"لأجلك أحيا"
المشهد الرابع حتي المشهد الحادي عشر
بقلم أميره مدحت
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
فغرت شفتيها قليلاً وهي تتراجع للخلف محاولة الإستيعاب على ما قاله، أغمضت عينيها للحظات وهي تسحب نفسًا عميقًا ثم زفرته على مهل، فتحت عينيها وهي ترمقه بعينين باردتين رغم تلك النار التي بداخلها، ذلك الإشتعال الذي أوشك على قتل روحها ورغم ذلك تخفي ألآلآمها، فمن سيشارك حزنها؟؟..
وقبل أن يهبط بـ سوطه أوقفته بإشارة من يدها، عقد "أصهب" ما بين حاجبيه وهو يحدجها بعينين حادتين، رفعت "تيجان" ذقنها قليلاً قبل أن تقول بصوتٍ قوي:
-بأي حق؟؟. بأي حق تفكر تجلدني وأن ده هو عقابي!!!.. بأي حق تعاقبني وإنت مش فإيدك أي دليل على خيانتي؟!..
تراخى حاجبيه وهو يحدجها بنظراته القاسية، تابعت "تيجان" بحدة:
-إنت مينفعش تعاقبني إلا لما يكون فإيدك أي دليل، إنت حكمت بعد ما سمعت من الطرف الأول بس، فين أعتراف الطرف التاني؟؟.. فين الدليل يإللي شايف نفسك بتحكم بالعدل؟؟..
نظر إليها طويلاً وكلماتها تتردد في عقله المُظلم، كانت كلماتها كالنور الذي بدأ يُنير عقله، فـ أخفض يده المُمسكة بالسوط، حدجته بنظراتٍ مليئة بكرهٍ غريب، كفى أنها تجلس في مكان تم تخصيصه للزانيات وباتت بالأسم واحدة منهم بدون دليل.
صمت طويل ساد بالمكان قبل أن تقطعه "تيجان" بصوتٍ مغلول:
-روح أسأله، أسأله أتجوزني ليه؟؟.. دور على الإجابة هتلاقيها عنده أو عند أمه، غير كده لأ.
تسائل "أصهب" بهدوء:
-إتجوزتوا ليه؟؟..
إبتسمت بمرارة قبل أن تقول بتهكم:
-أتجوزته لأني كنت مغفلة، وعميانة بحبه وبحبي، إنما هو أتجوزني عشان أنتقام، عشان ينتقم مني.
تسائل ببسمة ساخرة:
-وهو ينتقم منك ليه؟؟..
صمتت قليلاً مجيبة:
-خد منه الإجابة مش مني أنا، لأني مش هقول حاجة إلا لما تصدقني.
سارت نحوه عدة خطوات قبل أن تنظر له بتحدٍ سافر هاتفة بثقة:
-ولو عايز تجلدني.. أجلدني، مش هقولك بتعمل إيه؟؟.. إنت على أي حال ظالم وأنا المظلومة، فـ حقي هيرجعلي فالآخر وبطريقة هتخليك تندم أشد الندم يا إبن الهامي.
حدق في عينيها مباشرةً بنظرات مُخيفة تجعل المرء يرتجف من كثرة الرعب، إلا هي تخفي، كما تخفي دائمًا، بل أتسعت إبتسامتها المثيرة للإستفزاز فإستشاط غضبًا، كانت أنفاسه الاهبة تحرق وجهها قبل أن يقول بهمسٍ مخيف:
-إنتي إللي هتندمي لو طلعتي بتلعبي بديلك.
ردت عليه بأنفٍ مرفوع:
-هتقتلني؟؟.. أظن إنت المفروض كنت هتعملها وأنا سلمت نفسي للموت، تفتكر بقى هخاف دلوقتي من الموت ولا منك؟؟..
أومئ رأسه بإبتسامة قاسية وهو يُجيب بهمسه:
-كلامك صح، بس هتتمني الموت ومش هتطوليه؟؟..
تسائلت "تيجان" بتهكم:
-هتعمل إيه يعني؟؟..
إبتسامته قاسية أتسعت قليلاً قبل أن يقول ببساطة:
-هغتصبك مثلاً؟؟..
جحظت عيناها بذهول وهي تتراجع للخلف، حركت رأسها بالسلب وهي تهمس:
-لأ، إنت مش سافل للدرجادي؟؟.. إنت..
قاطعها وهو يهز يديه بهدوء:
-إذا كنت بقتل بدم بارد مش هعمل حاجة زي دي؟؟..
لم تُجيبه بل ظلت تحدجه بنظرات خالية من الحياة، رمقها بنظرة أخيرة قبل أن يخرج من المكان بهدوء، هدوء ما قبل العاصفة.
******
جلست "سميحة" على الأريكة بعدما تجهم وجهها بطريقة مزعجة، جلس ولديها كل من "ثاقب" و"وافي" على الأريكة أمامها، كانت ملامحهم قاسية للغاية إلا "وافي"، بل مذهول.. مبهوت، لمعت عيناه بالدموع ولكن حبسها بقوة حتى لا يراها أحد منهما، خاصةً بعدما رأى ردة فعلهما باردة وقاسية للغاية، سمع صوت والدته وهي تهتف:
-كويس أن إبن الهامي عملها، خد عار بنتنا إللي فضحتنا وجرستنا، وخلت سيرتنا على لسان كل إللي يسوى وميسواش.
هب "ثاقب" واقفًا وهو يقول بغضب جامح:
-المفروض كنا إحنا إللي ناخد عارنا، مش كفاية أنها هربت من البيت عشان تجوز إللي أسمه ساهد ده، لأ.. دي طلعت كمان *****، سلمت نفسها قبل الجواز، وأهو جوزها رماها، المفروض إحنا إللي كنا نجيبها ونخلص عليها مش أصهب!!!..
هتفت "سميحة" بجدية:
-لأ كويس كده يا ثاقب، أنا مش ناقصة إنكم تروحوا مني، كويس أوي كده، لأني مش مستغنية عنك ولا عن وافي.
ألتفتت برأسها نحو "وافي" الذي يرمقهما بذهول ثم تسائلت بنبرة ذات مغزى:
-ولا إيه يا وافي؟؟..
وثب واقفًا قبل أن يقول بكره:
-أنا بلعن نفسي ألف مرة إني مخرجتهاش من البيت زمان، حسبي الله ونعم الوكيل.
قالها وهو يغادر من المنزل بأكمله، ظلت أنظار والدته الممتعضة تلاحقه قبل أن تقول بقسوة:
-ده القانون، وكان لازم يتنفذ، وتيجان عملت جريمة بشعة يبقى تدفع تمنها ولوحدها، هي إللي جابته لنفسها.
******
كانت تحدق بالقضبان بنظرات غاضبة، أغمضت عيناها تزفر بعنف، لأول مرة تشعر بهذا العجز، تشعر أأن ما هو قادم أعمق وأسوأ مما تصورت، عميق وملطخ بسواد لا يوازي سواد حياتها أبدًا بل أشد، هبت واقفة تصرخ عاليًا:
-إنت يإللي برا، إنت يابني آدم، إنت يا زفت.
وفجأة وجدت شخص ما ضخم يدخل نحوها يرمقها بنظرات مظلمة، صاحت فيه "تيجان" بحدة:
-هو أنت أطرش، بقالي ساعة بنادي وإنت ولا هنا، فين المُتخلف التاني إللي مشغلك ده، روح نادي عليه حالاً وإلا..
شهقت بعنف حينما صفعها بقسوة عنيفة دون مقدمات، وضعت يدها على وجنتها تنظر أمامها بنظرات حادة رغم تلك الإرتجافة التي سيرت عليها للحظة، بلعت ريقها بصعوبة وهي تنظر له بغضب جامح وقبل أن تتحدث وجدت من يجذب ذلك الحارس من تلابيبه ويوجه له لكمة عنيفة في فكه، همست بعدم تصديق:
-أصهب!!...
دفعه "أصهب" نحو الحائط بقسوة حتى كاد الحارس أن يسقط أرضًا، لكمه مرة أخرى بعنفٍ أشد وهو يهدر بنبرة جهورية صارمة:
-إياك، إياك تمد إيدك عليها وإلا هقطعهالك، ساااامع.
أومئ الحارس رأسه سريعًا قبل أن يتركه "أصهب" وهو يحدجه بنظرات مُظلمة، خرج سريعًا حتى لا يقف مع ذلك الوحش، إلتوت شفتاه بإبتسامة سوداء وهو يدنو منها هاتفًا بصوتٍ جهوري:
-إنتي إيه؟؟.. لسانك إيه؟؟.. بطوليه ليه؟؟.. هو إنتي عاوزة تتعاقبي وخلاص؟؟.. لو عايزة قوليلي وأنا هحقق رغبتك!!..
هدرت "تيجان" بقوة وهي تشير بإصبعيها:
-إسمع بقا، قسمًا بالله لو فكرت تأذيني لأقتلك يا إبن الهامي وأخلص العالم كله من الأشكال إللي زيك.
قبضعلى فك وجهها بقسوة وهو يقول:
-لسانك ده شكله هيتقطع على إيدي، وده تخصصي أصلاً، تقتلي مين؟؟..
هتفت بقوة:
-أيوة هقتلك يا إبن الهامي.
إبتسمت بشراسة وهي تتابع بثقة:
-أصل أنا مقولتلكش إني قتلت أخو ساهد قبل كده، وقتلته بدم بارد كمان.
أتسعت إبتسامتها مُضيفة:
-وأظن إللي يقتل مرة يقتل تاني عادي،يعني إذا كان ده تخصصك فهو تخصصي أنا كمان ياإبن الهامي يا.. يا كينج.
"لأجلك أحيا"
المشهد الخامس:
و
المشهد السادس:
و
المشهد السابع :
ثلاث مشاهد تعويض عن التأخير
تحرك "وافي" نحو منزل إبن عمه الوحيد "يسر" وقد أكتسى وجهه الألم ولمعت عيناه بوميض الحزن بعدما فقد شقيقته بتلك الطريقة القاسية، والأسوأ هو قسوة والدته وشقيقه الأكبر، طرق الباب طرقات قوية فـ فتح له الأخير سريعًا الذي ما أن رأه حتى قال له بحزن:
كنت عارف إنك جاي.
دخل "وافي" المنزل وهو يقول بتهكم:
-أمي وأخويا ثاقب ولا فارق معاهم موتها، بالعكس ثاقب لو شافها دلوقتي راجعة من الموت هيقتلها ببطء، قال إيه عشان عارنا، مش عارف إيه الكلام ده ولا عارف إزاي هما كده مع بنتهم.
جلس "يسر" وهو يقول بلهجة ذات مغزى:
-ماإنت عارف إللي فيها.
تنهد "وافي" وهو يقول بألم:
-أنا قلبي واجعني يا يسر، واجعني ومش عارف أعمل إيه، ندمان إني مخرجتهاش من البيت ده زمان بعد ما أبويا مات وراحت أمي أتجوزت واحد تاني بعد ما عدتها خلصت.
إبتسم بتهكم مرير متابعًا:
-مش عارف ليه هي كده؟؟.. إحنا معملناش حاجة لدرجة أنها تبقى بالقسوة دي، حتى تيجان كانت لو تطول تشيلها على رموش عينيها كانت هتعمل كده، بس لا حياة لمن تنادي، ومدش فاهم السر غيرها هي وثاقب، لأن معاملتهم هما الأتنين أنيل من بعضها.
صمت قليلاً قبل أن يقول وقد لمعت عيناه بالدموع:
-نفسي أشوفها، نفسي أخدها فـ حضني، وأخرجها من العالم ده، ياريت كنت خدتها وهربنا على أي مكان.
هتف "يسر" بحدة:
-قولتلك زمان خرجها وأنا هشوفلكم مكان تعيشوا فيه، بس محدش سمع كلامي، جاي تندم دلوقتي!!..
لم يُجيبه "وافي" بل أطرق رأسه وقد أنهمرت دموعه الحارقة على وجنتيه، صورتها أمامه بإبتسامتها الواثقة.. الحنونة.. المشاغبة.. الحزينة، يشعر بشء حاد كالسيف يضرب قلبه عندما يحاول أن يتخيل مشهدها وهي تُقتل في ساحة القرية، وعدم تدخل أي مرء لمساعدتها، تسائل بصوت بدا عليه الشرود:
-إنت مصدق إللي أتقال عليها؟؟..
رد "يسر" بلا تردد:
-لأ طبعًا، هو أنا مش عارف بنت عمي؟!.. ده إحنا متربين مع بعض، إزاي هشك فـ أخلاقها؟!!..
هب "وافي" واقفًا وهو يقول بريبة:
-يبقى إيه الحكاية؟؟.. أنا متأكد أنها متعملش كده، يبقى فيه حاجة غلط فالموضوع.
نهض "يسر" وهو يقول مؤكدًا:
-معاك حق، بس تفتكر في إيه؟؟..
صمت طويل ساد بالمكان قبل أن يقطعه "وافي" متسائلاً:
-معقولة إللي بفكر فيه؟؟..
عقد ما بين حاجبيه قبل أن يسأله بقلق:
-وهو إيه إللي بتفكر فيه؟؟..
رد عليه وقد أتسعت عينيه:
-معقولة الموضوع يكون له علاقة بقتل جاسم زمان؟!..
أشار بيده وهو يقول بريبة:
-قصدك على فكرة أن ده إنتقام؟؟.. قصد أن إللي أسمه ساهد ده ممكن يكون له علاقة بـ جاسم؟؟..
حرك رأسه بـ تأكيد مُجيبًا:
-أيوة أنا شاكك فده، بس لازم نتأكد.
قال "يسر" بجدية:
-إسمع يا وافي، أنا معاك فـ أي حاجة، لأن ده حق بنت عمي وشرفها، ولو طلع إللي فدماغك صح يبقى هنجيب حقها حتى لو هناخد روحه، بس لازم في الأول نتأكد أنه له علاقة بالزفت إللي أسمه جاسم ولا لأ، ولو ملوش علاقة يبقى نروحله ونفهم الحكاية بأي طريقة.
هتف "وافي" بحدة:
-إحنا لازم نتحرك دلوقتي، يالا.
******
ظل متسمرًا في مكانه لفترة غير معلومة بعد تلك الكلمات الصادمة التي نطقتها بكل ثقة، قوة غريبة أعترتها على رغم من موقفها الضعيف بدرجة أولى، ولكنها تعاهدت أنها لن تموت له وهي تصرخ باكية بأنها مظلومة ولم ترتكب تلك الجريمة الشنيعة، فهي على ثقة بأنه لن يصغى إليها، لكن إن تعاملت معه بنفس قوته فـ بنسبة كبيرة ستجعله يصغى إليها وبإهتمام.
ملامحه زادت قسوة قبل أن يقبض على خصلات شعرها بعنف فـ تأهوت تلقائيًا، حدق في عينيها مباشرةً قبل أن يقول بصوتٍ هادئ مخيف:
-ركزي معايا كويس، لو قتلتي 100 واحد قدامي حتى أنا مش بتهز، لأني ببساطة أنا الكينج، وإنتي فـ نظر الكل ميتة، يعني ببساطة هقدر أقتلك بكل بطئ، عشان أتلذذ بـ تعذيبك.
جذب رأسها إليه أكثر حتى لامست أنفاسه الحارقة وجهها المتألم رغم جموده مُضيفًا:
-وياريت متطوليش لسانك أكتر ما هو طويل، عشان هتشوفي عقاب مش هتبقي حباه خالص، تمام ولا تحبي تشوفي جزء منه؟؟.
لم تُجيبه بل إبتسمت له بإستفزاز رغم ذلك الألم الذي يجتاحها من كلماته السامة، أرخى يده عنها ثم تحرك نحو الخارج قبل أن يقول للحارس الثاني بلهجة حادة:
-مفيش نقطة مايه ولا حتى أكل يدخلوا لها، سيبوها مرمية زي الكلبة لغاية ما تتعدل وتعرف هي ببتعامل مع مين.
ثم غادر وهو يزفر بغضب جامح وكلماتها تتردد في أذنيه، في حين جلست "تيجان" تحدق في بالفراغ بنظرات خاوية.. راهبة هامسة بدون شعور:
-كأنك يا تيجان أتولدتي ومعاه العذاب، أنا مش خايفة منه، بس أنا متأكدة أن الأيام بتزداد صعوبة وأشرس عن الأول، خصوصًا بعد ما بقيت في إيد الكينج.
******
"لأجلك أحيا"
المشهد السادس
في مساء اليوم التالي، بعدما بحث كل من "وافي" و"يسر" عن "ساهد"، علما وتأكدا أنه شقيق "جاسم" اللعين، لذلك عقدا العزم على أن يأخذا حق "تيجان" مهما بلغ الأمر، حيثُ أنتظرا مجيئه من الخارج أمام منزله بعدما أصبحا مقنعان كي لا يعرفهما "ساهد"، ويحققا الأنتقام على أكمل وجه، وما إن أقترب من منزله حتى تهجما عليه بوحشية قبل أن يبدأ كل منهما بلكمة لكمات عنيفة قاسية في كل مكان بجسده، أخرج "وافي" سلاح ذو شفرة حادة قبل أن يطعنه في جانبه وهو يقول بغضب:
-دي أقل حاجة هنعملها ليك، بعد إللي عملته فيها يا إبن الـ****.
أشار إلى "يسر" قائلاً بحدة:
-يالا يا يسر، قبل ما حد يشوفنا.
وبالفعل غادرا من المكان بخطوات راكضة حتى لا يراهما لأي شخص، في حين تعلقت أنظار "ساهد" بهما قبل أن يفقد وعيه تدريجيًا.
******
كانت متسطحة على الأرضية الصلبة تضم ركبتاها لصدرها ورغمًا عنها يجافيها النوم من الإرهاق، وبالفعل لم يقدم لها أحد قطرة من المياة، إبتسمت بسخرية وهي تقول:
-على أساس دي أول مرة تحصلي، ده أنا عقابي إني كنت بتحرم من الأكل والشرب، لولا "وافي" هو إللي كان بيحاول يجبلي مايه بأي شكل عشان أعرف أعيش.
لم تشعر بفتح القضبان الحديدية ودخوله إلا حينما وقف أمامها بهيئته المهيبة، رفعت عيناها بتلقائية وهي تبتسم بسخرية هاتفة بإستفزاز:
-أهلاً بالكينج، جاي بنفسك تطمن عليا إذا كنت عايشة ولا لأ؟؟..
رد ببساطة:
-لأ أنا عارف من بدري إنك زي القرد عادي.
كان صدرها يعلو ويهبط من فرط التوتر والغضب، إستمعت إلى جملته الآتية والتي جعلتها تضيق عيناها بريبة:
-لو عرفت إنك صادقة فكل كلمة قولتيها من ناحية ساهد هيبقى ليا عندك عرض، عرض وحيد ومش هيبقى قدامك بديل غير إنك تقابليه.
صمتت "تيجان" قبل أن تقول بتمعن غريب:
-من نظراتك بتقول إنك هتشتريني.
أتسعت إبتسامته قائلاً بهدوئه المتنكر:
-حاجة زي كده، بس سبيها لوقتها.
جحظت عيناها وهو يتابع بمكر:
-أصل أنا ليه أحرم نفسي من المتعة شوية؟؟..
هبت واقفة وهي تصرخ صرخة عالية حادة قائلة:
-آه يا سافل يا حقير، قسمًا بالله لأقتلك فيها وآآ..
شهقت بعنف حينما غرز أصابعه في كتفها بعنف وبدأ يصرخ فيها بصوتٍ خشن عالي:
-إتلمي بقى، أنا ماسك نفسي من ناحيتك بالعافية، إنتي مخلتنيش أكمل كلامي أصلاً عشان تطولي لسانك السليط ده عليا.
هتفت بدون وعي منها وهي تقول بغضب أستفزه:
-مفيش داعي أسمع باقي كلامك، إنت مش طلعت بس قاتل، لأ ده إنت طلعت بتاع نسوان، وهتشتريني إكمني حلوة شويتين.
ضغط على ذراعها بقسوة أكسر حتى أنه كاد أن يحطمه، فـ صرخت متألمة، هتف "أصهب" بهدوء مخيف:
-لسانك طويل أوي يا تيجان، وأنا مش لازم أشتريكي، أنا ممكن أنفذ رغباتي هنا حالاً ومحدش هيحس بيكي.
صرخت بعصبية:
-إبعد عني.
هتف بنظراته الشيطانية المظلمة:
-مش قبل ما تاخدي عقاب صغير عشان طوله لسانك وتتأكدي إني مش لازم أشتريكي.
بعد أن أنهى جملته الأخيرة، أخفض رأسه قليلاً ولازالت نظراته المظلمة المخيفة في عينيه، أنقض على شفتيها بـ قُبلاته القاسية.. الشرسة.. المؤلمة، أرتجف جسدها بقوة وأنهمرت دموعها بعدما شعرت بعجزها أمام قوته وهي تضربه بقبضتيها، هي تعلم أنها بالغت قليلاً ولكن لم تتوقع أن عقابه سيكون شرسٍ هكذا.
إبتعد عنها "أصهب" فجـأة قبل أن يقول بشراسة وبأنفاس لاهثة:
-أنا مكنتش حابب أتعامل معاكي بالأسلوب ده، بس تأكدي المرة الجاية مش هيحصلك طيب يا تيجان، وإلا مبقاش أصهب الهامي.
******
"لأجلك أحيا"
المشهد السابع:
وقف "أصهب" أمام المرآة يحدق في عكس صورته بنظرات مصدومة.. مظلمة، أغمض عينيه للحظات وهو يعيد ذلك المشهد الذي فعله منذ قليل، هز رأسه بذهول وهو يتمنى أن يمسح ذلك المشهد، كيف يفعل ذلك؟؟..
فتح عينيه يحدق أمامه بنظرات جامدة.. مظلمة، هتف بشرود:
-إزاي أعمل كده؟؟.. يعني أنا بعاقب الستات اللي مرمية تحت دي، أقوم أنا أعمل كده؟؟..
إبتسم بسخرية وهو يتابع:
-أومال مين يعاقبني دلوقتي؟؟..
مرر أصابعه في فروة شعره وهو يتابع بتوتر:
-يخربيت كده، أنا إزاي أعمل كده؟؟.. هتعملي فيا إيه تيجان هو أنا ناقص مصايب!!!!!!..
سحب نفسًا عميقًا وهو يقول بهدوء زائف:
-لازم أخلص منها بأي طريقة، البت دي خطر عليا، بس لو طلعت بريئة فعلاً وقتها هتصرف إزاي؟؟..
تحرك نحو الفراش يجلس عليه متسائلاً في حيرة:
-دي عرفت كل حاجة، عرفت إني عامل سجن هنا!!!.. بس هي متعرفش إني بسجن كل الستات اللي أرتكبت الجريمة دي، وأن الستات اللي فاكرينهم ميتين هما أساسًا هنا وأنا مقتلتهمش زي ما قانون جدي بيقول كده!!.. لأني بإختصار مش حابب أستخدم القانون ده!!!..
هب واقفًا فجأة وهو يقول بضيق:
-أنا ربنا مخلقنيش عشان أقتل أي ست زنت، دي مش هتبقى عيشة أستحملها، أوقات ببقى مرعوب أن اللي قدامي ممكن تكون مظلومة، بس كل مرة بيبقى إحساس جوايا أنها فعلاً عملت كده، لكن إلا تيجان.
زفر بحرارة وهو بتابع:
-الثقة بالنفس اللي كانت عندها وهي بتقول أنها معملتش كده هيخليني أبدأ أدور على حقيقة، لو بريئة هجيب حقها، لو العكس يبقى عقابها هيبقى أشد.
صمت قليلاً قبل أن يتساءل بجدية:
-بس أبدأ أدور على الحقيقة منين؟؟..
أستمع إلى صوت طرقات على باب غرفته، فإلتفت برأسه وهو يأذن بالدخول بصوتٍ أجش، دخل حارس الخاص به وهو يقول بلهجة جادة:
-أصهب باشا، في محاولة جريمة قتل حصلت.
عقد ما بين حاجبيــه بتوجس قائلاً:
-مين؟؟..
رد عليه الأخير بثقة:
-ساهد، اللي جالك من كام يوم عشان موضوع مراته اللي طلعت خاينة، أسمها تقريبًا تيجان.
وقف "أصهب" متسمرًا في مكانه، تقوس فمه بإبتسامة قاسية وهو يرى أن نقطة البداية ستبدأ من حادثة "ساهد" المجهولة.
******
جلست "تيجان" على الأرضية تحدق أمامها بجمود، إبتسامة ألم أرتسمت على وجهها وهي تتذكر تلك اللحظات التي فعلها "أصهب"، لأي حق يعقبها بتلك الطريقة، بأي حق يتحدث معها بتلك الطريقة؟؟.. شعرت بألم كبير يعتريها حتى أنها أغمضت عينيها وهي تحاول أن تتنفس، حركت رأسها بصعوبة وهي تشعر بألم كبير في جانبها، تمددت على الأرضية وهي تحاول أن تكتم تلك الآلام القاسية، همست بخفوت وألم:
-ياربي، أنا تعبانة أوي مش قاااااااادرة ياااارب، هموت.
******
وقف "أصهب" أمام فراش "ساهد" يتأمل ملامحه بدقة، جلس على المقعد البلاستيكي منتظرًا أن يستفيق من غيبوبته، وبالفعل دقائق وكان يفتح عينيه وهو يتأوه بألم، مرر أنظاره على المكان قبل أن تقع عيناه على الملك وهو يجلس أمامه، أتسعت عيناه بذهول وهو يهمس عفويًا:
-الملك؟!..
هتف" أصهب" بهدوء:
-حمدلله على السلامة.
رد عليه بحذر:
-الله يسلمك يا باشا.
صمت قليلاً قبل أن يسأله بدون مقدمات:
-مين اللي حاول يقتلك؟؟..
رد "ساهد" بغضب:
-أخ تيجان إسمه وافي وإبن عمها يسر، هما إللي عملوها.
حرك رأسه بالإيجاب مُتسائلاً بإبتسامة مظلمة:
-إيه اللي يخليهم يعملوا كده؟؟..
-عشان فضحتهم لما فضحت بنتهم، فـ عاوزين ينتقموا.
رفع "أصهب" حاجبيه للأعلى وهو يقول:
-اللي أعرفه أن أهلها بيكرهوها.
هتف "ساهد" بحقدٍ:
-إلا وافي أخوها وإبن عمها، أنا عاوز حقي يا باشا.
أستمع إلى صوت رنين هاتفه، فـ أخرجه بهدوء وهو يسلط أبصاره على اسم المتصل، ضيق عينيه بريبة وهو يرى اسم الحارس الخاص بـ "تيجان"، رد عليه بصوتٍ مخيف قائلاً:
-في إيه؟؟.. بتتصل ليه دلوقتي؟؟..
رد عليه الحارس بخوف وهو ينظر لـ "تيجان" بقلق:
-ألحق يا باشا، اللي اسمها تيجان دي بتتقطع من الوجع، فجأة بقت بتصرخ بوجع ومش قادرة تستحمل، أعمل إيه ولا أتصرف إزاي.
سكت لحظةً قبل أن يقول:
-البت وشها محمر أوي يا باشا، أنا قلقان لتروح فيها، مش متخيل شكلها!!!!!...
أتسعت عيناه بقلق وهو يهمس بخوف:
-تيجان!!!..
"لأجلك أحيا"
المشهد الثامن
و
المشهد التاسع
دقات قلبه تتعالى بشكلٍ غريب، عينيه القاسيتين تحولت إلى عينين خائفتين، لمُجرد سماعه صوت صراخها في الهاتف، فـ بدون أن ينتظر لحظةً واحدة تحرك نحو الخارج بخطى سريعة، لم ينتبه إلى تلك العينين المصدومتين التي ظلت تراقبه حتى خرج، عقد "ساهد" ما بين حاجبيه قائلاً بريبة:
-هو أنا سمعت اسم تيجان؟!!.. ولا أنا بيتهيألي!!!..
حرك رأســه بالسلب وهو يقول في حيرة:
-بس أنا شوفته وهو بيقتلها!!!!.. شوفته بعينيا، وكمان كنت روحت تاني يوم المقابر ولقيت قبرها!!!.. يبقى هي ميتة فعلاً.
سحب نفسًا عميقًا قبل أن يهمس:
-أكيد أنا سمعت غلط، أصل هو إيه إللي يخليه يسبها عايشة، ده قانون وبيتنفذ هنا.
صمت قليلاً قبل أن يقول بغضب:
-بس لازم أخلي الكينج ياخد حقي من وافي وإبن عمها، لازم ناري تبرد، هما مش هيسبوني فحالي، فلازم أنا كمان مسبهمش إلا وهما متدمرين، لازم أعمل كده.
******
وصل "أصهب" أخيرًا إلى مقر السجن، ركض نحو الحارس الخاص بها الذي ما أن رأه حتى هب واقفًا وهو يحيه ثم قال بقلق مشيرًا بيده نحو "تيجان":
-أهيه يا باشا، زي ما بلغتك بظبط، الوجع بيزداد مش بيقل، فـ لازم ننقلها على المستشفى الصغيرة اللي أنت عملتها عشان الطوارئ اللي زي دي.
هدر "أصهب" بنبرة جهورية:
-إفتح الباب.
أومئ الحارس برأسه قبل أن يفتح القضبان الحديدية، ركض "أصهب" نحوها وجثى على ركبته، قبض على يدها برفق قبل أن يتساءل بقلق شديد:
-مالك يا تيجان؟؟.. حاسة بإيه؟؟..
عقدت ما بين حاجبيها بوجعٍ وهي تجيب:
-جنبي، جنبي بيتقطع، أرجوك ألحقني، متعذبنيش بالبطء زي ما قولت لي قبل كده، أنا مش قادرة، آآآآآه.
هتف مؤكدًا:
-ماتقلقيش.
مرر ذراعه على ظهرها وذراعه الآخر أسفل ركبتيها قبل أن يحملها بين ذراعيـه، ركض بها نحو الخارج وهو يقول بقوة:
-خدي نفس عميق وأهدي تمامًا، خمس دقايق وهنكون فالمستشفى، أجمدي شوية يا تيجان.
سقطت رأسها على صدره وهي تصرخ بألم:
-مش قاااااااادرة، هموت يا أصهب المرة دي من الوجع.
لأول مرة يسمع أسمه منها، زادت نبضات قلبه وهو ينظر إليها بمشاعر مضطربة، حاول أن يخفي مشاعره حيث قال:
-أنا كنت سايبك أصلاً زي القردة، مش عارف إيه إللي حصلك بعد ما مشيت.
هتفت "تيجان" بتهكم وهي تعض على شفتها السفلى:
-بسببك، تلاقيك عمال تقول إيه القوة دي، لغاية ما حصلي كده، أكيد أنت السبب، آآآه.
أنهمرت دموعها بألم، فـ أجتاحه ألم غريب في قلبه قبل روحه، هتف بخوفٍ غلب صوته:
-هانت يا تيجان، هااانت خلاص.
******
وصل بها إلى المشفى التي تقع خلف السجن الذي أنشأه منذ عدة سنوات، أنشئ تلك المشفى لحالات الطوارئ التي تحدث في بعض الأوقات في السجن، ظل واقفًا بالخارج وقد وعيناه مثبتة على غرفة العمليات بقلق، يسير ذهابًا وإيابًا بخوفٍ لم يشعر به منذ الصغر، مرر أصابعه على خصلات شعره وهو يقول بغضب مكتوم:
-هما أتأخروا كده ليه؟؟..
ود كثيرًا في تلك اللحظة أن يقتحم الغرفة حتى يطمئن عليها، ذلك القلق الذي ينهش روحه وقلبه في آن واحد يجعله يتمنى أن يكون هو مكانها، شعور غريب ولكن جميل.
أنتبه إلى صوت فتح باب غرفة العمليات وخروج الطبيب منها، تحرك نحوه وهو يقول بلهجة صارمة قوية:
-أخبارها إيه دلوقتي؟؟..
رد عليه بهدوء:
-ماتقلقش يا أصهب باشا، زي ما قولت لحضرتك دي كانت عميلة الزايدة وبقت هي كويسة دلوقتي، هتقعد هنا بس كام يوم وبعدها هترجع أحسن من الأول، إطمن.
حرك رأسه بالموافقة وهو يرى خروج الممرضات من الداخل وهن يجرّون فراشٍ نقال، متمددة هي عليه، تحرك نحوها قابضًا على يدها برفق وهو يقول بقلق:
-تيجان.
همست بلا وعي:
-كفاية، تعبت بقا.
قطب جبينه بقلق وهو يهمس بصدق:
-ماتخفيش.
قال كلمته تلك قبل أن يترك يدها ويتراجع للخلف، ظل واقفًا لعدة لحظات قبل أن يقول بشرود:
-الدنيا علمتني إني أقرأ العيون كويس، وعينيكي بتقول إنك بريئة، عشان كده هساعدك، لغاية ما نوصل لـ الحقيقة.
أغمض عينيه وهو يقول بعمق:
-أتمنى مكونش قريت عيونك غلط، وتطلعي بتكدبي عليا.
فتح عينيه وهو يقول بإبتسامة قاسية:
-أول حاجة أعملها هو إني أدور على وافي أخوها وإبن عمها، عشان نشوف حكاية ضربهم لساهد.
*****
قرر أن يتوجه بالفعل إلى منزل "تيجان"، وبالفعل أخذ يطرق على باب المنزل، حتى فتحت له "سميحة"، دب الخوف في قلبها وهي تتراجع للخلف حينما وجدت الملك أمامها، رمقها بنظرات طويلة قبل أن يسألها بصوتٍ أجش:
-فين وافي؟؟..
أتسعت عيناها بخوف وهي تجيب بتوتر:
-و.. وافي!!!.. هو في إيه يا باشا؟؟..
تسائل بصوتٍ مخيف:
-لما أسأل سؤال أسمع الإجابة مش سؤال، جاوبي يالاااا.
ردت عليه بإرتباك:
-هو كان إمبارح مع إبن عمه يسر، وتقريبًا بات معاه.
هتف "أصهب" مُتسائلاً بصوت صارم:
-فين شقته؟؟..
*****
تحرك "أصهب" إلى شقة "يسر"، ولكن تفاجئ بعدم وجودهما في المنزل، بل في أحد المشفيات، أعطاه أحد جيرانه اسم المشفى ليذهب إليها، وبالفعل وجد "يسر" يجلس على المقعد البلاستيكي بجوار فراش "وافي"، إبتسم بتهكم وهو يدنو منهما قائلاً بسخرية:
-ألف سلامة عليك، إيه مالك؟؟..
رد عليه "يسر" بأسف:
إمبارح بليل لقيته وقع من طوله، فجبته هنا على طول.
تسائل "أصهب" وهو يرفع حاجبيه:
-صعب عليا، طلع عنده إيه بقى؟؟..
رد عليه الأخير بحذر:
-هبوط حاد في الدورة الدموية.
ضيق حاجبيه وهو يقول بتأثر زائف:
-تؤتؤ، مينفعش كده لازم تاخد بالك من صحتك.
هتف "وافي" بغضب دفين:
-يعني عاوزني أعرف أن أختي اتقتلت ظلم وأقعد أفرح!!!..
حدجه بنظرات قاسية وهو يسأله:
-ماإنت خدت حقك لما ضربت ساهد بالسكينة، إنت وإبن عمك.
رد "يسر" بدهشة:
-ضربنا مين؟؟.. يا باشا إحنا هنا فالمستشفى من إمبارح الساعة 7 ونص، وفي شهود على كده!!!..
هتف "وافي" بغضب:
-إنت جاي تتهمنا وخلاص، أنا جرالي كده إمبارح فجأة، هنعمل فيه كده إمتى؟؟..
بالفعل تم الأعتداء على "ساهد" بالضرب وتم طعنه بالنصل في الساعة العاشرة مساءً، صمت طويل ساد بالمكان قبل أن يومئ برأسه مبتسمًا بشراسة قائلاً:
-مهما عملتوا أنا متأكد إنكم اللي ورا الحكاية دي، بس ماتقلقوش، هيفضل سر ما بينا.
رمقهم بنظرات أخيرة قبل أن يقول بجمود:
-سلام.
رحل "أصهب" بعيدًا عنهم، في حين هتف "وافي" بدهشة:
-بقا إحنا نعمل التمثيلية دي كلها ونروح نجيب صحابنا على أساس أنهم شهود، وإنت تكلم صاحب المستشفى اللي هو صاحبك وتفضل تتحايل عليه بإننا ندخل هنا ويقول لأصهب باشا لو سأله إحنا هنا من إمتى، عشان فالآخر يقولنا ده سر ما بينا!!!!..
هتف "يسر" بقلق:
-أنا مش مطمن، ياترى هو عمل كده ليه؟؟.. خير لينا ولا شر؟؟..
******
ظل التفكير خليله، يخشى كثيرًا أن تكون على قيد الحياة، تلك الفكرة تجعله في حالة كبيرة من التوتر، تقلبت عيناه فيما حولها بإرتباك حتى قال بحسم:
-لازم أتأكد أنها مش عايشة، وأنه قتلها فعلاً.
صمت قليلاً قبل أن يقول بثقة:
-أنا متأكد إني سمعت أسمها، وعشان أتأكد لازم أراقب الكينج، بأي شكل لازم أعمل كده.
******
فتحت "تيجان" عينيها بتثاقل وهي تئن من شدة الألم، حركت رأسها بصعوبة وهي تشعر بأنها متواجدة في مكان غريب، هاجمها ضوء المكان ما إن فتحت عيناها، ولكن قبل أن تغلقهما وجدت كف يد أمام عينيها حتى لا يهاجمها ذلك الضوء، ضيقت عيناها بصدمـة ما أن وجدت "أصهب" يقف بجانبها يحدجها بنظرات هادئة على غير العادة، تأهوت قبل أن تهمس بتعب:
-شكرًا.
صمت طويل ساد بالمكان قبل أن يقول بتوتر مضطرب:
-وأنا آسف.
أتسعت عيناها بصدمـة قبل أن يتابع بإضطراب أشد:
-مهما كان مكنش ينفع أعمل اللي عملته فالسجن معاكي.
ابتسمت بتهكم مرير قبل أن تهمس بوهن:
-غيرك خد جسمي كله، ضحك عليا على إننا أتجوزنا، وطلع إنتقام وبس، أنا أتعودت على ظلمكم.
أشاح وجهه عنها يفكر بعمق قبل أن يقول فجأة:
-تيجان.
نظرت له بضيق قبل أن يقول بصيغة آمرة:
-أول ما تبقي كويسة هاخدك لغاية عند ساهد، عشان يعرف إنك عايشة، وهناك هتفضلي تقلبي معاه فالكلام لغاية ما يعترف بإللي عمله.
هتفت بكلمةٍ واحدة:
-هيقتلني.
رد عليها بقوة:
-ميقدرش، إنتي دلوقتي تخصيني، فـ عيني دايمًا هتبقى عليكي يا تيجان.
أضاف بقسوة:
-هيتدفع تمن غالي أوي لو طلع اللي عمله ده مجرد إنتقام.
"لأجلك أحيا"
المشهد العاشر
و
الحادي عشر:
تلك الليلة لم يزوره النوم، بل ظل جالسًا على المقعد بجوار فراشها، يحدق بملامحها المُستكينة الواهنة، أفكار كثيرة تراوده، إذا تم كشف الحقيقة، سيواجه الكثير من الصعوبات أهمها جده ووالدته.
سيعلم جده أنه لم يقتلها، فـ بالتالي لم يُقتل أي أمرأة أرتكبت تلك الجريمة، ستتحول الأمور إلى عواقب وخيمة، ولكن يجب عليه أن يواجه الجميع بالحقيقة، فإن كان قتلها وهي الضحية، وأكتشف ذلك لاحقًا، ماذا كان سيفعل؟!..
نهض عن مقعده متوجهًا نحو ركنٍ بعيد، ألتفت برأسه ينظر إليها وهو يقول بشرود:
-لأول مرة أبقى حاسس أني قدام بني آدمة صادقة.
سحب نفسًا عميقًا وهو يتابع:
-إنتي فاكرة إنك أول ما تكشفي الحقيقة يبقى كل حاجة أتحلت، هو فعلاً هيبقى أتحل ليكي، لكن المصايب مش هترحمني ولو يوم واحد.
إبتسم بتهكم وهو يُضيف:
-ده مش بعيد جدي يقتلني فيها، ما هو ده القانون.
أطرق رأسه قبل أن يقول بسخرية:
-ست سنين وأنا مفهمه إني بنفذ القانون، لازم يعمل فيا كده.
صمت قليلاً قبل أن يقول بحسم:
-بس لازم أأمنلك حياة كويسة وفيها أمان بعيد عن أمك وأخوكي ثاقب، أنا هكلم وافي وإبن عمه، وهتفق معاهم على كل حاجة، لأني أتأكدت أن دول إللي بيحبوكي بجد.
أظلمت عيناه لظلامٍ دامس وهو يتمتم بقسوة:
-وساهد هدفعه التمن غالي أوي.
******
في صباح اليوم التالي، خرج "الهامي" من غرفته بخطى هادئة هابطًا إلى الأسفل، حدج الجميع بنظراتٍ قاسية، ضيق عينيه بريبة وهو يلقي نظرة على ساعة يده، قبل أن يهدر بصوته الصارم:
-راجي، راااااااجي.
أتى بخطوات راكضة وهو يتمتم بقلق:
-إيه؟؟.. في إيه يا بابا؟؟..
تسائل بصوتٍ حاد:
-فين أصهب؟؟.. المفروض يكون معانا دلوقتي، هو مرجعش البيت من إمبارح ولا إيه؟؟..
رد عليه بهدوءٍ:
-جايز يكون عنده حاجة ضرورية، و..
قاطعـه بصرامة مخيفة:
-مينفعش الكلام ده، إبنك لازم يكون هنا في ميعاده، وبعدين هو بيختفي بيروح فين؟؟..
صمت "راجي" بتوتر، فتابع "الهامي" وهو يشير بإصبعيه:
-إسمع يا راجي، لما إبنك يجي تقوله يجيلي، عشان أفهم سيادته بيروح فين؟؟.. لأن الموضوع زاد عن حده.
طأطأ "راجي" رأسه وهو يقول بهدوءٍ زائف:
-حاضر، أول ما يوصل هبعته عندك على طول.
رمقه بنظرة أخيرة ضاجرة قبل أن يرحل من أمامه، تابعه الأخير بنظراته الغامضة مُبتسمًا بتهكم، زفر بضيق وهو يرى قدوم "شهيناز" وعلى وجهها إبتسامة مثيرة للأستفزاز، وقفت أمامه عاقدة ساعديها أمام صدرها وهي تسأله بسخرية:
-إيه مالك؟؟.. مش طايق نفسك كده؟؟..
هتف بضيق كبير:
-عايزة إيه يا شهيناز؟؟..
تنهدت وهي تقول بهدوءٍ:
-كنت عاوزة أقولك، إيه رأيك فـ جايدا؟؟..
عقد ما بين حاجبيه وهو يُجيب:
-مين دي أصلاً؟؟.. وبعدين رأيي فيها إيه؟؟..
دت عليه بحنق:
-دي بنت عُلا صاحبتي، إيه رأيك لو جوزناها لإبننا أصهب؟؟.. قيمة ومركز وجمال وكل حاجة.
أمتعضت ملامحه بشدة وهو يقول:
-لأ طبعًا، دي بنت صايعة، وأنا مش موافق، ولا أصهب هيوافق عليها أبدًا، قال جايدا قال.
قالت "شهيناز" بغضبٍ:
-ومالها بقى؟؟.. وبعدين أصهب يقول لأ إيه، طيب يه رأيك أنه هيوافق يتجوزها أول ما أعرض عليه الموضوع.
أتسعت إبتسامته الساخرة وهو يتمتم:
-أبقي قبليني.
غادر من أمامها وهو يغمغم بكلماتٍ غير مفهومة، تابعته بغيظٍ شديد وهي تحرك رأسها بالسلب، جلست على أقرب أريكة وهي تقول بحزم:
-لأ، أنا هجوزهاله، ويبقى يوريني هيقولي لأ إزاي.
******
تأهوت فجأةً بتعب وهي تحاول أن تعتدل في جلستها، وجدته ينهض من مقعده وهو يدنو منها قائلاً بنبرة قوية:
-براحة، حاولي متتحركيش كتير، عشان التعب ميزدش، وإنتي شكلك مش ناقص.
أومأت برأسها إيجابيًا قبل أن تهمس:
-شكرًا.
جلس على طرف الفراش وهو يقول بثقة:
-ماتقلقيش، كله هيبقى تمام، أول ما حقيقته، هجيبلك حقك، وهأمنلك حياة كويسة بعيد عن أهلك.
هتفت بتلهفٍ:
-عاوزة أرجع لأخويا وافي، وإبن عمي يسر، هما الأتنين بيحبوني جدًا.
أكفهرت ملامحه وهو يقول بضيق:
-يسر.
حركت رأسها بتأكيد قائلة:
-أيوة، أنا نفسي أطمنهم عليا، أنا عارفة أنهم مش هيسكتوا لساهد وآآ.
قاطعها بنبرة جادة:
-هما فعلاً مسكتوش.
أتسعت عيناها بخوفٍ وهي تسأله:
-قصدك إيه؟؟.. قتلوه؟؟..
زفر بحرارة قبل أن يجيب بهدوء:
-لأ، هما بس ضربوه، وأخوكي ضربه بالسكينة، وطبعًا ساهد أعترف عليهم، بس هقوله مقدرش أعمل حاجة غير بالدليل.
تنهدت بإرتياح قبل أن تسأله بحيرة:
-إنت إيه إللي غيرك فجأة كده؟؟.. وخلاك عاوز تساعدني؟؟..
رد عليها بصوتٍ عميق:
-أول مرة من زمان أشوف قدامي بني آدمة صادقة، أنا مش بتعامل مع ستات، يوم ما بتعامل معاهم، ببقى رايح أسجن واحدة فيهم عشان الجريمة إللي عملتها، لكن إنتي لما كنت رايح أسجنك، صدقك كان سر قوتك.
بدا عليه الشرود وهو يتابع:
-أوعي تفتكري أنا معقد من النساء أو الكلام الفارغ ده، بس القانون إللي ماشي من أيام جدي وهو قتل كل زانية، كنت مجبر أعمل إللي بعمله ده، لقيت ليه أقتل!!.. ليه أنام بعد ما غسلت إيدي من الدم، عشان كده بسجنهم أرحم، وعقابهم 100 جلدة، وأنا مش ببقى فرحان إني بعمل ده.
إبتسامة قاسية أرتسمت على وجهه وهو يقول:
-أنا بقيت بنفذ العقاب ده، بعد موت صاحبي، بعد ما أكتشف خيانة مراته، ولما حصلت مواجهة ما بينهم، ساب البيت وبعدها مات فحادثة عربية، دي كانت المفروض تتقتل، وأنا رحمتها بالسجن.
تسائلت بحذر:
-طيب مش في منهم إللي بيتوب؟؟..
حرك رأسه وهو يقول بجدية:
-بيبان عليهم، وفالحالة دي باخدها وأخرجها من هنا ومن القرية كلها، بديها مبلغ تبدأ بيه حياتها، بس لازم تكون قضت كذا سنة فالسجن.
تسائلت بإهتمام:
-وأنا وضعي هيكون إيه؟؟..
رد عليها بجمود:
-هاخدك عند ساهد، والناس كلها هتعرف إنك عايشة بعدها، هردلك كرامتك وأجيب حقك منه.
أعتدلت في جلستها وهي تسأله بقلق:
-طب وإنت؟؟..
أشار بيده قائلاً بصرامة:
-ملكيش دعوة بيا أنا، المهم دلوقتي تجاوبي على سؤالي.
سكتت لحظةً قبل أن تسأله بريبة:
-سؤال إيه؟؟..
صمت طويل ساد بالمكان قبل أن يتسائل بصوتٍ صارم:
-قتلتي أخو ساهد ليه؟؟.. جـاسم.
******
يتبع
تعليقات
إرسال تعليق