القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية جبر السلسبيل الجزء الاول بقلم نسمه مالك الفصل الحادي والعشرون حتي الفصل الثلاثون والخاتمه

رواية جبر السلسبيل الجزء الاول بقلم نسمه مالك الفصل الحادي والعشرون حتي الفصل الثلاثون والخاتمه 

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙

الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا  


❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️


رواية جبر السلسبيل الجزء الاول بقلم نسمه مالك الفصل الحادي والعشرون حتي الفصل الثلاثون والخاتمه 


رواية جبر السلسبيل الجزء الاول بقلم نسمه مالك الفصل الحادي والعشرون حتي الفصل الثلاثون والخاتمه 

 الفصل ال21..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم..


دقائق معدودة و كان وصل "عبد الجبار" بسيارته داخل حديقة منزله، تزامنًا مع خروج زوجاته معًا من باب المنزل الداخلي.. 


بهتت ملامح "خضرا" و شحب وجهها كشحوب الموتى حين رأته مقبلًا عليهما بخطوات أقرب إلى الهرولة، لا يرى أمامه من شدة انفعالاته المضاربة، يرمقها بنظرته المتأججة حتى أصبح الخوف واضحًا عليها لمرآي وجهه الغضوب.. 


توقف أمامهما مباشرةً، يتنقل بعينيه بينهما، كانت "سلسبيل" مبتعدة بعينيها عنه عن قصد لتتجنب نوبة غضب ضُرتها ، بينما "خضرا" مختبئة خلفها تنظر لزوجها نظرة متوسلة و هي تقول بصوتٍ جاهدت على جعله طبيعيًا لكنه خرج مرتجف.. 

"أيه اللي رچعك بدري أكده يا عبد الچبار!!.. إحنا كنا رايحين لدكتور سلسبيل و هنعاود طوالي قبل رچعتك يا خوي".. 


نظر لها لدقيقة كاملة بصمتٍ، تعجبت "سلسبيل" من ما يحدث حولها، فرفعت عينيها بستحياء و تنقلت بينهما مرددة بقلق.. 

"هو في حاجة الدكتور قالها و أنتو مخبين عليا يا أبلة خضرا ؟! ".. 


أخيرًا وجدت" خضرا " جحة تفر بها من أعين زوجها، و نظرت ل" سلسبيل " بابتسامة زائفة و جاوبتها قائلة.. 

"لا يا خيتي أطمني مافيش حاچة.. متقلقيش واصل".. 


نظرت لزوجها و تابعت بتوتر.. 

" زي ما قولتلك عبد الچبار حدتني و قالي نچهز عشان معاد الكشف بتاعك الليلة.. مش أكده يا خوي".. 


ظل على صمته المريب دون أن يبتعد بعينيه عنها حتى نطق بهدوء رغم غضبه الظاهر على قسماته العابسة بشدة.. 

" چهزيلي الحمام قوام يا أم فاطمة".. 


انصاعت "خضرا" لحديثه في الحال و هرولت عائدة نحو الداخل بخطي راكضة ،و إبتسامة تزين محياها المرتعدة، فزوجها رغم غاضبه منها لم يكسر خاطرها  و قدر مشاعرها أمام ضُرتها.. 


 بينما هو أنتظر حتى تأكد أنها أبتعدت عنهما، و مد يده و جذب "سلسبيل" من معصم يدها، جذبها خلفه وسار بها نحو سيارته،فتح الباب و دفعها برفق حتى جلست بالمقعد الخلفي مردفًا بصوته الأجش.. 

"استنيني أهنه يا سلسبيل.. هغير خلجاتي و أرچعلك".. 


حركت رأسها له بالإيجاب ، ليهبط هو بكفه بحركة سريعة حتى قبض على كفها الصغير داخل راحة يده الضخمة، ضغط عليه بحنو، و سحب يده ببطء و هو يتحسس بشرتها الناعمة بشغف أسفل أصابعه الخشنة.. 


"مش هتأخر عليكِ".. 

قالها بابتسامته الجذابه و هو يغلق باب السيارة عليها، و دلف بخطي واسعة لداخل منزله، حيث قصد من فوره الدرج المؤدي للغرفة المتواجدة بها "خضرا".. 


دفع "عبد الجبار" باب الغرفة، و اندفع نحو لداخل غالقًا الباب خلفه بقوة، تسمرت محلها لبرهةً و هي تراه يقتحم عليها الغرفة هكذا و يرمقها بنظرات تطاير منها الشرر.. 

"أني چهزتلك الحمام ".. 

نطقت بها بصوتٍ خفيض بعدما ابتلعت لعابها بصعوبة بالغة، تسارعت نبضات قلبها حين لمحته يقترب منها بخطوات هادئه تشبه خطوات فهد يستعد للانقضاض على فريسته.. 


كتمت شهقة حادة حين شعرت بذراعه يحيط كتفيها ، و سار بها نحو أقرب مقعد اجلسها عليه، و جذب مقعد أخر وضعه مقابل لها تمامًا، و جلس عليه، مال بجزعه العلوي عليها مستند بمرفقيه على ركبتيه، نظر لها نظرة جامدة لأول مرة و تحدث بتساؤل قائلاً.. 

"من مِتي و أنتي بتخطي برة عتبة الدار بدون علمي يا خضرا ؟!".. 


صاح فجأة بصوتٍ جوهري دب الذعر بأوصالها مكملاً.. 

"من مِتي و أنتي بتفتحي باب للشيطان بنتنا يا بت الناس".. 


"من ساعة ما اللي اعتبرتها زي خيتي سرقتك مِني".. تمتمت بها بحشرجة مهددة بالبكاء.. 


رفع" عبد الجبار " حاجبيه معًا و هو يقول بستهجانٍ.. 

" سرقتني منك ! مش أنتي بنفسك اللي كنتِ هتحبي على يدي لاچل ما أكتب عليها، و لما أني رفضت و قولتلك معاوزش اتچوز عليكِ رغم أن ده حقي و سلونا في الصعيد إن الراچل مُلزم يتچوز أرملة أخوه، و إني رافضت لخاطر زعلك أنتِ.. روحتي من چهه تانيه و زنيتي على ودن البنته  الصغيرة و طلبتِ يدها لاچل ما تحطيني قدام الأمر الواقع بعد ما سألتي الدكتور و ضمنتي أنها مش هتقدر لا على حمل و لا على خلفه، و لا حتى تقدر تعطيني حقوقي الشرعية".. 


صمت لوهلة، و نظر داخل عينيها المتحجرة بها الدموع، و تابع بأسف.. 

" مجاش ببالك وقتها أنها بعد ما تبقي مَراتي هيبقي ليها حقوق عندي هتاخدها كاملة حتى لو هي متقدرش تعطيني حقي عنِدها.. اعقلي يا بت الناس و لجمي نار غيرتك بدل ما تتحرقي أنتي أول واحدة منِها.. ويكون في علمك فانز نسوووم اللي معترض على جوازي عليكي و مقويكي على عمايلك المهببة دي مش هينفعك لو حصل بنتنا حاچة عفشة".. (🌚🌝) 


مسح على وجهه بعصبية و هو يطرد زفرة نزقة من صدره، و انتصب واقفًا و سار تجاه النافذة وقف خلفها يتابع تلك الجالسة داخل سيارته مكملاً بصوتٍ يحمل بين طياته حزنٍ دفين استطاع إخفاءه لسنوات طويلة.. 

"كتبت عليكِ و بقيتي على ذمتي يا خضرا من غير ما ألمح طيفك حتى.. كنت ولد 21 سنة و أبوي اختارك ليا لأنك بنت أعز أصحابه و مقدرتش أكسر كلمته.. و اتفاچأت وقتها برفض أمي و حتى رفض كل أهل البلد قريب و غريب".. 


كانت قد وقفت هي الأخرى، و سارت نحوه حتى أصبحت خلف ظهره، تستمع له بصمت و أعين تفيض بالدموع، و بهمس متقطع قالت.. 

" كانوا مستعچبين كيف وافقت تتچوز حرمة تشبه الدكر مافيهاش ريحة الأنوثة، و قالولي أول ما يشوفك هيطلقك و ترچعلنا بالفطير سخن ".. 


استدار لها، و إحتوي جانب وجهها بكفه مغمغمًا بابتسامة .. 

" بس خيبت ظنونهم كلهم و نصفتك عليهم، و من وقتها و طوال 12 سنه چواز و إني شايلك چوه عيني و عمري ما هان على زعلك.. لكن في المقابل هان عليكِ أنتِ زعلي يا خضرا".. 


" لع.. كله إلا زعلك يا سيد الرچاله كلهم".. 

غمغمت بها و هي تميل على كتفه و تلثمه بعمق مكملة.. 

"حقك عليا.. حقك عليا يا سيد الناس.. أني مقصدش أزعلك.. الغيرة وچعها واعر على جلب العاشق.. و إني بعشق تراب رچليك يا عبد الچبار".. 


أبتلعت غصة مريرة بحلقها و تابعت بابتسامة متألمة.." وأنت بقيت خابر زين غيرة العاشق واعره قد أيه بعد ما جلبك عشق اللي بتقول عنِها متقدارش تعطيك حاچة"..


وضعت راحة يدها على موضع قلبه، و تابعت بقوة مصطنع.. 

" هي الوحيدة اللي قدرت تاخد جلبك".. 


واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


الفصل ال22..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..


"سلسبيل".. 


تجلس داخل سيارة زوجها بشرود، تشعر أن هناك أمر ما يحدث حولها، لكنها على غير العادة تغمرها الراحة، و السكينة، تشعر بطمأنينة تملئ قلبها فهي على ذمة رجل جعلها خلال فترة زواجهما القصيرة تثق فيه ثقة عمياء حتى أصبحت على يقين إنه لن يخذلها مهما حدث.. 


وجدت معه الأمان الذي حُرمت منه طيلة عمرها، انبلجت إبتسامة على محياها الحزينة حين داهمتها ذكري تواجدها داخل جلبابه، كم شعرت بضئلتها بين ضلوعه و جسده العملاق الذي تحرك بها بمنتهي الخفة كأنها لم تزن شيئًا على الإطلاق،أخفاها عن ضُرتها التي كانت وقتها لا تنوي على الخير أبدًا، شعرت بتلك اللحظة أنه سندها، ظهرها، حصنها المنيع الذي يحاوطها بحماية.. 


تلاشت ابتسامتها حتى اختفت، و حل مكانها الخوف ، تسارعت دقات قلبها بذعر و هي تتخيل أن يأتي عليها اليوم و تجد نفسها بمفردها من دونه ثانيةً ، دون حمايته ، أمانه، نظرة عيناه العاشقه التي أدمنتها !!! رفعت كف يدها وضعته على قلبها تحاول تهدئة دقاته العنيفة و هي تدعوا بألحاح أن يدوم لها زوجها حتى لو ظلت له زوجة على الورق فقط إلى الأبد .. 


وجهت عينيها تجاه باب المنزل بملامح جامدة عكس ما بداخلها من صخب ،تنتظر طالته عليها بلهفة و نفاذ صبر حتى يهدأ ضجيج قلبها كعادته معاها، هامسة بإسمه بتنهيده حارة.. 

"عبد الجبار".. 


.................... سبحان الله العظيم...... 


"عبد الجبار".. 


متمكن في التحكم في زمام الأمور بجدارة يُحسد عليها، يستطيع السيطرة على مشاعره، و تعابير وجهه، إنما قلبه!!! لا يملك أي سلطة عليه، لذا قبض على يد زوجته و ابعدها عن موضع قلبه قبل أن تشعر بنبضاته التي تدق كالطبول على صدره حين ذكرت أسم من أستحوذت بعشقها عليه.. 


رسم الجدية على قسماته الصارمه، و تحدث بصوته الأجش.. 

" إني عمري ما زعلتك مني في يوم من ساعة ما أتچوزنا ".. 

صمت لبرهةً و تابع بنبرة محذرة و هو يرفع كف يده الأخرى الذي لم يشفي بعد أمام عينيها، ليظهر أثر جرح السكين التي حاولت "سلسبيل" قتل نفسها بها لولا وصوله بالوقت المناسب.. 

"حتي بعد اللي حُصل مِنك..و اللي مش هسمح أنك تكرريه مرة تانية.. فبلاش يچي اليوم اللي أزعل منك فيه يا خضرا".. 


توحشت نظرته بخطورة مكملاً .. 

"أنتي خابرة زين مافيش مخلوق يقدر يزعلك في حياة عيني.. و حقك بچبهولك لحد عندِك لإنك مَراتي و اللي يزعلك كأنه زعلني .. و سلسبيل كمان مَراتي و اللي يزعلها يزعلني كيفك بالتمام، و عشان أكده من هنا و چاي مهسمحش لمخلوق على وش الكون كله يغلط فيها حتى لو أمي".. 

قال الأخيرة بصوتٍ عالِ للغاية متعمد حتى يصل لوالدته الوقفه تتجسس عليهما كعادتها.. 


وصل غضبه لزروته جعل عروقه تبرز بهيئة مخيفه و علىَ صوته أكثر قائلاً و هو يشتعل غضبًا.. 

" و لا هسمحلك أنتي كمان تغلطي فيها تاني واصل يا خضرا.. لإنها مش قليلة الرباية و لا خسيسة كيف ما قولتي عليها.. بالعكس أنتي شايفة بعينك من يوم ما كتبت عليها و هي متنازلة ليكِ عن حقها فيا و عامله خاطر لزعلك و ساكته على كل عمايلك معاها، و أنتي غيرتك عمت قلبك كمان بقيتي لا مقدرة سكوتها و لا حتى مرضها"..

هذه المرة وصل صوته لقلب" سلسبيل " قبل أذنها، اقتحمها أحساسه الصادق بالخوف عليها، و شعرت بمدى وجعه منها بسبب تنازلها عن حقها فيه و  بعدها عنه،لا يعلم أنها تتمنى قربه ربما أكثر منه..


ترقرقت العبرات بعينيها و تقطعت نياط قلبها على حين غرة بسبب أخر كلمة تفوه بها مرضها!!!!!!! ربما أدركت

"خضرا" الوضع حاليًا بعد حديث زوجها المنفعل معاها ، و من الجائز أن ترضي بالأمر الواقع و تتقبلها ضُرة لها، لكن سيظل مرضها الحائل بينها و بينه، إذن لن تكون قادرة على تحقيق حلمه في إنجاب إبنٍ له، سيكون خطورة كبيرة على حياتها حينها.. 


حياتها!!! لا تهمها بالأساس، ما رأته خلالها جعل حالتها النفسية تسوء إلى أقصى حد، فأصبحت تتمنى لو تحصل على فرصة حتى تتخلص منها، لمعت عينيها ببريق أمل و تهللت أساريرها فجأة حين خطر على بالها فكرة حمقاء، ها قد وجدت تلك الفرصة أخيرًا.. 

"هحمل منك يا عبد الجبار".. 

غمغمت بها بوعيد و إصرار، و أعين تفيض بالدمع رغم سعادتها التي ظهرت على وجهها أشرقت نوره، و عادت الدماء تغزو وجنتيها من جديد.. 


بينما "خضرا" أجهشت ببكاء حاد حصلت به على عطف زوجها الذي كان يلهث من شدة أنفعاله نافثًا الهواء من فتحتي أنفه بصعوبة ،


أخذ نفس عميق يهدأ به نوبة غضبه، و احتضن وجهها بين كفيه، يزيل عبراتها بأصابعه مكملاً بنبرة هادئة.. 

"ميهونش عليا دمعك يا غالية.. كفايكِ بكى عاد.. أكده هزعل منكِ صُح".. 


"لع.. كله إلا زعلك عندي يا عبد الچبار" .. 

همست بها و هي تلثم كف يده المصابة بقبله عميقة مكملة.. 

"هتحق لسلسبيل مَراتك، و هحب على رأسها كمان بس متزعلش مني و لا جلبك يكون شايل من چهتي أيتها حاچة يا خوي".. 


تنهد" عبد الجبار "براحة، و انحني عليها مقبلًا جبهتها بعمق مغمغمًا.. 

" ربنا يكملك بعقلك يا أم فاطمة".. 


....................... لا حول ولا قوة إلا بالله....... 


" سعاد".. 

تجلس على الاريكة بجوار" فؤاد" والدها تتحدث معه بصوتٍ خفيض حتى لا يصل لسمع ابنها "جابر".. 

" يعني دي تاني جوازة كمان للبت و ابني عايز يطلقها من جوزها و يبقي الراجل التالت في حياتها !!!".. 

قالتها بملامح منذهلة، مصدومة و هي تضرب على صدرها بكف يدها.. 


زفر "فؤاد" بضيق، و تحدثت بتعجب قائلاً.. 

"هو ده اللي همك يا سعاد و مش همك بنت أختك اللي أكيد أول ما تشوفنا هتسألنا سبناها ليه كل السنين دي؟! ".. 


تحشرج صوت" سعاد " بالبكاء مردفة .. 

" و إحنا سبناها بمزاجنا يعني.. ما أنت عارف اللي حصل وقتها، و عارف كمان إن أبوها جبروت و ابني كان لسه عضمه طري ميقدرش يقف قدامه.. لكن دلوقتي ربنا يحفظه بقي راجل يسد عين الشمس هيبقي سند ليها و يقف في ضهرها و لو ليها حق هيجبهولها بس من غير جواز.. هي أه بنت أختي و غالية عندي و نفسي أشوفها و أخدها في حضني.. بس مش أغلى من ضنايا يا بابا و مستحيل أرضي إن ابني ياخد واحده خرج بيت واحد مش بتين كمان حتى لو بنت أختي ".. 


" بس نوصل للبت الأول يا سعاد".. قالها" فؤاد " بضحكة ساخرة مكملاً.. 

" جوزها طلع تقيل أوي و صاحب أملاك ياما و ابنك داير يلف عليه زي الدبور و مش عارف يوصله لحد ما تعب من كتر اللف و مرمى نايم جوه زي القتيل".. 


" و يارب ما يوصله يا حج".. 

نطقت بها بتمني شديد، و تابعت بسرها.. 

" إلا أما أجوزه الأول البت صفا بنت جوزي.. تربية أيدي ".. 


......................... صلِ على الحبيب......... 


" عبد الجبار ".. 


فرغ للتو من غُسلٍ كامل، هرول مسرعًا تجاه ثيابه المكونه من قميصًا أبيض اللون، و سروال من الجينز الغامق، حذاء كلاسيك أسود بلون الحزام الملتف حول خصره، وقف مقابل المرآه يمشط شعره بعناية، أرتدي ساعته الفخمه حول رسغه، و خاتم من الفضه بأحدي أصابعه، نثر عطره المميز بكثافه، هندم ذقنه و شاربه بدقه فأصبح مثالًا للغواية و الفتنة.. 


كانت "خضرا" تتابعه بصمت، نيران قلبها أصبحت هادئة قليلاً الآن، بعد احتواءه لها خاصةً حين قال .. 

"أني هفهم الدكتور يقول قدام سلسبيل إن هو اللي قدم معاد المتابعة.. لأنها المفروض الأسبوع الچاي.. بس عشان ميرضنيش يبقي شكلك مش ولا بد قصادها".. 


"اللي تشوفه يا خوي".. قالتها وهي تخفض رأسها و تبتعد عن عينيه التي تتابعها بنظرة متفحصة يقرأ بسهولة ما يدور بذهنها عبر المرآة.. 


جمع أغراضه المكونه من هواتفه ذات الماركات الشهيرة، و جزدانه الجلدي،نظارته الشمسية، مفاتيح سيارته،و أقترب منها حاوط كتفيها بذراعه هامسًا بأذنها بنبرته المزلزلة.. 

" في هدية مني ليكي هتعچبك قوي هتوصلك الليلة

بعد صلاة العشاء ".. 


أشهرت يديها الإثنين الممتلئتين بالاساور الذهبية، و أشارت على القلادات المعلقين برقبتها مرددة بفخر و هي تسير بجواره لخارج الغرفة.. 

"يخليك ليا و لا يحرمنيش منك واصل.. خيرك مغرقني يا سيد الناس".. 


" و اللي خلق الخلق الحُرمة دي عملالك عمل يا ولدي".. 

كان هذا صوت "بخيتة" التي جن جنونها حين رأت ابنها الذي كان يتشاجر مع زوجته كما لو كان جمرة نار من شدة غضبه منذ قليل،الآن يهبط الدرج وهو محتضن رأسها و يبتسم ببشاشة كأن لم يكن شيء.. 


" أمه..... ".. قالها "عبدالجبار " ضاغطًا على كل حرف بها، و هو يبتعد عن زوجته و يقترب منها مقبلًا رأسها، و يدها هامسًا برجاء.. 

"بكفايا نكد لحد أكده انهارده عشان خاطري يا أم عبد الچبار".. 


رمقة" خضرا " بنظرة سامّة مدمدمة.. 

"اممم.. لاچل خاطرك بس يا ولدي بس بشرط".. 

صمتت للحظة و تابعت بخبث.. 

"تچبلي حفيد.. راچل يشيل اسمك وأسم أبوك و يكون سندك كيف ما أنت سندي و ضهري يا عبد الچبار".. 


" كل شيء بأوان يا أم عبد الچبار ".. 

قالها و هو يرتدي نظارته الشمسية التي ذادت جذبيته أضعاف مضاعفة قبل أن يغادر المنزل بخطوات واسعة.. 


و بعد طول إنتظار لمحت طيفه يهل عليها، رفرف قلبها بشدة حين رأته مقبلًا عليها بلهفة أخفاها خلف نظارته السوداء، زينت شفتيه العريضة ابتسامة كان لها تأثير السحر عليها، أجبرتها على تأملها ببلاهة، نظرتها له متفحصة لا تخلو أبدًا من الإعجاب.. 


"عنك يا عبد الچبار بيه".. 

أردف بها "حسان" و هو يركض نحوه مسرعًا، و فتح له باب السيارة الخلفي .. 

"أيه الأخبار يا حسان؟".. 

قالها "عبد الجبار" و هو يجلس بجوار زوجته، علقت أنفاسها بصدرها حين اقتحمتها رائحة عطرة الذي أشعل جميع حواسها دفعة واحده.. 


أجابه "حسان " قائلاً.. 

"كلو تمام زي ما أمرتنا يا كبير".. 


كانت "سلسبيل" هائمة بالنظر إليه بابتسامة حالمة، عينيها مثبته على شعره الفاحم الرطب،تتمنى لو  تغرس أصابعها بين خصلاته.. 


لم تنتبه على حركة السيارة التي صدر عنها ضجيجًا عاليًا أثناء مغادرتها عبر البوابة المفتوحة على مصرعيها، تحت نظرات "خضرا " التي تقف خلف النافذة تتابعهما بأعين يتطاير منها الشرر بعدما لمحت نظرة الافتتان بأعين غريمتها لزوجها جعلتها تستشيط غيظًا و حقدًا عليها.. 


بينما "عبدالجبار" يجلس بجوارها المسافة بينهما لا تُذكر لكنهما لا يتلامسان، و رغم هذا كانت تشعر بذبذبات حاره منبعثه من جسده تجاهها إلى أن أحست بكفه قبض على يدها فجأة، و أصابعه تتخلل بين أصابعها و تشتبك بهم بقوة دفعتها للإنهيار داخليًا فأطلقت أنفاسها المحبوسة برئتيها دون أدنى أرادة منها..


"خابر أني اتأخرت عليكِ.. حقك عليا".. 

همس بها بنبرة بدت مدمرة، و هو يرفع يده المحتضنه كفها على شفتيه و لثمه بقبلة رقيقة أيقظت كل مشاعرها الخامدة تجاهه مرةً واحدة، شهقت بصوتٍ خفيض و قد فجأتها فعلته هذه و راقتها كثيرًا أيضًا .. 


جاهدت حتى تبتعد بعينيها عنه، و نظرت للجهه الأخرى لتجد أنهم على الطريق السريع المعاكس للطريق المؤدي إلى المستشفى.. 

" أيه ده.. إحنا رايحين فين!!!!".. نطقت بها و هي تتلفت حولها بصوتٍ مرتجف يعبر عن خوفها الشديد.. 


"ليه كل خوفك ده عاد"..تساءل "عبدالجبار" بقلقٍ جم، لترفع "سلسبيل" وجهها و تنظر لعينيه بعينيها الزائغة، و همست بصوتٍ اختنق بالبكاء.. 

"أوعي تكون موديني عند أهل أمي؟".. 

لتستطرد دون أن تمنحه فرصة للرد عليها.. 

"أنا مش مستعدة أشوفهم دلوقتي خالص .. خايفة من اللحظة اللي هشوفهم فيها يصدموني بحاجة توجع قلبي زيادة وأنا مش حمل أي صدمات تانية تزعلني زيادة وأنا في حالتي دي".. 


تنهد" عبد الجبار " متفهمًا مشاعرها و خوفها، أبتسم لها و هو يبعد نظارته عن وجهه لتظهر عينيه التي تجعلها تمتثل رغمًا عنها للسحر الذي يبثه لها بنظراته، إزداردت لعابها بتوتر حين وجدته ينظر لها نظرته التي تخطف أنفاسها، جذبها عليه محاوطًا إياها بذراعيه، استكانت بين يديه على الفور.. 


تنهد "عبد الجبار" بقوة مغمغمًا بخفوتٍ.. 

"أطمني.. متخفيش من أي حاچة واصل.. 

أني معاكِ و في ضهرك و مهسمحش لمخلوق يمسك بسوء، و كمان مش ناوي أوديكِ عندهم إلا لما تطيبي و تبقى زينة" .. 


"طيب أنت واخدني على فين".. غمغمت بها بخجل، و هي تتحاشي النظر لعينيه المحاصرة لها، رفع يده و إحتوي ذقنها بين أصابعه أجربها على النظر له مرة أخرى، تعمق النظر بعينيها التي تنجح في هزم كل قوته و عنفوانه و تجعله آسيرًا لها ليمد إبهامه ويلمس شفتها السفلى بحسيه شديدة خرجت من أعماق رجولته، و أردف مسبلًا عيناه نحو شفتاها الحمراوين و مقربًا وجهه من وجهها ببطء.. 

" هخطفك أيه قولك".. 


أسرعت بدفن وجهها داخل صدره تختبئ منه فيه بخجل حين لمحت نظرته المتلهفة لشفتيها.. 

"موافقة.. تخطفني يا عبد الجبار ".. دمدمت بها بهمس بالكاد وصل لسمعه، فضمها له بقوة أكبر، و هو يجذب يديها و يلفها حول خصره.. 


مر عليهما وقت ليس بقليل، ساعة أو أكثر لكنهما لم يشعروا به، كان مكتفيان بقربها لبعضها، منفصلان عن جميع ما حولها حتى توقفت السيارة و صدح صوت " حسان " قائلاً .. 

" حمدالله على السلامة يا كبير".. 


تنحنح "عبد الجبار" كمحاوله منه لإيجاد صوته مردفًا.. "احححم الله يسلمك يا حسان".. 


دارت "سلسبيل" بعينيها بالمكان حولها، شهقت بفرحة غامرة حين وقعت عينيها على أمواج البحر تنصدم بالاحجار الضخمة صادرًا عنهما صوتٍ ينعش الروح.. 

" احنا في إسكندرية صح!!!! ".. 

تفوهت بها و هي تغادر السيارة، واضعة يدها الصغيرة داخل راحة يده الممدودة لها.. 


حرك رأسه لها بالايجاب، و سحبها خلفه لداخل منزل حديث الطراز ، يطل مباشرةً على مياه البحر بلونه الأزرق المتلألئ تحت آشعة الشمس الساطعة.. 


كان بستقبالهما العاملين بالمنزل يقفون بصف واحد، ترأسهم "عفاف" سيدة أنيقة بأواخر عقدها الرابع، تحدثت بابتسامة بشوشة قائلة.. 

"نورتي بيتك يا ست سلسبيل هانم".. 


"بيتي!!!".. تمتمت بها مذهولة، و هي تتنقل بينها وبين زوجها الذي ينظر لها بإبتسامة حانية مردفًا بتأكيد، و هو يحاوط خصرها و يضمها له و يسير بها بالارجاء..

 "أيوه بيتك يا سلسبيل".. 


صعد بها على الدرج، و هو يقول.. 

"چهزوا الوكل يا عفاف.. الهانم معاد علاچها كمان ساعة".. 


"عفاف" بعملية.. "دقايق و الأكل يكون عند سيادتك يا عبد الجبار بيه".. 


سارت معه داخل ممر طويل حتى توقف أمام إحدي الغرف، و وضع يده على المقبض ، و نظر لها قبل أن يفتح الباب.. 

كادت أن تصرخ هذه المرة وهي ترى غرفة أقل ما يُقال عنها أنها رائعة الجمال، مملوءة بأجمل الورود بمختلف انواعها و ألوانها، 


دلفت معه للداخل بخطوات مرتعشة، لتجده يجذبها برفق نحو منضدة الزينة الموضوع عليها علب مخملية مفتوحة بداخلها أفخم المجوهرات التي صُنعت لها خصيصًا.. 


أوقفها أمام المرآة، و وقف خلفها و بدأ يخلع حجابها عنها حتى تخلص منه، فك عقدة شعرها لينسدل على ظهرها بنعومة و انسيابية،  أمسك عقد من الماس على شكل قلب منقوش عليه حروف إسمها، و قام بوضعه حول رقبتها ، زاد العقد جمالاً بها، فنحني عليها و عانقها بقوة هامسًا برومانسية.. 

"شبكتك يا ست البنات".. 


قال جملته وهو يشير لها على باقي الذهب أمامها، و أمسك أوراق كانت بداخل مغلف مغلق فتحها أمام عينيها مكملاً.. 

"و ده عقد البيت بأسمك يا سلسبيل، و في كمان شيك بورثك في حق أخوى الله يرحمه".. 


تتطلع حولها بأعين دامعة، مبهورة.. ما تعيشه الآن لم يخطر على بالها بيومٍ من الأيام..

"لمين كل ده يا عبد الجبار!!!"..


تأملها بعينيه الآسرة و نظرته العاشقه لها التي تُذيبها كليًا قائلاً بصوته القوي..

"للست سلسبيل هانم مَرات عبد الچبار المنياوي"..


سالت عبراتها على وجنتيها ببطء، و أبتسمت إبتسامة يملؤها الوجع مغمغمة..

"مراتك!!!"..


قرأ ما يدور بذهنها بشأن مرضها و عدم قدرتها على إعطاءه حقوقه، إحتوي خصرها بذراعيه، و انحني عليها ضمها لصدره بقوة طابعًا على خدها قبلاتٍ عميقة متتالية و هو يهمس من بينهم بحرارةٍ..

"أيوه مَراتي و عشج الجلب و الروح من أول مرة وقعت عينى عليكي فيها، و مكنتش خابر وقتها إنك أرملة أخوى يا سلسبيل"..


حديثه هذا لم تنتبه له جيدًا، فقربه منها بحميمية هكذا يبعثر مشاعرها و يفقدها إدراك ما يحدث حولها، أسبلت أهدابها و تنهدت مطوّلًا، ثم همست دون وعي بصوتٍ إختنق بالبكاء..

" أخوك ده أنا وافقت اتجوزه بسببك أنت يا عبد الجبار!!! "..


ر بااااه ماذا قالت!!!!


و ماذا قال هو!!!


نفس السؤال اقتحم عقلهما بأنٍ واحد، انتزعها من بين أحضانه دون أن يبعدها عنه، لتتقابل أعينهم بنظرة تلهف، و تحدثا بنفس واحد..

"وافقتي على چوازك من أخوى بسببي!!" ..


"شوفتني فين و أمتي؟! "..


انبلجت إبتسامة على محياة و هو يستعيد ذكري أول مرة رأها بها.. 


.. فلاش باااااااااااك.. 


بعد إنتهاء مراسم دفن شقيقه، عاد للمنزل و وقف لاستقبال واجب العزاء، كان صراخ و عويل النساء بالداخل يصم أذان الرجال بالخارج مما أغضبه كثيراً، فندفع نحوهم بملامح تشتعل غضبًا، و صاح بصوته الأجش و هو يتنقل بنظره بينهم يبحث عن والدته.. 

"أخرسي يا حُرمة منك ليها.. بكفاياكِ عاد يا أمه".. 


هنا لمحها، وقعت عينيه على فتاة تجلس بإحدى الجوانب بمفردها، وجهها يظهر عليه أثار عنف، و كدمات تاركة بقع حمراء و زرقاء و رغم هذا كانت الفرحة تُشع من ملامحها الدامية، عكس جميع الحضور، سعادة عجيبة، و غريبة ظاهرة على قسماتها الفاتنة التي شغلت جم انتباهه، لكنها لم تنتبه له على الإطلاق.. 


"مين دي يا حسان".. 

أردف بها بصوتٍ خفيض، و هو يشير تجاهها بنظرة من عينه.. 


إجابه "حسان" قائلاً .. 

"دي سلسبيل أرملة أخوك الله يرحمه يا كبير"..


عقد حاجبيه فأصبح عابسًا بشدة وهو يقول.. "أيه اللي عمل فيها أكده؟!".. 


"أخوك الله يرحمه بقي و يسامحه كان شديد قوي قوي عليها".. غمغم بها "حسان" بأسف.. 


و من تلك اللحظة، و هي سيطرت على تفكيره، و كأنها ألقت تعويذة سحرية على قلبه.. 


.. نهاية الفلاش باااااااااااك.. 


ختم حديثه و اختطفتها ذراعه كالخطاف وهو يحاوط بها خصرها ليجذبها اليه، و انحني بوجهه عليها هامسًا أمام شفتيها.. 

" كأن صورتك اتوشمت على جلبي".. 


أبتسمت له "سلسبيل" و رفعت يديها احتضنت وجهه بين كفيها مغمغمة بستحياء.. 

"من يوم ما أبويا خدني و رجع بيا على الصعيد، و أنا بسمع عن عبد الجبار المنياوي الراجل اللي كل أهل البلد بتحلف برجولته و أخلاقه، و أد ايه هو صاين مراته و مخليها زي الملكة.. وقتها اتمنيت و دعيت ربنا يرزقني براجل زيك يحميني و ينجدني من جبروت و ظلم أبويا و مراته.. لحد ما عبد الرحيم طلب أيدي، و عرفت انه أخوك.. فرحت و وافقت على طول و قولت أكيد هيبقي زيك في أخلاقه، و افتكرت ان ربنا رحمني أخيراً".. 


صمتت قليلاً تلتقط أنفاسها، و تابعت بغصة يملؤها الأسى.." بس للأسف مطلعش زيك يا عبد الجبار.. ده طلع جبروت عن أبويا، و انا من غبائي و سني الصغير وقتها قولتله أني كنت فكراه راجل زيك و هدته أني هشتكيه ليك أول ما أشوفك، ساعتها اتحول لوحش و كان هيقتلني، و بقي كل ما يعرف إنك جاي البلد يكتفني في اوضتي لحد ما أنت تمشي".. 

أنهت حديثها و انفجرت باكية ببكاء مزق قلبه لأشلاء ، بينما هو أخذها في عانق محموم حتى لم تعد قدميها لامسة الأرض، ذراعه ملتف حول خصرها، و ذراعه الأخر يربت به على شعرها بحنو.. 


كانت تهمس له بصعوبة بالغة من بين شهقاتها الحادة قائلة.. 

" مافيش ست في الدنيا مبتحلمش براجل يكون سندها، و ضهرها.. يحميها و يحسسها بالأمان ".. 


رفعت وجهها المتخضب بالحُمرة القانية، و نظرت لعينيه المتلهفة بعينيها الغارقة بالعبرات، و تابعت بتأوه.. 

"و أنت كنت حلم حياتي اللي متخيلتش أبدًا أنه ممكن يتحقق في يوم من الأيام يا عبد الجبار".. 


 تعالت وتيرة أنفاسه، و بدأ يلهث بوضوح و قد أشعلت بجسده حمم بركانية باعترافها الذي لم يخطر على باله أبدًا.. 


يلجم نفسه عنها بشق الأنفس، لصقها به بقوة، و يده تداعب جسدها بحميمية، و اقترب بوجهه منها حتى أصبح يتنفس أنفاسها، تحدث بصوته الأجش و شفتيه تمس شفتيها.. 

"رايدك.. رايدك يا سلسبيل".. 

قالها قبل أن يطبق بشفتيه على فمها يتذوق ذلك الصخب من بين شفتيها و كم تاق لهذا...... 


انتهي الفصل.. 

هستني رأيكم يا حبايبي.. 

واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


الفصل ال23..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. 


في كثير من الأوقات نتعرض لضغوطات الحياة المختلفة التي تلعب دورًا هام في تكوين شخصياتنا على مراحل سنوات عمرنا،  إلى أن يأتي وقتٍ تنفذ فيه طاقتنا بسبب ضغط شديد يفوق تحملنا، حينها نكون أول من يُصدم من رد فعلنا،نتفاجئ بوجود شخصية أخرى بداخلنا لم يُخيل لنا وجودها،


شخصية شرسة بأمكانها أرتكاب أفظع الجرائم دون لحظة تردد، و هذا ما حدث ل "خضرا" بعدما تمكنت منها الغيرة التي أشعلت النيران بقلبها حتى غلفته 

القسوة،تلك النيران سيكون للجميع نصيب منها، ستحرق كل من يعترض طريقها، لن ترحم أحدًا حتى نفسها.. 


صدح آذان العشاء، و صدح معه رنين جرس باب المنزل الخارجي يعلن عن وصول الهدايا التي أوصى بها "عبد الجبار" خصيصًا لزوجته بإحدى دور الأزياء الشهيرة حتى تُناسب مقاساتها ، أتت قبل موعدها لينالوا رضا أهم عميل لديهم.. 


تقف "خضرا" بوجهه عابس بشدة، ممسكة هاتفها بيدها تعاود الإتصال بهاتف زوجها مرارًا و تكرارًا دون توقف، لا تكترث للهدايا على الإطلاق، كل ما يشغل بالها هي غريمتها، فقد تأكدت من مصادرها داخل المستشفى أن "سلسبيل" لم تصل إلى هناك .. 


إذن أين ذهب بها ، و ماذا يفعل معاها الآن !!.. 


ستجن لا محالة كلما تتخيل أنهما بمفردهما و من الممكن أن تتطور العلاقة بينهما، تدور حول نفسها ذهابًا و أيابًا و هي تلطم خديها بكل قوتها حتى أدمتها، تشعر بألم يمزق قلبها يفوق قدرتها على التحمل، كل هذا أمام نظرات "بخيتة" التي تتابعها بابتسامة واسعة تظهر جميع أسنانها بهيئة مخيفة، و مستفزة للغاية.. 


" كل عمايلك دي مبقاش ليها عازة خلاص يا خضرا، سلسبيل بقت مَرات عبد الچبار المنياوي اللي هتچبلوا الواد عن قريب قوي قوي".. 

غمغمت بها "بخيتة" وهي تستند على عكازها، و تنتصب واقفة سارت تجاهها بخطوات هادئة حتى توقفت أمامها مباشرةً، و نظرت لها بملامحها القاسية، و تابعت بضحكة ساخرة.. 

"كنتِ فاكرة حالك هتقدري تتحكمي في البنتة الصغيرة و تبعديها عن راچلها إياك!!!.. القلوب ملهاش حاكم يا أم البنتة، و سلسبيل عشجت عبد الچبار كيف ما هو عشجها، و مهتقدرش تمنع روحها عنِه أكتر من أكده"..


كانت "خضرا" تستمع لها بصمت، ملامحها جامدة، دموعها متحجرة بعينيها، تصطك على أسنانها بعنف كادت أن تهشمهم، هُيئ لها أن"سلسبيل " تقف أمامها و كم تتمني هذا الآن حتى تنقض عليها و تمزقها أربًا دون لحظة تردد.. 


تنهدت" بخيتة "براحة و قد وصلت لمبتغاها، و هي تري الغل، و الحقد ظاهر بوضوح على وجهه "خضرا" تجاه "سلسبيل"، فدمدمت لبرهةً قبل أن تقول.. 

"اممم.. لو فكرتي زين هتلاقي إن إتفاقك عليا مع سلسبيل اللي قولتيلي عليه ده هتطلعي منه خسرانة.. إنما لو اتفقتي معايا أني هتبقي أنتي لوحدك مَرات عبد الچبار يا خضرا و أم الواد اللي هتچيبوا ضُرتك كمان".. 


جحظت أعين "خضرا" على وسعهما، و نظرت لها بلهفة، كالغريق الذي كان على وشك الموت و أخيرًا وجد منقذه.. 

"قوليلي كيف يا أمه أحب على يدك".. 

نطقت بها بنبرة ملتاعة، و هي تميل على يدها تحاول أمساكها لتقبلها بتوسل..


دفعتها" بخيتة " بعيدًا عنها بعنف مردفة بغضب.. 

"أمه.. دلوجيت بتقوليلي يا أمه يا بت المركوب بعد ما كنتِ بتفقعي مرارتي بعاميلك العفشة و حديتك الماسخ".. 


ضربت" خضرا " على صدرها بكف يدها بحركة استعطافية مرددة.. 

"حقك علي راسي يا أمه.. مهعملش أكده مرة تانية واصل.. بس قوليلي كيف أكون مَرات عبد الچبار ، و أم إبنه لحالي من غير ضُرة.. إلا الضُرة مُرة و مرارها واعر قوي".. 


انبلجت ابتسامة شريرة على ملامح" بخيتة" حتي ظهرت تجاعيد وجهها وهي تقول.. 

"تهمليها مع راچلها لحد ما يحصل المراد، و تبجي حبلة منه، وقتها تحطيها چوه حباب عينك و تشيلها من الأرض على كفوف الراحة لغاية ما تچبلنا الواد اللي هيخلص عليها و هي بتولده كيف ما قال الحكيم إن جلبها مش قد الحبل و الولادة، و أول ما تموت تاخدي أنتي الواد و تبجي أمه.. الأم اللي بتربي يا خضرا مش اللى بتخلف".. 


فكرة راقت" خضرا".. لن تنكر أن حديثها قد راق لها كثيرًا، و تهللت اساريرها بسعادة، و دون ذرة تفكير منها حسمت قرارها بتنفيذ تلك الفكرة على الفور، و لكن ستظل تلك النيران التي تتآجج بقلبها مشتعلة لن يخمدها سوي شيئًا واحد فقط موت السلسبيل، الموت الذي لم تكن تظن بيومٍ أن تفكر فيه أو تتمناه حتى لعدوها.. 


بينما "بخيتة" ترمقها بنظرات مستهزءة لغباءها الذي صور لها بأن زوجها سيعود لها كما كان حين يُحرم من المراءة الوحيدة التي عشقها من صميم قلبه..


....................... سبحان الله العظيم....... 


"عبد الجبار.. 


كان يظن أن بأمكانه التحكم بفيض مشاعره التي أغرق بها  معشوقة قلبه و روحه، و أن الأمر لن يكون إلا مجرد قبلة شغوفة و يبتعد عنها في الحال، و لكن قد حدث ما كان يتمناه قلبه الملتاع منذ أن أصبحت زوجته.. 


انجرف بقاع بحر غرامها دون أدنى إراده منه، لأول مرة فشل في السيطرة على رغبته الجامحه بها، انفصل معاها عن العالم أجمع مكتفي بوجودها بين ذراعيه، لا يعلم كيف و متى و كم من الوقت بقي ينهال بجنون من شهدها لعله يشبع ظمأه منها، 


لم ينتبه على كل ما يدور حوله، رنين هاتفه المستمر حتى نفذت طاقته و أنطفئ تمامًا ، طرقات العاملين من حين لأخر، كان معاها و بها و لها فقط.. 

"عشجان.. أني عشجانك يا سلسبيل".. 

غرد بها داخل أذنها بصوتٍ هامس من بين أنفاسه اللاهثه المهتاجة، و هو يسير بوجهه المتناثر عليه حُبيبات العرق، على وجهها المتوهج بحمرة الخجل.. 


"عبد الجبار".. همست بها بأنفاس متهدجة من بين شفتيه التي تغمرها بوابل من القبلات المتلهفة، يستعد بها لأخذها بجولة أخرى من جولاتهم شديدة الخصوصية، 


لكن!!! همسها هذا أفاقه من نوبة جنون عشقه بها، تخشب جسده لوهله و قد أدرك ما فعله للتو، و من ثم انتفض من فوقها فجأة كمن لدغه عقرب سام، أو بالأصح كأنه تحول هو لهذا العقرب و قام بلدغ أغلى و أحب الخلق لقلبه.. 

"سلسبيل!!!!".. صاح بها صارخًا بقلب مرتعد، و هو يخطفها داخل صدره، اجلسها على قدميه، و بدأ يتفحص كل أنش بها، و هو يصيح بصوتٍ جوهري دون أن يتركها من يده.. 

"عفاااااف.. شيعي لحسان يچيب الدكتور".. 


"عبد الجبار أهدي.. أنا كويسة".. 

أردفت بها و هي تحتضن وجهه بين كفيها الصغيرين، لكنه أسرع بضم يدها بين قبضة يده الضخمة يتحسس برودة بشرتها، و يجذب الغطاء عليها بخوف يخفي به جسدها العاري، و عينيه تشملها بنظرة يملؤها العشق، و الندم معًا مغمغمًا.. 

"حاسة بأيه.. في حاچة بتوچعك.. قوليلي يا بت جلبي".. 

أنهى جملته، و أسرع بوضع راحة يده على موضع قلبها يستشعر نبضاته، دست نفسها هي بين ضلوعه، و لفت كلتا يديها حول خصره، و ضمته لها بكل ما أُتيت من قوة، و أطلقت تنهيدة طويلة و هي تقول بستحياء بصوتٍ بالكاد وصل لسمعه.. 

"مبسوطة.. أول مرة أبقى مبسوطة كده".. 


رفعت وجهها، و نظرت داخل عينيه بعمق مكملة.. 

"مبسوطة عشان بقيت مراتك أنت.. أنت بالذات يا عبد الجبار".. 


هدأت وتيرة أنفاسه قليلاً حين رأي ملامحها التي توردت و كأنها تفتحت كالوردة بعدما تشبعت من حبه و أهتمامه بها.. 


في هذه اللحظة ضمها له بيديه و حتى قدميه لعله يطمئن قلبه الذي أوشك أن يغادر صدره من عنف دقاته، 


مرت لحظات و هو محتويها بجسده كما لو كانت ضلع من أضلاعه، حتى استمع لطرقات على باب الغرفة يليه صوت "عفاف" تتحدث بقلق قائلة.. 

"الدكتور وصل يا عبد الجبار بيه".. 


على مضض ابتعد "عبد الجبار" عن زوجته، و هرول بلملمة ثيابه المبعثرة على الفراش، و الملقاه أرضًا و ارتداها علي عجل، و عينيه لم تتزحزح عن "سلسبيل" المختبئة بخجل أسفل الغطاء، شهقت بخفوت حين شعرت بيديه ترفعها بمنتهي الخفة، و قام بمساعدتها على أرتداء روب من الحرير الناعم أبيض اللون، احضره لها بلمح البصر من الغرفة الخاصة بثيابها،و حجاب كبير قام بوضعه على رأسها أخفي به شعرها و روبها بأكمله.. 


أغلقه جيدًا حولها قبل أن يسير تجاه باب الغرفة بخطي واسعة، و قام بفتحه و هو يتحدث موجهه حديثه للطبيب بنبرة لا تحمل الجدال.. 

"أسرع بالكشف على زوجتي، و تحدث معي باللغة الإنجليزية عن حالتها الصحية ".. 


"تحت أمرك عبد الجبار بيه".. 

نطق بها الطبيب الذي اندفع مسرعًا تجاه "سلسبيل" الجالسة على الفراش بأريحية،و إبتسامة دافئة تزين ثغرها المزموم.. 


بمنتهي الدقة أنتهي الطبيب من فحص شامل لها  أمام " عبدالجبار " الجالس بجوار زوجته، محاوط كتفيها بلهفة.. 

" اطمئن زوجتك بخير حال و لا يوجود أي خطر عليها"..


تتنقل "سلسبيل" بينهما بنظرات منذهلة، و هي تري زوجها يتحدث اللغة الانجليزية بطلاقة، ليتابع الطبيب بتعجب قائلاً.. 

"هل نسيت إتفاقك معي حول ما أقوله عن حالتها!!! ".. 


تنهد "عبد الجبار" بأسف، و قد ارتجف قلبه بخوف و هو يتخيل رد فعل زوجته إذا علمت باتفاقه هذا.. 

"لا لم أنسى اتفاقنا ، و لكني لم أنسى أيضًا أن قلبها كان على وشك أن يُصاب بجلطة، و لا أريد أن يتكرر الأمر ثانيةً".. 


"في أيه يا عبد الجبار.. فهمني".. 

همست بها "سلسبيل" لزوجها بصوتها الذي يُذيب عظامه، فضمها له بقوة أكبر مقبلًا جبهتها، و هو يقول.. 

"اطمني.. أنتي زينة يا ست الهوانم"..

نظر لطبيب وتابع بصرامة.. 

" مش أكده يا دكتور".. 


الطبيب بعملية و بعض الخوف من قسمات "عبد الجبار "الجادة" احححم.. أيوه حضرتك كويسة جدًا يا مدام اطمني"..


أردفت "سلسبيل" بلهفة و فرحة غامرة قائلة.. 

"أيوه أنا الحمد لله حاسة أني احسن بكتير.. يعني أقدر أحمل و أكون أم مش كده يا عبد الجبار ".. 


كان قد غادر الطبيب برفقة "عفاف" التي أغلقت الباب خلفها، و بقي بمفرده ثانيةً مع زوجته، انبلجت إبتسامة لعوب على محياه قبل أن يميل عليها يحاصرها بجسده لصقها به، و يده تتسلل ببطء نحن حجابها و روبها الحريري نزعهما عنها مغمغمًا.. 

" رايده تبجي حبله مني يا سلسبيل!! ".. 


لم تنطق بحرف واحد، اكتفت بالنظر له عينيها تتحدث لعينيه بكلمات نابعة من قلبها جعلته يغيب بها عن العالم حوله من جديد..


الليلة استقبلنى بكل جنوني،سأنزل بضيافة عينيك كحورية..

راقصنى فخلخالى لن يوقف رنينه ثانية،

وعانقنى أعزف على أوتاري موسيقى اللهفة،فشعوري شعور طفلة عارية دثرتها بمعطفك الدافئ، قطة صغيرة تقف بمنتصف الطريق مذعورة من الحافلات الضخمة، وجدت ركنًا احتضنها بظلاله، وجدت بين ضلوعك يقطينة تدلل بؤسها، و تزرع بحدائقي يقينً بعدما كاد أن يبتلعني حوت الشك، و عتمة الخذلان..


انتهي الفصل.. 

انتظروا فصل جديد في أقرب وقت.. 

واستغفرو لعلها ساعة استجابة


الفصل ال24..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


"جابر".. 


 بعد وصلة بحث مكثفة يحاول خلالها الوصول ل "سلسبيل" أو لزوجها بشتى الطرق، غلبه إجهاده و تمكن منه التعب جعله يستسلم للنوم رغمًا عنه، قضى ساعات قليله غارقًا بأحلامه التي دومًا تكن هي بطلتها.. 


بينما أصدقاءه المقربين له لم يتوقفوا عن مواصلة البحث عن أي شئ يُساعد صديقهم في العثور على محبوبته، 

حتى صدح صوت رنين هاتفه أعاده لواقعه الخالي من وجودها مجددًا،فأسرع بالرد عليه قائلاً بلهفة.. 

"ها وصلتوا لحاجة!! ".. 


أتاه صوت صديقه "أيمن" مردفًا.. "حاجاااات مش حاجة واحدة يا فخامة".. 


غادر "جابر" الفراش بهرولة نحو ثيابه قفز داخلهم، و قد غمرته الفرحة و هو يستمع لحديث صديقه يُتابع بجملة تسارعت بسببها دقات قلبه.. 

"أخيرًا عرفنا مكان بنت خالتك".. 


"أنا جيلكم حالاً".. 

قالها، و هو يجمع أغراضه على عجل، ليوقفه صوت"أيمن " قائلاً.. 

" لا خليك و أنزل بعد ساعة كده لأننا لسه داخلين على المنصورة، و هنروح على الچيم.. تعالي لنا هناك عشان معانا ضيف عايزين نكرمه على الأخر ".. 


عقد "جابر" و هو يقول بتعجب.. 

"أنتو خرجتوا برة المنصورة رحتوا فين!!!".. 


استمع لصوت أنين مكتوم عبر الهاتف، فزمجر بعصبية مفرطة مغمغمًا.. 

"و مين الضيف اللي معاكم ده يا أيمن!!! ".. 


"أنا و الرجالة فضلنا ورا عبد الجبار المنياوي لحد ما لقينا نفسنا في إسكندرية و أدينا راجعين في الطريق أهو يا جابر".. نطق بها" أيمن"، و صمت لبرهةً و أكمل بأسف .. 

" وبالنسبة للضيف فهو مش ضيف خالص الصراحة.. إحنا خطفناه ، و هو بيقول أنه الدكتور المسؤول عن حالة بنت خالتك".. 


" جابر" بنبرة لا تحمل الجدال و هو يغادر غرفته بل المنزل بأكمله بخطوات راكضة.. 

" أنا هتحرك بالعربية و أطلع على إسكندرية .. ابعتلي عنوان سلسبيل ده أهم حاجة عندي دلوقتي، و اللى معاك ده خدوا يا أيمن أنت على الچيم، و أتصرف معاه بمعرفتك و أبقى بلغني بالجديد أول بأول ".. 


............ لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.... 


" عبد الجبار ".. 


أبتعد عن زوجته بشق الأنفس، معشوقته التي أحيت بقلبه مشاعر لم يتخيل بيومٍ أنه يكنها بداخله،تأكد الآن أن كل تلك السنوات التي مرت عليه كان فيها زوج يقوم بأداء واجباته الزوجيه كما لو كان آله مجردة من المشاعر .. 


أستطاعت "سلسبيل" التسلل لأعمق نقطة داخل قلبه لم يتمكن أحدًا قبلها من الوصول إليها، أما هو قد نجح في نزع خوفها و رهبتها من قربه منها، لم يتركها إلا بعدما عالج جروحات قلبها الغائرة، نعمها بفيض غرامه الذي أهاله عليها بكرمٍ و شغف فلم يسعها سوي الاستسلام الكامل له.. 


بقت متكومة بأحضان زوجها دون حراك،بينما هو يمسد على شعرها المشعث بفوضوية مثيرة، و يلثم كل مكان تقع عليه شفتيه بقبلات عميقة تدل على مدى لهفته، و عشقه لها.. 


"أنت عندك كام سنة يا عبد الجبار؟!".. 

همست بها "سلسبيل" و هي تعتدل بتكاسل مستنده على صدره العاري، و تطلعت له بابتسامتها التي تزيد من جنونه بها.. 


استغرق بعض الوقت ليعاود إتصاله بالعالم مرةً أخرى، رمقها بنظراته المُتيمة يراقب قسماتها المحمرة التي جعلتها مثالاً للإغواء و الفتنة، 

شعرت بأنامله تجد طريقها إلى خطوط عنقها الملساء.. 


كانت الدهشة واضحة على ملامحه الجذابة التي تخطف أنفاسها، لتجده حملها فجأة بمنتهي الخفه حتى أصبح جسدها الصغير بأكمله فوق جسده العريض ، و كم شعرت بتلك اللحظة بضئلتها بين يديه، داعب أرنبة انفها بأنفه كأنها طفلته المدلله مردفًا بتعجب..

"بجي في ست في الدنيا معرفاش راچلها عمره قد أيه!!!"..


"راجلي!!!.. الله حلوة أوي الكلمة دي"..تفوهت بها بسعادة واضحة على تعابير وجهها الخجول، و بتنهيدة تابعت.. 

"أنا عارفه إنك كبير يا عبد الجبار".. 


رفعت كف يدها ببطء، و وضعته على ذقنه مكملة بفخر.. 

"كبير في المقام و الهيبة رغم إن شكلك مكملش  ال33 سنة.. صح؟! ".. 


كان يستمع لحديثها الذي يشبه رذاذ بارد يتساقط على لهيب قلبه الخافق بعشقها، صوتها وحده يدغدغه، عينيه تتفرس ملامحها التي أزدهرت و تفتحت كالوردة بفضل أهتمامه بها..


حرك رأسه لها بالايجاب قبل أن يقبل جانب شفتيها قبلة رقيقة بعثرت كيانها،احتضن وجهها بين كفيه، و همس لها بنبرته المدوخة قائلاً..

"كانك مولودة في جلبي.. قولتها لك قبل سابق و هقولهالك تاني و تالت و مليون ، و عمري ما هبطل اقولهالك يا سلسبيل".. 


امتلئت عينيها بالدموع، و اعتلت ملامحها الذعر و هي تقول بصوتٍ مرتجف.. 

"خايفة يا عبد الجبار.. خايفة أوي".. 


"وه.. كيف تخافي و أنتي مراتي.. مرات عبد الچبار المنياوي!!!".. 


ابتلعت غصة مريرة بحلقها، و ببوادر بكاء قالت.. 

" قلبي عمره ما كدب عليا، و لا احساسي عمره خاني،و أنا حاسة أني مش هفضل مراتك يا عبد الجبار ".. 


شهقت صارخة بخفوت حين نهض بها فجأة دون سابق إنظار، و عكس وضعهما فأصبح هو فوقها، و تحدث بغضب عارم و قد توحشت نظرته حتى سارت عدوانية لأقصى حد.. 

"أنتي الليلة برضاكي بجيتي مراتي، و هتفضلي مراتي مهيفرقنيش عنك غير موتى يا سلسبيل ".. 


مدت يديها و حاوطت عنقه بذراعيها جذبته عليها، تضمه بكل قوتها لعل قربه يمحي من قلبها هذا الخوف المبهم الذي يجتاحه بين حين و أخر متمتمة بتمني شديد... 

"ربنا ميكتبش علينا الفراق أبدًا يارب".. 


طبعت قبلة ناعمة على كتفه مكملة.. 

" و لا يحرمني من حضنك أبدًا يا عبد الجبار ".. 


ضمها له بتملك مجنون، دافنًا رأسه بعنقها يغمره بقبلاته الحاره، و من ثم احتواها بين ضلوعه بحماية حين شعر بثقل رأسها على كتفه، فعلم أنها ذهبت في ثباتٍ عميق.. 


ظل بجوارها لبعض الوقت قبل أن يدثرها جيدًا بالغطاء و يغادر الفراش، أختفي لدقائق داخل حمام الغرفة، و خرج منه بكامل أناقته، جمع أغراضه و اقترب منها طبع وابل من القبلات المتفرقة على وجهها و شفتيها، تراقص قلبه بفرحة غامرة حين وصل لسمعه همسهما المتأوه بأسمه أثناء نومها.. 


أثلجت قلبه المُتيم بها عشقًا بفعلتها هذه، لجم نفسه و ابتعد عنها بصعوبة بالغة، سار لخارج الغرفة غالقًا الباب خلفه.. 


"عفاف".. نطق بها و هو يدلف داخل المطبخ، تأهب جميع العاملين لوجوده المفاجئ، وقف بينهم بطوله المهيب، و تحدث بصرامته و هو ينظر بساعة يده.. 

"الهانم نايمة محدش يقلقها واصل لغاية ما أروح مشوار و أعاود طوالي.. مفهوم".. 


"مفهوم يا عبد الجبار بيه".. 

قالتها "عفاف " و هي تسير خلفه نحو الخارج، ليكمل "عبد الجبار" حديثه قائلاً بحزم.. 

"لو فاقت هي لحالها اتصلي عليا على طول.. لكن ممنوع حد يصحيها، و إن شاء الله أني هعاود قبل ما تصحي".. 


ذهب و ترك قلبه بحوزتها، على أمل أن يعود قبل أن تستيقظ،لكنه قاد سيارته بالطريق المعاكس لطريق  "جابر"....... 


"قبل أن ألتقيكِ كانت مشاعرى ينفث الموت فيها، فقير العشق بقلب مشقوق، لملمتِ بقايا الروح، جزلتِ لي المشاعر و سهرتِ معي لأتنعم بترف الحُب،


أغفو على سكر من عناقيد العنب المفرطة على شفتيكِ، و أصحو على فنجان عشق، أرتحلتي بمدائني وحدك مشعلة بها حريقي مبتسمة، فاض نهرك لي أنا فقط حتى أرتوي قلبي الأجعف، عشت معك مساءات من الجنون أتمنى لو تدوم، ويدوم لي نبض قلبك"..



واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


الفصل ال25..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


"بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ".. 


ليست كُلّ القلوب بالقلوب تليقُ فاختر لنفسك شخصًا إذا قَست عليك الأيام يكن لكَ فيه عشمٌ لا يخيب، ‏أختر خليلَ قلبك بحكمةٍ و أعلم أن كل شيءٍ يتغير ويذهب ، الأصدقاء والأحباب والبلاد والأماكن ، الشيء الوحيد الذي يبقى هو الوفاء و الذكريات ..


" خضرا ".. 

تنتظر عودة زوجها بنفاذ الصبر، لم يغمض لها جفن طيلة الليل، تدور حول نفسها في المنزل بأكمله دون هوادة، حتى توقفت أمام المرآة تطلع لانعكاس صورتها، عينيها تذرف العبرات ببطء، نادمة على قرارها الخاطئ كليًا بموافقتها على زواج زوجها من سلسبيل ، تقر و تعترف بأنها صُدمت من كم الألم و الوجع الذي اقتحم قلبها و روحها كلما رأتهما معًا، 


رفعت كلتا يديها وضعتهما على أذنها حين صدح في ذهنها حديث والداتها و نصحيتها لها التي لن ولم تنساها يومًا.. 


..... فلاش باااااااااااك... 


كانت الابنه المدلله، الوحيدة على أربعة رجال، قرة عين أبيها كل طلباتها مُجابة، لا يرفض لها طلب أبدًا،خاصةً أنها تشبهه في الشكل إلى حدٍ كبير أكثر حتي من أشقائها الذكور، ملامحها الرجولية كانت عائق في زواجها، و إقبال العرسان عليها.. 


حتى أتمت عامها السابعة عشر،  بدأت والدتها تفقد صوابها من شدة خوفها على ابنتها، فجميع الفتيات بعمر ابنتها قد تزوجوا و انجبوا طفل و اثنان، و ربما ثلاثة، وابنتها لم يأتي أي مخلوق لخطبتها حتى الآن.. 


"كل البنتة اتچوزت ، و بتي اللي قاعدة قعدة الحزانة يا راضي.. يا خوفي لتعنس و يفوتها قطر الچواز يا خوي".. 


تنهد "راضي" بحزن و هو يقول.. 

"كل شيء بأونه.. ادعيلها يا عديلة ربنا يرزقها بالزوج الصالح".. 


"الزوج الصالح موچود".. نطقت بها "خضرا" بفرحة غامرة فشلت في اخفائها، تأهبت جميع حواس والديها، و تطلعوا لها بلهفة يحسوها على استكمال حديثها، فتابعت بخجل قائلة.. 

"المثل بيقول اخطب لبتك و لا تخطبش لابنك، و أني رايدك تخطب لي يا أبوي ".. 


رمقها والدها بنظرات منذهلة حين وجدها تُكمل بنبرة متوسلة.. 

"ولد صاحب عمرك عبد الچبار المنياوي".. 


أبتسم والدها ببلاهة، و قد راقته فكرتها و عقد عزمه على تنفيذها في الحال لثقته العمياء بحب صديقه له، وأنه لن يمانع هذه الزيجة حتى لو رفض العريس ذات نفسه.. 


"براوة عليكي يا بت يا خضرا.. كيف كانت تايهه من عقلي الفكرة دي".. أردف بها و هو يهب واقفًا و سار تجاه باب المنزله بخطي مهرولة و هو يقول.. 

"أني هروحله دلوجيت و اتحدتت وياه، و هو هيرحب بچوازة ابنه منك يا خضرا و هيأمر ابنه يكتب عليكِ الليلة كمان".. 


"بلاش يا راضي".. نطقت بها "عديلة" بتحذير و تابعت بتعقل قائلة.. 

" الچواز معينفعش نچامل فيه.. لو ولد صاحبك

 اتچوز بتي غصب لاچل ما يرضى أبوه يبجي جلبه عمره ما هيميل لها، هيبجي عايش واياها چته من غير جلب و لا روح، و أول ما جلبه يلاقي اللي يعشجها بتك هتتحرق بنار الغيرة الواعرة اللي مهتقدرتش تتحملها".. 


"وه يا أمه لساتك كنتِ بتبكي و تقولي أني هعنس"..

غمغمت بها" خضرا " وهي تضرب الأرض بقدميها،نظرت لها" عديلة" بأعين دامعه و قالت بصوتٍ اختنق بالبكاء.. 

" أني خايفة عليكي يا بتي.. أيوه رايده اطمن عليكي في دارك مع راچل يعقد عليكِ برضاه لاچل ما يشيلك چوه حباب عنيه و يقفل عليكي برموشه"..


ربتت على كتفها برفق مكملة.. 

"اسمعي حديت أمك يا خضرا.. و بلاش يا بتي منها الچوارة اللي هيبجي العريس مچبور عليكي فيها.. هيچي عليه اليوم اللي جلبه هيعشج غيرك وقتها هتتمني الموت.. هيبجي ارحملك من الوچع اللي هيشج جلبك شج"..


...... نهاية الفلاش باااااك........


" يا ريتني سمعت حديتك يا أمه ".. 

همست بها محدثة نفسها بصعوبة بالغة من بين شهقاتها الحادة، ظلت تبكي لوقت ليس بقليل إلى أن وصل لسمعها صوت بوق سيارة زوجها تعلن عن وصوله.. 


مسحت عبراتها المنهمرة على وجنتيها سريعًا، و رسمت ابتسامة باهته على ملامحها الباكية، و سارت نحو باب المنزل بخطي شبه راكضة.. 


مرت دقائق معدودة كالدهر عليها و هي تقف تنتظر طالته عليها، جسدها ينتفض، و قلبها تسارعت دقاته بجنون من شدة ذعرها من أن يكون حدث بينه و بين ضُرتها ما تخشاه.. 


"أيه اللي موقفك أهنه!!"..

كان هذا صوت "عبد الجبار" الذي تفاجئ بوجودها تقف خلف باب المنزل، لم تنطق بحرف واحد، فقط تنظر له بملامح بدت جامدة، لكنها في الحقيقة تلقت صفعة ادمت قلبها على حين غرة حين لمحت ذلك البريق المتلألئ بعينيه رغم إتقانه الشديد في إخفاء مشاعره.. 


" دخلت على سلسبيل يا عبد الچبار؟؟!"..

قالتها بهدوء آثار الريبة بقلبه، هيئتها و الألم الظاهر على محياها جعل الخوف يزحف لقلبه حين وضع نفسه بمكانها، و تخيل ما الذي تشعر به في هذه اللحظة الأكثر ألمًا في حياتها علي الإطلاق.. 


اقترب منها و هم بضمها لصدره، و هو يقول بهدوء كمحاوله منه لإحتوائها.. 

"خضرا و بعدهالك عاد".. 


"داخلت عليهااااا؟!!!!".. صرخت بها بصوت يملؤه القهر، و الحسرة و هي تتراجع للخلف مبتعده عنه.. 


مسح "عبد الجبار" بيده على شعره بقوة كاد أن يقتلعه من جذورة، و ببوادر غضب قال.. 

"سلسبيل تبجي مراتي ولا ناسية!!!!".. 


"دخلت عليهاااا يا عبد الچبااار".. 

انفجرت بها بصراخ صم أذنيه، و أخرجه عن شعوره فأجابها على الفور بلهجة حادة.. 

"أيوه دخلت عليها يا خضرا".. 


"يا ألف بركة يا والدي".. 

كان هذا صوت "بخيتة" قالتها و هي تهبط الدرج و تطلق سيل من الزغاريد بسعادة و خبث في آنٍ واحد.. 


" مبروك يا أبو فاطمة".. 

أردفت بها "خضرا" و هي تسير من أمامه بخطوات ثابته كما لو كانت تحولت لآله تحت نظراته المشتعلة بالغضب، و الشفقة على حالها.. 


لتجحظ عينيه على آخرها حين وجدها تنظر له بقوة ذائفه، و ألقت على سمعه كلمة لم تخطر على باله أن تنطق بها بيومٍ من الأيام.. 

"طلقني... "... 


............... صلِ على محمد............. 


"جابر".. 


صف سيارته أمام منزل "سلسبيل" حب طفولته، و شبابه، كان قلبه متلهف للقاءها، و فرحته وصلت عنان السماء و هو يري أنه على بُعد بضعة خطوات صغيرة منها، و يصل لها.. 


لكن كل أحلامه تبخرت، ذهبت مع الرياح حين وجد نفسه مُحاوط بمجموعة راجل جميعهم موجهين سلاحهم عليه،و على رأسهم يقف حسان، ذراع" عبد الجبار" اليمين، و الذي يعرفه "جابر" جيدًا، فهو دومًا يقف عائق في طريقه.. 


رمقه "حسان" بنظرة متعجبة و هو يقول.. 

"جاي أهنه عاوز مين يا بيه!!".. 


"أنت بالذات أبعد عن طريقي الساعة دي يا حسان.. أنا الليلادي يا قاتل يا مقتول"..

قالها "جابر" بصوتٍ جوهري يدل على شدة غضبه، و هم بفتح باب سيارته إلا أن "حسان" اغلقها ثانيةً، و تحدث بأسف مصطنع قائلاً.. 

"هتبجي مقتول يا بيه".. 


................. سبحان الله العظيم......... 


" سلسبيل ".. 


لأول مرة تنعم بالراحة، و السكينة جعلتها تغرق بنومٍ عميق، تملمت على الفراش بتكاسل، لفحتها بعض البرودة جراء الهواء المتسلل عبر الأغطية ففتحت عينيها على وسعها حين أدركت نهوض زوجها من جوارها و مفارقته إياها.. 


تلاحقت أنفاسها و لوهله ظنت أنها كانت تتوهم وجوده، و أنه كان بطل إحدي أحلامها كعادته، و أن ما عشته معه مجرد حلم و ستفيق منه تجد نفسها بمفردها.. 


أخذ منها الأمر لحظات حتى استوعبت أن ما تعيشه ليس حلم بل حقيقة، و أنها أصبحت زوجة "عبدالجبار" و تحققت أهم أمانيها، تلفتت حولها تبحث عنه بلهفة.. 


مدت يدها،و تناولت روبها الحريري و ارتدته قبل أن تغادر الفراش، و سارت نحو باب الغرفة فتحته لتتفاجئ بجلوس "عفاف" على مقعد أمامه مباشرةً،

"صباح الخير يا مدام عفاف"..

أردفت بها "سلسبيل" و هي تدور بعينيها في الارجاء بحثًا عن من يمثل الأمان بالنسبة لها.. 


أما "عفاف" فور رؤيتها قامت بأظهار هاتفها و طلبت رقم رب عملها على الفور و هي تقول.. 

"صباح الخير يا هانم.. عبد الجبار بيه جاي في الطريق حالاً ".. 


اتقبض قلب" سلسبيل " حين وصل لسمعها صوت شجار بالخارج، ابتلعت لعابها بصعوبة، و تحدثت بصوتٍ مرتجف قائلة.. 

"أيه الصوت اللي بره ده"..

قالتها و هي تسير بخطوات واسعة تجاه نافذة الغرفة، و قفت خلف الواجهة الزجاجة ذات الميزة اللامرئية التي تتيح للرائي من الداخل فقط تبيّن ما بالخارج، تتابع ما يحدث بأعين مرتعدة، و قلب مذعور حين لمحت شاب ييتعارك بمفرده مع أكثر من رجل بجراءة و مهارة شديدة  ، غير عابئ للأسلحة الموجهه له، و يصيح بجملة واحدة فقط دون توقف.. 

"سلسبيل أنا جابر..... ".. 


انتهي الفصل.. 

هستني رأيكم يا حبايبي.. 

واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


الفصل ال26..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


"بسم الله الرحمن الرحيم.. و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ".. 


قليلاً أو ربما يكون نادرًا إن وجد رجل يقدر غيرة أمرأته عليه، يتقبل تقلبات زوجته النفسية التي تصل في بعض الأحيان إلى حد الجنون من شدة حبها له.. 


مما أجبر "عبد الجبار" لكظم غيظه من تصرفات "خضرا" زوجته، و صبر على نوبة غضبها العارمة التي جعلتها تفقد السيطرة على أقوالها، و أفعالها و ما تتفوه به أمامه.. 


فضل الصمت التام و تركها تتحدث صارخة بكل ما تحمله بقلبها من أوجاع و ألالام تنهش روحها، وقف أمامها بقمة الثبات رغم أنه يغلي بداخله خاصةً حين قالت بندفاع.. 

"أني وافجت على جوازك من سلسبيل بالذات و طلبتها لك بيدي بعد ما الدكتور خبرني أنها لا تقدر على حبل و لا خلفة و لا تقدر تعطيك حقوقك!!!".. 


هجمت عليه فجأة و بدأت تلكمه على صدره بقبضة يدها لكمات عنيفة ، و تابعت بصراخ قائلة.. 

"مكنتش خابرة إنك هتعشجها.. مكنتش خابرة إن عشجك ليها هيخليها تطيب .. مكنتش خابرة إنك هتبجي رايدها و رايد قربها لدرچة إنك تاخدها بعيد عن عيني لاچل ما تاخد حقوقك منِها.. مكنتش خابرة إن نار الغيرة وچعها واعر قوي قوي أكده".. 


كانت "بخيتة" تجلس على إحدي المقاعد خلفهما، مستندة على عكازها الخشبي،تتابع ما يحدث بأعين يتطاير منها الشرر حين رأت هدوء و صبر ابنها على زوجته، و كم تمنت لو أن يفقد السيطرة على أعصابه و ينقض عليها يرد لها لكماتها هذه أضعاف مضاعفة..


أو يتركها لها و تقوم هي بهذه المهمة، يُتيح لها الفرصة فقط حينها لن تترد و لا تفكر مرتين و ستنهال عليها بعكازها لن تتركها إلا و هي جثة هامدة..


لكنها عوضًا عن ذلك بقت صامته، لم تقدر على النطق بحرف واحد بعدما رأت ملامح "عبد الجبار" الهادئه هدوء ما قبل العاصفة و التي لا تبشر بالخير أبدًا ..


لتزيد "خضرا" بالاندفاع بحديثها المتهور الذي كان بمثابة سكب الزيت فوق النيران حين قالت بوعيد.. 

"مبقاش عندي طاقة أصبر أكتر من أكده.. كل اللي خططت ليه بجي سراب من وجت ما دخلت على حُرمة غيري.. مهستناش تاني كيف ما اتفجت مع أمك إني أصبر على سلسبيل لحد ما تبجي حبلة منك و تموت وهي بتچبلك الواد و ابجي أنا أمه كيف ما قالتلي".. 


"اه يا عفشة يا بت المركوب"..تمتمت بها "بخيتة" التي جحظت عينيها بصدمة من ما قالته زوجة ابنها.. 


ساد الصمت حين صدح صوت رنين هواتف"عبدالجبار " بأنٍ واحد، تبدلت ملامحه الهادئة لأخرى متلهفه و هو يرى إتصال من" عفاف" علم من خلاله بستيقاظ أميرته النائمة، و بنفس اللحظة إتصل" حسان " الذي تركه لحراسة "سلسبيل " ..

" خير يا حسان".. 


ليصيح "حسان " ما أن سمع صوته قائلاً بستغاثة.. 

"انچدنا يا كبير..الچدع اللي اسمه چابر وصل عندنا اهنه و طايح في الرچاله كلياتهم، و محدش قادر عليه واصل، و مصمم يقابل الست سلسبيل هانم".. 


جن جنون "عبد الجبار " و أسرع بالسير للخارج بخطوات أشبه بالركض و هو يقول بأمر.. 

" امنعوه يا حسان.. فاهمني زين امنعوه بأي طريقة حتى لو بضرب النار.. و إني چايلكم في الطريق".. 


ركضت" خضرا " خلفه بأقصى سرعة لديها، وقفت حائل بينه و بين باب المنزل تمنعه من الخروج، 

و نظرت لأعين زوجها التي ظهرت حولها الشعيرات الدموية بهيئة مخيفة نظرة يملؤها التحدي و القوة مكملة.. 

"إني هخيرك لأول و آخر مرة يا عبد الچبار.. بين سلسبيل "..


صمتت لبرهةً،و ابتعلت رمقها بصعوبة بالغة حين رأت عينيه تتسعان بغضب و تبرز عروقه بخطورة، مع ذلك تحدثت بتأنٍ بالغ دون أن يخيفها الوضع أو نظراته المحذرة.. 

" وبناتك.. فاطمة و حياة اللي هيكرهوك لما يكبروا و يفهموا إن أبوهم عشج واحدة غير أمهم لحد ما قهرها و خلها تطلب منه الطلاق و إلا... "..


"و إلا أيه يا خضرا!!!".. 

أردف بها "عبد الجبار" بلهجة لا تخفي غضبه المشحون أبدًا.. 


"هجتلك نفسي"..

قالتها و هي تهرول تجاه سكين كان موضوع فوق طبق الفاكهة أخذته بلهفة، و وضعة نصله على معصم يدها..


تفاقم شعوره بالحنق مع استمرار حديثها و أفعالها المثيرة للأعصاب، فامتدت يده نحوها و هم بالقبض على السكين الذي بيدها، لكنها تراجعت للخلف مبتعده عنه على الفور، و ضغطت بالنصل الحاد على يدها تسببت بجرح بدأ ينزف ببطء تثبت له به أنها جادة وحديثها هذا لم يكن مجرد تهديد..


تمالك أعصابه معبئًا نفسًا عميقًا إلى رئتيه، و هو يقول بصوتٍ أكثر لينًا.. 

"اعقلي يا بت الناس و أرمي السلاح اللي في يدك ده"..


حركت رأسها له سلبًا، و انفجرت باكية بنوبة بكاء حادة، و قد بدأت تفقد سيطرتها على غضبها و حتي أعصابها، و تحدثت بتقطع من بين شهقاتها قائلة..

"مش هتهملني و تروح لها يا عبد الچبار.. مش هفرط فيك مرة تانية يا خوي.. إني كنت غلطانة لما طلبتها لك بيدي اللي تستاهل قطعها دي".. 

أنهت جملتها و ضغطت أكثر على السكين لينهمر الدماء من جرحها بغزارة أكبر أمام أعين زوجها المذعورة.. 


" بكفايكِ يا خضرا.. أنتي مراتي و سلسبيل كمان مراتي و إني مهظلمش واحدة منِكم لو على رقبتي.. فستهدي بالله يا غالية و أرمي اللي في يدك ده و همليني أروح أشوف الچدع المجنون اللي عايز يتهچم على الدار و يقابل مراتي في غيابي".. 

قالها بصوتٍ جوهري هز أركان المنزل لكن به نبرة متوسلة.. 


" على جتتي المرادي أسيبك تروحلها يا أخوي"..

نطقت بها بأصرار و نبرة جادة لا تسمح بالجدال، جعلته اصطك على أسنانه بقوة كاد أن يهشمها، و دار حول نفسه ممسكًا جبهته بكف يده و قد بدأت أعصابه تنهار هو الأخر حين تخيل وصول المدعو "جابر" لزوجته..


............................... صلِ على محمد.......


"سلسبيل"..


بدي عليها الرعب،  الفرحة، الصدمة، الدهشة، الذهول، و الكثير من المشاعر المختلطة حين وصل لسمعها تلك الجملة..

"أنا جابر يا سلسبيل"..


"جابر!!!"..

نطقت بها بداخلها، دون أن تحرك لسانها أو حتى شفتيها..


هذا الإسم الذي أجبرها والدها على عدم ذكره نهائياً، و إلا سينحر عنقها..


دمعة حارقة هبطت من عينيها حين داهمتها ذكري أبشع ليلة بعمرها..


.. فلاش باااااااااااك.. 


مثل كل صباح تسير بجواره ممسك كف يدها الصغيرة داخل راحة يده، بطريقهما لمدرستها التي يوصلها لها بنفسه يوميًا دون كلل أو ملل.. 


"ماما هتخف أمتي عشان أشوفها بقي.. واحشتني أوي يا جابر".. 

أردفت بها الصغيرة "سلسبيل" صاحبة السبع سنوات.. 


تنهد "جابر" بحزن يحاول إخفاءه عنها، و اجابها بابتسامة دافئة قائلاً... "قريب.. هتخف قريب يا حبيبتي".. 

مال عليها و حملها على يده، غمر و جنتها الممتلئة بقبلة عميقة مدمدمًا.. 

" اممم.. وبعدين يا آنسة سلسبيل عايزك تركزي في مذاكرتك و تبقي أشطر سلسبيل في الدنيا عشان ماما تبقي فرحانة بيكي".. 


"و أنت كمان يا جابر هتفرح بيا و تجبلي عروسة و لعب و حاجات حلوة".. قالتها بفرحة طفولية و هي تصفق بحماس بكلتا يدها.. 


ضمها لصدره مقبلاً جبهتها بحب مغمغمًا.. 

" طبعًا فرحان بيكي يا عيون جابر.. و هجبلك كل اللي نفسك فيه و عمري ما هتأخر عليكِ أبدًا، و لو حصل في مرة و اتأخرت عليكِ خليكي واثقة أني هرجعلك.. هرجعلك و مش هسيبك أبدًا ".. 


ختم حديثه بقبلة أخرى على خدها الناعم، و انزلها أمام باب مدرستها، ركضت هي للداخل مسرعة و وقفت ثانيةً و استدارت تبحث عنه، كان مازال واقفًا يتابعها بلهفة و ابتسامته تزين محياه الحزينة.. 


لوحت له بكفها، و ابتسامتها البريئة التي رآها للمرة الأخيرة، و ظل مكانه حتى تأكد من وصولها لفصلها، و انصرف على أمل العودة لها في موعد خروجها.. 


كان "قناوي" يقف على مسافة كافية يتابعهما بأعين كأعين الصقر مشتعلة بالغضب، انتظر حتى تأكد من ذهاب "جابر" واندفع تجاه المدرسة بسيارة  مملوءة بالرجال جميعهم مسلحون.. 


أخذ جولة ليست كبيرة داخل المدرسة و خرج منها ساحب خلفه ابنته التي تبكي و تصرخ مرددة بذعر.. 

"أنا عايزة جابر".. 


حملها من حقيبتها الصغيرة الموضوعة على ظهرها، و دفعها لداخل السيارة قبل أن يجذب الحقيبة منها بعنف، و ألقاها بمنتصف الطريق أمام أعين ابنته التي تنظر لحقيبتها بحسرة و تبكي بحرقة .. 

"شنطتي فيها كتبي.. يا جابر تعالي وديني لماما".. 


قبض والدها على عنقها بعدما صعد بجوارها، و انطلقت السيارة بهما نحو الصعيد، جذبها عليه حتى أصبح وجهه ذو الملامح المخفية مقابل وجهها الملائكي و تحدث بصوتٍ كفحيح الأفاعي قائلاً.. 

"من انهارده مافيش لا مدرسة، و لا جابر و لا حتى أمك"..


اجهشت الصغيرة ببكاء مرير، و بتوسل همست بصوتٍ مرتجف من شدة فزعها.. 

"ونبي يا عمو وديني عند جابر عشان ياخدني عند ماما".. 


"عمو!!!"..صفعها بكف يده على وجهها بقسوة مكملاً.. 

"بتقولي لابوكي عمو!!!.. و جابر أيه اللي رايداه ياخدك لأمك.. أمك خدها ربنا.. عقبال ما ياخدك انتي كمان و يبقي جبر واحد لم العفش كله".. 


ذادت صرخات الصغيرة تُنادي علي والدتها و جابر دون توقف.. 

" اكتمي يا بت.. اكتمي لخلص عليكِ بيدي".. 

قالها و هو يهبط بكفه على وجنتيها بصفعات متتالية، و جذب شعرها بقبضة يده كاد أن يقتلعه من جذوره مكملاً بوعيد.. 

" لو سمعتك بتنطقي اسم چابر ده مرة تانية هقطع لسانك و بعد أكده هدبحك و أفصل رأسك عن جتتك.. فاهماني زين ولا اقطعلك لسانك دلوجيت ".. 


قال الأخيرة و هو يخرج سلاح أبيض من جيب جلبابه وفتحه أمام عينيها المذعوة التي تنهمر منها العبرات، بهمس مرتعد قالت.. 

"ف فاهمة.. مش هنطق اسمه تاني أبدًا"..


بينما" جابر " قد أتاه إتصال من المدرسة أخبروه بما حدث لملاكه الصغير، أخذ الطريق بأكمله راكضًا، و لكنه قد وصل بعد فوات الأوان، فور وصوله لمح حقيبتها التي ابتاعها لها خصيصًا ملقاه على الطريق أمام مدرستها.. 


و كأن روحه غادرت جسده، سقط على ركبتيه أرضًا بجوار حقيبتها، و مد يده المرتعشة امسكها و انتصب واقفًا، و بدأ يبحث عنها و يركض هنا و هناك و هو يصرخ بأسمها بقلب ملتاع كُتب عليه الفراق.. 


.. نهاية الفلاش باااااااك.. 


فاقت من شرودها على صوت "جابر" الذي يُنادي عليها بصوتٍ متلهف، يملؤه الوجع، مسحت عبراتها التي أغرقت وجهها و دارت بعينيها بأرجاء الغرفة تبحث عن شيئًا ترتديه فوق روبها الحرير.. 

"أوعى تقولي إنك هتخرجي تقابليه يا بنتي!!!!".. 

قالتها "عفاف" و هي تلحق بها نحو غرفة الثياب.. 


"أيوه هخرجله.. ده يبقى ابن خالتي".. 

أردفت بها "سلسبيل" و هي تبحث بتوتر بين أغراضها الكثيرة جدًا.. 


"لا يا بنتي..اسمحيلي اعتبرك زي بنتي و خليني انصحك لوجه الله.. اللي هتعمليه ده غلط و ميصحش" .. 

نطقت بها" عفاف " بتعقل، و صمتت لثوانٍ و تابعت بهدوء.. 

"ميصحش تقابلي راجل في بيتك و جوزك مش موجود حتى لو الراجل ده ابن خالتك".. 


تنهدت "سلسبيل" بصوتٍ اختنق بالبكاء قائلة.. 

"أمال اسيبو يضرب في رجاله عبد الجبار و هما يضربوا فيه لحد ما واحد منهم يتعور؟".. 


" يا بنتي أفهمي جوزك أكيد عنده علم بوجود ابن خالتك ده، و هو اللي أمرهم يمنعوه يدخل البيت، و بصراحة حقه من لهفة الشاب ده عليكي"..


أطبقت" سلسبيل" جفنيها تكبح عبراتها من الهبوط ثانيةً و بقلة حيلة قالت.. 

" طيب قوليلي أعمل أيه أنا دلوقتي! ، و فين عبد الجبار".. 


أثناء حديثها، صدح صوت رنين هاتف" عفاف"..

" ده عبد الجبار بيه"..

قالتها وهي تضغط زر الفتح ليأتيها صوته في الحال قائلاً بصوت يظهر عليه الخوف و القلق..

"عفاف.. خدي سلسبيل و أخرجي بيها من الباب السري دلوجيت.. في عربية مستنياكم قدام البوابة اركبوا فيها..سمعتي زين اللي قولته!"..


"سمعته و هنفذه دلوقتي حالاً يا عبد الجبار بيه".. 


"عبد الجبار" بلهفة.. 

" اعطي التليفون لسلسبيل"..


مدت يدها لها بالهاتف، فأخذته منها بأصابع مرتجفه، و همست بصوتها الباكي قائلة..

" عبد الجبار.. أنت فين.. سبتني لوحدي ليه"..


" هششش.. أهدي يا بت جلبي.. أني چارك 

 مهسبكيش واصل.. بس اسمعي كلام عفاف، و اعملي اللي هتقولك عليه، و إني أقل من ساعة هكون وياكِ"..


أنهي جملته، و ألقي الهاتف من يده بعدما سمع صوت "عفاف" التي اعطتها "سلسبيل" الهاتف، تقول بعملية..

" أنا هخرجها من البيت و هفضل معاها اطمن سيادتك"..


" دكتور بسرررررعة"..

صاح بها" عبد الجبار " الذي وصل للتو إلى إستقبال المستشفى بسيارته، و هو يحمل" خضرا " الفاقدة للوعي على يده، و دلف بها لداخل غرفة الكشف تاركًا بكل خطوة يخطوها آثار لدمائها النازفة من معصم يدها المقطوع......


واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


الفصل ال27..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. 


"جابر".. 

ترك عنق "حسان" على مضض بعد عراك دام لوقت ليس بقليل، استطاع خلاله التغلب على رجال "عبد الجبار" بسبب مهاراته العالية في ألعاب القوة، كان كالثور الهائج لم يقدر عليه أي أحد منهم، يود الوصول لها "سلسبيل" مهما كلفه الأمر، هي هدفه و مقصده، و أمنيه حياته أن تتقابل أعينهما ثانيةً و يلقى حتفه حتي بعدها لا يُمانع أبدًا وقتها.. 


"يا ولد العم أدخل فتش عنِها چوه الدار بنفسك".. 

قالها "حسان" و هو يلهث بعنف كمحاولة منه لألتقاط أنفاسه التي كادت أن تنقطع على يد ذلك الغاضب الذي رمقه بنظرة متعجبه حين رآه يبتعد من أمامه ليفتح له طريق نحو باب المنزل الداخلي.. 


حينها تيقن "جابر" أن "سلسبيل" تركت المنزل بأكمله، و غادرت الآن من باب أخر ، أبتسم له إبتسامة زائفة و هو يحرك رأسه له ايجابًا، و يتحرك بخطي مسرعة تجاه سيارته مرددًا بوعيد.. 

"هرجعلك يا حسان.. و بلغ اللي مشغلك إني مش هسيبه و هوصله".. 


أنهى جملته، و انفجر هدير محرك سيارته ليتطاير الغبار من حولها عاكسًا غضبه عليها، قاد بأقصى سرعة ممكنة حتى أصبح بالجهة الأخرى للمنزل، دار بعينيه بالطريق يبحث عنها و هو لم يرها منذ أن كانت طفلة بالسابعة من عمرها، كيف أصبح شكلها حاليًا و قد أوشكت على إتمام العشرون العام!!!.. 


"أنتي فين يا سلسبيل.. كفايا فراق لحد كده يا حبيبتي".. 

همس بها محدثًا نفسه بقلب ملتاع أهلكه البعاد، لا يُهم بالنسبة له الآن كيف سيتعرف عليها، يثق أن قلبه سيقوده إليها بالتأكيد.. 


كانت "سلسبيل" تسير برفقة "عفاف" نحو السيارة التي تنتظرهما على جانب الطريق فور خروجهما من المنزل، هرول السائق بفتح الباب لها، كادت أن ترفع إحدي قدميها لتدلف داخل السيارة و إذا فجأة يوقفها صوتٍ متلهف صرخ بأسمها بصوته الحارق و الرياح تصفر من حوله.. 

"سلسبيل...".. 


تسمرت "سلسبيل" مكانها، و أطبقت عينيها، بينما اشتعلت عيناه خلفها حتى أصبحت جمرتان من اللهب، هل ما يعيشه حقيقي؟؟؟ هي أمامه بالفعل أم أنه يتوهم وجودها؟!!.. 


فتحت عينيها ببطىء دون أن تستدير، بينما نظراته النارية تلفح ظهرها، فهمست بصوتٍ لا يسمع .. 

" جابر....".. 

لا تعلم كيف سمع همستها حينها انبعث صوته الخافت المزلزل من خلفها، صوت قد أصبح أجش عن ذي قبل إلا أنه مازال يرفض النسيان، لا يقبله بتاتًا.. 

"أيوه جابر يا سلسبيل".. 

أردف بها، و هو يقترب منها حتى أصبح خلفها مباشرةً.. 


ابتلعت غصة مؤلمة بحلقها و هي تستدير ببطء بدا له و كأنه أعوام بل دهوراً فوق سنوات بعدها عنه، قبل أن تستقر أمامه مخفضه الوجه، تسارعت نبضات قلبه، و حبس أنفاسه و هو يتطلع لها بعينيه المتلهفه، و صدره ينتفض بعنف.. 


رفعت وجهها المحمر أخيرًا ثم عينيها فالتقتا بعينيه حينها تزلزل كيانه كله دفعة واحدة، هي صغيرته "سلسبيل" بعينيها الواسعتان الأسرتين، و ملامحها الفاتنة البريئة التي زادت جمال فوق جمالها بعدما أصبحت أنثى مكتملة الأنوثة.. 


أما هو فلم يعد ذلك المراهق ذات السابعة عشر عامًا كما تركته، لقد إزداد طولاً كثيرًا حتى أصبح ضعف قامتها القصيرة بمرتين أو ربما ثلاثة، مفتول العضلات بهيئة مخيفه بعض الشيء خاصةً بظهور عروقه البارزة من شدة انفعالاته المتضاربه و غضبه العارم.. 


طال بهما الصمت و كأنه يتذوق تلك النظرة بعد سنوات طويلة، الجمرتين المشتعلتين بعينيه اشتعلتا الآن كحمم بركانية ما أن التقتا عينيها،نظراته لها تغيرت كليًا، أصبحت نظرة عاشق  تملك منه الإشتياق حد الجنون، يتلهف لعناقها كما كانت تفعل معه كلما لمحت طيفه من بعيد، تركض تجاهه مسرعة و ترتمي داخل صدره و تعانقه بفرحة غامرة، ليبادلها هو العناق بكل ما أوتي من قوة،ولكن دوام الحال من المحال.. 


فنظرتها له الآن قطعت نياط قلبه على حين غرة، عينيها بها حزن دفين، ترمقه بنظرات عاتبة، تخبره بها أنه قتل شيئًا غاليًا بداخلها حين تركها لوالدها يُعذبها كل هذه السنوات!!.. 


قتل شغفها تجاهه، لهفتها في التحدث إليه، أمنيتها في اللقاء به، رجائها في وصله، قتل كل إحساس صادق كان له وحده، لا تنكر أنه مازال يسكنها، ولكن حضوره أصبح بقلبها باهتًا ولم تعد تنتظره..


"يله يا سلسبيل يا بنتي اركبي وقفتنا دي كده غلط، 

 عبد الجبار بيه عمال يرن عليا عشان يتأكد أننا ركبنا" ..

كان هذا صوت "عفاف" قطعت الصمت، و أفاقته على واقع مرير قد تنساه لثوانٍ معدودة، 

لقد حُرم عليه معانقتها الآن، لم تعد صغيرته، و لا يملك أي سلطة عليها، فهي على ذمة رجل غيره.. 


تكلفت" سلسبيل " الإبتسامة و تحدثت بجمود أدهش" جابر " قائلة.. 

" أعذرني أنا مش هقدر أقف مع حضرتك أكتر من كده، و لا حتى هقدر أقولك اتفضل لأن جوزي مش موجود".. 


تفهم حديثها جيدًا، و قد ظن أنها تخشي من بطش زوجها، فتحدث هو بتنهيدة حزينة قائلاً.. 

" سلسبيل أنا رجعت عشانك، و دورت عليكي في الصعيد لحد ما وصلت لوالدك و عرفت منه أنه جوزك بالغصب مرتين، و مش عايزك تخافي من أي حد و لا اي حاجة بعد كده.. أنا معاكي و في ضهرك، و مش أنا بس لا.. ده جدك والد مامتك، و خالتك كمان كلنا قلقانين عليكِ و هيتجننوا و يشفوكي".. 


"جدي و خالتي!!! ".. همست بها بداخلها بغصة يملؤها الأسى، و الكثير من الأسئلة تدور بذهنها تمنت لو تحصل على إجابتها منه، لكنها فضلت الصمت في الوقت الحالي منعًا للمشاكل التي ممكن يفعلها زوجها فور علمه بحديثها معه دون علمه و أرادته، فأمسكت يد " عفاف " جذبتها تجاه المنزل مرة أخرى و هي تقول ببعض الحدة تخفي خلفها ضعفها و رغبتها في البكاء.. 

"اللي عايز يشوفني هاته معاك المرة الجاية أنت عرفت البيت بس يكون عبد الجبار هنا،و قولهم ميقلقوش عليا خالص أنا عايشة مع جوزي برضايا مش غصب عني زي ما أبويا فهمك.. عن إذنك".. 


تركته و عادت لداخل المنزل غالقة الباب خلفها، تركته يحملق في أثرها مذهولًا من معاملتها الجافة معه ،ماذا كان ينتظر من امرأة متزوجة مثلها!!! ،صفعته الحقيقة و فاجئه واقعه المرير رغم علمه أن معاها كل الحق فما مرت به بعد فراقها عنه ليس أبدًا بهين.. 


بقي مكانه بعض الوقت إلى أن صدح صوت هاتفه برقم أصدقاءه الذين تمكنوا من خطف الطبيب المعالج لمعذبته، ضغط زر الفتح على الفور مغمغمًا.. 

"أيه الأخبار!!".. 


"أنت فين يا جابر إحنا وصلنا الچيم من بدري و الواد الدكتور ده مش عايز ينطق بحرف واحد مع إننا عملنا معاه الصح" .. 


عاد "جابر" لسيارته، و أدار المحرك ثانيةً،و عينيه مازالت على الباب الذي دلفت منه "سلسبيل"، و بنبرة هادئة لا تخفي غضبه المشحون تحدث.. 

" سيبوه.. أنا جي له ".. 


انطلق بسيارته تاركًا قلبه بحوزاتها كعادته، و قد علم أن طريقه إليها أصبح أكثر تعقيدًا بوجود هذا المدعو ب" عبد الجبار"، و مع كل ما مر به إلا أن هناك إبتسامة انبلجت على محياه الجذابة لأنه أخيرًا رآها و تأملها ولو حتى دقائق معدودة هدأت ضجيج قلبه قليلاً.. 


........................... صلِ على محمد......... 


"عبدالجبار".. 


أطلق أنفاسه المحبوسه في رئتيه عندما أخبره الطبيب أنهم أستطاعوا إنقاذ زوجته "خضرا" بعدما تبرع لها بدماءه لإنقاذ حياتها التي كادت أن تخسرها بسبب غضبها، و غيرتها المتهورة التي افقدتها كل ذرة تعقل بها و دفعتها للانتحار.. 


"مش عايزك تقلق يا عبد الجبار بيه، و أطمن سيادتك المدام كويسة".. 

قالها الطبيب و هو يعطي ل "خضرا" علاجها عبر الإبرة الطبية المعلقة بيدها.. 


"و لما هي زينة مفقتش لحد دلوجيت ليه!!!".. 

أردف بها "عبدالجبار" الجالس على مقعد بجوار سريرها، و ممسك يدها الأخرى بين كفيه، يتحسس نبضاتها بقلق بائن بوضوح على ملامحه المجهدة.. 


أجابه الطبيب بعملية قائلاً.. 

"العلاج فيه مهدئات، و مسكنات هتنيمها لحد الصبح ".. 


طبع" عبد الجبار " قبلة عميقة على رأس زوجته الغارقة في النوم قبل أن ينتصب واقفًا، و يغادر الغرفة برفقة الطبيب غالقًا الباب خلفه، و تحدث بأمر قائلاً و هو يهرول مسرعًا بخطوات شبه راكضة نحو الخارج.. 

"عاوز اتنين حريم يفضلوا معاها لحد ما أعاود، و لو في أي حاچة چدت اتصل بيا هچيك طوالي".. 


كان يتحدث و الهاتف على أذنه يعاود الإتصال ب"عفاف" للمرة الذي لا يعلم عددها، قفز داخل سيارته، أشعل المحرك و هم بقيادتها إلا أنه اطفئ المحرك ثانيةً حين وصل لسمعه صوت زوجته"سلسبيل " تتحدث بستحياء، و بصوتٍ اختنق بالبكاء قائلة.. 

" عبد الجبار.. أنا رجعت البيت تاني مركبتش العربية، و أطمن ابن خالتي مشي خلاص".. 


"أنتي زينة؟!".. 


تأوهت بخفوت و هي ترد بهمس متألم.. 

"لا.. مش كويسة.. محتاجلك..تعالي أنا مستنياك يا عبد الجبار.. تعالي عشان خاطري ".. 


اصطك على أسنانه بعنف كاد أن يهشمها، و أطلق زفرة نزقه من صدره و هو يقول بلهفة.. 

"أنتي خابرة زين إن خاطرك غالي عندى يا بت جلبي،  بس عندي شغل مهم لازم يخلص ، عشان أكده بعتلك السواق بالعربية لاچل ما يچيبك عندي رايدك تبجي چاري يا سلسبيل " ..


دمدمت" سلسبيل "بخجل قائلة.. 

" اممم.. يعني الشغل ده مش ممكن يتأجل يوم واحد كمان.. أنا ملحقتش أشبع منك و لا من هوا إسكندرية و لا قعدت قدام البحر معاك، و لا حتى اتفرجت على البيت اللي قولت عليه أنه بيتي!!!".. 


صمتت لبرهةً و تابعت بحسرة.. 

" وبعدين مش أنا طلع عندي خالة و جدي كمان لسه عايش و شكل ابن خالتي راح يجبهم من المنصورة و يجي علشان يشوفوني زي ما قالي".. 


" أنتي اتحدتي وياه!!! ".. صاح بها بحدة، لتجيبه هي بضحكة خافتة حين استشعرت غيرته عليها و كم راقتها كثيرًا.. 

" تعالي و أنا احكيلك اللي حصل، و بصراحة أنا عايزة اقابلهم يا عبد الجبار بالذات جدي عندي أسأله كتير مافيش حد يقدر يجاوب عليها غيره هو، بس عايزاك تكون جنبي و معايا.. مش عايزه اقابلهم لوحدي".. 

قالت الأخيرة بصوتٍ تحشرج بالبكاء، بكاءها كان بمثابة قبضة اعتصرت قلبه، و اشتعلت نيران غيرته حين تخيل عودة ابن خالتها هذا برفقة عائلتها، لا لن يتركها بمفردها معاهم.. 

" چايلك.. چايلك يا سلسبيل".. 


........................ سبحان الله وبحمده........ 


" جابر".. 

صب جم غضبه، و غيظه، و يائسه على الطبيب المعالج ل "سلسبيل"،الذي يتطلع له بأعين زائغة تدل على شدة فزعه، و أرتعاد قلبه من هيئته المتوحشة، تأكد أنه سيلقي مصرعه الآن على يد ذلك الغاضب لا محالة..


تقطعت أنفاسه، و شهق بقوة حين سكب على رأسه زجاجة كاملة من البنزين و هو يصيح بوعيد..

"هولع فيك لو منطقتش!!!"..


"هنطق..هقول..هتكلم..بس أبوس رجلك أطفي الولاعة دي"..

صرخ بها برعب دب في جميع أوصاله، و صمت لبرهةً و تابع قائلاً بصوتٍ مرتجف..

"أول ما مدام سلسبيل دخلت المستشفى كانت حالتها خطيرة جدًا، نفسيًا و عضويًا و واضح أنها اتعرضت لعنف و ضرب مبرح و حروق في كل جسمها تقريبًا"..


كان يستمع له بقلب يعتصر ألمًا، يبكي دمًا على حال صغيريته و ما حدث لها..


ابتلع الأخر لعابه بصعوبة بالغة مكملاً..

"جتلي مدام خضرا مرات عبد الجبار بيه و قالتلي أنا عايزاك تعرفلي البنت دي هتقدر تحمل و تخلف ولا لاء.. أنا استغربت من سؤالها ده و قولتلها هرد عليكي لما أعملها كل الفحوصات اللازمة.. و بعد ما مشيت بلغت عبد الجبار بيه بكلامها ده بنفسي بدل ما يعرف من برة و يعملي مشكلة خصوصًا أنه عنده عيون كتير في كل حته.. أول ما قولتله كده لقيته بيقولي بلغها أنها و لا تقدر على العلاقة الزوجية كمان"..


عقد حاجبيه بتعجب، و تحدث بتساؤل قائلاً..

" بمعني؟! "..


صمت الأخر للحظة، و من ثم قال بأسف..

" طلب مني أبلغ مراته إن سلسبيل هانم متقدرتش على الحمل و الولاده و لا حتى العلاقة الزوجية!!!".. 

واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


الفصل ال28..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. 


"عبد الجبار".. 


قضى النهار بأكمله داخل المستشفى برفقة "خضرا" لم يذهب إلا بعدما اطمئن أن حالتها الصحية أصبحت مستقرة ، و أخبره الطبيب أنها تحت تأثير العلاج و المسكنات و لن تفيق قبل الصباح،


تركها و ذهب على أمل العودة لها ثانيةً بأسرع وقت ممكن، قاد سيارته بتجاه منزله ليطمئن على ابنتيه و والدته قبل أن يسافر الأسكندرية لزوجته، كان التعب و الإجهاد ظاهر على محياه بوضوح خاصةً أنه لم يرى النوم منذ ليلة أمس.. 


صف سيارته داخل حديقة منزله، و هبط منها مهرولاً حين وصل لأذنه صوت بكاء الصغيرتان.. 

" فاطمة.. حياة".. 

نطق بأسمهما بلهفة فور دلوفه من باب المنزل.. 


"أبوي".. 

صرخا بها و هما يركضان نحوه، ليستقبلهما هو داخل حضنه بعناق قوي غمرهما بالحماية و الأمان.. 

"أمه فين.. مچتش وياك ليه.. أمه چرالها ايه يا أبوي"..


"بكفياكم بكى عاد.. أمكم زينه يا بتي".. 

قالها و هو يزيل عبراتهم المنهمرة بأنامله، و لثم وجنتيهما بقبلاته الحانية مكملاً.. 

"و اني هچيبها لكم أصبح".. 


"اممم يعني لحقوها يا عبد الچبار!!!".. 

دمدمت بها "بخيتة " التي أقبلت عليه هي الأخرى و وقفت بجواره تطلع له بنظرة متفحصة، و قلب يتمنى أن تكون" خضرا" فارقت الحياة و حلت عن سماء وحيدها.. 


تنهد "عبدالجبار" براحة و هو يُجيب على سؤالها.. 

" الحمد لله يا أمه".. 


"طيب مچاتش وياك ليه.. هاتها دلوجيت يا أبوي و إني و حياة هنبجي حواليها و هناخد بالنا منِها".. غمغمت بها" فاطمة" بتقطع من بين شهقاتها، كان الخوف ظاهر على ملامح الصغيرتان،فما فعلته والدتهما خطأ فادح بحق ربها، و نفسها، و بحق أبنتيها.. 


تنقل" عبدالجبار " بعينيه بين ابنتيه، يتأمل هما بنظراته التي تبث الطمأنينة بقلوبهما الصغيرة المرتعدة، و تحدث بهدوء قائلاً.. 

"حاضر.. من عنيا هچبلكم أمكم بس اطمن عليكم لول، و اعشيكم و هروح لها لو لقتها خلصت علاچها هچيبها و اچيلكم طوالي".. 


سارت "بخيتة" مستندة على عكازها تجاه غرفة المكتب، و مدت يدها فتحت الباب مردفة قبل أن تخطو للداخل.. 

"الوكل چاهز على السفرة أني عملته لكم بيدي يا ولدي.. كل و وكل البنته و تعالى رايده اتحدتت وياك هبابه".. 


حرك رأسه لها بالايجاب، و سار برفقة ابنتيه تجاه مائدة الطعام، اجلسهما و جلس بجوارها، و بدأ يطعمهما بيده لم يتركهما حتى أنهو طعامهما ، و صعد معاهما لغرفتهما و ظل برفقتهما حتى غلبهما النعاس داخل حضنه.. دثرهما جيدًا بالغطاء ، و قبلهما بحب شديد قبل أن ينتصب واقفًا و يغادر الغرفة غالقًا الباب خلفه بحرص.. 


توجهه لغرفته، و اختفى داخل الحمام لدقائق، و خرج مهرولاً نحو ثيابه أرتدي جلبابه الصعيدي الذي يزيده هيبه و وقار، و يظهر طول قامته المهيب، و ضخامة بنيته الرياضية بهيئة تخطف الأنفاس ، أخذ متعلقاته الشخصية بعدما أنتهي من تمشيط خصلات شعره الكثيفه، و نثر عطره الخاص بغزارة، و غادر الغرفة بخطي واسعة.. 


"عبد الچبار!!! قولتلك رايده اتحدتت وياك ".. نطقت بها "بخيتة" أوقفته قبل أن يعبر باب المنزل الداخلي.. 


"هچيب سلسبيل، ولما أعاود نتحدتت يا أمه".. 

قالها و هو يتابع سيره للخارج، لتسرع "بخيتة" خلفه صائحة بغضب.. 

"خليك مع عروستك و بكفياك أكده يا ولدي.. أنت غلطت لما هملتها و چيت بعد ما دخلت عليها .. الأصول تبجي وياها أقل واچب أسبوع.. مافيش واحد يهمل مراته ليلة دخلتهم و يروح لمراته التانية.. أنت قويت شوكة خضرا بعملتك دي.. عطتها حق فوق حقها خلتها اتفرعنت و عملت عملتها المهببة دي لاچل ما تلوي دراعك و تربطك چارها من غير ولد و لا سند ليك و للبنتة الصغار".. 


" بناتي يا أمه ميهمنيش في الكون كله دلوجيت إلا هما.. بكفايا الخوف و الرعب اللي عاشوا فيه انهاردة..و لخاطرهم هچيب سلسبيل و أعاود لاچل ما أكون چارهم ".. 

صمت لبرهةً و تابع و هو يفتح باب سيارته، و جلس خلف المقود.. 

" و چار أمهم.. ده حقها عليا في تعبها يا أم عبد الچبار".. 


قالت "بخيتة " بغضب عارم.. "أنت عطيها فوق حقها الطاق عشرة لحد ما طمعت و الطمع عمي عنيها و رايده تاكل حقك و حق سلسبيل مراتك كمان.. إحذر منها يا ولدي"..


أنهت حديثها، و تركته و عادت للداخل، بينما هو هم بقيادة السيارة لكن صوت هاتفه الذي صدح مرات متتالية معلنًا عن وصول أكثر من رسالة بوقتٍ واحد، جعله يسرع بفتحه و قد زحف القلق لقلبه حين رأي اسم الطبيب المعالج لزوجته"سلسبيل "..


ظهر الغضب على قسمات و جهه حين استمع محتوي الرسالة الصوتية المرسلة له برفقة مجموعة من الصور للطبيب يظهر بها الضرب المبرح الذي تعرض له على يد جابر..

"عبد الجبار بيه في واحد اسمه جابر خطفني و بهدلني ضرب هو و أصحابه لدرجة أنه كان هيولع فيا و مسبنيش إلا لما قولتله على الإتفاق اللي بيني و بين سيادتك.. أرجوك تعذرني و تسامحني مكنتش أقصد أخون ثقة سيادتك فيا بس هو مجنون و كان هيقتلني يا باشا"..


صك "عبد الجبار " على أسنانه، و تمنى لو كان "جابر" أمامه في هذه اللحظة، أقسم بداخله أنه لن يتركه إلا بعدما يلقنه درسًا لن ينساه طيلة عمره..


أيقن الآن أن خصيمه لا يُستهان به، خاصةً بعد علمه باتفاقه اللعين هذا، بالتأكيد سيكون أول شيء سيخبر به"سلسبيل " فور رؤيتها حتى يؤثر على علاقتها به..


أخذ نفس عميق، و زفره على مهلٍ، و قاد سيارته بأقصى سرعة ممكنه عاكسًا غضبه عليها، محدثًا نفسه بتعقل و هدوء عكس تعابير وجهه الغضوب..

"هصارحك بالحقيقة بنفسي يا سلسبيل".. 

أرتجف قلبه بقوة بين ضلوعه و هو يتخيل رد فعلها بعد معرفتها بأنها ليست مريضة، و كل ما حدث لها كان مجرد إتفاق أحمق حتى يجعل زوجته الأولى تطلب يدها له بنفسها، و يتم زواجه منها غرضه و مقصده الذي سعي لتحقيقه دون التفكير في عواقبه..


............... سبحان الله وبحمده................. 


"سلسبيل"..


جهزت أصناف متعددة من أشهى المؤكولات و الطواجن الصعيدية الشهيرة بكميات كبيرة ، و الكثير من الحلويات الشرقية بمختلف أنواعها، حتى أنها خبزت الخبز بيدها بمهارة طاهية محترفة أمام أعين جميع العاملين بالمنزل الذين يتطلعون لها بذهول و انبهار في أنٍ واحد لسرعتها الشديدة و خفة يدها ، و قد سأل لعابهم من رائحة الطعام الذكية..


"ما شاء الله عليكِ يا بنتي.. مين علمك الطبيخ الحلو ده يا سلسبيل هانم!!!".. 

أردفت بها "عفاف" الواقفة بجوارها تتابع ما تفعله بأعين مندهشة.. 


أبتسمت لها "سلسبيل" و هي تقول بودٍ.. 

"سلسبيل بس يا دادة عفاف.. أنتي لسه كنتِ بتقوليلي إني زي بنتك".. 


بادلتها" عفاف" الإبتسامة، و ربتت على ظهرها بحنو مرددة.. 

"ربنا يحميكي لشبابك يا سلسبيل".. 


تنهدت "سلسبيل" و قد ظهرت بعينيها لمحة حزن و هي تقول.. 

"مرات أبويا و حماتي هما اللي علموني الطبيخ.. أصلي كنت شايلة بيت أبويا من كافة شيء قبل ما اتجوز، و لما اتجوزت شلت البيت عند حماتي"..


رأت "عفاف" العبرات التي ترقرقت بعينيها، و ملامحها المتألمة التي تعكس مدى الوجع الموجود بأعماق قلبها حين داهمتها ذكري ما مرت به من ذل و إهانة تذوقتهم على يد كلاً من والدها و زوجته، و من بعدهما زوجها السابق و والدته، حاوطت كتفيها و ضمتها لها بحنان أم فقدته "سلسبيل" منذ نعومة أظافرها..

"طيب يله يا بنتي سيبي اللي في أيدك و كفايا عليكي كده و البنات في المطبخ هيطلعوا الأكل اللي في الفرن لما يستوي و أطلعي أنتي على أوضتك أنا حضرتلك الحمام عشان تجهزي قبل ما جوزك يجي" .. 


نظرت لها "سلسبيل" بعدم فهم، تسألها بعينيها كيف تتجهز لزوجها؟!!، رغم أنها ظلت على ذمة رجل خمسة سنوات كاملة إلا أنه لم يُتيح لها فرصة لتتجمل له ولا مرة واحدة طول فترة زواجها فوجهها كان دومًا به صفعات ولكمات داميه تاركة بقع زرقاء و حمراء و شفتيها لم تشفي جرُحتها إلا بعد موت زوجها و بُعدها عن والدها.. 


تفهمت "عفاف" نظرتها جيدًا، فسارت معاها تجاه الدرج المؤدي لغرفتها وهي تقول بحنو.. 

"لو تحبي أساعدك و أجهزك بنفسي أنا تحت أمرك".. 


"ياريت يا دادة عفاف أنا مش عارفه المفروض ألبس أيه و لا أعمل شعري و اتزوق إزاي"..

همست بها "سلسبيل" بستحياء لا تخلو من اللهفة، تريد أن تظهر جمالها لزوجها الذي هو بالأساس يراها أجمل نساء العالم بنظره، حتى في أسوأ حالتها كان يتطلع لها بافتنان يخبرها بنظراته المُتيمة أنها أمراءته الفاتنة التي غزت مشاعره بعشقها و انتصرت في أمتلاك قلبه ..


قضت "عفاف" وقت ليس بقليل في تجهيزها، كانت تعاملها بحنان مفرط و قد أعتصر قلبها عليها بعدما رأت أثار الضرب و الحروق على جسدها الهزيل، لم تستطيع كبح عبراتها التي انهمرت من عينيها رغمًا عنها.. 


ضمتها لصدرها بعناق دافئ، و يدها تربت على ظهرها برفق وهي تقول.. 

"يا حبيبتي يا بنتي.. مين عديم الرحمة اللي قدر يعمل فيكِ كده".. 


"اللي في جسمي ده من أقرب الناس ليا اللي المفروض يكونوا حمايتي و أماني هما اللي بهدلوني و عذبوني لحد ما كنت هموت في أيديهم أكتر من مرة و ربنا نجاني و كتبلي عمر جديد".. 


رفعت يدها و زالت دموع "عفاف " و تابعت بابتسامة تخفي خلفها ألمها و وجعها.. 

" متعيطش يا دادة عفاف كل اللي حصل لي ده بقي ماضي بحاول أنساه.. مش عايزه أفتكر أي حاجة غير أني دلوقتي بقيت مرات عبد الجبار المنياوي اللي بيحاول يعوضني عن كل اللي شوفته في حياتي قبله، و قالي إن محدش يقدر يلمس مني شعره واحدة بعد كده".. 


" ربنا يهدي سرك و يفرح قلبك يا سلسبيل يا بنتي ".. غمغمت بها" عفاف " و هي تجفف لها شعرها بعدما إنتهت من تجهيزها بداية منبت شعرها حتى أصابع قدميها، كما لو كانت عروس بليلة زفافها..


ساعتها على أرتداء فستان رقيق من اللون الأزرق به نقوش هادئة من اللون الكافيه يظهر قوامها الممشوق ،حذاء رقيق ذو كعب عالِ من نفس لون الفستان، مشطت لها شعرها و تركته منسدل على ظهرها بنعومة، و وضعت لها ميك أب جريء إلى حدٍ ما ظهر جمال عينيها الواسعتين، و شفتيها المزمومة بهيئة مثيرة..


تطلعت "سلسبيل" لانعكاس صورتها بالمرآه بأعين منبهرة و فرحة غامرة تعيشها لأول مرة و هي تري نفسها قد أصبحت أنثى كاملة الأنوثة كما ينبغي أن تكون.. 


شهقت بسعادة بالغة حين استمعت صوت بوق سيارة زوجها معلنه عن وصوله،  ركضت نحو النافذة تطل منها بلهفة، رفرف قلبها بين ضلوعها حين رأته يهبط من السيارة بعدما قام "حسان" بفتح بابها له.. 


"أنا هروح أقول للبنات في المطبخ يجهزوا العشا.. عايزه مني حاجة تانية يا سلسبيل يا بنتي".. 

أردفت بها "عفاف" و هي تسير لخارج الغرفة، لتلحق بها "سلسبيل" راكضة و تعانقها بقوة مغمغمة بامتنان.. "مش عارفة أشكرك إزاي يا دادة.. أنا تعبتك معايا أوي انهاردة".. 


بدلتها" عفاف " العناق قبل أن تغادر الغرفة غالقة الباب خلفها، وقفت" سلسبيل " بمنتصف الغرفة عينيها مثبته على بابها تنتظر طلته عليها بنفاذ صبر، علقت أنفاسها بصدرها حين اخترقت حواسها رائحة عطره النفاذه.. 


تسارعت نبضات قلبها بجنون و أصبح صدرها يعلو ويهبط بصورة واضحة حين فُتح الباب، و رأته مقبلًا عليها بلهفة و عينيه تشملها بنظرات متفحصه لا تخلو من الإعجاب حتى توقف أمامها مباشرةً المسافة بينهما لا تُذكر لكنهما لا يتلامسان.. 


كلاً منهما يتأمل الأخر بصمت، نظراتهما المشتاقة تحكي الكثير و الكثير من المشاعر المختلطة التي يُصعب وصفها بمجرد كلمات ، ألقى ما يحمله بيده، و دون النطق بحرف واحد مد يده حاوط خصرها، و خطفها داخل صدره بعناق محموم ود به أن يخفيها داخل أعمق نقطه بقلبه..


حاوطها بذراعيه و حملها بمنتهي الخفه حتى أصبحت قدميها مبتعدة عن الأرض بمسافة ليست بقليلة رغم أنها ترتدي حذاء ذو كعب عالِ.. 


سار بها تجاه أقرب مقعد، جلس و أجلسها على قدميه دون أن يبعدها عن صدره، رفعت "سلسبيل" رأسها و نظرت له بلهفة حين شعرت بتشنج جسده من حولها.. 

"مالك يا عبد الجبار.. في حاجة حصلت!!!".. 

همست بها بخوف ظاهر بنبرة صوتها، و قد بدأ جسدها يرتجف قليلاً بين يديه.. 


مسد بكف يده على طول ظهرها يهدأها بحركاته هذه، و رفع يده الأخرى يزيح شعرها عن وجهها حتى يتمكن من تأمل ملامحها جيدًا، و تحدث بتوتر فشل في اخفاءه قائلاً.. 

" سلسبيل رايد اتحدتت وياكِ في حاچة مهمة".. 

ابتلع لعابه بصعوبة جعل الدماء تنسحب من وجهها، و شحب لونها حين رأت مدى قلقه الذي تحول لشبه ذعر و هو يقول بنبرة راجية.. 

"بس رايدك توعديني لول إنك تفهميني زين".. 


"أوعدك.. أوعدك يا عبد الجبار.. قولي في ايه قبل ما قلبي يقف من الخوف".. 

همست بها بأنفاس متلاحقة و هي تتشبث بجلبابه بأصابع يدها و كأنها تستمد منها القوة على الثبات.. 


وضع كفه على موضع قلبها يستشعر خفقاته المتسارعة أسفل راحة يده مغمغمًا بهدوء عكس ضجيج قلبه.. 

"معوزكيش تخافي من حاچة واصل.. و لو على جلبك فهو عال العال و مش محتاچ حتى للمقويات اللي كاتبها لك الدكتور".. 


عقدت حاجبيها و تطلعت له بنظرات متعجبة ، لم تفهم مخزي حديثه و قد ظنت أنه يقول حديثه هذا ليخفف عنها عبئ مرضها، أو ربما تفهمت لكنها تستبعد هذا الظن و بداخلها تتمنى أن يكون قلبها بخير حال لعلها تتمكن من الإنجاب.. حلمها و ما تسعي لأجله، تريد أن تنجب منه طفل و تموت بعدها لا تُمانع أبدًا .. 

"مقويات!!!".. 


حرك رأسه لها بالايحاب و بقوة زائفه قال.. 

" أنا كان عندي إستعداد أعمل أي حاچة في الدنيا لاچل ما تبجي مراتي يا سلسبيل ".. 


"حتي لو هتقول إني مريضة و مش هقدر أكون لك زوجة عشان تخلي أبلة خضرا تجوزني ليك بنفسها مش كده يا عبد الجبار ؟!!!".. 

أردفت بها و هي تبكي و تضحك بأنٍ واحد، بهتت ملامحه، و تطلع لها بأعين جاحظة مرددًا بتقطع.. 

" عرفتي كيف.. مين اللي قالك!!! ".. 


" قلبي".. هكذا جاوبته بمنتهي البساطة، و من ثم اجهشت في البكاء مكملة بنحيب.. 

" قلبي كان حاسس بسبب لهفتك عليا، و استغلالك لكل فرصة نبقي فيها لوحدنا عشان تقرب مني فيها".. 

تخضبت وجنتيها بحُمرة قانية و تابعت بخجل.. 

"لحد ما حصل و بقيت مراتك بجد مش على ورق بس وقتها اتأكدت إني كويسة و مش تعبانه زي ما فهمتوني بالذات لما أنت كلمت الدكتور بالاجنبي عشان مفهمش كلامكم"..


صمتت لبرهةً، و نظرت لعينيه التي تستجديها أن تغفر له فعلته هذه، رفعت يدها و وضعت أصابعها الباردة على ذقنه الكثيفه، و تابعت بثقة.. 

"لو كنت تعبانه فعلاً كنت هتخاف عليا و مكنتش هتلمسني أبدًا ".. 


مال بوجهه ولثم باطن يدها بعمق مغمغمًا.. 

"حقك على جلبي و عيني..أني خابر زين إن اللي عملته ده عاملة عفشة و أنانية مني و يمكن طمع كمان لأني مكنتش رايد أخسر خضرا أم بناتي و لا اتسبب في وچعك و وچعها" .. 


استند بجبهته على جبهتها، و تابع بلهجة أكثر خشونة و كأنه يثبت لها مشاعره و ملكيته إياها وحده..  

"عشقان أني عشقتك و العاشق معلهوش لوم يا بت جلبي أوعاكِ تزعلي مني يا زينة البنتة لو رچع بيا الزمن تاني هعمل المستحيل لاچل ما تبجي مراتي و تحت حمايتي يا سلسبيل".. 


ختم حديثه و مس شفتيها بشفتيه بقبله متلهفة و يده تضمها له بقوة لصقها به، 

تشنجت بين يديه و إرتفع صوت نشيجها أكثر جعلت قلبه يسقط أرضًا من شدة فزعه و خوفه عليها، و تحدثت بتقطع من بين شهقاتها الحادة قائلة.. 

"مش زعلانة منك يا عبد الجبار.. أنا مكنتش عايزه حاجة من الدنيا غير أني أكون في حمايتك أنت وبس".. 


أثلجت قلبه بجملتها هذه، تنهد بارتياح و ضمها لصدره بكل ما قوته.. قربها يطمئن صخب قلبه النابض بعشقها.. 


"العشا جاهز يا عبد الجبار بيه".. 

كان هذا صوت "عفاف" صدح عبر باب الغرفة المغلق، ابتعدت" سلسبيل " عن زوجها الذي أبي أن يتركها إلا بعدما مسح عبراتها بأنامله، و قبل عينيها بعمق.. 

"أنا عملتلك الأكل انهارده بأيدي".. 

همست بها قبل أن تنتصب واقفة و تسير تجاه الباب فتحته و تحدثت ببشاشة و هي تجذب العربة الموضوع عليها الطعام للداخل أمام نظرات زوجها المفتون بعشقها.. 

"تسلميلي يا دادة عفاف.. و من فضلك خلي كل اللي في البيت يسيبوا اللي في أيديهم و يقعدوا يتعشوا.. أنا عاملة الأكل بزيادة عشان خاطركم".. 


.......................... صل على محمد.... 


بمنزل متوسط الحال، تجلس "سعاد" برفقة "صفا" ابنة زوجها صاحبة العشرون عام،شابة جمالها رقيق، و لكن ملامحها يبدو عليها الحزن الشديد، شاردة بعيدًا بذهنها فيما حدث لها، تعرضت لصفعه خذلان دامية على يد خطيبها السابق الذي تركها قبل زفافها بأسبوع واحد بسبب اعتراضه على إحدي أهم البنود في قائمة منقولاتها، لا يريد كتابة مؤخر صداق لها مما دفع والدها لتمسك بحق وحيدته، ليقرر الأخر فض الزيجة بأكملها.. 


موقف لا تُحسد عليه إطلاقاً، أصابها نوبة اكتئاب يحاول والدها و زوجته التي تعتبرها بمثابة ابنه لها إخراجها من تلك الحالة بشتى الطرق.. 

"يابنتي عشان خاطر ربنا كلى لقمة صغيره و أشربي حبة عصير لتقعي من طولك".. 


صدح رنين هاتفها فشهقت بخفوت و هي تقول.. 

"يابنتي ابوكي هيتجنن عليكي و كل شوية يتصل بيا و هو سايق و ماشي على طريق عشان يطمن عليكي ويشوفك كلتي و لا لاء".. 


"ردي عليه و قوليله أني كلت يا ماما سعاد".. 

همست بها" صفا" ببوادر بكاء، و تعب واضح على ملامحها الشاحبة.. 


"بقي عايزاني أكدب على فايز يا صفا!!! على أساس أنك مش عارفه أبوكي اللي بيشم ريحة الكدب من على بعد!!!! ".. 


ربتت على كتفها و تابعت بحنو.. 

" يا ضنايا والله اللي حصل ده خير ليكي.. و بكرة ربنا يعوضك براجل يشيلك جوه قلبه و عينه".. 

بدأت" صفا " تبكي و تأن بصمت كعادتها، لتسرع"عفاف " بضمها بلهفة مرددة برجاء.. 

" كفاية يا قلب أمك والله ما يستاهل دمعة واحدة من عينك"..


قطعت حديثها حين شعرت بثقل رأسها على صدرها، انقبض قلبها هي تعدل وضعها داخل حضنها لتتفاجئ ببرودة بشرتها و ازداد شحوب وجهها.. 

"مالك يا صفا".. 

صرخت بها حين رأتها تنظر لها بأعين زائغة و قد تطورت حالتها للاعياء الشديد و أزرقت شفتيها بلحظة قبل أن تغلق عينيها و تستسلم لدوارها الذي داهمها بعنف.. 


"صفاااااا!!!!"... 

صرخة بها "سعاد" صرخة مدوية شقت بها سكون الليل.. 


كان "جابر" يصف سيارته على جانب الطريق، و هبط منها واضعًا هاتفه على أذنه مغمغمًا.. 

"أنا وصلت يا جدي هجيب أمي و أجيلك عشان نسافر لسلسبيل على طول" .. 


"يا ابني خلينا نروحلها بكرة يكون أبو صفا رجع من شغله أنت عارف انه سواق نقل تقيل و بيسافر لأماكن بعيده و مبيرجعش قبل أصبح و أمك مش هترضي تسيب بنته لوحدها و تيجي معانا".. 


فتح "جابر" فمه ليرد عليه إلا أن صوت صراخات والدته وصل لسمعه جعله يهرول مسرعًا تجاه الصوت.. 

" أفتحي يا أمه أنا جابر".. 

قالها و هو يطرق على الباب بقبضة يده كاد أن يحطمه.. 


" جابر الحقني يا ابني".. صرخت بها" سعاد " و هي تركض نحو الباب و فتحته على عجل مكملة ببكاء و هي تسحبه معاها للداخل.. 

"صفا وقعت مني قاطعه النفس  و مش راضيه تفوق خالص"..


اقترب "جابر" من تلك الممددة على الأريكه غائبة عن الوعي، و حملها على ذراعيه واضعًا يد أسفل ركبتيها و الأخرى خلف ظهرها، و سار بها لخارج الشقة دون أن ينظر لوجهها حتى و هو يقول.. 

"حصليني يا أم جابر خلينا نوديها المستشفى".. 


............................... لا إله إلا الله............ 


"عجبك أكلي".. 

قالتها "سلسبيل" بستحياء و هي تطعمه بيدها، كان يتذوق أصابعها بتلذذ و ليس الطعام.. 

"أنتي كلك على بعضك و كل حاچة و أي حاچة

 منك بتعچبني يا سلسبيل".. 


عبست بملامحها و بعتاب قالت.. 

"طيب ليه مش عايز تكمل أكلك؟!".. 


تنهد "عبد الجبار" و تحدث بأسف قائلاً.. 

"مش عايز اتقل في الوكل لاچل ما أفوق و انا سايق..

چهزي حالك هنعاود على مصر دلوجيت عندي شغل مهينفعش يستني للصبح و اطمني أني هسيب حسان اهنه عشان لو أهل والدتك وصلوا في أي وقت يچبهم لحد عندك".. 


حركت رأسها له بالايجاب، و هبت واقفه بصمت و سارت نحو غرفة الملابس لتبدل فستانها بعباءه سوداء و اخفت شعرها داخل حجابها الرقيق، و وقفت أمام المرآه تزيل زينة وجهها.. 


كان" عبد الجبار " يتحاشي النظر تجاهها، يجاهد لتلجيم رغبته بها بكافة السُبل، فعقله منشغل بأبنتيه و زوجته المتواجده بالمستشفى بمفردها،أما قلبه يحترق من شدة إشتياق لها، كل ذرة به تريدها الآن أكثر من أي وقتٍ مضي، و هي أيضًا تشتاقه حد الجنون لكنها لن و لم تتفوه بها له أبدًا ، حيائها يمنعها بالاعتراف له أنها تريده و تريد قربه.. 


"أنا جاهزة".. 

نطقت بها و هي تقترب منه ببطء و عينيها تغتلس النظر إليه، لا تريد مقابلة عينيه حتى لا يري لهفتها عليه.. 


سار هو نحو باب الغرفة، تابعته هي بخطي هادئة، و ما أن رفع يده و أمسك مقبض الباب و هم بفتحه، وجد يدها وضعت على يده تمنعه، شعرت بشيء آثار الريبة بقلبها، خوف مبهم سيطر عليها لا تعلم سببه جعل جسدها يرتجف بقوة، رفعت وجهها و من ثم عينيها حتى تقابلت أعينهما بنظرة تملؤها الحب و الشوق دفعتها للإنهيار داخليًا و أطلقت أنفاسها المحبوسة برئتيها.. 


و تحدثت بهمس بصوتٍ بالكاد يُسمع من فرط خجلها.. 

"ينفع تاخدني في حضنك شوية قبل ما نمشي!!".. 


حطمت كل حصونه بجملتها هذه التي تخبره بها أنها تريده و تتلهف لقربه مثله تمامًا، شهقت بخفوت حين وجدته يميل بوجهه على وجهها، تطلع لعينيها بعينيه التي ظهرت بهما نيران رغبته بها المتأججة قائلاً بأنفاس متهدجة.. 

"تعالي!!! ".. 


قالها قبل أن يخطفها من خصرها داخل صدره، أطبق بشفتيه على شفتيها بقبله جائعه، و يده تخلع عنها حجابها، و تمزق جلبابه، و عباءتها معًا .. 


الليلة ستعيش حياة زوجية كاملة يملؤها الحب و السكينة لأول مرة بحياتها، ليلة غرام ملحمية لن تنمحي أبدًا من ذاكرتها"..


انتهي الفصل.. 

هستني رأيكم يا حبايبي.. 

واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


الفصل ال29..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..


كانت ليلة استثنائية زاخرة بالمشاعر، نسي "عبد الجبار" معاها كل شيء بصورة مؤقتة لينعما معًا بلحظاتٍ من العشق.. عشق فاق كل الحدود حتى وصل حد الجنون.. 


مرت عليهما ساعات الليل الطويلة كما لو كانت دقائق معدودة، حتى غلبه النعاس و استسلم لنومٍ مجهد، بينما "سلسبيل" استغلت الفرصة و طلبت من العاملين بالمنزل إحضار أدوات خاصة بالرسم فنصاعوا لها في التو و اللحظة، لتتمكن هي من رسم لوحة فريدة لزوجها أثناء نومه، 


رسمت ملامحه بدقه و إتقان مُبهر حتى جسدت هيئته كما لو كانت صورة ملتقطة بأحدث الكاميرات الحديثة، و فور انتهاءها أحضرت هاتفها الذي أهداه إليها ، و ظلت تلتقط برفقته الكثير و الكثير من الصور بأوضاع مختلفة و هي داخل حضنه.. 


و العديد من الفيديوهات القصيرة لهما سويًا كانت تقبله فيها قبلاتٍ رطبة متعمقة على لحيته الكثيفه، سعادة بالغة تعيشها الآن برفقة الرجل الوحيد الذي كان بالنسبة لها مجرد أمنية لم يُخيل لها بيومٍ أنها تتحقق، و تصبح زوجة "عبد الجبار المنياوي".. 


نعمها بفيض من الغرام أهاله عليها بكرمٍ و شغف فلم يسعها سوي الاستسلام الكامل له حتى رضاها و عالج جروحات قلبها الغائرة، تحيا مشاعر جديدة كليًا عليها، أعادت قلبها ينبض بالحياة، جعلت روحها تنتعش، اعطتها ثقه بنفسها كانثي و امرأه مرغوبة.. 


فالمرأة تستطيع أن تفارق الرجل الغني، وتستطيع أن تفارق الرجل الوسيم، ولكنها لا تستطيع أبدًا أن تفارق الرجل الذي طيب خاطرها، الرجل الذي أشعرها بالأمان وأنه لا يستطيع أن يستغني عنها، الرجل الذي كان سندًا لها، و مسح دموعها في لحظات ضعفها، الرجل الذي حماها من تدخلات أهله وأهلها في حياته وحياتها، فالقلوب لا تُشترى بالمال ولا بالقوة ولا بالوسامة، القلوب تُشتري بالمعاملة الطيبة و هو قد نجح بجدارة في شراء و امتلاك قلبها حتى أصبح هواه يجري بداخلها مجري الدماء.. 

 

و برغم كل هذا إلا أنها تشعر بخوف يجعل قلبها ينقبض من آنٍ إلى آخر،شيئًا ما تجهله أو ربما تتجاهله يُسبب لها ريبة و قلق من القادم.. 


وضعت الهاتف من يدها، اخفت رسمتها أسفل وسادتها، تكومت داخل أحضان زوجها الدافئة الذي احتواها بلهفة مهمهًا بأسمها أثناء نومه العميق، رفرف قلبها بشدة حين وصل لسمعها همسه الحار بأسمها.. 

"حبيبي يا عبد الجبار".. 

ناحت بها من شدة تأثرها، ضمته إليها بكل ما أوتيت من قوة و حب، أغلقت عينيها و اندست أكثر بين ضلوعه مستسلمة هي الأخرى لنومٍ آمن تشعر به و هي بين ذراعيه فقط.. 


.................................. صلِ على الحبيب..... 


"جابر".. 


ظل برفقة والدته داخل المستشفى لم يتركهما حتى استعادة "صفا" وعيها بعد وقت ليس بقليل ، فقلة غذائها و حالتها النفسية السيئة عرضوها لضعف شديد أدى إلى فقدانه للوعي بالأخير، فور تحسن حالتها سمح لهم الطبيب بالخروج، 


كانت تسير بصعوبة مستندة على زوجة والدها التي تعتبرها بمثابة أم لها، لم تنتبه لوجود "جابر" على الإطلاق، بينما هو اقترب منهما فور خرجهما من غرفة الكشف الخاصة بالنساء، و تحدث بهدوء موجهه حديثه لوالدته.. 

"سبيها.. أنا هشيلها أوديها العربية".. 

كان يتحدث دون النظر لتلك التي رفعت وجهها، و من ثم عينيها و رأته لمرتها الأولى، انقطعت أنفاسها لوهلة من هيئته و وسامته الجذابة ، و شهقت بخفوت حين رأته مقبلًا عليها بعدما أعطى لوالدته أغراضه المكونه من هواتفه و مفاتيح سيارته، و هم بوضع يده حول خصرها و الأخرى أسفل ركبتيها إلا أنها ابتعدت عنه سريعًا و هي تقول بخجل .. 

"أيه ده يا أستاذ أنت هتعمل أيه!!!!".. 


"متخفيش يا صفا..خليه يشيلك ده مش غريب يا حبيبتي.. ده ابني جابر اللي حكيت لك عنه".. نطقت بها "سعاد" وهي تدفعها برفق نحو "جابر" الواقف أمامها بطوله الفارهه حتى اصتدمت بصدره، تراجعت "صفا" للخلف مبتعده عنه على الفور مرددة بخجل .. 

" أنا بقيت كويسه يا ماما سعاد الحمد لله وهقدر أمشي لوحدي".. 


ختمت حديثها و سارت بخطوات بطيئه و جسد يترنجح بوضوح، ربتت" سعاد" على ظهرها متمتمة بحنو.. 

" يا بنتي خليه يساعدك أنتي مش قادرة تمشي".. 

نظرت لها "صفا " برجاء و حركت رأسها بالنفي أكثر من مرة.. 


قدر " جابر " حياءها، و سار بجوارهما حتى وصلوا للسياره، فتح لهما الباب فساعدتها والدته على الصعود، و صعدت بجوارهما، أما هو جلس خلف المقود و قاد بهما مرة أخرى للمنزل، كل هذا و هو لم يرى وجهه" صفا" إلى الآن، عقله و قلبه منشغل بصغيرته "سلسبيل" لا و لن يستطيع أن يشغل فكره أحدًا سواها.. 


بينما "صفا" كانت تسترق النظر له عبر المرآه، ها هو الشاب الذي كانت تحكي لها عنه والدته قصصًا عديدة توصف بها شهامته و رجولته التي ليس لها مثيل من وجهة نظرها و كم تمنت أن تزوجها له و مازالت تتمنى حدوث هذا  وتدعو به من صميم قلبها.. 


أطلقت "سعاد" زفرة نزقه من صدرها و تحدثت بأسف قائله.. 

"أول مرة تشوفوا بعض فيها توديها المستشفى يا جابر.. كان نفسي تتقابلوا في ظروف أحسن من دي".. 


تفهموا مخزي حديثها و ما تقصده، لمحت "صفا" الغضب الذي اعتلي ملامح "جابر" و عينيه التي رمقة والدته بنظره يتطاير منها الشرر، فتحدثت بابتسامة تخفي خلفها حزنها قائلة .. 

" إن شاء الله تتعوض في فرح أستاذ جابر.. بس متنسوش تعزموني أنا و بابا عليه".. 


كانت تريد أن تصل له رسالة مباشرة أنها لا تفكر فيه مطلقًا، يكفيها ما مرت به و التجربه الصعبة التي عدت عليها و لم تفق منها بعد.. 


هنا رفع "جابر" عينيه و نظر لها أخيرًا عبر المرآه لتتقابل أعينهما في نظره خاطفه أخبروا بعضهما بها أن قلب كل منهما منشغل بشخص أخر.. 


رمقتها "سعاد" بنظره عابسة بشدة و هي تقول بعتاب.. 

"بقي أنتي و أبوكي عايزين عزومه يا صفا و أنتي اللي هتكوني الع!!!".. 


"هكلمك على الضهر كده عشان لو هتقدري تيجي معايا عند سلسبيل افوت عليكي في طريقي أنا وجدي".. 

هكذا قطع "جابر" حديثها جعلها تصطك على أسنانها بغيظ من أفعاله التي لا تروقها نهائيًا، و تحدثت بغضب قائله.. 

" أنا مش هعرف أجي معاك و أسيب بنتي و هي تعبانه كده ".. 


قالتها قبل أن تغادر السيارة برفقة" صفا" بعدما توقف" جابر " أمام منزلهما، أبتسم لها" جابر" ابتسامة مصطنعه و هو يقول بثقه.. 

"و سلسبيل كمان زي بنتك و كمان قريب أوي هتبقي مرات ابنك يا أم جابر".. 


رمقته" سعاد" بنظرة تحدي مدمدمة..

" امممم.. اللي بتقوله ده على جثتي لو حصل يا جابر"..


.......................... لا حول ولا قوة إلا بالله.... 


كان الوقت فجرًا، لحظات ظلام الليل الأخيرة ظلت "سلسبيل" تقاوم رغبتها في النوم كلما غلبها النعاس حتى تظل مستيقظه تملي عينيها برؤيا زوجها، و تتشبع من النظر إليه و حفر ملامحه بقلبها و وجدانها، 


أصابعها الصغيره التي تسير على وجهه تداعب لحيته، و شعره الأسود الغزير قابضت على حفنة منه بين أصابعها و ملء راحتها، افاقته من أحلامه التي كانت هي وحدها بطلتها.. 


فتح عينيه بتكاسل و رمقها بنظراته المُتيمة، و أنامله تجد طريقها إلى خطوط عنقها المساء، حانت منه إلتفاتة نحوها و غمر وجنتها بقبلاته التى خدرتها و أذابتها كليًا.. 


كانت هي هائمه به تنظر لعينيه الآسرين و شعره المشعث بفوضويه مثيره جعلته مثالاً للغواية و الفتنة.. 


سحبها عليه محاوطها بجسده العريض و عضلاته القويه ليكرر من جديد لحظاتٍ من الحميمية معاها و صِلة تحكمها الموّدة العميقة المتبادل بينهما.. 

"عبد الجبار!!!".. 

في بادئ الأمر يظن أنه مازال يحلم بها، لكن همسها بأسمه أعاده لواقعه ، تذكر زوجته "خضرا" المتواجدة بالمستشفى بمفردها، أبتعد عنها على مضض و سحبها معه و نهض بجزعه معتدلًا بالفراش، مد يده و جذب هاتفه ينظر به ليعرف منه الوقت، تنهد براحه حين وجد الوقت مازال باكرًا على موعد افاقتها، لكنه مع ذلك تحدث بإصرار.. 

"لازم نعاود مصر دلوجيت".. 


 "ليه عايزنا نرجع بالسرعة دي يا عبد الجبار ".. 

همست بها بنبرة يملؤها الخوف، ابتلعت لعابها بصعوبة، و تابعت بخجل.. 

"أنت خطفني يومين بس مينفعش يبقوا أسبوع!!.. أو سبني هنا مع دادة عفاف لو أنت عندك شغل مهم و لما تخلص شغلك أبقى تعالي".. 


لثم جبهتها بحب، و تنهد مطوّلًا، ثم قال بأسف.. 

" مينفعش اهملك اهنه لحالك..مش هبقي مطمن عليكِ، و أنتي ريداني أكون وياكِ وجت ما أهلك يچو صُح؟؟ ".. 


حركت رأسها له بالايجاب، ليكمل هو بلهفة.. 

"و عشان أكده أني چيت لاچل ما أخدك و نعاود يا سلسبيل"..


صمت لبرهةً و كاد أن يخبرها بحالة "خضرا" الصحية إلا أنه شعر بجسدها يرتجف، و قد داهمتها رغبة قوية للبكاء و هي تقول بصوتٍ بالكاد يُسمع.. 

" أنا خايفه و قلبي مقبوض يا عبد الجبار".. 


فضل الصمت و عدم أخبارها الآن بما فعلته" خضرا "،و ضمها لصدره بقوة،مسد على ظهرها بكف يده بأقصى ما لديه من لطف و هو يتمتم برفقٍ.. 

" مش عايزك تخافي من حاچة واصل.. أني افديكِ بروحي و عمري كله يا حبة الجلب".. 


رفعت عينيها التي ترقرقت بها العبرات و نظرت له بعينيها نظرتها التي تُذيب قلبه المُتيم بها عشقًا و همست بصوتٍ مرتعش.. 

"و أبله خضرا.. أنا كنت وعدتها ".. 

أطبقت جفنيها بعنف لتهبط من عينيها دمعة حارقة و تابعت بحشرجة.. 

"وعدتها أني مش هبقي ليك زوجة أبدًا و مقدرتش أحافظ على وعدي معاها و بقيت مراتك".. 


صاح فجأة بعصبية مفرطة.. "وعد أيه ده اللي بتقولي عليه.. انتي مراتي..مراتي يا سلسبيل على سنة الله ورسوله قولتيها بخاشمك.. يعني لا عملتي حاچة حرام و لا عيب تخجلي منها، و خضرا عارفه أكده زين حتى لو مش قادرة تقبل بيه دلوجيت، هيجي عليها الوجت اللي هتقبله و ترضى و تعرف أنك مراتي كيف ما هي مراتي و اني عمري ما هقصر في حق واحدة منكم".. 


هدأته ماسحة على وجهه برفق و هي تقول بابتسامة دافئة .. 

"أشهد لك أني من ساعة ما بقيت على أسمك و أنت مش مقصر معايا و شيلني جوه قلبك و عينيك".. 

تعلّقت عينيها بعينيه أكثر و هي تقول بتسامحٍ أراحهما معًا.. 

" و ده كفاية عندي والله يا حبيبي.. مش عايزه حاجة من الدنيا تاني غير اني أفضل في حضنك و تحت حمايتك كده عمري كله يا عبد الجبار ".. 


انبلجت ابتسامة واسعه على قسماته و تراقص قلبه فرحًا، و قد غمره شعور أكثر من رائع حين رأي عشقها له ظاهر بعينيها، و اعترافها له أنه مصدر قوتها و حمايتها و لن تستطيع الإبتعاد عنه، و كذلك" خضرا " التي كادت أن تقتل نفسها من شدة حبها له، اذدادت ابتسامته اتساع و هو يطمئن نفسه أنها و بكل تأكيد سترضخ و ترضى بوضعهم الحالي لإنها أيضًا لن تستطيع الإبتعاد عنه هي الأخرى ، تملك منه الغرور قليلاً جعله يظن أنه سلطان على عرش قلب امراتان ضمن وجودهما في حياته.. 


واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


الفصل ال30 و الأخير من الجزء الأول ..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


.. بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة الا بالله.. 


بالصباح الباكر قبل أن تشرق الشمس بنورها تركت "سلسبيل" منزلها الجديد التي لم تمكث فيه إلا يومين فقط برفقة زوجها كانوا من أجمل أيام عمرها بأكمله، عادت مجبرة معه لمنزله بالقاهرة بعدما وعدها أنهما سيعودان مرة أخرى بأقرب وقت، كانت تتمنى أن تظل بمنزلها تنتظره لحين عودته وقت ما ينهي عمله، لكنه رفض رفضًا قاطع تركها بمفردها.. 


كان القلق واضح على ملامح وجهها الباهته، بل الخوف أيضًا ظاهر بنظرة عينيها الحزينة، خوف من مواجهة "خضرا" التي عاهدتها بأن "عبد الجبار" لن يصبح زوجًا لها مهما حدث، و الآن قد خلفت عهدها معاها و لم تستطيع الصمود أمام فيض الغرام الذي أهاله عليها زوجها بكرمٍ و شغف جعلها تستسلم له و تبادله غرامه هذا بدون أدنى إرادة منها حتى استطاع التسلل لأعماق قلبها و نثر عشقه بداخله.. عشق خالص تعيشه لأول مرة بحياتها.. 


 بينما "عبد الجبار" كان يجلس بجوارها بأريحية ،مكتفي بضمها لصدره كمحاولة منه لبث الطمأنينة بقلبها،فهو يشعر بها و يقرأ ما يدور برأسها .. 


انتفض جسدها بين يديه بذعر حين توقفت السيارة بهما بحديقة منزل درتها.. 

"و بعدهالك عاد يا سلسبيل ..ليه كل خوفك ده؟ ، كيف تخافي أكده و أنتي چوه حضني!!!".. 


"خايفة تضيع مني بعد ما لقيتك يا عبد الجبار".. 

همست بها "سلسبيل" بصوت اختنق بالبكاء، و هي تتمسك بثيابه بكلتا يدها لعلها تمدها ببعض القوة.. 


احتضن وجهها بين كفيه جعلها تنظر لعينيه التي يزينها بريق جديد بفضل عشقه لها، و تحدث بابتسامته الجذابة قائلاً.. 

"معوزكيش تخافي من حاچة واصل.. أنتي مَراتي و هتفضلي مَراتي لحد أخر يوم في عمري.. مهيفرقنيش عنك إلا موتي يا سلسبيل".. 


"بعد الشر عليك.. متقولش كده تاني".. قالتها بلهفة و هي تسرع بوضع أناملها الصغيرة على فمه تمنعه من استكمال حديثه،


لثم أصابعها بعمق مرات متتالية قبل أن يقبض على يدها الصغيرة جدًا بين قبضته الضخمة و سحبها عليه واضعًا يد حول خصرها، و الأخرى أسفل ركبتيها و حملها على ذراعيه بمنتهي الخفة و غادر السيارة بعدما فتح له السائق بابها، و سار بها تجاه باب المنزل الداخلي خلفهما دادة "عفاف" التي كانت تجلس بجوار السائق بعدما أصرت "سلسبيل" أن تأخذها معاها ..


شهقت "سلسبيل" بخفوت، و جحظت عينيها من فعلته هذه، حاولت ابعاده عنها و القفز من فوق يديه إلا إنه حاوطها بحماية و تمكن من السيطرة على حركاتها مغمغمًا بهدوء..

"أهدي أمال أنتي صاحية من عشية و مدروخة من قلة النوم و ممكن تغمي مني.. خليني أوصلك لسريرك لاچل ما ترتاحي هبابه على ما أخلص شغلي و اعاود"..


"طيب نزلني يا عبد الجبار بالله عليك لحد يشوفنا"..

غمغمت بها و هي تتلفت حولها تتأكد من عدم وجود أحد، تنهدت براحة حين وجدت الهدوء يسود أرجاء المكان يدل على أن الجميع نيام، 

انكمشت على نفسها داخل حضنه، ألقت بثقل رأسها على كتفه و قد بدأ يغلبها النعاس..


دلف بها داخل غرفتها غالقًا الباب خلفه و وضعها على الفراش بتمهل و يده تبعد عنها عبائتها و حجابها و حتى حذائها، تركها ب منامتها الوردية، و عدل وضعها بوضع أكثر راحة..


دثرها جيدًا بالغطاء و مال على وجنتيها اقتطف منهما حفنة من القبلات الرطبة مرددًا بصوته الأجش..

"نوم العوافي يا جلب عبد الچبار"..


همهمت هي بإسمه بين النوم و اليقظة قائلة بنبرة متوسلة..

"متتأخرش عليا"..

فتحت عينيها بتكاسل تبحث عن دادة "عفاف" فلم تجدها بانحاء الغرفة، فشحب لونها و هي تقول بتساؤل..

"هي فين دادة عفاف؟!"..


"أنا هنا أهو يا سلسبيل هانم".. قالتها" عفاف " الواقفة على أمام باب الغرفة..


"أدخلي يا دادة.. تعالي يا حبيبتي"..

نطقت بها" سلسبيل " و هي تشير لها بيدها على الفراش بجوارها..


انتصب "عبد الجبار" واقفًا، و تحدث و هو يسير لخارج الغرفة قائلاً بأمر ..

" متهمليش الهانم لوحدها واصل يا عفاف"..


" أمرك يا عبد الجبار بيه"..

قالتها "عفاف" التي اقتربت من" سلسبيل " و فكت عقدة شعرها، و رتبت الوسائد خلف ظهرها، كانت "سلسبيل" عينيها معلقة بزوجها الواقف على الباب ممسك مقبضه بيده، ألقى لها قبله بالهواء و ابتسم لها إبتسامة يملؤها الحب مغمغمًا قبل أن يغلق الباب خلفه..

" هرچعلك طوالي"..


نظرت "سلسبيل" ل "عفاف" و تحدث بنبرة راجيه قائلة.. 

"دادة عفاف متسبنيش لوحدي خالص .. خليكي جنبي هنا حتى و أنا نايمة".. 

صمتت لبرهةً و تابعت بأسف.. 

"أنا خايفة أوي من أبلة خضرا و مش عارفة رد فعلها هيكون أيه لما تشوفني".. 

تجمعت العبرات بعينيها و بتقطع تابعت.. 

"أنا حاسة أني خاينة و خطفت منها جوزها أبو بناتها يا دادة".. 


ربتت "عفاف" على شعرها بحنو و تحدثت بتعقل قائلة.. 

"يا بنتي متشيليش نفسك فوق طاقتها أنتي معملتيش حاجة غلط و لا حرام جوزها ده بقي جوزك أنتي كمان"..

صمتت قليلاً، و مدت يدها مسحت دموعها مكملة.. 

"نامي و ارتاحي دلوقتي و سبيها على الله و أنا هفضل جنبك هنا لحد ما تصحى ".. 


بينما "عبد الجبار" فور إغلاقه الباب إختفت ابتسامته،و هرول راكضًا نحو سيارته استقلها و قاد بسرعه عالية قاصدًا المستشفى التي تمكث بها "خضرا" زوجته الأولى..


........................... صل على الحبيب.......... 


" خضرا "..


استعادة وعيها بعدما نجت من الموت بأعجوبة لتجد نفسها بمفردها داخل المستشفى،ابتلعت غصة مريرة بحلقها حين أيقنت أن زوجها بكل تأكيد برقفة زوجته الثانية، ضحكت ضحكة مستهزءة على غباءها الذي جعلها تقدم على الانتحار و التخلص من حياتها لأجل رجل لم يكترث لما فعلته من أجله و تركها بين الحيا و الموت وقضي ليلة ملحمية مع امراءة غيرها..


ندمت على كافة قرارتها الخاطئة بداية من إصرارها على زواجها منه، و زواجه هو عليها، و اختيارها ل "سلسبيل" تكن زوجه له بعدما رأت نظرته و لهفته عليها..


حاولت البكاء و لكن عينيها أبت أن تذرف العبرات، كانت نظرتها جامدة، اكتسبت جحود بفضل ما تشعر به من وجع فاق حدود الوصف، لن تستطيع التعبير عنه بمجرد دموع حتى لو بكت دماً..


"خضرا.. حمد لله على سلامتك يا غالية"..

قالها "عبد الجبار" الذي دلف للتو، و اقترب منها جلس على المقعد المجاور لسريرها، و مد يده ليمسك يدها لكنها دفعت يده بضعف، و رمقته بنظرة حارقة متمتمة بغضب..

"توك ما افتكرت خضرا يا عبد الچبار !!!.. هملتني لحالي و روحت لعروستك الچديدة مش أكده؟! ".. 


" مش وقت حديتك ده عاد.. المهم دلوجيت نطمن عليكي و تبجي زينة... ".. 


صرخت بغيظ شديد قطعت حديثه بصرخاتها قائلة.. 

"رد لأول.. و إياك تكذب عليا.. صُح كنت وهيها ".. 


حاول السيطرة على أعصابه تقديراً لحالها، و تحدث بهدوء قائلاً.. 

" وبعدهلك يا خضرا.. جولتلك رايد أطمن عليكِ.... ".. 


" كنت وهيها يا عبد الچبار.. انطق.. قولي أيوه كنت وهيها و مهملك أهنه يا أم البنته من غير أنيس و لا جليس و روحت أخونك مع حُرمة تانية.. ".. 


"خضرا اااا".. قالها بصوت جوهري زلزل جدران المستشفى،ابتلعت "خضرا" باقي حديثها بعدما رمقها بنظرة محذرة و تحدث بلهجة حادة قائلاً.. 

" متختبريش صبري عليكِ.. أني مش خاين يا خضرا و الحُرمة التانية دي تبجي مَراتي كيفك بالتمام و اللي كانت قبل منك أهنه بنفس المستشفى مرمية بين الحيا و الموت و إني كنت وياكِ في حضنك في بيتنا على سريرنا و لا نسيتي!!! ".. 


واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


خاتمة الجزء الأول..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


‏"إنَّ الله يقذف الحب في قلوبنا، فلا تسأل مُحبًا .. لماذا أحببت.".. 

لكن دعونا نطرح سؤال و نتناقش في إجابته سويًا، 

هل يوجد رجل بالعالم يستحق أن تنهي إمرأة حياتها من أجله؟!!!

أن تخسر دنياتها و دينها من أجل شخص هي على يقين بأن قلبه ليس ملكًا لها وحدها و تملكه إمرأة غيرها !!! 


هذا السؤال تردد بخاطري بلا توقف بعدما رأيت"عبد الجبار" يصب جم غضبه على "خضرا" التى كادت أن تلقى حتفها من شدة حبها و غيرتها عليه دفاعًا عن زوجته "سلسبيل" .. 


ظنت أنها بموافقتها على زواجه من إمرأة أخرى ستمتلك محبته و وفاءه لها إلى الأبد، لم يخطر على بالها و لو لحظة واحدة أنه سيقع بغرام تلك الصغيرة ليصل به الأمر إلى الذوبان بعشقها، استحوذت على قلبه بأكمله و ربما بدأت تسيطر على عقله الذي جن جنونه الآن و جعله يصرخ بوجهها مانعًا أياها من متابعة حديثها حتى لا تذكُرها بأي سوء.. 


و هذا يؤكد لنا أنه من المؤسف حقًا أن أغلب الذين كرهوا الحب كانوا أكثر الناس حباً وشغفاً وصدقاً، لكنهم خُذلوا من شخص كان بمثابة العالم بالنسبة لهم..... 


حاول "عبد الجبار" السيطرة على نوبة غضبه سريعًا حين رأي نظرة زوجته المنكسرة، و عبراتها التي تجمعت بعينيها الحزينة،


صمت على الفور و ابتلع باقي حديثه خوفًا من تطور حالتها مرة أخرى، التزم الصمت للحظات و من ثم وضع كف يده فوق يدها مسد عليها برفق، و تنهد مطولاً و هو يقول بنبرة أكثر هدوءً..

"أني أهم چاجة عندي دلوجيت أطمن عليكي يا خضرا.. و تبجي زينة.. لاچل ما اعاود بيكِ لدارك تنوريه من تاني و كمان البنته الصغار ما بطلوش بكى من خوفهم عليكِ يا غالية ،و لو هتضيقي من وچود سلسبيل هاخدها لدار تانيه بعيد عنكِ بس متأذيش حالك مرة تانية لخاطر ربنا و بناتك اللي ملهومش ذنب و روحهم فيكي يا خضرا"..


لم يجد سوي الصمت حليفه، ابتلعت بحلقها كل الصيحات، لا تعلم أين ذهبت صرختها، ليت انفعالها لم يكن هذا الصمت المخيف أبدًا ، تتمنى لو تلكم الحوائط حتى تسمع صوت عظامها تُكسر، تتمنى لو  تخرج سُبابًا، تتمنى لو أنتهي الأمر بكارثة موتها حتى لا تشعر بهذا الألم الذي ينهش قلبها نهشًا و هي تري انعكاس لصورة غريمتها بأعين زوجها، أصبح عشقه لها ظاهر بوضوح على محياه رغم محاولاته المستميته لإخفاءه، 


لقد أذى قلبها أغلى و أحب البشر عندها، بقت صامته، صمت بث الريبة بقلبه، و لأول مرة لم يستطيع قراءة ما يدور بذهنها، لكن نظراتها له كانت مخيفة و قد اختفت لمعة عينيها في وجوده، لذا صدق من قال لا تؤذِ قلباً رقّ لك يومًا ، فلحظات الودّ لها عليك ألف حق وحق..... 


"رچعني الدار لبناتي يا عبد الچبار".. قالتها بصوتٍ تحشرج بالبكاء، صمتت لبرهةً تستجمع خلالها رابطة جأشها، نظرت له نظرة راجية تخفي خلفها الكثير و تابعت بتنهيدة مُتعبة..

"و همل سلسبيل ويايي بالدار .. أنت خابر زين إني مقدرش على بعدك عنى يا خوي و أطمن أني مهزعلهاش تاني واصل.. اللى حُصل مني كان لحظة شيطان عفشة.. أنت جولك صُح هي بجت مَراتك برضك و اللي يزعلها بالتوكيد يزعلك.. بس أحب على يدك ما تهملني أني و بناتك إحنا ملناش غيرك بعد ربنا ".. 


تهللت أساريره و هو يراها ترفع له راية استسلامها للأمر الواقع، كان يثق أنها لن تتحمل بعاده عنها،كان عليه أخبارها بفكرة شراء منزل جديد لزوجته فهو على يقين أنها ستوافق على كل شيء إلا ابتعاده عنها، و هي تعلم جيدًا أنه إذا أخذ" سلسبيل " لمنزل أخر سيذهب إليها يوميًا بل معظم وقته سيقضيه برفقتها.. 


نتهد بارتياح بعدما تأكد أنه أمتلك زوجاته الإثنين بقبضة يده، لن تستطيع واحدة منهم العيش من دونه غافلاً أن دوام الحال من المحال.. 


........................ لا حول ولا قوة إلا بالله....... 


" جابر".. 


قاد سيارته و لكن بالحقيقة يقوده قلبه من المنصورة للاسكندريه، و منها للقاهرة مباشرةً بحثًا عن "سلسبيل" طريقه هي و مقصده و سيركض لها بلاد ولن يتوقف حتى يجدها.. 


رغم أنه كان يثق أن زوجها لن يتركها بمنزلها بالأسكندرية، سيأخذها معه حتى يبعدها عنه إلا أنه قطع المسافة لعله يجدها هناك كما تركها منذ ساعات قليله، تأكدت ظنونه بأنه أصبح غريمًا لزوجها حتى قبل أن يلتقيان ببعضهما وجهًا لوجه، و كلما حاول "عبد الجبار" ابعادها عنه يؤكد له أن علاقته بها يملئها القلق و الخوف من تأثيره عليها و هذا يولد بداخله أمل الفوز بها .. 


"أنا مش عارفة جريك ورا واحدة متجوزة من بلد لبلد ده آخرته أيه بس يا ابني !!!".. 


تنهد "جابر" باشتياق و نظر لوالدته التي تجلس بالمقعد الخلفي بعتاب مردفًا.. 

"دي سلسبيل يا أم جابر.. نسيتي سلسبيل تبقالي أيه يا أمه؟!".. 


كادت أن تصرخ فيه غاضبة، لكن اوقفها والدها"فؤاد" الجالس بجوار حفيده قائلاً بتعقل.. 

" عمرنا ما نسينا سلسبيل يا جابر يا ابني.. بس كمان أوعى تنسى أنت أنها على ذمة راجل و إحنا رايحين لها دلوقتي على أساس إننا أهلها و بس فاهمني كويس يا جابر"..


صك" جابر " على أسنانه بغيظ، و صاح بغضب عارم و هو يلكم المقود أسفل يده.. 

"جوزها ده اتجوزته غصب يا جدي.. أبوها اللي ملوش أي علاقة بالرجوله اعترفلي بنفسه أنه غصبها على جوازها منه و من قبله غصبها على جوازها من أخوه، و أنا رايح لها دلوقتي عشان أقولها إن من انهارده محدش هيقدر يغصبها على أي حاجة تانية و لو عايزه تطلق من جوزها ده أنا معاها و في ضهرها و افديها بعمري كله و هي أكيد فاكراني.. فاكرة جابر اللي رباها على إيده من وهي عمر يوم لحد ما أبوها سراقها مني و هي بنت 7 سنين.. أكيد فاكراني منسيتنيش يا جدي حتى لو مثلت أنها نسياني و أكيد عارفه أنا ممكن اعمل ايه عشانها ".. 


"أنت بتقول اييييه.. هو أنت كنت بتاخدني أنا و جدك معاك عشان تروح تطلقها من جوزها!!! ".. 

نطقت بها" سعاد" بنبرة أشبه بالصراخ المقهور على حال وحيدها الذي يركض وراء سراب من وجهة نظرها.. 

لكمته على كتفه بقبضة يدها مكملة بنفاذ صبر.. 

" أنت عايز تجلطني يا واد أنت!!!.. انت متخيل إن سلسبيل اللي كانت عيله صغيره لسه فاكراك و لا تكون فاكر إن ممكن يكون في قلبها حاجة من نحيتك!!!".. 


شعرت بقبضة تعتصر قلبها حين لمحت نظرة عينيه التي ظهرت بها الألم ، لكنها تجاهلتها و تابعت حديثها الصارم لعله يعود لصوابه و تابعت بتعقل قائلة.. 

"افرض البت مش عايزه تطلق من جوزها، و لا افرض لهفتك عليها دي خلت جوزها يشك إن في بينك و بينها حاجة و تعمل بينهم مشكلة هما ممكن يكونوا في غني عنها و عننا إحنا كمان يا حبيبي".. 


ربتت على كتفه بحنو، و تابعت برجاء

"أسمع كلام أمك تكسب يا جابر.. إحنا نزورها و نطمن عليها و لو لقينا جوزها كويس معاها و البنت مشتكتش يبقي ندعلها ربنا يهدي سرها و نرجع بلدنا يا ابنى و تشيلها من دماغك و تبص لمستقبلك بقي اللي موقفه على واحدة على ذمة راجل".. 


"سلسبيل مش في دماغي يا أمه".. 

قالها بصوتٍ يملؤه الوجع، و بقلة حيله تابع.. 

" سلسبيل في قلبي.. جوه قلبي"..


"بعد إعترافك ده مش عايزك تتكلم معاها نهائي لما نشوفها كفايا أوي ترمي عليها السلام و من غير ما تمد أيدك و تلمس ايديها كمان".. 

قالها" فؤاد" بنبرة لا تحمل الجدال، و تابع بتحذير قائلاً.. 

"أفتكر إنك رايح لها بيت جوزها الصعيدي اللي لو لمح نظرة الحب اللي في عينيك دي ممكن يرتكب جنايا.. الصعايدة مبيهزروش فى اي حاجة تخص حريمهم.. وأنت عينك فضحاك أنا شايف لهفتك على البنت رغم عمايا.. ما أنا صحيح أعمى البصر بس مش أعمى البصيرة يا ابني".. 


"طيب خلينا نطمن بس عليها الأول يا جدي و نتأكد أنها مش عايشه مغصوبة مع جوزها ده ساعتها أنا هرجع معاكم و هتمنالها السعادة من كل قلبي والله يا جدي.. أنا مش عايز غير سعادتها هي ".. 

قالها" جابر " بغصة يملؤها الأسى و قلب ملتاع أرهقه الفراق.. 


.............................. صل على الحبيب........ 


بعد عدة ساعات عاد" عبد الجبار " للمنزل حاملاً زوجته" خضرا " على ذراعيه بعدما أصرت هي على الخروج من المستشفى، أسرعت الممرضة التي جاءت لتتابع حالتها بفتح باب الغرفة،


دلف هو بها للداخل و أنزلها برفق على الفراش و هو يتنفس الصعداء بأن والدته كانت منشغلة بتجهيز طعام الغداء،و أيضًا كانت نائمة حين عاد ب " سلسبيل" بالصباح الباكر التي ظلت بغرفتها و لم تخرج منها مطلقًا، و حتي "عفاف" التى ظلت معاها طيلة الوقت.. 


حمد الله بسره أن والدته لم تراه و هو يحمل "خضرا" و إلا كانت ستتفوه بحديثها الحاد و كلماتها الجارحة كعادتها.. 


"نورتي بيتك يا أم فاطمة".. 

قالها و هو يطبع قبلة عميقة على جبهاتها، و أبتعد عنها قليلاً ليتمكن من النظر لعينيها و تابع بابتسامة.. 

"احنا على أتفقنا يا خضرا مش أكده؟!.. بكفيانا مشاكل و حديت حريم ماسخ عاد.. رايد أشوف مشاغلي أنتي خابرة أنها ياما".. 


أرغمت نفسها على الإبتسامة وقد اصابتها جملته بصفعة قوية حين وصف مشاعرها و غيرتها عليه بالمشاكل، ربما لم يكن هذا مقصده في الحقيقة، أو قد خانه التعبير خاصةً و هي في حالتها هذه يؤثر بها كل حرف.. 


ابتلعت غصة مريرة و إجابته بأمأه من رأسها و بهمس مرتجف تحدثت.. 

"أطمن يا خوي من چهتي.. أني معوزاش حاچة من الدنيا دي كلياتها غير أني أكون چارك أنت و بناتي".. 


"ربنا ميفرقناش و لا يحرمنا منِك واصل يا ست الناس".. 

قالها و هو يطبق قبله رطبة على وجنتيها، و ضحك بملئ فمه عندما استمع لصوت ابنتيه اللتان اقتحما الغرفة فجأة و قفزا على الفراش و من ثم داخل حضن والدتهما و هما يهللان بفرحة غامرة.. 

" حمد لله على سلامتك يا اماي".. 


ضمتهما" خضرا " بلهفة، و امطرتهم بوابل من قبلاتها الحانية تعتذر بهم لهما، عن خطأها الفادح بحقهما.. 

"يا جلبي يا فاطمة أنتي و حياة.. حقكم عليا يا ضنايا".. 


توجهه نحو الخزانة فتحها و بدأ ينتقي منها ثيابه مغمغمًا.. 

" أني هوصل للشركة أطمن أن كل حاچة تمام و اعاود طوالي.. خلي بالكم على أمكم لحد ما اعاود".. 

ألتفت و نظر ل"خضرا" و تابع بنظرته التى كانت تبعثر مشاعرها فيما سبق، أما الآن لا تشعر بأي شيء سوي الألم و الإهانة معًا.. 

"مهعوقش عليكِ".. 


صدح صوت رنين هاتفه فاسرع بالرد حين لمح رقم"حسان" ذراعه اليمين.. 

"خير يا حسان!!!".. 


"عبد الچبار بيه.. أني چاي في الطريق و چاي ورايا اللي اسمه چابر ده بعربيته هو و چده و الست والدته.. و راسه و ألف بلغه قديمة يقابل چنابك الليلة".. 


أطبق" عبد الجبار " جفنيه بقوة و قد برزت عروقه من شدة غضبه كلما ذُكر اسم هذا ال "جابر"، زفر بضيق و بأمر تحدث قائلاً.. 

" هاته على الشركة يا حسان أني هستناكم في مكتبي".. 


" أوامرك يا كبير.. ساعة أكده و هنبقي قدام چنابك".. 


أغلق" عبد الجبار " هاتفه و هرول لخارج الغرفة بخطي شبه راكضه أمام أعين "خضرا" التى تتأجج منها نيران الغيرة تحرق قلبها، و روحها و أنوثتها بلا رحمة، عقب خروجه من الغرفة وجهت نظرها للممرضة الوقفة بإحدى الجوانب و تحدثت بحدة قائلة.. 

" همليني لحالي.. رايده أنعس هبابه".. 

انصاعت لها على الفور و سارت لخارج الغرفة غالقة الباب خلفها، سحبت" خضرا" الغطاء أخفت به وجهها عن ابنتيها الجالستان بجوارها ، و انفجرت بنوبة بكاء مرير دون صوت، تبكي دمًا و ليس دمعًا فزوجها الذي تُهيم به عشقًا يحيا قصة حب ملتهبة مع إمرأة غيرها أمام عينيها.. 


و هي مجبرة على التحمل بعدما أصرت أن يتزوج منها، كانت من المفترض أن تمنع تلك الزيجة مهما كلف منها الأمر و تحافظ على زوجها، لكنها بيدها سلمته لغريمتها على طبق من ذهب لم تتخيل أنها ستتذوق طعم العذاب و ستندم على ما أوصلت نفسها إليه أشد أنواع الندم.. 


"آآآآآه.. مقدراش أتحمل شوفتك وياها يا خوي.. و اللي خلق الخلق مقدراش".. 

همست بها بسرها و هي تضغط بكف يدها على موضع قلبها المتآجج بالنيران تتمنى لو يتوقف نبضه و يريحها من تلك الوخزات المؤلمة التي تشق قلبها بسكينٍ بارد.. 


...................... لا إله إلا الله وحده لا شريك له..... 


" سلسبيل ".. 


كانت تنعم بنومٍ مجهد، لا يخلو من كوابيسها التى دومًا تهاجمها كلما أغمضت عينيها، لكن بدت هذه المرة مختلفه عن ذي قبل، كانت تصارع أبشع كوابيسها على الإطلاق جعلت قلبها تتباطئ دقاته حتى أوشكت على التوقف.. 


شهقت شهقة قوية تزامنًا مع فتح باب غرفتها و دخول زوجها باهي الطله، مهيب الطول الذي فور وقوع عينيها عليه غادرت الفراش راكضه و ارتمت داخل صدره بقفزة مفاجأة تعلقت به بكلتا يديها و حتي قدميها حاوطت خصره بهما.. 


استقبلها هو  بلهفة بين ذراعيه، ضمها له حتى اخفاها داخل جسده المعضل و قد تبخر غضبه من المدعو "جابر" بفعلتها هذه، لكنها أيضًا دبت الرعب بقلبه حين وصل لسمعه صوت أنينها الخافت، دافنه وجهها بعنقه تبكي و تأن بصوتٍ مذعور.. 


"أيه اللي حُصل.. مالها الهانم يا عفاف!!!.. حد زعلها بغيابي!!".. 


"لا والله يا عبد الجبار بيه.. الهانم كانت نايمة من ساعة ما سيادتك مشيت ولسه صاحية حالاً أول ما حضرتك دخلت!!!".. 


"كابوس.. شوفت كابوس خوفني أوي "..

تفوهت بها "سلسبيل" بصعوبة بالغة من بين شهقاتها الحادة، رفعت وجهها الغارق بالعبرات و نظرت له بعينيها الدامعة و تابعت بجملة أنتزعت قلبه من بين ضلوعه نزعًا.. 

" مش عايزه نفترق عن بعض يا عبد الجبار.. أنا ما صدقت لقيتك".. 


غادرت" عفاف " الغرفة في الحال تاركة لهما بعض الخصوصية، 


"هششش.. أهدي يا جلب و روح عبد الچبار.. وكفياكِ بكى.. أهلك چاين عنِدنا انهارده.. يُصح تشوفيهم و أنتي بتبكي أكده عاد !".. 

قالها و هو يزيد من ضمها داخل صدره، لولا خوفه عليها لكان اعتصارها داخل حضنه، يحاول تهدأتها بشتى الطرق رغم صخب و ضجيج قلبه الذي ينبض بجنون لدرجة أنها شعرت بدقاته اختلطت بدقات قلبها.. 


كانت تتمسك بثيابه بأظافرها بقوة حتى أنها مزقتها، شعر هو بمدى خوفها من ابتعاده عنها، 

استند بجبهته على جبهتها و تحدث بلهاث و أنفاسه الساخنة تلفح بشرتها الناعمة قائلاً بصوته الأجش.. 

"مافيش حاچة تفارقني عنك إلا موتى يا سلسبيل".. 


"لااااااا"..

صاحت بها صارخة و هي تكمم فمه بكفها، و اجهشت بالبكاء أكثر و بتوسل همست قائلة.. 

"متجبش سيرة الموت تاني عشان خاطري.. بعد الشر عليك يا حبيبي.. أنا أفديك بعمري يا عمري الحلو كله".. 


قبل باطن يدها قبلات متتالية، إنتقل بشفتيه بلهفة على شفتيها أطبق عليهما يقبلها بحرارة و يتحدث بمنتهي العشق من بين قبلاته التي يتذوق بها ملوحة عبراتها المنهمرة على وجنتيها.. 

" أنتي اللي حبيبتي.. حبيبتي و حبة جلبي يا سلسبيل و مافيش مخلوق يقدر ياخدك مني و لا ياخدني منِك يا ضي عين عبد الچبار".. 


حركت رأسها له بالنفي و رفعت أصابعها المرتعشة وضعتها على لحيته الكثيفه و تحدثت بأسف قائلة.. 

"مش مخلوق واحد اللي هياخدك مني.. مش واحد بس!!".. 


حاولت السيطرة على بكائها وأظهرت ثلاث أصابع من يدها أمام عينيه مكملة.. 

" دول تلاته.. خضرا مراتك و بناتك".. 

احتضنت وجهه بين كفيها الصغيران و تابعت بنبرة يملؤها الألم و الندم قائلة.. 

"و أنا اللي ختك منهم و أنت مش من حقي.. من حقهم هما.. عشان كده أنا همشي مع أهلي لما يجو انهارده و هسيبك لمراتك و بناتك يا عبد الجبار ".. 


توحشت نظرته، و اعتلي الغضب قسمات وجهه جعله يبدو بصورة وحشية ، و تحدث بصوتٍ مخيف قائلاً.. 

"بمووووتي.. بعدك عني بمووووتي يا سلسبيل... ".. 


كونوا دومًا بالقرب.. 

واستغفروا لعلها ساعة استجابة..


بداية الجزء الثاني من هنا


ادخلوا لأروع الروايات هنا 👇👇👇


❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙

الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا  


❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️


تعليقات

التنقل السريع
    close