القائمة الرئيسية

الصفحات

لأجلك أحيا" الفصل الاول والتاني والتالت بقلم أميره مدحت كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات




 "لأجلك أحيا"

الفصل الاول والتاني والتالت 

بقلم أميره مدحت

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

المُقدمة:


وقفت أمام تلك المرآة الصغيرة تتأمل ذاتها بقلق، سحبت نفسًا عميقًا بعد أن وقعت عيناها على ثوبها الزفافي التي ترتديه، إبتسامة جميلة زينت ثغرها وهي تهمس:

-أخيرًا أتجوزنا يا "ساهد".


أغمضت عينيها هامسة بسعادة:

-حاسة إني بحلم.


شعرت به يحاوط خصرها وهو يهمس في أذنهـا بعذوبة:

-ده حقيقي يا "تيجان"، ماتقلقيش ده مش حلم.


فتحت عينيها وهي تلتفت له قائلة ببهجة:

-يارب يديم السعادة اللي أنا فيها دي، بجد مش قادرة أصدق أن حلمي أتحقق وبقيت مراتك.


إبتسم لها إبتسامة جذابة وهو يهمس:

-كان لازم أتجوزك، إنتي جننتيني لغاية ما سلمتيلي قلبك.


هتفت "تيجان" وهي تطرق رأسها:

-إنت عارف الظروف اللي أنا كنت فيها يا ساهد، وكمان العادات والتقاليد إللي فـ القرية عندنا.


صمتت قليلاً قبل أن تقول بضيق:

-أنا خايفة من الراجل اللي هيحكم القرية ده، حساه شخص مرعب، زي أبوه كده اللي كان دايمًا معيش القرية كلها فـ رعب، سمعت إن إبنه ألعن منه!!!


قال "ساهد" بجدية:

-فعلاً، شكله والقوانين اللي إحنا عايشين فيها هناك صعبة، بس ماتقلقيش مش هيقدر يقرب ناحيتنا.


أومأت "تيجان" رأسها بخفة قبل أن يُتابع بثقة:

-فـ أول ليلة لينا مع بعض، أحب أوعدك إنك هتشوفي اللي مشوفتهوش فحياتك كلها.


تمتمت ببسمة عاشقة:

-ربنا يخليك ليا يا ساهد.


لم يُجيبها "ساهد" تلك المرة، بل طوق خصرها بنعومة قبل أن يُقبلها برقة، أستسلمت سريعًا حيثُ رفعت يديها تطوق عنقه وحلقت معه في عنان السماء.


*****


في صباح يوم التالي، أستيقظت "تيجان" من نومها وعلى وجهها إبتسامة صغيرة، بنفس اللحظة كان "ساهد" يدخل الغرفة بوجهٍ جامد، عقدت ما بين حاجبيها وهي تراه يسحب فستان زفافها، تسائلت بإهتمام:

-صباح الخير، إيه ماسك فستان الفرح ليه؟؟..


شهقت بصدمة وهي تراه يلقيه عليها هاتفًا بصيغة آمرة:

-ألبسي الفستان يا تيجان.


هتفت "تيجان" متساءلة بقلق:

-في إيه؟؟.. طيب ما تجيب شنطة السفر من عربيتك و.... 


هتف بهدوء زائف:

-ألبسي يا تيجان الأول، وبعدين هفهمك على كل حاجة. 


كادت أن تتحدث ولكن هدر فجأة بصرامة:

-أنجزي يا تيجان.


نظرت له قليلاً قبل أن تقول بحدة:

-لما أفهم الأول.


إبتسم لها إبتسامة مخيفة قائلاً:

-لو ملبستيش يا تيجان هاخدك كده بملاية السرير، قولتي إيه؟؟..


أتسعت عيناها برعب وقبل أن تتحدث، كان ترك الغرفة بأكملها، توترت أنظارها وهي تحرك رأسها بعدم تصديق.


خمسة دقائق وكانت خرجت من الغرفة لتجده ينتظرها بإبتسامة مخيفة لأول مرة، جذبها من معصمها بعنف ثم تحرك بها نحو باب المنزل وهي تصرخ بغضب مع إتساع عينيها بصدمة من ما يحدث لها الآن.


لم يتركها إلا في سيارته وبعدها قادها بسرعة جنونية، هدرت بغضب جامح:

-إنت بتعمل كده ليه؟؟..


لم يُجيبها بل تركها تصرخ بأسئلتها حتى صمتت أخيرًا، زادت نبضات قلبها وهي تنظر إلى ذلك الطريق الصحراوي، أوقف السيارة ثم هدر بحدة:

-إنزلي.


ترجلت من سيارته بصعوبة بسبب ثوبها الزفافي، رمقته بنظرات خائفة حينما قال بقسوة:

-إسمعي يا حلوة، أنا كده خدت حقي، وخدت حق أخويا الميت، خدت حق عايلتي اللي دمرتيها.


حركت رأسها بذهول وهي تتساءل بصعوبة:

-حق إيه؟؟.. وعايلة إيه؟؟؟.. إنت قولت أنك مش عندك أهل!!!!


جذبها من خصلات شعرها بقسوة وهو يهدر بشراسة:

-كان عندي، قبل ما تدمريها، بس أنا خدت حقي يا تيجان، عارفة إزاي؟؟..


رمقته بعينين لامعة من الدموع وهي تحاول أن تتغلب على الالامها، أبعد يده عنها ثم تابع بإبتسامة قاسية:

-بإن لا كان فيه جواز ولا شهود ولا أي حاجة من دي، كل ده كان لعبة عشان أوصل اللي وصلتله لـ ليلة إمبارح.


أتسعت عيناها برعب وهي تهدر بصدمة:

-ينهاااااار أسود، ليــــه؟؟؟؟.. ليه عملت فيا كده، ده أنا هقتلك.


وقبل أن ترفع يدها نحوه كان قد سبقها حيث قبض على معصميهـا معًا وضمهمـا إلى صدره كي يتمكن من تكتيفهـا، تلوت بنفسهـا كليًا محاولة التحرر من ذلك القيد الإجباري، همس بصوتٍ غاضب:

-تقتلي مين يا *****، ده أنا إللي هقتلك وأشرب من دمك قبل ما تفكري تقربيلي.


هدرت بشراسة:

-يا سااااافل يا واطي، هتروح من ربنا فين؟؟.. والله ما هسيبك آآ


شعرت بشئ حاد يضرب رأسها فجأة، فـ بدون سابق إنذار فقدت وعيها بين ذراعيـه، حدق فيها بجمود قبل أن يحملها إلى سيارته، أتى رجل من خلفه كان ينتظره منذ البداية، فهتف "ساهد" له بجدية:

-خدها وأريمها في القرية، قدام كل الناس بفستان فرحها، عشان يعرفوا هما ربوا واحدة عاملة إزاي.


إبتسامة شيطانية أرتسمت على وجهه وهو يتابع:

-وبعدها الـ king، لما يشوفها بفستان فرحها هيحكم بالقانون اللي أبوه وجده عملوه زمان، أنها تمـــوت.

"لأجلك أحيا"

المشهد الأول:


شهقت بعنف حينما ألقى أحد مياة باردة على وجهها، أنتفضت من مكانها وهي تنظر حولها برعب، جحظت عيناها بصدمـة وهي ترى نفسها في ساحة القرية، والجميع ينظرون إليها بتفحص واضح، أعتدلت في جلستها وهي تحاول الإستيعاب ما يحدث لها من المصائب على ذنب لم تقترفه، سمعت همساتهم وهم يقولون بفضول:

-مش دي تيجان؟؟.. إيه اللي رماها بفستان فرحها كده؟؟..


هتف أحدهم:

-إيه اللي خلي جوزها يرميها الرمية دي إلا لو أكتشف أنها مش عـذ..


حركت رأسها بالسلب وعيناها تلتمع بالدموع، أشار إليه زميله قائلاً:

-متكملش، بس معقولة يطلع منها كل ده؟؟..


هتفت إحدى السيدات بإمتعاض:

-كان الله فـ عون جوزها، ده كان بيحبها أوي قبل ما يكتشف أنها ***.


أنسابت عبراتها بألم وهي تستمع إلى تلك الكلمات السامة، تابعت فتاة ما بقلق:

-ده الـ king زمانه عرف وهيعاقبها بالقانون اللي جدوده عملوه زمان!!!..


تابعت "تيجان" همساتهم المخيفة بنظرات مرتعدة، حركت رأسها بنفي وهي تهمس برعب:

-لأ، أنا معملتش حاجة، والله معملتش حاجة.


هبت واقفة وهي تقول سريعًا:

-أنا لازم أهرب، مش هقدر أشوفه، هيموتني.


قبل أن تتحرك كي تغادر من المكان وجدت ثلاثة رجال أشداء البنية يقتربون منها، صرخت بعنف:

-لأااااا، متقربوش مني.


هي تعلم أنهم من رجال "الملك"، يبدو أنها ستموت اليوم على شيء لم تفعله، سُتعاقب وسُتقتل ظلمًا، قبض أثنين منهما على ذراعيها بينما هدر الثالث بقوة كي يسمع جميع الموجودين:

-الـ king زمانه جاي، هو إللي هيحدد عقابك، إحنا خلاص بلغناه بمكانك.


هدرت "تيجان" بكل قوتها:

-أنا معملتش حاجة، والله العظيم معملتش حاجة.


ألتفتت برأسها نحو رجل ما وهي تهتف بألم:

-عم حسين، ياعم حسين أقف جنبي، ده أنا أتربيت على إيدك، معقولة هتصدق عليا الكلام ده؟؟..


رمقها بنظرات جامدة وهو يشيح بوجهه عنها، دارت برأسها نحو جهه أخرى وتحديدًا نحو أمرأة في منتصف الأربعينات وإبنتها:

-وإنتي يا أم وتين، هتسبيني كده!!!!.. أنا عشت ست سنين معاكم يعتبر، كنت بلعب مع وتين وبحميها من أي أذى حتى لو على حسابي، هتصدقيهم وتسبيني؟!!...


أطرقت رأسها وهي تبكي بصمت، فهي إن تدخلت سُتعاقب على ذلك، وقعت عيني "تيجان" على أمرأة أخرى فقالت بتلهف:

-وإنتي يا أم وجد، هتسبيني كده؟؟.. مش كنتي دايمًا بتقولي إني بنتك التانية، فين كلامك؟!!!!!!!..


بكت "أم وجد" بعد جملتها تلك وهي تشير لها بعجزها، أغمضت "تيجان" عينيها تكاد أن تعتصرهما وهي تصرخ بكل قوتهــا:

-ياااااااااااااااااااارب.


لولا تلك الأذرعة التي تقبض على ذراعيها بقوة لكادت سقطت سقطة عنيفة.


دقائقٌ وكان وصلت ثلاثة سيارات سوداء، رفعت عينيها الباكيتين نحو السيارة الثانية حيثُ فتح أحد رجاله الباب، ضيقت عيناها بوهن وهي تراه يترجل منها، كان هدير أنفاسها عاليًا وهي تحدق به، أرتفعت نبضات قلبها وهي تراه يتقدم منها رويدًا رويدًا.


شاب في أوائل الثلاثينات من عمره ولكن ملامحه تحمل جمودًا وعمقًا، عيناه السوداء تشتعل تلقائيًا، عيناه ذاتا الجمر المشتعل.. نيرانًا من اللهب الأزرق، ملامحه سوداء ونظراته العميقة التي حدجها بها أشد سوادًا، وقف أمامها قبل أن يقول بصيغة آمرة لرجاله:

-سيبوها.


رد أحدهم بإحترام:

-أمرك يا أصهب باشا.


إذًا أسمه "أصهب"!!.. أي شديد البرودة، يا له من البداية المُبشرة، حتمًا سيقتلها بدم بارد، خرجت من شرودها على صوته الأجش:

-شكلك صغير، 20 أو 19 سنة، مش كده؟؟..


حركت رأسها إيجابيًا بصعوبة بالغة، في حين مط "أصهب" شفتيه ببرود متابعًا بأسف مصطنع:

-ياعيني على زهرة شبابك اللي بقت زي الفجلة.


لم تجيبه بل أطرقت رأسها فـ أخفى شعرها وجهها البارد الحزين، ألتوت شفتاه في إبتسامة متوحشة وهو يقول ببطئ أمام أعينها:

-غلطي لما سلمتي نفسك قبل الجواز، وكملتي الحكاية بأنك ضحكتي على جوزك، بس معملتيش حسابك أنه أول ما يعرف هيرميكي هنا قدامنا عشان عاوز حقه.


أبتسمت بتهكم مرير وهي ترفع وجهها المعذب نحوه، تابع "أصهب" بصوتٍ حاد صلب كالسياط التي تجلدها:

-إنتي قبل ما تضحكي على جوزك كنتي زانية، وإنتي هنا فـ مملكتي، يعني القوانين هنا قوانيني، فـ هتتعاقبي على جريمتك دي وهي المـــوت.


قال كلمته الأخيرة وهو يخرج سلاحه الناري، صوبه نحوها قبل أن يقول ببرود ثلجي:

-نفسك تقولي حاجة قبل ما تموتي؟؟..


نظرت إلى أهل القرية نظراتٍ سريعة الذين يتابعون ما يحدث بخوف كبير، عاودت النظر إليه وهي تهز رأسها نفيًا دون أن تدرك ثم قالت بنبرة معذبة:

-ربنا ينتقم من ساهد، وأنا هستنى أن حقي يرجعلي حتى لو أنا ميتة.


لن تموت وهي تبكي وتُقسم له أنها لم تقترف تلك الجريمة، لذا رفعت ذقنها قليلاً وهي تغمض عينيها، هتفت بصوت لا حياة فيه:

-أنا جاهزة للموت.


حدجهـا "أصهب" بنظرات ميتة وقد أشتدت ملامحه سوادًا، في حين ظلت واقفة "تيجان" بثبات منتظرة مصيرها الأسود، وبالفعل شعرت بتلك الرصاصة تخترق جسدها بقوة، فـ تهاوى جسدها على الأرضية الصلبة، تسرب إليها خدر مغري فـ أستسلمت له بصدرٍ رحب، لم تشعر بعدها بتلك الصرخات العنيفة والمُخيفة التي ملأت المكان.

لأجلك أحيا"

المشهد الثاني: والثالث 


تشعر بما يحدث حولها، صوت الطبيب ومن ثم صوت فتاة تتحدث معه عن حالتها الصحية بإهتمام، ومن بعدها صوتٍ قاسي يتحدث بعدة كلمات قبل أن تسمع صوت خروج أحدهم، بدأت تتململ وهي تئن بألم، فتحت عيناها بتثاقل شديد وهي تحرك رأسها للجانبين، كانت تشعر بألم عنيف في جسدها وتحديدًا مكان إصابتها بتلك الرصاصة، أستطاعت أخيرًا فتح عينيهــا فبدأت تمرر أنظارها الواهنة على المكان، أتسعت عينيهـا قليلاً وهي تشهق بخوف عندما وجدته يقف أمام فراشهـا عاقدًا ساعديه أمام صدره الضخم، حركت رأسها بعدم تصديق وهي تهمس بذهول:

-لأ، مش ممكن.


حدجها بنظرات قاسية غريبة، أعتدل "أصهب" في وقفته وهو يقول بإبتسامة جانبية:

-حمدلله على السلامة يا.. يا تيجان.


هزت رأسها بالسلب وهي تنظر حولها نظرات شمولية سريعة، أعتدلت في جلستها وهي تقول بنبرة مُهتزة:

-أنا ماموتش!!.. أنا عايشة لسه؟؟.. ماموتش!!.. إنت ليه مموتنيش، ليـه؟!!!!!..


قالت كلمتها الأخيرة وهي تصرخ بقوة، حاولت النهوض من مكانها ولكن سرعان ما وقعت على الأرض وهي تصرخ بألم بعدما هاجمتها تلك الوخزات الحـادة، أدمعت عيناها من شدة الألم وهي تهدر برجاء:

-يااااااارب، يااارب.


أقترب "أصهب" منها وهو يقول بنبرة تهكمية:

-دلوقتي أفتكرتي ربنا؟؟.. قومي.


قبض على ذراعيها بقوة كي يجعلها تقف عنوة ثم أجلسها على الفراش قائلاً بصرامة مُخيفة:

-إياكِ تتحركي من مكانك، خليكي أعدة على السرير لغاية ما تبقي كويسة.


صرخت "تيجان" بعنف وهي تضرب صدره بقبضتيها ولكن بضعفٍ واضح:

-إبعد عني، سبتني عايشة ليه؟؟.. ليـه؟؟!!!.. أنا عايزة أموت، ليه عملت فيا كده؟؟..


قبض على معصميهــا بقوة وهو يهدر بنبرة جهورية:

-أهدي، أهدي وبطلي جنااان.


صرخت ببُكاء مرير هاتفة بشراسة:

-أنا فعلاً أتجننت، أتجننت لما نسيت الماضي وقولت أحب من تاني لأن الحياة مش بتقف على حد، وهو عمل فيا كده، رماني في النار وأنا معملتش حاجة، وآآآ


صمتت قليلاً قبل أن تتسع عيناها ثم هدرت بغضب جامح:

-إنت ضربت عليا نار، وبعدهـا جاي تنقذني!!!.. إنت إللي مجنون، عملت كده ليه؟؟..


لمعت عيناه بوميض غريب وهو يهتف بحدة عالية:

-ملكيش دعوة، إنتي هنا فـ مملكتي وقوانيني، فاهمة يعني إيه؟!..


قبض على ذقنها فـ شهقت بتلقائيًا وهي تنظر إلى عينيــه السوداوين الشرستين بنظرات مصدومة، تابع بهسيس خطير:

-يعني حياتك أو موتك ملك إيديا، أي حاجة تتعلق بيكي تتعلق بيا أنا الأول، بإختصار إنتي كلك ملكي.


مرر أنظاره على جسدهـا الذي يرتجف بشدة بنظرات مُرعبة، وقد إلتوت شفتاه بما يشبه الإبتسامة السوداء، زادت رجفتها من نظراته الوقحة، فــ أغمضت عينيهـا وهي تهمس له:

-إبعد عني.


أصبح قريب منها، قريب جدًا لدرجة أن أنفاسه الثائرة كانت تغزو وجهها الأبيض فيهلك سيطرتها المزعومة، تقوس فمه بإبتسامة قاسية قبل أن يهمس بجوار أذنها بما أشبه فحيح الأفاعي:

-إستعدي للجحيم إللي هتشوفيه على إيديا، هاتشوفي مني إللي عمرك ما شوفتيه، وأنا معنديش ياأمه أرحميني.


ظلت مُغمضة العينين وهي تحاول أن تظل ثابتة قليلاً، ولكن أنفاسه الحارقة التي تلهب وجنتهـا تجعل رجفتها تتزايد، وكلماته المسلحة توعدًا وغضبًا تهاجم سطو جوارحهـا، أرخى أصابعه عن فكها قبل أنها يُضيف بكلمة واحدة ولكن مُخيفة:

-هرجعلك.


أعتدل في وقفته قبل أن يتحرك نحو باب الغُرفـة، تابعته بنظرات حانقة وهو يفتح الباب ويدلف إلى الخارج، وجدته يقف أمام رجل ضخم مثله تمامًا ويهدر فيه بصيغة آمرة:

-إسمع، هي متخرجش من أوضتها مهما حصل، ومن بكرا الصبح ترميهــا في أوضة رقم 26 زي زمايلهـا، عشان تشوف العذاب بحق وحقيقي، فاهم؟!..


حرك الحارس رأسه وهو يقول:

-أمرك يا أصهب باشا.


ألتفت "أصهب" برأسه نحوها فوجدها تحدجه بعينين دامعتين لامعة بكرهٍ شديد، إبتسم لها ببرود ثلجي قبل أن يغادر من الغُرفة تاركًا إياها في صدمة مما تعيشه.


******

وقف "ساهد" أمام قبر أخيه الأكبر يبتسم إبتسامة حانية صغيرة، أدمعت عيناه تأثرًا برحيله ولكن سرعان ما مسح عبراته قبل أن يجلس على ركبتيه، سحب نفسًا عميقًا للحظة قبل أن يزفره على مهل، ثم قال بإشتياق:

-وحشتني أوي يا جاسم، يارب تكون مرتاح دلوقتي.


أطرق رأسه وهو يقول بإنتصار:

-جبتلك حقك خلاص، زي ما هي قتلتك بدم بارد، أنا كمان قتلتها بالحيا وبعدها سلمتها لـ إللي يبعتها للموت.


سكتٍ لحظةٍ قبل أن يقول بشرود:

-شوفتها وهي بتتقتل، كنت واقف مستني الكينج لغاية ما جه، طلع المسدس وفعلاً قتلهــا بدم بارد زي ما شوفتها وهي بتقتلك بنفس البرود، فضلت ببص عليها لغاية ما خدها عشان يدفنها، وبكرا الصبح هاروح أشوف قبرها بعينيا عشان أرتاح أكتر.


إبتسم بظفر وهو يقول بثقة:

-النهاردة بس هقدر أنام مرتاح.


******

ظلت "تيجان" جالسة على الفراش تنظر أمامها في نقطة فراغ بعينين جامدتين، لأول مرة تشعر بذلك الألم الحارق يضرب قلبها وروحهـا، تدفع ثمن شيء لم ترتكبه، فرحت كثيرًا في البداية حينما أتى الموت إليها، فالألم الذي يعتريهـا أكبر من أي شيء، لن تستطيع أن تتحمل، لن تستطيع أن تظل صامدة طويلاً، أغمضت عينيهـا وهي تهمس بداخلهـا أنها ستنهار قريبًا.. قريبًا جدًا.


أستمعت صوت طرقات باب غُرفتها قبل أن تدخل فتاة في مُنتصف العشرينات وهي تحمل صينية مليئة بالطعام الصحي، لم ترفع رأسها نحوهـا بل لم تشعر بها من الأساس، جلست أمامها وهي تضع الطعام على الفراش قبل أن تقول بجدية:

-الأكل.


هنا... إنتبهت لهـا "تيجان"، رفعت رأسها نحوها قبل أن تسألها بتردد:

-ممكن سؤال؟؟..


أومأت الفتاة برأسهـا، نظرت "تيجان" حولهـا بقلق قبل أن تعاود النظر إليها وهي تتسائل بخوف:

-هو أنا فين؟؟..


صمتت الفتـاة قليلاً تنظر لهـا بهدوء مريب، ثم ردت عليهـا وهي ترفع ذقنها قليلاً:

-إنتي هنا فـ سجن الكينج.


ثم نظرت حولهـا مبتسمة متابعة:

-وإنتي حاليًا أعدة فـ أوضة الكينج، بس بكرا الصبح هتتنقلي للزنزانة الخاصة بيكي، عشان تاخدي عقابك.


******

يتبع 


"لأجلك أحيا"

المشهد الثالث:


تحرك "أصهب" نحو داخل ذلك القصر بسيارته السوداء الفارهة، ترجل منها ونظراته السوداء تتأمل ما حوله، خلع سترته قبل أن يلج إلى الداخل بخُطى هادئة ثابتة، ألتقى في طريقه كبيرة الخدم حيثُ أخبرته بـ أمر جدهِ بأن يدخل إليه غُرفة الطعام، أومئ برأسه دون أن يُجيب ثم تحرك نحو داخل الغُرفة حيثُ يجلس كل من والده ووالدته وأخيرًا.. جده.


قال "أصهب" بصوته الرجولي الأجش:

-خير يا جدي؟؟..


رفع "الهامي" رأسه يحدق فيه بنظراته الهادئة رغم حدتها، تسائل بهدوء:

-إيه حكاية البنت إللي أسمها تيجان دي؟؟..


رد عليه "أصهب" ببسمة قاسية:

-جوزها رماها بفستان فرحها في ساحة القرية، وقبلها بـ 3 ساعات كان جه عندي وقالي أنه أكتشف مراته مش عذراء وأنه عاوز حقه، فـ جبته!!..


تسائل والده "راجي" بإهتمام:

-يعني نفذت القانون؟!!..


صمت "أصهب" قليلاً قبل أن يومئ رأسه بهدوء قائلاً:

-أيوة، قتلتها وسط أهل القرية وبعدها دفنتها.


أشار "الهامي" بيده هاتفًا بعدم إكتراث:

-يالا فـ داهية.


رمقته والدته "شيهناز" بنظرات متفحصة هاتفة بتساؤل:

-أومال إيه إللي أخرك كده النهاردة؟؟..


رد "أصهب" بإقتضاب:

-شغل، يالا أنا طالع أرتاح.


لم ينتظر الرد بل دلف إلى الخارج متوجهًا نحو الدرج كي يصعد إلى الأعلى حيثُ غرفة نومه، ولكن أثناء سيره تذكر تلك المُقابلة بينه وبين المدعو "ساهد" حيثُ أت له في صباح باكر اليوم وقد أدمعت عيناه من فرط الصدمة حتى شعر أنه سيسقط لا محالة، لذلك حينما سمع بفعلته تحرك كي يأخذ حقه منهـا، نزع قميصه الأبيض قبل أن يُسير نحو المرآة ثم وقف أمامها يتأمل إنعكاس صورته، رفع ذقنه قليلاً وقد تقوس فمه بإبتسامة مخيفة وهو يضع يديه بداخل جيب بنطاله، همس بصوتٍ خطير:

-إستعدي للجحيم يا.. يا تيجان.


******

وقفت "تيجان" أمام المرآة تتأمل مكان إصابتها بتلك الرصاصة، رفعت حاجبيهـا للأعلى وهي ترى أن الجرح ليس مميت، تذكرت في تلك اللحظة كلمات الطبيب حينما كانت على وشك أستدعاء وعيهـا أنه جرح الخروج أي الرصاصة ليست في الداخل، جرح يبدو ضخم ولكن نظيف جدًا بشكل محترف، ولم يلمس أي عضو حيوي.


تلك كانت كلمات الطبيب المُختصرة التي قالها للملك، أتسعت عيناها بإرتياب بعدما تفهمت أن الرصاصة ثقبتها فقط وعبرت، همست "تيجان" بصوت غير مسموع:

-ينهار أسود، ده معناه أنه تعمد ميقتلنيش ولا أتأذي!!..


أبعدت خصلات شعرها من على وجهها وهي تتابع:

-أومال ليه ضرب نار عليا من الأول؟!.. هدفه إيه؟؟..


نظرت حولها بقلق وهي تقول:

-ينقذني وبعدها يجبني على السجن!!.. أنا عمري ما سمعت عن السجن ده؟؟.. سجن إيه ده إللي عامل فيه لنفسه أوضة نوم كبيرة زي دي!!..


جلست على طرف الفراش وهي تُضيف:

-منك لله يا ساهد، طلعت زبالة زي أخوك، وقعتني في إيده عشان تنتقم وخلاص.


صمتت قليلاً قبل أن ترفع رأسها فجأة هاتفة:

-ده كده معناه إني فنظر الكل ميتة!!.. وأنا هعيش أساسًا هنا مسجونة، تحت رحمته!!!..


هبت "تيجان" واقفة وهي تهدر بغضب:

-لأ، مش هسمحله يقرب مني، لو فكر يقرب مني ويأذيني أنا إللي هأذيه، حتى لو وصل الأمر إني أقتله!!!!..


******

وقف "ساهد" أمام غرفة والدته "نجوى" وهو يفكر بتردد كبير أن يدخل إليها، ولكن في النهاية حسم أمره حيثُ أطرق الباب دقات خفيفة قبل أن يدخل إليها مُبتسمًا لهـا، كانت جالسة على الفراش تشاهد أحد الأفلام القديمة العربية، جلس أمامها على طرف الفراش قبل أن يتسائل بإهتمام:

-عامله إيه دلوقتي؟؟.. أحسن؟؟..


رمقته بنظرة جامدة قبل أن تسأله بصوتٍ مهزوز:

-أوعى تكون عملتها يا ساهد!!.. أوعى.


قالت كلمتها الأخيرة وقد ألتمعت عيناها بخوف، رد عليها بجمود:

-أنتقمت، خدت أنتقامنا يا أمي.


أغمضت "نجوى" عينيها وهي تهز رأسها بالسلب هاتفة:

-ليه؟؟.. ليه عملت كده يا ساهد، حرام عليك.


فتحت عينيها فــ هبطت دمعتين وهي تهدر بعذاب:

-إنت حرقت قلبي يا ساهد، ليه يا ساهد تعمل فيها كده؟؟.. حرام عليك، حرام.


هب واقفًا وهو يهدر بإستنكار:

-حرام؟!.. حرام على مين؟؟.. بتقوليلي أنا الكلام ده!!!.. أنا مكنتش أعرفها، معرفتهاش إلا لما قتلت أخويا، أخويا إللي هو إبنك يا أمي.


ألمتعت عيناه بوميض مخيف وهو يتابع:

-قتلته بدم بارد، شوفتها وهي بتقتله بعينيا، مش قادر أنسى المنظر!!!!!..


أشار بإصبعيه قائلاً بتهكم مرير:

-وياريت الموضوع جه على كده وبس، شوفي حصلك إيه بعد ما مات.


طأطأت رأسها تبكي بصمت، فـأكمل بعذاب:

-فالآخر أتشليتي يا أمي، أتشليتي!!!.. أتحرمت من إني أعيش مبسوط وسعيد، أتحرمت يا أمي!!!..


رفعت عينيها الدامعتين نحوه وهي تهتف:

-بس يا ساهد آآ..


قاطعها "ساهد" بغضب:

-كان لازم أخد حقي، حقي وحقنا كلنا، وخدته أهو، النهاردة بس هقدر أنام بعد ما الكينج قتلها.


صرخت "نجوى" برعب:

-إنت بتقول إيه؟؟.. قتلهـا؟؟..


حرك رأسه بإيماءة خفيفة، فصرخت بغضب جامح:

-إطلع برا يا ساهد، إطلع برا أوضتي، سبني لوحدي، برااااا.


حدجها بنظرات عاتبة قبل أن يرحل من غرفتها، بكت "نجوى" بصمت، ولكن دموعها الحارقة لا تقارن بحرقة روحهـا.


******

في صباح اليوم التالي، أنتفضت "تيجان" من على فراشها بعدما سمعت صوت صفق باب الغُرفة بعنف، فركت عينيها وهي تحاول إستيعاب دخول "أصهب" الغُرفة، عقد ساعديه أمام صدره الضخم مُبتسمًا لها بسخرية ثم قال:

-صباح الخير، أتمنى تكوني أرتحتي فـ أوضتي و.. على سريري.


بلعت ريقهـا بصعوبة وهي تحدق في عينيه السوداوين القاسيتين، هتف بصيغة آمرة:

-قومي.


نهضت من على الفراش وهي تنظر له بحنق واضح، توجه نحو باب الغُرفة وفتحه ثم وجه حديثه لحارسيه حيثُ قال بصرامة:

-نزلوها على الزنزانة رقم 26، يالااااا.


حرك كل منهما رأسه ثم تحركا نحوها قبل أن يقبضا على ذراعيهـا، هدرت ""تيجان" بغضب:

-سبوني، إنتوا هتعملوا إيه؟؟..


لم يُجيب أحد منهما عليها بل توجها بها إلى حيث أمر "أصهب"، جحظت عيناها بخوف وهي ترى أكثر من خمسة وعشرون فتـاة في ذلك السجن، بعضهم من تبكي على حالها والبعض الأخر يجلسون بجمود غريب، بلعت ريقها بصعوبة وهي ترى تلك العلامات على ذراعيهما، يبدو أنه يقوم بتعذيبهم، فشهقت بعنف تلقائيًا.


حينما ألقوا بها إلى الداخل، وقفت "تيجان" تصرخ من خلف القضبان بشراسة قائلة:

-إنت يإللي عامل زي التور، تعالى هنا وطلعني.


سكتت لحظةً ثم صرخت عاليًا:

-أنت يا بني آدم، أفتح بقولك.


تراجعت إلى الخلف حينما وجدت "أصهب" أمامها، إنتفضت شجاعتها منسحبة من حرب لم تبدأ بعد، بل ستبدأ الآن، ولكن لم تظهر بل صاحت فيه بهسيس مستفز بعدما دخل:

-إنت جايبني هنا ليه؟؟.. هتعمل نفسك راجل عليا وآآآ..


نظر إليها ودون مقدمات كانت صفعة عنيفة تسقط على وجههـا، ولكنها لم تنطق سوى بــ آآه تلقائية، تكتم وتكتم كعادتها.


هدر "أصهب" بصوتٍ عنيف:

-إنتي فاكرة نفسك إنك إيه؟؟.. وبعدين إنتي لسه مشوفتيش مني حاجة، ده إنتي لسه هتاخدي عقابك.


ضيقت عينيها وهي تهمس:

-عقاب إيه؟؟..


رد عليها وهو يخرج من خلف ظهره السوط الذي أحضره خصيصًا لها، إبتسم لها إبتسامة جانبية قائلاً:

-عقاب الزانية إيه عند ربنا؟؟..


أتعست عينيها وهي تهدر بصدمة رفم تعبيرات وجهها العصبية:

-قصدك إيه؟؟.. هتجلدني 100 جلدة!!..


دنا منها عدة خطوات وهو يرفع السوط عاليًا حيثُ قال بقسوة وقد ألتمعت عيناه بوميض شرس:

-ده عقابك، تحملي بقى.

******


تكملة الرواية من هنا



تعليقات

التنقل السريع
    close