القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية جبر السبيل الفصل السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرون بقلم نسمه مالك

رواية جبر السبيل الفصل السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرون بقلم نسمه مالك 


رواية جبر السبيل البارت السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرون بقلم نسمه مالك 


رواية جبر السبيل الفصل السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرون بقلم نسمه مالك 


 الفصل ال16..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


مر يومان..


لم يستطيع "عبد الجبار" الانفراد ب "سلسبيل" منذ خروجها من غرفة العناية،فقد طلبت هي من الممرضات بالمشفى عدم تركها معه بمفردها بعدما رأت ضعفها المخزي بين يديه،


لهفتها عليه تلغي كل ذرة تعقل بها، خاصةً بعد عناقهما الذي أصبح إدمان بالنسبة لهما، كل لحظة تمر عليها تحترق شوقًا لضمة من صدره ، لكنها صامدة لخاطر" خضرا" التي تعتني بها بحب صادق رغم حزنها و ألم قلبها الظاهر بعينيها يجبرها على الإبتعاد عن زوجها قدر الإمكان حتي لا تُزيد وجع غيرها، بينما وجعها هي يتضاعف..


حسمت قرارها ولن تتراجع فيه، ستبتعد وقتما تستعيد قواها و تتمكن من النهوض و السير بمفردها حينها ستتركه لعائلته دون وداع حتي، فهي على درايه كاملة أنه لن يعطي لها أبدًا فرصة الهروب منه..


"أحنا بقينا عال يا مدام سلسبيل، و ممكن اكتبلك على خروج انهاردة".. 

قالها الطبيب فور أنتهاءه من فحصها بدقة تحت أنظار "عبد الجبار" المرتعدة من شدة خوفه عليها، و "خضرا" التي صدح صوتها بزغروطة تعبر بها عن فرحتها.. 


"صُح حديتك يا دكتور.. يعني هي بقت زينة"..

قالها" عبد الجبار " بهدوء عكس ضجيج قلبه، ليجيبه الطبيب بأسف قائلاً.. 

"هي حالتها أصبحت مستقرة الحمد لله.. فأحنا هنعتبر خروجها من المستشفى هدنة بسيطة هتمشي فيها على علاج مهم جداً.. تاخده في ميعاده بانتظام لأن الخطر لسه موجود و علشان كده ممنوع الزعل نهائي.. أو أي مجهود تعمله حتي لو بسيط".. 


"أني هحطها چوه عنيا و مهخلهاش تعمل حاچة واصل يا دكتور"..قالتها" خضرا " و هي تقترب منها تهندم ثيابها، و تربت على صدرها بحنو.. 

" تسلميلي يارب يا أبلة خضرا.. ربنا ميحرمنيش من حنيتك عليا".. 

همست بها" سلسبيل " بخفوت و هي تبتسم لها ابتسامة باهتة تخفي بها عبراتها التي ترقرقت بعينيها.. 


بادلتها" خضرا " ابتسامة دافئة وهي تقول.. 

" ولا يحرمني منكِ يا خيتي".. 


بينما "عبد الجبار" سار برفقة الطبيب خارج الغرفة، لتتسع ابتسامة" خضرا " مغمغمة.. 

"أيوه أكده روقي يا حبيبتي و قومي على حيلك و ارچعي دارك نوريه و فرحي جلبي و جلب چوزك".. 

صمتت لبرهةً و تابعت بمزاح.. 

"و افقعي عين و مرارة بخيتة".. 


حركت "سلسبيل" رأسها لها بالنفي و همست بضعف قائلة.. "ده بيتك أنتي و هيفضل بيتك لوحدك و عمري ما هشركك فيه يا أبلة خضرا.. أنا ضيفة عندك و هيجي اليوم اللي همشي فيه و بتمني يكون في أقرب وقت ممكن"..


"وه ليه يا بتي بتقولي أكده.. أنتي خلاص بجيتي مَرات عبد الچبار اللي بمشيئة الله هتچبر خاطره و تچبله الواد اللي بيتمناه من سنين طويلة".. 

رسمت غضب مصطنع على ملامحها البشوشة و تابعت.. 

" ويكون في علمك أني هكون أم الواد زيكِ و يمكن أكتر كمان.. هيكون ابني اللي مخلفتهوش يا سلسبيل ".. 


فتحت" سلسبيل " فمها و همت بالحديث لكن"خضرا " أوقفتها حين قالت.. 

" خلينا نفرح لول بخروچك بالسلامة.. أني ندراها يوم ما ترچعي على الدار هعمل ليلة كبيرة و وكل ياما بيدي لخاطر عيونك أنتي يا ست البنتة".. 


أطبقت" سلسبيل " جفنيها بعنف كمحاوله منها لكبح عبراتها التي تجمعت بحدقيتها بسبب معاملة "خضرا" معاها التي تجعل إصرارها بالابتعاد عن زوجها يزداد.. 


...................................لاحول ولا قوة الا بالله 💐... 


" المنصورة ".. 


" جابر" تسعة و عشرون عامًا.. شاب مكافح بني نفسه بعمله الشاق داخل بلده و خارجها ،حتي تمكن من تحقيق الكثير من أحلامه، لكن أهم حلم بحياته بأكملها لم يستطيع تحقيقة حتي الآن، لكنه لم و لن يتوقف عن السعي حتي يصل لغرضه و يحقق هذا الحلم مهما كلف منه الأمر.. 


صف سيارته أحدث الموديلات أمام منزل حديث الطراز، جلس شارد داخل السيارة، و مد يده لجيب سرواله الخلفي اخرج جزدانه الجلدي فتحته على مهلٍ و اخرج ورقة قديمة مطوية أكثر من مرة فتحها بحرص و يتطلع لصورته المرسومة بأحترافية رسامة ماهرة برفقة فتاة صغيرة ممسك بيدها ، يسير بها تجاه مدرستها.. 


انبلجت ابتسامة على ملامحه الوسيمة حين صدح صوتها الطفولي العذب يرن بأذنه..


.. فلاش باااااااااااك.. 


كان بعامه السبعة عشر، و هي بعمر السابعة.. يعاملها كما لو كانت ابنته من شدة اهتمامه بأدق تفاصيلها، حتي أصبحت هي معلقة به أكثر من والديها.. 

"شوفت رسمتي الجديدة حلوة إزاي".. 


أخذها منها و تأملها بانبهار مدمدمًا.. 

"دي حلوة أوي يا سلسبيل.. بس قوليلي تقصدي بيها مين يا تري!!" .. 


اجابته بتلقائية.. 

"اقصدنا سوا.. رسمتك و رسمتني و أنت بتوديني المدرسة يا جابر".. 


مسح على شعرها بحنان، و مال على وجنتيها الممتلئة لثمها بعمق مغمغمًا.. 

"عقبال ما أوديكي الكلية كمان يا عيون جابر".. 


التمع الحماس بعينيها الجميلة بلونهما الأخضر الصافي، و تحدثت بفرحة غامرة.. "هتوديني الكلية اللي قولتلي عليها بتاعت الرسم".. 


" هوديكي يا حبيبتي.. هو أنا عندى كام سلسبيل".. 

قالها و هو يدغدغها كعادته معاها و هي تضحك بقوة ضحكتها الملائكية التي تأثر القلوب .. لم يمر على هذا اليوم سوي أسبوع واحد و انقلبت حياتهما رأسًا على عقب.. 


.. نهاية الفلاش باااااااك.. 


. بشقة واسعة تتميز برقي أثاثها، نجد "فؤاد" رجل كفيف بأواخر عقده السادس يجلس على أريكة ممسك مسبحته يسبح عليها كعادته.. 


"صباح الورد على أحلى جدو فؤاد في الدنيا".. 

أردف بها "جابر" الذي دلف للتو من الخارج، و اقترب منه، مال عليه و قبل يده و جبهته بحب مكملاً.. 

"أيه اللي مصحيك بدري كده يا حبيبي".. 


"مستنيك من إمبارح يا جابر يا ابني.. كنت فين طول الليل يا حبيب جدك".. 


جلس "جابر " على الاريكة جواره، و تنهد براحة مغمغمًا.. 

"وصلت أخيراً لعنوان سلسبيل بنت بنتك يا جدي".. 


تهللت أسارير "فؤاد" مردفًا بلهفة.. 

"فين يا جابر.. خدني عندها يا ابني.. خدني عندها الله لا يسيك يا جابر".. 


" أهدي يا جدي..انا هجبهالك لحد عندك اطمن".. 

قالها و هو يجذب رأسه لصدره و ضمه بحنو مكملاً.. 

"انهارده هروح اجابها.. مش هسيبها بعيد عن حضننا تاني أبدًا ".. 


.......................... سبحان الله العظيم 💐... 


أمام منزل" عبد الجبار ".. 


فرقة من أشهر فرق الفنون الشعبية ترقص الخيول على المزمار البلدي أصرت "خضرا" على أحضارهم ، و صدح صوت طلقات نارية فور وصول سيارته التي توقفت بمكانها الخاص داخل حديقة منزله.. 


هبطت "خضرا" التي كانت تجلس بجواره بعدما فشلت في إقناع "سلسبيل" بالجلوس بالمقعد المجاور لزوجها و فضلت الجلوس بالخلف .. 


طيلة الطريق كانت عينيها تتهرب من نظرة "عبدالجبار" التي تحاصرها عبر المرآه، كانت فرحته بخروجها من المشفى ليس لها مثيل،و كأن قلبه عادت له الحياة برجوعها له.. 


استدارت "خضرا" مسرعة نحوها و فتحت باب السيارة، و مدت يدها لها تساعدها، و تساندها و هي تزغرط بلا توقف أمام أعين "بخيتة" المتآججة.. 


تقف على باب المنزل تتابع ما يحدث بغيظ و غضب عارم و هي تري قوة "خضرا" تتضاعف بوجود "سلسبيل" وهي كانت تظن أنها كسرت أنفها بزواج ابنها من امرأه غيرها، و ستصبح الكلمة الأولى و الأخيرة لها هي، 


"شيل مَراتك يا خوي".. 

أردفت بها "خضرا" حين شعرت بتهاوي جسد "سلسبيل" التي تسير بصعوبة بالغة بسبب ضعفها الشديد.. 


لم يجعلها "عبد الجبار" تُعيد جملتها مرتين، و قطع المسافة بينه و بينهما و حملها على ذراعيه بخفة كأنها لم تزن شيء، بل هي بالفعل ضئيلة للغاية، و جسدها صغير بين ضخامة جسده العريض.. 


دلف بها لداخل المنزل محمولة علي يديه، محاوطها بحماية كالحصن المنيع أمام أعين "بخيتة" المنذهلة من أفعال "خضرا" التي كانت تسير خلفهما تسقف، و تزغرط، بل وصل بها الأمر أن تتمايل راقصه بذراعيها و هي تلاعب لها حاجبيها.. 


"حمد لله على سلامة مَراتك يا ولدي".. 

نطقت بها "بخيتة" من بين أسنانها و هي ترمق "سلسبيل" المستندة برأسها على كتف زوجها بنظرات كالسهام القاتلة.. 

" الله يسلمك يا أمه".. 

قالها "عبدالجبار" وهو يتابع سيره بها متجه نحو غرفتها، لتتسع أعين "بخيتة" بصدمة حين نظرت لها" سلسبيل " و أخرجت لسانها لها بحركة أستفزازية جعلت النيران تشتعل بداخلها أكثر.. 


" اه يا بت المركوب".. تمتمت بها بسرها، لتقفز فجأة بفزع حين اقتربت منها" خضرا " و زغرطت داخل أذنها بصوت عالِ للغاية مرددة.. 

"الليلة فرحتنا كبيرة بخروچ عروسة سيد الدار بالسلامة يا أمه بخيته.. وإني نادراها هعمل وكل ياما و أوزع على الخلق بيدي".. 


"اممم و ماله.. اعملي و وزعي ما هو كله خير ولدي".. 

قالتها "بخيتة" و هي تسير من أمامها بخطوات غاضبة، و هي تسب و تلعن بسرها كعادتها.. 


........................ صلِ على محمد 💐...... 


" خضرا".. 

دلفت خلف" عبد الجبار " غرفة" سلسبيل " كان هو يضعها على الفراش برفق و كأنها بلورة باهظة الثمن يخشي عليها من الكسر، سحب يده من حولها متعمد لمسها بطريقة حميمية كادت أن توقف قلبها من عنف دقاته.. 


"هروح أنا اتسبح و أغير خلجاتي على ما تچهزي الوكل يا خصرا".. 

قالها و هو يغادر الغرفة، و يسير للخارج بعدما اطمئن على صغيرته التي تجهز لها "خضرا" ثياب بيتيه، و جلست بجوارها لتساعدها على تغير ثيابها.. 


"عنيا يا أبو فاطمة.. هساعد البنته و اسيبها ترتاح هبابة و هقوم اچهز الوكل طوالي".. 

أردفت بها و هي تخلع لها حجابها بعدما تأكدت من خروج زوجها وغلق الباب خلفه.. 

"أبلة خضرا ممكن تبعتيلي فاطمة و حياة يقعدوا معايا على ما انتي تخلصي اللي بتعمليه و تيجي".. 


تفهمت" خضرا " المخزي وراء طلبها هذا، تراقص قلبها فرحًا حتي إنها لم تستطيع إخفاء فرحتها هذه، و ردت عليها دون أدنى إعتراض بعدما ربحت غيرتها مجددًا.. 

"حاضر يا خيتي.. هقولهم يفضلوا وياكِ على ما أچيكِ بالوكل لاچل ما تاكلي زين و أعطيك علاچك بيدي".. 


نظرت لها "سلسبيل " بابتسامة تتعجب من حنانها عليها و غيرتها منها بأن واحد.. 


.................................لا إله إلا الله 💐... 


..بعد مرور أقل من ساعة.. 


ممدة على الفراش تتابع بنات زوجها يلعبان بجوارها بعرائسهما الباربي، انبلجت ابتسامة حزينة على ملامحها الجميلة و هي تتأملهما، لم يأخذان من والدهما سوي رسمة عينيه الواسعة ذات الرموش السوداء الطويلة،


تلاشت ابتسامتها حتي اختفت تمامًا و حل مكانها الخجل الذي جعل وجنتيها تتورد بحمرة قاتمة حين تسللت لأنفها رائحة عطره التي تحفظها عن ظهر قلب، 


علقت أنفاسها بصدرها، و نظرت تجاه باب الغرفة بلهفة تنتظر طالته عليها بنفاذ صبر، تسارعت نبضات قلبها حين وصل لسمعها صوت خطوات قدميه تقترب، و من ثم طرق برفق على الباب و دلف للداخل غالقه خلفه، و عينيه تدور بحثًا عنها بإشتياق واضح على قسماته الصارمة.. 


يا إلهي تشتاقه حد الجنون !!! 


رفرف قلبها بشدة بين ضلوعها حين طل عليها بهيئتة التي تذيب عظامها و تخطف أنفاسها ، نظراتها تشمله بتفحصٍ لا يخلو من الإعجاب، جلبابه الأسود الذي يظهر عرض كتفيه و ذراعيه المعضله زاده هيبه و وقار .. 


"أبوي!!".. 

نطق بها الفتاتان و هما يركضان نحوه، أرتموا داخل حضنه، فضمهما هو له بحب شديد، و عينيه مثبته على تلك الصغيرة التي تطلع لهم بابتسامة فاتنة، و كم تمنت لو تركض هي الأخرى و تختبئ بين ضلوعه، 


"اتواحشتكم قوي قوي".. 

قالها "عبد الجبار" قاصدها هي بها، عينيه ترمقها بنظرة معاتبة على معاملتها له التي تبدلت للنقيض دون مبرر أو سبب واضح.. 


ابتعدت هي بعينيها عنه سريعًا، و قد عادت ملامحها للجمود ثانيةً و سحبت عليها الغطاء تخفي به منامتها القطنية ذات اللون الوردي التي تظهر جمال عنقها المرمري، و بداية صدرها بسخاء.. 


"قاعدين أهنه و سايبين أمكم تحضر الوكل لحالها أكده ".. 

قالها و هو يبتعد عن الباب، مكملاً.. "همي يا فاطمة و خدي خيتك وياكِ!!".. 


لم تدعه "سلسبيل" يُكمل حديثه حين قطعته قائلة بصوت مرتجف يظهر مدي توترها.. 

"لا سيبهم.. أنا قولت لابلة خضرا عايزاهم يفضلوا معايا".. 


رفع حاجبيه و رمقها بنظرة منذهلة، أكدت هي الآن ظنونه بها و أصبح على يقين أنها تتهرب من وجودها معه بمفردهما.. 

" امممم وماله يفضلوا ، و أني كمان هفضل وياكِ".. 


قالها و هو يسير نحوها بخطي بطيئة أثارت الريبة بداخلها، و قد اعتلت ملامحه ابتسامة ماكرة ذادت من توترها، و جعلت أنفاسها تتلاحق حين وجدته جلس بجانبها على الفراش المسافة بينهما لا تُذكر.. 


جحظت عينيها بصدمة حين شعرت بذراعه يتسلل من أسفل الغطاء و يلتف حول خصرها مستغل انشغال الفتاتان باللهو مرة أخرى، و جذبها عليه لصقها بجزعه العلوي كتفها الأيمن يتوسط صدره.. 


"عبد الجبار".. همست بها بتحذير، و هي تتنقل بعينيها بينه و بين الصغيرتان.. 


"اتوحشتك يا سلسبيل.. اتوحشتك قوي".. 

همس بها داخل أذنها، و هو يزيل خصلاتها الحريرية بيده الأخرى، و أنامله تتحسس نعومة بشرتها بلمسات جعلت جسدها ينتفض بقوة بين يديه حين شعرت بأنامله تضغط على خصرها بعنف محبب.. 


أخذ نفس عميق يملئ رئتيه بعبق رائحتها، و عينيه تجول على وجهها يتفرس ملامحها، حتي توقف بنظره علي شفتيها، ابتلع لعابه بصعوبة مكملاً.. 

"حرماني منكِ ليه يا عشج الجلب و الروح"..


قالها و هو يسحب الغطاء بعيدًا عن عنقها حتي ظهرت مقدمة صدرها أمام عينيه التي تتآجج بها رغبته فيها..


أطلقت آهه خافته حين ضمها له بقوة أكبر و يده تتحرك ببطء على خصرها صعودًا إلى صدرها، فأسرعت هي بالقبض على كفه و همست بنبرة مرتجفة متوسلة..

" عبد الجبار علشان خاطري كفاية"..


"عبد الجبار"..!!!!


الفصل ال17..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


"بخيتة"..

كانت تقف على باب غرفة "سلسبيل" تتجسس كعادتها، لكنها لم تستمع لحديثهما بسبب صوتهما الخفيض، فتحت باب الغرفة دون سابق إنظار و دارت بعينيها تبحث عنهما، كان "عبد الجبار" يجلس بجوار زوجته على الفراش، منفصلان عن العالم حولهما بنظرتهما لبعضهما، كلاً منهما يذوب بعين الأخر..


نظرته لها نظرة عاشق أرهق قلبه البعاد، و نظرتها هي له نظرة تائهه في بحر الحرمان و أخيرًا و جدت بر الأمان، يلجم نفسه عنها بصعوبة بالغة، لوجود ابنتيه معه في الغرفة، لولهما لكان انقض عليها و التهمها كما لو كانت أشهى المؤكولات التي حصل عليها في حياته بأكملها،


لم ينتبه على الإطلاق ل "بخيتة" الواقفة تتابعهما بنظرات يملؤها الغيرة، و الحقد الدفين على "سلسبيل"،تطلع لهما بأعين متسعة على أخرها حين وجدت ابنها يميل بوجهه على شعر زوجته و يأخذ نفس عميق غالقًا عينيه باستمتاع، و يمطرها بقبلات متتالية على خصلاتها الحريرية و هو يهمس لها بكلمات غزل تداعب أنوثتها، و تجبرها على الابتسامة وهي تدفن رأسها بصدره مردده اسمه بخجل..


"عبد الچبار!!!!"..نطقت بها "بخيتة" إعادتهما للواقع من جديد، انتفضت "سلسبيل" بفزع و أسرعت بالاختباء داخل حضن زوجها، بينما هو لم تهتز شعره واحده من رأسه، بل ضم زوجته داخل صدره بلهفة و يده تربت على شعرها و ظهرها برفق مغمغمًا..

"خير يا أمه؟"..


"اممم كل خير يا ولدي".. دمدمت بها و هي تسير نحوهما حتي توقفت بجوار "سلسبيل" التي انكمشت على نفسها داخل حضن زوجها، و قد ظهر الضيق على ملامحها الشاحبة، و بدأ صوت أنفاسها يعلو بعدما شعرت بالهواء يتلاشي من حولها خاصةً حين لمحتها تستعد للجلوس بجوارها و بالتأكيد لن تتوقف عن لكمها في الخفاء كما تعودت منها على مثل تلك الأفعال الحمقاء..


تفهم زوجها سبب ضيقها، و داهمته ذكري أفعال والدته معاها في السيارة وقت عودتهم من الصعيد فحملها بين يديه فجأة جذبها عليه جعلها تشهق بقوة حين وجدت نفسها تجلس على قدميه، تطلعت له مذهولة و قد لجمتها الصدمة و هي تراه يتحرك بها حتي أصبح هو بمكانها بجوار والدته، و وضعها على مهلٍ متعمد ملامسة جسدها بجسده بحميمية زلزلت كيانها كله دفعه واحدة..


"وه بتبعدها عني ليه.. هاكلها إياك!!"..

قالتها "بخيتة" بغضب و هي ترمقها بنظرات مشتعلة، لكنها لم تأبي لها "سلسبيل" مطلقًا فقد كانت تجاهد لتلتقط أنفاسها التي سلبها زوجها بعد فعلته الجريئة معاها..


جلس "عبد الجبار" بأريحية ساحبًا الغطاء عليه هو وزوجته، و ذراعه مازال ملتف حول خصرها يوشم بأنامله عليه بلامساته الخبيرة، و برغم قربها الذي يفقده صوابه إلا أنه تحدث بثبات قائلاً..

"أني رايد أكون بناتكم أكده يا أمه فيها حاچة دي.. ولا أنتي معوزاش تقعدي چاري"..


ربتت" بخيتة " على كتفه و هي تقول..

"معوازش غير أني أكون چارك أنت و ولادك يا ولدي.. و مستنيه اليوم اللي ربنا يمن عليك فيه ويرزقك بالواد اللي يشيل اسمك واسم أبوك و يكون سند ليك و لبناتك يا ضنايا "..


رغم اللامبالاة التي تزين محياة، يظهر عكس ما بداخله و أنه غير عابئ لحديثها إلا أنه يتمني و يدعو من صميم قلبه ليري ابن له من صلبه يحمل أسمه، شعرت" سلسبيل " بتشنج جسده حولها، و يده التي سارت ببطء، و حرص شديد حتى قبض على كفها و ضغط عليه بخفة كانت بمثابة ضغطه على قلبها يخبرها بها أنه يريد أبنه منها هي ..


في حين أنها تتمني أن تصبح أم لطفله أكثر منه، و لوهلة تخيلت أنها تحمل في احشائها مولودها من الرجل الوحيد الذي جعل قلبها ينبض لأجله.. أغمضت عينيها بابتسامة دافئة و قد شعرت بفرحة غامرة من مجرد التخيل فقط، لينتشلها صوت "بخيتة" البغيض من أحلامها الوردية، و تصفعها صفعة دامية بحديثها القاتل حين قالت ..

"بس هيچي منين الواد و أنت يا نضري متچوز اتنين حريم زي قلتهم.. واحده قطعت الخلف بدري"..


نظرت ل "سلسبيل" و تابعت بجملة كادت أن تزهق روحها من شدة الوجع التي شعرت به..

"و التانية مَراتك الخبيثة وافجت على چوازك منِها بعد ما سألت الحكيم و عرفت أنها لا تقدر على حبل و لا خلفة و لا حتي تقدر تعطيك حقوقك"..

باقي الفصل ال17..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. 


"أحيانًا نقابل الشخص الصح بالوقت الخطأ" مقوله ألقاها أحدهم على سمعي ذات مرة، و كان ردي عليه أنه من حكمة لا نعلمها نحن إننا قابلنا هذا الشخص بهذا التوقيت الصعب من وجهة نظرنا المحدودة، 


ربما أرسله لنا الله ليكون يد العون، و السند الذي ظللنا نبحث عنه طيلة الوقت، كما يحدث الآن مع أبطال روايتنا، فبعد عذاب دام سنوات ل "سلسبيل" على يد والدها، و من ثم زوجها الأول، شاء القدر لتكون زوجة ثانية لرجل متيم بها عشقًا منذ المؤهلة الأولى التي وقعت عينيه عليها بها، 


بينما هي تائهه، متخبطة بين مشاعرها و جراح قلبها الغائرة، تتلهف للأمان الذي يغمرها به زوجها يجعلها تتحترق شوقًا لقربه، و هو أشد شوقًا منها إليها، حتي أصبح على وشك أن يفقد عقله بعدما فقد قلبه بحوزتها.. 


كان "عبد الجبار" يجلس على الفراش الوثير أسفل الغطاء مع زوجته "سلسبيل" و "بخيتة" والدته تجلس بجانبه ، ملتف بذراعيه حول خصر زوجته، محاوطها بحماية غير عابئ لنظرات "بخيتة" المتوهجة بنيران الغضب التي ترمق بها "سلسبيل" التي تشبثت بل اقتربت من زوجها حد الإلتصاق دافنه وجهها بصدره العريض، 


انفجرت بأوردته "عبد الجبار" حمم بركانية من قربها هذا المدمر لجميع حصونه المانيعه، مما دفعه لضمها له أكثر حتي أصبحت بمثابة ضلع من ضلوعه، و كم تمنى في هذه اللحظة لو أن والدته تتحلى بقليل من الذوق و تغادر غرفتهما غالقة الباب خلفها حينها لن يفكر مرتين و سينقض بكل تأكيد على معشوقته الصغيرة يلتهمها دفعه وحده لعلها تخمد تلك النيران المتآججة بقلبه بفضلها.. 


"مَراتك الخبيثة وافجت على چوازك منِها بعد ما سألت الحكيم و عرفت أنها لا تقدر على حبل و لا خلفة و لا حتي تقدر تعطيك حقوقك"..

كانت هذه جملة قالتها "بخيتة" أعادت بها "سلسبيل" إلى واقعها المرير، تصلب جسدها فجأة تحت يد زوجها بعدما كانت شبه منصهرة أثر لمساته الجريئة مستغل وجود الغطاء فوقهما، 


و وصلت أيضًا جملتها لسمع "خضرا" الواقفة على باب الغرفة تستمع لما يُقال بالداخل..


شهقت بصوتٍ خفيض، و لطمت خديها بقوة و قد تأكدت ظنونها و علمت أن حماتها استمعت لحديثها مع الطبيب المعالج لسلسبيل، وهمست محدثة نفسها بخفوت.. 

" منك لله يا بخيتة..ربنا ينتقم مِنك يا وليه يا قادرة".. 


.. فلاش باااااااااااك..


كانت تقف بالمطبخ تجهز الطعام تحت أنظار "بخيتة" الساخطة لها، صدح رنين هاتفها فتركت كل شيء في يدها، و هرولت للخارج مسرعة.. 

"وه وه رايحة فين يا واكلة ناسك.. هتهملي الوكل على النار إياك لأجل ما تردي على المحروق اللي في يدك!! ".. 


"هبابه و راچعالك طوالي يا أمه"..

أردفت بها و هي تضغط زر الفتح و تتحدث بلهفة قائلة.. 

"أيوه.. أني معاك اتحدد قوام".. 


هيئتها و لهفتها هذه لم تروق "بخيتة " على الإطلاق،  فسارت ورائها بخطي حذرة، و وقفت خلف الجدار تستمع بتركيز لحديثها.. 


أتى صوت الطبيب المشرف على حالة "سلسبيل" يتحدث بعملية قائلاً.. 

" للأسف يا مدام خضرا نتيجة الفحوصات أكدت أن حالة مدام سلسبيل صعبة جدًا، و قلبها ضعيف ميقدرش يستحمل لا حمل و لا ولادة".. 


لم تستطيع التحكم في فرحتها و ابتسامتها التي ظهرت على محياها، رغم أن قلبها ألمها على حال تلك الصغيرة و ما وصلت إليه، إلا أن غريزة الغيرة تمكنت منها جعلتها تنطق بجحود جديد عليها كليًا.. 

" أنت متوكد يا دكتور من حديتك عاد يعني البنته متقدرش على الحمل واصل؟؟".. 


"يؤسفني أقولك أنها مش بس متقدرش على الحمل.. دي متقدرش على العلاقة الزوجية اصلاً.. تعتبر إجهاد على قلبها في الوقت الحالي".. 


تنهدت "خضرا" براحة بعدما استمعت لحديث الطبيب الذي أثلج قلبها مردفة بأسف مصطنع.. 

" يا عيني عليها.. يعني أكده يبقي ملهاش في الجواز من أساسه يا دكتور مش أكده ".. 


"بالظبط كده يا مدام.. وأنا هبلغ عبد الجبار بيه بحالتها لما يجي انهاردة".. 


قالت" خضرا " بندفاع و قد ارتفع صوتها قليلاً دون إرادتها.. "لع لع متجبش سيرة لعبد الچبار بحديتك ده إلا هو متزرز قوي انهاردة و مش طايق خلجاته و لو قولتله أن البنتة حالتها خطرة أكده مش بعيد يطبق في زمارة رقبتك.. فلو سألك قوله لسه نتيجة الفحوصات مطلعتش وإني هبقي أخبره بطريقتي بعد ما نيچي نطمن عليها و نعاود للدار".. 


"اححم حيث كده حضرتك بلغيه بمعرفتك في أقرب وقت إذا سمحتي لأن الباشا خلقه ضيق جداً و مبتكلمش غير بأيده زي ما حضرتك عارفه".. 


"متشلش هم يا دكتور.. أني هقوله بنفسي.. مع السلامة ".. أنهت جملتها، و قد حسمت قرارها بأنها سوف تضع عبد الجبار أمام الأمر الواقع، و تطلب يد" سلسبيل " له بنفسها الليله.. 


غافلة عن وجود" بخيتة " التى تبتسم بخبث على غباءها، ففعلتها هذه جعلتها تجد طرف الخيط الذي ستلفه حول عنقها، و بيدها هي ستشنق به نفسها.. 


.... نهاية الفلاش بااااك.. 


أصطك "عبد الجبار" على أسنانه بعنف كاد أن يهشمها من شدة غضبه بعدما كلمات والدته الجارة لزوجته، فتح فمه و هم بالرد عليها إلا أنه اطبقه ثانيةً حين اعتدلت  "سلسبيل" بجلستها مبتعدة عنه ببعض العنف رغم وهن و ضعف جسدها الهزيل، و نظرت ل "بخيتة" بابتسامة مصطنعة مرددة بقوة ذائفة.. 

"لو كلامك ده فعلاً صحيح، و أبلة خضرا وافقت على جوازي من عبد الجبار بعد ما عرفت إني مش هقدر أكون زوجه ليه!!".. 


صمتت قليلاً تلتقط أنفاسها المجهدة، بينما تأهبت جميع حواس "عبد الجبار" الذي يتطلع لها بنظراته العاشقة، و الخوف و اللهفة عليها تمليء قسماته العابسة من حديث والدته.. 


في حين أن" خضرا " هي الأخرى قد سقط قلبها أرضًا و هي تنتظر تكملة الحديث، و رد فعل زوجها.. 


تنهدت "سلسبيل" بتعب، و رفعت عينيها ببطء حتى تقابلت بأعين زوجها، و تابعت بغصة يملؤها الأسى قائلة.. 

"هيبقي من حقها و مش هلومها على اللي عملته"..


تعمقت النظر داخل عينيه، و تأملت ملامحه الوسيمة رغم صلابتها مكملة.. 

"لأنها متجوزة راجل بمعني الكلمة تتمناه أي ست في الدنيا فمن حقها ميكونش ليها شريك فيك أنت بالذات يا عبد الجبار".. 


أطبقت "خضرا" جفنيها بعنف لتنهمر عبراتها على وجنتيها بغزارة، كلمات غريمتها أشعلت نيران قلبها أكثر، تتغزل بزوجها على العلن و تعترف أنها تتمناه يكن رجُلها.. 


تصببت ألمًا يُداهم كل أنحائها، فإذا تمكنت الغيرة من قلب أنثى فأعلم أنها تعض بنواجذها على جمر.. 


بينما "عبد الجبار" رفرف قلبه بين ضلوعه بفرحة غامرة بعدما استمع لحديث معشوقته، و رأي نظرتها الهائمة به، فضرب بكل شيء عرض الحائط، و بلحظة كان جذبها عليه من خصرها أجلسها على فخذيه أمام أعين "بخيتة" التي اتسعت على أخرها من شدة صدمتها من جراءة ابنها أمامها.. 


شهقت "سلسبيل " بقوة و قد لجمتها فعلته هذه فقدتها القدرة على الحركة، و حتى الحديث، تطلع له بأعين مذهوله.. 


ليرفع هو يده و يحتضن وجهها بين كفيه مغمغمًا أمام شفتيها المرتعشة بصوته الأجش.. 

"و إني بتمناكي أنتي"..


تنقل بعينيه بين عينيها و شفتيها مكملاً و هو يبتلع لعابه بصعوبة.. 

"بحياتي كلها ما تمنيتش قرب حد زي ما تمنيت قربك أنتي يا سلسبيل".. 


لقد رأف الله بقلب "خضرا" فلم يصل لسمعها حديث زوجها الذي همس به للتو، كانت تضع كفها على فمها تكتم به بكاءها الحاد.. 


الفصل ال18..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


"بسم الله الرحمن الرحيم، لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ".. 


مر اليوم بسلام و عاد "عبد الجبار" يباشر عمله، و للعجب لم يتحدث مع "خضرا" على ما قالته له والدته عن فعلتها بحقه و حق من تعتبرها في مقام والدتها التي حُرمت منها، لم يلمح لها عن الموضوع على الإطلاق، متفهم لأقصى حد مشاعرها و غيرتها العمياء عليه التي دفعتها إلى تلك الحيلة حتى تتأكد أنه لن يكن في يوم لأمراءة غيرها..


و لكن إذا ذاد الشيء عن الحد ينقلب للنقيض على الفور، غيرتها عليه تتصاعد و تجبرها على التفكير في فعل أشياء لم تخطر على بالها بيومٍ خاصةً بعدما قرأت ما يدور بذهن زوجها الذي ينوي تقسيم الأيام بينهما بالعدل.. 


هذا يعني أنه يريد قضاء الليل بأكمله مع غريمتها داخل غرفة مغلقة عليهما!!!


يا الله لقد جن جنونها من مجرد التخيل فقط، هي لم تنعم بنومٍ أمن إلا داخل ذراعيه، منذ زواجهما و لم تبتعد عنه و لو ليلة واحدة، و إذا تأخر بعمله ذات مرة تظل مستيقظة حتى عودته.. 


الآن أدركت أن قرار موافقتها على زواج زوجها نبض قلبها هو أسوء بل أبشع قرار أتخذته بحياتها، حتي بعد حديثها مع الطبيب المسؤل عن حالة "سلسبيل" و ثقتها أنها ستظل زوجة علي الورق إلا أنها تشعر بلهفة زوجها عليها رغم براعته في إخفاء مشاعره حفاظًا على شعورها، 


 فهل سيظل محتويها هكذا و متفهم لغيرتها الزائدة عليه أم سينفذ صبره عليها و ينتصر شوقه لمعشوقته الصغيرة؟!.. 


........................ لا إله إلا الله...... 

"سلسبيل".. 


كانت تجلس داخل شرفة غرفتها، تتابع بنات زوجها الجالستان أمامها مشغولين بكتابة دروسهما، انبلجت شبه ابتسامة حزينة على ملامحها الجميلة الذابلة عندما لمحت أدوات الرسم بحقيبة أحدهما.. 


"ممكن أشوف كراسة الرسم و الألوان بتاعتك يا فاطمة".. نطقت بها"سلسبيل " بصوتٍ متحشرج بالبكاء، فأسرعت الصغيرة بالرد عليها و هي تخرج الكراس من حقيبتها برفقة علبة الألوان، و مدت يدها لها بهما مرددة.. 

"ممكن طبعًا يا خالة.. اتفضلي".. 


مدت "سلسبيل" يدها المرتجفه، و أمسكتهما منها و هي تقول.. 

" ينفع أرسم لك حاجة في الكراسة، و لا المدرسة بتاعتك ممكن تزعل منك".. 


"لا اطمني مافيش حد يقدر يزعلني واصل.. المدرسة كلها خابرة زين إني أبوي عبد الجبار المنياوي اللى بيخاف علينا ياما و زعله واعر قوي قوي".. 

أردفت بها الفتاة بفخر و اعتزاز بوالدها، جعلت إبتسامة"سلسبيل " تتسع حين ذكرت إسم زوجها الذي يحاوط الجميع بأهتمامه و خوفه عليهم،و كم تمنت لو كان والدها يكن لها السند و الأمان لكنه كان هو من يتسبب دومًا في خذلها و طعن قلبها بسكينٍ بارد.. 


أطلقت زفرة نزقة من صدرها، و أمسكت الكراس و الألوان بلهفة طفلة صغيرة حصلت على لعبتها المفضلة، و بدأت تستعيد موهبتها المدفونة التي فصلتها عن العالم بأكمله و عن كل ما مرت به طيلة عمرها، 


ظلت ترسم ببراعة رسامة محترفة رغم إنها توقفت عن الرسم تمامًا منذ سنوات طويلة، 


"الله أنتي رسمك حلو قوي!!".. 

قالتها "فاطمة" بانبهار و هي تطلع لرسمة "سلسبيل".. 


"يله يا خيتي الوكل چاهز".. 

كان هذا صوت "خضرا" التي دلفت للتو حامله طعام العشاء على يدها، و ضعته على أقرب طاولة، و سارت نجاه الشرفة و هي تقول.. 

"لازم تتغذي زين لأجل ما أعطيكِ دواكي ".. 


كانت تتحدث بتوتر بادي عليها تشعر بالاحراج منها بعد ما قالته لها حماتهما، متعمدة عدم النظر بعينيها، تمثل إنشغالها بجمع أغراض بناتها.. 


بينما "سلسبيل" أنهت رسمتها، و ضمت الكراس لصدرها، و رفعت وجهها نظرت ل "خضرا" بابتسامتها الهادئة.. 

"يا أمه خالة سلسبيل رسمها كيف الحقيقة بالتمام".. 


تبادلت ملامح "خضرا" الحنون لأخرى غاضبة، و نظرت تجاه "سلسبيل" بابتسامة مصطنعة مدمدمة.. 

"امممم.. و يا ترى بترسمي على أية يا خيتي؟".. 


قالت جملتها هذه و صوبت نظرها تجاه الكراس المستقر داخل حضن "سلسبيل"، و قد ظنت إنها رسمت زوجها، و بدأت تستعد لعراك شديد معاها لو تأكدت من ظنها بها.. 


بينما "سلسبيل" تتابع تعابير وجهها التي لا تبشر بالخير أبدًا، و لا تنكر إنها و لأول مرة تشعر بالخوف منها بعدما كانت الإنسانة الوحيدة التى تشعرها بإن مازال بشر بقلوبهم رحمة على ضعفها.. 


رمقتها "سلسبيل" بنظرة عاتبة، و من ثم أعطت لها الكراس،لتجذبها "خضرا" منها بعنف و تطلعت عليها مسرعة لتجحظ أعينها على أخرها حين رأت صورة مطابقة بالمثل، كأنها تنظر لانعكاس صورتها بالمرآه، لوهلة شعرت بأن دلو من الماء البارد سقط فوق رأسها، 


"دي إني!!!".. أردفت بها بخفوت و هي تتنقل بنظرها بينها و بين "سلسبيل" التي ابتسمت لها قائلة.. 

"قولت أعملك حاجة بسيطة أفرحك بيها يا أبلة خضرا".. 


ترقرقت أعين "خضرا" بالعبرات، و سارت نحوها حتى توقفت أمامها مباشرةً، نظرت لها بصمت قليلاً و من ثم تحدثت بأسف قائلة بصوتٍ خفيض.. 

"مش بيدي.. مش بيدي يا سلسبيل.. مكنتش خابرة إن وچع الغيرة واعر قوي قوي أكدة"..


صمتت لبرهةً تحاول السيطرة على دموعها التي تخونها وتنهمر علي وجنتيها، و تابعت بنبرة راجية.. 

"أوعكِ تزعلي مني يا خيتي..أنتي غالية عندي يا سلسبيل".. 


رفعت قبضة يدها و ضربت على موضع قلبها بعنف مكملة.. 

" بس مش أغلى من رچلي.. نبض جلبي".. 


أسرعت" سلسبيل " بأمساك يدها تمنعها من لكم نفسها مرددة بتأكيد.. 

"أنا عارفة يا أبلة خضرا.. و عذراكي والله.. و عايزاكي تطمني أنا لو فضلت عايشة و ربنا كتبلي عمر مش هفضل هنا معاكوا و لا هفضل على ذمة عبد الجبار أول ما أعرف مكان أهل أمي همشي من هنا ".. 


" عبد الچبار عرف مكانهم".. نطقت بها "خضرا" بندفاع بعدما فشلت في إخفاء فرحتها بعد ما قالته لها" سلسبيل " التي كانت تتوقع رد أخر كما تعودت منها، إلا أن نيران الغيرة قد لغت تفكير"خضرا " بأي أحد أخر سوي نفسها.. 


" عبد الجبار وصل لأهل أمي!!!! ".. 

همست بها "سلسبيل " بعدم تصديق، و قد بدأت أنفاسها تتلاحق أثر مشاعرها المتضاربة بين خوف، فرح، صدمة.. 


انتصبت واقفة بوهن، و جسد يرتجف بوضوح و هرولت تجاه خزانتها تبحث عن شيء ترتديه فوق منامتها مرددة بلهفة.. 

"عايزة اروحلهم يا أبلة خضرا.. ودوني ليهم".. 

كانت تتحدث ببكاء يتزايد بشكل أثار الريبة بقلب "خضرا" التي استوعبت أنها أخطأت خطأ فادح حين أبلغتها بمكان عائلتها دون علم زوجها.. 


لتتدهور حالة "سلسبيل" التي دخلت بنوبة بكاء حادة وصلت لحد الصراخ مرددة من بين شهقاتها المتقطعة..

"عايزة اروحلهم.. عايزة اسألهم لييييييه مسألوش عني كل السنين دي.. لييييييه وافقوا أن بنتهم تتجوز راجل قلبه قاسي بالشكل ده".. 


صرخت بانهيار أكبر و هي تلقى جميع الثياب أرضًا، و تحطم كل ما يقع تحت يدها.. 

"لاااا ده معندوش قلب أصلاً.. و أكيد موت أمي في عز شبابها بقسوته عليها زي ما قتلني ألف مرة و مرة".. 


ضربت" خضرا " على صدرها بكلتا يدها، و دب الرعب و الفزع بأوصالها و هي تراها بتلك الحالة، حتي أنها أصبحت غير قادرة على السيطرة عليها نهائياً.. 

"عايزه اسألهم عملوا في أمي و فيا كده لييييييه..الأهل لازم يختاروا لبنتهم راجل يحميها و يبقي أمانها و سندها من بعدهم.. مش راجل يبهدلها هي و عيالها.. عايزة أعرف سابوا بنتهم على ذمة واحد لحد ما جاب أجلها لييييييه.. و بعد ما بنتهم ماتت سابوني أنا حفيدتهم معاه إزاي و هما أكيد عارفين إن مصيري على إيده هيكون زي بنتهم!!!"..


"يا مري يا مري أهدي يا خيتي لأجل خاطر اللي خلقك .. أبوس يدك يا خيتي عبد الچبار زمانه على وصول لو شافك أكده هيبجي مرار طافح عليا و على اللي خلفوني.. كفياكِ عاد ليچرالك حاچة".. 

غمغمت بها" خضرا " و هي تحاول ضمها بشتى الطرق، لكن" سلسبيل" كانت وصلت لمرحلة تهدد بالخطر، و بدأت تصرخ صرخات متتالية بلا توقف مرددة جملة واحدة.. 

" رموني أنا و أمي لييييييه".. 


..................... سبحان الله وبحمده..... 


" جابر ".. 

 

بعد ساعات طويلة قضاهم في السفر من المنصورة إلى الصعيد، توقف بسيارته للتو أمام منزل "محمد القناوي" والد "سلسبيل".. 


ترجل منها خلفه اثنان من أصدقاءه رفضوا تركه يذهب بمفرده.. 

" متأكدين إن هو ده البيت يا رجاله؟".. 


"أيوه متأكدين.. هو يا جابر البيت ".. 


هرول "جابر" بخطي راكضة نحو باب المنزل، و قام بالطرق عليه بقبضة يده عدة مرات.. 


"ككخابط يلي بترزع على الباب".. 

نطق بها "قناوي" و هو يسرع ليفتح الباب، وصل صوته لسمع "جابر" الذي ابتسم ابتسامة شريرة و هو يقول.. 

"ده صوت قناوي.. عمري ما نسيته".. 


فتح الباب و هم بتوبيخ الطارق إلا أنه تلقى لكمة قوية دون سابق إنظار أسقطته بعنف على الأرض الصلبه، و قبل أن يستوعب ما يحدث معه كان انقض عليه "جابر" و جلس فوقه، و بدأ يكيل له اللكمات مرددًا بغضب عارم.. 

"سنين و أنا بحلم باللحظة اللي تقع فيها تحت أيدى يا قناوي الكلب".. 


حاولوا أصدقاءه أبعاده عنه لكنه كان كالوحش الثائر، صب جم غضبه الذي حمله بقلبه لسنوات عليه حتى انفجرت الدماء من وجهه "قناوي" بأكمله.. 


"هتموتني يا ولد الفرطوس".. 

قالها "قناوي" بصعوبة بالغة بعدما قبض" جابر " على عنقه بقبضته الفولاذية و رفعه قليلاً حتى تقابلت أعينهما.. 

"أنت مين و عايز مني أيه يا چدع أنت".. 


"أنا عملك الأسود اللي جالك عشان يخلص حق سندس، و سلسبيل بنتها من اللي عملته فيهم".. 

قالها" جابر " بفحيح مخيف جعل الخوف يزحف لقلب "قناوي" الذي تمعن النظر لملامحه المألوفة له، ليتذكره على الفور، إبن شقيق زوجته المتوفيه الذي كان دائم التصدي له كلما تعارك مع خالته، لكن حينها كان مجرد شاب مراهق لا يملك كل تلك القوة و العضلات.. 


جف حلقه و هو يحملق فيه مذهولاً مرددًا اسمه بصوتٍ مرتجف.. 

"جابر!!!".. 


بملامح مرعبة حرك "جابر" رأسه له بالايجاب قبل أن يضربه بكل قوته بجبهته كسر له أنفه في الحال صارخًا بوجهه.. 

"سلسبيل فيييين".. 


...................... لا إله إلا الله..... 


"عبد الجبار".. 


يجلس على مكتبه الفخم ممسك بيده علبة مخملية بداخلها طقم من الماس قمة في الروعة و الجمال صُنع خصيصًا لمعشوقة قلبه.. 


"الطقم ألماس حر زي ما طلبت يا عبد الجبار بيه".. 

قالها الجواهرجي و هو يقدم له علبة أخرى مكملاً.. 

"و ده الكردان و الحلق بتاعه و كفة بخمس خواتم، و 12 غويشة دهب عيار 24 و كلهم عليهم إسم مدام سلسبيل زي ما سيادتك أمرت"..


أخذها منه "عبد الجبار" و تأمل ما بداخلها يتأكد من وجود إسمها عليهم، 


"شغلك عال العال تسلم يدك".. 

قالها "عبد الجبار" و هو يغلق العلب، و نظر له مكملاً.. 

" اتفضل أنت و فوت على الحسابات في طريقك خد حسابك منِهم".. 


انصرف الرجل على الفور، فنظر" عبد الجبار" لمساعده الخاص" حسان" الذي لا يفارقه أبدًا.. 

" أيه الأخبار يا حسان".. 


" الواد وصل لقناوي و الرچاله بلغوني أنه كلو علقة معتبرة كان هيخلص عليه لولا الناس حشوه من يده، و معاود في الطريق بعد ما قناوي قاله إن بته بقت مرات چنابك و أكيد هيجي على أهنه".. 


يستمع له "عبد الجبار " بهدوء مريب، و تحدث برزانته المعهودة قائلاً.. 

" حلق عليه بمعرفتك يا حسان.. مش رايده يوصل عندي دلوجيت واصل.. فاهمني زين".. 


" فاهمك يا كبير".. 

قالها" حسان" و هو يتقدم منه و يعطيه ملف محكم الغلق.. 

" اتفضل يا كبير.. ده عقد و ورق البيت الچديد اللي طلبت مني أچهزه بأسم الست سلسبيل.. بقي چاهز من مجميعه و مفتاحه أهو!!".. 


صدح رنين هاتف" عبد الجبار " قطع حديثهم، فأسرع بالرد حين رأي رقم والدته و قد انقبض قلبه فجأة .. 

" خير يا أمه؟؟".. 


"ألحق مَرتك سلسبيل يا عبد الچبار من يد خضرا هتموتها يا ولدي".. 

قالتها" بخيتة " تزامنًا مع صرخات" سلسبيل " التي وصلت لسمعه كادت أن تجعل قلبه يتوقف من شدة فزعه عليها، انتصب واقفًا في الحال و غادر المكان راكضًا و هو يصرخ بأسم معذبة قلبه.. 

" سلسبيل ".. 


الفصل ال19..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..

أسيبكم مع البارت.. 


.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. 


"رحمَ الله رجلاً تحمل تقلبات أمرأته النفسية ، فصبرَ و هوّن و قَدر".. 


"عبد الجبار".. 

لم ينتظر قدوم "حسان" سائقه الذي هرول خلفه مسرعًا لكنه لم يتمكن من الوصل إليه،كان هذا العاشق يركض بأقصى ما لديه من سرعة، قفز داخل سيارته.. 


انفجر هدير محرك السيارة عاكسًا غضبه عليها، ليطير الغبار من الخلف بقوة لحظة إنطلاقها، كان هاتفه مازال على أذنه، يستمع لصرخات زوجته و بكاءها الذي يقطع نياط القلوب.. 

"مَراتي مالها يا أمه!!!.. أني مهملها زينه.. عملتوا فيها اييييييه!!!".. 

صاح بها بلهجة لا تخفي غضبه المشحون أبدًا.. 


"أني مليش صالح والله يا ولدي.. مَراتك الخبيثة خضرا هي السبب..سمعتها و هي بتقولها إنك خابر مكان أهل أمها لأجل ما تطفشها.. البنته سمعت منِها حديتها العفش من أهنه و عديك على حُصل"..


كان يستمع لحديثها الذي بمثابة سكب الزيت على النيران، أصبح وجهه كتلة حمراء من شدة غضبه، عروقه برزت بخطورة، يصطك على أسنانه بعنف كاد أن يهشمهم حتى وصل صوتها لسمع" بخيتة " التي تبتسم بفرحة بعدما إنتهزت الفرصة بإمساك غلطة على" خضرا".. 


صرخات زوجته المستمرة كانت كالسهام السامة التي تصيبه في مقتل دون رحمة، يقود سيارته كالمجنون،حتي أنه سار بالطريق المخالف، كأنه داخل سباق مميت، لا يأبى لأي شيء الآن سوي أن يصل إليها.. 


.................... سبحان الله العظيم..... 


"سلسبيل".. 


 لقد أصبحت حقًا بحالة يرثي لها، تصرخ بكل الوجع المكتوم بقلبها، غاب عقلها عنها، و لم يتبقى لها غير الألم الذي ينهش قلبها بلا توقف.. 


كانت "خضرا" تبكي بنحيب، و جسدها يرتجف بوضوح من شدة فزعها و هي تري حالتها تزداد سوء، لترمقها "سلسبيل" نظرة يملؤها الخذلان مردفة بصراخ مقهور.. 

"أنا عارفة إنك قولتيلي كده عشان مبقتيش عايزاني أفضل هنا.. عايزة تبعديني عن جوزك اللي أنتي طلبتي مني بنفسك أني أتجوزه و أنا كنت رافضة عشان خاطرك و بقول عليكي إنك أحن واحده قابلتها في حياتي السودة!!!.. دلوقتي عايزاني أغور في داهية بأي طريقة المهم تخلصي مني يا أبلة خضرا مش كده".. 


سقطت على ركبتيها أرضًا بعدما شعرت بتهاوي جسدها، و تابعت بغصة مريرة.. 

" أنا معرفش أهل أمي دول هيفتحولي بيتهم، ويقبلوا يعيشوا واحده معاهم رجعالهم بعد السنين دي كلها و عايزه تفضل عندهم بعد ما تطلب الطلاق من جوزها، و أبقى مطلقة و كمان مريضة!!!".. 


أطبقت عينيها ببطء لتنهمر عبراتها على وجنتيها بغزارة اختلطت بحبات العرق المتناثرة على وجهها الشاحب، رغم برودة جسدها الشديدة،و أكملت بحسرة تملئ صوتها المبحوح.. 

" كنت بصبر نفسي وبقول لو اتخلوا عني تاني فربنا عوضني بيكم يا أبله خضرا.. لكن دلوقتي أنتي مش عايزاني هنا، و أنا برغم لهفتي على أهل أمي إلا أني خايفة و زعلانه منهم و عمري ما هسامحهم على موت أمي و بهدلتي كل السنين دي".. 


"أهدي يا خيتي.. حقك على راسي.. بس كفايكِ يا حبيبتي و حياة اللي خلقك.. بكفايكِ بكي".. 

نطقت بها" خضرا " و هي تقترب منها بحذر فاتحة ذراعيه لها و تابعت بنبرة متوسلة.. 

" تعالي في حضني يا بتي"..


لم تستمع" سلسبيل "لكلمة مما قالته، كانت تطلع تجاه السكين الموضوع فوق طبق الفاكهة بنظرات بائسة، غمرها شعور اليأس و تمكن منها، و سيطرت فكرة الانتحار على عقلها للمرة الثالثة بعد محاولتين قبل سابق فاشلتين، ابتسمت ابتسامة مخيفة و قد هُيئ لها أنها لربما تنجح محاولتها هذه المرة و تتخلص من عذبها هذا إلى الأبد.. 


وجهت "خضرا" نظرها تجاه ما تنظر له، لتجحظ عينيها على أخرها، و تتراجع للخلف بعيدًا عنها بهلع و قد ظنت أنها تفكر بقتلها و التخلص منها.. 

"اعقلي يا سلسبيل اللي بتفكري فيه ده غلط واعر قوي يوصلك لحبل المشنقة".. 

غمغمت بها و هي تبتعد عنها بالقدر الكافي متجهه نحو باب الغرفة المفتوح، آخذة وضع الإستعداد للركض إذا فعلت ما تظنه.. 


اعتلت ملامحها المرتعدة الدهشة حين صدح صوت ضحكة "سلسبيل" عالية، تضحك بقوة بينما عبراتها تسيل كالمطر على وجنتيها، و بصعوبة قالت من بين ضحكتها المختلطة بشهقاتها.. 

"أنتي فكراني عايزه أقتلك أنتي!!!".. 


نطقت بها و هي تتحامل على نفسها، و اعتدلت واقفه و ركضت نحو السكين بخطي متعثرة، أمسكته و وجهته في الحال نحو موضع قلبها النازف بسبب جراحها الغائرة.. 


تنهدت براحة ،و من ثم أغلقت عينيها، و أخذت نفس و ضغطت بكل قوتها على السكين الحاد، 

هنا صدح صوت صرخات "خضرا" مرددة.. 

"يا مري.. يا حومتي.. يا مراري عليك يا راچلي".. 


صرخاتها صمت أذن "سلسبيل" التي تعجبت من عدم شعورها بأي ألم، لتفتح عينيها بصدمة حين إخترق أذنها صوت زوجها الصارم قائلاً بأمر.. 

"اخرسي يا حرمة.. كفايكِ عويل عاد، و غوري من أهنه دلوجيت".. 


نفذت" خضرا" أوامره دون تردد و فرت مسرعة نحو الخارج، فنظرته لها و عينيه التي يتطاير منها الشرر دبت الزعر بأوصالها.. 


كانت "سلسبيل" عينيها الممتلئة بالدموع معلقة به كالغريق الذي وجد أخيرًا منقذه، إستدار هو لها بلهفة، و تقابلت أعينهما بنظرة ملتاعة، و بهمس مرتعش قالت.. 

"أنا تعبت من البهدلة دي عبد الجبار.. والله تعبت مبقتش قادرة استحمل أكتر من كده ".. 


"ما عاش و لا كان اللي يمس شعره من شعرك يا بنت جلبي".. 

قالها "عبدالجبار" وهو يرنو منها، و كفه القابض على نصل السكين يبعده عنها بحرص حتى لا يمسها و لو بخدش صغير.. 


أنتبهت "سلسبيل " للتو على الدماء التي تسيل من يده أثر جرح نافذ براحة يده، فشهقت بقوة، و هي تمسك يده بين كفيها الصغيرتان مردفة بأنفاس منقطعة من شدة خوفها عليه.. 

" إيدك.. إيدك اتعورت بسببي يا عبد الجبار".. 


قالتها و هي تدور بعينيها عن شيء توقف به نزيف الدماء، فأسرعت برفع طرف منامتها، و وضعتها على جرحه، و قد بدأت تنتفضت بشكل ملحوظ، و قدميها لم تعد تحملها، فألقت بثقل جسدها عليه،


 استقبلها هو بترحاب شديد محاوطها بذراعيه الأخر من خصرها حتى أصبحت قدميها بعيدة عن الأرض بمسافة ليست بقليلة بسبب فرق الطول بينهما ، مقربها من صدره بعناق محموم دافنًا وجهه بعنقها أخذً نفس عميق يملئ رئتيه بأكبر قدر كافي من عبقها مدمدمًا.. 

"عبد الچبار كله فداكي يا حبة الجلب".. 


بستحياء تمسكت به بإحدى ذراعيها بكل قوتها، و يدها الأخرى مازالت ضاغطة على جرح يده، و تركت لدموعها العنان تبكي و تأن على صدره تشكي له بدموعها وجعها و ألمها، و هو يزيد من ضمها له يحتوي جسدها الصغير بجسده الضخم حتى اختفت بين ضلوعه، يهمس لها بكلماته الحانية التي تثلج قلبها و تبث الطمأنينة بأعماقها.. 


....................لا إله إلا الله وحده لا شريك له..... 


"جابر".. 


يدور حول نفسه كالأسد الحبيس، يجذب خصلات شعره الناعمة بعصبية مفرطة، و يتحدث بغضب عارم قائلاً.. 

"عيله مكملتش العشرين سنة تتجبر تتجوز مرتين بالغصب!!!".. 


"يا ابني أهدي و فهمني اللى حصل".. 

نطق بها "فؤاد"، و ابتلع رمقه بتوتر مكملاً.. 

"و عرفت منين بس أنها اتجوزت غصب.. مش يمكن برضاها يا جابر".. 


لكم "جابر" الحائط بقبضة يده، و تابع بغيظ.. 

"أبوها إبن ال*** هو اللى قالي بكل بجاحة معنديش حريم ليهم رأي يا جدي".. 


"طيب فهمني انت ناوي تعمل أيه دلوقتي بعد ما عرفت أنها على ذمة راجل".. 


"مش هسيبها".. هكذا أجابة دون تفكير، حاسم قراره ولن يترجع فيه،لمعت عينيه ببريق مخيف مكملاً.. 

"هوصلها.. و ساعتها هقرا عينيها و أعرف هي عايزة تكمل مع جوزها ده و لا لاء، و لو حسيت للحظة أنها مجبورة على العيشة معاه هخلصها منه بأي طريقة".. 


صمت لبرهةً و تابع بجمله أسقطت قلب جده حين قال بوعيد.. 

"حتى لو وصلت للقتل".. 


.........................سبحان الله وبحمده...... 


مر أكثر من أسبوع على ما حدث، عبرت خلاله"خضرا " لزوجها عن ندمها فيما فعلته، و هو سيطر على أعصابه معاها عندما رأي مدي خوفها منه الذي جعلها تفقد الوعي أكثر من مرة أمام "بخيتة" التي ترمقها بنظرات حاقدة بعدما فشلت فرصتها في التوقيع بينهما ، 


بينما "سلسبيل" استقرت حالتها بعدما أطمئنت على يد زوجها، لمرتها الأولى لم تستطيع إخفاء خوفها عليه و هذا جعل قلبه يرفرف بين ضلوعه فرحًا، و استدعى الطبيب المعالج لها ليقوم بالكشف عليها حتى يطمئن هو الأخر عليها، 


و حينما اطمئن على زوجته تعامل مع الموقف بتراوي و تعقل، و احتوي جميع الأطراف، و قد ظن أن غيرة أم ابنتيه ستهدأ بعد تقديره لها، و تغاضيه عن أفعالها، 


لكن العكس كان هو الصحيح، فكلما أراد أن يقضي ليلة برفقة "سلسبيل" يجد الصغيرتان نائمتان بجوارها على الفراش بأمر من "خضرا"، فيحملهما على ذراعيه، و يسير بهما نحو غرفتهما، و حين يعود يجد الباب قد أغلق من الداخل بالمفتاح..


"افتحي يا سلسبيل!!".. 

قالها بنبرة محذرة تدل على نفاذ صبره، 


"أنت عارف إني مش هفتح يا عبد الجبار ".. 

قالتها "سلسبيل" بصوتها الرقيق الذي يذيب قلبه، فستند بجبهته على الباب مغمغمًا بصوته الأجش الذي يزلزل كيانها كله دفعة واحدة.. 

"أفتحي يا بت جلبي بدل ما أهد الجدار كله مش الباب بس".. 


استندت هي الأخرى بجبهتها على الباب من الداخل، و همست بصوت خفيض وصل لقلبه قبل سمعه قائلة.. "هخاف منك لو عملت كده، و انا مش عايزه أخاف منك".. 


عض شفتيه بقوة حتى أدمها، و تحدث من بين أسنانه بغيظ شديد قائلاً.. 

" لو يدي وقعت على اللي بيعطيكي مفتاح الباب كل ما أخفيه منِك مهخلهوش ينفع حاله تاني واصل".. 


ضحكت "سلسبيل" بنعومة مدمدمة بخجل.. 

"اممم.. طيب تصبح على خير".. 


ابتسم بسعادة لسماع ضحكتها، و رد عليها بلهفة قائلاً.. 

"وأنتي من أهلي".. 


قالها و سار من أمام غرفتها على مضض، دلف لداخل غرفة" خضرا " التي تصطنع النوم غالقًا الباب خلفه بعنف.. 


تطلع لها بصمت قليلاً قبل أن يقترب منها ويجلس بجوارها على الفراش، و يتحدث بهدوء عكس مظهره الغاضب قائلاً.. 

"خابر إنك صاحية يا خضرا".. 


بعدت الغطاء المختبئة أسفله عن وجهها ببطء، و نظرت له ببراءة مرددة.. 

"أيه اللي رچعك تاني يا خوي".. 


نظر لها بحاجب مرفوع فكان شكله بغاية اللطافة و الوسامة أيضًا.. 

"و أخرتها وياكِ يا بت الناس .. من مِتي و أنتي أكده يا خضرا.. بتعطي المفتاح لسلسبيل من ورايا لأجل ما تقفل على نفسها".. 


صمت للحظة و رمقها بنظرة عاتبة مكملاً.. 

"أني مقصر معاكِ في حاچة يا خضرا !!".. 


حركت رأسها بالنفي، ليكمل هو بحدة.. 

"أنتي أكده ظالمه، و إني لحد دلوجيت مطول بالي عليكِ".. 


" غصب عني يا عبد الچبار"..

قالتها بصوت تحشرج بالبكاء و هي تعتدل جالسة، و نظرت له بأعين ترقرقت بها العبرات.. 

"غيرانه عليك و جلبي مولع نار يا خوي.. مقدراش أشوفك وياها.. عقلي بيچن مني".. 


ضربت على صدرها بحركة استعطافية، و تابعت بتوسل.. 

" طلقها و وديها لأهل أمها أحب على يدك... ".. 


"أطلقها!!!".. صرخ مقاطعًا بعنف شديد، ليطبق الصمت من طرفها على الفور، بينما يستطرد بغلظةٍ.. 

" أنتي اتخبلتي في عقلك إياك.. تتحايلِ عليا ياما

 اتچوزها، و دلوجيت عايزاني أطلقها!!!.. خضرا اعقلي و فكري في حديتك زين قبل ما تنطقيه، و أفهمي إن سلسبيل مَراتي كيفك بالتمام و هتفضل مَراتي، و أهل أمها دول أني هوديها بيدي تزورهم لما تطيب و تبقي زينة، و هترچع في يدي، و لو معوزهاش ترچع على أهنه هچبلها بيت چديد من بابه".. 


" لع..لع يا خوي أني هعقل.. بس ترچعها على أهنه"..

أردفت بها بجمود، و نظرات متأججة.. 


............................ صلِ على الحبيب..... 


مر يومان لم يتوقف خلالهما" جابر" عن محاولة الوصول ل" عبد الجبار " الذي أصبح بمثابة عدوه اللدود، كل أفعاله هذه تحت مراقبة" حسان" و رجاله.. 


بعد يوم عمل شاق عاد لمنزله بموعد غير موعده المعتاد لعله يلمح زوجته التي تحبس روحها بغرفتها فور شعورها بوصوله.. 


فتح باب غرفته و دلف للداخل، هم بغلق الباب خلفه، لكنه توقف حين استمع لصوت باب غرفتها يُفتح، طل برأسه قليلاً يسترق النظر تجاهها. 


كانت تسير لأول مرة بمفردها دون مساندة أحد، خطواتها متثاقلة، مرتجفة سيرها كمن يتعلم المشي حديثًا، حاملة على يدها بعض الثياب و منشفة قطنية، تتجه بهم نحو الحمام المقابل لغرفتها فعلى ما يبدو أنها تستعد لأخذ حمامها اليومي..


كان يتابعها بلهفة، و إشتياق فاق الحدود، هي معه أسفل سقف واحد بينه و بينها خطوتين و لم يستطيع ضمها لصدره،


تعثرت أنفاسه اللاهثة و قد غلبه شوقه لها جعله يفقد كل ذرة عقل به، و اندفع نحوها كالقذيفة المتوهجة بالنيران الحارقة،و قعد عقد عزمه على كسر ألواح خجلها منه.. 


"عبدالجبار أنت بتعمل أيه !!!"..

همست بها بعدما كتمت صرخة مرتعدة حين قبض هو بذراعيه على خصرها خطفها داخل صدره فجأة، و تحرك بها بلمح البصر حتى وجدت نفسها برفقته داخل حوض الاستحمام..


"هششش.. اتوحشتك قوي".. 

همس بها بأنفاسه المهتاجة الملتهبة تصفع وجهها

 قبل أن يطبق على شفاها بشفتيه.. 


كانت هناك أعين تراقبهما، و ركضت مسرعة للأسفل لتجد "خضرا" بانتظارها.. 

"ابوكِ دخل أوضته يا فاطمة".. 


حركت الصغيرة رأسها بالنفي، و اجابتها ببراءة.. 

"لع يا أمه دخل الحمام مع خالة سلسبيل و هو شايلها".. 


ضحكت "بخيتة" التي كانت تتجسس عليها كالعادة، ضحكة مستفزة تظهر جميع أسنانها و هي تقول.. 

"وه أمال عايزاه يشيل أمك العچل البغالي دهي.. يشيل مراته سلسبيل الكتكوته.. الصغيرة.. الصبية".. 

جملتها هذه جعلت النيران تلتهم قلب" خضرا " أكثر و أكثر.. 

الفصل ال20..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك ✍️..


.. بسم الله الرحمن الرحيم.. و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. 


أخبروني ماذا تفعل امرأة حُرمت من كل شيء في سنوات حياتها التي لم تُكمل العشرون عامًا حين تجد أخيرًا رجل يضمها بين ذراعيه لا يضربها بهما؟!.. 


تلك ال "سلسبيل" التي لم تري من والدها إلا الذل، و الإهانة، و من بعده وقعت في يد زوجها و والدته و عانت بما يكفي، تحملت عذاب لن يقدر عليه أحد، 


و الآن بعدما وجدت سند، شعرت بالأمان معه، حقق حلمها البسيط و حصلت على عناق من زوجها لطالما كان محور الكون بالنسبة لها، تشتهي عناقًا يعالج جروحات قلبها الغائرة، 


أغمضت عينيها لأول مرة براحة لم تذق طعمها من قبل، و استسلمت لعناقه الذي يحتويها بحماية و يفصلها عن العالم أجمع،

يعاملها كما لو كانت قطعة من البلور نادرة الوجود يخشى عليها من الخدش.. 


بصعوبة بالغة توقف عن إلتهام شفتيها بقبلاته الجائعة حين شعر أنه سيفقد التحكم بمشاعره معاها، خشي عليها من نفسه.. 


تخشبت بين يديه حين شعرت بأنفاسه اللاهثه تلفح بشرتها الناعمة، نظر لعينيها بعمق نظرة يملؤها العشق و الرغبة معًا، و يده تجول على جسدها بجرائة، و أصابعه تعبث بأزرار منامتها واحد تلو الأخر و هم بخلعها عنها إلا إنها شهقت بصوتٍ خفيض مرددة بستحياء.. 

"عشان خاطري كفايا يا عبد الجبار و أخرج قبل ما أبلة خضرا تطلع و تشوفك هنا معايا".. 


"أنتي مَراتي زيك زيها يا سلسبيل و لا ناسية".. 

أردف بها و هو يدفعها برفق للخلف، اجلسها على حافة حوض الاستحمام، و أخذ منها ثيابها وضعهم على المشجب المعلق خلف باب الحمام الذي أغلقه عليهما بالمفتاح من الداخل.. 


ابتلعت " سلسبيل " لعابها بصعوبة حين رأته يخلع جلبابه الصعيدي أمام عينيها المتسعتين بصدمة.. 

"أنت بتعمل أيه!!!".. 


"هسبحك بيدي".. هكذا أجابها بمنتهي الهدوء و هو يغمز لها بعينيه السوداء شديدة الجاذبية قبل أن يتخلص من كنزته أيضًا و بقي بسرواله الداخلي عاري الصدر لتظهر ضخامة عضلاته البارزة أمام عينيها الجاحظة بهيئة خطفت أنفاسها، و جعلت نبضات قلبها تتسارع..


هبت واقفه و سارت نحوه بخطي مرتجفة، و أمسكت جلبابه و كنزته مدت يدها بهما له، و همست بنبرة متوسلة.. 

"ألبس هدومك تاني من فضلك و أخرج أرجوك عشان اللي بتقوله ده مستحيل يحصل"..


جذبها فجأة من خصرها عليه، ارتطمت 

بصدره ذو العضلات السداسية مصدرة آهة متألمة

،مال عليها واضعًا جبهته على جبهتها و همس مداعبًا إيها.. "هحققلك المستحيل حالاً يا مليحة".. 


................ لا إله إلا الله وحده لا شريك له..... 


"خضرا".. 


تصعد الدرج راكضة بأقصى سرعة لديها، كما لو كانت شياطين الأرض تلحقها، وجهها أصبح كتلة حمراء من شدة غضبها، و غيظها، مندفعة تجاه الحمام المقابل لغرفة "سلسبيل" و قفت أمامه تلهث بأنفاس متقطعه، و بكل ما تمتلك من قوة بدأت تطرق على الباب بكلتا يديها معًا بعدما حاولت فتحه و وجدته مغلقًا،بل وصل بها الأمر أن تدفع الباب بكتفها و قدميها مرددة بهياج.. 

"أفتحي يا خسيسة يا قليلة الأصل".. 

 

كتمت "سلسبيل" صرخة حادة و قفزت مكانها داخل حضن زوجها تعلقت بعنقه تختبئ فيه بخوف حين سمعت طرقاتها العنيفة المتتالية على الباب كادت أن تحطمه، و صراختها الحادة كمن فقدت عقلها.. 

"أفتح الباب يا عبد الچبار"..


انتفضت" سلسبيل " بذعر بين يديه، و أسرعت برفع يدها المرتعشة بكنزته و ألبسته إياها و من بعدها جلبابه،بينما هو ظل محاوط خصرها بكلتا و ضغط عليه بعنف محبب، وفتح فمه حتى يتحدث إلا أنها رفعت كف يدها وضعتها على فمه، و همست له بشفتيها دون إصدار صوتٍ.. 

"لو غالية عندك أسكت يا عبد الجبار و أوعى تزعل أبلة خضرا.. هي بتعمل كده من غيرتها عليك و معاها كل الحق".. 


لثم باطن يدها بقبلة مطولة رغم ملامحه العابسة من تصرفات زوجته الجديدة عليها كليًا، لتعتلي ملامحه الصدمة و الذهول معًا حين وجد معشوقه الصغيرة تلتصق بجسده أسفل كتفه الأيمن كالعلقة، و جذبت جلبابه فوقها فاختفت داخله تمامًا.. 


لم يستطيع كبح ضحكاته حين طلت برأسها من ياقته و نظرت له بعينيها الجميلتين رغم الحزن الظاهر بهما، و خوفها الحقيقي البادي علي ملامحها، و همست بشقاوة اذهلته و أعجبته بأنٍ واحد.. 

"أنا هستخبي منها".. 

قالتها و أختفت داخل جلبابه الواسعة للغاية من حسن حظها.. 


أختفت ابتسامته و رسم مكانها الغضب، و مد يده فتح باب الحمام على مصرعه فجأة، و إذا ب "خضرا" تدلف للداخل مندفعة كقذيفة اللهب المشتعلة فقدت السيطرة على توازنها، و التحكم بقدمها التي كانت تركض دون إرادة منها حتى اصتدمت بالجدار و سقطت على حين غرة داخل حوض الاستحمام المملوء بالمياه و سائل الاستحمام.. 

"يا مُري يا بوي".. 


كان "عبد الجبار" يقف بطوله المهيب يتابعها ببرود مصطنع عكس نيران قلبه بفضل زوجته التي أجبرها ذعرها على لف كلتا قدميها حول إحدي قدميه كما لو كانت تتسلق شجرة، و سارت بيدها على بطنه و ظهره ببطء و حرص شديد حاوطت خصره بحميمية دون قصد منها.. 


"هي فين".. قالتها "خضرا" بصراخ و هي تدور بعينيها بالارجاء تبحث عنها، حاولت النهوض لكنها فشلت فشل ذريع، فنظرت لزوجها الذي يرمقها بنظرات حارقة و تابعت ..

"سلسبيل فين يا عبد الچبار".. 


"في عبي".. نطق بها ببرود لا يخفى نبرته الحاده، بينما تلك المختبئة بداخله انكمشت على نفسها أكثر دافنه وجهها بجانبه الأيمن.. 


بالطبع ظنت "خضرا" أنه يمزح بجملته هذه، فهدأت وتيرة غضبها على الفور حين تأكدت أن غريمتها غير موجودة برفقة زوجها، والتقط أنفاسها المسلوبة.. 


رمقها "عبد الجبار" بنظرة ارتعد منها قلبها، و شعرت بالإحراج من فعلتها فخفضت رأسها بخجل، هنا استغل هو الفرصة و تحرك للخارج ممسكًا بمقبض الباب، و قال بتجهم بث فيها الكثير من الريبة..

"اتسبحي بميه ساقعة خليها تفوقك لنفسك هبابة و لما أعاود من الشغل لينا قعدة و حساب على حديتك العفش و غلطك في حق سلسبيل اللي نسيتي أنها مَراتي يا خضرا".. 

أنهى جملته و أغلق الباب عليها، تنفست "سلسبيل" الصعداء و فكت حصرها حوله و كم ضايقه بعدها عنه، ود لو تظل مختبئه داخل ضلوعه هكذا للأبد.. 


طلت برأسها من ياقته ثانيةً تتأكد من عدم وجود أحد حولهما، ليستغل هو الفرصة و يحاوطها بذراعيه رفعها بضعة انشات و مال عليها بوجهه طابعًا قبلة شغوفة فوق شفتيها أمام أعين "بخيتة" التي تتجسس عليهم كعادتها، 


أخذت "سلسبيل" تكافح بضراوة للإفلات منه حتى تركها على مضض فهرولت بخطوات شبه راكضه نحو غرفتها فتحت الباب، و دلف للداخل، ليلقي هو لها قبلة في الهواء قبل أن تغلق الباب بحذر حتى لا يصل صوته ل "خضرا" التي تستشيط غيظًا حين رأت ثيابها معلقة خلف الباب، إذن زوجها لم يكن يمزح حين قال لها  أنها داخل جلبابه.. 


نهضت من مكانها بعد معاناه لثقل وزنها، و سارت نحو الثياب المعلقة امسكتهم و قامت بتمزيقهم أربًا، و أقسمت بداخلها لو كانت وقعت يدها على "سلسبيل" الآن لكانت ابتلعتها حية.. 

"غلطت و غلطي واعر لما وافجت على چوازك منِها.. أنت كنت رافض و إني اللي طلبتهالك بيدي".. 


أسودت عينيها بنظرة تحمل الشرر لأول مرة بحياتها، و تابعت بوعيد.. 

"و طلاقها منِك هيبقي على يدي".. 


................ سبحان الله العظيم........ 


"جابر".. 


قضى أكثر من يومين مستيقظ دون أن يغمض له جفن، يحاول بشتى الطرق الوصول إلى "سلسبيل"، لكن دون جدوى، فالرجال المكلفون بأمر من "عبد الجبار" حكموا حوله الحصار جيدًا، 

لكنه لم يفقد الأمل، و لن يتوقف عن البحث عنها حتى يجدها.. 


أرتمي بتعب على فراشه،يستعد لنومٍ مجهد، إلا أنه استمع لصوت جرس الباب، فهرول مسرعًا تجاهه يظن إنهم أصدقاءه أتو بمعلومة له تساعده بالوصول إليها.. 


فتح الباب بلهفة ليتفاجئ بأخر شخص يود رؤيته بهذا التوقيت.. 

"جابر!!.. يا حبيبي يا ابني".. 

صرخت بها "سعاد" والدته و هي تقطع المسافة بينهما، و تعانقه بقوة، تقبل كتفيه و وجهه، و تعاود ضمه من جديد و هي تقول ببكاء.. 

"بركة إنك رجعتلي بالسلامة يا غالي.. الحمد لله على سلامتك يا حبيبي.. واحشتني يا قلب أمك".. 


احتضنت وجهه الخالي من أي تعبير بين كفيها و همست مستفسرة.. 

"رجعت أمتي يا ضنايا"..


"من عشر أيام".. غمغم بها ببرود يغلفه الجمود، و هو يبعد يدها عن وجهه ببطء، و عينيه ترمقها بنظرة عاتبه توترت بسببها.. 


نظرت له بملامح منذهلة مرددة.. 

" من 10 أيام و متجليش ولا تسأل عني يا جابر!!".. 

أبتسم لها إبتسامة مصطنعة مدمدمًا.. 

"اممم.. أجيلك!!.. أجيلك فين!!.. بيت جوزك يا أم جابر!!!".. 


" أنتي هنا يا سعاد".. 

نطق بها" فؤاد" والدها الذي خرج للتو من غرفته، أنقذها من سؤال إبنها التي تشعرها بالذنب، و يذكرها بالماضي الأليم.. 

" أيوه يابا أنا هنا".. 

أردفت بها و هي تسير نحوه و أخذت بيده نحو أقرب مقعد.. 


"أيه الغيبة دي كلها يا سعاد.. أول مرة تغيبي عني بالاسبوعين يا بنتي.. هونت عليكِ".. 


مالت عليه قبلت رأسه و يده و بتنهيدة حزينة قالت.. 

"حقك عليا يابا.. أنت عارف ميمنعنيش عنك إلا الشديد القوي".. 


" و جوزك بقي هو الشديد القوي اللي منعك عن أبوكي "..صاح بها بلهجة غاضبة و هو يعقد ذراعيه أمام صدره و يتطلع لها بترقب.. 


" لا مش جوزي يا إبن بطني".. 

نطقت بها بحدة، و صمتت لدقيقة كاملة، و من ثم تابعت بصوتٍ تحشرج بالبكاء.. 

"صفا بنتي جوازتها باظت قبل الفرح بكام يوم بسبب القايمة.. و البت يا حبة عيني نفسيتها كانت تعبانة أوي و حابسة نفسها في أوضتها مبتخرجش منها خالص، و مكنتش قادرة اسيبها في حالتها دي لتعمل في نفسها حاجة الشر برة وبعيد عننا و عن الجميع يارب".. 


عقد "جابر" حاجيبه و هو يقول بتعجب.. 

" بنتك إزاي يعني مش فاهم !!".. 


نفخت بضيق و إجابته بنفاذ صبر.. 

" واد أنت ما تعدل طريقة كلامك الناشفة دي معايا، و لا هي الغربة و عيشة الأجانب علمتك قلة الأدب و نستك إني أمك و لا أيه!!"..


صمتت فجأة، و اعتلت ملامحها إبتسامة واسعة، و تابعت ببلاهه.. 

"صفا تبقي بنت جوزي اللي أنا مربيها على أيدي.. مش بنتي.. يعني تجوزلك يا واد يا جابر".. 


" جابر راجع عشان يدور على سلسبيل بنت أختك يا سعاد".. 

نطق بها" فؤاد " حين وصل لسمعه صوت أنفاس حفيده المتلاحقة التي تدل أن غضبه وصل لذروته، و من الممكن أن يتحدث مع والدته بطريقة غير لائقة.. 


تهللت أسارير" سعاد " و بلهفة قالت.. 

"عرفت طريقها و لا عرفت عنها أي حاجة يا جابر؟ ".. 


" أيوه عرفت طريقها و هتبقي معايا هنا في أقرب وقت ممكن ".. قالها "جابر" بثقة و إصرار.. 


أطلق "فؤاد" زفرة نزقة من صدره و هو يقول.. 

"تبقي معاك إزاي بس يا ابني.. مش يمكن تكون عايشه مع جوزها برضاها و مش عايزة تطلق منه".. 


اندهشت "سعاد" حين تفهمت ما يدور بخاطر ابنها و تحدثت بهدوء ما يسبق العاصفة قائلة.. 

"هو أنت لسه بتفكر فيها بعد السنين دي كلها!!.. لدرجة إنك عايز تطلقها من جوزها يا جابر!!".. 


............................. صلِ على الحبيب........ 


" خضرا ".. 


فور خروجها من الحمام دلفت داخل غرفتها، و ظلت داخلها لم تخرج منها بأمر من زوجها الذي غادر المنزل و ذهب لعمله مرة أخرى، أخذت تبحث عن فكرة تستطيع أبعاد زوجها عن غريمتها بأي طريقة إلى أن الهمها عقلها بالإتصال على الطبيب المعالج ل "سلسبيل" لكنهم أخبروها أنه داخل غرفة العمليات، فطلبت من مساعدته أن تبلغه باتصالها، و تجعله يهاتفها فور إنهاء عمله.. 


تجلس على أحر من الجمر تنتظر إتصال الطبيب بها، حتى أخيرًا صدح صوت رنين هاتفها، ضغطت زر الفتح بلهفة ليأتيها صوت الطبيب مغمغمًا.. 

"خير يا مدام خضرا بلغوني إن حضرتك عايزاني ضروري".. 


إجابته بلهجة حادة قائلة.. 

"أيوه.. أني هچبلك سلسبيل المستشفى دلوجيت و لو عبد الچبار سألك قوله أنت اللي طلبتها تيچي لاچل ما تعملها شوية فحوصات ضرورية، و تخليها تبات حداكم ليلتين تلاته، و إني هعطيك المبلغ اللي تطلبه".. 


"أمرك يا خضرا هانم.. هاتيها و تعالى أنا في إنتظارك".. 


أغلقت الهاتف" خضرا " الهاتف و هرولت مسرعة ترتدي عباءتها السوداء و حجابها، و غادرت غرفتها على عجل متوجهه لغرفة"سلسبيل" وقفت أمام الباب المغلق، و رسمت ابتسامتها الحانية قبل أن تطرق عليه و تدلف للداخل دون إنتظار إذن.. 


 ارتعد قلب" سلسبيل " حين رأت تعابير وجهها المصطنعة لأول مرة، و نظرتها الحاقدة عليها فشلت في إخفاءها، لكنها تغاضت عن كل ما تراه و تحدثت بقلق ملحوظ.. 

"أنتي خارجة و لا أيه يا أبلة خضرا!!".. 


لم ترد عليها، و سارت تجاه خزينة ثيابها أخرجت لها عباءه و حجاب ألقتهما بجوارها على الفراش مدمدمة.. 

"اممم.. عبد الچبار قالي اچهزك و اوديكي المستشفى.. معاد متابعتك مع الدكتور انهارده.. ألبسي يله قوام".. 


حركت "سلسبيل" رأسها لها بالايجاب، و تناولت عباءتها و حجابها ارتدتهما بصمت.. 


تابعتها "خضرا" بهدوء ظاهر على وجهها عكس ضجيج قلبها و هلعه، فهي ستخطو لخارج المنزل دون إذن من زوجها.. 


..................يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث...... 


" عبد الجبار".. 

كان يجلس على مكتبه بأريحية يتابع المكالمة الهاتفية الدائرة بين طبيب "سلسبيل" و زوجته، أنتظر حتى أغلق الطبيب الهاتف و تحدث قائلاً.. 

"كتر خيرك يا دكتور.. تقدر تتفضل أنت دلوجيت، و فوت علي الحسابات في طريقك".. 


أردف بها و هو ينتصب واقفًا و قام بجمع أغراضة، و تابع حديثه مكملاً بأمر.. 

"حسان خد الدكتور و اسبقني على بيت الست سلسبيل هانم ".. 

أعتلت ملامحه ابتسامة عاشقة و تابع بتنهيدة مشتاقة.. 

"على ما أچيبها و أچي وراكم".. 

واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


نهاية الجزء الاول من هنا


تعليقات

التنقل السريع
    close