رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل السادس والعشرون والسابع والعشرون والثامن والعشرون والتاسع والعاشر والثلاثون بقلم الكاتبه فاطمه طه سلطان حصريه وجديده
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
يُحاوطني الأمان
والاطمئنان
حينمّا نصبح معاً
وهذا أثمن ما حصلت عليه إلى الآن.
مقتبسة
"تدور عجلةُ الحياة بالعدل، ويُسقَى كل ساقٍ بما سَقَى، فمن زرَع الخير يجني ثماره، ومن بذَرَ الشَرّ يحصد أضراره، ومَن أحسَن يُحسَن إليه، ومَن أساء يُسَاء إليه، وما نوَى امرءٌ نيّةً إلّا ولاقَى آثارها من جِنس نوعها، فإنّ طابَت طابَ الحال، وإن ساءَت ساءَ المآل."
مقتبسة
"سنُخبر الطُّرقات يومًا..أنّنا قد عبرنا، برغم تيهِ الخُطى
والبُعد والتّعب".
مقتبسة
________________
ولجت برفقته إلى الغرفة الخاصة بهما في أحدي الفنادق في "دهب" وخلفهما أحد الشباب العاملين بالفندق وهو يحمل حقائب السفر في أحدى العربات المخصصة لهم.
![]() |
تمتم حمزة وهو يخرج من جيبه أحدى الورقات النقدية ويعطيها للشاب بابتسامة واسعة مرسومة على ثغره:
-شكرًا تعبناك معانا.
ابتسم له الشاب ثم شكره ورحل غالقًا باب الحجرة خلفه بعدما وضع لهما البطاقة الخاصة بالغرفة في مكانها بجوار الباب...
بحث حمزة بعينه في الغرفة عنها ليجدها تقف ناحية الشرفة تراقب المشهد الجميل والخلاب حيث تتعانق الطبيعة مع بعضها.
وقف حمزة بجوارها محتضن خصرها بذراعه هاتفًا بنبرة خافتة:
-لولا أنك مش مطلعة باسبور كُنا قدرنا نطلع فيزا لأي حنة وسافرنا بس تتعوض ان شاء الله.
قالت سامية وهي تنظر له بحب حقيقي وكأنه الشخص الوحيد الذي يتواجد معها في الكون بأكمله كانت أعينها تفيض حبًا:
-أي حاجة معاك بالنسبالي هتكون حلوة، ومش مهم نكون فين، المهم إني معاك.
ترك قُبلة رقيقة على جبهتها هاتفًا بحب حقيقي:
-أنتِ أحلى حاجة في دُنيتي يا سامية، وربنا يقدرني واسعدك وبرضو مش هتخلى عن سفرية لينا مع بعض ان شاء الله، لما نرجع تطلعي باسبور ونسافر قريب مع بعض ان شاء الله دي من أحلى الحاجات اللي ممكن تحصل في حياتك أنك تسافري برا..
ابتسمت له وكادت تعبر عن حبها لفكرة السفر كونها ستكون معه أيضًا لكن قاطعهما هاتف سامية الذي نما صوته إلى سمعهما من حقيبتها الجلدية الموضوعة أسفل ذراعها.
تحدث حمزة بنبرة جادة وهو يسألها أثناء محاولتها لإخراج الهاتف من الحقيبة:
-مش قولتلك اقفلي الموبايل وخليكي معايا أنا وبس..
ردت عليه سامية بنبرة هادئة:
-عادي يعني محبتش اقفله علشان لو في حاجة ضرورية وماما بتطمن عليا كل شوية.
أخرجت الهاتف وحينما عرفت هوية المتصل غمغمت بابتسامة هادئة:
-هي ماما فعلا.
أجابت عليها تحت نظراته الساكنة والتي لا تشعر بها بشيء محدد غير انزعاجه من أن يقوم أحدهم بقطع لحظاتهما سويًا.
-الو يا ماما.
"ايوة يا سامية أنتم فين يا بنتي؟! الواد حسين راح ليكم عمك باعت ليكي حاجات وأنا بعت شوية أكل وحاجات معاه ليكي علشان متتعبيش نفسك تسخني بس، هو واقف قدام الشقة وبيقول أنه بيرن الجرس ومحدش بيفتح".
توترت سامية قليلًا بسبب كلمات والدتها فهي في الصباح الباكر علمت أمر السفر حينما أخبرها بأن تحضر حقيبتها ولم يكن هناك متسع من الوقت أن تخبر أحد هي شخصيًا شعرت بالدهشة نعم أخبرها بأن هناك مفاجأة بخصوص أمر شهر العسل ولكنه لم يخبرها بأنها في الغد..
قالت سامية بتردد:
-أبدًا احنا سافرنا الصبح دهب وملحقتش أقولك.
شعرت بالضيقٍ التي حاولت والدتها أن تخفيه قدر المستطاع ولم تحسن:
"طب ليه يا بنتي مكلمتنيش؟ وعرفتيني ما أنا لسه كنت بكلمك بليل".
تمتمت سامية بارتباك طفيف:
-أبدًا يا ماما كان بعد الفجر ومرضتش اصحيكي وقولت هكلمك لما أوصل بس أنتِ سبقتيني اهو.
"ماشي يا بنتي، ربنا يهنيكي مع جوزك؛ يلا سلام هروح أكلم الواد حسين أقوله يرجع وخلاص".....
انتهت المكالمة على هذا المنوال حتى غمغم حمزة بنبرة هادئة:
-واضح أن مامتك لسه مفرقتش أو خدت على وضع أنك بقيتي في عصمة راجل والمفروض أن مش كل حاجة تعرفيها ليهم، احنا مش عيال صغيرة..
قالت سامية بنبرة اندفاعية:
-وهي عملت إيه يعني يا حمزة؟! هي معملتش حاجة وكل الحكاية أنها طبيعي تقلق عليا وتكلمني وهي مش بتتصل كتير يعني مرة الصبح ومرة بليل وده طبيعي أنا بنتها الوحيدة..
وضع يده على أحدى أكتافها متحدثًا بنبرة رزينة وبسيطة:
-أنا بتكلم معاكي يا سامية عادي مش كل شوية تقفشي كده، أنا مقدر أننا لسه بنحاول نفهم بعض أكتر...
وترك قبلة على أحدى وجنتيها محتضنًا أياها محاولا القضاء على أي شيء قد يعكر صفوهما...
_______________
"وبنتك يا معلم زهران "
كأن العالم توقف عند تلك النقطة تمامًا...
كأنه أبتلع لسانه...
أن كانت مزحة أو الغرض منهل جعله أضحوكة فالامر ليس مضحك على الإطلاق بل أنه كارثة ومن أسوء المزحات التي سمعها في حياته...
صمت زهران وقتها لأنه أدرك أنه من المستحيل أن تكون مزحة..تمامًا لعدة دقائق كلماتها تتردد في أذنيه ولكنه لا يجد تعقيب مناسب كأن صوته قد ذهب وهو يتأملها كانت نسخة منها كأنها هي...
كأن الزمن قد عاد للوراء في تلك اللحظة لكن مازال هو بجسده الذي بدأ في ظهور علامات السن عليه والكبر لكن كأنها هي ميرفت مازالت أمامه شابة يافعة....
بعد دقائق من الصمت والترقب فقد زهران وعيه وأخر شيء كان قد قاله...
"الحقني يا صاحب عمري".
وسقط مغشيًا عليه في أحضان صديقه جابر واجتمع جميع العاملين في الجزارة وبسبب الأصوات العالية جاء نضال وسلامة من الأعلى حملوا والدهم وصعدوا به...لم يكن زهران فاقدًا الوعي تمامًا بل كان في حالة غريبة فقط يطلب منهم عدم الذهاب إلى المستشفى وأن يجعلوه يصعد إلى بيته.
صعدت معهم وفاء وسط الجميع ولا شك بأنها شعرت بالضيق من أجل هذا الرجل حتى ولو كانت تراه لأول مرة...فهي شعرت بالقلق عليه..
كان زهران نائم على الأريكة ويقوم الطبيب "أحد جيرانهم" بفحصه كان قد استعاد وعيه لكنه أبعد ما يكون عن اليقظة صامت بشكل مخيف وليس من عادة زهران أبدًا حتى في أسوء الظروف.
على أحد الجوانب كان جابر يبكي بصوتٍ عالي مما جعل جهاد تشعر بالشفقة تجاهه هاتفة بتوتر هي الأخرى:
-بتعيط ليه بس يا عمو متقلقش هو هيكون كويس ان شاء الله.
هتف جابر بعدما مسح دموعه بالمنديل الورقي الذي أعطته جهاد له بعدما شعرت بالشفقة تجاهه وتأكدت من عمق الصداقة التي تتواجد بينهم:
-أنا مش زعلان ولا قلقان يا بنتي أنا فرحان؛ فرحان لصاحب أن اتحققت أمنيته وبقا عنده بنت، ما شاء الله نسخة منه..
تحدث نضال الذي يقف بجواره تقريبًا ويتابع الطبيب الذي يقوم بقياس الضغط والسكر لأبيه:
-بقولك إيه أنا على أخري، الراجل مش بينطق وأنتَ تقولي فرحان؟؟.
قال جابر بنبرة غاضبة:
-وهو أنا قولت أنك في أولك يعني؟!، صدق أنتَ فعلا متربتش زي ما زهورة حبيبي قال عليك، وبعدين متتكلمش معايا سيبني افرح واحزن مع نفسي..
كاد نضال أن يتحدث لكن منعه سلامة هاتفًا برجاء حقيقي:
-خلاص يا نضال مش وقته اللي بتعمله ده...
تمتم جابر بنبرة جادة:
-فعلا مش وقته اطمن بس على صاحب عمري اللي شكله بلع لسانه ده وهو بنفسه اللي هيجيب ليا حقي منك يا عاق.
______________
يجلس دياب مع أمه بمفردهما مر وقت طويل ولم ينفرد بها...
ذهبت إيناس إلى أحدى صديقاتها التي انقطعت علاقتهما بسبب الظروف الجديدة التي طرأت على حياة كليهما، لكن عادت العلاقة مرة أخرى وقد ذهبت برفقة أطفالها بعدما قامت بدعوتها وشجعتها والدتها على ممارسة حياتها بشكل طبيعي بدلًا من العزلة التي فرضها عليها عمرو طليقها وهي تستمر بها الآن وكأنها نهج يجب عليها الاستمرار عليه حتى لو تخلصت من السّجان...
بينما حور كانت في درسها مع هدير...
لم يستلم دياب "التوكتوك" اليوم بسبب عدة تصليحات يجب أن يقوم بها صاحبه لذلك بعدما انتهى عمله الأول في "مشويات خطاب" عاد إلى المنزل ليجلس مع والدته التي كانت تقوم بتقطيع الخضروات في الطبق البلاستيكي أمام التلفاز كعادتها...
هتف دياب بعدما جاء من الغرفة وجلس بجوارها على الأريكة العتيقة التي تخطى عمرها سنوات وسنوات لكنها مازالت محتفظة برونق عتيق وقديم لها وليست متهالكة:
-بتعملي الأكل أنتِ برضو، ما إيناس قالتلك هتيجي بدري وهتعمله لازم تتعبي نفسك؟!.
تحدثت حسنية بنبرة هادئة وهي تفسر وضعها:
-في إيه بس يا ابني هو أنا بعمل إيه يعني؟!، هو الأكل كله بيأخد إيه ساعة؟! وبعدين بالعكس أنا بتسلى بدل ما أقعد أفكر، أنا مواريش حاجة غير الأكل لكن إيناس يا عيني بتهلك نفسها كفايا عليها أصلا عيالها ونفسيتها وأنا مش بتعب ولا حاجة متقلقش عليا يا حبيبي.
كان يشعر بشكل عام بالألم تجاة والدته بعدما شهد شبابها حينما انجبته وقامت برعايته الآن يشهد أكثر فتراتها ضعفًا، لا يظن بأنه مر على والدته ظرف أسوء من هذا حتى وفاة والده كانت تحاول التماسك وقتها من أجلهم وأن تكن رجل المنزل ولو كانت لا تمتلك النقود فهو من أجل الدعم النفسي التي تقوم بتقديمه للجميع ورعايتهم.
كان يتأملها ويتأمل ما فعله بها هذا المرض اللعين الذي يدعو ألا يكتبه الله على أحد...
صدقًا لو كان يملك رفاهية الانهيار من أجل ما يحدث في والدته فقط لفعل لكن على ما يبدو أن حتى الانهيار والانفجار تلك رفاهية...
فتمر عليك أيام كثيرة تجبرك ظروفك على التوازن والتماسك والاستمرار تحديدًا لو كنت شخص تقدر المسؤولية.
قاطعت والدته تأمله لها وهتفت بنبرة جادة:
-صحيح مالك يا دياب بقالك كذا يوم مش عاجبني؟! اتكلم يا حبيبي احنا لوحدنا مفيش غيرنا.
تمتم دياب بنبرة هادئة:
-هيكون مالي يا أمي ما أنا كويس اهو كل الحكاية أن دماغي مشغولة شوية في موضوع كده.
تركت والدته الطبق البلاستيكي على الطاولة وسحبت منديل ورقي مما يتواجد في علبته على الطاولة ثم مسحت يديها به ثم ألقت المنديل في سلة المهملات الصغيرة التي وضعتها بجانبها أرضًا:
-موضوع إيه دي؟!.
كانت لهجتها لهجة أمومية بحتة أحيانًا لا تعرف هل هي نابعة من فضول أم اطمئنان أم كلاهما معًا....
تحدث دياب بتوضيح وتفسير رغم أنه يرغب في رفض عرض نضال عليه ولكنه رغمًا عنه يفكر في الأمر...
-موضوع كده أو بمعنى أصح مشروع عرضه عليا نضال.
هنا تم إثارة حواس والدته كلها فلا شك بأن مشروع قد يعرضه عليه نضال على ولدها هو شيء غريب...
ولم يقم هو بزيادة فضولها أكثر من ذلك بل أخبرها بكل شيء وحاولت حُسنية استيعاب ما يقوله وفهمه..
ختم دياب حديثه بفضول لمعرفة رأي والدته رغم أنه يظن بأنها سوف تدعم الجانب الذي يرغب في الرفض بداخله..
-إيه رأيك في اللي أنا قولته؟!.
ردت عليه حُسنية بعكس ما كان يظن تمامًا:
-دي مش محتاجة تفكير وافق طبعًا...
أخبرها دياب بمخاوفه الحقيقية:
-بتقولي إيه بس يا ماما، إزاي اوافق بالثقة دي؟! دي أخر فلوس معايا ومحدش عالم ممكن نحتاج إيه..
قالت حُسنية مدافعة عن وجهة نظرها ولأنها تدرك بأن الظروف الذي يرغب في قولها هي مرضها فهو يخشى أن تطور الحالة..
-بقولك وافق بالثقة دي علشان هو نفسه قالك فلوسك هتدفعها في الشقة ونضال يوم ما تعوزهم أو حابب تفض الشراكة هتاخدهم يعني أنا متأكدة من ده غير كمان نضال وابوه بيفهموا في المواضيع دي، مشويات خطاب معروف وبقاله أكتر من عشرين سنة واديك شايف معروف إزاي وناس كتير بتجيله.
رد عليها دياب موضحًا:
-أنا معاكي في ده، بس ده علشان هنا منطقتهم، والجزارة بتاعتهم، لكن احنا بنتكلم عن مكان جديد وفكرة جديدة تمامًا..
قالت حُسنية بنفاذ صبر من عِناده رغم أنها تعلم بأن مخاوفه تستحق هذا أخر شيء معه...
-خلاص صلي استخارة يا دياب محدش عارف الخير فين يا حبيبي يمكن ده يكون الخير ليك تكون مع صحابك، طارق ونضال ولاد حلال.
ضحك دياب من وسط همه، عتمه وزحمة أفكاره:
-يا أمي ما أنا عارف أنهم ولاد حلال هو أنا مصاحبهم ليه يعني؟ بس مفيش مانع من القلق برضو..
-معاك حق بس فكر كويس بلاش تخلي مخاوفك تخسرك وبعدين أنا مش عاجبني شغلك على التوكتوك ده لازم تسيبه وتكمل الجامعة اللي بقالها سنين بتتأجل دي، هتفرق معاك أوي يا حبيبي.
ابتسم دياب لها ثم نهض وترك قُبلة على جبهتها ثم غمغم:
-هو حور هتخلص درسها امته صحيح؟!.
ردت عليه أمه بنبرة هادئة:
-الساعة سبعة ونص كده..
قال دياب بنبرة جادة:
-ماشي أنا نازل رايح اجيبها واجي..
قالت والدته وهي تعقد حاجبيها بعدم فهم:
-ليه مهي جاية مع هدير والمكان مش بعيد؟! ريح نفسك شوية يا ابني أنتَ بتهلك روحك لازم جسمك يريح شوية..
تمتم دياب بنبرة بسيطة:
-لا هجيبها وعايز اجيب حاجة بالمرة اعدي عليهم وارجعهم معايا.
______________
رحل جابر مدركًا خصوصية الجميع في موقف هكذا واطمئن على صديقه بأنه بصحة جيدة وبدأ بالحديث أمامه، لذلك لم يرغب في أن يكون متطفلًا على وضع هكذا...
"خلوها تتكلم وتقول اللي عندها".
كان زهران في حالة عجيبة أمامه تكاد تكون نسخة مصغرة من زوجته السابقة لولا اختلافات بسيطة جدًا.......
تجلس جهاد على الأريكة وبجوارها سلامة..
على الأريكة الأخرى جالسًا زهران أو مازال شبة مستلقي يحاول أن يستعيد توازنه النفسي قبل الجسدي.....
أما نضال واقفًا لا يرغب حتى في الراحة أو السكون ولو لمدة دقائق، حتى الثواني يرفضها لذلك قال بغضب واضح:
-هتتكلمي بكرا يعني ولا إيه؟!.
تحدثت وفاء بغضب حقيقي:
-متعليش صوتك عليا.
كان زهران يرغب في السيطرة على نضال ولكن الكلمات لا تخرج منه فهو حتى الآن لا يفهم ما يحدث........
قاطعها نضال ساخرًا:
-المفروض واحدة جاية تخرف اخدها بالحضن ولا إيه، انطقي علشان أنا صبري بدأ يخلص..
تمتم زهران من وسط اعيائه الذي طرأ عليه فجأة حتى صوته أصبح لا يخرج منه إلا بصعوبة:
-خلاص يا نضال...
نظر نضال لهم بضيقٍ كان ينقصه حقًا مسالمة أبيه في موقف هكذا....
ابتلعت وفاء ريقها وحاولت الحفاظ على أتزانها رغم أنها على وشك أن تفقد وعيها حقًا منذ أيام وهي ممتنعة عن الطعام لا تتناول الطعام أبدًا الذي يأتوا به، حتى أخيرًا أفرجت عنها "وفاء الكبيرة" ابنة خالة والدتها وساعدتها في الهروب من سجنها في سابقة جديدة من نوعها أن تفعل وفاء شيء جيد.
-أنا بنت ميرفت ومعايا شهادة الميلاد ومعايا تحاليل تثبت أن مجدي ابن خالتها وجوزها التاني مش أبويا..
صاح نضال بغضب واضح:
-مش مشكلتنا كل ده، ازاي تيجي هنا علشان تقولي لينا كلام زي ده وتقولي أنك بنته لمجرد حاجات ملناش دخل بيها..
حاولت وفاء أخذ أنفاسها وألا تغضب من هذا الكائن المستفز وفي الوقت نفسه عدم البكاء ما مرت به خلال الثلاثة الأشهر الماضية كان من الطبيعي أن يهلكها لحسن الحظ أنها مازالت تستطيع الوقوف على قدميها:
-أمي في مرضها اعترفت ليا بكل حاجة وكتبت ليا كل حاجة باسمها قبل ما تتوفى علشان جوزها ميورثش فيها، الحاج زهران عارف كويس ثروة والدتي وأن أبوها كان كاتب ليها النص بالنص مع أخوها غير أن خالي متجوزش وهي ورثته لما اتوفى من خمس سنين، أنا مش جاية أنصب ولا جاية طمعانة في حد وكل أملاكي ورقها معايا.
تحدث زهران معقبًا على حديثها بحزن حقيقي، فهي منذ مدة تأتي في عقله:
-ميرفت ماتت!! لا حول ولا قوة إلا بالله ربنا يرحمها ويغفر لها يارب..
لا شك أن الخبر كان له صداه على زهران..
رُبما هو يخاف الموت كثيرًا..
لا يخاف أن يموت هو بقدر خوفه على مفارقة الأحباب فارق زوجته الأولى بعد والدته بوقتٍ ليس بالكبير بينهما...
بعد وفاة زوجته الأولى كان يحاول ممارسة حياته بشكل طبيعي من أجل أولاده...
حينما ذهبت إلى المحافظة التي تقطن بها ميرفت وعائلتها من أجل عطلة صيفية مع شقيقه وزوجته رأى ميرفت...
لا يدري هل وقع في حبها عند رؤيتها أم أنه كان يحتاج لامرأة تعيد الاتزان في حياته له؟! بعد فقدانه والدته وزوجته....
المرأة في حياة زهران تمثل له المنزل والألفة والونس لذلك من الصعب عليه أن يعيش دونها...
لا يتذكر كيف كانت مشاعره في البداية لكنه فيما بعد أحبها؛ أحبها حقًا لم ينوي يومًا على فراقها لولا أقاربها وتحديدًا وفاء التي كانت تتدخل بينهما بشكل قوى وكانت تصدقها ميرفت بشكل يثير جنونه وتعجبه ومن هنا تحدث المشاكل...
تحدثت وفاء بنبرة هادئة أو تظهر هكذا:
-عرفت أول مرة من شهرين ونص تقريبًا كانت ماما تعبانة في المستشفى وأنا بايتة معاها..
......عودة إلى الماضي......
قامت الممرضة بتعليق المحلول لميرفت ثم هتفت بنبرة رسمية لكنها عطوفة والبسمة لا تفارق ثغرها وهي تخاطب وفاء تحاول التهويين قدر المُستطاع:
-لو في أي حاجة أو حسيتي أن المحلول وقف رني بس علطول وأنا هاجي أنا لسه مستلمة شيفت بليل فهكون معاكم لغايت الصبح..
هزت وفاء رأسها بامتنان رغم قلة كلماتها:
-تمام شكرًا.
رحلت الفتاة ولاحظت وفاء صمت والدتها الذي طال كما طال المرض الذي هلك جسدها ويفتك بها، يأكلها بلا رحمة:
-إيه يا ماما مالك ساكتة كده ليه؟!.
ردت عليها ميرفت بنبرة ضعيفة:
-مجدي ووفاء مشيوا صح؟!.
هتفت وفاء بنبرة هادئة:
-ايوة يا ماما أنتِ نسيتي ولا إيه؟! دول مشيوا من بدري أوي..
تحدثت ميرفت بعدما ابتلعت ريقها:
-ماشي ارفعي السرير كده واعدليني علشان عايزة أتكلم معاكي كلام محدش يعرفه أو يسمعه غيري أنا وأنتِ.
فعلت وفاء كما أمرتها والدتها حتى أنها أوقفت المحلول بناءًا عن أمرها لأنه لا تريده الآن فاستعانت بالممرضة وها هي تجلس على المقعد البلاستيكي بجوار الفراش التي تجلس عليه والدتها..
-بصي يا وفاء اللي هقوله صعب تتحمليه بس دي الحقيقة فأنا بطلب منك توعديني بحاجتين..
تحدثت وفاء بتردد حقيقي وقلق واضح:
-ماما أنتِ بتقلقيني على فكرة..
هتفت ميرفت بنبرة هزيلة وضعيفة:
-اسمعيني يا بنتي أنا مش قادرة اعيد كلامي اوعديني أنك تسمعيني للآخر مهما كان كلامي صعب وفي الوقت نفسه متكرهنيش..
قالت وفاء بخوف حقيقي لكنها تفوهت بالحقيقة رغم كل شيء:
-أنا عمري ما اكرهك يا ماما إيه اللي حضرتك بتقوليه ده؟!
ابتسمت لها والدتها ثم أمسكت بكف يدها هاتفة:
-أنا كنت أصغر منك اما اتجوزت جوزي الأولاني، زهران..
غمغمت وفاء باستغراب فهي لأول مرة تستمع تلك الكلمات:
-هو حضرتك كنتي متجوزة قبل بابا؟!.
هزت ميرفت رأسها بإيجاب:
-ايوة كنت متجوزة عارفة أنه كلام غريب وجديد عليكي فاستحمليني شوية في اللي بقوله النهاردة، بس أوعى تحكمي عليا، وقتها أنا كنت غبية لدرجة إني عامية عن أقرب الناس ليا، كنت غبية لدرجة إني سمحت لنفسي امشي ورا كلام واحدة كنت فاكراها أقرب لنفسي مني لدرجة إني سميت بنتي على اسمها.
لاح القلق والخوف من تلك الاعترافات المُريبة على وجه وفاء لكنها تحاول أن تستمع إلى حديثها ولا تظهر ثورتها أبدًا بسبب مرض والدتها ولأنها تشعر بالفضول حيال ما لا تعرفه...
ويبدو أنها تقصد وفاء التي تبغضها ولم ترتاح لها يومًا.......
هتفت ميرفت بنبرة ضعيفة وهزيلة:
-أنا كنت متجوزة واحد قبل مجدي اتجوزته وأنا تقريبًا مكملتش عشرين سنة اتجوزته بسرعة حبيته وكان ابويا حابة بشكل كبير رغم أن الكل كان بيعارض ابويا أنه جوزني بالسرعة دي لواحد متجوز وعنده ولدين، بس هو يا حبيبي كان عايز يفرح بيا..
ابتلعت ريقها وهي تحاول السيطرة على الألم الذي ينتشر في جسدها كله بلا توقف:
-الحقيقة إني حبيته أوي بس كنت مفضلة عيلتي دايما عنه مفضلة وفاء عنه كنت واثقة فيها ثقة عمياء ممكن اكدب عيني واصدقها هي من كتر ما بحبها، وفاء فضلت تزن على دماغي بعد ما ابويا اتوفي بعد سنتين من جوازي، وكدبت وقالت أن جيهان بنت خالي اللي عايشة في القاهرة زهران كان بيكلمها وجيهان حلفت قدامي أن ده حصل، صدقتها واطلقت كنت وقتها حامل فيكي.
هي لا تفهم أي شيء..
لا تظن الشيء الذي فهمته هو الشيء الصحيح أبدًا...
مـسـتـحيـل..
أسترسلت ميرفت حديثها بلا توقف:
-كنت حامل فيكي واقنعتني أننا نتفق مع الدكتور ونقوله أن في مشاكل كبيرة بيني وبين جوزي ولازم يقوله أن العيل نزل وحكت له حوار مش حقيقي والدكتور خد فلوس مننا علشان يسكت وفعلا عمل اللي احنا عاوزينه محدش كان يعرف إني حامل فيكي غير وفاء حتى اخويا الله يرحمه مكنش يعرف كان وقتها ابويا اتوفى.
ابتلعت ريقها ثم قالت بنبرة جادة:
-اطلقت من زهران وهي فضلت تقنعني إني اتجوز مجدي وأنه بيحبني من زمان وأنه مستعد يسجل البنت باسمه كان وقتها اتجننت اما عرفت أن زهران بيدور على عروسة واتجوزت مجدي وخلفتك وسجلك باسمه فعلا.
كيف من الممكن أن تفعل والدتها هذا؟!
كيف تتزوج رجل وهي حامل بابنة رجل أخر...
هي كانت في فترة العدة التي تستمر حتى ولادتها لا يصح أن تتزوج برجل أخر....
حتى أنها لم تكتفِ بهذا بل قامت بتسجيلها باسم رجل أخر معتقدة طوال عمرها بأنها ابنته وهي ليست كذلك.........
كانت تتحدث بلا توقف:
-الغلط مش كله عليهم أنا كمان غلطانة ويمكن أكتر منهم لكن معنديش وقت اشوف مين اللي اكتر، الصبح المحامي هيجي قبل ما هما يجوا وهكتب كل حاجة ليكي مش هخلي مجدي ووفاء يورثوني.
....عودة إلى الوقت الحاضر.....
-بعدها بكام يوم فعلا كتبت ليا كل حاجة وعملت أنا من غير ما تعرف حجة علشان اقدر اعمل تحليل DNA بيني وبين مجدي واكتشفت اني مش بنته ولما عرف اني عملت كده من وراه اتجنن، كان عندي ولو أمل بسيط يطلع اللي ماما قالته غلط كنت منتظرة النتيجة تكدب اللي قالته.
هذا ما قالته أمام الجميع بعدما أخذت تخبرهم كيف علمت بالحقيقة وأول مرة تعترف والدتها بها.
كان زهران مصدومًا...
مدهوشًا...
كأنه في كابوس...
يتمنى أن يكون كابوسًا مزعجًا وسوف يستيقظ منه..
لا يظن بأن ميرفت البريئة والساذجة في نظره قد تتصرف بتلك العدوانية أن تخفي ابنته عنه لو كانت ابنته حقًا..بل تقوم بالاتفاق مع طبيب من أجل نتائج غير حقيقية..
جـريـمـة كامـلـة الأركان.
هل كانت ميرفت بهذا السوء ولا يدري!!
على وشك أن يفقد عقله مما يسمعه حقًا..
لأول مرة في حياته أسلوبه الساخر لم يسعفه...
بل كأنه ابتلع لسانه من وهل ما يسمعه والغريب بأن هناك جزء منه يصدق بأنها قد تنتمي له تلك الفتاة...
عن أي ذنب يكفر الآن؟!!!
كأن الدنيا بأكملها أنقلبت فوق راسه..
غمغم نضال ساخرًا غير مستوعبًا ما يسمع فهو يتحدث بطريقة منطقية بحتة:
-والله المفروض نصدق القصة دي؟! عُبط أحنا بقا ولا مختومين على قفانا..
نهضت وفاء متحدثة بثورة:
-أنا معنديش مصلحة اكدب عليك ولا جاية أرمي بلايا عليكم لأني مش محتاجة منكم حاجة، أنا كنت محبوسة في بيتنا شهر كامل وأكتر مش بشوف الشارع لما واجهتهم محدش فيهم أنكر، لما عرفوا أن ماما كتبت ليا كل حاجة حبسوني في البيت بصوت ليل ونهار ومصعبتش على حد لغايت ما هربت وجيت على هنا.
ابتلعت ريقها ثم قالت بجمود وهي تنظر إلى أعين نضال النارية التي تماثلها:
-أنا مش جاية ادي مبررات للي عملته لأمي ولا اتكلم هي حرة في أسبابها لأنك زي ما شوفتها غير منطقية أنا كمان كده هي ماتت مع أسرارها وأسبابها لكن دي مش مشكلتي أنا جاية أعرف مين أبويا، رغم كل الغلط والعك اللي حصل.
تحدث نضال بنبرة غاضبة تحت صمت الجميع:
-هنعمل تحليل وهيبان أنتِ كدابة ازاي وساعتها مفيش حد هيقدر يحوش عنك.
قال كلماته ورحل إلى غرفته صافعًا الباب خلفه لا يدري ما الذي يجب عليه فعله؟!
غمغم زهران بنبرة مترددة ولكنها عطوفة إلى حدٍ كبير:
-أنزل يا سلامة افتح الشقة تحت ليها وقعدها فيها لغايت ما نشوف بكرا هنعمل إيه؟!.
ردت عليه وفاء بكبرياء نازف:
-شكرًا أنا رايحة احجز في أي فندق وخلاص..
لم يجعلها نضال تستكمل حديثها الذي جاء من الداخل هاتفًا مانعًا زهران من التعقيب:
-لا هتقعدي لغايت ما نعمل التحليل ونشوف اخرتها إيه معاكي...
تحدث زهران بخوف حقيقي لا يدري سببه هذا ما أغضب نضال كونه يتعامل معها بتلك الطريقة بل وكأنه يصدق ما يسمعه:
-خليكي هنا مدام بتقولي هناك هربتي منهم وكنتي محبوسة يعني زمانهم بيدوروا عليكي لغايت ما نشوف اللي هيحصل.
_______________
قام دياب بتوصيل هدير حتى منزل عائلة خطاب برفقة حور التي ترغب في العودة إلى منزلها لكن ذهبت عند الموقف مرة أخرى مع شقيقها الذي أخذ يخبرها بما يريده دفعة واحدة.
كان ردها هو أنها تصرفت بأنها لم تسمع شيئًا منه ورُبما هذا عن وحي خيالها وعطشها إلى النوم وجوعها الشديد لأن معدتها تطلب طعام أمها..
-يلا نروح بقا أنا تعبانة وعايزة أنام وجعانة.
جحظت عينا دياب وهو ينظر لها مستفسرًا:
-هو أنا بقالي ساعة بكلم نفسي يعني ولا أنتِ مش سمعاني في ليلتك دي؟.
تحدثت حور بعد شهقة مرحة خرجت منها ووضعت يدها على فمها:
-مش معقول يعني أنتَ كنت بتتكلم بجد؟! وعايز فعلا تجيب هدية لـريناد.
رد عليها دياب مصححًا محاولًا أن يقلل من الحرج الواقع عليه:
-أنتِ اللي هتجيبي وهتديها الهدية مش أنا، أنا بس عرفتك أن عيد ميلادها بكرا.
قالت حور معترضة وهي تعقد ساعديها:
-وأنا هجيبلها هدية منين هو أنا وارثة ولا وارثة؟!.
-أنا هديكي فلوس تجيبلها هدية نقي ليها حاجة عدلة على ذوقك أكيد أنتِ عارفاها وعارفة اهتماماتها أو بتفهمي يعني في قرف البنات ده.
تمتمت حور بنبرة جادة وهي تنظر له متفحصة ومتقمصة دور أم الزوج كما يجب أن يكون:
-وأنتِ مهتم ليه يعني؟! هي من بقية أهلك وبعدين إيه قرف البنات دي..
نظر لها دياب نظرة اخافتها وهو يخبرها بوعيد:
-أنتِ عارفة لولا أننا في الشارع كنت بطحتك بحاجة على لسانك الطويل ده، لمي نفسك، وبعدين ما أنا قولتلك اللي حصل وأنها صعبت عليا مش أكتر وأنتم المفروض صحاب ورغم أنكم رجعتم تتكلموا علاقتكم مش زي الأول ودي حاجة هتحسنها يعني.
هتفت حور بغيرة لن تنكرها مثل تلك الغيرة التي كانت تشعر بها تجاة خطيبته السابقة ليلى وأي أمرأة تقترب منه لكنها لا تفتعل المشاكل بل على العكس تكن غيرتها مضحكة نوعًا ما، من النوع الحميد:
-وتصعب عليك ليه يعني؟! هاتلي أنا هدية واوعدك هخليك تشيل احساسك بالذنب ده.
تمتم دياب بنبرة مغتاظة:
-تصدقي الغلط من عندي أنا إني كنت متخيل إني ممكن اتكلم معاكي او اعتمد عليكي في حاجة.
بدأ ضميرها يتخذ وضعه المناسب وهي تحاول قول أي شيء:
-ماشي خلاص هكون طيبة وهجيبلها هدية هات الفلوس وخلص.
-هتجيبي ليها إيه؟!.
قالت حور بعنهجية وكبرياء شديد:
-أنا حرة بقا أنتَ قولت أنا بنت وهفهم واختار على مزاجي يبقى متدخلش من فضلك هات الفلوس وخلاص.
هز دياب رأسه موافقًا وهو يحذرها:
-عارفة يا حور لو هي بس حست لو مجرد إحساس أنك مش أنتِ اللي جايبة الهدية بنفسك وأن ده كله تفكيرك لوحدك هعمل فيكي إيه؟!.
سألته حور بفضول:
-هتعمل إيه؟!.
رد عليها دياب بنبرة جادة:
-خليها مفاجأة.
هتفت حور بنبرة جادة وهي تحاول امتصاص قلقه:
-متقلقش والله أنا هظبط الدنيا...
-ولا هي تعرف ولا حد في البيت يعرف، أنا شخصيًا مش عايزك تتكلمي قدامي في الموضوع تاني، ولو لسانك ده يا حور فضل يُخر مع اللي رايح واللي جاي أنا هقطعولك.
..بعد مرور نصف ساعة..
كانت ريناد تحدق في العلبة القطيفة الأنيقة الطويلة الموضوع فيها سلسلة فضة من النوع الإيطالي يتواجد بها دلاية بسيطة على هيئة مفتاح أنيق جدًا وبه بعض الفصوص، وحقيبة جلدية مناسبة نوعًا ما، بالتأكيد ليست من علامة تجارية معروفة كما أعتادت ولكنها أنيقة ورائعة..
وكانت الهدية حقًا من اختيار حور لم يفكر دياب في أي شيء....
هي اختارت نوع الهدية والسلسلة نفسها والحقيبة الجلدية وهو قام بالدفع لكن اعجبه اختيار شقيقته فالواقع حور لديها ذوقٍ جميل وسوف تحسن اختيار هدية كهذا هو لا يحسن اختيار الهدايا بشكل عام للنساء حتى بخصوص الهدايا المتعلقة بخطيبته السابقة ليلى، كانت ايناس ووالدته من يساعدونه هو لم يكن يومًا شخص مُلم بالتفاصيل وقد يحسن اختيار هدية إلى فتاة.
تمتمت حور بحماس:
-عجبتك؟!..
ردت عليها ريناد باعجاب وسعادة حقيقية:
-تحفة بجد تسلم ايدك.
ثم وضعتها ريناد في يد بهية الجالسة على الأريكة حتى تتحسسها وقالت:
-حلوة مبروك عليكي يا ريناد.
تحدثت ريناد ببلاهة:
-بس دي بمناسبة إيه؟!.
قالت حور بعدم فهم:
-هيكون بمناسبة إيه يعني؟ عيد ميلادك طبعا مش عيد ميلادك بكرا؟ كل سنة وأنتِ طيبة.
تمتمت ريناد بنبرة جادة وابتسامة لم تفارق ثغرها حتى الآن بالرغم من دهشتها:
-وأنتِ طيبة يا حور بس أنتِ عرفتي منين؟!.
سألت حور نفسها..
من أين عرفتي يا حور؟!.
الإجابة هي "من دياب"
لكن يجب عليها أن تبحث عن إجابة أخرى فهي لا ترغب في أن يقتلها دياب وهي مازالت في مقتبل العمر وفي بداية شبابها..
هتفت حور بنبرة هادئة مع ابتسامة واثقة ترافق ثقتها التي من الغريب أنها تتحلى بها:
-من الفيس بوك عندك.
أجابتها ريناد باستغراب:
-أنتِ مش عندي غير على الواتساب.
ردت عليها حور بارتباك ولكنها حتى اللحظة الأخيرة تحاول الحفاظ على حياتها من بطش دياب:
-الاكونت بابلك.
تقوم بعمل فيديوهات على منصة "التيك توك" بالتأكيد حسابها على الفيس بوك عام..
كان هذا تحليل حور لكن قضت ريناد على جميع محاولاتها:
-بس أنا اكونت الفيس بالذات برايفت.
هتفت حور بذكاء خارق:
-أنتِ قولتيلي قبل كده..
قالت ريناد باعتراض:
-بس أنا...
قاطعت بهية هذا الحديث بسخرية وهي تلقي أحدى تعليقاتها:
-ما خلاص يا ريناد البت جايبالك هدية لازم تستجوبيها....
________________
يجلس مع زوجته في شقتهما أخيرًا...
كانت تلك الليلة على وشك عدم الانتهاء من طولها؛ والفتاة التي جاءت وظهرت لهم من حيث لا يعلمون...
أخر شيء كان يتوقعه أن يظهر لهم شيء هكذا بعد تلك السنوات التي تجاوزت العشرين تقريبًا، كان سلامة شبة رضيعًا حينما تزوج زهران "ميرفت"....
في وقت الطلاق...
كانت ميرفت حامل بالفعل ولكن عند تلك المشاكل التي حدثت وذهابها إلى المستشفى أخبرت الجميع هي وابنة خالتها بأنها قد فقدت الجنين وبالفعل كان هذا هو تقرير المستشفى وأنتهى الأمر بالطلاق ولكنها كانت متمسكة برأيها بشكل كبير..
تحدث سلامة من وسط همه وجهاد تجلس بجواره على الفراش:
-في عكوسات غريبة بتحصل أما أنا اللي جوازتي محسودة زيادة، أو أنتِ قدمك مش حلو علينا.
قذفته جهاد بالوسادة حتى أنها وضعتها على وجهه، كانت على وشك خنقه بالفعل فهو كالعادة يسخر من الموقف وهي كالحمقاء كانت على وشك أن تقتل نفسها وهي تبحث عن طريقة لمواساته..
صاحت جهاد بغضب حقيقي:
-احترم نفسك يا سلامة والله الحق عليا إني قاعدة شايلة همك..
أبعدها سلامة عنه بصعوبة هي ومعها الوسادة محاولًا أن يأخذ أنفاسه وهو يصيح بها:
-يا غبية هتموتيني، بهزر معاكي..
تحدثت جهاد بعدم استيعاب:
-تهزر معايا إيه؟! هو أنتَ ليك نفس تهزر بعد اللي حصل النهاردة.
قال سلامة بجدية:
-أنا لو مهزرتش هتجنن يا جهاد..
قدرت جهاد ما يشعر به..
سلامة يلجأ للسخرية في الغالب والمرح وبهذه الطريقة رُبما يخرج الشحنة التي تتواجد بداخله....
تمتمت جهاد رغم ذلك بصرامة واضحة وهي تنظر له بتحذير حقيقي:
-لغاية ما نتأكد هي اختكم ولا لا إياك تقرب منها ولا تتكلم معاها أنتَ سامع؟.
قال سلامة بنبرة بدت مستفزة بالنسبة لها:
-بس أنا حاسس إنها اختي معرفش ليه..
صاحت جهاد مستنكرة:
-سلامة بلاش تختبر صبري اكتر من كده أنا بقولك اهو، وبعدين البت حلوة زيادة عن اللزوم.
تمتم سلامة بجدية:
-أنا مش فاكر أمها أوي بس شوفت بعدين صور ليها مع أبويا محتفظ بيها وهي تعتبر نسخة منها بجد كأنها هي وده بان يعني لما ابويا شافها.
غمغمت جهاد بفضول وهي تنظر له:
-هو أبوك كان بيحبها؟.
رد عليها سلامة بعد تنهيدة خرجت منه:
-والله مقدرش أقول حاجة زي دي بس هي دي أول واحدة اتجوزها بعد امي شافها صدفة لما روحنا المصيف مع عمي حسب ما سمعت، كان بيحبها زي ما كانوا بيقولوا ومكنش عايز يطلقها لكنها كانت مصممة بشكل رهيب وسمعت أن في طرف تالت في الموضوع كانت دايما بتسخنها.
تحدثت جهاد رغم تأثرها بالقصة:
-مليش فيه أهم حاجة برضو أنك ملكش دعوة بيها لغاية ما نعرف أخرها إيه البت دي...
تمتم سلامة مستنكرًا ناظرًا لها بسُخطٍ:
-أنتِ دماغك وتفكيرك في عالم موازي لوحده يلا نامي يا جهاد أحسن خلينا ننام في الليلة دي..
هتفت جهاد بنبرة هادئة:
-لا نام أنتَ أنا لسه هكلم سلمى..
_____________
تقوم سلمى بغسل الصحون بعدما خلدت والدتها إلى النوم وتلك حادثة فريدة من نوعها....
لم تحدث سوى في الآونة الأخيرة قد بدأت في تغيير عاداتها من أجل أن تناسب قليلًا مع نظام يومه كما هو فعل معها.
كانت في انتظار اتصاله منذ الخامسة مساءًا لم تتلقى منه اتصال كعادته يخبرها فيه أنه سوف يأتي ليأخذها ويصلها إلى المنزل أو حتى إذا كان لن يأتِ لها فهو يطمئن على أحوالها لكن اليوم اختفى.
هذا أصابها بالغضب الشديد..
شعرت بألم في قلبها..
لا تدري هذا نابع من إعجابها به التي لم تحاول حتى الآن وصفه بأنه حب، أم نابع من شعورها الكبير بالاعتياد عليه ففي فترة بسيطة استحوذ على حياتها ملأ فراغ لم تكن تظنه موجودًا من الأساس.............
تألمت من أجل اختفاءه لمدة ساعات!!
هذا شيء ازعجها من نفسها حتى أنها قررت أنها لن تراسله أو تتصل به مهما فعل.
لكن ذهبت كلماتها إلى الجحيم وهي ترسل له رسالة عند عودتها تحاول ألا تكن بها فتاة خفيفة في نظره حتى لو كانت زوجته، كانت رسالة بسيطة جدًا منها:
"أنا روحت"
ظنت بأن بعدها سوف تجد رد أو اتصال لكن لا حياة لمن تنادي!!!
تنازلت للمرة الثانية وهي ترسل له رسالة بعدها بساعة:
"أنتَ فين؟".
لا رد مرة أخرى هنا جن جنونها لذلك أقسمت بأنها هي من ستقوم بتنظيف المنزل وغسل الصحون وفعل كل ما تجده في وجهها...
ولم تمانع والدتها فهي أيضًا مرهقة من العمل وأصبحت أمرأة تحتاج القليل من الراحة على الأقل بعد سنوات كثيرة مارست فيها دور الأب والأم، فكانت هي الحصن المنيع لهم بعدما تركهم والدهم..
نظفت المطبخ وقامت بمسحه وأنهت كل شيء به ثم قامت بإشعال البخور وصنعت لنفسها مشروب ساخن ثم خرجت وأخذت تقلب في التلفاز وهي تتناول المشروب وعقلها بأكمله مشغول...
أخرجها من أفكارها صوت هاتفها الذي يعلن عن اتصال من شقيقتها الصغرى جهاد...
ابتسمت قليلًا على الأقل سوف تخرجها من تلك الحالة الكئيبة التي على وشك أن تقضي عليها..
أجابت عليها بهدوء:
-ألو.
"ايوة يا سلمى، لسه صاحية يعني؟ ده أنا قولت هلاقيكي نايمة من بدري".
هي مستيقظة على أمل اتصال منه أو اعتذار يجبر خاطرها المكسور...
لم تتوقع بأنها يومًا ستكون فتاة قد تشعر بهذا الضعف لأن الرجل الذي في حياتها قد اختفى لمدة ساعات..
-أبدًا مش جايلي نوم، في حاجة ولا إيه؟!..
جاءها صوت جهاد الساخر:
"في حاجة واحدة؟! ده في حاجات وحاجات يا سلمى".
قالت سلمى بنفاذ صبر حقيقي:
-نفسي في مرة واحدة تقولي الحاجة علطول بدل المقدمات بتاعتك دي اللي بتبقى شوية وهتخليني أتجلط.
"بعد الشر عليكي وبعدين ياستي هقولك اديني فرصة انطق".
-اتفضلي ياستي انطقي.
قالت جهاد بتردد:
"ما أنا مش عارفة ابدأ منين الموضوع صعب أنه يتقال......
أردفت سلمى بغضب حقيقي:
-انطقي يا جهاد أمراض الدنيا كلها هتجيلي عقبال ما تقولي في إيه...
"سلمى عم زهران تقريبًا طلع عنده بنت"
ضيقت سلمى حاجبيها هاتفة بعدم فهم:
-هو إيه اللي عنده بنت؟! أنتِ بتقولي إيه؟!..
-بقولك اللي حصل أحنا طول اليوم في الموضوع ده ومحدش عارف يعمل حاجة جت بنت كده مزة وقمورة زيادة عن اللزوم قالت أنا بنت ميرفت وعم زهران تنح وبلم ومعرفش ينطق....
بعد مرور ربع ساعة تقريبًا..
كانت سلمى تقف أمام المرآة تحاول ضبط خِمارها بأي طريقة وهو مجعد بشكل لا تقبل الخروج به أبدًا لكنها لا تفكر الآن في هذا الشيء......
دخلت إلى الحجرة لتخبر والدتها بأنها سوف تهبط لكنها وجدتها تغط في نومٍ عميق مما توقعت لذلك لم ترغب في ازعاجها، أرسلت لها رسالة على "الواتساب" تخبرها بأنها هبطت إلى نضال حتى إذا استيقظت ولم تجدها في المنزل تجد رسالتها وبالتأكيد سوف تتصل بها.
هبطت من المنزل لتجد الجزارة مغلقة وهذا شيء طبيعي نظرًا لأن الساعة تجاوزت الحادية عشر مساءًا قبل منتصف الليل....
توجهت صوب مطعم "مشويات خطاب" لتسأل أحد الشباب عنه والذي كان يعلم هويتها أخبرها بأنه يجلس في مكتبه الصغير جدًا أو غرفته بمعنى أدق فهي لا تكن مكتب بالمعنى الصحيح...
لم تكن ترغب في الدخول إلا حينما وجدت هاتفه مغلق..
ذهبت إلى تلك الغرفة الصغيرة وقامت بطرق الباب طرقات خافتة، ولم تجد رد إلا بعد ثواني فتح نضال لها الباب بوجه غامض لكنه بالتأكيد غاضب ولكن يصعب عليها تحليله.
رفع حاجبيه مندهشًا حينما وجدها أمامه فهو كان يظن بأنه أحد العاملين قد جاء ليقطع عزلته وفي الواقع هي ليست بعزلة حقيقية هو لم يجد مكان قد يستطيع الذهاب فيه...
ولا يرغب في الهروب أو الاختفاء الآن..
هو يحب مواجهة الموقف لا حل آخر قد يعجبه...
أو يُرضيه...
لذلك كان يتواجد في مكانه الطبيعي...
كانت تنظر له بعدم فهم لمدة ثواني ورُبما تجاوز الأمر دقائق وكان هذا أطول تواصل بصري قد حدث بينهما لتجده يتفوه بنبرة غاضبة بعض الشيء تناسب عيناه التي كانت بلون الدم ووجهه المحتقن:
-أنتِ بتعملي إيه في الوقت ده؟! وبتعملي إيه هنا اصلا؟!.
كانت تنتظر أي تعقيب إلا هذا...
لكنها حاولت الدفاع عن موقفها بثبات محاولة الابتعاد عن تأثير عيناه القوي:
-هكون بعمل إيه جاية أطلب اوردر مثلا؟! جاية علشانك؛ ولو كنت بترد على رسايلي أو كنت عبرتني طول اليوم أنا أكيد مكنتش جيت...
كان الرواق التي تقف فيه ضيق نوعًا ما وأتى أحد الشباب الذي خرج من المطبخ المتواجد في نهاية الرواق يرغب في المرور مما جعل نضال يجذبها من معصمها إلى داخل تلك الغرفة قبل أن يغلق الباب:
-عدي يا ابني...
أستدار لها نضال بعدما أغلق الباب هاتفًا باعتراض واضح:
-برضو مهما كان السبب حتى لو كُنت أنا متنزليش من بيتكم في الوقت ده لوحدك الساعة داخلة على اتناشر.
تمتمت سلمى وهي تعقد ساعديها متحدثة بجدية محاولة قول أي شيء قد يخفي أو يغطى لهفتها..............
كونها تعلم أن تصرفها قد يكون خاطئ من وجهه نظرها أو سلمى التي تعرفها لا تتصرف بتلك الطريقة ولكنها تتذكر كلمات جهاد عن صمت نضال واختفاءه لذلك لم تتحمل وأتت على الفور..
-جهاد قالتلي اللي حصل وأنا حبيت اجي علشان اطمن عليك...
تحدث بنبرة ساخرة، لا يدري منها أم من نفسه أو من الظروف؟! لا يعلم حقًا ما الذي يستحق السخرية أكثر من الباقي، لذلك قطع حديثها:
-إيه اللي حصل يعني؟! ظهر لينا واحدة قعدت تحكي قصة مش داخلة دماغي وابويا وسلامة ساكتين كأنهم مصدقين...
ابتلعت سلمى ريقها بتوتر وهي تحاوره بطريقة مأسوية رُبما ولكنها واقع الكثير والكثير الذين ظلموا بغير حق مع شخصيات مكانهم مستشفى الأمراض العقلية لا أن يقوموا بتكوين أسرة:
-طب ما يمكن يا نضال تكون حاجة حقيقية في للأسف ناس كتير بتعمل كده، عند المشاكل في ناس بتجنن لدرجة أنها بتعمل حاجات غريبة زي ستات تخبي على جوزها أنها حامل ورجالة من عِندها في الست اللي معاها مش بترضى العيال باسمها..
ابتلعت ريقها وهي متذكرة أحدى قصص الفتيات التي تعرفهم:
-ده في رجالة بيكونوا متجوزين قبل السن القانوني وممكن يغدروا وميرضوش يسجلوا، ربنا يكفي الواحد شر الغدر اللي من النوع ده.
قال نضال برفض حقيقي:
-أنا مش مقتنع بأنها تعمل كده أو أن في حد عاقل يعمل كده أصلا، الكلام اللي قالته ده مش داخل دماغي..
هتفت سلمى بنبرة هادئة:
-محدش عارف الحقيقة فين وبعدين مش هي قاعدة في شقة عم زهران لغاية ما تعملوا DNA قلقان ليه بقا؟!..
تحدث نضال بغضب حقيقي وهو يناظرها:
-قلقان ليه؟! دي كارثة يا سلمى أرجوكي متتكلميش زيهم وتسهلي الموضوع، ده كارثة لو جاية تنصب علينا وكارثة أكبر لو بتتكلم بجد دي واحدة متسجلة باسم راجل تاني؛ وهربانة منهم أنتِ متخيلة الوضع اللي كلكم مش فاهمينه؟ وكلكم بتحاولوا تحسنوا وتبسطوا الموضوع ولا كأنها قطة جت عند باب بيتنا.
قالت سلمى بهدوء على عكس العادة هي تحاول امتصاص غضب الشخص ال# يتواجد أمامها؛ في العادة هي تغضب حينما يتحدث أحدهم معها بطريقة لا تعجبها لكنها تحاول التماس الأعذار له:
-نضال أنا أخر حد ممكن يبسط المواضيع ياريتني بعرف أعمل كده، كل الحكاية إني بفكر معاك، قعدتك لوحدك دي مش حل.
رد عليها نضال وهو يضيق عينه:
-عادي بصفي دماغي شوية وبعدين أنا مش قاعد في هولندا ده أنا قاعد في المكان الطبيعي اللي بكون فيه كل يوم في الوقت ده.
تمتمت سلمى بسؤال غريب خرج منها:
-يعني وجودي زي عدمه في الأخر؟!.
تنهد وهو يغلق عينه ثم قال بضيقٍ حقيقي رغم كلماته التي لمست قلبها:
-لا شكرًا أنك جيتي مع أنك غلطتي في مجيتك.
سألته سلمى باستنكار وانزعاج حقيقي:
-إيه الكلام اللي مش راكب على بعضه ده.
قال نضال بجدية وصدقٍ وهو ينظر لها:
-بالعكس راكب على بعضه ومفهوم وعادي هوضحه، أنا بقيت أحسن لما شوفتك برغم إني مازالت هتجنن من اللي حصل النهاردة، لكن غلطتي في أنك جيتي علشان الوقت متأخر ومتكررهاش تاني مهما كان السبب.
تحدثت سلمى بتهور بسيط:
-مكررهاش!! عادي أنا ساعات بنزل الساعة حداشر.
رد عليها نضال باستهجان شديد وهو يناظرها:
-ده بأمارة إيه؟! أنا من ساعة ما عرفتك وأنتِ بتنامي الساعة تسعة ده أول مكالمة اتصلت فيها بيكي في حياتي تقريبًا سمعتيني مواعيد نومك..
ضحكت سلمى رغمًا عنها..
وكانت ضحكتها جميلة ونادرة..
نادرة كأنه لأول مرة في حياته يشاهد فتاة قد تضحك أو تبتسم..
كما أنها نادرة أيضًا لسبب أخر...
سلمى نادرًا ما تبتسم بل هي تفضل أن يبقي وجهها جامدًا في كل الظروف والأوقات كأن الضعف ذنب بالنسبة لها....
إظهار المشاعر ذنب...
التعبير عن حالتها ذنب.....
كلها ذنوب لا تغتفر وهي لا ترغب في أن تكون أمرأة من هذا النوع لكنها تخشى أن تكون قد تتحول تدريجيًا دون وعي منها.
شعرت بتأمله إلى ابتسامتها الشقية والصافية التي نادرًا ما تسمح لها بالخروج لذلك تنحنحت ثم حاولت قول أي شيء:
-على العموم أنا هروح خلاص، كان لازم أجي اطمن عليك واشوفك، صدقني كل حاجة هتعدي والتحليل بإذن الله يطمنكم.
تحدث نضال مستجيبًا لتغييرها الموضوع بملامح غاضبة:
-أي نتيجة هتطلع استحالة هطمني.
غمغمت سلمى وهي تسأله بجدية شديدة:
-لو طلعت اختك هتعمل إيه يا نضال؟!.
رد عليها نضال بجمود:
-مش عارف...
ثم تحدث بنبرة كئيبة وهو يأخذ ميدالية مفاتحيه ومتعلقاته الشخصية من فوق الطاولة:
-يلا أنا مش عايز اتكلم في الموضوع ده أكتر من كده الكلام خلص أو اتأجل لغايت ما نشوف هنعمل إيه بكرا، المهم دلوقتي يلا علشان أوصلك.
قالت سلمى بسذاجة:
-مش لازم تتعب نفسك.
قاطعها نضال وهو يجذبها من معصمها نحو الباب ولا يدري بأن لمسته البسيطة تلك كان لها أثر كبير يُكتب ويتم حفره في قلبها رغم عفويته:
-يلا يا سلمى مش كفاية جيتي لوحدك فكراني هسيبك ترجعي لوحدك كمان ده اللي ناقص فعلا.....
_______________
في اليوم التالي...
كانت إيناس تقوم بتحضير الطعام وفي انتظار أن يأتي دياب حتى يتناول معهم قبل أن يذهب إلى عمله الثاني.....
كانت حور تحاول المذاكرة وحل جميع واجباتها اليوم لم يكن لديها دروس...
أما الطفلين يشاهدان فيلمها المفضل ووالدتها في حجرة النوم تأخذ قيلولة..
صدع صوت هاتف إيناس الموضوع على الطاولة بجانب حور لتجد رقم غريب "غير مسجل على الهاتف" يتصل بها وأجابت حور بفضول..
-الو..
جاءها صوت أنثوي عملي من الدرجة الأولى:
-ألو، معايا مدام إيناس؟!.
ردت عليها حور بنبرة مترددة:
-ايوة أنا.
كان الرد من الطرف الأخر بسيط:
-أنا سماح من مستشفى ******** اللي حضرتك مليتي فيها الابلكيشن ان شاء الله منتظراكِ بكرا بإذن الله الساعة عشرة علشان الانترفيو..
ردت عليها حور بسعادة حقيقية:
-تمام، شكرًا..
-العفو مع السلامة..
انتهت المكالمة فنهضت حور من مقعدها وتركت الهاتف وهي تركض متوجهة صوب المطبخ تصرخ من خلف إيناس المنهمكة في تقليب الطعام:
-إيــنــاس.
انتفضت إيناس وهي تستدير لها متمتمة بفزع:
-في إيه؟! أمك كويسة؟!..
ردت عليها حور بحماس حقيقي:
-كله زي الفل جات ليكي مكالمة من المستشفى.
كانت إيناس قد نست الأمر رغم أنه لم يمر عليه الكثير أو بمعنى أصح لم تكن تدرك بأنهما سوف يتصلون بها، فهي أرسلت سيرتها الذاتية مئات المرات ولم يقبلها أي شخص كونها عديمة الخبرة...
ولم يكن لديها احتمال ولو واحد في المئة بأنهم من الممكن أن يتواصلوا معها..
-مستشفى إيه؟!.
تحدثت حور موضحة:
-مستشفي ******** بتقول أنك مليتي ابلكيشن هناك وهما مستنينك بكرا الساعة عشرة.
هتفت إيناس بدهشة حقيقية فهي ظنت بأن المتقدمين كثر وبالتأكيد مؤهلاتها أو حتى خبرتها العملية سوف تمنع قبولها لأنها حسب ما علمت بأنهم يبحثون عن شخص يسد الفراغ الذي خلف:
-أنتِ بتتكلمي بجد؟!.
قالت حور بنبرة هادئة:
-اه والله ههزر ليه؟! وبعدين مالك مخضوضة ومستغربة ليه يعني أنهم كلموكي مهوا أي مكان في الدنيا في احتمال قبول أو رفض مش كله رفض يعني...
تحدثت إيناس برفض حقيقي:
-يعني المكان بعيد عليا أصلا ومجاش في بالي أنهم ممكن يقبلوا ده بالصدفة وأنا رايحة اسأل على الدكتور الورقة اتحطت قدامي ومجاش في بالي إطلاقًا انهم ممكن يكلموني أصلا.
هتفت حور بذكاء:
-يمكن ده نصيبك يا إيناس أنتِ بقالك كتير بدوري على شغل وجت ليكي على أهون سبب أهو..
جاءت والدتهما من الخلف قائلة بفضول وبسمة مرسومة على ثغرها تطمئن بها بناتها حتى ولو كانت في أضعف حالاتها.
-هو إيه اللي جت ليها على أهون سبب دي؟!.
تمتمت إيناس باستغراب:
-أنتِ صاحية يا ماما؟ ده أنا كنت هصحيكي لما دياب يجي.
هتفت حُسنية بنبرة هادئة:
-لا معرفتش أنام يدوبك فرضت جسمي بس ولما سمعت حور صوتها عالي قولت أجي اشوف في إيه؟!.
ردت عليها حور على الفور:
-متظلمنيش أنا بس الحماس كان واخدني يا ماما، إيناس جالها شغل في المستشفى اللي حضرتك بتروحيها وعايزينها تروح تعمل مقابلة.
قالت حُسنية بفرحة حقيقية:
-أنتِ بتتكلمي بجد؟! يعني كلموكي؟...
كانت بالفعل إيناس في ذلك اليوم أخبرت والدتها بما حدث معها وظلت تدعو لها بأن يتم قبولها...
تمتمت إيناس وهي تعقد ساعديها:
-أيوة كلموني بس أنا مش هروح اشتغل زي ما شرحت لحضرتك أسبابي وقتها..
هتفت حُسنية بحنان:
-روحي وجربي يا بنتي وشوفي الدنيا اهي فرصة وجاتلك تخرجي من اللي أنتِ فيه وتعرفي الدنيا كده بدل قعدة البيت وبعدين أنتِ مش أول ما تروحي هيشغلوكي يعني، وأنتِ بقالك كتير بدوري لما جات ليكي مش عايزة تروحي..
في ذات الوقت كان دياب يصعد على الدرج.....
مر على الطابق الأول..
ثم الثاني..
قبل أن يصعد إلى الطابق الثالث الخاص بشقتهما استوقفه الأمر حينما خرجت ريناد التي كانت متربصة في الشرفة تنتظره وما ان رأته حتى خرجت على الفور....
-السلام عليكم.
قالها دياب حينما رأها..
ردت عليه ريناد بنبرة رقيقة:
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
ثم غمغمت:
-استنى يا دياب ممكن تاخد الطبق ده.
أخذ منها دياب الطبق هاتفًا بنبرة هادئة:
-ماشي كل سنة وأنتِ طيبة.
-وأنتَ طيب...
هز رأسه بإيجاب ثم صعد وهو يحمل الطبق لكنها استوقفته في منتصف صعوده:
-شكرًا على الـهـديـة.....
❤️❤️❤️❤️
الفصل السابع والعشرون من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
"عالمي الذي لم يكن باردًا ولا ساخنًا أصبح دافئًا بعد أن التقيتك"
#مقتبسة
مِل برأسك على كتفي، سأعطيك أماناً أفتقدُه..
#مقتبسة
أميل نَحوك أنا ورغباتي رغمًا عن الثبات .
#مقتبسة
________________
" شكرًا على الهـديــة "
قالت ريناد وقتها جملتها الأخيرة بهدوء ثم ألقت التحية وأغلقت الباب دون حتى أن تهتم لمعرفة رد فعله، لأنها تعلم بأنه لن يواجهها...لا تدري كان هذا أحساسها على ما يبدو هي أصبحت تعرفه كثيرًا، تحفظ رد فعله عن ظهر قلب....
ومن غيرها قد يعلم؟!...
فأغلب المصائب التي فعلتها في حياتها كان هو بها...
لم تكن حور قد أخبرتها بشيء بل ظلت على موقفها بأنها عرفت بعدة طرق أخرى ولم تتحدث بأي كلمة قد تدل على أن دياب هو مصدرها أبدًا ظلت على العهد بينها وبين دياب، لكن صعب على ريناد تصديقها...أو رُبما كانت تصدق قلبها أكثر من أي شيء...
كان حدسها يخبرها بأنه هو من أراد أن يهديها هدية في يوم مولدها بعد الأمر الذي حدث بينهما حينما أعطاها الطرد الخاص بها..
صعد دياب على الدرج وفتح الباب بمفتاحٍ من المفاتيح التي تتواجد بين يديه ثم ولج وهو يصيح مناديًا باسم حور التي جاءت من المرحاض لا تدري ما يحدث...
-أنا اهو يا دياب في إيه بتزعق ليه كده؟؟؟.
هتف دياب وهو يمسكها من معصمها متوجهًا بها إلى حجرته سابقًا ومغلقًا الباب خلفهما تحت أنظار أطفال شقيقته...
-تعالى أنا هقولك يا حلوة في إيه...
ابتعدت عنه حور ثم صعدت فوق السرير هاتفة بتردد وخوف حقيقي:
-في إيه بس يا ديبو يا حبيبي؟ إيه اللي معصبك كده؟! لا عاش ولا كان اللي يضايقك يا غالي...
كز دياب على سنانه هاتفًا بغضب واضح:
-هو أنا يا بنت أنتِ مش نبهت عليكي مليون مرة أنك متنطقيش قصادها بحاجة؟؟.
هتفت حور بجدية وهي تقسم له:
-والله العظيم ما نطقت بكلمة تخصك وكل ما كانت تحاول تزنقني بالكلام كنت بتوه وبحاول افهمها إني عرفت بطريقتي..
ثم أقسمت مرة أخرى تؤكد موقفها:
-اقسم بالله ما جبت سيرتك أصلا..لو كنت جيبتها كنت قولت أنا بعترف من قبل أول قلم أصلا..
صرخ دياب غاضبًا وحانقًا إلى أقصى حد:
-اومال هي عرفت منين مدام أنتِ منطقتيش زي ما بتقولي، ده أنا محذرك أومال لو مكنتش حذرتك كنتي عملتي إيه؟! نشرتيها على الفضائيات...
تحدثت حور بتردد وخوف:
-يمكن شغلت دماغها زيادة عن اللزوم المرة دي.
قاطعها دياب ساخرًا من كل شيء يحدث معه:
-لا دي غبية مبتعرفش تشغل دماغها أصلا
هتفت حور بنبرة جادة لا تتماشى مع كلماتها:
-يمكن المرة دي فلحت وعرفت تجيبها على حظك الفقري...
جحظت عين دياب وكان على وشك أن يفتك بها لولا الباب الذي فتحته والدته على مصراعيه هاتفة بضيقٍ حقيقي:
-بتزعق لاختك ليه يا دياب كده؟!.
هتف دياب بنبرة ذات معنى وهو ينظر إلى حور محذرًا أياها للمرة الأخيرة من أن تنطق حرف:
-مفيش يا ماما بزعقلها شوية علشان مبقتش تركز في مذاكرتها كويس وخلاص الامتحانات كل شوية بتقرب أكتر وأخر ثلاث شهور دول بيعدوا هوا....
نظرت له والدته باستغراب ولم تعقب على هذا الأمر...
لكنها لم تصدقه، منذ متى ويتحدث دياب بتلك الطريقة والصوت العالي من أجل دراسة شقيقته؟!.
يجب عليها الحديث معه فيما بعد وتحاول أن تخبره بأن يتوقف عن تلك الطريقة لكن ليس الآن..
هتفت حُسنية بنبرة هادئة:
-طب يلا أنتَ وهي الأكل خلاص اتحط على السفرة..
...بعد مرور نصف ساعة...
كان دياب يتناول الطعام بدون شهية أو رغبة وها هو يجلس على المقعد الخشبي في الشرفة يقوم بتدخين سجائره وهو يشعر بالغضب الكبير لم يكن يرغب في أن تعرف ريناد أبدًا بأنه هو من أتى بالهدية...
لم يكن يرغب بأن تظن بأنه مهتمًا أو تفهمه بشكل خاطئ، هو فعل هذا من أجل......
لحظة...
هو لا يدري لما فعل هذا من الأساس؟!!
هل لأنه شعر بالشفقة حينما أحرجها وقت استلام الطرد؟!..
حسنًا هذا هو ما حدث معه...
لأنه لا يوجد أي سبب أخر.....
أتت إيناس من الداخل وهي تحمل كوب الشاي بالنعناع له ثم وضعته على السور تحت أنظاره هاتفة بتوتر..
-دياب أنا عايزة أقولك على حاجة حصلت النهاردة يعني.
هتف دياب بترقب:
-اتفضلي..
أخذت نفس عميق ثم أخذت تخبره:
-أنا كنت في المستشفى أخر مرة مع ماما وبالصدفة عرفت أنهم طالبين حد في الاستقبال فأنا روحت ومليت الابلكيشن وهما كلموني.
قال دياب بعدم فهم:
-طب وفين المشكلة مش فاهم يا إيناس؟!
غمغمت إيناس بنبرة متوترة:
-معرفش حساها بعيد عني وكمان...
قاطعها دياب بنبرة عقلانية:
-والله مش حكاية كده ده بس علشان أول مرة فأنتِ خايفة وده طبيعي روحي مش مشكلة شوفي الكلام عجبك ولا لا مرتاحة ولا لا؟!! وبعدين قرري مدام جت ليكي فرصة روحي شوفي الدنيا...
ابتسم لها ثم غمغم بنبرة مرحة:
-غريبة يعني أنك مترددة اللي يشوفك وأنتِ هتموتي وتلاقي فرصة شغل ميشوفكيش وأنتِ دلوقتي قلقانة بالشكل ده..
تحدثت إيناس بنبرة حقيقية رغم أن سبب من أسباب رفضها أن المكان مكانه:
-يمكن زي ما أنتَ قولت ده خوف من التجربة لأول مرة زي كل حاجة بنخاف منها...
نهض دياب من فوق مقعده الخشبي ثم ترك قُبلة على رأسها هاتفًا بحنان:
-علشان كده أكسري خوفك وخدي الخطوة...بقولك إيه اشربي أنتِ الشاي أنا هنزل لنضال قبل ما أروح استلم التوكتوك...
____________
اليوم ذهب نضال وزهران برفقة وفاء من أجل تحليل الحمض النووي ( DNA) في أحد المعامل التي يعرفها نضال ويعمل فيها صديقه...
ثم عاد والده وتلك الفتاة إلى المنزل وجاء هو إلى "مشويات خطاب" مصطفى، وعندما تلقى اتصال من دياب بأنه يرغب في رؤيته ذهب إلى المقهى....
في البداية كان دياب يرغب في إخباره بموافقته على أمر المشروع الذي طرحه عليه لكنه اندهش من حالته الغريبة تلك وعند سؤاله ما يحدث معه أجاب نضال على الفور مخبرًا أياه بما حدث من دون مماطلة.
حاول دياب مواساته رغم صعوبة الأمر حتى أن كلماته لم تكن كافية وهذا رُبما لأنه في بعض الأحيان الكلمات قد لا تصف بشاعة الموقف أو حتى تستطيع المواساة:
-خير يا نضال ان شاء الله متقلقش بإذن الله خير.
رد عليه نضال بنبرة باهتة:
-ان شاء الله...
قرر دياب الحديث بنبرة مرحة معه لعل الأمر قد يخفف عنه فهو لا يتقن فن المواساة:
-يا عم مهوا برضو كان شيء متوقع أبوك كان مخلف اتنين بس مش لايقين مع عدد الجوازات مفيش نسبة وتناسب، ده أبويا عمل اسكور أعلى منه مع واحدة بس.
ابتسم نضال من وسط همه على كلمات صديقه هاتفًا:
-أه وماله..
ثم أسترسل حديثه بنبرة جادة، وهو يستسلم إلى الأمر الواقع:
-احنا عملنا التحليل وادينا مستنين النتيجة خير ان شاء الله.
-ان شاء الله.
صمت دياب بعدما خرجت منه تلك الجملة ليتحدث نضال محاولًا أن يمارس حياته بشكل طبيعي وأن يسأل صديقه عن أحواله:
-أنتَ إيه أخبارك، وأخبار الدنيا معاك؟!..
في الواقع دنيته ليست جيدة من أجل هدية أتى به وهذا شيء مثير للسخرية حقًا....
تمتم دياب بنبرة هادئة:
-الحمدلله، يعني الوضع زي ما هو في كله مفيش جديد.
تحدث نضال بنبرة عادية وهو ينظر له:
-ها إيه الأخبار فكرت في اللي قولتلك عليه؟.
اندهش دياب من أن نضال يحدثه في أمر هكذا في تلك الظروف المحيطة به لكنه أجاب عليه بنبرة مترددة في قول القرار الأخير:
-والله أنا موافق وهتوكل على الله وربنا يسترها...
كاد نضال أن يتحدث ويرد عليه لكن قاطعه صوت هاتفه الذي أعلن عن اتصال من طارق...
-اهو طارق بيتصل أهو جاي في وقته...
______________
استيقظت يسرا في الصباح وكانت سلمى قد ذهبت إلى عملها اليوم مبكرًا لذلك لم تجد فرصة مناسبة للحديث معها عما حدث ليلة أمس بعدما قرأت رسالتها وعرفت بأنها هبطت ثم أتت....
لذلك الوقت الوحيد الذي سمح لها بأن تتحدث فيه هو وقت الغداء حينما عادت سلمى من العمل لمدة ساعتين ثم سوف تعود مرة أخرى حتى تغطي زميلتها في العمل وسوف تحضر بدلًا منها....
فجلست معها على طاولة واحدة وقبل أن تبدأ الحديث هي كانت سلمى هي التي تفتتح الحوار وكأنها تحاول التبرير على نظرات من والدتها تشعر بها وتزعجها لذلك بدأت تخبرها ما حدث ليلة أمس بداية من مكالمة جهاد لها حتى عودتها...
تمتمت يسرا بنبرة جادة وساخرة من حالها وما رأته في حياتها:
-والله لو كان زمان كنت قولت مفيش حاجة من دي ممكن تحصل غير في الافلام، بس اللي الواحد شافه وحصل معاه ومع اللي حواليه بقى يقدر يتوقع أي حاجة نفوس الناس بقت مريضة وصعبة.
سألتها سلمى بنبرة جادة:
-هي ممكن فعلا واحدة ست تعمل كده؟!.
هتفت يسرا وهي تعقد ساعديها ولم تمس الطعام حتى الآن مثل سلمى، أخذهما الحديث:
-فيه يا بنتي للأسف، في ناس بتعمل تصرفات متتخيليش أن ممكن بني ادم يعملها أصلا لكن ده مش موضوعنا اللي عملتيه امبارح ميصحش.
قالت سلمى بنبرة حانقة وهي تحاول الدفاع عن نفسها:
- جهاد قالتلي الموضوع وأن نضال لوحده وأنا كنت عايزة اطمن عليه مش أكتر وبعدين أنا روحتله فين يعني؟! ده هنا مش بعيد وفي المحل بتاعه ورجعت بسرعة مكملتش نص ساعة أصلا..
لا تدري يسرا هل غضبها طبيعي؟!
أم أنها تقوم بتضخيم الأمور؟!
لكنها أعتادت القلق عمومًا عن أي تصرف يخرج منها أو يخرج من بناتها كونها أمرأة تعيش بمفردها...
عليهن الحفاظ على خطواتهن..
هتفت يسرا بنبرة جادة:
-برضو مكنش بنفع تنزلي في وقت زي ده ولو كان الموضوع مهم للدرجة كنتي صحتيني من النوم ونزلت معاكي لكن متنزليش لوحدك..
قالت سلمى بانزعاج حقيقي مجادلة أياها لا ترغب في أن تكون موضع اتهام أو شك أو أن تكون في موضع يجعلها ترغب في قول تبرير قد يشفع لها:
-ماما نضال جوزي.
تحدثت يسرا بنبرة واضحة رغم شعورها بانزعاج سلمى لكنها مازالت متمسكة برأيها:
-وأنا مقولتش حاجة بس برضو لازم تاخدي بالك من تصرفاتك زي ما طول عمرك كنتي بتعملي، نزول في وقت متأخر زي كده ميصحش وأنا من حقي عليكي أني انصحك وانبهك لأي حاجة متاخديش بالك منها..
هتفت سلمى بنبرة منزعجة:
-ده كان ظرف وأكيد مش هعمل كده تاني، وحتى نضال نفسه قالي إني غلطت لما نزلت في وقت زي ده.
قالت يسرا ببسمة حنونة:
-وأنا مقولتش حاجة يا سلمى خدي الأمور والكلام بصدر رحب واسمعي من اللي أكبر منك بلاش كل حاجة تكوني كده مش طايقة نفسك اسمعي الكلام وافهميه أنا بتكلم لمصلحتك.
ردت عليها سلمى بفتور:
-حاضر يا ماما.
_______________
يجلس زهران على الأريكة وأرجيلته الحبيبة بين يديه "أصيلة" منذ أن عاد وهو يدخنها بشراهة عجيبة.
هو يشعر بالجنون على أية حال منذ أن جاءت تلك الفتاة إلى منزله وبسبب ما قالته، الأمر عجيب...
كيف من الممكن أن تفعل به ميرفت هذا؟!
حتى ولو كان بينهما العديد من الشجارات التي لم يكن هو سببها..
هل هناك مبرر بأن تفعل هذا؟!.
الإجابة هي أبدًا بأنه ليس هناك أي مُبرر من وجهه نظره......
صدع صوت رنين الجرس فقاطع كل أفكاره، لذلك نهض من مكانه بعدما ترك خرطوم الأرجيلة وتوجه صوب الباب ليفتحه...
وجد أمامه زوجة شقيقه " انتصار"..
-أهلا يا انتصار اتفضلي..
أنهى حديثه وولج إلى الداخل ثم جلس على الأريكة مما جعل انتصار تدخل خلفه وهي تحمل أحدى القطط التي تقوم بتربيتهم في البناية والتي تتجول وتعود مرة أخرى لها؛ لكن أخذت القطة تتحرك في أحضانها فتركتها تخرج للخارج وولجت بعدما تركت الباب مفتوحًا ثم جلست على أحد المقاعد...
-إيه اللي سمعته ده يا زهران؟! ده أنا مصدقتش لما الواد سلامة قالي لدرجة إني افتكرته بيهزر زي عادته أنا مش مستوعبة يا زهران..
تمتم زهران باقتضاب وهو ينظر لها بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-ولا أنا مصدق يا انتصار أول مرة أكون في حياتي مش عارف ولا فاهم حاجة، ولا عارف إيه اللي مفروض أعمله، يمكن ده أكتر وقت كنت محتاج اخويا الله يرحمه فيه يدلني أعمل إيه أو يفهمني اللي بيحصل لأني مش فاهم حاجة خالص..
قالت انتصار بحزن شديد لم تساعد السنوات في تخفيفه:
-ربنا يرحمه يا زهران..
ثم حاولت تغيير الموضوع، لأن الأمر لا يحتمل الحزن والنواح على الميت بعد الكارثة التي سمعتها...
-زهران هو أنتَ من ساعة ما طلقت ميرفت مفكرتش تسأل عنها أو تروحلها خالص؟! طول السنين دي كلها متواصلتش معاها طيب؟
تحدث زهران بنبرة جادة:
-لا متواصلتش معاها عرفت أنها بعد شهور العدة هتتجوز أخو وفاء ومن ساعتها لا فكرت اسأل عليها ولا فكرت أعمل حاجة، يعني اللي أنا بقوله تعرفيه مش جديد عليكي..
تمتمت انتصار بتردد:
-انا مبحبش أظن في حد الظن الوحش بس يمكن البت دي جاية تنصب عليك يا زهران...
هتف زهران بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-مفيش حد هيجي ينصب في حاجة زي دي يا انتصار هي مش جاية لناس عبيطة، وأكيد عارفة أننا مش هنصدق مجرد كلام وادينا الصبح روحنا عملنا التحليل ومستني اعرف ان شاء الله.
تحدثت انتصار بعدم استيعاب:
-يعني أنتَ شايف أنها بتقول الحقيقة وممكن تكون بنتك بجد؟!
كان صمته هو الإجابة عليها...
هو ما وضح ما يفكر به..
لكن هذا جعل انتصار تتحدث باستغراب كبير...
-بصراحة الموضوع غريب يا زهران معقولة ميرفت اتجننت ساعتها أنها تخبي حاجة زي دي؟! وحتى لو كده مفيش بني أدم في عيلتها عنده ضمير أنه يقول الحقيقة؟! معقول كلهم ميعرفهوش ربنا أنهم يسكتوا السنين دي كلها؟!..
تحدث زهران بنبرة جادة:
-يمكن محدش كان يعرف فعلا إلا الحرباية الـ****** اللي اسمها وفاء هي واخوها دي، لو طلعت فعلا بنتي أنا محدش هيحوشني عنهم........
_______________
في المساء....
كان يقف نضال أسفل البناية الذي يتواجد فيها صالة الألعاب الرياضية التي تعمل فيها سلمى...
خرجت سلمى من البوابة هاتفة باستغراب بمجرد أن رأته يستند على سيارته في انتظارها بعدما شعر بالضيق والملل من الجلوس بداخلها..
-مقولتش يعني أنك جاي..
تحدث نضال بنبرة هادئة لكن ملامحه كانت جامدة إلى حدٍ كبير:
-ابدًا حبيت إني اشوفك ونقعد في أي حتة.
تذكرت سلمى تحذيرات والدتها والحديث الذي دار بينهما مما جعلها تتفوه بنبرة هادئة:
-ماشي أنا معنديش مشكلة هكلم ماما أخذ أذنها الأول.
لم يكن يرغب في الدخول في نقاش طويل في تلك النقطة لذلك هز رأسه موافقًا مراقبًا أياها وهي تخرج الهاتف من حقيبتها الجلدية حتى تتحدث مع والدتها التي وافقت على شرط ألا تتأخر...
وكانت بالفعل تجلس أمامه بعدما أتى النادل بالمشروبات التي طلبوها...
هي طلبت عصير طازج من دون إضافة سكر بينما هو طلب قهوته المعتادة "قهوة سادة" وكان هذا بعدها رفضت سلمى تناول الطعام لأنها تناولته في المنزل قبل أن تعود مرة أخرى...أما هو فاقد للشهية في كل الأحوال لذلك لم يصر على تلك النقطة...
تحدثت سلمى وهي تعقد ساعديها:
-يعني عملتوا التحليل؟!
هز نضال رأسه موافقًا هاتفًا ببساطة:
-اه وفي انتظار النتيجة ان شاء الله، وبعدين أنا مش عايز أتكلم في الموضوع ده لغايت ما نعرف النتيجة إيه ان شاء الله غير كده مش حابب أتكلم بصراحة في أي حاجة سواء الموضوع ده أو غيره حتى..
تمتمت سلمى باستغراب وهي تسأله:
-يعني أنتَ جايبني علشان تقولي أنك مش حابب تتكلم؟!.
هتف نضال بنبرة هادئة:
-أنا أول ما شوفتك قولتلك إيه؟!.
-أنك عايز تتكلم معايا..
هز رأسه نافيًا وهو يصحح كلماتها:
-لا قولتلك أني حبيت اشوفك وأن نقعد في أي حتة.
تمتمت سلمى بعدم فهم:
-أنا مش فاهمة الفرق بصراحة؟! ما الحاجتين نفس المعنى..
قال نضال بنبرة هادئة:
-الفرق إني مش عايز اتكلم بس عايزك قصادي أشوفك وتكوني موجودة لا أكتر ولا أقل ممكن؟!.
لم تفهمه كلماته غريبة مثل نظراته لها..
لكنها لا تدرك بأنه بات يحب مشاركتها وقته..
وقت مثل هذا يرغب في وجودها معه حتى ولو ليس لديه طاقة أو رغبة واضحة في الحديث يكفي أنها تشاركه حتى صمته، بدأ يتعلق بها لن ينكر كما أصبحت تشكل جزء من يومه..
يرغب في الشعور بالأمان والسكينة في وجودها أمام عيناه....
سألها بنبرة هادئة:
-إيه رأيك لو نطلب حاجة أنا مش جعان بس حاسس إني عايز أكل حاجة حلوة إيه رأيك؟!..
______________
تسمع "سامية" صوت خرير الماء الذي يأتي من المرحاض وهي تجلس على الفراش في الفندق تستمع إلى ما تقوله والدتها بدهشة كبيرة...
غير مصدقة أبدًا ما تسمعه...
-معقول يا ماما؟! أنا حاسة إني بسمع فيلم هندي بجد.......
في الوقت ذاته كان حمزة يأتي من المرحاض وهو يرتدي روب الاستحمام، وسمع ما تقوله زوجته...وحينما رأى الهاتف على أذنيها علم بأن هناك مكالمة لها وفي الغالب هي مع والدتها...وصدق ظنه....
سمعت سامية شيئًا من والدتها فغمغمت:.
-خلاص تمام روحي خلصي اللي وراكي وأنا هبقى أكلمك بليل سلام يا ماما..
هكذا انتهت المكالمة وكان حمزة يجفف خصلاته أمامها وبمجرد أن أنتهى أخذ يمشط خصلاته هاتفًا بفضول لن ينكره:
-في إيه يا سامية؟.
قالت سامية بتردد:
-مفيش..
تحدث حمزة بانزعاج واستنكار شديد من إصرارها على إخفاء الأمر عنه:
-اتعميت يعني أنا يا سامية؟! ما أنا شايف قالبة وشك وسامعك بتكلمي طنط وواضح في حاجة، اتكلمي هتخبي عني يعني؟!.
أخبرته بما سمعته من والدتها دون أن تنقص أو تزيد حرف واحد مما جعله يتحدث متهكمًا:
-البت دي نصابة أكيد، مفيش واحدة هتعمل كده إلا لو كانت مريضة نفسيًا، أنا لو من عمك أبلغ عنهم...
غمغمت سامية رغم كل شيء:
-مش عارفة يا حمزة بس حاسة أنه ممكن في ناس نفوسها وحشة وياما الواحد سمع بلاوي وحكاوي محدش يصدقها.
-دي نصابة يا سامية وده هيظهر أكيد لما نتيجة التحليل تطلع ومدام أصروا يعملوه أنا متاكد ممكن يصحوا من النوم في يوم يلاقوها فلسعت، فكك منهم وركزي معايا بقا...
قال كلماته الأخيرة وهو يقترب ثم جلس جوارها على الفراذش، يداعب وجهها وأنفها بأنامله هاتفًا:
-تحبي نعمل إيه النهاردة يا قلبي؟!..
-معرفش يا حمزة أنا اتخنقت مرة واحدة...
ترك حمزة قُبلة على وجنتيها حنونة وشغوفة، مفعمة بالمشاعر مغمغمًا بصوتٍ هامس:
-لا أنا مش هسمح لحد ابدًا أنه يعطلنا أو يشغلنا أحنا جايين ننبسط وبس، قومي خدي شاور حلو كده والبسي ونفكر ننزل نعمل إيه يا قلبي.
__________
منذ أيام تتصل به...
قبل أن تتوفى والدتها وهو مختفي تمامًا....
أتصل بها معتذرًا بأن هناك بعض الأمور التي تجعله لا يستطيع الحضور والاتيان من أجلها....
ولا تدري أي ظرف قد يجعل رجل لا يأتي أو يهتم بخطيبته بعد وفاة والدتها..
هل أصابه مكروه؟!
هل حكث له شيء وهي لا تعلم؟!.
يا ليتها تعرف أي شخص من عائلته قد تطمئن عليه من خلاله..
هذا الاختفاء مريب..
حسنًا لم تكن تحبذ فكرة ارتباطها وخطبتها به في البداية بل الأمر كله بسبب الشخص التي كانت تظنه أبيها هو من فرض عليها الأمر...
لكن رغمًا عن أنفها هي ترى بأنه يجب عليه أن يقف بجوارها في وقت هكذا؛ يجب أن يكون موجودًا...
هي تعلم اسم المنطقة لكنها لن تذهب وتقوم بسؤال كل شخص فيها من أجل معرفة مكانه...
هذا شيء مستحيل...
كانت تظن بأنه من الممكن أن يساعدها في إيجاد مأوى لها...
هنا لا أحد يقبل بها أبدًا...
في الواقع....
هي ليست أفضل منهم حالًا لكنها لا تكن لهم الحب ولا الكره هي فقط فارغة تجاههم وكأن الظروف هي من تجعلها فقط تحتك بهم...
"الرقم الذي طلبته غير متاح حاليًا من فضلك حاول الاتصال في وقتٍ لاحق"
لقد سئمت من تلك الجملة من كثرة ما ترددت على مسامعها الفترة الأخيرة عند الاتصال بـخطيبها الذي رسب في أول امتحان فعلي كانت ترغب فيه أن يثبت لها بأن شعورها بعدم الراحة تجاهه كان شعورًا عبثيًا منها..
لكن على ما يبدو كانت محقة...
قاطع خلوتها مع ذاتها..
رنين الجرس...
فوضعت الحجاب الخاص بها بشكل عشوائي بعدما التي خلعته عند عودتها في الصباح ومازال على المقعد في مكانه فهى لم تأتِ بملابس من الأساس...
لم يكن لديها متسع من الوقت لفعل هذا....
فتحت الباب لتجد أمامها زهران يحمل بعض العلب البلاستيكية التي تحفظ الطعام وبعض الأكياس بداخلها...
هتف زهران حينما رأها بنبرة غير مفهومة بالنسبة لها:
-دول شوية حاجات علشانك مدام لسه مطولة شوية عقبال ما نتيجة التحليل تطلع وشوية وهبعتلك حاجات من السوبر ماركت..
قالت وفاء بنبرة متوترة:
-ملهوش لزوم تتعب نفسك.
مد يده لها بالعلب وهو يهتف بنبرة غريبة وقلق لا يفهم سببه:
-مفيش تعب ولا حاجة..
أخذتها منه ثم ولجت ووضعتها على السفرة وجاءت مرة أخرى لتسمعه يعقب بنبرة جادة جعلتها تدرك بأنه يهتم بالفعل بالكثير من التفاصيل عكس العديد من الرجال:
-أنتِ مغيرتيش هدومك من ساعة ما جيتي؟!..
تحدثت وفاء بنبرة واضحة وصارمة:
-مكنش عندي وقت ألم حاجة من البيت أو أروح حتة اشتري لبس وبعدين عادي يعني.
قال زهران برفض تام:
-لا مش عادي أنا هقول للبت جهاد أو انتصار يجيبوا ليكي كام حاجة كده تغيري فيهم مش معقول هتفضلي قاعدة بهدومك كده.
حاول زهران تفسير قلقه وكلماته بطريقة ما...
وهي أنه يتعامل بطريقة طيبة بخصوص ضيف يتواجد في منزله لا أكثر......
كان سلامة يصعد على الدرج وهو يحمل الكثير من الأكياس البلاستيكية بينما جهاد تصعد خلفه تحمل كيس بلاستيكي صغير يتواجد فيه ثلاث بيضات متحدثة بنبرة جادة:
-مش عاجبك يعني؟! مش كفايا أنك مشيلني البيض...
رد عليها سلامة ساخرًا وهو يرفع الأكياس الكثيرة:
-معلش حقك عليا معنديش غير ايدين.
عقبت جهاد على حديثه بينما حينما وصلت عند زهران ووفاء:
-حجج فارغة..
تمتم زهران بنبرة مرتفعة وهو يشير عليهما مقاطعًا حديثهما وشجارهما:
-اهو الناس الكويسة بتيجي على السيرة، واد يا سلامة تعالى عايزك في موضوع........
______________
-مـسـتـحيـل......
كان ذلك تعقيب جهاد...
غمغم سلامة بنبرة منزعجة بعد محاولات عديدة يائسة لم تأتِ بأي نتيجة وهو يحاول إقناع زوجته بما طلبه والده منه:
-عيب كده يا جهاد يا حبيبتي قومي يلا ربنا يهديكي وهاتي كام حاجة للبت عقبال ما تنزل هي وتجيب كام حاجة أنتِ عارفة الوضع صعب ازاي.
قالت جهاد بنبرة عنيدة وغيورة في الوقت ذاته:
-لا مليش فيه مش هدي حد حاجة أنا مش عارفة أنتم مهتمين بالبنت دي ليه في حين أن لسه مفيش حاجة تثبت أنها اختك؟!..
تحدث سلامة بنبرة جامدة:
-اعتبريها إنها ثواب لبني ادمة لغايت ما نشوف هنعمل إيه هي جاية من غير لبس ولا حاجة خالص وأنتِ عارفة أنها مش هتخرج من البيت إلا لما نعرف الحقيقة زي ما قالت قدام نضال...
حديثه لم ينفع معها أبدًا لذلك استخدم وسيلة اخرى يظن بأنها سوف تكون فعالة إلى حدٍ ما:
-جهاد أنتِ لو معملتيش الخير منك لنفسك أنا اللي هنزل اخدها وساعتها نضال مش هيعارض مدام حد معاها وهروح اجيبلها لبس وكل حاجة تحتاجها.
لمس نقطة ضعفها وغيرتها الواضحة..
تلك الفتاة بالنسبة لها ما هي إلا فتاة غريبة...
لا تشعر بالراحة تجاهها أكثر من هدير أخت طارق التي تتواجد معهم في المنزل ذاته..
-ماشي هقوم أجيب يا سلامة...
ابتسم لها هاتفًا بنبرة ما بين المرح والسخرية مقاطعًا حديثها:
-مراتي الطيبة اللي بتفهم في الواجب والأصول ربنا يحفظك ليا يا حبيبتي..
تحدثت جهاد مستكملة حديثها الذي قام بقطعه:
-بس أعمل حسابك إني أكل مش هعمل بقا شوف حد يأكلك...
غمغم سلامة وهو يقترب منها بغضب طفيف:
-والله؟! على أساس أن ده عقاب يعني؟ ده الطبيعي بتاعك، أنتِ بتتلككي أصلا يا هانم...
ابتلع ريقه ثم أسترسل حديثه:
-يا بنتي ده أنا لسه من ثلاث أيام وازن نفسي وخاسس ثلاثة كيلو، أنا اعرف أن اللي بيتجوز بيتخن أول مرة أعرف أنه بيخس ده اخويا نضال كان بيأكلني عنك.....
كادت أن ترد عليه ولكنه منعها هاتفًا:
-لا متفتحيش بقك كفايا كده خلاص عرفنا أنك مش هتعملي أكل زي العادة، خشي هاتي الحاجة ونزليها للبت أو هنزلها أنا، يلا ربنا يهديكي...
قالت جهاد بنبرة منزعجة ومتوترة:
-لا بقا هو أنتَ كل حاجة هتعلي صوتك؟!.
خفض سلامة نبرته وعاد يكرر ما أراده سابقًا بطريقة ساخرة:
-يلا خشي هاتي الحاجة ونزليها للبت أو هاتي أنزلها أنا حلو كده يا أستاذة جهاد؟!.
هزت رأسها بإيجاب ثم توجهت صوب حجرة النوم حتى تأتي بملابس قد تكون مناسبة بالنسبة إلى تلك الفتاة وهي من سوف تقوم بإنزالها لها لن تسمح بأن يهبط سلامة بنفسه...
هي منزعجة من أمر الطعام..
هي تعود من عملها في الوقت الذي يعود فيه هو..
نادرًا ما تعود قبله...
ولا تشعر بالراحة أو القدرة بأن تأتي من الخارج وتدخل فورًا على المطبخ وهذا بسبب تواجده فوق رأسها، تناولا الكثير من الخارج ونادرًا ما صنعت طعام في المنزل...
غير أنها ليست ماهرة في الطهي إلا أنها تعود منهكة ترغب في معانقة السرير فقط كما كانت تفعل في منزل أمها...
لا تدري ما الحل؟!....
هي تخشي أن تعترف بتلك الطريقة أمامه...
لا تدري كيف كانت والدتها تفلح في ممارسة دور الأم، الزوجة، والمرأة العاملة في وقتٍ واحد...
____________
تنام بعمق في فراشها..
اليوم نامت مبكرًا في العاشرة تقريبًا..
الآن الواحدة بعد منتصف الليل...
كانت نائمة في الفراش أسفل الغطاء...تقلبت في نومتها بانزعاج واضح بسبب صوت رنين هاتفها الذي اخترق نومتها العميقة تلك...
مدت يدها إلى الكوميدنو وأخذت الهاتف من فوقه ثم فتحت عيناها بصعوبة تحاول رؤية اسم المتصل لتجده نضال ومن دون تفكير أجابت في صوتٍ به بقية نومٍ...
-الو يا نضال...
لم تعطيه المهلة الكاملة للرد عليها وقالت بخوف رغم صوتها الناعس:
-في إيه يا نضال في حاجة ولا إيه؟!.
سمعت صوته هاتفًا بنبرة لم تكن مرحة بالشكل الكبير لكنها مرحة إذا تم مقارنتها بلهجة الحديث بينهما:
-إيه يا سلمى الضلمة دي؟! أنا شايف سواد...
ردت سلمى عليه بصوت ناعس وعدم فهم وهي تضع الهاتف على الوسادة تتحدث منه وهو بعيد عنها:
-ضلمة إيه؟! في إيه..
سألها نضال بنبرة جادة:
-سلمى أنتِ نايمة؟.
هتفت سلمى بسخرية طفيفة:
-هو مش باين على صوتي ولا إيه؟!..
قال نضال بنبرة هادئة:
-لا باين من أن الاوضة ضلمة.
فتحت عيناها وهي تسأل بعدم فهم وقد بدأ عقلها في استيعاب ما يحدث:
-وأنتَ عرفت منين يا نضال أن الاوضة ضلمة؟!.
-يمكن علشان الكاميرا مفتوحة ومش شايف غير خدك تقريبًا دلوقتي وقبل كده كان كل حاجة ضلمة كحل..
يبدو لأنها أجابت بنصف عين ومن دون أن تكون في وعيها الكامل لم تدرك بأنه يتصل "فيديو"....
رفعت إصبعها وقامت بغلق الكاميرا الخاصة بها فورًا من دون تفكير حتى وهنا غمغم نضال بنبرة مرحة بعد ضحكة خرجت منه رغمًا عنه:
-يعني مش كفايا الدنيا كحل وضلمة روحتي قفلتيها مياة ونور عليا خالص؟!.
تحدثت سلمى بارتباك طفيف وقد بدأ عقلها في العمل وهي ترفع الهاتف لتراه يجلس في غرفته على ما يبدو فهي تراها لأول مرة:
-أنا اصلا علشان فتحت وأنا يعتبر لسه نايمة مكنتش مركزة أنك بتتصل فيديو أصلا لو كنت أعرف مكنتش رديت...
تحدث نضال بنبرة هادئة متجاهلًا صراحتها لىمُطلقة التي قد تكون وقحة بها في بعض الأوقات:
-كنت عايز اشوفك عادي بس دلوقتي أنا شايف مناخيري بس، وبعدين يعني نمتي ليه؟ ما أنتِ عارفة إني هتصل بيكي..
بكل تلقائية أجابت عليه وهي تنظر له بحب وهو لا يرى تلك النظرات لكنها بالفعل كانت تتأمله:
-أنا متوقعتش أنك هتتصل بيا النهاردة علشان كده نمت لأننا خرجنا مع بعض فقولت أكيد مش هتتصل غير أنك قولت رايح تقعد مع صاحبك على القهوة..
تمتم نضال موضحًا وهو يمرر يده في خصلاته التي طالت عن المعتاد:
-أبدًا كسلت أروح وعلشان دياب كمان راح واستلم التوكتوك فقولنا نقعد يوم تاني..
هتفت سلمى بنبرة هادئة:
-ماشي.
-ما تفتحي الكاميرا يا سلمى وقومي افتحي النور أكيد مش هفضل أكلمك وأنا مش شايف غير نفسي..
ردت عليه سلمى بتلقائية تحسد عليها حقًا وكأن إجاباتها تقوم بقرائتها لا التفكير فيها:
-معنديش خمار مكوي علشان البسه ومكسله أقوم.
ضحك نضال هاتفًا دون أن يتطرق بأنه زوجها:
-ما تلبسيه مكسر عادي هيحصل إيه يعني؟! أو البسي أي إسدال عندك...
قالت سلمى متهربة:
-أصلا أنا بنام يعني ومش قادرة، المهم قولي أنتَ بقيت أحسن يعني؟..
-اه الحمدلله أحسن ولما حسيت نفسي هتخنق تاني اتصلت بيكي وأسف لو صحيتك من النوم...
كلماته رغم بساطتها إلا أنها تصيبها في موضع في قلبها عميق جدًا..فردت عليه بنبرة هادئة:
-خير ان شاء الله يا نضال متقلقش سيبها على الله واللي يحصل يحصل بقا...
-ان شاء الله، طب...
توقف عن الحديث حينما انتهى الاتصال وسمع صوت صرخة خرجت من سلمى....
فأخذ نضال يحاول الاتصال بها مرة أخرى بقلق كبير لكن لا يتواجد أي إجابة حتى أنه اتصل بها عن طريق الهاتف لا عن طريق الانترنت...
لكن حصل على نفس النتيجة...
فخرج من الغرفة متوجهًا إلى الخارج ليجد والده كالعادة الأرجيلة بين يده اليسرى والهاتف بين يده اليمنى ويقوم بممارسة أحدى الألعاب الإلكترونية..
-بابا..
رد عليه زهران دون أن يرفع بصره إليه وهو يعطي كامل تركيزه إلى الهاتف:
-خير يا نضال؟!.
-معرفش يا بابا أنا قلقان كنت بكلم سلمى وفجأة صوتت وبتصل بيها مش بترد ومش عارف أعمل إيه أنا هنزل اروحلها..
رفع زهران بصره أخيرًا متحدثًا بعدم فهم:
-ليه وهي فين اصلا في الوقت ده؟!.
تمتم نضال بنبرة ساخرة رغم القلق الذي ينتابه:
-هتكون فين يعني يا بابا في الوقت ده ما أكيد في البيت طبعًا..
-يعني هيكون حصل إيه يعني؟! حد ثبتها في الصالة؟! بقولك إيه متصدعنيش أنا الجيم هيروح عليا بسببك، هتلاقيها كانت بتكرفك وعايزة تقفل مش أكتر..
وقبل أن يثور ويحتج نضال عليه...
تحدث زهران مرة أخرى وهو يخرج من اللعبة الإلكترونية تمامًا...
-ولا أقولك احنا طبعا لازم نطمن على البت يا نضال معاك حق أنا شايف إني اتصل بالست يسرا ونفهم في إيه؟! يمكن تكون حصل حاجة ومحتاجين راجل جنبهم........
أردف نضال بنبرة غاضبة جعلت زهران يشعر بالانزعاج وغيظٍ كبير:
-والله مش وقتك معايا خالص في وسط اللي بيحصل ده، وشكرًا أنك اديتني الفكرة أنا هتصل بيها أنا...
في ذات الوقت بداخل شقة يسرا...
نهضت سلمى بعدما سقط الهاتف من بين يديها حينما رأت شيء يتحرك في وسط الظلام ويدخل إلى الحجرة حينما كانت شاردة تمامًا وتعطي كامل تركيزها إليه وعند رؤيتها هذا الخيال وصوت والدتها الناعس سقط الهاتف من بين يديها ليسقط أرضًا....
صاحت سلمى باستنكار شديد وهي ترى الهاتف يصدع صوته لكن الشاشة معتمة ومظلمة تمامًا وبها بعض الخطوط:
-الموبايل جاب شاشة يا ماما عاجبك كده اهو كله من السجاد اللي بعتاه يتغسل ده والشقة على السيراميك.........
قالت يسرا ساخرة:
-أنا كنت رايحة الحمام وسامعة صوتك وجاية أسألك صاحية ليه لقيتك اتفزعتي ونطيتي من مكانك، أنتِ هتجبيها فيا أنا يعني؟!...
حاولت سلمى استغفار ربها وهي تشعر بالانزعاج الشديد مما حدث لكنها تحاول أن تتمالك أعصابها لم يعد بين يديها حل ولن تفيدها العصبية الآن....
صدع صوت هاتف يسرا من الخارج فتركتها وذهبت لتأتي به فوجدت المتصل هو نضال فعادت لها مرة أخرى تسألها بنبرة أمومية مهتمة:
-هو أنتِ كنتي بتكلمي نضال؟!..
لا تدري لما تشعر سلمى بهذا الخجل حينما سألتها وكأنها قد فعلت أمر مشين، فهزت رأسها بهدوء قائلة:
-أيوة.
قالت والدتها بنبرة هادئة وهي تعطيها هاتفها قبل أن ترحل:
-ماشي خدي كلميه وابقى هاتي الموبايل ليا لما تخلصي علشان أنا ضابطة عليه المنبة، ان شاء الله بكرا نروح للراجل ويكشف ولو كده نغير شاشة...
هزت رأسها بإيجاب..
ثم رحلت والدتها وكان نضال يتصل بها للمرة الثانية فأجابت:
-الو.
"إيه اللي حصل وصوتي كده ليه؟!"
________________
في اليوم التالي...
يقوم جواد بوضع توقيعه على بعض الأوراق الخاصة بالمستشفى وأمامه تجلس أحدى الموظفات في الاستقبال التي تبلغ من العمر أربعين عامًا تقريبًا تتحدث معه في أمور كثيرة تخص العمل كالعادة وهو يسمعها باهتمام وإنصات واضح، إلى أن قررت أن تتحدث في تلك النقطة..
-إيناس جت النهاردة الانترفيو في الميعاد اللي قولت ليها عليه لما اتواصلت معاها.
رفع جواد بصره من أسفل نظارته الطبية وهو يحاول الاعتياد على اسمها بدلًا من أن يأتي في عقله الأم الغاضبة...
سألها جواد بنبرة عملية:
-والأخبار إيه؟!.
هتفت المرأة بجدية شديدة وعدم تزييف للأمر:
-بصراحة هي معندهاش خبرة في أي حاجة ومشتغلتش قبل كده، وكانت جاية مترددة وهي مش واثقة من نفسها أوي، كأنها جاية مغصوبة ومش عارفة بصراحة هي هتيجي تاني ولا لا قالتلي أفكر وأنا قولتلها براحتها وفهمتها أنها لو جت هتكون في الأول training.
نظر لها جواد نظرات غير مفهومة وهو يفكر في كلماتها وما تقوله...
فحدثت صدفة عجيبة في اليوم التي قامت إيناس بكتابة بياناتها في الورقة...
في نفس الساعة حدثت مشكلة كبيرة وشكوى في حق الفتيات التي تعمل في الاستقبال وعندما سمع جواد الأمر ووصل له وعرف بشأن الشجار جلس يراجع الكاميرا التي تتواجد في تلك المنطقة مع الأمن لأن كان الشجار كبيرًا...
هذا ما جعله يرى إيناس قبل الواقعة والشجار بـ دقائق تقف في الاستقبال وتقوم بكتابة بعض البيانات..
قام بحل المشكلة ورؤية الحقيقة وبعدما انتهى من هذا الأمر أخذ يسأل الفتاة التي قابلت إيناس بما حدث وأخبرته بأنها تقدمت للوظيفة الفارغة بدلًا من صديقتها التي توقفت عن العمل وقدمت استقالتها....
وقتها تحدث مع المرأة المسؤولة عن المكان والتي تعقد المقابلات بنفسها من أجل هذا الأمر بأنه يرغب منها توظيفها لكن بطريقة لا تظهره في الموقف أو أمام أي شخص...لا يدري سبب واضح لأول مرة لشيء يفعله...
سألها جواد بجدية:
-يعني معرفتيش هتيجي ولا لا صح؟.
قالت المرأة بنبرة هادئة رغم أن الفضول يأكلها لأنها ترغب معرفة هوية المرأة ولما جواد نفسه يهتم لأمرها:
-والله مش عارفة يا دكتور مقدرش أقول بشكل أكيد هي هتيجي ولا لا، أنا مستبعدة أنها تيجي بصراحة لأنها كانت مترددة أوي وجاية تقول اعتراضاتها أن المكان بعيد عليها وكذا سبب ومعرفش بصراحة.
عبس وجه جواد لمدة ثواني...
لمجرد احتمال أنها لن تأتِ...
لكن في النهاية عقب ببساطة شديدة:
-براحتها ادينا عملنا اللي علينا تيجي أو متجيش دي حاجة تخصها هي ولو عدى يومين ومتصلتش بيكي شوفي الأنسب من البنات اللي قدمت على *******.
ترغب المرأة في سؤاله عن هويتها أو علاقتها به لكنها تشعر بالقلق والخجل حيال الحديث في أمر هكذا..
تمتم جواد ببسمة هادئة:
-تعبتك معايا..
-ولا تعب ولا حاجة يا دكتور، أنا موجودة أي وقت لو في حاجة، ولو في جديد بخصوص إيناس برضو هبلغ حضرتك، عن إذنك لو مفيش حاجة تاني..
قالت في النهاية كلماتها وهي تنهض من مقعدها..
رد عليها جواد بنبرة ممتنة:
-تسلمي، اتفضلي أنا أصلا بعد نص ساعة عندي عملية.
رحلت المرأة سامحة لفضولها أن يأكل أحشائها تاركه أياه ومغلقه الباب خلفها، في ذات الوقت صدع رنين هاتفه ليخرجه من السترة التي يرتديها مجيبًا على الاتصال الثالث من هايدي الذي يصله اليوم لكن لم يجب على الاتصالات السابقة بسبب انشغاله في أحد الفحوصات.......
أجاب عليها:
-الو.
"الو، ازيك يا دكتور".
رد عليها جواد بنبرة هادئة:
-تمام يا هايدي وأنتِ إيه اخبارك؟!.
"بخير الحمدلله".
تحدث جواد بنبرة لبقة وبسيطة:
-أسف إني مردتش عليكي كنت مشغول شوية وكنت هكلمك أكيد.
"حصل خير ولا يهمك".
سألها جواد بنبرة طبيعية:
-في حاجة بقا ولا إيه؟..
بالتأكيد هناك أمرِ ما هذا ما استنتجه..
لأنه ليس بينهما حديث حتى تتصل به هايدي ثلاث مرات..وليس من عاداتها..
هتفت هايدي بتردد لكنها حاولت التحلي بالشجاعة:
-اه كنت عايزة أبلغك ان قراءة فاتحتي يوم عشرة وبعزمك أنتَ وطنط منيرة ونسمة أكيد.
كانت بالفعل أتى لها عريس "صالونات" كما يطلق عليه البعض عن طريق والدها، كان الشاب جيد بطريقة لم تجعل لها سبب للرفض وقررت بالفعل الموافقة عليه حتى تعطيه فرصة ووقت الخطوبة سوف يحدد كل شيء...
كانت تعلم أن والدها سوف يتصل بها ويقوم بدعوته لكنها قررت أن تسبقه وتفعلها....
أما أن يجعلها جواد تتعلق به أكثر من استمراره بأنه مجرد إعجاب....
إذا لم يتخذ خطوة تجاهها وقتها ستكون مشاعرها تخصها فقط وهي ليست مشاعر بالمعنى الصحيح...
هي تعلم بأنه ليس هناك أمرأة قد تقترب من جواد إلا وتكن له الإعجاب والتقدير دون أن تشعر...
سمعت صوته بنبرة ظهرت فرحة بالفعل ليؤكد شكوكها:
-بجد والله فرحتيني ألف مبروك يا هايدي ربنا يوفقك أنتِ تستاهلي كل خير.
ردت عليه هايدي بهدوء رغم كل شيء:
-الله يبارك فيك يا جواد عقبالك؛ أنا هقفل بقا علشان معطلكش أكثر من كده وبكرا أن شاء الله إجازتي وهخرج مع نسمة.
عقب جواد على حديثها بنبرة تلقائية:
-تمام مفيش أي مشكلة.
-باي.
-مع السلامة.
_______________
بعد عودتها من مقابلة العمل...
كانت تقف إيناس قرب شارع خطاب تقوم بشراء الحلوى لأطفالها كنوع من أنواع المكافأة أنهما لم يتسببا في المتاعب لجدتهما....
كانت تنتظر الراجل الذي يتواجد أمامها أن يُنهي الحساب مع العامل فـ سمعت صوت هاتفها يعلن عن وصولها رسالة عبر الواتساب...
فتحت الرسالة بعفوية والتي كانت عبارة عن فيديو...........
ضغطت على الفيديو حتى يتم فتحه ولكن ما أن انتهى التحميل واتضحت لها الرؤية خرجت منها شهقة وجحظت عيناها بشكل مخيف....
❤️❤️❤️
الفصل الثامن والعشرون من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
أنا لا أعلمُ سبب حبي لكِ
ولا أريد معرفة الأسباب
أريد فقط
ألا يسكُنكِ جنون غير جنوني
أحبكِ..
لأنكِ الوحيدة
التي علمت نبضات القلب التسارع
لمجرد رسالة
أو اتصال...
#مقتبسة
لا تحاول اسعادي كُن شيئ لا يُؤذيني فقط.
#مقتبسة
ليِتَك تستطيع أنَ تَرى الطريقة التَي أنظُر بِها إليك، ليتك تَستطيع أن تَرىَ كِيف تبدُو بِداخلي.
#مقتبسة
________________
بعد عودتها من مقابلة العمل...
كانت تقف إيناس قرب شارع خطاب تقوم بشراء الحلوى لأطفالها كنوع من أنواع المكافأة أنهما لم يتسببا في المتاعب لجدتهما....
كانت تنتظر الراجل الذي يتواجد أمامها أن يُنهي الحساب مع العامل فـ سمعت صوت هاتفها يعلن عن وصولها رسالة عبر الواتساب...
فتحت الرسالة بعفوية والتي كانت عبارة عن فيديو...........
ضغطت على الفيديو حتى يتم فتحه ولكن ما أن انتهى التحميل واتضحت لها الرؤية خرجت منها شهقة وجحظت عيناها بشكل مخيف....
صرخة وشهقة خرجت منها....
حتى أن من حولها قد انتبهوا لها فشعرت بالحرج الشديد وتوترت إلى حدٍ كبير وهي تغلق الهاتف مرة واحدة حتى لا يري أحد بالخطأ ما فُتح أمامها....
ترغب في أن تخرج ما يتواجد في جوفها من فرط ما تشعر به من أشمئزاز كبير..
قامت بدفع الحساب للرجل بعدما قام بوضع مشترياتها في الأكياس البلاستيكية، وبمجرد أن رحلت وتوجهت صوب الحارة التي تقطن بها والتي تكن موازية تقريبًا إلى شارع خطاب..
ولجت إيناس إلى البناية الخاصة بهم ثم وضعت الأكياس أرضًا بعدما أغلقت الباب الحديدي خلفها ثم فتحت هاتفها ليظهر لها المقطع الإباحي مرة أخرى لأنه كان أخر شيء قد أغلقت الهاتف عليه، قامت بحذف المحادثة بعدما وضعت حظر لهذا الرقم، لا تدري من هذا؟؟؟..
التحليل الأقرب في رأيها بأنه رقم قد أرسل لها تلك المقاطع بطريقة عشوائية ليس هناك شخص قد يعرفها يرسل لها شيئًا هكذا..
مازالت تشعر بعدم الراحة...
المقطع تأثيره عليها مستفز، وأفقدها أعصابها حينما رأت هذا المشهد الفج....
حاولت أن تستعيد توازنها والتماسك وهي تكرر ألف مرة بأنه لم يحدث شيء، هذه الرسائل قد يرسلها أشخاص غريبة بشكل عشوائي انتشرت بشكل كبير لذلك ليس عليها أن تحزن نفسها طوال اليوم.
صعدت على الدرج حتى الطابق الثالث الذي يتواجد فيه شقتهم، وأخذت أطفالها بالاحضان لقد اشتاقت لهم وكأنها منذ عاميين متغيبة عنهم....
أعطتهم ما أتت به لأجلهما وانتاب الاثنان فرحة غريبة وحماسية من الدرجة الأولى وأخذوا منها الأكياس ثم ركضا إلى الأريكة بينما إيناس ولجت إلى الغرفة لتخلع حجابها بإرهاق نفسي قبل أن يكون بدني..
جاءت والدتها من خلفها متحدثة بنبرة فضولية قلقة:
-ها يا بنتي عملتي إيه؟!.
سألتها إيناس ببلاهة:
-عملت إيه في إيه؟!.
رفعت والدتها حاجبيها ثم قالت بسخرية لاذعة:
-هيكون في إيه يعني؟! في حواجبك؟! أكيد في الشغل المقابلة كانت ازاي؟!.
ردت عليها إيناس بنبرة جادة:
-يعني كانت تمام وهما معندهمش مشكلة يشغلوني وقالتلي أن المرتب **** بس في فترة تدريب الأول.
اتسعت أعين والدتها بفرحة عارمة وهي تقول:
-طب كويس جدًا المرتب حلو أوي كبداية يا بنتي اه المشوار بعيد شوية بس هتتعودي مبروك عليكي يا حبيبتي..
قالت إيناس بانزعاج واضح:
-ماما أنا لسه بفكر على فكرة.
غمغمت حُسنية بعدم فهم وهي تتفوه بأخر شيء قد أتى في عقلها:
-إيناس هو في حاجة معينة مخلياكي مش عايزة تشتغلي هناك في المكان ده بالذات؟ أصل مش معقولة يعني الرفض الغريب ده، ده أنتِ كنتي زعلانة أن دياب عايزك تقعدي شوية عقبال ما فترة العدة تخلص وتهدي شوية ولما جت ليكي الفرصة لغايت عندك معترضة؟.
لا تدري لما لديها مخاوف بخصوص العمل هناك؟...
هل لأن ذلك المكان كانت تعمل فيه أحلام..
ولأنها تعلم علاقة هذا الطبيب بها...
هتفت إيناس بنبرة هادئة محاولة نفي شكوك والدتها:
-مفيش حاجة يا ماما هيكون في إيه يعني؟! أنا بس هفكر مع نفسي واحسبها لا أكتر ولا أقل.
غمغمت حُسنية باستسلام رغم شعورها بأن هناك قسم أخر مخفي عنها من قِبل ابنتها لا تعرفه:
-اللي يريحك اعمليه يا بنتي.
_____________
بعد معرفته بأن هاتفها قد احترقت شاشته أصبح عمله الأول في بداية اليوم هو شراء هاتف من أجلها....
كان يسخر من أمر شراء الرجل "هاتف" من أجل خطيبته في بداية الخطبة، وها هو اليوم يفعل......
حتى أنه قام بشراء هاتف من أجلها أحدث مما يتواجد معه، هو في العادة حينما يقوم بالشراء يقوم بشراء أحدث هاتف وأغلاه لكنه في العادة ليس شغوف في تغيير هاتفه إلا عندما يحدث به ضرر ما....
لكنه لم يأتِ في يوم وقرر تغيير هاتفه بلا سبب..
اتصل بوالدتها ليس بها مخبرًا أياها بأنه سيأتي بعد صلاة العشاء ولم يوضح سبب زيارته لكن وافقت يسرا ولم تظهر أي اعتراض ورحبت به حتى أنها صنعت الغداء من أجله..
ها هو جالسًا في مكانه ثم أخرج الهاتف من الحقيبة الكرتونية الخاصة بالمتجر الذي قام بشراء الهاتف منه لتتسع أعين سلمى بعدم تصديق.....
لم يأتِ في مخيلتها حتى بأن نضال من الممكن أن يأتي بهاتف لها وفي اليوم التالي مباشرًا، تعرف أنه يقدر لكنها لم تتوقع الأمر...وكان تعقيبها غريب وعجيب حينما أخبرها بأنه أتى به من أجلها...
"لا انا مش من البنات اللي موبايلها بيبوظ أول الخطوبة علشان خطيبها يجيب ليها واحد شكرًا على تفكيرك بس أنا هصلح موبايلي ولو عايزة واحد جديد هجيب".
كلماتها كالرصاص حقًا..
أم أنها المادة الخام للاستفزاز...
لا يدري كيف من الممكن أن يُصنفها لكن في كل الأحوال هو رغب في تحطيم رأسها ولن يبالغ هي تستفزه أكثر من أي شخص مر في حياته...
لكنه حاول الهدوء..
والهدوء بالنسبة إلى نضال هو حل مُهلك ومتعب جدًا لكنه مُجبر....
كان يحاول اقناعها بأنه لا يرى الأمر استغلالا وأنه يعرف بأن الأمر بمحض الصدفة لا أكثر ولكنها كانت ترفض أن تقبل هدية كهذه بهيظة الثمن جدًا بالنسبة لها حتى ولو لم يكن بالنسبة له.....
الهاتف الذي أتى به لا يدخل في مقارنة من الأساس مع الهاتف الذي احترقت شاشته ليلة أمس..
الهدوء لم يستمر طويلًا حينما قال نضال بنبرة منفعلة مقارنة مع نبرة وطريقة حديثه السابق..
-سلمى كفاية عِند ملهوش لازمة وخدي الموبايل؛ أنا لو شايف زي ما أنتِ حسباها أنك بتستغلي الموضوع صدقيني أنا مكنتش وقتها هفكر أجيبلك حاجة أصلا، عيب اللي بتعمليه ده.
تحدثت سلمى بنبرة جادة:
-أنا مش قصدي اضايقك يا نضال بس أنتَ فاجئتني وكان المفروض على الأقل تاخد رأيي الأول قبل ما تكلف نفسك في حاجة زي دي أنا مش هقبل اخدها أصلا...
قال نضال بنبرة غاضبة وهو ينظر له:
-الحق عليا إني كنت عايز اعملك مفاجأة الغلط مني ياستي..
أخذت سلمى نفس طويل..
لا تدري ما الذي أصابها بدلًا من أن تفرح بسبب تفكيره بها هي تقوم بعتابه ولومه...
كأنه أرتكب ذنب...
لكنها لم تعتاد هذا...
لم تعتاد بأن يتم التصرف في أي مشكلة بسرعة..
أو أي أمر ترغب في شرائه يأتي لها دون أن تفكر، هي لم تأخذ هدايا قيمة بهذا الشكل....
من رجل...
نعم خالها كان دائمًا يحاول مساعدتهما بجانب بيته وحياته، لكن مهما فعل هو كان يحاول المساعدة في الأساسيات لم يكن هناك مكان أو وقت للرفاهيات وحينما قامت بالعمل بنفسها أصبحت تدرك جيدًا بأن مصاريف المنزل وجهاز شقيقتها أولى من أي شيء أخر........
لن يفهمها أحد الآن أو يقدر موقفها....
لكنها شعرت بالصدمة من فعلة نضال وكأنها تتلقى منه صفعة منه لا هدية..
جاءت والدتها من المطبخ بعدما استمعت إلى حديثهما بسبب نبرتها العالية وهما غير مُدركين بأن صوتهما مرتفع من كثرة انفعالهما...
جلست والدتها على المقعد بينما نضال يجلس على طرف الأريكة وعلى الطرف الأخر كانت تجلس سلمى...
تمتمت يسرا مؤكدة لهم بأنها سمعت حديثهم:
-مال صوتك عالي كده ليه يا نضال؟؟ أنتم متخانقين ولا إيه؟!
كلماتها كاتت تحمل أكثر من معنى وهي تنظر إلى نضال، لكنه عرف بأنها ترغب في سماع الأمر منه من أجل مساندته وكان هو فطن بطبيعته..
-جيبت ليها موبايل وهي مش عايزة تاخده، هو أنا مش من حقي أني اديها هدية؟! او اجيب ليها حاجة، احنا مش مجرد مخطوبين احنا مكتوب كتابنا لو هي ناسية..
في نهاية حديثه نظر لها مؤكدًا لها بأنه لم تعد حرة إلى حدٍ ما...
قالت يسرا بنبرة هادئة وهي تنظر إلى ابنتها نظرة ذات معنى:
-عيب كده يا سلمى مدام هو جاي وجايبلك هدية عيب ترفضيها....
تحدث نضال بنبرة منزعجة:
-قوليلها..
بسبب نظرات والدتها قامت بقبول الأمر.....
رغم عدم اقتناعها الكلي.....
لكنها لا يجب أن تظهر نقصها بخصوص الرجل الذي يتواجد في حياتها للجميع...إذا لم يكن مفضوحًا من الأساس...
_______________
قامت بنقل محاضراتها التي قامت بكتابتها اليوم في دفترها التي تقوم بكتابة كل شيء فيه بشكل منمق ومناسب...
تلك العادة رافقتها عند دخول تلك الجامعة لم تكن تفعل هذا في السابق، وهكذا تقوم بتثببت المعلومة وتجدي تلك الطريقة معها نفعًا كبيرًا..
حينما انتهت قامت بتصوير بضعة مقاطع عشوائية عن المنتجات التي أتت لها كهدية ثم قامت بتنزيل أول واحد منهم والباقي جعلتهم لوقتٍ لاحق هي لا تقوم بتنزيل كل تلك المقاطع يوميًا...
بل تقوم بتنزيل مقطع واحد فقط يوميًا.....
لفت نظرها حينما قامت بتنزيل المقطع بأن هناك صفحة رسمية مشهورة إلى حدٍ كبير تخص أحد المطاعم التي تتناول منها منذ الصغر وجدت الرسالة واضحة بأنهم يرغبون في أن تأتي لتقوم بعمل مقطع لهم مقابل مبلغ مالي...
لا تدري أول شعور انتابها هو الاستغراب من كون أن هذا المكان قد يحتاج أن يقوم أحد بالدعاية له؟!...
وفي الوقت ذاته هل بلغت من الشهرة ما يجعلها تفعل هذا؟!..
أحيانًا تقابل فتيات من الجامعة وأثناء عودتها في الشارع يعبرون عن إعجابهن بها ولكنها لم تتخيل أبدًا بأن الأمر قد يصل إلى هنا...
كانت على وشك الموافقة ولكن شيء بداخلها أخبرها بأن تتصل بأبيها في البداية وتعرف رأيه...
لأن رأيه بخصوص تلك المقاطع كان مُبهم إلى حدٍ كبير......
بالفعل في وقتها لم تنتظر حتى الصباح الذي سوف يأتي فيه لزيارتها وقامت بالاتصال به...
ليجيب عليها:
-الو يا ريناد..
-ايوة يا بابي حضرتك عامل إيه؟!.
طريقتها أصبحت مهذبة نوعًا ما مؤخرًا وهذا يلاحظه سألها بنبرة هادئة وكانت من عادته عدم النوم مبكرًا لكنها هي التي أصبحت من عاداتها مؤخرًا:
-إيه اللي مصحيكي لغايت دلوقتي؟!..
-في موضوع حابة أكلمك فيه.
سألها والدها "محمد" بطريقة لم تفهمها كليًا...
-موضوع إيه ده؟.
تحدثت ريناد بنبرة موضحة أكثر من السابق:
-***** كلموني وعايزني أعمل فيديو ليهم دي الإعلانات اللي بتتعمل دلوقتي دي وعارضين عليا مبلغ و.....
قاطعها محمد لم يجعلها تستكمل حديثها:
-لا طبعًا أنا لو وافقت على موضوع الفيديوهات أو سكت بمعنى أصح هو علشان ده بتسليكي لكن مش علشان دي تكون شغلانتك أنتِ مش محتاجة فلوس ولا محتاجة تكون حياتك كلها فيديوهات وده يكون هدف حياتك كلها، ولو فتحتي الموضوع ده تاني بطلي فيديوهات أحسن....
_________________
منذ مدة وهو يقف في الشرفة الخاصة بالغرفة يجري اتصال ما......
حتى أنها غفيت لمدة دقائق من كثرة انتظارها لقد تأخر الوقت على أية حال...
استيقظت من نومتها ثم ارتدت روب منامتها و توجهت صوب الشرفة واصطدمت بجسده حينما كانت على وشك الدخول، فهو كان خارجًا من الشرفة بعدما انتهى من اتصاله الهاتفي..
رفع كف يده ليحاوط به وجهها الدافئ من أثر النوم..
-إيه اللي صحاكي من النوم يا حبيبتي؟؟.
ردت عليه سامية بصوتٍ به بقية نوم:
-قلقت لما لقيتك لسه منمتش ولا جيت جنبي...
غمغم حمزة بنبرة هادئة وهو يتأملها برفقٍ وعمقٍ كبير يخجلها:
-كان عندي مكالمة بخصوص الشغل طويلة شوية معلش خليتك تستني كتير لغايت ما نمتي...
تحدثت سامية باهتمام كبير وهي تضع يدها على كتفه:
-ليه يا حبيبي حصل حاجة ولا إيه؟.
تمتم حمزة بنبرة هادئة وهو يخبرها بما يريده بسلاسة:
-يعني مشاكل كده في الشغل وللأسف لازم على بكرا بليل بالكتير نكون في القاهرة مش هينفع نقعد أكتر من كده..
قالت سامية بتوتر طفيف:
-متقلقنيش يا حمزة..هو مفيش مشكلة نرجع بس طمني....
ترك قُبلات متفرقة على وجهها مستمتعًا بدفء جسدها ثم توقف هاتفًا وهو يحاوط خصرها:
-صدقيني هو في مواضيع كتير بس كلها مقدور عليها وأنا مش عايز ادوشك بيها وحقيقي حقك عليا إني بوظت اجازتنا وشهر العسل بس الأيام جاية كتير وهعوضك يا قلبي...
حاوطت عنقه متحدثة بنبرة جادة ومهتمة إلى أقصى حد وهي تنظر له بنظرات عاشقة وهائمة به:
-مش مهم كل ده، أهم حاجة شغلك ودنيتك تكون تمام وأي حاجة تانية تيجي بعدين..
قال حمزة قبل أن يضمها إلى أحضانه بشغف كبير:
-أنتِ قبل أي حاجة عندي يا سامية ربنا يخليكي ليا ونفضل دايما مع بعض...
________________
جلسة هادئة..ولطيفة..
تليق بالزوجين قد يدل على أنهما تزوجا حديثًا...
لذلك كان عليه أن يتحمل ويجلس معها تلك الجلسة رغم رغبته الشديدة في النوم إلا أنه قرر مشاهدة أحد الأفلام برفقتها جلسة رومانسية إلى حدٍ ما...
ها هي تجلس بين أحضانه وهو يحاوطها بذراعيه وتتوسط صدره والغطاء فوقهما..
الفيلم تصنيفه رومانسي لكنه حزين نوعًا ما وكان من اختيار جهاد كالعادة..
كانت تبكي بـ حُرقة كبيرة وهي تمسح دموعها وتعطي كامل تركيزها إلى الفيلم بينما باقي المكان كانت الاضاءة فيه خافتة تناسب هذا الجو..
غمغمت جهاد بألم حقيقي وكأنها هي التي تتألم لا البطل:
-معرفش عملت ليه كده؟ مع أنه كان بيحبها والله حسبي الله ونعم الوكيل، الراجل ملهوش حظ في الحب ولا إيه صعب عليا والله...
لم تسمع أي تعقيب منه على حديثها فقالت بنبرة عاطفية وهي تمسح دموعها:
-سلامة..
كانت تنتظر منه إجابة..
لكن أين سلامة؟!..
أستدارت بجسدها لتجده نائمًا في عالم أخر...
لتصرخ رغمًا عنها:
-ســلامــــة..
استيقظ سلامة مفزوعًا هاتفًا بنبرة متوترة:
-في إيه القطة جت تاني ولا إيه؟!
صاحت جهاد مستنكرة:
-هو ده اللي هسهر معاكي يا جهاد؛ هعوضك يا جهاد؟! تروح نايم..
تمتم سلامة بصوتٍ به بقية نوم وهو ينظر لها بأعين ناعسة:
-مهوا أنتِ اللي جاية تفرجيني على فيلم في وقت شيفتاتي اللي بتكون الصبح بدري ده أنا بروح قبلك باربع ساعات، وبعدين أنا منمتش..
هتفت جهاد بنبرة منزعجة بعدما اعتدلت في جلستها:
-كل ده ومنمتش؟ أومال لو نمت بقا كنت هتعمل إيه؟!...
-منمتش أنا كنت بتفرج معاكي على الفيلم عيب عليكي..
حاولت جهاد اختباره بنبرة جادة:
-طب تعرف البطل ساب البطلة ليه؟!.
صمت سلامة لثواني يحاول تذكر بداية الفيلم وعلى هذا الأساس سيحاول إيجاد إجابة مناسبة إلى حدٍ كبير....
أوقفت جهاد الفيلم بعدما ضغطت على لوحة التحكم "الريموت" متمتمة بنبرة غاضبة:
-ما تتكلم...
تمتم سلامة بنبرة حاول جعلها عقلانية:
-مش مقدر النعمة اللي في ايده دي البت مزة يعني ما شاء الله...
صاحت جهاد وهي تضع يدها على كتفه:
-أساسًا مش هو اللي سابها علشان تعرف أنك كنت نايم مش عارفة بتقاوح في إيه؟! ده أنا شوفتك بعيني نايم......
ثم مسكته من ياقة قميصه القطني هاتفة بنبرة مغتاظة:
-وبعدين استنى هنا، هو أنتَ شايف البت حلوة للدرجة دي؟!.
هتف سلامة بنبرة جادة:
-أنا ولا شايفك ولا شايفها يا جهاد مش شايف غير السرير قدامي...
ثم نظر ناحية التلفاز ليغمغم بنبرة هادئة حينما وجد أن الوقت المتبقي ليس كثيرًا:
-يلا قومي اعملي لينا شاب ونكمل المسلسل وبعدين عيب عليك ياسطا نقفل اليوم على خناقة ده احنا عطفنا ولطفنا وعمال اقول بحبك وبعشقك وعمالين نقول كلام حلو ليه الخناقة دي؟
بكت جهاد وهي تخبره بنبرة منفعلة:
-مهوا دي أخرتها بأخد منك كلام وبس يا سلامة، مشوفتش البطل مموت نفسه على البطلة ازاي، نفسي تحبني ربع ما البطل حب البطلة...
أردف سلامة بعد شهقة خرجت منه وهو ينهض ويجذبها من يدها:
-لا حول ولا قوة إلا بالله يلا يا بنتي نقوم نعمل الشاي ونرجع اتعلم منه اموت نفسي ازاي عشانك..
بعد مرور نصف ساعة....
كان سلامة تناول الشاي مع زوجته، وانتهى الفيلم في الوقت نفسه، كانت جهاد عادت إلى موضعها في أحضان زوجها وها هي تسأله:
-مين أكتر شخصية عجبتك في الفيلم وحبيته ولا لا؟!.
نظر لها سلامة ساخرًا فهي تعامله وكأنه ناقد سينمائي وعليه أن يعطي تقييم لكنه أجاب عليها بصراحة..
-الفيلم حلو مقدرش أقول حاجة بس لو هنتكلم من ناحية أية أكتر شخصية عجبتني هقولك اللي عاجبني هي أخت البطل بصراحة الشخصية دي عجبتني اوي مفيش أحلى من أن الواحد يكون له أخت أو أم كده تكون واقفة جنبه كده؛ الاخت مكان الأم فعلا، والله ياريت...
توقف سلامة عن الحديث حينما وجد عين جهاد كادت أن تخرج من مكانها وقالت عند توقفه:
-قول كده بقا ياخويا ياريت إيه بقا؟ البت لحست نافوخك وبقيت عايز اخت تقف جنبك؟! وأنا إيه يعني؟!...
قال سلامة ساخرًا وهو يرد عليها:
-أنتِ عبيطة يا جهاد؟! هو أنتِ فاكرة نفسك اختي؟ ولا احنا راضعين على بعض ده انتِ مراتي مالك أنتِ بموضوع الاخت وبعدين أنا بعقب على الفيلم وقصته مالك أنتِ بيها هو احنا لسه عارفين هي اختى ولا لا...
-ما أنتَ نفسك تكون اختك..
أردف سلامة وهو يجذبها بين أحضانه هاتفًا بنبرة ذات معنى:
-لا مدام وصلنا لغايت هنا يلا ننام والصبح نبدأ الخناقة من أولها يلا يا حبيبتي في حضن جوزك نامي ربنا يهديكي...
-ويهديك انتَ كمان..
______________
قررت الانـتـقـام..
لم يوافق على أمر الدعاية..
إذن عليها أن تتمرد..
سوف تذهب إلى الحفل مع صديقتها من دون علمه...
تقف ريناد في الشرفة تقوم ببسط الملابس على الأحبال التي تتواجد أمامها على أمل أن تجف الملابس حتى صباح الغد وتتحدث في الوقت نفسه مع صديقتها في الهاتف....
بعدما قررت أن تذهب معها إلى أحدى الحفلات التي أخبرها والدها رأيه عنها منذ أيام....
يمنع ذهابها ولكنها قررت الذهاب من دون أن تخبره تحاول أن تستغل أن في الصباح وقت الجامعة لذلك قررت الذهاب تحت أي ظرف..
-لا متقلقيش أنا مرتبة كل حاجة وعارفة هقوله إيه لو حد من اللي في الكلية قاله اني مروحتش.....هقوله على ندوة روحت احضرها في كلية الـ**** ودي فعلا بكرا....... يا بنتي لا هو ميعرفش ميعاد الحفلة امته بالظبط لما كنت بقوله عليها.....خلاص نشرت اللبس معنديش غيره أبيض.....يلا باي بقا الوقت اتأخر وهنام......
أنتهت من حديثها ثم أغلقت الضوء الخاص بالشرفة....
دخلت إلى الشقة غافلة تمامًا عن الشخص الذي يسمعها من شرفته في الأعلى وتلك المرة من أندر المرات التي سمع دياب حديثها وليس العكس هي دومًا من تسمع وتسترق السمع إلى حديثه في الهاتف أو حديثه مع أحدى شقيقتيه....
هتف دياب الواقف وبين أصابعه السيجارة يقوم بتدخينها بعيدًا عن أطفال شقيقته وحبه أن ينفرد بنفسه...
على السور الحديدي يضع كوب الشاي.....
-مفيش فايدة ديل ريناد والكلب هما الاتنين عمرهم ما بيتعدلوا..
ثم غمغم مذكرًا نفسه:
-وبعدين أنا مالي ما تولع وتعمل اللي تعمله...
كاد أن يرحل لذلك ابتعد عن السور الذي يستند عليه بنصف جسده وأثناء تحريكه إلى كوعه أطاح بالكوب وسقط أرضًا ورغم أن صوت كسره لم يصدع بقوة بسبب المسافة إلا أن شهقة خرجت من فم دياب وهو يهتف:
-امي هتقتلني على الكوباية، كان مستخبيلك فين ده يا دياب؟ أحسن حل إني أنام وتتحل بكرا ان شاء الله...
لم يأتِ في عقله بأنه وقع على ملابسها بسبب الظلام فكانت عتمة الليل تغطي على المكان.....
بالفعل فعل ما قاله دخل إلى شقته ثم أغلق باب الشرفة وكان أغلب المنزل قد خلد إلى النوم لذلك ذهب ينام على الأريكة التي أصبحت مكانه وفراشه في المدة الأخيرة...
___________
انتظار..
الانتظار شيء مميت..
ولا أظن بأن هناك من يحب الانتظار...
هو مهلك للروح مهما كانت النتيجة...
هو ليس شيء جيد على الإطلاق...
منذ ساعة تقريبًا يحاول الاتصال بها لكن يظهر له بأنها في مكالمة أخرى وهذا شيء عجيب لأول مرة يحدث.......
لا تطيل سلمى مكالمتها مع أي شخص بهذا الشكل حتى معه، مدة المكالمة بينهما لا تطيل إلى تلك المدة وهو يشاركها في تلك النقطة لا يحب التواصل عبر الهاتف يحبذ رؤية الشخص أمامه فقط من تطيل معه مكالمته عوضًا عن عدم رؤيته هو طارق...
من الشخص الذي تتحدث معه كل هذا الوقت؟!
صدقًا شعر بالغضب والغيظ...
أو الغيرة لا يعلم...
رغم أن سلمى ليست من النساء التي قد يشعر الرجل الذي يتواجد معها بـشكوك تجاهها إلا أن الأمر كان مستفز...
وضعت الخطوط الخاصة بها في الهاتف الجديد.................
أخيرًا بعد وقت طويل كان على وشك أن يذهب إلى منزلها ويعرف مع من تتحدث كل هذا الوقت أجابت عليه بصوتٍ لم يفهمه:
-الو؛ ازيك يا نضال..
رد عليها نضال بنبرة مغتاظة:
-الحمدلله بخير يا سلمى.
قالت سلمى ببساطة:
-حقك عليا بقالك كتير بتتصل بس كنت مشغولة مع واحدة صاحبتي ومش عارفة أقفل.
سألها نضال بنبرة جادة وواضحة، لهجته كانت مباشرة فهو لا يتقن فن التورية:
-للدرجاتي كانت المكالمة مهمة وتعرفي إني بتصل وتفضلي مكملة ولما تخلصي تفتكري أنك تعبريني، إيه للدرجة دي مكنش ينفع تقفلي دقيقة تكلميني تفهميني في إيه وتكملي معاها تاني؟!.
شعرت سلمى بالسخرية...
ليست وحدها بل كان يرافقها ضيق واضح وهذا الذي جعلها تتحدث بنبرة لينة:
-حقك عليا الكلام خدنا ومكنش ينفع أقفل.
غمغم نضال بنبرة لا تحمل أي لون من ألوان المرح:
-أنتِ كنتي بتكلمي مين أساسًا كل ده وإيه المكالمة المهمة للدرجة؟.
قالت سلمى بلهجة غاضبة ولم تتحمل الهدوء أكثر من هذا كونها شعرت باتهام غريب:
-هكون بكلم مين يعني؟ بكلم واحدة صاحبتي طبعا، وبعدين إيه الطريقة دي؟ هو أنا بقعد أكلمك وأقولك بتكلم مين ومبتكلمش مين..
غمغم نضال ببساطة شديدة:
-مش المفروض أننا نقعد نفتش ورا بعض بس لو سألتيني أكيد هجاوب عليكي لأني مبعملش حاجة غلط ولا أنتِ بتعملي حاجة غلط علشان تتعصبي كده لما أسالك وبعدين أنا بسأل عادي لأني مستغرب أنك بتكلمي حد لمدة ساعة مش من عادتك يعني حتى معايا...
كلماته الأخيرة وكأنها عتاب شعرت به لذلك لم تحاول الشجار أكثر وتحدثت بعفوية:
-عادي كنا متخانقين كده وكنا بنحاول نصفي النفوس ما بينا ولو كنت قفلت علشان ارد عليك كانت ممكن تفتكر إني زعلانة منها لسه..
بدأ اللين أن يسيطر على الأجواء بدلًا من الحدة وهو يغمغم بعفوية وفضول لا ينكره:
-ليه كنتم متخانقين ليه؟..
توترت سلمى وهتفت بنبرة مرتبكة شعر بها وهو يسمعها:
-عادي بسبب موضوع كده.
أصر عليها وهو يسألها ليحشرها في الزاوية فهي لا تتقن فن الكذب كما هو لا يستطيع استخدام التورية:
-أيوة إيه هو الموضوع ده؟ أكيد مش خاص للدرجة اللي مينفعش تقوليه..
قالت سلمى بحماقة:
-دي خصوصياتي أنا وصاحبتي..
غمغم نضال بشك بدأ يراوده فهي ترواغه حتى لا تجيب إذن هناك أمر تحاول أن تخفيه عنه:
-معلش أنا راجل متطفل وحابب أعرف المشكلة اللي بين مراتي وصاحبتها لأول مرة بطلب أعرف..
لما هو مُصر بهذا الشكل؟؟.
هو يغضبها حقًا...
لذلك أجابت رغمًا عنها وانفجرت فيه.
-كنا متخانقين بسبب موضوع اخوها لأنه كان عايز يتقدملي وساعتها أنا اتنرفزت وقاطعتها علشان مش عايزة اتجوز واضايقت لما هو وصل لأهل ابويا وكلمهم من ورايا وكان ده بداية أن ابويا يجي فهو كان سوء فهم لا أكتر ولا أقل وهما اعتذروا لأن فعلا مكنش قصدهم حاجة، وأنا حسيت أن مينفعش أقاطعها علشان سبب زي ده هما مكنش قصدهم أي حاجة.
كان أسوء انفجار قامت به..
فهو لم يسعد بصراحتها بل شعر بالغضب والغيرة الواضحة بشكل غريب وكبير جعله يسألها بنبرة جامدة:
-يعني اتصالحتوا في الأخر؟..
ردت عليه سلمى بنبرة هادئة:
-ايوة اتصالحنا.
رد عليها نضال بنبرة لم تفهمها:
-تمام كويس جدًا ربنا يديم المحبة ما بينكم..
قال تلك الكلمات بغضب ولم يعطها حق الرد وهو يخبرها:
-أنا هقفل دلوقتي علشان ورايا ميعاد وهبقى اكلمك بعدين سلام.
-سلام..
انتهت المكالمة بسلام رغم أن هدوء نضال كان الهدوء ما قبل العاصفة هي لم تدرك كيف اشعلته وأغضبته بذكرها هذا الرجل دون أن تدري.
كيف لها أن تخبره الأمر ببساطة شديد وبرود وكأنها لم تفعل شيئًا...
وأحرقته بـنيران مختلفة لأول مرة يشعر بها...
وتخبره بأنها تصالحت معها حسنًا إذا كان الأمر بتلك البساطة التي تتحدث بها إذن لما شعر بتلك المشاعر والاختناق؟!!
يبقى السؤال حاضرًا ووقته مفتوحًا للإجابة إلى أن نصل إلى إجابة غير منطقية لأن ليست كل الاسئلة لها إجابة واقعية..
____________
...في فيلا عز الدين....
يقف جواد في المطبخ بقوم بتحضير العشاء لنفسه كان ذهب أغلب العاملين لأن الوقت اتأخر فقط من كانت موجودة هي منيرة..
لا يدري هل هذه وجبة العشاء أم أنها وجبة الغداء الذي لم يتناولها بسبب العملية الجراحية التي استغرقت وقت طويل جدًا اليوم منه وأنتهى منها منذ ساعة تقريبًا ثم عاد إلى المنزل على الفور...
كانت منيرة تراقبه بوجه غاضب وعقبت بنبرة مقتبضة:
-يعني عيب يا ابني اكون أنا صاحية كده وقاعدة وأنتَ اللي واقف تعمل الأكل أنتَ راجع من شغلك تعبان.....
هتف جواد بنبرة هادئة وهو يقوم بتقليب الجمبري في الطنجرة الذي تتواجد أمامه:
-إيه اللي خلاه عيب يعني؟! وبعدين اطلعي ارتاحي خلاص بقا نسمة نامت متشغليش بالك بيا.
أردفت منيرة بنبرة منزعجة رغمًا عنها ولم تتحمل الصمت أكثر من ذلك فـنهضت من مكانها:
-هو أنتَ عرفت أن هايدي هتتخطب.
هز رأسه بإيجاب وهو يستدير ليواجهها بلامبالاة ازعجتها:
-اه عرفت واتصلت عزمتني كمان هحاول افضي نفسي أن ميكنش عندي عمليات اليوم ده علشان اخدك واخد نسمة ونروح..
قالت منيرة وهي تخرج عن صمتها تلك المرة بحق:
-هايدي ضاعت من إيدك يا جواد يا ابني والله هتندم عليها البت زي السكر ومفيش زيها وهي دي اللي تستاهلها...
ابتسم لها جواد هاتفًا بنبرة جادة:
-هايدي زي اختي الصغيرة وبجد مش بتمنى ليها إلا كل خير هي من أحسن الشخصيات اللي قابلتها في حياتي وانا عمري ما شوفتها غير كده ده أولا، ثانيا محدش ضاع مني لو كانت ليا مكنتش هضيع أبدًا..
ابتلع ريقه ثم تحدث بنبرة واضحة:
-أنا مش هجري ولا هقنع نفسي بحاجات مش حقيقية ولا كان ينفع تتعشم بأي حاجة لمجرد إعجاب هي حست بيه زي أي واحدة في سنها واطلعي نامي بقا ومتشغليش بالك بحاجة أنا هتعشى وأنام علطول.
غمغمت منيرة باستسلام واضح:
-ماشي يا ابني تصبح على خير، ربنا يعوضك ويرزقك بكل خير ويريح بالك يا حبيبي..
-وأنتِ من أهله..
رحلت منيرة، وتناول جواد طعامه ثم قام بغسل الصحون كعادته لا يحب ترك شيء خلفه مدام هناك متسع من الوقت...حتى يعود المطبخ نظيفًا كما تركته منيرة والفتيات التي تعمل هنا....
___________
في الصباح...
كانت صراخات تخرج من ريناد.....
هي تخبر بهية بأنها وجدت ملابسها ملطخة بالشاي والنعناع وقد جفت البقع عليها، حاولت بهية تهدئتها مطولًا بأنه ليس هناك مشكلة من الممكن أن ترتدي غيرها وبقعة الشاي تزول ليست من البقع الصعبة لكنها أبت ذلك وظلت تصرخ وتحدث نفسها إلى أن قالت...
-هو مفيش غيره...هو مفيش غيره..
سألتها بهية بعدم فهم وهي تنظر إلى الجانب الأخر ليس لها مباشرة:
-هو مين يا بنتي؟.
قالت ريناد بغيظٍ شديد حتى أنها كانت على وشك أن تبكي:
-هو دياب اللي بيطيقني مهما بان كويس هو مش بيطيقني وأكيد هو اللي عمل كده في اللبس والله ما أنا سايباه....
ردت عليها بهية محاولة تهدئتها قدر المستطاع:
-يا بنتي مين قالك كده بس، اهدي كده وأكيد في سوء فهم استني...
لكن أين ريناد التي تحدثها؟؟.
فهي ذهبت نحو باب الشقة وصمتت بهية تمامًا حينما سمعت صوت فتح وإغلاق الباب هنا علمت بأنها تحدث نفسها.
في الطابق الثالث...
كانت ريناد تضغط على الجرس بقوة...
إلى أن فتح دياب لها الباب، والدته مازالت نائمة أما حور ذهبت إلى دروسها وايناس مشغولة في المطبخ لذلك كان هو الوحيد الذي يجب عليه فتح الباب..
تحدث دياب ببلاهة وصوتٍ به بقية نوم:
-صباح الخير، في حاجة ولا إيه؟..
غمغمت ريناد بغضب واضح:
-أنتَ اللي وقعت الشاي على هدومي صح؟ وطبعًا كنت قاصد...
تمتم دياب نافيًا باستغراب كبير رغم أن الشك بدأ يراوده:
-وقعت إيه وشاي إيه؟ أنتِ بتتكلمي عن إيه؟؟.
صاحت ريناد رغمًا عنها:
-متستعبطش وتعمل نفسك مش عارف أنا بقولك أهو أنتَ اللي عملت كده..
تحدث دياب بنبرة غاضبة وبدأ يدرك بأن الشاي قد لطخ ملابسها وهو حتى الآن كانت مشكلته مجرد كوب سوف تبحث عنه والدته:
-لمي لسانك أنا بقولك اهو علشان مترجعيش تزعلي من اللي بعمله، وبعدين هو مفيش غيري ساكن في العمارة وفي البيت يعني ولا إيه؟
ردت عليه ريناد مستنكرة وهي تنظر له بغضب واضح:
-هو إيه اللي مفيش غيرك؟ مهوا فعلا مفيش غيرك فوقينا..
ابتلع دياب ريقه هاتفًا بسخرية نابعة من توتره:
-برافو بقيتي ذكية بس ده معناه لو مفيش غيري فوقيكم في ناس معايا في الشقة كمان..
قالت ريناد بحزن كانت على وشك أن تبكي حقًا:
-مفيش حد غيرك بيشرب شاي في البلكونة بليل أنا عارفة وكل يوم بسمعك..
دون وعي عقب دياب على حديثها بتهكم:
-بطلي ترمي ودنك أحسن..
صرخت ريناد في وجهه وهي ترفع سبابتها محذرة:
-احترم نفسك، متتكلمش معايا منك لله الحفلة هضيع عليا بسببك..
هتف دياب بغيظٍ كبير:
-اجيبلك هدوم على حسابي يعني؟ أنا من ساعة ما جيت وأنتِ بيكون عندك مشكلة في اللبس..
جاءت من الداخل إيناس بسبب الأصوات المرتفعة هاتفة بقلق:
-في إيه يا جماعة؟!..
ثم وجهت حديثها صوب ريناد ذات الوجة الأحمر من الغضب الذي يتملكها:
-ازيك يا ريناد عاملة أيه؟ تعالي اتفضلي..
هتفت ريناد وهي تشير نحو دياب:
-أنا زي الزفت بسبب أخوكي اللي مُصر يعكنن عليا.
تمتم دياب بنبرة غاضبة وهو يكز على أسنانه ولم يعطِ فرصة لشقيقته للحديث:
-يا بنتي أحترمي نفسك أنا بس ساكت علشان خاطر الست الكُبرة اللي تحت..
هتفت ريناد متهكمة وقد اتسمت بشراسة نوعًا ما أثر أحتكاكها بتلك الدائرة:
-طب متمسكش نفسك ووريني كده هتعمل إيه؟..ولا اقولك أنا غلطانة اني طلعت وعبرتك من أساسه...أنا ماشية يا إيناس وأسفة لو ازعجتكم كلكم ماعدا هو مش مشكلة...
أنهت ريناد حديثها بغضب ورحلت حتى تخبر صديقتها بأنها لن تأتِ إلى الحفل لأنه كان من الشروط الخاصة بالحفل ارتداء ملابس بيضاء، لكن هو أفسد مخططها كله....
بعد نزولها تحدثت إيناس بعدم فهم:
-أنتَ عملت إيه للبت خلاها تتجنن كده؟.
غمغم دياب باستهجان:
-أنا ولا عملت ولا نيلت سيبك منها، ويلا ادخلي حضري الفطار علشان أنزل....
______________
بعد مرور أسبوع تقريبًا...
يجلس نضال في المنزل يتناول فطوره بلا شهية...
ينتظر مكالمة من صديقه الذي يعمل في المعمل الذي اخبره بأنه سيرة نتيجة التحليل اليوم وسوف يخبره ويرسلها له...
كان زهران جالس على الأريكة هو الأخر وبين يديه خرطوم الأرجيلة يحاول الهدوء منتظرًا نتيجة التحليل هو الأخر...
صدع صوت هاتف نضال امسكه بأصابع مرتعشة ليجد اسم صديقه أمامه فأجاب على الفور...
-الو.....
"ازيك يا نضال عامل إيه".
رد عليه نضال بقلق كبير:
-سيبك مني وسيبك انا عامل إيه وقولي النتيجة طلعت؟!!..
"ايوة".💜
الفصل التاسع والعشرون من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
"هل الحب، حقًا شرط الشقاء؟
وهل الأعماق، وحدها، تُحدد سقف محبتنا؟
حينَ اقتربتَ كان القمر البرتقالي قد انخفض كثيرًا على سور الحديقة
كاد يلامس النخيل ونُعاس المصابيح
وكنتُ أعي تمامًا
أن المطر أقوى مني"
#مقتبسة
"شوّهتني الخيبات،
صنعت مني صمتًا أبكم لا يُبالي.
رسمت على وجهي ملامح لا أعرفها، غريبة عني.
حولتني إلى إنسان آخر،
عمره ستون خذلانًا، تتوشحه تجاعيد الفشل،
وتثقله آلام لا تحصى، وتدنيه كسور جمّة
كورقة خريفاً تائهة
لا جذور تستند عليها ولا ارض تلمُ شتاتها.
#مقتبسة
"مُثقل بشيءٍ لم أبوح بهِ، بشيءٍ مضى ولم يمضي بداخلي."
#مقتبسة
_______________
خرجت تلك الجملة المختصرة من فم نضال بعدما انتهت مكالمته وهو يخبر أبيه بالأمر...
"النتيجة ظهرت"
"ايوة إيه هي؟! قول يا نضال بلاش سكوتك ده يا ابني اتكلم قول النتيجة إيه؟"..
كان هذا تعقيب زهران على نضال...
طال صمته وطفح كيل زهران من الأنتظار...
يرغب في معرفة الحقيقة كاملة...
كان رد نضال عليه مختنقًا إلى حدٍ كبير:
"بـــنــتــك"
ابنته...
نعم ابنته....
هذا ما أقره التحليل...
أقر نتيجة شعوره تجاهها هو كان يشعر بأنها لا تكذب عليه، يعلم ان هذا ما قيل لها ورُبما هي ابنته حقًا.....
لم يراها انسانة مخادعة أتت من أجل عملية نصب واحتيال..
في الوقت الذي كان نضال يخبر فيه أبيه بالنتيجة.....
كان سلامة قد أتى هو وجهاد لأنهما يعرفان موعد ظهور النتيجة...
بمجرد أن عرف زهران النتيجة فقط وعيه أو لم يفقده بشكل صريح ولكن هناك حالة من الصمت الغريبة انتباته وكأنه في عالم أخر...
يستند برأسه ونصف جسدهه على المسند الخاص بالاريكة....
صاح نضال بتوتر وهو يمسك يد زهران خائفًا:
-بابا أنتَ سامعني؟ رد أو حرك ايدك أعمل أي حاجة طمني أنك كويس..........
غمغمت جهاد بتردد وعفوية كبيرة:
-احسن يكون عم زهران أتجلط بسبب اللي سمعه مهوا الموضوع مش سهل.
تمتم سلامة بغضب طفيف وهو يقف بجانب زوجته:
-يا بنتي اسكتي فولي كمان على ابويا يا جهاد هتجيبي الراجل الأرض، بت أنتِ وشك فقر عليا انا وأبويا أنا حاسس بكده..
هتف نضال محاولًا تمالك أعصابه قدر المُستطاع لم يكن ينقصه نسخة ثانية من سلامة وهي زوجته:
-اسكتوا أنتم الاتنين...
ثم وضع يده على وجه أبيه هاتفًا بخوف حقيقي لولا أنفاسه ونبضه لظن بأنه قد لقى حتفه:
-بابا رد عليا...
بعدما كان يستند زهران برأسه على المسند للخلف عاد مرة واحدة يجلس في نصف جلسة واستقام بظهره ثم أغلق عينه وفتحها هنا صرخت جهاد رغمًا عنها من حركته الغريبة تلك:
-بسم الله الرحمن الرحيم..
ثم قالت رغمًا عنها بجدية:
-خضتنا يا عم زهران..
تحدث سلامة مستنكرًا:
-يعني هو لما قام واتحرك اتخضيتي؟ ولما كان ساكت مش فاهمين إيه اللي حاصله كنتي مطمنة يعني؟؟
هتف نضال تاركًا سلامة وزوجته الأطفال الصغار الذي يعيش معهما في حالهما، فهو الآن يهتم فقط بشأن أبيه:
-بابا أنتَ كويس؟! اوديك مستشفى؟!..
كانت الجملة الوحيدة التي خرجت من فم زهران حتى الآن:
-هاتوهالي حد ينزل يجيبها...
....بعد مرور نصف ساعة....
كان نضال جالسًا على المقعد الخاص بالسفرة ويراقب الوضع بصمت مُريب، بينما سلامة وجهاد يجلسان بجوار بعضهما على الأريكة كلاهما عاقدًا ذراعيه بعدما هبطت جهاد وقامت بفتح باب الشقة على الفتاة وأخبرتها بأن تصعد معها...
بمجرد صعودها أخبرها زهران بأن النتيجة ظهرت وأنها ابنته، ومنذ صعودها تجلس بجواره...
وهو ينظر لها ويتأملها بشكل غريب لا يبعد عينه عنها بالمعنى الحرفي...
كانت مشاعره غير مألوفة أبدًا بالنسبة له....
فهو لا يستطع تفسيرها بوضوح..
هو سعيد بقدر ما هو غاضب مما فعلته تلك المدعوة وفاء ابنة خالة ميرفت به...من تسلطها على زوجته وبثها إلى سمها داخل عقلها...
كما قامت بتنفيذ مخططاتها...
حتى أنه غاضب من ميرفت نفسها..
بل مشتعل...
لكن كيف ينتقم منها؟!
أين هي الآن؟!!
لقد تم دفنها منذ وقتٍ طويل تاركة كارثة لا تغتفر أبدًا، لن يسامحها مهما حدث على إخفائها ابنته وتسجيلها باسم أخر...
أخر ينتظره بفارغ الصبر....
قالت وفاء بأعين قوية وهي تنظر إلى نضال:
-النتيجة ظهرت، مطلعتش ناوية أعمل عليكم حوار ولا جاية أنصب عليكم أنا جاية على حق...
أردف زهران بنبرة جادة:
-نضال وقتها مكنش يقصد..
رد نضال بنبرة غاضبة حقًا وهو يناظرها بغضب حقيقي مقاطعًا حديث والده:
-لا كنت أقصد معلش أصل مش كل يوم بيظهر لحد بنت بعد عشرين سنة واكتر، أصل معلش دي مش حاجة بنشوفها إلا في الأفلام وبس أكيد مكناش هنستقبل جنابك بالأحضان...
صمتت وفاء وهي تناظره بأعين محترقة هي الأخرى وغضب حقيقي تحاول كبته...
غمغم زهران بنبرة مترددة يحاول التخفيف من حدة الأجواء:
-بس أنا أول ما شوفتك كنت حاسس أنك هتطلعي بنتي والله..
زفر نضال بضيقٍ والده مصمم أن يصيبه بجلطة أو أن يجعله يفتل نفسه........
أما وفاء كانت تنظر إلى زهران نظرات عطوفة وهادئة لكنها أبعد ما يكون عن نظرات ابنة إلى والدها..
هي مازالت لا تشعر تجاهه بأي شيء...
لا تعلم حتى كيف ستكون علاقتهما..
أتت وهي متأكدة من صدق حديث والدتها وتعلم بأنها لن تكذب عليها في وقت هكذا، لذلك لم يكن لديها أي شك بأن هذا الرجل هو والدها...
لكنها لا تدرك كيف ستكون علاقتهما..
على ما يبدو أنه هو من تكيف بسهولة كبيرة....
عكسها هي وأولاده أو أشقائها حسب المصطلح والظروف الجديدة..
تحدث سلامة بنبرة خافتة ومغتاظة وهو يوجه حديثه إلى زوجته:
-بت يا جهاد.
ردت عليه جهاد باهتمام وهي تنظر له بعدما كانت تتابع ما يحدث كأنها كانت تشاهد مشهد سينمائي:
-في إيه؟!.
قال سلامة جملة بسيطة تعبر عما يتواجد بداخله من غيظٍ كبير:
-أنتِ كان معاكي حق يا بت جهاد لأول مرة بعترف أن معاكي حق وبتفهمي..
غمغمت جهاد بسخرية شديدة:
-والله؟!.
تمتم سلامة بجدية وكأنه عاد طفل صغير:
-ايوة البت دي مش سهلة وكان معاكي حق، أنا فعلا بقيت مش مرتاح ليها علشان ابويا شكله اتجنن بيها ونسينا...
أردفت جهاد بانزعاج:
-بس يا سلامة بقا الموضوع مش ناقصك انتَ بتهزر، ده أنا خايفة من نظرات أخوك نضال حاسة شوية وهيقوم يبلعنا..
قاطع حديثهما صوت زهران وهو يهتف:
-أنا هتصل بيهم يجيبوا لينا غداء هدوقك بقا احلى مشويات ممكن تأكليها في حياتك من مشويات خطاب ولحمة من جزارتنا ومن النهاردة تأكلي معانا بقا بدل ما تأكلي لوحدك تاكلي مع أبوكي واخواتك..
تمتم سلامة بجدية:
-اه طبعًا هنأكل معاكم..
ثم أسترسل حديثه بنبرة خافتة سمعتها زوجته فقط:
-ما أنا مش هسيب ابويا ليها أنا أخر العنقود وهفضل أخر العنقود غصب عنها ومحدش هيأخد مكاني..
نهض نضال من مكانه ثم أخذ ميدالية مفاتيحه وهاتفه متوجهًا صوب باب الشقة واستوقفه زهران الذي كان التقط هاتفه حتى يتصل بـ مصطفى الذي يكون متواجد الآن في العمل بعد دياب...
هتف زهران بعفوية شديدة:
-رايح فين يا ابني ما تخليك معانا علشان تتغدى...
قال نضال بلا مبالاة ظاهرية قبل أن يرحل ويترك المكان:
-لا اتغدوا انتم...
بعد رحيل نضال..
وأثناء مكالمة زهران للشاب تحدث سلامة موجهًا حديثه إلى وفاء:
-منورة.....
ردت وفاء عليه بفتور:
-بنورك..
______________
رحلة طويلة وعميقة من البحث......
رحلة لا تنتهي من العد...
فهي تكرر العملية أكثر من مرة على أمل أن تكون مخطئة فتقوم بالعد مرة أخرى وكأنه سوف يظهر لها..........
منذ أسبوع وهي تلاحظ اختفاءه...
جاءت إيناس من الخارج وهي ترتدي تنورة سوداء وكنزة مزركشة بالعديد من الألوان من بينها الأسود وترتدي طرحة سوداء وحقيبة جلدية استعرتها من شقيقتها الصغرى مثل التنورة...
فأصبحت ترتدي ملابسها الآن كونها أجدد من الملابس التي تتواجد عندها على عهد بأنه أول راتب سوف تقوم بشراء الملابس لهما...
-بتعملي إيه يا ماما؟!.
كانت جميع الأكواب التي تقوم باستعمالهم أو حتى موجودين في الخزانة الخشبية كانت قد أخرجتهم من مكانهم وتقوم بالعد...
-بدور أصل في كوباية ناقصة، هو أنتِ كسرتي حاجة؟!.
هزت إيناس رأسها نافية ثم أجابت عليها بثقة:
-لا والله مكسرتش حاجة آخر حاجة كسرتها الطبق الصيني اللي من اسبوعين ده وقولتلك وقتها.
قالت حُسنية بغضب حقيقي:
-اخرسي متفكرنيش بعملتك...
ثم سألتها سؤال روتيني حتى لو تعرف إجابته:
-رايحة الشغل خلاص؟!
هزت إيناس رأسها بإيجاب فهي قد بدأت العمل منذ خمسة أيام تقريبًا والآن هي في فترة التدريب بعد أكثر من استخارة قامت بها وتفكير طويل...
-أيوة رايحة، جواد وجنى لسه نايمين لو صحيوا وعملوا أي حاجة كلمـ
قاطعتها والدتها ساخرة وغاضبة بسبب أمر الأكواب:
-متخافيش عليهم مش كل يوم نفس البوقين العيال كويسين وزي الفل وبيسمعوا كلامي ومسليني والله خليكي في نفسك بقا وركزي في شغلك وامك تقعد بعشر عيال مش عيلين متخافيش عليا...
كانت إيناس تجد هذا الحل مؤقت...
إلى حين أن تنتهي فترة التدريب وبعدها سوف تقوم بوضع أطفالها في الحضانة أولا ومن بعدها إلى الروضة....
طليقها لا يرسل النقود الكافية حتى تفعل هذا حتى أنه تارة يرسل وتارة لا يرسل وهي لا تسأله ابدًا عن أي شي...
أقتربت إيناس منها وتركت قُبلة على وجنتي والدتها ثم هتفت:
-قدها وقدود يا روحي بس لو في أي حاجة كلميني برضو يلا باي...
-مع السلامة يا حبيبتي ربنا معاكي ولما توصلي المستشفى رني عليا.
-تمام يا حبيبتي..
خرجت إيناس من المطبخ لتجد دياب في الرواق كان على وشك أن يدخل إلى المطبخ وسألها بصوتٍ ناعس:
-امك بتزعق ليه على الصبح؟!.
قالت إيناس بتلقائية وهي تخبره أثناء وضعها الهاتف في الحقيبة:
-أبدًا بتقول في كوباية ناقصة وهي متعرفش هي فين..
شحب وجه دياب لأنها بالتأكيد تبحث عن الكوب الذي أطاح به منذ أسبوع ولكنه حاول تغيير الموضوع هاتفًا بسؤال امه:
-نازلة خلاص؟!.
غمغمت إيناس بنبرة هادئة على ما يبدو الخمسة أيام لم تجعلهم يعتادون على غيابها:
-اه خلاص نازلة بقا يدوبك أنزل واستنى الاتوبيس...
أخرج دياب من جيبه بضعة ورقات ومد يده لها لتنظر له بعدم فهم:
-طيب خدي..
أردفت إيناس بخجل طفيف وكأنها طفلة صغيرة تأخذ النقود من والدها:
-ملهوش لزوم يا دياب أنا اصلا الفلوس اللي اديتهاني من يومين لسه مخلصتش.
قال دياب بنبرة جادة:
-مش مهم أنتِ رايحة حتة بعيدة افرضي عوزتي تأكلي أو تشربي، تعملي أي حاجة، أو حتى حصل أي ظرف مينفعش تكوني ماشية بفلوس على القد...
ترقرقت عين إيناس بالدموع رغمًا عنها:
-تسلم يا دياب ربنا يخليك لينا يارب...
-ويخليكي يلا خدي الفلوس وامشي علشان متتأخريش......
تمتمت إيناس بنبرة هادئة:
-ماشي على العموم أنا خلصت كل حاجة وجهزت الاكل أول ما ارجع ان شاء الله هسويه علطول..
-روحي أنتِ ومتشغليش بالك بحاجة...
...بعد بضعة دقائق...
رحلت إيناس وولج دياب إلى المطبخ مع والدته وها هو يقوم بالبحث معها عن الكوب الذي قام هو بكسره........
-يا امي يمكن اتكسر من البت إيناس وهي بتغسل المواعين وخايفة تقولك أو حد من عيالها في إيه دي كوباية يعني هجيبلك ستة غيرهم..
غمغمت حُسنية بنبرة غاضبة وحادة:
-اخرس خالص، أنتَ تعرف كوبايات زمان وخامة زمان حلوة ازاي عن دلوقتي؟!.
رد عليها دياب متهكمًا:
-ليه خامة دلوقتي بتوبر يعني يا أمي ولا بتنسل؟! دي كوباية ازاز بلاش تعصبي نفسك على الفاضي...
تجاهلت حُسنية حديثه وأخذت تفكر قائلة بصوتٍ مسموع:
-اومال هتكون راحت فين بس يا بت يا حُسنية..
ثم رفعت بصرها وخطر على بالها فكرة وهي تمسك دياب من ياقة قميصة رغم فارق الطول بينهما:
-تعالى هنا؟..
تمتم دياب بتوتر:
-في إيه بس يا امي؟!.
-في إيه؟! أنتَ اللي في إيه؟! أنتَ اللي كسرت الكوباية صح؟! الكوباية الناقصة هي اللي أنتَ بتاخدها البلكونة أنا ازاي راحت عن بالي وأنتَ قاعد تستعبط وتدور معايا يا بجح...
غمغم دياب بارتباك طفيف:
-استني بس اشرحلك.....
_____________
ولجت إيناس من بوابة المستشفى الضخمة....
صدقًا الحديقة والبوابة كفيلة أن تجعلك تشعر بأنك تدخل إلى واجهة فندقية نوعًا ما لكنها تظل مستشفى مهما بلغت من الرعاية لا يأتيها إلا من أصابه مرض وعلة...
تسمع بوق السيارة كونها ولجت من البوابة الخاصة بالجراج لأنها الأقرب ولم تدخل من البوابة التي تخص الاستقبال والطوارئ فهي تختصر الطريق نوعًا ما بتلك الطريقة حسب منطقها.......
توقف جواد فجأة بالسيارة قبل أن يصطدمها بسبب تلك الفتاة التي تسير أمامه بطريقة غير منتظمة وكأنها لا تسمع تحذيراته لها...
شهقت إيناس حينما سمعت صوت احتكاك إطار السيارة بالأسفلت واستدارت لتجده يهبط من السيارة وصدقًا كان ينوي جواد أن يعطيها درس عن كيفية سيرها أو عمل شجار من أجل سير فتاة هنا فهذا ليس مكان للسير إلى الداخل بل هو مكان من أجل انتظار السيارات ولا يدري كيف قام الأمن بدخولها من هنا؟!...
كان على وشك الشجار لولا أنه رأها وعرفها ليغمغم:
-مش سامعة كل ده؟!.
كانت الكلمات تنص على توبيخ صريح أو سخرية...
لكن في الحقيقة هو له طريقة في الحديث ونبرة تجعلك تشعر بأن الذم منه قد يصبح مدحًا من كثرة لباقته ورزانته في الحديث..
ردت عليه إيناس بنبرة مقتضبة ولكنها حاولت أن تكون لينة إلى حدٍ ما لأنها لا ترغب في خسارة عمل لم تبدأ فيه من الأساس:
-معلش ماخدتش بالي...
-أنتِ داخلة من هنا ليه؟!.
غمغمت إيناس وهي تعقد ساعديها تتجنب النظر له فهي لا تحب عموما التواصل البصري الصريح بينها وبين أي شخص، تحديدًا لو كان غريبًا:
-كده أقرب بالنسبالي...
عقب جواد متصنعًا عدم المعرفة:
-قسم الأورام اللي فيه مكان الـ sessions بتاعت والدتك بعيد عن هنا وقريب من الملحق أكتر.
نظرت له اينا٥س باستغراب...
ألا يعرف بتعينها في المستشفى الخاصة به؟!
صدقًا لا يعرف؟!
يبدو أن تلك الأمور الصغيرة لا يهتم بها على ما يبدو..
هي لا تعرف كيف يدير الشخص أملاكه...
من الممكن أنه لا يعرف حقًا...
قالت إيناس مخبرة أياه بتردد:
-أنا داخلة على الاستقبال اللي جنب الطوارئ أنا بدأت شغل من كذا يوم..
هز رأسه متصنعًا التذكر:.
-اه يبقى أنتِ البنت اللي جيتي جديد بدل يمنى..
هزت رأسها بإيجاب مغمغمة:
-أيوة أنا، وعن إذنك هتأخر لو مفيش مشكلة.
رد عليها جواد بنبرة عملية وهو ينظر إلى السيارة التي تقف خلف سيارته وتعجز عن المرور بسبب توقفه في منتصف الطريق:
-مفيش مشكلة بس هيبقى في مشكلة لو دخلتي من هناك تاني ادخلي من البوابة اللي المفروض تدخلي منها، اتفضلي علشان متتاخريش، اتمنى يكون يومك كويس...
أنهى حديثه وعاد يركب سيارته..
وهي سارت بخطوات سريعة نحو الداخل بسرعة فهي تأخرت بالفعل ولا يجب عليها أن تتأخر أكثر من ذلك...
وتتمنى بأنها تقضي يومًا جيدًا كما قال...
_____________
بعد العصر..
يجلس نضال مع دياب في المقهى...
جسده مع صديقه لكن عقله في مكان أخر مع سلمى....
رغم مرور بضعة أيام على تلك المكالمة بينهما وهو غاضب منها حتى أنه لم يراها خلال تلك المدة فقط بينهما مكالمات طفيفة جدًا ليست طويلة...
كان غضبه يخرجه بتلك الطريقة...
وكان ينتظر منها اعتراض أو حتى تسأله هل هناك شيء يزعجه؟!...
نعم هو لم تجاهلها بشكل كلي لكن كان يجب عليها أن تشعر بأن طريقته قد اختلفت....
لكنها استمرت تحاول الحديث معه ومواساته وكان ظنها كله بأن هذا التغيير رُبما نابع من قلقه من النتيجة التي عرفتها وبأن تلك الفتاة أصبحت شقيقته لذلك ظنت بأن هذا هو ما جعله يختلف في طريقته معها بالتأكيد الأمر ليس سهلًا عليه، فلم تحاول سلمى الضغط عليه كثيرًا..
تمتم دياب خارجًا عن صمته بعدما أنتهى الشاي الخاص به ومازال نضال صامتًا:
-اطلب واحد شاي تاني طيب ولا إيه؟! أصل الأولاني خلص وأنتَ منطقتش بكلمة واحدة حتى..
غمغم نضال بنبرة مكتومة وهو يناظر صديقه بنظرات عادية:
-عايزني انطق أقول إيه يعني يا دياب؟!.
رد دياب عليه بنبرة جادة وهو يخبره وهو يلوح بيده:
-هتنطق تقول إيه يعني؟! هتحب فيا مثلا؟! اتكلم قول إيه اللي مخليك قالب سحنتك كده، ما خلاص الموضوع اتأكد أنها أختك...
الحق يقال بأن هذا الأمر يغضبه أيضًا ولكن الآن تحديدًا في تلك اللحظة يفكر في أمر سلمى التي أصبحت تغضبه إلى حدٍ كبير...
سمع دياب يسترسل حديثه باستغراب:
-خلاص فكها بقا وسيب الأمور تمشي زي ما تمشي مش هتقعد تفكر وتضايق نفسك يعني التفكير ده أخرته إيه؟! غير حرقة دم وحرقة أعصاب..
رد عليه نضال بنبرة مختصرة:
-كل حاجة بتحرق دم الواحد والله.
تمتم دياب بهدوء شديد:
-يبقى ريح دماغك وافصلها كده الهموم والتفكير مبيخلصش مهما عملنا فلازم نهدى كده..
هتف نضال بنبرة ساخرة:
-والله النصايح الصح من الشخص الغلط بس ماشي حاضر هحاول..
نهض دياب من مكانه ثم غمغم:
-ماشي حاول أنتَ بقا علشان أنا رايح البيت اتغدى واريح شوية علشان بعدها أنزل على التوكتوك...
تمتم نضال بلا مبالاة وهو يأخذ رشفة من كوب الشاي الذي يتواجد أمامه الذي فقد حرارته:
-ماشي أهم حاجة فضي نفسك بكرا علشان نروح نكتب العقد الراجل استنى كتير أوي وواحد غيره كان زمانه باعه..
رد عليه دياب بنبرة جادة:
-ماشي وبعدين هو لو كان لاقي بيعة حلوة كان باعه بالرغم من العربون..
تحدث نضال بنبرة واضحة:
-ده اكيد لو كان لاقي عرض وفلوس أحسن كان عمل كده بس برضو متستهونش بالمكان أنه عليه الطلب وأنا اتفقت معاه أننا جايين بكرا..
-تمام ماشي أنتَ قاعد ولا إيه؟!.
رد عليه نضال ببساطة:
-هطلب شاي غير ده علشان برد وبعدين رايح مشوار كده متشغلش بالك أنتَ وروح بيتك علشان تلحق ترتاح شوية...
ثم نظر على الكيس البلاستيكي الذي بين يديه وكان يتواجد أسفل الطاولة ولكنه لم يراه سوى الآن:
-إيه اللي أنتَ شايلة ده؟.
غمغم دياب ساخرًا:
-كسرت كوباية لأمي فجايب ليها ستة تعويضًا...
...بعد مرور عشر دقائق...
كان دياب يصعد على الدرج وبعدما تخطى طابق بهية ببضعة درجات استوقفه صوت أنثوي...
"ديــاب"
لم يكن هذا الصوت إلا صوت ريناد التي كانت أتت من جامعتها هي الأخرى ورأته يصعد على الدرج...ومنذ ذلك اليوم ولم يراها بعد شجارهما الغريب من نوعه....
أستدار دياب هاتفًا ببساطة وكأنه لم يحدث شيء بينهما:
-ازيك عاملة إيه؟!.
ردت ريناد عليه بحماقة وهي تخرج المفتاح حتى تفتح باب الشقة:
-ملكش دعوة أنا عاملة إيه..
غمغم دياب بغضب تلك المرة فهي أحرجته حقًا:
-هو أنتِ تعبانة في دماغك يا بنتي؟! ده أنتِ اللي نديتي عليا..
ردت عليه ريناد بعدما فتحت الباب:
-نديت عليك علشان أقولك إني من فترة كنت بعتالك add على الفيسبوك وأنتَ مقبلتهوش...
لا يعطي دياب أي تركيز لحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي لذلك رد عليها ببساطة حتى لا يحرجها:
-هدور عليه وهقبله معلش مشوفتهوش..
ابتسمت ساخرة وهي تخبره بحماقة:
-لا ملهوش لزوم أنا لغيته من أسبوع..
أنهت حديثها وولجت إلى الشقة صافعة الباب خلفها وهو مذهولًا من تلك الفتاة المجنونة..
أصبحت تلك الفتاة تصيبه بالغيظ الشديد ولكنها لا تزعجه....
هي شيء غريب لا يستطيع تصنيفه هي ليست مجرد جار يعيش دون الاحتكاك به بل شخص يؤثر ومتأثر به بشكل يلاحظه....
تأفف منزعجًا ثم أستكمل سيره نحو شقته...
_______________
أنهى جلسته مع دياب وقام بالاتصال بها...
كانت في الوقت نفسه في عملها بعدما انتهى و على وشك أن تأخذ حمام وتغير ملابسها لكنها قررت أن تذهب إلى حيث يتواجد هاتفها...
وجدته يتصل ولم تكن المرة الأولى على ما يبدو..
-ألو.
جاءها صوت نضال المتحفز كعادته الأيام الماضية:
-إيه مبترديش ليه؟!.
ردت عليه سلمى وهي تبرر له بتلقائية شديدة:
-كان عندي كلاس والموبايل كان بيشحن، في حاجة ولا إيه؟!..
تمتم نضال بنبرة باردة:
-مفيش حاجة، أنا بس كنت بطمن عليكي وكنت زهقان وعايز نخرج إيه رأيك؟!.
منذ أيام اشتاقت له ولم ترى حتى وجهه ولم يأتِ لرؤيتها وهذا شيء أصابها بالضيق كأنه قد فقد الشغف والرغبة تجاهها مرة واحدة بعدما كانت تلاحظ اهتمامه الشديد بها..
ومرة واحدة يرغب في الخروج معها...
هل يتعاطى أحدى المخدرات المنتشرة تلك الفترة بين الشباب؟!.
قالت سلمى بكبرياء رغمًا عنها:
-معلش أنا تعبانة وعايزة أروح وبعدين أنتَ ليه مقولتش من امبارح كنت ظبطت اموري.
أتاها صوته ساخرًا من الهاتف بقوة:
-هو انا بطلب منك تأشيرة لكندا؟! أنا بقولك نخرج أمور إيه اللي هتظبطيها؟.
حاولت الإجابة بالرغم من سخريته:
-كنت عرفت ماما وكنت أبقى عارفة إني خارجة وبعدين أصلا هنروح فين؟.
قال أول شيء أتى في عقله لأنه يعرف بأنها سوف تتخذها حجة بأنها لا تريد تناول الطعام ولن تذهب إلى مطعم:
-سينما.
قالت سلمى برفض صريح:
-أنا اصلا مليش في جو السينما والكلام ده.
-هو إيه اللي ملكيش في الجو ده؟ وحتى لو ملكيش، إيه المشكلة تشاركيني حاجة أنا عايزها؟
كانت ترغب في قولها بصراحة بأنه يعاملها بطريقة مزاجية ترفضها لكنها لأول مرة في حياتها تكبح لسانها السليط بصعوبة شديدة فلم تعقب على كلماته تلك بل ساد الصمت بينهما لمدة ثواني مما جعله يسترسل حديثه هو بنبرة كاذبة فهو لم يحجز أي شيء:
-أنا حجزت تيكت سينما في مول *** الساعة ستة، هاجي اخدك ونروح بعد ما اتصل بطنط يسرا أخد موافقتها الأول لأنك حتى لو مراتي أنتِ لسه في بيت أهلك وعلشان متاخديش الموضوع حجة..
سألته سلمى متهكمة من الوضع:
-يعني أنا مليش رأي؟!
-لا يعني مش بالظبط بس هو حاجة شبة كده، يلا سلام....
..بعد مرور ساعة ونصف..
كانت تناولت الطعام معه قصرًا وتجلس معه في صالة السينما...
كان الفيلم مصريًتا قام بحجزه بطريقة عشوائية من الدرجة الأولى من على الموقع، يكاد يجزم بأنه لم يرى اسم الفيلم هو فقط كان يرغب في حجز أي شيء حتى لا يظهر كاذبًا في نظرها...
تجلس سلمى بجواره على أحد المقاعد وبجانبها يجلس شاب ما، وبجواره هو يجلس شاب أخر ولا يدري لما كان يرغب في أن يغير المكان لكن على ما يبدو أن المكان مزدحم جدًا اليوم...
تحدث نضال معقبًا بسُخطٍ وصوتٍ مسموع لها:
-هو النهاردة السينما زحمة كده ليه؟! أنا اخر مرة جيت مكتتش الدنيا زحمة كده ونادرا ما السنيما في المولات تكون زحمة إلا لو في عيد أو فيلم لسه نازل جديد..
تمتمت سلمى بعدما وضعت أحد المقرمشات في فمها:
-عادي اتفرج وخلاص...
هتف نضال وهو يلقي بصره ناحية الشاب الذي يتواجد على المقعد الذي يجاور سلمى رغم أن المقاعد مريحة وليست ملتصقة ببعضها بطريقة واضحة بل هناك مسافة مناسبة وأمنة لكنه لا يشعر بالراحة:
-بقولك إيه ما تيجي تقعدي مكاني أحسن إيه رأيك؟!.
ردت عليه سلمى بعدم فهم:
-ليه ما أنا مرتاحة هنا..
-معلش أنا مش مرتاح..
قامت بالفعل سلمى بتبديل المقاعد معه رغم عدم إدراكها ما الذي يحدث لكنها لا ترغب في الجدال أكثر وأن يسببا إزعاج للأشخاص الموجودين بجوارهم...
بعد مرور بضعة دقائق تحدث نضال:
-يلا نمشي يا سلمى..
تحدثت سلمى بعدم فهم:
-نمشي ليه؟!! احنا لسه في نص الفيلم مادام جينا ما نكمل أنتَ مش كنت عمال طول الطريق تقول نفسك تشوفه وتدخله من بدري...
نهض وهو يمسكها من كف يدها:
-معلش غيرت رأيي يلا...
خرجت معه سلمى من القاعة رغم رغبتها في الصراخ في وجهه فهي لا تفهم ما الذي يصيبه بالفعل....
بمجرد خروجهما غمغمت سلمى بانفعال واضح وهي تناظره بغضب:
-أنتَ مالك في إيه؟!! هتموت وتدخل الفيلم ومدخلني غصب عني ولما يعجبني الفيلم تقولي يلا؟.
رد عليها نضال ببساطة شديدة:
-الراجل اللي كان قاعد جنبك مش مريحني وحسيت إني اتخانقت وعايز امشي إيه المشكلة يعني؟؟..
لم تستوعب غيرته في أمر هكذا وهي ترد عليه بقوة وترفع سبابتها في وجهه بعدما سحبت كف يدها من يده:
-الراجل معملش حاجة أصلا، وبعدين احنا مش في سينما تحت السلم، والكرسي بتاعه فين وأنا فين؟؟؟ أنتَ بتهرج بجد...
تحدث نضال بغضب ولم يتمالك نفسه:
-لا مش بهرج وأنا حر لما أحس اني في حاجة مش مريحاني مش لازم تقعدي تجادليني وبعدين أنا عارف إنه معملش حاجة مجبتيش التايهة يعني أنتِ فاكرة أنه لو كان عمل حاجة كنت هسكت واقولك يلا ونمشي ليه شايفاني أريل؟...
قالت سلمى بنبرة جادة لا تقبل النقاش أو الحديث في أمور كهذه تغضبها وتوترها:
-مفيش حاجة أصلا تستدعي أنك تغير أو تعمل كده...
على العكس لم ينفِ نضال غيرته أبدًا وهو يخبرها بنبرة عالية لا تجذب الأنظار ولكنها ذات نبرة أعلى من حديثه السابق:
-أنتِ دخلتي جوايا؟ ولا هتحددي إيه اللي هيخليني أغير عليكي ومغيرش؟! وبعدين انتِ تعرفي عني إيه اصلا؟..
ردت عليه سلمى بقوة:
-أعرف انك بتعاملني بمزاجك، بقالك أيام مشوفتش وشي ومش بتكلمني زي الأول وطريقتك كانت غريبة بعد ما كنت كل يوم تقريبًا تيجي الشغل...
كان يعاتبها وهو يقول:
-كويس أنك مدركة لده، ده معناه أنك أكيد ضايقتيني أنا مش مختل عقليا ولا مجنون علشان اعمل كده من نفسي، ولو كنتي عايزة تشوفيني كنتي زي الحلوة عديتي عليا مكاني معروف كل يوم لكن أنتِ معملتيش كده..
تحدثت سلمى بهياج واضح ونبرة مشتعلة:
-وأنا هجري وراك يعني؟! وبعدين أنا معملتش حاجة تضايقك من أساسه علشان تقول وتعمل كده..
رد عليها بعناد واضح:
-لا عملتي.
سألته سلمى ساخرة وعدم تقبل هذا الاتهام:
-عملت إيه ان شاء الله؟!.
تمتم نضال بنبرة غاضبة:
-عملتي أنك رجعتي تكلمي صاحبتك اللي اخوها كان عايز يتقدملك واه أنا من يومها متغير معاكي والغريبة أنك مش مدركة ده...
كانت سلمى تنظر له ببلاهة هي كانت على وشك نسيان الأمر..
فكيف له أن يتحدث عنه؟!..
ويخبرها بأن هذا ما ازعجه؟!!!.
كيف يتذكر الأمر؟
-وهو المفروض أقاطعها العمر كله؟! وبعدين صاحبتي دي أنا بشوفها كل فين وفين بالصدفة من ساعة ما سابت الشغل، وقولتلك أن الموضوع اتقفل احنا حتى مش بنتكلم أصلا كل يوم، ده هي أخر مرة كلمتني اللي اتصالحنا فيها ازاي اصلا تفكر في الموضوع بالطريقة دي..أنا عارفة حدودي كويس جدًا...
تمتم نضال بنبرة غير هادئة وجادة:
-صوتك عالي...يلا نروح ونكمل كلامنا في العربية.
تحدثت سلمى بلهجة حادة من شعورها بالغضب الله وحده يعلم كيف كان هذا التجاهل يقتلها بعدما اعتادت عليه، أصبح جزء لا يتجزأ من يومها وتخشي أن يتم بتره بعدما قامت بالاعتياد عليه بتلك الطريقة:
-لا أنا مش عايزة أتكلم في حاجة...روحني...
______________
في اليوم التالي...
على العكس تمامًا..
بعدما ظهرت نتيجة التحليل كان سلامة غير متقبلًا لما يحدث...أو لا يدري هل هو غضب حقيقي أم شعور بعدم الفهم وما الذي سوف يترتب عليه القادم؟؟
لا أحد يعرف ما هي الخطوة القادمة..
فقط ما يحدث منذ ليلة أمس محاولة لاستيعاب تلك الحقيقة المؤكدة.
عاد اليوم من العمل برفقة جهاد التي أخبرته لليوم الذي لا يعرف عدده بأنها تشعر بالارهاق ولن تستطع صنع الطعام وكان اقتراحها الذي يحفظه عن ظهر قلب وقام بالعمل به لأكثر من مرة:
-نطلب أكل من برا وخلاص...
صاح سلامة مستنكرًا بغضب واضح:
-هو كل يوم هنطلب أكل من برا أنا زهقت من الموضوع ده..
ردت عليه جهاد بغيظ وضيقٍ من طريقة حديثه:
-اعمل إيه؟ ما أنا برجع من الشغل تعبانة زيي زيك..وبعدين أنا مبعرفش أعمل أكل وأنتَ عارف كده مش مخبية عليك حاجة يعني...
غمغم سلامة بغضب واضح:
-هو إيه اللي زيي زيك؟ وبعدين مبتعرفيش تعملي أكل ده معناه أنك تحاولي تشوفي كام فيديو مش معناه أنك كل يوم تأكلينا من برا دي مبقتش عيشة دي، يوم والتاني والتالت وعشرة كلنا من برا، إيه كل يوم هنأكل من برا ما أنتِ كل يوم هترجعي تعبانة...
أردفت جهاد بنبرة متوترة وهي تحاول قول أي شيء:
-ما تجرب أنتَ تحط نفسك مكاني لما ترجع من الشغل مطلوب منك تدخل على المطبخ علطول علشان تعمل أكل...
تمتم سلامة بنبرة منفعلة بعض الشيء يحاول بقدر الإمكان تمالك أعصابه:
-ولا احط نفسي مكانك ولا محطش نفسي مكانك أنا عايز حل للموضوع ده احنا داخلين في شهرين على نفس الحال هي مرتين بس اللي عملتي فيهم أكل وأمك اللي كانت بعتاه سخنتيه بس.
هتفت جهاد محاولة كسب استعطافه:
-برجع تعبانة والله وبعدين أنتَ بتكون عايز تأكل علطول أو أول ما نيجي مش عايز تستني اريح وأنام ساعة وبعدين اقوم اعمل الأكل..
أردف سلامة ساخرًا:
-وماله صح نأكل على قبل الفجر علطول عقبال ما تعملي كل ده...
ثم قال بنبرة جادة لا يستعملها كثيرًا وهو يلوح لها في الهواء بيده:
-سيبي الشغل مدام مش عارفة تعملي الحاجتين...
جحظت عينا جهاد هاتفة بعدم تصديق:
-أنتَ بتتكلم بجد يا سلامة عايزني أسيب الشغل؟! إيه اللي بتقوله ده بجد أنا مش مصدقاك...
صاح سلامة بعدم فهم وهو يخبرها:
-جرا إيه يا جهاد هو أنتِ وزيرة التضامن الاجتماعي؟! مدام مش عارفة توفقي بين الاتنين خلاص اقعدي في البيت وارتاحي وشوفي حياتنا أحسن، بلاش فرهدة ملهاش لازمة...
غمغمت جهاد بنبرة واضحة:
-الشغل ده كيانــ
قاطعها سلامة متهكمًا:
-أرجوكي بلاش الكلام اللي ملهوش لازمة ده كلمة واحدة مش قادرة ترجعي تشوفي طلبات بيتك كما يجب بسبب الشغل سيبيه أنتِ محتاجاه في إيه؟
أردفت جهاد في نبرة ثائرة رغمًا عنها وقد هبطت دمعة من عيناها مرة واحدة وهي تتذكر شريط حياتها مرة واحدة أمام عيناها، لامس جرح دون أن يقصد:
-يعني أنتَ قصدك إيه ان شاء الله؟! قصدك علشان كنت محتاجة لده قبل ما اتجوزك فكنت بشتغل لكن غير كده أنا مكنتش هشتغل لازم أكون محتاجة فلوس وبس لكن دلوقتي أنتَ هتصرف عليا فـ ليه اشتغل؟! شكرًا يا سلامة اثبتلي أن زيك زي كل الرجالة....
أنهت حديثها ورحلت صوب غرفة النوم وهو لم يستوعب.....
فقامت بتغيير حديثه بل قامت بخلق قصة ومقصد أخر غير ما كان يقصده وفي الحقيقة هو لم يكن أبدًا الآن يمتلك من الصدر الرحب ما يجعله يقوم بالحديث معها هو غاضب بما يكفي أساسًا لذلك قرر أن يهبط من هنا وقبل هبوطه صاح مستنكرًا:
-أيوة استعبطي ونكدي وطلعيني غلطان، أقلبي الترابيزة...
...بداخل الحجرة...
كانت جهاد تجلس على الفراش وهي تبكي بعدما سمعت صوت إغلاق باب الشقة وعلمت أنه هبط، لذلك أمسكت هاتفها وقامت بالاتصال على الفور بالشخص الصحيح رُبما من وجهه نظرها وهي شقيقتها سلمى من دون أن تفكر..
-ألو يا سلمى، أنتِ نمتي ولا إيه؟!.
ردت عليها سلمى بصوتٍ خافت:
-لا لسه منمتش، مال صوتك..
-أنا اتخانقت مع سلامة...
سمعت صوت سلمى بقوة:
-والله؟ عملك إيه الباشا والله لاوريه، قوليلي عملك إيه ده انطقي.
-أمك صاحية الأول بس؟.
ردت عليها سلمى بغضب مكتوم:
-أيوة بس بتتفرج على التلفزيون برا أنا في الأوضة قوليلي بقا في إيه؟.
_________________
تقوم سامية بترتيب المنزل..
منذ عودتهما من السفر تعيش يوميًا في حالة غريبة من الفوضى فهى لم تعتد تنظيف المنزل أو ترتيبه كان دومًا تلك الأمور تخص والدتها ولا تدخل بها إلا نادرًا..
لذلك كان هذا مجهود شاق جدًا عليها ولأن حمزة رجل فوضوي غير منظم على الإطلاق يبعثر المكان لأي سبب مهما كان بسيطًا مثل بحثه عن أحد الأشياء الخاصة به الذي ينسى مكانها...
لم تأتِ والدتها سوى مرة واحدة بعد عودتها من السفر بسبب شعورها بالضيق من مقابلة زوج ابنتها، هو لا يصدر منه أي رد فعل حقيقي تجاهها ولكنها مازالت لا تشعر بالراحة تجاهه ولكنها تستمر بالوقوف مع ابنتها تحت أي ظرف..
كانت سامية في إجازة من عملها...
قبل زفافها ببضعة أيام قامت بـ نشر منشور لها وهي تخبر جميع متابعينها بأنها سوف تأخذ إجازة لا تدري متى سوف تنتهي من أجل زواجها...
لأنها كانت ترغب في أن تكون متفرغة له، لكنه يهبط في الصباح ولا يعود إلا بعد منتصف الليل، وهذا ما يجعلها طوال اليوم تتحدث مع والدتها في الهاتف أو أحدى صديقاتها التي عاودت للتواصل معها...
لكنها الآن تتحدث مع والدتها...
-يعني طلعت بنته بجد؟ إيه المصيبة والقرف ده هو اللي كان ناقص فعلا عمي يطلع عنده بنت..
ثم قالت بتفكير عميق:
-الحوار ده مش داخل دماغي يا ماما مش يمكن تكون نتيجة التحليل غلط؟..
جاءها صوت انتصار وهي تخبرها بما حدث:
-المعمل بتاع صاحب نضال واستحالة يكون في غلط يعني، واللي سمعته أن التحليل ده يعني مش بيطلع نتيجة وخلاص هو يا يمين يا شمال ومن الصعب يكون غلط ونضال مش عبيط..
غمغمت سامية بنبرة غريبة:
-هتلاقي نضال مش لا حامي ولا على بارد يستاهل.
أردفت انتصار بعتاب:
-لمي نفسك يا سامية ولا ليكي دعوة ولا بنضال ولا بغيره وعمك وعياله ربنا يعينهم على اللي هما فيه، المشكلة بس أن البت متسجلة باسم راجل تاني ومحدش عارف هيعملوا إيه في الحوار ده..
غمغمت سامية باستسلام ظاهري أمام والدتها فقط:
-معرفش بقا ربنا يسترها.
-امين يارب، المهم أنتِ عاملة إيه؟ وإيه الدنيا معاكي يا حبيبتي؟؟.
قالت سامية بصوتٍ ينم عن انزعاج طفيف:
-اهو قاعدة وشي في وش الحيطة معرفش ليه يا ماما مجتيش تقعدي معايا شوية ما أنا قاعدة لوحدي طول اليوم.
ردت عليها انتصار بنبرة جادة:
-ما أنا جيت ليكي أول امبارح وبعدين أنتِ اللي المفروض تيجي مني واخف مني تعالى بعربيتك مدام جوزك برا وبعدين تعالي هنا يا بت هو أنا مش قايلالك عايزة اعزمك أنتِ وجوزك ميصحش كده لغايت دلوقتي متجيش معاه يوم كده تتغدي معانا أحنا وعمك وعياله..
أردفت سامية وهي تحك عنقها بتوتر محاولة قول أي حجة مناسبة:
-يعني ده وقت عزومات بعد اللي حصل في البيت عمي هيكون فاضي لكده؟.
غمغمت انتصار بطريقة درامية بعض الشيء:
-وإيه المشكلة؟! هو أنتِ يابت مش لاقية حجة تقوليها وبعدين حتى لو عمك وعيالك مش هيكونوا قاعدين معانا الأصول بتقول لازم تيجي يوم بيت اهلك واعزمكم عندي...
ثم سألتها بنبرة واضحة:
-هو جوزك مانعك عننا ومش عايز يجيبك؟.
رغم شعور سامية من انزعاج حمزة من الفكرة كونها تعرضها عليه منذ أن أخبرتها والدتها بالأمر إلا أنها دافعت عنه بقوة:
-إيه يا ماما اللي بتقوليه ده؟! وهو هيعمل كده ليه يعني! لا مانعني ولا حاجة طبعًا، كل الحكاية بس أنه الفترة دي عنده مشاكل في الشغل أصلا مش بيجي غير بعد نص الليل...
أردفت انتصار بلهجةٍ لا تقبل النقاش:
-حتى لو كان كده يفضى نفسه ساعتين تلاتة مش هيجرى حاجة يتغدى ويروح شغله..
-حاضر يا ماما خلاص هظبط ميعاد معاه وأقولك..
..في المساء..
حينما جاء زوجها كان عملها الأول معه هو اقناعه مما جعل حمزة يتحدث بنبرة غاضبة رغمًا عنه:
-يا سامية هو كل شوية تقوليلي دي عاداتنا ومن الأصول؟! يعني أنتِ مش شايفة إني تعبان يعني وطالع عيني في الشغل ومرهق جدًا أنا باجي أنام بالعافية وتقوليلي عزومة ومش عزومة...
لاح الضيق والحزن على وجه سامية مما جعله يهتف حتى لا يزعجها أكثر من ذلك مسترسلًا حديثه بنبرة لينة:
-خلاص يا سامية متزعليش نفسك أنا موافق هشوف اليوم اللي هقدر أكون فيه فاضي ونروح كله إلا أنك تزعلي..
قفزت سامية مرة واحدة من مكانها في الفراش لترمي بجسدها فوقه تقريبًا وهي تحتضنه بعفوية وحب كبير قائلة:
-ربنا يخليك ليا يا حمزة...
-ويخليكي ليا يا قلب حمزة..
________________
أثناء هبوطه من الشقة بعد شجاره مع زوجته، وجد في الوقت ذاته نضال يصعد على الدرج وحينما رأه بعدما الشكل أخبره بأن يأتي ويجلس معه بدلًا من هبوطه وهو غاضب بهذا الشكل...
ولج سلامة إلى الشقة ومن كثرة غضبه لم يلاحظ أين والده؟؟
بل ظل يخبرهم بما حدث بينه وبين زوجته من شجار ولم يكن نضال يجادله بل يتركه يخرج ما يكتمه بداخله وفي الحقيقة لم يكن هو في حال أفضل منه بل هو قد تشاجر مع سلمى ليلة امس ولم يتحدث معها مرة أخرى....
لا يعلم ما المشكلة بينهما!!
هي تفعل كل التصرفات التي قد تجعله يظن بأنها تحاول تطفيشه لكنه لا يشعر بأن تلك التصرفات من أجل إبعاده بل يظهر بأنه تريده هو رجل ويشعر لكن ما هذا الكم من العُقد الغير مفهومة أو مسبوقة حتى..............
هي لا تقدر غيرته أبدًا...
هو يغار عليها بشكل غير طبيعي...
وهي لا تفهم هذا..
تحدث سلامة بانزعاج جلي:
-اهو ده اللي حصل وهي خدت الكلام من حتة تانية معرفش بقا إيه اللي بيحصل ده..
جاء زهران من المطبخ وهو يرتدي مريول منزلي في سابقة من نوعها حتى أن سلامة بدأ يدرك الموقف باستغراب شديد بأن والده كان في المطبخ بحق ليس مجرد تهيؤات...
سمع زهران وهو يعقب على حديثه بانفعال كبير:
-عيل غبي والله العظيم وغشيم أنك تقولها كده مرة واحدة..
جلس زهران ثم أسترسل حديثه بذكاء ودهاء:
-يا ابني الراجل العبيط أو الست الغبية هما اللي بيقولوا اللي هما عايزينه مرة واحدة، من غير تمهيد حتى لو أنتَ عايزها تقعد من الشغل من غير سبب يا سيدي برضو مش بتتقال كده وش ما بالك عندك سبب، الستات بتيجي بالحنية أفهم كده وخليك ذكي زي أبوك...
سأل نضال والده بسخرية:
-بتيجي بإيه؟.
أكد له زهران حديثه السابق وهو يعيد عليه ما قاله:
-بالحنية يا روح أمك..
تحدث سلامة مقاطعًا هذا النقاش:
-بابا هو أنتَ كنت بتعمل إيه في المطبخ؟؟..
قال زهران بارتباك طفيف وهو يخبرهما ببسمة واسعة:
-بعمل حتة موزة وفتة للبت علشان أكيد زمانها مكلتش من الصبح..
قلق زهران من نظرات نضال المسلطة عليه وحاول التبرير وهو يبتلع ريقه بتوتر شديد:
-ما أنا عملت حسابكم، ويرضيكم يعني أختكم تموت من الجوع؟!..
تحدث سلامة بسخرية لاذعة:
-ميرضناش بس تروح عاملها الاكل بنفسك؟ ده أخر مرة شوفتك واقف في المطبخ لأي غرض غير أنك تعمل حجر لكريمة كان من أكتر من عشر سنين تقريبًا...
أردف زهران متهربًا وهو يصيح:
-ايوة ياخويا أيوة اقعد بقا استلمني وأنتَ لسه متخانق مع مراتك وسايبها فوق كده..
تحدث نضال بضيقٍ بسبب تصرفات والده الغريبة وهو يتعامل مع الوضع بطريقة عادية جدًا وكأنه لم يظهر له فتاة تخطت العشرين من عمرها واتضح أنها ابنته:
-هو أنتَ سايب مراتك لوحدها؟!....
تمتم سلامة بانزعاج جلي:
-أيوة سايبها لوحدها هو أنا هجيب ليها حد من الشارع يقعد معاها يعني هتلاقيها بتشتكيني لصاحبتها أم خرم في مناخيرها زيها أو......
جحظت عين سلامة ونضال يسترسل الحديث الذي توقف عنه شقيقه:
-أو لسلمى وساعتها قول على جوازتك يا رحمن يا رحيم.....
نهض سلامة مفزوعًا من مكانه وهو يصيح:
-يا عم لم مراتك بقا لم مراتك؛ أنا طالع اشوف مراتي وصلت لفين وسابت البيت ولا لا...ده زماني أتخلعت مدام بتكلم سلمى...
ثم غادر الشقة بأكملها وهنا تحدث زهران وهو يتهرب من الجلوس مع نضال بمفرده:
-أنا هقوم أشوف اللحمة وصلت لفين أحسن..
تحدث نضال بنبرة غاضبة رغم خفوتها:
-اهو خلينا في الموزة والفتة ونسيبنا من اللي حاصل واللي قاعدة تحت منعرفش حاجة عنها ولا عارفين هنتصرف ازاي بعد ما عرفنا اللي حصل.....
أنتهى حديثه ونهض متوجهًا صوب غرفته تاركًا والده و"الفتة" سويًا....
"داخل شقة سلامة وجهاد"
تضع جهاد الهاتف على أذنيها تسمع حديث سلمى القوي، أنا جهاد تخرج طاقتها بأكملها مع شقيقتها:
-أنتِ تيجي دلوقتي يلا...هو يتخانق معاكي ويسيبك كده...وبعدين يعني إيه تسيبي الشغل ليه ان شاء الله؟!!!!!! جارية يعني ولا جارية؟! بدل ما يحاول يساعدك وتشوفوا حل وسط....والله لولا أنك بس مش عايزة تعرفي أمك....أنا كنت جيبتها وجيتلك حالًا..
ولج سلامة إلى الحجرة من خلف جهاد التي تولي ظهرها للباب وشهقت حينما أخذ سلامة منها الهاتف متمتمًا:
-مين معايا؟! سلمى الشربيني ولا أم خرم..
"لا معاك سلمى يا سلامة"
رد عليها سلامة ساخرًا:
-سلمى يا سلامة اتخانقت أنا ومراتي وهنتصالح بالسلامة أنتِ بقا، وهي شوية هتكلمك، في رعاية الله يا سلمى باي...
أنهى المكالمة مما جعل جهاد تتحدث بنبرة غاضبة وهي تخرج الشحنة التي أخذتها من شقيقتها:
-أنتَ ازاي تمسك الموبايل مني كده وتقفل السكة في وش أختي كمان؟!.
أردف سلامة ببساطة:
-اه علشان الموضوع مش ناقص تسخين..
-انا زعلانة منك يا سلامة ياريتنا ما اتجوزنا كان اخرتها اديك شبكتك في السبت لكن دلوقتي أنا مش عارفة أتصرف.
تمتم سلامة بجدية وهو يوضح ما قاله:
-والله العظيم أنتِ اللي اخدتي كلامي بنية وحشة كل اللي كان قصدي أنك مش محتاجة الشغل دلوقتي مش حكاية فلوس وبس أنا كان قصدي أنك كنتي فاضية مش متجوزة بترجعي تلاقي امك عاملة ليكي الأكل وكل شغل البيت خلصان وترجعي تنامي براحتك لكن دلوقتي انتِ مسؤولة عن بيت وشغلتنا شغلة مقرفة يعني أنتِ مش موظفة في شئون الطلبة بتمشي الساعة اتنين يعني...
حديثه مقنع نوعًا ما لكنها مازالت عاقدة حاجبيها لا تقبل بأن ينتهي الأمر بتلك السهولة، هي لديها كرامة ولكن الكرامة ذهبت إلى الجحيم وهو يسألها بعدما اخرج هاتفه:
-دلوقتي نسيب الخناقة ونشوف نطلب إيه وبعدين نرجع نتكلم في المشكلة اللي احنا فيها..
-أنا عايزة فتة شاورما.....
_______________
يجلس دياب بجوار نضال أمام جزارة خطاب..
اليوم كان "التوكتوك" يخضع إلى تصليحات أيضًا لذلك يجلس مع صديقه...
تحدث دياب دون سبب وهو يدخن سيجارته:
-معرفش ليه صاحي من النوم النهاردة عايز امسك حد اعجنه....
أردف نضال بنبرة ساخرة:
-بس يا دياب بقا مش ناقصك أنا مصدع لوحدي مش وقت أعصابك التعبانة اللي عايزاك تمسك حد تعجنه طول الوقت..
وقفت سيارة أمام الجزارة مرة واحدة...
هبطت منها رجل في الخمسينات من عمره ومعه أمرأة تشبهه إلى حدٍ كبير..
أقترب هذا الرجل منهم هاتفًا بنبرة غاضبة وأعين بلون الدم:
-فين زهران خطاب؟!.
كان نضال يجلس في مكانه ومازال يضع قدم فوق الأخرى:
-مين حضرتك؟.
هتف مجدي وهو يصيح بجنون مشيرًا نحو شقيقته:
-أنا مجدي ودي وفاء أختي، اتصل باللي مشغلك يجي علشان مفضحهوش في الشارع كله أنه خاطف بنتي....
كانت تقف بجواره تلك المرأة مرتبكة وتعرف نضال عليها حينما أخبره باسمها، فهو لا يتذكرها جيدًا...
جاءت سيارة سيارة سوداء وقف خلف هذا الرجل الحمراء وهبط منها خمسة رجال؛ ابتسم نضال رغمًا عنه معقبًا:
-جاتلك على الطبطاب يا ابن حُسنية...
تمتم دياب متهكمًا:
-طول عمري مرزق...
ركل مجدي الطاولة البلاستيكية التي كانت تتواجد أمامهم وهو يصيح بجنون:
-زهران فين ياض أنتَ وهو.....
من الخلف جاء زهران وخلفه الصبي يحمل أرجيلته هاتفًا بنبرة جهورية:
-مين الجحش اللي بيسأل عني وبيجحش كده؟!!.
الفصل الثلاثون من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
"و أحب كونك في الجوار؛
مهما ابتعدت تظل دومًا جانبي..
طيفًا،
خيالًا،
فكرةً..
روحًا، تعيش بداخلي"
#مقتبسة
أضيء حين أحادثك ، ولم أجد وصفاً أدق لما يحدُث حينها.
#مقتبسة
- ثمة جراح لا ترى بالعين، لكنها تظل تنزف في القلب إلى الأبد.
- جبران خليل جبران 📚.
__________________
ركل مجدي الطاولة البلاستيكية التي كانت تتواجد أمامهم وهو يصيح بجنون:
-زهران فين ياض أنتَ وهو.....
من الخلف جاء زهران وخلفه الصبي يحمل أرجيلته هاتفًا بنبرة جهورية:
-مين الجحش اللي بيسأل عني وبيجحش كده؟!!.
هل كان من المنطقي صمت نضال!!
أم خضوع دياب بعد تلك التصرفات حينما تناثرت محتويات الطاولة عليهما!!
ما حدث هو أن...
دياب لكم الشاب الذي جاء وركض من السيارة التي كانت تأتي خلف سيارة مجدي حينما أقترب من نضال يرغب بالاطاحة به لأنه أمسك مجدي من ياقة قميصه وسدد له عدة لكمات خلف بعضها هو الأخر...........
مما تسبب جميع من يقف في شارع خطاب حولهم في تلك اللحظات..
صاح نضال بنبرة غاضبة وهو ينظر في أعين مجدي مباشرة:
-لما تيجي لغايت عندنا، وتيجي تتكلم قصادي وتسأل عن أبويا تتكلم عدل لأن ساعتها مش هحترم أن راجل كبير والاحترام مينفعش لـراجل *** زيك.
مازال نضال يتذكر من وسط حديث تلك الفتاة التي لا يتقبل وجودها قولها بأنه كان يقوم بسجنها بل تطاول عليها أكثر من مرة حتى أنه صفعها من أجل أن تصمت وتتوقف عن الصراخ...
ثم تحدث بنبرة واضحة:
-ولما تيجي يا روح امك في مشكلة في منطقتنا اعرف أن الاربع رجالة اللي جايبهم هيضربوا قبلك..
لم يقترب الرجال التي كانت تقف في الخلف بجوار وفاء الكبيرة "شقيقة مجدي" حينما شاهدوا لكمة دياب للرجل التي أطاحته أرضًا...
غير العاملين بالجزارة الذين خرجوا من الداخل حاملين الآلات الحادة دون أن يطلب منهم أحد....ومن دون أن يفهم أي شخص منهم ما يحدث لكن كل ما يعرفونه بأنه لا يجب عليها ترك المعلم زهران وولده بمفردهما...
تحدث زهران بتوتر وخوف حقيقي ليس من أجل شيء أكثر من أن يتورط ابنه نضال أو صديقه في مشكلة:
-خلاص يا نضال سيبه وأنا هتكلم معاه بالطريقة اللي يفهمها..
لم يتركه نضال إلا بعد أن لكمه مرة أخرى وعاد يجلس بجوار صديقه دياب بينما زهران أخرج جميع العاملين من الجزارة وجلس في الداخل مع مجدي ووفاء شقيقته فقط والباب مغلق عليهم...
بعدما قام العمال بوضع اللحوم المعلقة كلها في الثلاجة.....
لم ينسِ زهران في وسط هذا كله....
أرجيلته التي تقوم بتهدئه أعصابه حسب وصفه...
-ما شاء الله ريحتكم لسه **** زي ما هي..
كانت وفاء تضع الثلج على وجه شقيقها بعدما أتى به أحد الشباب بناءًا على طلب زهران، أما مجدي الذي تحفز في جلسته هاتفًا بغضب:
-احترم نفسك يا زهران...
أردف زهران ساخرًا:
-والله وطلع ليك صوت يا واد يا مجدي طول عمرك زي النسوان صوتك ناعم ومكنش بيتسمع بقيت جحش قد الدنيا كده امته...
نهض مجدي من مكانه هاتفًا بغضب بعدما دفع شقيقته عنه:
-واضح أنك مش عايز تتكلم ولا تحل بنتي فين يا زهران.....
نهض زهران بعدما ألقى خرطوم الأرجيلة على الطاولة هاتفًا بنبرة جادة:
-بنتك؟ هو أنتَ خلفت ولا إيه يا مجدي محدش قالي يعني..
صاح مجدي بجنون:
-متسعبطش يا زهران البت مختفية بقالها أسبوع وأكتر وأكيد جت على هنا.
هتف زهران ببرود ونظراته كانت مفعمة بالسخرية:
-أنتَ بتكلم المعلم زهران خطاب اللي ميعرفش حاجة اسمها استعباط، بس أنا هريحك أصل خد بالك يا واد يا مجدي يا اللي متسواش في سوق الرجالة حاجة، لو كنت سألت السؤال بطريقة صح وقولت فين بنتك اللي خبيناها عنك السنين دي كلها كنت قولتلك يا واد يا مجدي بنتي في بيت أبوها...
أردفت وفاء بنبرة متوترة رغم أنها هي من ساعدت وفاء "ابنة ميرفت" في الهروب رُبما كانت تمر بصحوة ضمير لا تعرف...لكنها في كل الأحوال لا تريد أن تكون الفاعلة في نظر شقيقها:
-يا زهران، ميرفت كانت بتقول أي كلام و......
قاطعها زهران بشراسة:
-أنتِ بالذات تخرسي خالص علشان أنتِ أساس المصايب كلها ومش عايز أسمع صوتك أحسن ليكي...
ثم نظر ناحية مجدي هاتفًا بتهكم:
-والله أنا لو عليا كنت قتلتك هنا بس نعمل إيه حظك بقا ربك خلقني راجل بحب الحياة ومش شايف أنك تستاهل اضيع اللي باقي من عمري عليك في السجن علشان *** زيك، وفي نفس الوقت خايف على ابني وصاحبه اللي عندهم استعداد متخرجش من هنا حي...
ابتلع زهران ريقه ثم أسترسل حديثه مستهزئًا:
-وبعدين يا مجدي يوم ما تيجي تتخانق في منطقة مش منطقتك وتحديدًا جاي في شارع خطاب ولـ عيلة خطاب كان المفروض تكلف نفسك عن كده بدل ما جايب أربع ولا خمس رجالة واحد فيهم دياب أداله قلم حضن الأسفلت...
صاح مجدي بغضب واضح وهو يمسك بكيس الثلج يضعه على وجهه الذي أصبح يجمع العديد من الألوان:
-بقولك إيه يا زهران، أنتَ طول عمرك راجل كتير الكلام وأنا مش ناقص رغيك، أنا عايز البت بدل ما والله أروح ابلغ عنك واقول أنك حابس بنتي في بيتك..
تحدث زهران بعدما أخذ نفس من أرجيلته حينما ألتقط الخرطوم مرة أخرى:
-وماله نروح القسم يا سلام يلا ده أنا نفسي والله وبالمرة البت وفاء تطلع نتائج التحاليل اللي معاها اللي تثبت إني ابوها مش أنتَ مهي هي دلوقتي معاها تحليل يثبت إني أبوها وتحليل تاني يثبت أنك أنتَ مش أبوها..
ابتلع ريقه ثم استرسل الحديث متهكمًا:
-وبالمرة تحكي هناك اللي امها قالته ليها ومين زور وعمل كل ده، أصل خد بالك ميرفت اتكلت على الله مش هيطلعوها من التُربة لا مؤاخذة عشان تتحاسب لا، مش هيكون في غيرك أنتَ والقرشانة أختك اللي جنبك دي..
لاح الذعر على وجه وفاء والخوف الحقيقي...
أما مجدي التزم الصمت يحاول التفكير في أي شيء قد يجعل موقفه قوي وتحدث أخيرًا:
-البت ترجع يا زهران دي مش بنتك ومتعرفش عنها حاجة من أساسه دي بنتي وأنا اللي ربيتها...
قاطعه زهران بنبرة ساخرة:
-دي بنتي أنا اللي خبيتوها عني مش بنتك ولا أنتَ بتكدب الكدبة وتصدقها؟، قُصر الكلام يا مجدي بنتي مش هتخرج من بيت أبوها ولو عندك حاجة اعملها، وبعدين عشت طول عمرك على قفا ميرفت وأكيد قلبتها ولما فاقت كان متأخر وكتبت الحاجة لبنتها، لكن أكيد كنت لاحق نفسك وعامل من وراها خميرة حلوة.
تحدث مجدي متوعدًا:
-أنا استحالة أسيب البت واسيب كل حاجة بعد العمر ده كله يا زهران...
غمغم زهران واضعًا قدم فوق الأخرى ثم سحب نفس من أرجيلته:
-أقعد أقولك أخر كلام عندي...
جلس مجدي بينما وفاء ظلت واقفة تشعر بالقلق من نظرات زهران....
هتف زهران بنبرة جادة:
-دلوقتي أنتَ اتجوزت ميرفت بعد ما خلفت وأنا عرفت ده يعني مخلفتش وهي مراتك، فأنتم مزورين قد الدنيا ومسجلين البت متأخر وأنا عندي استعداد أجيب بدل المحامي ألف علشان احبسكم بس زي ما قولتلك حظك إني بحب الحياة ومبحبش وجع الدماغ..
غمغم مجدي بعدم فهم وهو يعقد حاجبيه:
-أنا مش فاهم حاجة منك اختصر يا زهران...
تمتم زهران بنبرة هادئة:
-بُص يا مجدي أنتَ تستاهل الحرق بجاز وسخ بس أنا مش عايز عيالي يدخلوا في الموضوع مش علشان خايف منك لا علشان خايف عليك فعلشان كده أنا هكون راجل عادل معاك..
تحدثت وفاء هنا بعدم استيعاب:
-يعني إيه مش فاهمين؟.
وضح زهران ما يريده بنبرة جادة ما يقوله:
-هديكم حق ربنا اللي محدش فيكم يعرفه؛ هخلي بنتي تكتب حقك من ميرفت الورث اللي كان المفروض تاخده الطبيعي وكده أنا كارمكم على الآخر أصل محدش فيكم يقنعني أن البت تهمكم أنتم كلاب فلوس وكل اللي شاغلكم بس أنكم طلعتوا من المولد بلا حمص...
هتف مجدي بنبرة مترددة تحت نظرات شقيقته:
-اديني مهلة أفكر واوزنها..
تحدث زهران بلا مبالاة:
-براحتك فكر مع نفسك بس ده مش هيتم في كل الأحوال إلا لما بنتي يكتب في بطاقتها وشهادة ميلادها تكون على اسمي لأني سألت المحامي وقالي على الإجراءات وأي بني أدم فيكم هيحاول يعطل الموضوع أو يعمل اي حاجة أقسم بالله العلي العظيم هتشوفوا وش محدش فيكم خياله جابه من زهران خطاب.....
ابتلع زهران ريقه ثم أسترسل حديثه:
-اديني رقمك علشان ابقى اكلمك واشوفك وصلت لأيه، وياريت تتكلوا على الله ده يا بخت من زار وخفف يعني، وخد الرجالة اللي أنتَ جايبها دي، جسم على الفاضي شافوا اللي جايبهم بيضرب وواحد بس فيهم اللي اتحرك واتسك على قفاه، بس يمكن مكنتش دفعت ليهم ما أصل أنا عارفك البخل بيجري في دمك....
بعد دقائق...
رحل مجدي وشقيقته والرجال...
ثم عاد الجميع إلى عمله...
فدخل نضال إلى أبيه هاتفًا بغضب وشذر ويتبعه دياب:
-ليه سيبتهم يمشوا؟..
تمتم زهران بنبرة هادئة:
-حاول تتعلم مني حاجة يا نضال مهما اللي قدامك عمل فيك ومعاك مش دايما الضرب والخناق بيجيب نتيجة لازم تطلع كسبان ومريح دماغك، متقلقش الموضوع هيتحل أهم حاجة محدش يحكي للبت وفاء حاجة دلوقتي انا لما افضى كده وارتب دماغي هقولها أنهم جم....
تحدث دياب بنبرة مرحة وساخرة في الوقت ذاته تحت نظرات نضال المشتعلة:
-الله عليك يا عم زهران مدرسة والله محتاج تعمل كورسات للناس...
نظر له نضال بغضب هو الأخر مما جعل دياب يحاول تعديل كلماته:
-لا يعني مش أوي يا عم زهران مش كل حاجة برضو الواحد يكون فيها كده عنده لا مبالاة..
قال زهران ساخرًا:
-ولا لامبالاة ولا غيره ملكوش دعوة بيا أنتم مش كان وراكم مشوار أصلا متأجل بقاله كام يوم اتصلوا بالراجل وروحوا شوفوا مصالحكم...
______________
خرجت إيناس من المستشفى وجلست في الحديقة بعدما اعطتها الفتاة راحة لمدة نصف ساعة حتى تتناول شيئًا وتكون هي أنهت ما تفعله من شغل إضافي ليس لها علاقة به...
جلست إيناس على المقاعد المتواجدة في الحديقة وعقدت ساعديها تحاول الشعور بأي شيء مختلف...
هل هي سعيدة بعملها؟!.
هي ممتنة بأنها قد أخذت فرصة كهذه...
لكنهل في ذات الوقت خائفة لن تنكر أو ليس الخوف بمعناه الصحيح بقدر ما هو رهبة...
هي تعمل لأول مرة في حياتها..
يتملكها شعور رهبة الطفل في أول أيامه الدراسية....
هي لأول مرة تحتك بهذا الكم من الناس والتي يجب أن يكون لديها في الغالب رد على أسئلتهم مهما كانت طويلة وغريبة...
وأن يكون لديها من الصبر ما يكفي حتى يجعلها تتحمل أساليب مختلفة من ردود الناس....
منذ سنوات..
و "عمرو" يكبحها عن ممارسة حياتها بشكل طبيعي كان من الممكن أن يمر شهر كامل ولا ترى الشارع فيه، إلا لو استعطف عليها وجعلها تذهب إلى عائلتها، وفي الغالب تخدم والدته التي كانت من الممكن أن تأتي يوميًا وهي عليها استقبالها دون النطق بحرف....
متحملة جميع كلماتها وتعليقاتها السخيفة دون أن تشتكي لأنها لو اشتكت تعلم ما ينتظرها...
كان دائم الشك بها..
لذلك كان يمنعها حتى من شراء طلبات المنزل..
ولو تحدثت مع أي رجل صيانة بطريقة عملية بحتة يصرخ ويقوم باستخدام يده التي كانت الحل الأول بالنسبة له...
يتهمها في شرفها بسبب واهي أو بدون سبب من الأساس دون أن يرف له جفن...
ثم يأتي في المساء ويأخذها بين أحضانه مخبرًا أياها بأنه يغار عليها وهي عليها أن تتحمل غيرته الطبيعية كونه رجل شرقيًا، كانت تتخذ موقف مرة، وتتشاجر مع مرة؛ ثم تصمت في النهاية من أجل رغبتها في ألا تكون حِمل إضافي على عائلتها هي وأطفالها..
انتفضت مرة واحدة في جلستها بسبب تلك الذكريات السيئة التي داهمتها مرة واحدة...
ليذهب عمرو إلى الجحيم!!
لا ينقصها سوى أن يظل عالقًا في رأسها...
مازالت لا تدرك بأن المرأة قد تنسى ملامح الرجل الذي مر في حياتها، وتنسى اسمه إذا أرادت، تُنهي كل شيء كان بينهما....
لكنها لا تنسى مقدار الإساءة والمهانة الفظيعة التي تعرضت لها.
قررت في النهاية أن تصمت جميع خلايا عقلها وأخرجت شطيرة صنعتها لها والدتها في الصباح ثم وضعتها في حقيبتها وكأنها طفلة صغيرة ذاهبة إلى الروضة أخذت تتناولها فهي لم تتناول شيء منذ الصباح...
سمعت صوت هاتفها يعلن عن اتصال ما فأخرجته من الحقيبة بسرعة رهيبة لأنها كانت تظن بأن صاحبة المكالمة هي الفتاة التي تعمل بالداخل وتريدها الآن، فهي تبادلت معها الأرقام منذ إتيانها...
لكنها وجدت رقمًا غريبًا فأجابت..
-ألو..
أتاها صوت رجل غريب لا تعرفه:
-الو، معايا مدام إيناس؟!..
تمتمت إيناس باستغراب:
-أيوة أنا مين حضرتك؟!.
رد عليها الرجل بنبرة هادئة وسريعة:
-محسوبك محمود ياست الكل...
غمغمت إيناس بعدم فهم وهي تسأله:
-محمود مين مش فاهمة؟..
خرجت منه ضحكة رجولية مميزة ثم أخبرها:
-محمود صاحب عمرو جوزك....قصدي طليقك لامؤاخذة......
صاحت إيناس مستنكرة ما يحدث:
-وأنتَ جيبت رقمي منين وازاي تكلمني من أساسه؟؟؟..
تمتم محمود بنبرة لينة:
-حقك عليا والله، أنا قصدي خير بس اسمعيني للآخر ياست الكل، أنا محمود صاحب عمرو وبصراحة هو عايزني أحل ما بينكم محدش من أهله بيحاول يحل وأنا عارف اللي فيها يعني، اه هو مش راجل عدل بس يعني مفيش مانع تحاولي علشان العيال..
رمشت إيناس بعيناها مستنكرة جرائته وهي حتى الآن لا تدرك كيف يجعل عمرو أحد أصدقائه يحدثها!!
وهو أخبرها بنفسه بأنه قد نسى أمر الرجوع وما بينهما الأطفال فقط، إذن هو كاذب!!..
أردفت إيناس بنبرة جادة إلى أقصى حد:
-اسمعني كويس في الكلمتين اللي هقولهم ده يا أستاذ محمد..
-اسمي محمود ياست الكل..
ثم كررها مرة أخرى حتى لا تنساه:
-محسوبك محمود.
ردت عليه إيناس بقوة:
-مفرقتش؛ أنا وعمرو اطلقنا ومفيش بينا غير العيال، ومش هرجعله مهما حصل، وحتى لو كان عايز يرجع أو يزق حد يرجعنا معندناش ستات بتتكلم في المواضيع دي، الرجالة بتروح تكلم الرجالة، وبرضو أنا مش هرجعله...
قاطعها محمود بعتاب طفيف:
-وليه بس الطريقة دي يا أبلة ده أنا بقولك جاي أحل..
-لا تحل ولا تربط ولا تتصل بيا تاني، مع السلامة...
أغلقت الهاتف في وجهه ثم قامت بحظره وقد تلون وجهها باللون الأحمر القاني بسبب غضبها الواضح...............
كيف يعطي رقمها إلى صديق له؟؟
إذا كان يريد الصلح التي لا تريده هي بالمناسبة ألا يوجد شخص في عيلته يتواصل معها أو مع عائلتها ووقتها كان يأخذ رده وهو الرفض..
أو حتى كان ليتحدث هو..
هل انقطع لسانه؟
______________
في المقر الرئيسي لشركات والدها...
كانت تدور حوله تلازمه كـظله، أثناء حديثه مع العاملين والمسؤولين وأثناء سيره...
أول شيء فعلته اليوم حينما انتهى يومها الجامعي هو أنها أتت إلى هنا بعدما اتصلت به وأخبرها عن مكانه..
أخيرًا بعد فترة طويلة من اتباعه ولجا الاثنان إلى مكتب والدها الفخم، وجلس محمد على المقعد الخاص به...
وقفت ريناد بجواره هنا غمغم محمد بعدم فهم:
-ماشية ورايا رايحة جاية خيلتيني، في حاجة ولا إيه مهوا مش من عادتك يعني تيجي هنا أنا مش فاكر أخر مرة جيتي هنا كان امته؟.
كان يتحدث بجدية...
منذ دخولها الجامعة السابقة كان يتمنى أن تأتي وتعمل معه؛ تتعرف على إرثها الحقيقي فيما بعد....
حتى يطمئن قلبه عليها لكنها كانت ترفض باستمرار فهي لا تجد حياة العمل مناسبة لها أبدًا كانت تفضل السهرات والسفر بدلًا من هذا الملل..
غمغمت ريناد بتردد ولكنها مجبرة:
-في موضوع حابة أتكلم معاك فيه ومش قادرة استنى لبكرا لما تيجي عند نينا بهية عايزة أتكلم النهاردة ولازم تقتنع.
تحدث محمد بشكٍ وهو يناظرها:
-موضوع إيه دا؟!
أردفت ريناد موضحة وهي تخبره بعدما استندت بظهرها على المكتب ومازالت تقف بجواره:
-بُص قبل ما تتعصب عليا أنا هتكلم في نفس موضوع إني اعمل فيديوهات للـ..
قاطعها محمد بنبرة جادة وهو يعيد لها ما قاله في الهاتف:
-أنا قولت لا، الفيديوهات دي أخرها تتسلي بيها، لكن مش شغل تشتغليه؟ ليه بتحبي تعصبيني وتكرري اسئلتك من تاني وأنتِ عارفة أن المحايلة مش هتجيب معايا سكة؟..
غمغمت ريناد محاولة الدفاع عما أتت من أجله:
-أكيد لو نفس الموضوع أنا مكنتش جيت لأني عارفة ردك، أنا جاية أتكلم في موضوع تاني خالص وقلبي بيقولي أنك مش هترفضه يعني..
ضيق محمد عيناه هاتفِا بفضول رغم معرفته أن مواضيع ريناد لن تروق له في الغالب:
- موضوع إيه ده؟.
أردفت ريناد بتوضيح بسيط:
-الموضوع إنه مش هيكون شغل لا أنا هساعد الناس اللي عاملة مشاريع صغيرة سواء في بيتها تو برا يعني مش هروح أماكن لحد ولا حاجة، يعني أنا عندي مشاهدات عالية وكل شوية بتعلى، إيه المشكلة لما الناس والستات بالأخص اللي عاملة مشاريع في البيت أساعدهم؟ وأعمل فيديوهات واخلي الناس تعرفهم ومن وأنا في البيت من غير ما اتحرك من مكاني...
ابتلعت ريقها ثم عادت توضح له أكثر:
-ومش هاخد فلوس أنا بس هساعدهم أنهم يتعرفوا في حد بيعمل الفكرة دي وأنا عايزة أعملها نفسي أحس إني مفيدة في حياة حد وأن في ايدي اساعد حد، أنا مش هاخد فلوس ولا هفضل اروح واجي أماكن كله من وأنا في البيت..
حاول التفكير في كلامها...
لمس تغييرًا بسيطًا...
لم تكن ريناد في السابق تفكر في مساعدة أي شخص..
حتى أنها كانت شخصية اتكالية من الدرجة الأولى حتى مع النساء التي كانت تعمل في منزلهما كانت تترك الطبق التي تتناول فيه في أي مكان مثل الفراش لأنها كانت ترى بأن هناك من ينظف خلفها ويأخذ نقودًا من أجل هذا إذا هذا من عمله، لما تكلف ذاتها أي مجهود حتى لو كان بسيطًا؟.
كوب الماء البعيد عنها وموضوع على طاولة بعيدة قليلًا كانت تطلب من أحد أن يأتي به...
تمتم محمد مخبرًا أياها موافقته وفي الوقت ذاته يحذرها:
-ماشي معنديش مشكلة، بس يكون بحدود مش عمال على بطال، يعني ميبقاش يومك كله الموضوع ده، ولو حسيت أنك برضو اخدتيه حجة علشان اوافق على الموضوع اللي رفضته ساعتها همنعك من الفيديوهات دي خالص، وأهم حاجة ميقصرش الموضوع على دراستك...
ابتلع ريقه وهو يخبرها بأمر جديدًا لأول مرة يطرحه عليها أو بمعنى أصح يفرضه عليها فهو لا يقوم بأخذ رأيها:
-واعملي حسابك لما تخلصي الترم ده هتنزلي هنا الشغل تعرفي الدنيا ماشية ازاي حتى لو مش حابة الشغل هنا مش مشكلة بس على الأقل تكوني عرفتي الدنيا ماشية ازاي....
كانت ترغب في الرفض لكنها هزت رأسها بإيجاب حتى لا يغضب عليها بعدما وافق على أمر تلك المقاطع..
________________
ولجت رانيا إلى المستشفى...
أخذت تلقي التحية على العاملين حتى أنها مرت من الاستقبال وألقت التحية على أحدى الفتيات التي تعمل فيه....
-ازيك يا شيرين..
ردت عليها شيرين بلباقة:
-الحمدلله يا مدام رانيا، حضرتك عاملة إيه؟!.
غمغمت رانيا بنبرة هادئة وهي تلقي نظرة على الفتيات التي تجلس بجوار شيرين:
-هي يمنى مشيت ولا إيه؟!.
انقطعت يمنى عن الاتصال بها وبسبب تغيير هاتف رانيا ضاع رقم يمنى من بين عدة أرقام قد اختفت...
أردفت شيرين بتلقائية:
-اه اتجوزت بقا والمشوار هيكون بعيد عليها علشان كده مشيت بقالها اسبوع وشوية او اسبوعين كمان..
تحدثت رانيا بنبرة هادئة رغم انزعاجها لكنها لم تحاول أن تظهره:
-تمام ماشي، أنا رايحة أقابل دكتور جواد أشوفك وأنا ماشية يا شيري باي...
ابتسمت له شيرين بإيجاب فرحلت رانيا بينما الأولى عقبت بانزعاج حقيقي ناظرة ناحية إيناس:
-يخربيت دم أمك مش عارفة كان متحملك ازاي دكتور جواد ولا اي بني أدم متحملك ازاي...
رفعت إيناس رأسها عن الحاسوب الذي يتواجد أمامها والتي كانت تعطيه تركيزها بالكامل من أجل الملف التي طلبت منها شيرين مراجعته، حتى أنها لم تسمع ما قالت لكنها شعرت بأنها تفوهت بشيء:
-بتقولي حاجة يا شيرين؟.
غمغمت شيرين ساخرة وهي تخبرها:
-هو اأتِ قاعدة في حتة تانية يا إيناس؟ مش شايفة اللزجة اللي لسه معديه دي..
أردفت إيناس بجدية:
-مشوفتش حاجة..
أشارت شيرين بيدها دون أن تلفت الانتباة:
-اهي واقفة عند الاسانسير لابسة بلوزة نبيتي..
نظرت إيناس إلى حيث أشارت شيرين ورأتها فقالت بعدم فهم:
-مين دي؟! وعملت إيه مش فاهمة أنا مكنتش مركزة معاكم خالص.
قامت شيرين بتحريك المقعد لتقترب من مقعد إيناس:
-دي مدام رانيا طليقة دكتور جواد عز الدين وبنت عمه..
عقدت إيناس حاجبيها فهي سمعت عنها العديد من الأحاديث من قِبل أحلام...لكنها لا تفهم ما يحدث الآن........
أردفت إيناس بنبرة جادة:
-طب وأنتِ مضايقة منها ليه ولا مالك بيها أصلا؟.
قالت شيرين بجدية نبرة حانقة:
-علشان ست بايخة، كل شوية تيجي تنط للراجل، والبت يمنى اللي مشيت وفي دكتورة نسا هنا صاحبتها أوي كلهم كانوا بينقلوا ليها تحركات الدكتور، بصراحة دكتور جواد راجل جنتل وطيب معرفش ليه حظه مهبب في الستات اللي بيعرفها.
ثم أسترسلت حديثها بثرثرة واضحة:
-كان برضو هيتجوز تاني عليها، دكتورة أحلام متختلفش في حاجة عن بواخة مراته الأولانية...
قاطعتها إيناس بانزعاج من ذكر أحلام:
-خلاص يا شيرين بطلي كلام لو حد سمعك....
قاطعتها تلك المرة شيرين وهي تخبرها:
-ياستي هو أنا بحكي حكايات غريبة؟ دي المستشفى كلها كانت عارفة علاقته بالدكتورة دي بس الحمدلله غارت في داهية مكنتش بطيقها...
أحلام الصديقة التي لم تعد كذلك ويبدو أنها لم تكن صديقة لها فقط عقلها كان من يهيأ لها تلك الصورة...
لم تندهش منها حينما لم تحاول الحديث معها..
كيف لها أن تنتظر منها شيئًا وهي فتاة قامت بسرقة أخيها..
أي وفاء كانت تنتظره منه؟!
أردفت إيناس مختصرة:
-ملهوش لزوم يا شيرين أنا مبحبش أتكلم على حد معرفهوش، كل ده نميمة وغيبة وبعدين احنا مالنا احنا شغالين هنا وخلاص..محدش عارف ظروف الناس احنا بنحكم من اللي شايفينه من برا وكل ده ميخصناش.
ضيقت شيرين عيناها هاتفة بعدم فهم:
-هو احنا لما منتكلمش على الرايح والجاي هتكون فين المتعة والتشويق؟ بقولك إيه شكلنا مش هنعمر مع بعض ده البت يمنى الخباثة وعصفورة رانيا كانت أرحم منك...
"داخل مكتب جواد"
هتف جواد وهو يخبر مساعدته الشخصية:
-مش عايز مدام رانيا تدخل لو جت تقوليلها إني مش هنا أو عندي عملية مفهوم؟.
هزت الفتاة الجديدة رأسها بإيجاب:
-تمام يا دكتور.
هو قام بتغيير الفتاة السابقة التي كانت تعتبر جندي من جنود رانيا الكثيرة جدًا ويصعب عدها...
كان يتوقع إتيان رانيا بسبب اتصالاتها المتكررة به منذ ليلة أمس بعد مدة انقطعت فيها عن الاتيان وتوقفت فيها أخبارها...
كان الباب مفتوحًا...
فولجت رانيا منه ببسمة واسعة مرسومة على ثغرها وشفتيها المنفوخة أثر الإجراءات التجميلية التي تجريها....
-مساء الخير يا جواد..
زفر جواد بضيقٍ محاولًا تمالك نفسه قدر المستطاع:
-طب روحي أنتِ يا نيرة دلوقتي واقفلي الباب وراكي..
-تمام يا دكتور..
قالتها الفتاة قبل أن ترحل وتغلق الباب خلفها كما طلب منها...
تحدث جواد بنبرة غاضبة حقًا وهو ينهض من مكانه:
-إيه اللي جابك يا رانيا؟.
قالت رانيا بعتاب واضح:
-ده اللي ربنا قدرك عليه تقوله بعد الفترة دي كلها مشوفتش وشي فيها..
قال جواد بنبرة جادة وهو يخبرها:
-كانت أحلى فترة في حياتي والله، ممكن أفهم إيه اللي جاب جنابك لغايت هنا، مهوا مش معقول كل مرة هزعق واقولك متجيش مش عايز اشوف وشك والله أنا عامل حساب كرامتك اللي ببعترها أكتر منك..
تمتمت رانيا بانفعال شديد:
-كل ده علشان جيت أسلم عليك لا أكتر ولا أقل.
-متسلميش يا رانيا مش عايزك تسلمي ولا تتعبي نفسك شيليني من دماغك، ولو يا ستي بتعدي صدفة سبحان الله من طريق المستشفى غيريه وريحيني...شوفي طريق غيره..
ثم صاح حقًا تلك المرة:
-ده ناقص اعمل بانر قدام المستشفى اقول ممنوع دخول رانيا واحط صورتك واسمك بالبونت العريض.
سألته رانيا بغضب حقيقي:
-للدرجة دي بتكرهني؟
رد عليها جواد بتوضيح:
-لما بشوفك دمي بيفور يا رانيا، ده اللي عملتيه عمرك كله كوم واللي عملتيه من بعد وفاة بابا ده بقا في كوم تاني لوحده، ياريت تحسي إني فعلا بتنرفز لما بشوفك.
تمتمت رانيا بنبرة جنونية:
-والله مفيش فايدة فيك فعلا، كل مرة بقول هيعقل لكن مفيش فايدة أنا همشي أحسن.
غمغم جواد ساخرًا منها:
-خلاص ريحي دماغك مني مدام مفيش فايدة فيا.
أنهى حديثه وهي نظرت له بغيظٍ كبير ثم رحلت تحاول التفكير في أي شيء جديد كانت حمقاء بل أكثر من حمقاء حينما طلبت الطلاق منه...
_______________
يقوم دياب بتوجيه الكاميرا على كل ركن في المكان بعدما اتصل بصديقهما "طارق" "فيديو كول"...
أما نضال كان مع الرجال في الخارج مودعًا أياهم تحديدًا صاحب المكان السابق..
تحدث طارق عبر الهاتف:
-الصورة منغمشة شوية..
رد عليه دياب بنبرة هادئة ومتوقعة:
-هتلاقي النت متنيل متقلقش عمومًا أنا صورت فيديو وصور كتير هبعتهالك على الواتس هتكون اوضح كتير عن كده.
تمتم طارق وهو يهز رأسه موافقًا:
-ماشي مش مشكلة، المهم نضال فين؟.
تحدث دياب متذمرًا:
-والله معرفش غطس بقاله ساعة المفروض راح يوصلهم هتلاقيه بيرغي برا معاهم..
أتاه صوت طارق من الهاتف:
-طيب هو ليه مطنشني ومش عايزني ابعتله الفلوس؟! أنا مش فاهمه..
رد دياب عليه بصراحة مطلقة دون مراوغة:
-هو مش عايز يأخد منك فلوس علشان أنتَ مش هتكون موجود علشان تمضي وهدير مينفعش تمضي لأنها صغيرة، مفيش حاجة هتضمن حقك فهو منتظر على الأقل يبدأ الشغل وساعتها تتأكد أن الدنيا وتدخل معانا بقلب جامد..
غمغم طارق بضيقٍ واضح:
-أنا مش مخونكم يا دياب؛ أنا واثق فيكم أكتر من اللي من دمي حتى لو اختي عملت معايا كده ده مش معناه إني هخونكم، أو اخَون نضال...
أردف دياب مختصرًا:
-والله مش عارف بقا ابقى كلمه في الموضوع ده لوحدكم كده بليل..بس ياريت مطلعنيش فتان في الأخر....
جاءه صوت طارق وهو يخبره بعدما اختفت صورته:
-ماشي، الناس اللي شغالة معايا جم اهو، هقفل دلوقتي وهبقى اكلمكم بليل، يلا سلام..
هتف دياب قبل أن يغلق المكالمة:
-سلام...
أخذ دياب يسير في المكان يفحصه تلك المرة بعينه هو ومن أجل نفسه بدلًا من تصويره للغير...
يراه بأعين قلقة من الخطوة الجديدة..
هي أخر نقود معه تقريبًا...
ترك فقط جزء بسيط إذا احتاجت والدته أي شيء وباقي المصاريف والجلسات هو يأتي بها من خلال عمله في مشويات خطاب ومن أجره في التوكتوك، غير معاش والده...
يتمنى أن تكون تلك الخطوة تستحق المخاطرة...
يتمنى التوفيق...
هو لأول مرة يُخاطر بفعل شيء كهذا....
جاء نضال من خلفه هاتفًا بنبرة هادئة:
-إيه قفلت مع طارق؟.
رد عليه دياب بهدوء:
-اه قفل وراه شغل وهيكلمنا بليل، يلا بقا احنا اتأخرنا وأنا ورايا مشوار وفي حاجات عايز اروح اجيبها.
تمتم نضال بابتسامة صافية:
-ماشي يلا نمشي، وأنا كلمت عمومًا الناس هتيجي تشتغل من بكرا وزي ما أنتَ شايف المكان مش محتاج تعديلات كتير زي أي مكان تاني ودي من ضمن الحاجات اللي لفتت نظري أنه مش هنحتاج نصرف كتير فيه، أنا متفائل يعني...
ابتسم له دياب محاولًا الحديث بطاقة إيجابية استمدها من صديقه:
-خير ان شاء الله يا نضال ربنا يعمل لينا كل خير.
_______________
عند عودتها من العمل أخذت تصنع الطعام....
أما سلامة ذهب لتصليح شيء في سيارته لذلك كان لديها مساحة من الوقت من أجل أن تصنع الطعام وهي تتبع أحدى الوصفات التي أخذتها ودونتها في دفترها من والدتها من أجل أن تصنع طاجن بزلاء بالجزر واللحم، وأرز بالشعرية...سلطة خضراء..
أثناء قيامها بوضع الطماطم في الخلاط الكهربائي صدع صوت الجرس، هناك زائر على ما يبدو!!
لو كان سلامة لما كلف نفسه عناء الضغط على زر الجرس كان لـيستخدم مفتاحه...
تركت كل شيء تفعله وخرجت من المطبخ..
وجدت إسدال الصلاة الخاص بها موضوع على أحد المقاعد فأخذته وأرتدته بسرعة كبيرة ثم توجهت صوب باب الشقة وقامت بفتحه لتجد أمامها زهران....
وجدت أمامه الأرجيلة الخاصة به فتحدثت باستغراب:
-في إيه يا عم زهران؟!.
رد زهران عليها بابتسامة حنونة إلى أبعد حد:
-جرا إيه بس يا بنتي يعني مش ترحبي بأبوكي؟..
شعرت جهاد بالحرج فولج زهران هو وأرجيلته بعدما ابتعدت عن الطريق هاتفة:
-لا طبعًا اتفضل يا عم زهران...
دخل زهران وجلس على أقرب مقعد من الباب بينما جاءت جهاد وجلست على الأريكة متمتمة:
-في حاجة يا عم زهران ولا إيه أصلي بعمل الأكل وسلامة قال نص ساعة وجاي بالكتير ويدوبك لازم الحق اخلص الاكل علشان متحصلش مشكلة..
غمغم زهران بنبرة جادة:
-لا متخافيش أنا مش هطول عليكي يا بنتي..
ثم صاح بقوة وهو يخبرها بعدما سحب نفس من أرجيلته قبل أن ينطفئ الفحم بالتأكيد هنا لا يتواجد أدوات قد تساعده:
-وبعدين مين ده اللي يعمل مشكلة وأنا هنا؟! وبعدين أنا بهدلته لما عرفت أنه اتخانق معاكي هو جايبك هنا تطبخي وبس ولا إيه انشفي كده...
تحدثت جهاد بتردد:
-والله يا عم زهران، أنتَ بتسخني عليه أكتر من سلمى اختى.
غمغم زهران بنبرة هادئة بعدما أخذ نفس من الأرجيلة:
-يا بنتي أنا عايز مصحلتك أنا هنا من أجل حقوق النسوان، أو بلاش النسوان نخليها المرأة علشان تكون حاجة فخمة كده زيي..
صمت لبضعة ثواني ثم قال بجدية شديدة وهو يخبرها:
-مش ده الموضوع اللي أنا طالع علشانه يا بنتي..
أردفت جهاد بعدم فهم وهي ترفع أحدى حاجبيها:
-يا عم زهران من ساعة ما طلعت وأنا والله نفسي أفهم إيه هو اللي حضرتك طالع علشانه، أنا شخصية فضولية ونفسي تدخل على الموضوع علطول.
تمتم زهران بحنان فائق الحدود وبمسكنة:
-عايزك تقربي من البت وفاء ويارب ما تكسفيني، مع إني مكرهش قد اسم وفاء بس منه لله اللي كان السبب....
ابتلع ريقه ثم حاول أن يسترسل حديثه بجدية ويترك أمر الاسم لوقتٍ لاحق:
-المهم يا جهاد أنتِ قدها في السن غير انتصار برضو، يعني لو قعدتي معاها شوية واخدتي بحسها بدل ما هي لوحدها وأنتِ عارفة الظروف اللي فيها وهي ازاي قلقانة من موضوع ولاد الـ*** دول وبعد اللي حصل امبارح...
كان يسترسل حديثه بتأثر شديد لأول مرة تراه:
-البت بتبات لوحدها تحت وأكيد هي لسه مش واخدة عليا أنا ونضال علشان تقعد معانا، طول النهار حابسة نفسها وفي حواجز كتير وأنا مش عارف اتكلم معاها أوي.
غمغمت جهاد بنبرة مترددة:
-بس يعني هتطفل عليها؟..
رد عليها زهران ببساطة:
-أكيد لا وبعدين يعني لولا أن سامية ايدك منها والقبر كنت قولتلها تعمل كده بس أنتِ عارفة سامية مش بنت سبعة بنت تسعة، وهتقعد تقرفني غير أنها اتجوزت وبعيد لكن هنا أنتِ قريبة منها..
ثم حاول أن يبذل مجهودًا أكبر في اقناعها:
- وبعدين مين قالك ده هيكون تطفل مش يمكن هي مستنية منك خطوة تقربي منها وترتاح معاكي في الكلام أنتم بنات زي بعض ومن سن بعض..
نظرت له جهاد باستغراب، لأول مرة تلمس جانب أخر من زهران، هو لحوحًا ومُحبًا من أجل أولاده، حتى من أجل فتاة رأها في مدة تقل عن شهر، بينما هي وشقيقتها تخلى والدهما عنهما في أهم فترة في حياتهما...
تمتم زهران بعدم فهم حينما لاحظ شرودها:
-روحتي فين يا بنتي؟.
ردت جهاد بعد تنهيدة خرجت منها:
-معاك يا عم زهران، حاضر من عنيا هحاول متقلقش...
قاطع حديثهما سلامة الذي ولج من الباب يصيح وهو يحمل بعض الأكياس البلاستيكية:
-أنتِ يا جهاد هانم سايبة الباب مفتوح علشان تلمي القطط تاني يعني ولا إيه؟! المرة دي تدخل هي وعيالها صح؟!
ثم اندهش حينما ولج وأغلق الباب خلفه ليجد والده بالداخل:
-بابا..
رد زهران عليه ساخرًا:
-لا ماما...وبعدين أنتَ لسه خايف من القطة عيب والله.
أخذ سلامة يحرك أنفه بطريقة استكشافية ليغمغم:
-استنى بس يا بابا أنا مش شامم ريحة أكل...
قالت جهاد بتوتر:
-أنا كنت بعمل الأكل وجه عم زهران و أنـ
قاطعها زهران بانزعاج لا يقبل أن تثبت التهمة عليه:
-أنا يا بنتي عملت إيه بس؟! أنا مستنى ابني علشان واحشني وقولتلك اعملي الاكل وبطلي تاخدي الموضوع حجة لازم جوزك يرجع يلاقي لقمة يأكلها....
أتسعت أعين جهاد هاتفة بعدم تصديق:
-والله يا عم زهران أنا مبقتش عارفة حضرتك مع مين..
نهض زهران وحمل أرجيلته هاتفًا بنبرة جادة لا تتكرر كثيرًا:
-هو أنا كده طول ما أتتِ عايشة معايا يا بنتي مش هتعرفي أنا فين ومع مين؛ يلا اسيبكم أنا بقا....
غمغم سلامة بعدم فهم:
- كنت عايزني في إيه؟
تمتم زهران ببساطة وهو ينظر إلى سلامة:
-أبدًا مكنتش عايزك أنتَ، أنا كنت بطلب من جهاد بنتي حبيبتي أنها تنزل وتقعد مع اختها شوية..
تحدث سلامة بغباء واضح وهو يضيق عينه:
-وهي سلمى بتعمل إيه تحت هنا؟!.
قال زهران وهو يهز رأسه بفقدان أمل:
-مفيش فايدة، مفيش فايدة فيك يا ابني..
أردفت جهاد موضحة إلى زوجها بعدما نهضت ووقفت بجواره:
-قصده على اختك يا سلامة، وفاء..
تمتم زهران بغضب حقيقي:
-أنا لازم قبل ما أحل الموضوع مع أبوها نشوف صرفة واغير اسمها كل ما اسمع اسمها دمي بيفور...
بدأ سلامة يُدرك الأمر فأعتذر من أبيه هاتفًا:
-معلش يا بابا أنا كده لما مبأكلش مخي بيقفل ويتخن.
عقب زهران:
-حتى وانتَ واكل يا سلامة بتكون نفس الدماغ الخربانة مفرقتش كتير يا ابني..
رحل زهران...
بينما أشار سلامة ناحية المطبخ هاتفًا بجدية:
-يلا ياستي، يلا أبوس ايدك اكليني...
ثم غمغم متحسرًا:
-الواحد مش عارف يقول لأبوه أقعد كُل معايا وامسك فيه لأننا لسه بنجرب وبعدين ده واخد على أكل مشويات خطاب وأكل نضال يعني هنقل من نفسنا لو قعدناه.
صاحت جهاد وهي تخلع الإسدال عنها:
-أقعد كده أحبط فيا...
هتف سلامة وهو يضرب كفًا على كفٍ بنبرة جادة:
-لا ولا أحبطك ولا غيره، أنا هدخل أخد دش وأغير هدومي وهقعد وهديكي وقتك ومش هستعجلك حتى لو كلنا الفجر بس ياريت في الأخر نأكل حاجة عدلة يعني.....
______________
ذهبت إلى العمل بجسدها أما عقلها كان في مكان أخر.....
لم يكن لديها طاقة أبدًا...
برغم وجودها في المكان اعتذرت عن "كلاس" والآخر أعطته إلى صديقتها...
كان من الممكن ألا تأتِ اليوم من أساسه لكنها أبت ذلك لأنها تعرف بأن والدتها تقرأ حالتها وتعرف ما يحدث معها بمجرد رؤيتها جالسة أمامها بهذه الحالة سوف تطرح العديد من الاسئلة عليها....
وهي لا تحب النقاش طويلًا في مشاعرها أو مشاكلها هي عكس جهاد؛ لا تدري حقًا هل هذا لأنها محبة للخصوصية أم تخجل من أن تظهر إضطرابها الواضح في أي مشكلة تحدث تحديدًا الشيء الجديد عليها حياتها العاطفية فـ مشاركة هذا القسم تختلف عن أي قسم أخر بالنسبة لها....خالها فقط استثناء في بعض الأوقات.....
على الأقل هنا حتى لو سألها شخص عما يتواجد بها لن يصر عليها كما تفعل والدتها...
مر يومين أو رُبما ثلاثة بعد شجارهم في السينما ولم يتصل بها أو يرسل رسالة واحدة حتى، صدقًا كانت ترغب في أن يرسل لها حتى لو كان يغضب منها ويثور عليها وهي سوف ترد عليه بالمثل لكن على الأقل كان ليتواجد بينهما حديث...
بدلًا من هذا التجاهل المُريب من قِبله وهي لم تختلف عنه، هي تمسك هاتفها أكثر من عشرة مرات خلال اليوم تستعد لكتابة رسالة ثم تمسحها، تستعد للاتصال به ثم تتراجع، ترددت عشرات المرات من أن تفعل......
أمسكت هاتفها وهي تجلس في أحد الأركان في أحدى الغرف الفارغة الآن لا يتواجد بها أية دروس، وأخذت تقلب في الصور التي تتواجد بحوذتها؛ ابتسمت رغم أن أغلب الصور الخاصة بخطبتهما غريبة كلاهما ينظر في اتجاة أخر تحديدًا هي....
لكنه كان وسيم..
وسيم جدًا...
لا تدري هل هو وسيم حقًا أم أن عيناها هي من تجعله جميلًا إلى هذا الحد؟ رُبما لأن جمال من أمامنا في بعض الأحيان قد يكون صورة كونها ذهننا أكثر مما هي عليه في الحقيقة...
كانت اشبة بفتاة مراهقة تراقب صور الشاب الذي تعجب به؛ لكن لا هي مراهقة ولا هو مجرد شاب...
هو زوجها.....
من وسط شرودها في أحد الصور الذي كان مبتسمًا فيها، وجدته يتصل بها.....
ارتعشت يدها وهي تقرأ اسمه بصوتٍ مسموع وكأنها تؤكد لنفسها حقيقة اتصاله.....
-نـضـال....
ابتلعت ريقها وعقدت حاجبيها مقررة بأنها لن تجب على اتصاله، لكن ذهب قرارها إلى الجحيم وهي تقوم بالإجابة عليه بصوتِ خافت خرج منها بصعوبة عكس صوت سلمى الواضح والحاد دومًا دون سبب:
-ألو.
أتاها صوته بدى مترددًا نوعًا ما:
-ألو، ازيك يا سلمى؟ إيه أخبارك...
ردت عليه سلمى وهي تعقد حاجبيها تلك المرة ليست بحدة بقدر ما هي عدم فهم:
-أنا الحمدلله كويسة..
ثم سألته بعفوية وتلقائية:
-أنتَ عامل إيه؟!.
تحدث نضال بنبرة عادية:
-بخير الحمدلله، إيه الدنيا خلصتي الشغل ولا لسه؟
هل هو يتشاجر معها وعقلها وأذنيها يسمعان ويترجمان الحديث بشكل أخر؟!
ما يحدث غير طبيعي هو يتحدث وكأن الحديث بينهما لم ينقطع..
كأنه لم يحدث شجار من الأساس...
ردت عليه سلمى بهدوء مستمرة على ذات الوتيرة:
-اه في الشغل لسه قدامي شوية بس قربت أمشي يعني.
تمتم نضال بنبرة هادئة:
-ماشي أنا في مشوار كده هخلص وهعدي عليكي متمشيش.
ردت عليه بتلقائية:
-ماشي.
الوصول إلى هنا كان شيئًا غريبًا بالنسبة إلى نضال...
يبدو أن سلمى مختلفة عن أي أمرأة سمع عنها...
هو يعرف بأن المرأة تغضب حينما يتشاجر معها الرجل ثم يعود ويتعامل معها بشكل طبيعي وكأنه لم يحدث شيء....
وقتها يسمع بأن الشجار يكبر أكثر لأن المرأة تظن بأن هذا عدم تقدير إلى مشاعرها؛ رُبما سلبية ويصفها بعض النساء بأن الرجل لا يستطيع المواجهة لذلك يزول غضبه ويعود للحديث بهدوء متجنبًا فتح الشجار..
تمتم نضال بتردد من فتح هذا الموضوع لكنه لم يتحمل الصمت:
-أنا مش اسف على اللي عملته...لكني بعتذر على اليومين اللي فاتوا إني متصلتش بيكي....مش بتجاهلك على قد ما أنا مكنتش عايز نتخانق أكتر...كنت عايز أكلمك لما نكون أحنا الاتنين بقينا أهدى...
حاولت قول أي شيء:
-اه معاك حق.
أسترسل نضال حديثه موضحًا بنبرة لينة:
-أنا واخد بالي أننا مش متفقين وده مش علشان احنا مختلفين عن بعض لا أحنا بنمتلك نفس الطباع وده عامل قفلة زي ما بيقولوا لأننا لسه بنتعرف على بعض من الأول خالص وده طبيعي لغايت ما نوصل لنقطة محايدة أو أرض مشتركة....أنا مش عايز أخسرك ولا عايز يكون يومي من غيرك...ولا شايف ان في خناقة مهما حصل تخلينا نشيل من بعض..
لم يجد منها رد صريح وهنا غمغم نضال بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-سلمي أنتِ سمعاني ولا أنا بكلم نفسي؟.
قالت سلمى بتردد:
-سمعاك طبعًا يا نضال.
ليعترف بأن بعض الأوقات لها طريقة مميزة في نطق اسمه لا تمر مرور الكرام عليه...
-طب مفيش أي رد على اللي أنا بقوله؟.
ردت عليه سلمى باختصار وكلمات مبطنة بعض الشيء تصل معاني يفهمها من لديه فطنة:
-أنتَ قولت اللي أنا عايزة أقوله...
كررت كلماته وهي تقول بنبرة خجولة خافتة وصلت له بصعوبة بالغة:
-أنا مش عايزة أخسرك يا نضال..
أستعملت عبارته...
لا ترغب في فقدانه...
هو بالنسبة لها ليس مجرد مكسب أو خسارة، هي مشاعر تجاهد فيها وتنتدر معرفة من سوف ينتصر فيها؟
هل المنتصر مشاعر مكبوتة بداخلها ناقمة على كل شيء أم مشاعر أخرى جميلة وملونة كانت تجاهه هو فقط؟؟
هو اللون الذي في حياتها ودخل ليحارب سواد الماضي وعبقه.....
أما هو تعلم فن الحديث من أجلها في السابق لم يكن لديه الطاقة من أجل تحمل أمور الفتيات...
لكن وُجدت الطاقة بداخله على الأغلب..
لم تكتفِ بهذا وهي تخبره بصراحة مطلقة:
-من ساعة ما اتخانقنا وأنا كل يوم بمسك الفون وبفكر إني اتصل بيك بس كنت برجع في اللحظة الأخيرة ويمكن لو مكنتش اتصلت بيا دلوقتي كنت كلمتك أنا لما روحت...
اعجبته كلماتها لكن لم يعجبه أبدًا ترددها تجاهه لكنه يحاول أن يكون صبورًا كما لم يكن من قبل وأن يصل إلى أعمق نقطة بداخلها، يومًا ما سوف تصبح سلمى كتابًا مفتوحًا أمامه ليس بفطنته تلك المرة لكن هي من سوف تفتح الكتاب بذاتها، وتجعله يقرأ صفحاتها عن صدر رحب..
عقب نضال تعقيب مرح على كلماتها:
-كده أنا أحسن منك وقدرت أتغلب على غضبي وزعلي منك.....
ثم أسترسل حديثه بكبرياء طفيف لكن كلماته لمستها بشكل كبير جدًا:
-وأنا مش سهل عليا إني اتصل واعمل كده بس أنتِ كسرتي القاعدة، بس مش كل مرة هكسر القاعدة ساعات هحب أشوف أنا غالي عندك قد إيه وهتحاولي تطايبي بخاطري ولا لا..
ردت عليه باختصار وتوتر وهي تحك عنقها:
-أنا عمري ما هكون عايزة أنك تزعل مني يا نضال..
ليتها تستطيع رؤية ابتسامته وهو يخبرها:
-خلاص حصل خير، قوليلي هتخلصي امته علشان اجيلك..
-يعني قدامي نص ساعة كده.
_______________
في مساء اليوم التالي...
-تعالى يا واد يا سلامة عايزك في موضوع مهم جدا.
كان نداء زهران هو ما جعل سلامة يخبر جهاد بأن تصعد إلى شقتها وأنه سوف يأتي خلفها...
بالفعل ولج سلامة إلى شقة والده ثم جلس بجواره على الأريكة بينما نضال كان يجلس في القطعة الأخرى من الصالة يقوم بمشاهدة أحد الأفلام على هاتفه..
تحدث سلامة بقلق واضح وقد أتى في ظنه بأن الرجل الذي يُدعى مجدي قد أتى مرة أخرى:
-إيه يا بابا قلقتني حصل حاجة تاني؟..
غمغم زهران بعدما لاحت علامات التأثر على وجهه:
-اللي حصل لأبوك مش شوية يا سلامة، ابوك اتهان..
صاح سلامة باستنكار شديد:
-لا عاش ولا كان اللي يهينك يا بابا، قولي بس مين داس ليك على طرف...
تمتم زهران بتأثر واضح بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-بعد ما كنت في الدور الألف وبعد سنين من الشقى واللعب النهاردة بفتح لقيتني في الدور الأول معرفش ازاي بقا اتصرف وشوف إيه اللي حصل..
تنهد سلامة وتنفس الصعداء فهو ظن بأن هناك شيء قد حدث لذلك عقب بنبرة جادة:
-يا بابا والله حرام عليك افتكرت في حاجة بجد...
صاح زهران باستهجان وغضب عظيم:
-هو اللي أنا فيه ده شوية يا سلامة؟! بقولك من الألف بقيت واحد..
تمتم سلامة بسخرية لاذعة:
-صح هو كل اللي احنا فيه عادي لكن أبوك يا نضال من ليفل الف لـ واحد هي دي المشكلة الوحيدة اللي بتقابله...
هتف زهران بغضب حقيقي غير مفتعل:
-يعني أنا مخلف اتنين شُحطه ومحدش فيكم عارف يشوف ليا إيه اللي حصل علشان يحصل معايا كده؟.
جاء نضال الذي كان يسمع حديثهم بالرغم من اندماجه مع الفيلم السينمائي لكنه أغلقه وقام بتأجيله حتى يراه في الليل هاتفًا بتصحيح بسيط:
-لا متقولش اتنين، دول ثلاثة شكلك نسيت اللي تحت ومش عارفين نعمل إيه ولا اللي الـ *** مجدي ده هيعمل إيه..
أجاب عليه زهران بأريحية شديدة:
-لا منستش طبعًا هو حد ينسى بنته حبيبته الوحيدة أنا بس محبش أقول تلاتة علشان بتتقمصوا...
رأى سلامة بأن الأجواء على وشك الاشتعال لذلك غمغم مقتحمًا الأجواء:
-سيبكوا من ده كله في حاجة عايز أقولها ليكم..
تمتم نضال بتهكم شديد وهو يمرر يده بين خصلاته الفحمية:
-اه أنا عارف مواضيعكم وحاجاتكم المهمة دي.
قال سلامة مدافعًا عن نفسه حتى لا يتم وضعه في ذات الخانة مع والده:
-لا هقول حاجة بجد..
صاح زهران باستنكار:
- طب ما تقول يا ابني هو احنا هنتحايل عليك...
ثم أدرك شيئًا ما هاتفًا:
-هو أنتَ صحيح كنت فين كل ده جيتوا متأخر من الشغل يعني، وجهاد طلعت علطول مقالتش حتى السلام عليكم هو أنتم متخانقين ولا إيه؟.
رد عليه سلامة وهو يخبره:
-لا احنا كنا عند الدكتورة.
انتظر نضال وزهران تفسيرًا ما..
ولم يبخل عليهما سلامة وأخبرهم بنبرة واضحة مخرجًا ما يتواجد في جوفه:
-جهاد حامل...
ابتسم نضال وكان أول من بارك له:
-ألف مبروك يا سلامة، ربنا يارب يجيبه بالسلامة....
ثم تحدث بنبرة مرحة بعض الشيء:
-يارب بس ميطلش زي ابوه ولا جده.
تمتم سلامة ساخرًا وبنبرة مستفزة:
-ولا زي عمه يطلع زي اي حد غيرنا بقا يشوف له عيلة تانية...
تحدث زهران أخيرًا والبسمة احتلت ثغره بعدما تجاوز صدمته:
-ألف مبروك يا سلامة؛ ألف مبروك يا رافع رأس أبوك، مع أن مكنتش متوقع أن يجي منك بس...
غمغم سلامة بعصبية وخجل طفيف:
-هو إيه اللي مكنتش متوقع يجي مني ده إيه اللي حضرتك بتقوله ده؟...
ثم وجه حديثه إلى نضال هاتفًا بسخرية:
-ما تقول حاجة يا نضال لأبوك...
رد عليه نضال متهكمًا:
-دلوقتي بقا قول يا نضال؛ وبعدين احنا برضو مش عارفين ننسى القطة واللي حصل...
نهض سلامة مرفوعًا الرأس:
-أنا طالع لمراتي و ابني أو بنتي اللي مستنيني فوق علشان كفايا تهزيق لغايت كده أول مرة وأخر مرة اجي اقولكم حاجة..
ضحك نضال مغمغمًا بجدية شديدة:
-أنتَ بالذات يا سلامة استحالة متقولش أي حاجة لسانك يأكلك فيها أصلا..
...بعد مرور ربع ساعة...
كانت جهاد على الفراش، أسفل الغطاء والدموع متجمعة في عيناها، ولج سلامة إلى الغرفة لكنه توجه صوب الخزانة من أجل أن يخرج ملابس منزلية لنفسه وسألها بعفوية وهو يوليها ظهره بينما يديه تعبث في الخزانة:
-اتصلتي بسلمى وطنط قولتليهم؟.
ردت عليه جهاد بكلمات مقتضبة ومختصرة:
-اتصلت بيهم وكلمت سلمى بس قفلت من غير ما أقولها حاجة..
أقترب منها سلامة متحدثًا بعدم فهم:
-ليه؟...
انهمرت دموعها بشكل مُريب لم يفهمه وهي تخبره:
-اتكسفت أقولهم، هو أنتَ قولت ليهم تحت؟.
تمتم سلامة باستغراب من حالتها تلك:
-أيوة قولتلهم عادي..لو مكسوفة هاتي أقولهم أنا..
صاحت جهاد وهي تعاتبه بطريقة اذهلته:
-ازاي؟! جبت البجاحة دي منين..ازاي متكسفتش..
رد عليها سلامة بنبرة ساخرة:
-بجاحة إيه؟! وبعدين اتكسف ليه هو أنا ممسوك في شقة؟ أنا متجوز ومراتي حامل إيه الشيء المحرج في كده؟..
أردفت جهاد بتردد:
-معرفش هو موضوع كله محرج.
مسح سلامة دموعها بأنامله هاتفًا:
-طيب بطلي عياط وهبل يا جهاد بقا علشان العملية مش ناقصة، وبقولك إيه؟ ما تيجي نطلب أكل أنا جعان.....
حاولت مسح دموعها بعدما أنزل يده هاتفة بعدم اقتناع:
-ماشي.
كرر سلامة كلمات الطبيب:
-أهم حاجة يا جهاد الراحة؛ وفكك من الشغل بقا نروح نخلص الدنيا علشان ترتاحي اهم حاجة الراحة زي ما قال علشان أنتِ لسه في الأول...
-ماشي..
جذبها إلى أحضانه لتعانقه بحب محاولة أن تتوقف عن دموعها، رغم أن الأمر حدث سريعًا إلا أنها سعيدة رغمًا عن حرجها وبكائها الآن...
___________
في اليوم التالي...
صنعت جهاد الطعام مبكرًا اليوم...لأنها لا ترغب في تناول الطعام كل يوم من الخارج من أجل جنينها...
والغريبة أنه..
نال استحسانها واستحسان سلامة على غير العادة..
رُبما لأن كان لها وقتها ولم يكن معها في المنزل فتشعر بالتوتر...لأنها كانت أجازة مؤقتًا من العمل جتى تعرف ماذا سوف تفعل وتخبر عائلتها أولا....
هبط سلامة مخبرًا أياها بأنه ذاهب من أجل أن يلتقي بأحد اصدقائه لذلك وجدت الفرصة سانحة بالفعل حتى تهبط وتجلس مع وفاء كما أراد منها زهران، لم ترغب في أن أول طلب يطلبه منها لا تفعله وتحديدًا حينما رأت لهفته الواضحة، ومن جانب أخر لديها فضول تجاة وفاء لذلك لم تجد أي عائق يمنعها من الهبوط والجلوس معها..
استقبلتها وفاء باستغراب بسبب شعورها في الأيام الأولى بنظرات جهاد المنزعجة تجاهها لكن سرعان ما جعلتها جهاد تعتادها فهي شخصية اجتماعية بالفطرة...
-بس ياستي النهاردة ربنا سترها معايا وعرفت أعمل مكرونة بالبشاميل، اينعم جيبت كيس البشاميل جاهز واللحمة ماما اللي معصجاها وبعتاها ليا، بس عملت..
قاطعتها وفاء بعفوية:
-أومال أنتِ عملتي إيه لما كل ده جاهز؟!
غمغمت جهاد تدافع عن نفسها ببراعة:
-رصيتها على بعضها وسلقت المكرونة وكمان خدي بالك أنا غير إني رصيتها سويتها، مش أي حد يسوي الحاجة مظبوط..
أردفت وفاء بعدما رسمت على وجهها ابتسامة رغمًا عنها يبدو أن جهاد شخصية يسعد المرء برفقتها عكس ما كانت تظن في البداية:
-معاكي حق.
قالت جهاد بمرح اثناء جلوسها على المقعد في الشرفة وأمامهما حلى "التراميسو" البارد التي صنعته وهبطت بيه وكانت بارعة في صنعه وماهرة لم تكن المرة الأولى بل كانت تصنعه دومًا لتتناوله مع سلمى:
-أنا من ساعة ما نزلت وأنا فاضحة نفسي وفاضحة جوزي من أول ما عرفنا بعض لغايت اللي حصل من ساعتين، وأنتِ متكلمتيش خالص، اتكلمي كده وسليني...
ثم سألتها وبدت كأنها أم تستجوب ابنتها وهي تنصب لها فخًا:
-مفيش حد في حياتك؟ ولا كان في حد، أصل أنا أحب اسمع قصص الحب أوى..
ردت عليها وفاء بجدية:
-أنا تقريبًا مخطوبة.
ضيقت جهاد عيناها متحدثة بعدم فهم وهي تردد جملتها:
-يعني إيه تقريبًا مخطوبة دي؟! تتصرف في أنهي بنك؛ يا مخطوبة يا لا ده اللي أنا أعرفه...
أردفت وفاء وهي تحك عنقها بتوتر ورغمًا عنها شعرت بالارتياح في الحديث مع جهاد في تلك النقطة:
-يعني خطوبتي غير أي خطوبة، وخطيبي غير أي راجل...
تمتمت جهاد ساخرة وهي تعقد ساعديها والفضول يلوح في الأفق:
-يعني إيه الكلام ده؟ أنا الفأر بدأ يلعب في عبي زي ما بيقولوا، إيه جو الفوازير والكلمات المتقاطعة ده؟ أحكي يابنتي أنا خلاص فضولي وصل السماء...
غمغمت وفاء بعد نفس طويل أخذته وهي تحاول التفسير لها:
-بصي انا اتخطبت لأنه من مجايب أبويا أو اللي كنت فاكراه ابويا، هو مغصبنيش بس أنا كنت خارجة من علاقة حب فاشلة وكانت خلاص هتبقى رسمي بس الغلط والحرام مبيكملش، المهم اتخطبت ليه قولت اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفهوش واللي يختاره أهلك أحسن لأن الأولاني مكنش على هواهم خالص رغم أنه كان جارنا من سنين..
عقبت جهاد على حديثها بعدم فهم:
-يعني هو قريبه؟.
هزت وفاء رأسها نافية وهي تخبرها:
-لا مش قريبه هو كان شريكه كانوا فاتحين كافية كبير أوي عندنا، وكان يعتبر سياحي كل اللي جاي مصايف أو جاي سياحة كان بيجي عليه، بس في النهاية مكملش فيه وأبويا خده منه واشترى نصيبه.
أردفت جهاد ساخرة:
-ياستي انا مالي بمواضيع الشغل، احكيلي عليه معاكي.
- أنا كنت وحشة معاه ومش ببل ريقه بكلمة كنت بحاول مغلطش غلطتي مع اللي قبله بس بصراحة هو كان حد غريب ممكن أقعد شهرين مشفهوش ويتصل بالعافية وكان بيختفي بشكل فظيع بس دايما كانوا يقولولي ده عادي علشان أنا من محافظة وهو من محافظة..غير أن أهله كانوا أغرب منه ومشوفتش إلا اخته..
أتسعت أعين جهاد بفضول كبير وبدأت تشعر بالرغبة في معرفة القصة كلها:
-وبعدين كملي...
أردفت وفاء بنبرة عادية:
-هو وقف معايا بصراحة وقت ما أمي كانت في بداية تعبها بس برضو كان بيختفي في النص ولما ماتت مجاش عزاني، ومن ساعتها وهو مختفي معرفش عنه حاجة حتى موبايله مقفول وأنا قلقانة عليه أو مش قلق بقدر إني مش فاهمة، ده أكتر وقت كنت محتاجاه فيه جنبي.....
غمغمت جهاد بنبرة جادة:
-الراجل اللي بيروح ويجي ده ملهوش إلا مبرر واحد يا حبيبتي..
سألتها وفاء بلهفة لعلها تجد عندها الرد:
-إيه هو؟!.
-ده متجوز ومخلف، أو تاجر مخدرات والحكومة بدور عليه مفيش حلول أخرى يا حبيبتي....
وكادت أن تسترسل حديثها لولا عيناها التي نظرت بها إلى الأسفل حينما سمعت صوت بوق السيارة وبعدها بثواني هبطت منها سامية؛ فنهضت من مكانها بحركة عفوية ولحقتها وفاء وهي تسألها:
-في إيه يا جهاد؟!
ردت عليها جهاد بتلقائية:
-سامية وجوزها جم.
سألتها وفاء بعدم فهم:
-سامية مين؟!
-سامية بنت عمك، بنت طنط انتصار اللي كل شوية تجيلك صحصحي كده...
هبط من السيارة حمزة في الوقت نفسه وأغلق الباب خلفه بعدما رفع نظارته الشمسية ووضعها فوق رأسه هنا أتسعت أعين وفاء وتجمدت أطرافها تحاول أن تستوعب ما تراه!
كيف؟!!
ما الذي يفعله هنا؟!
هل عرف مكانها؟!
لا هذا احتمال بعيد..
ورغم أنها سمعت الإجابة من دقيقة تقريبًا إلا أنها ذهبت من عقلها وهي تسألها...
-مين اللي معاها ده؟!.
قالت جهاد وهي مازالت تنظر إلى الأسفل:
-سلامة السمع يا وفاء، بقولك بنت عمك وجوزها.
سألتها وفاء بنبرة جامدة:
-والله بجد؟ متجوزين بقالهم قد إيه؟!.
تمتمت جهاد بنبرة هادئة وهي تخبرها بثرثرة كعادتها:
-يعني بقالهم أسبوعين وشوية حاجة كده هما لسه عرسان جداد حتى معملوش فرح كتبوا الكتاب علطول......
قالت وفاء بنبرة باردة:
-أنا عايزة اروح اسلم عليهم...
نظرت لها جهاد بعدم فهم لتجدها تسترسل حديثها مبررة وهي تغتصب بسمة للظهور على شفتيها ليست في موضعها:
-عايزة أشوف بنت عمي...
-سيبك من بنت عمك سامية أنا صحيح مسألتكيش كل ده أنتِ خريجة إيه..
تحدثت وفاء والشياطين تتراقص أمام عيناها:
-في طب أسنان المفروض خلصت ثلاث سنين والرابعة امتحنت أول ترم ومكلمتش بسبب تعب ماما..
تمتمت جهاد بسعادة:
-بجد ما شاء الله...
قاطعتها وفاء بجدية وهي تخرج من الشرفة لتلحق بها جهاد بطريقة عفوية
-انا رايحة اشوف سامية وجوزها...
بالفعل خرجت وفاء من الشقة بشكل جنوني متوجهه صوب شقة انتصار التي كانت تتواجد أمام الشفة التي تجلس فيها لم تسمع نداء جهاد ولم تتوقف...
فتح لها حمزة الباب بعد ثواني بسبب تواجد انتصار في المطبخ وسامية في المرحاض لذلك أخبرته انتصار بأن يفتح الباب بنفسه وهنا أصفر وجهه وشحب لونه وكأن الدماء هربت منه لا يدري ما الذي يراه....
تمتم حمزة بصوتٍ خافت قبل أن تأتي جهاد خلفها لا تدري ما الذي أصابها مرة واحدة:
-وفـــاء!!!!!!!!!!!!!!!!!
________يتبع________
لو وصلم لغايت هنا دمتم بألف خير ومتنسوش الفوت والكومنت ونتقابل ان شاء الله في فصل جديد💜💜
الفصل الحادي والثلاثون والثاني والثلاثون من هنا
❤️🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺
الروايات الكامله والحصريه من هنا
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنا
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺
اتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺