما تجد فيه سيارة مارة...
كانت وصلت الزغاريط الرنانة إلى أذن حمزة وسامية اللذان يقفا في انتظار المصعد ورغم انزعاج حمزة البسيط من الأمر إلا أنه ابتسم لها ولم يرد بأن يفسد يومهما المميز من أجل أي شيء أما هي كانت صامتة.
دخلت معه المصعد فضغط على الزر الخاص بالطابق الذي يتواجد فيه شقته وما هي إلا دقيقتان تقريبًا وكانت ولجت إلى الشقة برفقته بجسد خائف ومتوتر لا تدري هل شعورها يناسب أي عروس في ليلتها الأولى في منزلها وحياتها الجديدة أم أنها تشعر بخوفٍ بسبب أنها أتخذت خطوة كهذه لا يوافق عليها أحد...
أغلق حمزة الباب خلفه برفقٍ قائلا محاولا جذب أطراف الحديث:
-نورتي بيتك..
ردت عليه بنبرة مرتبكة وهو يأتي ليقف أمامها:
-منور بوجودك..
أقترب منها وأمسك كف يدها ليضغط عليهما بين كفيه برفق وحنان كبير ثم رفعهما إليه وترك قُبلة عليهما متحدثًا بصوتٍ حاني وراغب، متحمس إلى أقصى حد:
-أنا مش مصدق أننا خلاص اتجوزنا بجد فرحان من قلبي يمكن من سنين مفرحتش الفرحة دي كلها..
ابتلع ريقه ثم قال بامتنان حقيقي وتقدير كبير ناظرًا لها نظرات يظهر فيها حبه كمان تراها بأعينها:
-أنا مقدر اللي عملتيه علشاني وأنك خلتيهم يوافقوا، وضحيتي بحاجات كتير علشاني علشان كده أنا عمري ما هخذلك.
سألته بنبرة ضعيفة خرجت منها، نبرة طفلة صغيرة ترغب في الاطمئنان:
-توعدني بكده؟.
كان أخر شيء قاله قبل أن يجذبها إلى أحضانه محاولا القضاء على جميع مخاوفها:
-أوعدك...
❤️❤️🫂
الفصل الخامس والعشرون من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
أحن نص قرأته منذ فترة طويلة:
العالَم
لا يهمّه
كونكِ حزينة،
لكن أنا أهتمُّ،
أيكفيكِ ذلك
نيابةً عن العالَم؟
#مقتبسة
التَوقُف يَقلقني، وأنا أفَضل أَن أُواصل السَير، أَن أَسير دائِماً، أَن أَسير حتىٰ الانهاك، لَم أكُن أرغَب في التَفكير، لأن المَضي قدماً يَمنحني الشُعور بأنني سَأصل إلىٰ مَكان ما، بَينما يؤكِد ليّ التَوقف أنّي لَست في أيّ مَكان .
- إريك سميث
في نيتي أن أخبرك؛ أنه ليس ثمة قصيدة أكثر اكتمالًا
من معرفتك
— أغوستين بورّاس
______________
في المقهى..
بعد عقد قرأن سامية وحمزة...
يجلس نضال مع دياب وسلامة..
الحقيقة لا يتذكر نضال من منهما قام بدعوته ورغب أن يذهب معه إلى المقهى هل سلامة؟! أو دياب؟!.
أم الاثنان معًا..
كان نضال يشرب قهوته بينما سلامة ودياب يتبادلان النظرات فيما بينهما وكأنهما يشعران بالخوف أن يكون نضال يشعر بالضيق من أجل زواج سامية.
تمتم نضال حينما لاحظ أن صمتهما قد طال:
-جرا إيه يا جماعة مالكم ساكتين كده ليه؟!.
ثم نظر إلى سلامة هاتفًا:
-وبعدين أنتَ قاعد معانا ليه وسايب مراتك.
رد سلامة عليه ببساطة:
-مراتي عند امها قولت أقعد معاكم شوية أنا عايز أكون راجل حر وحشتني حياة العزوبية.
ضحك دياب ثم قال بنبرة ساخرة وهو ينظر إلى سلامة:
-أنتَ لحقت يا ابني تحس أن الحرية أحسن؟! محدش عاجبه حاله صحيح.
تحدث سلامة بنفاذ صبر:
-اما صحيح العين علينا حق أنا عرفت العكوسات جاية منين..
عقب نضال على حديث شقيقه ساخرًا:
-بقولك إيه يا بني أنتَ متوجعش دماغنا وتقول محسود ومش محسود يلا روح خد مراتك وروح بقا.
تمتم سلامة بغضب واضح واستنكار شديد:
-هو أنتَ عايز تمشيني ليه؟! هو أنا قاعد فوق دماغك سيبني براحتي أنا هطلب ليا واحد عناب وقاعد على قلبكم.
ثم رفع صوته إلى الصبي الذي يقوم بوضع الطلبات عند الطاولة التي تتواجد بجوارهم:
-واحد عناب معاك يا حودة.
هز الصبي رأسه بهدوء وابتسامة لا تخفي إرهاقه:
-من عنيا..
ثم اختفى من أمامهما وهنا تحدث نضال بنبرة أكثر جدية وهو يخبرهما بما يدور في رأسه منذ مدة:
-في موضوع من بدري برتب ليه، وجه الوقت اللي اقولكم عليه يعني ولسه كنت هفاتح بابا فيه..
لا يدري سلامة كان يشعر بالقلق وذهب عقله بأن الأمر يخص سلمى لذلك غمغم بدون تفكير أو تريث:
-حرام عليك يا نضال ليه تعمل كده يا شيخ؟!.
ضيق نضال عينه متحدثًا بعدم فهم:
-اعمل إيه في إيه؟!.
قال سلامة بغضب تحت نظرات دياب الفضولية:
-مهوا القعدة الصامتة دي مش هيطلع من وراها خير أنتَ عايز تطلق سلمى صح؟ هتخلي اخت مراتي مطلقة وهتقهر قلب أبوك.
قاطعه نضال هنا بغضب حتى كاد أن يقذف الكوب الذي يتواجد بين يديه على شقيقه:
-يا ابني اخرس أحسن هو أنا جيبت سيرة سلمى أساسًا أنا بتكلم على موضوع تاني أصلا.
تنفس سلامة الصعداء....
وارتاح قلبه بينما دياب هتف بجدية:
-في إيه يا نضال؟! قول بقا بسرعة قبل ما اروح استلم التوكتوك.
رد نضال عليه بعدما أخذ نفس طويل وهو يحاول أن يهدأ بعدما جعله سلامة يفقد أعصابه وهو شرح ما يريد قوله تحديدًا قبل أن يذهب دياب إلى عمله..
-بُص يا دياب أنا قررت أفتح مكان جديد يكون مطعم وكافية في نفس الوقت بس الجودة تكون كويسة مش يبقى في حاجة أحسن من حاجة، مكان يجمع بين مكس الأكل الشرقي المصري والأكل الغربي، حاجة تجمع كل الأذواق يكون كذا دور الفكرة بدور في بالي من فترة...
ابتلع نضال ريقه محاولًا الحديث بتوضيح أكبر:
-أنا بالفعل بفكر في الموضوع بقالي فترة وبضبط مع الناس اللي تقدر تكون موجودة في مكان زي ده سواء اللي هيكونوا في المطبخ أو برا المطبخ كل تفصيلة ممكن نحتاجها حتى الديكور، ولقيت مكان مناسب جدًا عبارة عن ثلاث أدوار في ******، حتة حيوية مش منعزلة وده هيفيدنا كتير.
أعجب سلامة بالفكرة ليهتف بعفوية:
-حلو ده، أنا مرة اتخانقت مع جهاد علشان أنا عايز أكل فتة وموزة وهي عايزة تأكل باستا الفريدو، هتلاقيك اقتبست الفكرة من حياتي الشخصية.
تمتم نضال ساخرًا:
-اه اقتبستها منك...اقعد ساكت أحسن.
ابتله ريقه ثم عاد يحاول الحديث بهدوء:
-الفكرة إني عايز كل حاجة تتعمل صح، ميبقاش في فجوة سواء كونه كافية أو مطعم، يعني في ناس كتير عملت الفكرة دي بس دايما في خلل في جزء في المنيو أو حاجة مش بتلاقيها مظبوطة..
سأله دياب بعدم فهم:
-بس ليه أنتَ بتقول الفكرة دي قدامنا الأولى كنت تقولها قدام أبوك الأول لأنك أكيد هتحتاج مساعدته.
رد نضال عليه بتوضيح أكبر:
-ده اللي كنت هعمله فعلا لغاية من يومين بس...
قال سلامة بفضول كبير:
-إيه اللي حصل في اليومين دول؟!.
عقب نضال وهو ينظر إلى دياب هاتفًا:
-كان طارق بيكلمني في أنه عايز يكون له شغل أو دخل هنا أو فلوس يشغلها، ساعتها حسيت أن الخطوة دي مش هاخدها لوحدي..
قال دياب بذكاء وفطنة:
-هتتشارك أنتَ وطارق يعني؟!..
هز نضال رأسه بإيجاب وهو يفسر له:
-أيوة وأنتَ كمان هتشاركنا.
تحدث دياب رافضًا وهو يخبره بغباء:
-لو عايزني اشتغل فيه أنا مش حِمل واحدة تيجي تهزقني تاني..
تحدث نضال بنبرة جادة وواضحة:
-بدأت تقرب أنا مش عايزك تشتغل فيه أنا عايزك تشارك فيه، هتشاركني أنا وطارق....
غمغم دياب باستهجان تحت نظرات سلامة الهادئة وهو يحاول معرفة ما يرغب شقيقه بقوله:
-اشاركك بالصحبة الحلوة يعني ولا إيه؟!.
تمتم نضال موضحًا:
-لا هتشاركني بفلوس الشقة الباقية في البنك أنتَ مخلصتهاش كلها والأمور لغايت دلوقتي مستقرة معاك وجلسات والدتك الحمدلله بتخلص وبتقدر تدفعها من خلال شغلك علشان كده احنا لازم نكبر فلوسك دي..
كاد دياب أن يعترض لكن لم يمهله نضال الفرصة وهو يقول:
-بُص يا دياب انا عارف أن مفيش مجال للخسارة ودي أخر فلوس معاك علشان كده الفلوس دي هتكون هي وفلوس طارق في المحل نفسه لأنه هنجيبه تمليك مش في باقي المصاريف الرايحة لأن لو حصل أي حاجة تكون فلوسكم زي ما هي بل زادت العقارات كل يوم بتزيد علشان كده فلوسك هتكون في أمان..
تحدث دياب بتساؤل:
-وليه عايز تدخلنا في مشروعك وفكرتك مع أنك تقدر تعملها لوحدك بمجرد ما تحكي لأبوك..
قال نضال ببساطة شديدة:
-لأني عايز تكون حاجة لينا بعيد عن أبويا حاجة ننجح فيها وتكون مختلفة بجد، على العموم أنا بعرض الموضوع عليك وأنتَ حر فكر أنا المكان اللي عاجبني دفعت عربون علشان الراجل ميبيعهوش لغاية أخر الشهر وبينا بداية اتفاق علشان اضمنه عقبال ما تفكر كويس.
قاطع سلامة حديثهما المؤثر وهو يغمغم:
-أنا كمان هشارك معاكم.
كاد نضال أن يثني عليه في تلك الفكرة لكن خيب سلامة رجائه أو أكد له من هو شقيقه:
-هاجي تنا ومراتي نخرج ونأكل ببلاش اعتبروني فود بلوجر هقعد أقيم الأكل بس..
ضحك دياب ونضال رغمًا عنهما فـقال سلامة في تمني حقيقي:
-ربنا يوفقك يا نضال سواء أخدت الخطوة معاهم أو لوحدك، وبرضو أنتَ يا دياب فكر كويس كلام نضال صح، مينفعش تكمل حياتك كده ودي فرصة حلوة وأنتَ أصلا أكيد عندك خبرة في المجال....
____________
عادت إلى المنزل برفقة جهاد ووالدتها...
بعد عقد قرأن سامية وحمزة...
دخلت والدتهما إلى غرفتها مخبره أياهم بأنها تشعر بالنعاس وسوف تغير ملابسها وتنام على الفور لقد تأخر الوقت قليلًا وهي مستيقظة منذ الصباح الباكر..
كانت جهاد جالسة مع شقيقتها في الغرفة تحاول العودة إلى أيام اشتاقت لها رغم أنه لم يمر الكثير على زواجها سوى شهر وبضعة أيام فقط...
إلا أنها اشتاقت لغرفتها والبقاء مع سلمى..
عادت معهما حينما علمت بأن سلامة سوف يذهب مع نضال ودياب بعد عقد القرآن إلى المقهى لذلك أخبرته بأنها سوف تذهب مع عائلتها وحينما ينتهي من جلسة السمر تلك يأتي ليأخذها وتعود معه إلى منزلهما...
كانت جهاد تتحدث وتتحدث في أمور كثيرة بثرثرة كعادتها بينما سلمى في عالم أخر وهي مازالت ترتدي فستانها البسيط من اللون الزهري التي كانت ترتديه ولم يظهر منه كثيرًا بسبب خِمارها...
كانت تفكر به..
كان اليوم غريبًا..
لم تشعر أنه متضايقًا بسبب سامية وزواجها ولكنها كانت تشعر بشيء غريب فيه..
لا تدري هل هذا حقيقي أم نابع من شعورها بالغيرة..
نعم تــغــار بل تحترق وما يتبقى منها رمادها..
لكنها لا تحاول أن تظهر ذلك..
تخشى أن يكون منزعجًا.....
تخشى أن تكون ظنونها صحيحة...
أنه مازال يفكر في سامية بل تشغل عقله وتفكيره...
يؤلمها قلبها حتى باتت تشعر بالغضب الكبير....
حتى أنه بعد عقد القرآن تركها تذهب مع عائلتها دون التعقيب على أي شيء حتى أنه لم يعدها بـلقاءٍ جديد...
الفترة الماضية..
أو بمعنى أخر أدق الشهر الماضي لم تحدث تطورات كبيرة في علاقتهما...
إلا أنها عادت إلى عملها وهناك مرتين أتى هنا حينما دعته والدتها حسب الأصول من أجل الغداء معهما، ومرة منهما كان يشاركه سلامة وجهاد الجلسة...
ذهب ثلاثة مرات لها في مكان عملها الذي فُتح من جديد وعادت تعمل فيه، كان يذهب حتى يقوم بتوصيلها إلى المنزل حينما تتأخر...
بدأت تطول مكالمتهما سويًا كلاهما يقص على الآخر يومه ويسمعه الآخر باهتمام كبير حتى سلمى، رغم أنه أحيانًا قد يتعارك الاثنان بـسبب تحكم نضال في بضعة أمور وهي بالطبع رافضة لأي تسلط رجولي حتى لو كان من حقه لكن لا يطول شجارهما أبدًا ..
لا يكن شجارًا بالمعنى الحرفي على قدر ما هو عِناد من قِبل الإثنين...
كانت العلاقة تتخذ منحنى صداقة نوعًا ما وخطبة...
لا يتحدث أحد في أمر الزواج....
بل لا يقوم أحدهما بتذكير الآخر بأنه تم عقد القرآن..
كأن كلاهما يتهرب من الفكرة ويتعامل مع وضع أكثر أكثر أريحية لولا تسلط نضال الذي يخبرها بعنجهية الرجال التي تكرهها بأنه زوجها وعليها أن تسمع كلامه فيما يخص مصلحتها لأنه ليس رجل يصدر أحكام بدون سبب أو رغبةٍ في ممارسة تسلطه الرجولي...
كانت تلك التفاصيل والخطوات البسيطة كانت تروق لها بل تجعل الفراشات تحوم وتطاير حولها؛ رغم أنها لا تعيش علاقة غرامية معه بالمعنى الحقيقي لكن تلك التطورات البسيطة تعجبها جدًا...
مع ذلك...
ذهبت فرحتها اليوم بتلك التطورات إلى الجحيم..
سقطت في الهاوية...
قلبها منفعل وثائر إلى حدٍ كبير تخشى أنها تعيش وهمًا بل تعيش في ظلال سامية حتى ولو كانت تثق به إلا أنه تخاف بأنه مازال في أعماق نفسه شيئًا يخصها..
صاحت جهاد مستنكرة في وجهها بعدما شعرت بأن شقيقتها ليست معها وأنها كانت تتحدث مع نفسها وجسد شقيقتها بينما في الحقيقة عقلها وقلبها في عالم أخر تجهله:
-ياست سلمى أنا بكلمك..
تمتمت سلمى بتوهان وارتباك طفيف هي تخشى أن تتعرى مشاعرها أو يشعر أحد بما يتواجد بداخلها:
-في إيه بتصوتي ليه أنا جنبك اهو يا متخلفة..
ردت عليها جهاد ساخرة:
-جنبي اه بس مش سامعة أي حاجة من اللي بقولها..
عقبت سلمى على حديثها بعدم تركيز:
-ليه كنتي بتقولي إيه؟!...
قالت جهاد متصنعة الجدية رغم ما تقوله وهي تحاول المرح مع شقيقتها:
-أبدًا بقول خايفة سلامة يطلقني..
ردت عليها سلمى وهي تعقد حاكبيها بقلق حقيقي واهتمام كأنها باتت والدتها وحماة سلامة:
-يطلقك ده إيه؟! إيه اللي حصل يا جهاد طمنيني متقلقنيش الواد ده عملك إيه؟!.
غمغمت جهاد بنبرة درامية من الدرجة الأولى:
-معمليش حاجة يا سلمى أنا بقولك أحساسي..
عقبت سلمى بعدم فهم وجميع حواسها متحفزة لقتل سلامة إذا تسبب بأي أذى إلى شقيقتها:
-أومال إيه اللي موصلك الأحساس ده؟!
قالت جهاد بتأثر مبالغ فيه:
-خايفة يطلقني علشان مخلفتش لغاية دلوقتي أو يتجوز عليا أصل يعني ده شيء مش غريب عليه مهوا مش هيجيبه من برا، هيجيبه من أبوه طبعًا..
نظرت لها سلمى ببلاهة تحديدًا وهي تجدها تقول:
-وأنتِ كمان لازم تقلقي من نضال مهوا ابنه برضو....
هتفت سلمى وهي تقرصها في كتفها هاتفة:
-صحيح لازم يطلقك بقالكم شهر ومخلفتيش ازاي ده...
تأوهت جهاد تحت كلمات سلمى الغاضبة:
-وأنا اللي كنت فاكرة بتتكلمي بجد.
قالت جهاد بغضب وهي تضع يدها على موضع قرصتها سلمى:
-احترمي نفسك بقا أنا دلوقتي بقيت زوجة مصونة افرضي جوزي حبيبي لاحظ أني اتقرصت ده شاف عضتك على فكرة كده هيتأكد ان اختى مسعورة وعندها ميول سادية وبعدين أنا غلطانة إني بفرفشك وبهزر معاكي يا بومة..
-ماشي يا بقرة..
كادت أن تجيب عليها لكن صدع هاتف جهاد لتجيب على زوجها بدلال لم يستمر طويلًا:
-ألو، جيت في وقتك يا حبيبي لسه كنت بجيب في سيرتك بكل خير مع سلمى.....خلاص اهو طيب نازلة هلف الطرحة وأنزل...يووه خلاص قولت نازلة اقفل متعطلنيش....
_____________
اليوم التالي.
كانت ليلة رائعة...
أسكت بها جميع مخاوفها..
سد جميع الفجوات والقلق التي كانت تشعر به..
قولًا وفعلًا...
أعترف لها أكثر من عشرات المرات بلا مبالغة بعشقه وهيامه بها، أغرقها في دوامة من المشاعر دخلتها لأول مرة معه وبين أحضانه، كان ليلة رقيقة وحنونة والأهم خلابة...
حلقت في سماء الحب..
كأنها خدعت تحت تأثير مخدر لذيذ أو سحر جميل..
لكنه أستطاع تبديل مخاوفها إلى مشاعر ساكنة ومطمئنة....
تقلبت على الفراش..
تململت في نومتها...
حتى ذهبت بجسدها إلى نصف الفراش ومررت يدها على الفراش كله تتحسسه وكأنها تتأكد من أنها بمفردها كان هذا كله وهي مغلقة الأعين..
أخيرًا فتحت عيناها....
فنهضت من فوق الفراش بقلق طفيف لا تدري لما، ثم توجهت إلى المقعد الموضوع عليه الروب الخاص بمنامتها وأرتدته وقامت بعقده وسارت بضعة خطوات حتى تخرج من الغرفة التي كان بابها مفتوحًا وكادت أن تصطدم بجسده والصينية التي يحملها بين يديه لولا إدراكها الأمر..
هتف حمزة بابتسامة مشرقة:
-صباح الخير رغم أننا بقينا بعد العصر بس مرضتش اصحيكي بدري..
ردت عليه سامية بخجل طفيف:
-صباح النور..
ابتعد عنها حمزة ثم ذهب ووضع الصينية التي تتواجد بين يديه على الطاولة ثم عاد إليها وهو يضع كفيها بين يديه يضغط عليهما برفق وهو يراقب وجهها المتورد وكأنها تستعيد ليلة أمس وهو يقوم بتقبيل كفيها بحب كبير ناظرًا لها نظرات أربكتها قليلًا...
وقد أشفق عليها لذلك لم يرغب أن يخجلها أكثر لذلك هتف بنبرة مشاغبة:
-صاحي من بدري مرضتش اصحيكي بس لقيت يعني أنك كده نمتي كتير فحاولت أحضر لينا فطار وقولت اجي اصحيكي عمومًا أنا مش أحسن واحد يعمل فطار ولا أكل عمومًا بس حاولت علشانك..
تمتمت سامية بخجل طفيف وامتنان حقيقي بسبب كلماته:
-تسلم ايدك تعبت نفسك كنت صحيتني أنا اعمل الفطار..
رد عليها بهدوء:
-بصراحة كان صعبان عليا اصحيكي وقولت احضر أنا الفطار لحبيبتي واجيبه ليها لغاية عندها.
قاطع حديثه صوت هاتف سامية وهو يعلن عن اتصال ما...
عقد حمزة حاجبيه هاتفًا بتأفف:
-في حد يتصل بعرسان تاني يوم كده؟!.
قالت سامية بعدما سحبت كفيها من يديه وتوجهت صوب الكوميدنو الموضوع عليه هاتفها:
-دي أكيد ماما..
أمسكت الهاتف وصدق حسها فأجابت على الفور تحت أنظار حمزة المقتضبة كونهم يقتنصوا من سعادته مع عروسته:
-الو يا ماما..
سمعت شيئًا من الهاتف فأردفت بتوتر وخجل طبيعي لأي فتاة في موقفها:
-اه صحيت بقالي شوية.
قالت والدتها شيئًا عبر الهاتف لترد عليها سامية بهدوء:
-لا مش محتاجة حاجة يا حبيبتب تسلمي يارب أنا مستنياكي اهو..
ردت عليها والدتها لتقول سامية:
-ماشي مع السلامة..
أنتهت المكالمة بينهما وهنا أردف حمزة بتعقيب عفوي:
-هي مامتك جاية فعلا مكنتش بتقول كده امبارح وخلاص؟!.
هتفت سامية بتردد وقد احتقن وجهها بالدماء ولا تدري لما شعرت بـضيقٍ في نبرته:
-عادي ده الطبيعي عندنا.
تمتم حمزة بنبرة هادئة:
-كنت فاكر أن موضوع الصباحية واهل العروسة يجوا بحاجات ويطمنوا عليها ده اتلغى...
صمتت سامية ولكنه تدارك الأمر حينما شعر بانزعاجها وهو يقترب منها مجددًا:
-أنا مش قصدي حاجة هي تنور طبعًا أنا بشاركك أفكاري يعني أحنا مش بنعمل كده علشان كده بس مستغرب، يلا نفطر بقا علشان نستعد مدام طنط جاية وعلشان عايزين بليل نقعد مع بعض علشان محضر ليكي مفاجأة..
ردت عليه سامية بفتور:
-مفاجأة إيه دي؟!.
هتف حمزة وهو يرفع أصبعه يداعب أنفها به:
-مش حابب أحرقها، بس بخصوص شهر العسل ومش هقول أكتر من كدا يلا نأكل بقا..
___________
قبل أن يذهب إلى المستشفى كان عليه أن يأتي إلى حيث تتواجد أولًا....
أرسل لها رسالة نصية يسأل عن مكان تواجدها من دون أية مقدمات لتخبره بأنها تتواجد في أحد الفروع الخاصة بـعلامتها التجارية...
اصطف بسيارته أمام المكان وما أن ولج وجدها تقف في أحد الأركان الظاهرة...
لأنها ببساطة كانت في انتظاره..
حتى تستقبله.
أقترب منها جواد تحت أنظار العاملين..
-تعالى عايزك في مكتبك.
ولجت معه دون قول كلمة واحدة وهي تشعر بنظراته كانت تحرقها لا ترغب في أن يظهر غضبه كما تتوقع أمام العاملين...
ولجا إلى مكتبها الذي يعرفه حق المعرفة..
صاح جواد بغضب كبير بمجرد أن أغلقت الباب:
-هو أنتِ مفيش فايدة فيكي يا بني أدمة؟ أعمل إيه علشان أخلص منك؟ في إيه أكتر من أني طلقتك وعملتلك كل اللي أنتِ عاوزاه علشان أخلص منك.
كادت أن تتحدث لولا صراخه وغضبه الكبير وهو يسترسل حديثه:
-رايحة كمان تسافري للراجل بكل بجاحة وتألفي حوار وتطلعي نفسك الضحية وقد إيه كنتي مستحملة راجل زيي كان هيتجوز عليكي..
لم يكن جواد يومًا شخص قد يغضب بتلك الصورة...
بل هو دومًا رجل هادئ ورزين نادرًا ما يخرجه أحد عن طوره ولكنها نجحت في ذلك ببراعة وتستحق جائزة.......
هتفت رانيا بعدما ابتلعت ريقها بصعوبة تحاول قول أي شيء:
-أنا مش بطلع نفسي ضحية أنا كنت بحاول أشوف حد يحل ما بينا، عمي لو كان عايش مكنش رضي أننا نطلق....
تمتم جواد بوجه محتقن من الغضب وهو يصيح بنبرة عالية متأكدًا من أن صوته سمعه الجميع:
-هو أنتِ مش هتبطلي تدخلي بابا في الموضوع؟! مش هتبطلي تبتزي اللي حواليكي عاطفيًا علشان يعملوا اللي أنتِ عايزاه؟!! ده أنا شوية وفعلا هصدق أني ظلمتك وأنك مش أنتِ اللي طلبتي الطلاق...
أقتربت منه تحاول أن تمتص غضبه قدر المُستطاع وهي تضع يدها على أحدى أكتافه بارتباك ولكنها تحاول التأثير عليه بأي طريقة:
-جواد أنا بحبك وغلطت في حقك لما طلبت الطلاق وصدقني أنا مش عايزة منك أي حاجة ومش هطلب حاجة بس نرجع لبعض وحتى لو اتجوزت عليا أنا مش هعترض علشان تخلف بس تخليني جنبك وهعامل نسمة كويس.
أبعد جواد يدها عنه بغضب واضح هاتفًا:
-رانيا متختبرنيش أكتر من كده أنا لولا عامل حساب لصلة القرابة أنا كنت اتصرفت معاكي تصرفات متتوقعيش أنها تطلع مني، ابعدي عني أنا مش هرجع ليكي لو أنتِ أخر ست في الكرة الأرضية أنا مش راجعلك.
أبتلع ريقه وهو يهدر بقوة وغضب كبير:
-لو هموت مش هرجع ليكِ لسبب واحد بعيد عن كل حاجة عملتيها معايا وحشة، كفايا نظراتك لنسمة اللي مأثرة في نفسيتها لغاية دلوقتي ده سبب يخليكي معوزش أبص في وشك العمر كله مش أرجعك على ذمتي خلي عندك كرامة وابعدي عني.
تمتم رانيا بنبرة جنونية هستيرية:
-وأنا مش هبطل أحاول أننا نرجع يا جواد وهثبت ليك إني شارياك...
كور قبضته هاتفًا بغضب واضح قبل أن يغادر من المكان:
-أنتِ مش طبيعية اتجننتي تقريبًا يا رانيا، لأخر مرة بقولك ابعدي عني واتقي شري وبطلي بجاحة أنا استحالة ارجعلك اقولك إيه أكتر من كده علشان تحسي على دمك؟!!..
أنهى حديثه ورحل والدموع متحجرة في عيناها لا تقبل بتلك النهاية هي الحمقاء لأنها طلبت الطلاق وقامت بإضاعته من يدها.....
_______________
صعدت ريناد إلى الطابق الخاص بـشقة عائلة دياب وهي تحمل أحد الأطباق بحرصٍ كبير...
وضعت يدها على الزر الخاص بالجرس حتى أتت وفتحت لها جنى التي هتفت ببراءة:
-رينو ازيك..
ردت عليها ريناد بابتسامة صافية:
-تمام يا قلبي وأنتِ عاملة أيه؟!..
عقبت الصغيرة على حديثها بحماس:
-أنا كويسة....استني هدخل...انادي على حور.....
بالفعل ما أن أنهت كلماتها ذهبت تدور في أرجاء المنزل هاتفة...
-دودو صاحبتك جت...
ما أن رحلت حتى جاء جواد ينظر إلى الزائر بصلف وكبرياء يمتلكه هذا الطفل لا تفهمه؛ هو لا ينسجم مع أي شخص بسهولة ماعدا الدكتور جواد، عكس شقيقته وتوأمه التي تمتلك شخصية اجتماعية من الطراز الأصلي...
القى نظرة عابثة عليها دون قول أي شيء بينما رحل مرة أخرى يشاهد التلفاز مثيرًا بداخل ريناد شيئًا من الغضب من تجاهله رغم صغر سنه ولكنه رُبما يجعلها تغضب لأنه ببساطة شديدة يذكرها بشخصية خاله المتجاهلة دومًا...
جاءت حور من الداخل وجنى تدور حولها بخفة رغم أن حور تصرخ في وجهها:
-مش قولت لو الباب رن محدش فيكم يفتح الباب إلا لما اجي أنا وافتح...
أقتربت حور من الباب متمتمة بترحاب رغم إحراج ريناد من كلماتها:
-خشي يا ريناد...معلش أنا بس بزعق بسببهم علشان قاعدة لوحدي معاهم ماما وريناد في المستشفى وقولت ليهم بدل المرة ألف محدش فيهم يفتح الباب...
تفهمت ريناد خوفها متمتمة بنبرة هادئة:
-متقلقيش يا حور العمارة بابها بيكون مقفول من تحت في الغالب يعني أمان..
ردت عليها حور بحرص حقيقي:
-برضو بقلق...
ثم نظرت عيناها بشهية إلى الطبق الذي يتواجد بين يد ريناد التي لاحظت الأمر فمدت يدها بالطبق متمتمة:
-اتفضلي بهية عملت بِشك وبعتت ليكم.
تبادل الأطباق بين بهية وحسنية ليس امرًا غريبًا لكن الغريب هو ما قالته لذلك كررت حور كلمتها بتهكم طفيف وهي تمنع ضحكتها بصعوبة:
-بِشك!!.
قالت ريناد بتلقائية غير مدركة الخطأ:
-أيوة..
غمغمت حور بابتسامة هادئة وهي توضح لها:
-اسمه كِشك يا ريناد بِشك إيه وحزن إيه بس..
خلال الشهر الماضي عادت العلاقة نوعًا ما بين ريناد وحور...
لم تعود كالسابق بالطبع..
كلاهما عرف حدود الأخر واهتماماته وحياته لذلك عادت العلاقة بينهما من خلال تلك المقاييس والحدود..
نظرت لها ريناد بخجل طفيف:
-أنا اول مرة اسمع أن في أكلة اسمها كشك أساسا بس حلو أوي بجد..
-أيوة أنا بهزر معاكي، ادخلي بقا مش هتفضلي واقفة على الباب كده.
قالت ريناد معتذرة بهدوء:
-تسلمي بجد بس لازم أنزل عندي محاضرة أونلاين ومينفعش افوتها يلا باي اشوفك بعدين.
-خلاص اتفقنا.
غادرت ريناد وتزامنًا مع مغادرتها أغلقت حور الباب وهي تذهب إلى المنزل تستعد لتلقي تعليماته إلى ابناء شقيقتها بأنه ليس عليهما فتح الباب..
قبل أن تقترب ريناد من باب الشقة الخاص لبهية، وجدت دياب صاعدًا من الطابق الأول يحمل صندوق كرتوني خاص بالهدايا ملفوف بعناية وما أن وجدها تقف عند باب الشقة تحدق به قال بهدوء وعفوية:
-اتفضلي..
أخذته ريناد بحركة عفوية وهتفت بفرحة وسعادة حقيقية:
-أنا مكنتش متخيلة أنك مهتم بيا للدرجاتي..
أتسعت عينه وهو يجدها تسترسل حديثها وهو لا يدرك ما الشيء الذي فهمته من الأساس فقالت وهي تزيد من الطين بلة:
-أنتَ ازاي عرفت أن عيد ميلادي بعد بكرا؟!..
تحدث دياب محاولًا قول أي شيء لا يُدرك كيف أتى في عقلها بأنه من الممكن أن يعرف يوم مولدها بل يأتي بهدية أيضًا، ولما لمح في عينها سعادة غريبة...
-استني بس يا أنسة ابتهال ولا ريناد أنتِ، أنا هعرف منين عيد ميلادك؟
ابتلع ريقه ثم أسترسل حديثه يحاول قول الحقيقة كأنه اسكب دلو من الماء المثلج فوق رأسها:
-أنا مجبتش حاجة لقيت مندوب عمال يدور في الشارع ويروح ويجي عليكي لأنه مش عارف العمارة بالظبط أول ما قالي الاسم اخدته منه وعرفت أنه مدفوع فقولت اجيبهولك وخلاص وأوفر على الراجل طلوع السلم.
جاء من أجل الطلبات التي أخبرته حور عنها...
ثم سيعود مرة أخرى إلى العمل..
وكان يحمل كيس بلاستيكي موضوع فيه الأشياء.
شحبت ملامح ريناد لا تدري هل من احراجها ومن العتة والعبث التي تفوهت به أم من حزنها الحقيقي بأنها توقعت اهتمامًا منه ثم فجأة ثرثرت بصوتٍ مسموع وهي تتذكر تلك الصفحة التي تواصلت معها:
-ايوة افتكرت ازاي نسيتي يا ريناد الـ page اللي عايزاكي تعمليلها دعاية وخدت العنوان علشان تبعتلي gift..
فهم دياب ما تقوله لأن صوتها كان مسموعًا ازعجه كونها توقعت اهتمام هكذا منه!!
وازعجه أكثر بأن سعادتها تلاشت وحل مكانها حزن كبير أكثر من كونه احراج فهي لن تكذب هي تهتم به بل يشغل حيز كبير من تفكيرها بل تراقبه...
أجل تراقبه عند جلوسه في الشرفة تسترق السمع إلى الأغاني التي يقوم بسمعها ليلا ومكالماته مع أصدقائه أصبحت تعرف موعد عودته من عمله الأول وذهابه إلى عمله الثاني حفظت تفاصيله عن ظهر قلب دون وعي أو إدراك منها..
تمتم دياب محاولًا أن يصلح الوضع لكن ذلك لم يصلحه كثيرًا:
-خلاص مدام حاجة جاية ببلاش وأنا اللي استلمت الاوردر اعتبريها هدية مني وكل سنة وأنتِ طيبة..
ردت عليه باقتضاب وهي تخرج المفتاح من جيب بنطالها القطني:
-العفو.
فتحت باب المنزل تحت أنظاره وقبل أن تغلقه في وجهه قالت:
-عن اذنك..
ولم تعطه فرصة للرد وأغلقت الباب على الفور بنظرات كئيبة اغضبته ولا يعلم لما حقًا!!!
ما الذي فعله حتى تنزعج الآن؟!.
وما الذي فعله حتى تتوقع اهتمام منه؟!..
خلال هذا الشهر نادرًا ما كان يراها...
وما بينهما هو مجرد إلقاء التحية والسؤال عن الحال في بعض الأحيان حينما يصادفها مع حور في منزلهما أو حور تتواجد عندها، كان أخر حديث بينهما طويل حسب ما يتذكر هو اعتذاره لها يوم حفل زفاف سلامة وجهاد لذا لما تنتظر اهتمام منه!!!!
ولما هو مهتم حقًا الآن بانزعاجها...
زفر بضيقٍ..
ثم أسترسل وأكمل صعوده حتى يتوجه إلى الشقة..
اليوم جلس ساعات إضافية في العمل بدلًا من مصطفى الذي مرض أباه ولم يستطع أن يأتي لذلك ذهبت ايناس مع والدتها إلى المستشفى...
______________
ليلة أمس نامت مبكرًا أغلقت هاتفها ونامت حتى لا يتصل بها وتستيقظ..
رغم عودتها إلى العمل إلا أنها غيرت بعض العادات في يومها من أجل تناسبه كونه لا يكون متفرغًا بالصباح الباكر أصبحت تجعله يتصل بعد التاسعة وحتى الحادية عشر لأنه يتصل بها في المساء كما هو أصبح يستيقظ مبكرًا مقارنة بمواعيده السابقة حتى يتحدث معها..
كلاهما كان يحاول المواكبة مع حياة الأخر لكن ليلة أمس نقضت العهد وحتى في الصباح لم تجب على اتصاله ولا تدري السبب...
رُبما هي مازالت تشعر بالقلق..
ليلة أمس كان غريبًا جدًا في عقد قرأن سامية لم يودعها ولم يكن يعطيها اهتمامًا وكان عقله مشغولًا تمامًا...
حينما ذهبت جهاد إلى زوجها وعلمت سلمى بطريقة ما بأن الجلسة انتهت ومرت نصف ساعة على رحيل اختها ولم يتصل بها أغلقت الهاتف وكررت النوم....
عند استيقاظها في الصباح وجدته يرسل لها رسائل عبر الواتساب بعد منتصف الليل يخبرها بأنه يعتذر لأنه لم يتصل بها لأنه ظل في المقهى مع أصدقائه حتى بعد ذهاب سلامة ودياب...
ليكن تعقيبها بينها وبين نفسها بأنه عُذر أقبح من ذنب........
ولم تجب على رسالته بل تناولت فطورها وذهبت إلى صالة الألعاب الرياضية ومارست عملها حتى أذان العشاء حينما انتهت من كل شيء أخذت حمام هناك مؤقت يزيل إرهاقها وحبات العرق إلى أن تذهب إلى المنزل وجمعت متعلقاتها وغيرت ملابسها وأخذت تتحدث مع بعض الفتيات التي تقوم بتدريبهم كالعادة حينما يكن عند أحداهن أي سؤال...
خرجت من المبنى وكادت على وشك أن تعبر الطريق لولا أنها وجدته يقف بسيارته أمام المبنى مباشرة وهذا يعني أنه أمامها..............
تمتمت سلمى بحماقة وضيقٍ:
-أنتَ بتعمل إيه هنا؟.
رد عليها نضال ساخرًا:
-جاي اعاكس البنات اللي في الجيم هكون جاي ليه يعني يا سلمى؟! جاي علشان أوصلك طبعًا يلا أركبي...
هتفت سلمى بنبرة مغتاظة وهي تحدثه من النافذة الخاصة بالسيارة:
-أنتَ مقولتش أنك جاي وأنا مبحبش حد يجي ليا على غفلة كده...
نفذ صبره وهو يكز على أسنانه قائلا:
-اركبي يا سلمى يلا ربنا يهديكي وبعدين لو كنتي بتردي على اتصالاتي من الصبح كنتي عرفتي أني جاي ليكي.
توجهت صوب المقعد المجاور له ثم فتحت الباب لتجلس بجواره وانطلق بالسيارة وبعد نصف ساعة أسكت جميع اعتراضاتها على تناول الغداء معه متحججة بوالدتها مما جعله يتصل بها بنفسه يأخذ منها إذن منها ووافقت يسرا لم تعترض أبدًا واضعة ابنتها أمام الأمر الواقع.
طلبت الطعام معه..
وكان كلاهما في انتظاره....
شعرت سلمى تلك المرة بأنه منزعج منها بحق تحديدًا بسبب اعتراضها الواضح على إتيانه غير عدم قبولها بسهولة الذهاب معه وكأنه حقًا على وشك اختطافها..........
هتفت سلمى بنبرة متوترة من نظراته التي تربكها من غضبه ومن عمقها وكأنه يقوم بفضح مشاعرها رغم صلابتها:
-هو أنتَ جايبني علشان تفضل مكشر في وشي وعمال تبصلي بشكل غريب.
رد عليها نضال بكلمات مقتضبة:
-يعني أنتِ مش شايفة أسلوبك معايا عامل ازاي؟!.
-ماله؟!.
كان استنكارها وسؤالها وقح في نظره لذلك لم يرد عليها فتحدثت هي بعدما خرجت تنهيدة منها..
-نضال أنا أسفة لو أسلوبي معاك مش احسن حاجة حتى لو بتكون بتتكلم في الصح، بس أنا متعودتش أن يكون في راجل في حياتي أخد رأيه وأن المفروض رأيه يمشي حتى لو رأيه نفس رأيي...
كانت واضحة في حديثها لا تأبه شيء ولا تخاف شيء، أخبرته بصلابة كلمات تجرحها بشكل كبير، هي بالفعل لم تعتد وجود رجل في حياتها حتى خالها لم يكن يومًا يعطيها أوامر بل يسمعها ويعطيها نصائحه لم يفرض عليها شيء كأمها...
كان هذا بسبب أن سلمى كانتطوال عمرها فتاة منضبطة في دراستها وسلوكها ملابسها حياتها كلها، لم تكن يومًا فتاة تجعلك تعطيها ملحوظات من كثرة انضباطها هي تفعل الصحيح قبل أن تخبرها به.
أسترسلت حديثها بنبرة واضحة وهي تتجنب النظر إلى عيناه التي استكانت بفعل كلماتها السابقة...
-الكلام ده صعب إني أقوله بس حبيت أوضحه ليك أنا بحاول اتعامل بطريقة كويسة لكن أن ظروف حياتي وتفكيري مختلف، أنتَ متعرفنيش كويس وحتى لو تعرف هتعرف حاجات سطحية أوي، وأنا كنت سخيفة في اعتراضي في كل مرة بتيجي لأني مش متعودة على كده.
تلك الكلمات لم تخرج من فم سلمى أمام مخلوق غيره...
كانت كبيرة أن تصرح بنقص حقيقي في حياتها....
جعلته عاجزً وكأنه ألقت عليه اللوم، ابتلع ريقه ثم تحدث بصوتٍ متحشرج وهو ينظر إلى عيناها البندقية:
-أنا مش بتحكم فيكي يا سلمى ولا أنا شخص متحكم بشكل يضايق ولا أنتِ شخصية تسمحي لحد يتحكم فيكي مش بس علشان أنك عنادية لا علشان أنتِ من الشخصيات اللي عارفة حدودها في كل حاجة علشان كده صعب حتى أن حد يعدل عليكي..
قال كلماته الأخيرة بعفوية شديدة وهو يبتسم لها....
ثم صمت لثواني وعاد يقول:
-أنا مقدر كل اللي بتقوليه يا سلمى، وصدقيني أنا بس بحاول أعرفك وبعدين أنا مش شايف فيها مشكلة لما أجي أتغدى مع خطيبتي ومراتي أو اروحلها الشغل مش جريمة.
ارتبكت أكثر عند كلماته تلك وعقدت ساعديها وبادلته ابتسامة بسيطة...
سألها نضال بنبرة هادئة:
-ممكن أفهم امبارح قفلتي تليفونك ليه؟!.
حاولت أن تجد سلمى حجة منطقية:
-كنت نايمة.
هتف نضال بشك:
-الناس كلها عارفة المفروض أنهم مش بيتصلوا بيكي بعد الساعة تسعة علشان بتكوني نايمة يعني أكيد محدش هيضايقك أو يتصل بيكي غيري، غير كمان أن كان ممكن تعمليه صامت أحسن...
جرأتها في الحديث في اعترافها السابق ذهبت في مهب الريح، هي ليست جريئة لدرجة أن تخبره بأنها كانت على وشك أن تموت من فرط تفكيرها وأرقها من أن تكون سامية مازال لها تأثير بقلبه...
قالت سلمى ببساطة شديدة وكبرياء:
-عادي أنتَ اتأخرت والساعة كانت عدت حداشر ومتصلتش وأنا كنت عايزة أنام.
تمتم نضال بنبرة هادئة رغم شعوره بما ينتباها من شكوك حول سامية، الغريب أنه يفهمها بشكل مُريب ويشعر بوجدانها:
-يعني الكلام خدني مع دياب ولما مشي جه ناس صحابي فقعدت معاهم..
يبدو أنها ليست بأهمية أصدقائه..
كانت نظراتها تزداد قتامة وغيظٍ..
أسترسل نضال حديثه بحماس حقيقي:
-بفكر افتح مكان مع دياب وطارق والموضوع بقاله فترة طويلة شاغل بالي وكنت بحكي ليه هو وسلامة الفكرة اللي في بالي علشان كده انشغلت عنك حقك عليا.
نظرت له سلمى باهتمام وكم أحبت رؤية الحماسة تطوف على حنايا وجهه..
-ربنا معاكم يارب ويوفقكم لكل خير، وبعدين أنا مزعلتش ولا حاجة..
تحدث نضال بنبرة هادئة:
-يارب وهقولك تفاصيل المشروع واحنا مروحين المهم احكيلي أنتِ عن يومك بما أننا مطولين هنا المكان هنا الانتظار فيه ممل شوية عقبال ما يعملوا الاوردر.
ردت عليه سلمى وهي تفرك أصابعها النحيلة بهدوء:
-عادي يومي طبيعي كان عندي كذا كلاس وبس مفيش حاجة جديدة يعني.
تمتم نضال باهتمام حقيقي:
-مرتاحة في المكان من ساعة ما رجعتي؟!.
-الحمدلله كتير أنا كنت قربت اتجنن من القعدة في البيت.
ابتسم لها وقبل أن يعقب بشأن جلوسها في المنزل باغته هي بسؤال به تلميح واضح لمن يفهم:
-عمو زهران عامل إيه كان شكله مضايق امبارح وغريب رغم أنه المفروض يكون فرحان...
"وأنتَ أيضًا".
كانت ترغب في قولها لكنها تمالكت نفسها بصعوبة ليجيبها نضال بجدية قبل أن يأتي النادل ليضع مجموعة من السلطات المختلفة أمامهما على الطاولة:
-يعني كل حاجة حصلت بسرعة وبابا طبعًا مقلق شوية من العريس لكن سامية عاوزاة وهما سألوا عنه والراجل كويس وملقاش سبب يرفض فهو شبه مغصوب علشان كده تلاقيه كان مضايق شوية ومش بيهزر زي عادته.
_____________
بعد امتناع لأكثر من أربعة أسابيع...
لا تذهب فيهما إيناس مع والدتها إلى جلساتها متحججة بالكثير من الحجج الغير منطقية بالنسبة إلى والدتها...
اليوم ذهبت قصرًا حينما طرأ إلى دياب أمر عاجل وهو أن يجلس اليوم بسبب غياب مصطفى فلم يكن لديها متسع للهروب..
هي لا تدري مما تهرب..
هل من رؤيته؟!...
رغم ضغف احتمالية الأمر ولكنها بعدما تركت له النقود تخشى أن تراه لسبب تجهله، لكنها ترفض بأن يقوم بممارسة أي نوع من المجاملات عليها أو على أسرتها تحت أي نية هي ترفض هذا....
تمتلك نفس عزيزة كشقيقها..
هي ليست مثل أحلام قد تقبل شيء هكذا ابدًا حتى لو كانت نية الرجل اهتمام بصغيرها هي لا تقبل.....
فعلها مرة وصمتت لكنها لن تقبل بها كل مرة....
ذهبت اليوم وظلت جالسة هي ووالدتها في القسم المخصص لهذا النوع من الجلسات واليوم لم يكن موعد الجلسة فقط بل موعد استشارة مع طبيبها الذي تأخر وشعرت هي بإرهاق والدتها لذلك غمغمت بنفاذ صبر...
-أنا هروح اشوف العطلة جاية منين وهيجي أمته...
تمتمت والدتها بنبرة صبورة:
-زمانهم على وصول اهدي شوية..
قالت إيناس مستنكرة:
-لا أنا مكرهش في حياتي قد الدكتور اللي يفضل لاطع الناس ولا همه تعبهم ولا الانتظار ده بيتعبهم ازاي، ومتقوليش اهدي أنا رايحة اتكلم في الاستقبال، ده حتى المساعدين بتوعه لسه مجوش..
محاولات والدتها كلها لم تفِ بالغرض بل أخذت إيناس نفسها وسارت متوجهة صوب الاستقبال وقبل أن تتحدث إلى الفتاة مستعدة لوصلة من التوبيخ كانت الفتاة لا تنظر لها بل منهكمة في عدة أوراق وتمد يدها بورقة وهي تظن بأن أفنان تلك الفتاة التي كانت تثرثر وترغب في التقديم على الوظيفة الخاصة بزميلتها التي كانت تجاورهم وانتهى عملها أمس...
-اتفضلي أملي الابلكيشن وهنبقى نتواصل مع حضرتك..
كانت تلك كلمات الفتاة لتأخذ منها إيناس الورقة وتقرأ محتواها بأنهم يرغبون في عدة بيانات من أجل الوظيفة....
رفعت الفتاة بصرها أخيرًا هاتفة:
-اسفة افتكرت حضرتك البنت اللي كانت هنا معرفش هي راحت فين...
ثم أدركت الفتاة ما تقوله وهنا أسترسلت حديثها:
-لو جاية علشان الإعلان اللي على website فأملي الابلكيشن...
ردت عليها إيناس بارتباك:
-أنا كنت جاية أسال عن دكتور ماجد عبدالله شاهين...
تمتمت الفتاة معتذرة:
-اه معلش اتلغبطت هما المساعدين بتوعه لسه واصلين الملحق زمانهم جايين وهو على وصول..
هزت إيناس رأسها موافقة ثم تحدثت بتردد:
-ماشي، هو ينفع أملي الابلكيشن..
ردت عليها الفتاة ببساطة:
-أكيد، استني اجيب ليكي قلم..
وبالفعل ما هي إلا ثواني وكانت تقوم بكتابة بياناتها وهي لا تدري ما الذي تفعله، هي لا ترغب بالاحتكاك به ولكنها في الوقت ذاته تقوم بالتقديم على وظيفه في أحدى المستشفيات الخاصة به، لكنها تفعل هذا من باب التسلية هي لا تظن بأن لديها من المؤهلات ما يجعلها تعمل هنا، لذلك قررت أن تفعل شيء لم تفعله في السابق وهو التقديم على وظيفة..
بعدما أثقلها كاهل البحث عن عمل...
لكن تعبت من كونها تشعر بأنها تسبب ضغط على الجميع في المنزل سواء على شقيقها كونها لا تأخذ راحتها في المذاكرة بسبب ازعاج أطفالها أو المصاريف الخاصة بها وبأطفالها التي ضاعفت من ميزانية المنزل وأكثر..
لم يشكُ أحد ولكنها تشعر بأنها عبء...
هي تقوم بالتفريغ وكتابة البيانات في وظيفة تعلم بأنها لن تحصل عليها ولكن لا مانع من الكتابة يبدو أن يديها تعطلت من عدم استخدامها وكأنها تتأكد بأنها لم تفقد قدرتها على الكتابة بعد سنوات...
أعطتها الورقة بنفس ذابلة ثم شكرت الفتاة متوجهة صوب والدتها حتى تخبرها بأن كل شيء على ما يرام والطبيب قد وصل وما هي إلا دقائق وسوف يكون هنا.....
___________
في اليوم التالي..
قبل ذهابهما إلى العمل بساعة كان زهران يجلس في شقتهما على الأريكة بعدما صعد وهو يحمل أرجيلته...
أخذ زهران يخبرهما بما يريده وكان سلامة أول من عقب على حديث والده تحت شحوب وجه جهاد:
-يعني أنتَ مش عايز تقول لنضال وخايف منه فقولت تسلم معدتك أنتَ وصاحبتك لجهاد مراتي؟! والله أنتَ حسبتها غلط يا معلم زهران..
صاح زهران في وجهه مستنكرًا بعدما سحب نفس من أرجيلته كريمة "نامبر تو":
-أنا مبخافش واحترم نفسك كل الحكاية إني مش عايز حد يفتحلي محضر ولا عايز تأنيب ضمير جبورة عزمني في بيته ولازم أنا كمان اعزمه في بيتي ولا أنتم بتذلوني علشان أنا سنجل وأعزب بقالي أربع شهور تقريبًا دي أطول مدة قعدتها...
ابتلع ريقه ثم قال بثبات رهيب:
-والله أنا أقدر اتجوز دلوقتي وحرمي المصون هي اللي تحضر لينا السفرة...
عقبت جهاد هنا وهي تمنع ضحكاتها بصعوبة بالغة:
-أنهي عروسة دي اللي هتجيبها في أقل من عشر ساعات لا وهتيجي تعمل الأكل علطول..
لكزها سلامة الواقف بجوارها هاتفًا بجدية شديدة:
-اسكتي علشان هو ممكن يعملها بجد مش هزار والله.
صمتت جهاد وهنا تحدث سلامة موجهًا حديثه إلى أبيه:
-طب ليه مطلبتش من طنط انتصار؟!.
رد عليه زهران بتوضيح بسيط:
-انتصار من ساعة ما سامية اتجوزت وهي مش مظبوطة ومش حابب أتقل عليها..
تمتم سلامة باقتراح:
-طب ما تطلب أكل من عندنا أحسن يعني.
قال زهران بعدم تصديق لاقتراح ولده:
-يعني الراجل أول مرة يدخل بيتي اجيبله أكل من برا والله عيب عليا، بقولكم إيه أنا غلطان إني طلعت ليكم وافتكرت أنه يعتمد عليكم بدل ما تقول هنخلص شغل وتيجي انتَ ومراتك تساعدوا بعض.
هتف سلامة متأسفًا:
-خلاص يا بابا هنعمل الأكل احنا ولا تزعل نفسك بس أهم حاجة لو لقيت نفسك أنتَ وصاحبك بتعملوا غسيل معدة مترجعش تزعل في الأخر وتقول سلامة مقاليش أنا واضح وصريح معاك أهو..
في المساء.
كان زهران يجلس برفقة صديقه جابر بينما جهاد تقوم بمساعدة نضال في الطعام وكان معهما سلامة لكنه هبط لشراء ما يريده نضال من "السوبر ماركت" حينما علم نضال بأن جهاد وسلامة من وقع عليهما الاختيار شعر بالشفقة تحديدًا من أجل جهاد لأن سلامة لم يكن يفعل شيء في النهاية هو متفرج والأخرى هي التي كانت محفوفة بكل ما لا تفقه عنه شيء...
مازالت الأكلات التي تعرفها بسيطة جدًا لأي شخص مبتدأ لا تفقه شيء عن الطواجن وكل ما يريد زهران صنعه...
كان نضال يقوم بتقطيع الخضروات وجهاد تأتي بالخضروات الأخرى التي قامت بغسلها جيدًا وهي تنظر إلى زهران المنهمك في الحديث مع صديقه...
-شكرًا يا نضال أنك اللي بتعمل الحاجة ومسيبتنيش في حوستي.
ضحك نضال رغمًا عنه وهو يكمل التقطيع هاتفًا بجدية وهو لا ينظر لها:
-العفو يا جهاد وبعدين أصلا بابا عامل ده كله علشان عارف أني لما اشوفكم محتاسين كده هدخل اعمل أنا فاهمه كويس.
ابتسمت جهاد له فهي تحب علاقة العم زهران بأولاده مهما كانت غريبة وغير مفهومة في بعض الأوقات...
سألته جهاد بنبرة خافتة وهي تجد زهران وصديقه في عالم أخر:
-هو أنتَ إيه اخبارك مع سلمى؟.
توقف نضال عن التقطيع ثم نظر لها متحدثًا بتردد:
-اخباري مع سلمى زي إيه مش فاهم؟!.
لا تعلم جهاد لما تتحدث بتلك الاريحية معه:
-يعني علاقتكم ببعض عاملة ازاي، ممكن اكون بدخل في خصوصيتكم بس أنا عايزة اطمن كلنا بصراحة استغربنا لما سلمى وافقت على كتب الكتاب لأننا عارفين سلمى كويس، وعارفة أن طبعها صعب شوية.
ابتلعت ريقها متحدثة بتوتر وهي تشعر بالخوف من أجل حياة سلمى لا تدري وكأنها أمها أو هي شقيقتها الكبرى:
-سلمى عصبية شوية وممكن بتخرج كلام صعب شوية اللي قدامها يتقبله وهي اندفاعية لكن والله مفيش أطيب من قلبها وهي غلبانة رغم أنها بتحاول تصدر للي قدامها فكرة عكس كده حتى معانا أحنا..
كانت جهاد صادقة في حديثها هي توصفها بصدقٍ ولكنه حاول طمأنتها حينما ارتفع صوت الجرس معلنًا عن إتيان سلامة:
-الأمور بخير احنا لسه بنحاول نعرف بعض أكتر وأنا مدرك للي بتقوليه متقلقيش..
فتح زهران الباب لـسلامة ثم عاد ليجلس مع صديقه بينما سلامة جاء وقف أمام نضال ووضع المشتريات على الرخامة السوداء أمام شقيقه وهتف:
-أنقذت البشرية يا نضال والله كنت عمال ادعي لما بدأنا لوحدنا أنه يحصل أي حاجة ومحدش يأكل من الأكل مش ناقصين تعليقات وتقييمات أبوك.
تحدث زهران في مكانه وصديقه يجلس على الأريكة بجواره وخرطوم الأرجيلة في يده:
-بتقول حاجة يا سلامة.
رفع سلامة يده هاتفًا:
-أبدًا مبقولش أي حاجة..
"عند زهران وصديقه جابر"
تمتم جابر باعتراض على أحوال صديق عمره:
-حالك مش عجبني يا صديقي، بقولك إيه الواد وسام جوز بنتي عنده جيم تيجي نروح هناك نجدد شبابنا ونعمل فورمة الساحل و علشان كمان نشوفلك عروسة في القريب العاجل يا زهورتي مدام قصتك وحكايتك مع حب عمرك اتعقدت وعلشان كمان تحقق حلمك وتجيب البنت اللي نفسك فيها، ها قولت إيـه؟ إيـه رأيك؟
سحب زهران نفس طويل من أرجيلته ثم غمغم:
-مش عارف حاسس إني مكتئب يا جبورة والله ومخنوق من ساعة جوازة البت سامية دي.
رد جابر عليه بنبرة جادة:
-ما لازم طبعًا يبقى ده حالك وأحوالك طول ما أنتَ مخلف جوز النكد دول هتبقى كدة وهتفضل كدة، البنات نعمة يا صديقي والله.
هتف زهران بسخرية وهو ينظر له:
-جرا إيه يا صاحب عمري أنا بدأت أشك أنك بتذلني علشان مخلفتش بنت.
كاد جابر أن يرد عليه لولا صوت هاتف زهران الذي أعلن عن اتصال فأجاب زهران على الفور:
-الو... يعني أنتَ قدام جزارة خطاب دلوقتي؟....خلاص استني انا نازل..
ثم أغلق المكالمة وهنا تحدث جابر بفضول:
-إلى أين أنتَ ذاهب يا صديقي؟! هتسبني لوحدي مع عيالك ولا إيه اش حال لسه بقولك عليهم جوز نكد!
رد عليه زهران بتوضيح وابتسامة شقية تعلو وجهه:
-أنا طالب لينا شوية كنافة وبسبوسة بالمكسرات ملهمش حل والدليفري وصل اهو هنزل اخد منه الحاجة واجيلك علطول.
قال جابر بنبرة هادئة:
-خلاص خدني في أيدك أنا هقعد معاهم أعمل إيـه؟!.
هبط جابر برفقة زهران رغم عرض سلامة أن يهبط هو لكن أصر زهران على ان يهبط برفقة صديقه وبالفعل فتح بوابة المنزل وأخذ الطلبات من الرجل ودفع ثمن الطلبية ورحل الشاب...
كاد زهران أن يدخل المنزل برفقة صديقه لكن جاءت فتاة تركض ناحيته بعدما كانت تقف عند الجزارة تسأل عنه وأشار الشاب الذي يعمل هناك ناحيته..
-أنتَ المعلم زهران؟!.
أستدار زهران ناحية الصوت ولاحت علامات الصدمة وعدم الفهم على وجهه ليجيب جابر بدلًا منه:
-هو بشحمه ولحمه ولو كان معاه كريمته نمبر تو كنت هقولك هو بشحمه ولحمه وكريمته.
بينما تحدث زهران بنبرة مرتجفة يحاول تجاهل صدمته:
-ميرفت.....
ردت عليه الفتاة مفسرة وهي بهيئة عشوائية غير مرتبة وبملابسها السوداء المغمورة بالأتربة:
-لا أنا وفاء بنتهـا و...
ابتلعت ريقها ثم قالت:
-وبنتــــــك يا معلم زهران...............
__________يتبع_________
لو وصلتم لغايت هنا دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله🥹❤️❤️❤️❤️
بوتو يحبكم..
اتفاعلوا عدل😡😡
الفصل السادس والعشرين حتى الفصل الثلاثون من هنا
❤️🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺
الروايات الكامله والحصريه من هنا
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنا
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺
اتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺