القائمة الرئيسية

الصفحات

بيت القاسم الفصل الثامن والتاسع والعاشر بقلم ريهام محمود كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات


بيت القاسم 

الفصل الثامن والتاسع والعاشر 

بقلم ريهام محمود

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

.. هل جربت شعور الألم.. أن تقترب من النار من أجل التدفئه فتحرق أصابعك..! بداخلك رغبة في البكاء ولكن جفت دموع عينيك.. تنتظر حكم بالموت على طيبتك وسذاجتك.. تبتهل بكل جوارحك ألا تأتي تلك اللحظة التي سيتحطم فيها قلبك إلى شظايا.. تلك اللحظة التي ستفقد فيها عشقك للأبد.. وهي وللأسف تقف عند تلك اللحظة التي لطالما أخرتها ..ولكن لامفر..! 

كانت تقف بمفردها أسفل البناية الموجود بها مكتبه .. ترتجف أطرافها كأرتجاف خافقها.. بعد أن جائتها تلك الرسالة وهي لم تتردد كثيراً.. فقد اكتفت..جمعت خصلاتها البنية  في كعكة تعلو رأسها،  ارتدت ملابسها على عجالة.. سروال من الجينز الأسود يعلوه كنزه كشمير ولا تعلم هل هما متناسقان أم لا ولا يهمها بالأساس.. كل ماكان يهمها أن تصل على الموعد المحدد كيفما كانت.. وها هي الساعة التاسعة الميعاد المذكور بالرسالة.. تجر الخطى إلى مدخل البناية.. خطوات متعثرة مرتعبة.. كانت تسير بخوف وارتجاف وكأنها تغوص بين رمال متحركة.. تجاهلت المصعد أمامها وأختارت السلالم.. خطوة للأعلى وأثنان تتراجع.. وصوت نبضاتها يكاد يصم أذنها.. تتمسك بالسور الرخامي للسلم تخشى الوقوع ، وبعد معاناة ها هي تقف أمام باب مكتبه.. والمكان خالي من الموظفين به..

وقفت مبهوتة أمام بابه.. تعلم أنها إذا فتحت ذلك الباب ستري ما لا يسرها.. 

تعلم أنها النهاية هكذا يخبرها قلبها.. تمنت لو تركض، أن تبتعد.. أن تستفيق من هذا الكابوس..!! 

وأقتربت رغم رفضها.. وأصابعها على مقبض الباب، ثانية .. ثانيتان وفتحت الباب ..

بأسوأ خيالاتها لم تتوقع أن ترى زياد هكذا.. ورغم صدمتها وسواد الرؤية إلا أنها رأت زوجها أمامها يجلس على كرسيه أمام مكتبه بقميصه الأبيض المفتوح أزراره كلها تقريباً عدا الزر الأخير على وجنته وقرب ثغره أحمر شفاه رخيص كالتي تجلس أمامه على المكتب تضع ساق على الأخرى ترتدي فستان أحمر فاقع ضيق  ، تميل بجذعها عليه بشكلٍ وقح .. 

وصفعة الباب بالجدار جعلته ينتفض والساقطة لم تتحرك فهي لم تتفاجأ.. 

جحظت عيناه من الصدمة. وهز رأسه رافضاً لما رأته هي وقبل أن يستوعب ركضت هي .. دفع ذات الخصلات المصبوغة بالاصفر عنه ، وهي تجاهلت دفعه لها وتشبثت بياقة قميصه بأناملها الطويله المطلية بالأحمر  قالت بدلال محاولة استمالته.. 


-سيبك منها.. هو أنا مش عجباك ولا ايه؟! 


وتلك المرة صفعة على وجهها المزين بحرفية.. ودفعة أقوى من سابقتها سقطت أرضاً من قوتها.. وبسبابته حذرها من بين أسنانه.. 


-لو شوفت وشك هنا تاني هساويكي بالأسفلت.. 


وهرول مسرعاً للخارج وهو يغلق أزرر قميصه ، يبحث بعينيه عنها هنا وهناك لا يرى لها أثر وكأنه كان يتخيلها ولكن عطرها الخفيف الذي يحاوطه دليل ع وجودها.. ضغط على المصعد بعنف ودقات قلبه تضرب أضلعه بشدة ، يشد على خصلاته بخوف وتوتر.. لحظات وكان بالمصعد ضغط على الدور الأول ، وما أن وصل حتى خرج منه مهرولاً  ، ليراها وهي تستقل سيارة أجرة متجاهلة ندائه لها..!!! 


....... ***


بإحدى دور العرض الموجودة بمول دائم التردد عليه.. كان عاصم يجلس بجوار أمنية يشاهد بملل شديد فيلم يُعاد للمرة الألف تقريباً.. فيلم رومانسي سخيف لا يحب رؤية تلك النوعية من الأفلام .. فهو عندما اتفقا على أنهما سيشاهدا فيلماً معاً كان بمخيلته أنه سيحضر فيلم "The Fast and the Furious" الجزء التاسع فهو يموت شوقاً لرؤيته ولكن المدلله الوردية أبت وبغنج لايليق بسواها تحدثت..


-أنا مبحبش الأكشن.. هختارلك فيلم ع زوقي هيعجبك..


والماجن غمزته دائماً حاضرة. وابتسامته الواسعة  وازت حديثه..


-أكيد هيعجبني طالما من ذوقك انتي..


واختيارها كان فيلم مصنف للبنات.. وللبنات فقط، "me befor you".. يكره الدراما والرومانسية وجو "الدلع" كما يقول زياد دائماً .. فهو رجل له جولات وصولات مع النساء.. لم يمر عليه كمثلها رقيقة، بريئة، كلامها يجذبه. يكون في حضورها مشدوه.. حالة لم تمر عليه من قبل.. حتى في أول أيام شبابه مع حبيبته الأولى ، وأن يكن فيلم رومانسي.. لا بأس.. ف الحُلوة  تأمر وتدلل وهو ينفذ.. ووقت قطفها لن يرحمها أكيد..

بحركات يديها التي بات يعشقها ويعتادها كانت تحكي وتسرد عليه أحداث الفيلم رغم أنهما يشاهداه معاً.. ورغم أنه تابعه قبلاً ولم يلاقي استحسانه ولكن منها غيــــــــر.. يتأمل تأثرها وانبساط ملامحها وقت مشاهد البطل المريحة وانقباض قسماتها وقت الدراما.. وتوترها واحمرار خديها في المشاهد الرومانسية والذي استغل هو أحدهما وأمسك بكفها  بنعومة.. وخجلت هي وألوان الطيف جميعها تبدلت على وجهها.. وابتسمت برقتها وأحنت نظراتها، ومازالت كفها بكفه وبداية التجاوز م

لمس الأيادى..!!


............ ***

.. وأمام بيت القاسم الكبير والذي شهد قصة حبها له ومراهقة عاشقة لرجل لا يكتفي بأنثى واحدة ، ها هي تعود إليه أمرأه باكية جرحت بسيف الخيانة. . كانت تترجل من سيارة الأجرة والدموع تتسابق على وجنتيها يستقبلها قاسم  بعد أن أتصلت به منهارة ترجوه أن يكون بانتظارها لأنها بحاجته..  وما أن استدارت بجسدها حتى تلقفها قاسم بحضنه يربت على ظهرها بحنو يخصها هي به.. فهي شقيقته الصغرى البلهاء كما كان يسميها.. لم يسأله ولن يسألها هي بحالتها تلك ليست بحاجه للسؤال وإنما للعناق.. وهو اكتفي بالعناق وهي أيضاً.. تبكي بنحيب يكتمه صدره الصلب .. لم يدم عناقهما سوى دقيقتان بالتمام ، وصوت صرير سيارة زياد المسرعة وهي تحتك بالأسفلت تقف امامهما مرة واحدة فرقهما ولكن لاتزال في محيطه..

ركضْ زياد نحوها وملامحه المرعوبة ورفضها له جعله لم يحتاج للمزيد ليعرف بأن زياد هو السبب بحالها..

ودون سابق إنذار كانت لكمته الغاضبة لوجه زياد تتحداه أن يقترب من شقيقته..

والأخير رغم ترنحه لم يتنازل وكأنه لم يتألم من لكمته الفولاذية .. حاول الاقتراب منها مرة أخرى وهي تبتعد عنه وعن نظراته تتحامي بظهر قاسم..

توسلها بذعر جديد عليه..


-نيرة خليني أشرحلك.. والله  انتي فاهمه غلط..


وزاد بكائها  .. وبنحيب استنجدت بقاسم تدفن وجهها بقميصه ..


-ابعده عني ياقاسم والنبي.. مش عايزه أشوفه تاني.. 


وكأن قاسم كان ينتظر رجائها أزاحها برفق عن طريقه.. وأمسك بتلابيب زياد يسدد اللكمات على وجهه واحدة تلو الأخرى.. وزياد لا يقاوم وكأنه كان راضياً بتلقي العقاب.. تعالت صرخات نيرة وصوت الضرب جعل من بالمنزل ينزلو مهرولين مذعورين.. الجد والأم وكمال وزوجته .. 

وكانت الكلمة الأولى للجد والذي صُدم مما رأي.. 


-قاسم ابعد عنه.. اييه اللي انت بتعمله ده.. 


وخلال حديث الجد اقترب كمال منهما وفصل بينهما ليتلقي لكمة طائشة من قاسم كانت من المفترض موجهة لزياد.. 


والأم تولول وتضرب صدرها من منظر ابنتها وانتفاخ وجهها الباكي.. وعلى مايبدو أن الحدث جلل..  صاحت بقاسم.. 


-ف ايه ياقاسم.. فهمني يابني بتضربه ليه.. 

وقاسم لم يرد.. هو لا يعرف السبب ولكن بالتأكيد سبب عظيم كي يجعل البلهاء تستنجد به.. 


سأل كمال زياد بحدة .. 


-ممكن تفهمنا انت في ايه؟! وقاسم بيضربك ليه.. 


والبجح أجاب رغم الألم الذي، يشعر به.. 


-مشكلة بيني وبين مراتي.. مش عارف هو بيدخل ليه.. 


صرخت نيرة به من بين بكاؤها.. 


-لأ مش مشكلة والسلام.. الأستاذ بيخوني.. وهيطلقني حالاَ.. 


تبادلو الشهقات  .. سبة بذيئه أطلقها قاسم بغضب في وجه زياد المشوه بكدماته.. 

وتحدثت الأم وليتها ماتحدثت.. 


-طلاق ايه يابنتي الله أكبر.. كل مشكلة وليها حل.. 


ونهرها قاسم هادراً.. 


-ماما اطلعي انتي لو سمحتي وخدي نيرة معاكي.. 


وكاد زياد أن يعترض ويرفض.. ليهديه قاسم لكمة أخرى برأسه الصلب بأنفه.. 

صرخ بهما كمال محاولاً أبعادهما.. ثم دفع زياد بكلتا يديه بقوة بعيداً ارتد هو على أثرها.، وقال بتحذير.. 


-امشي يازياد دلوقتي.. وبعدين نبقى نشوف اللي انت هببته.. 


حاول الكلام ولكن مقاطعة كمال له كانت صارمة وتحت أنظار الجد المصدومة.. عاد بأدراجه وأخذ سيارته وتركهم مرغماً .. 


........... **


واللكمة التي نالها كمال بالخطأ تلونت وأصبحت بنفسجية..ممدد على الأريكة المريحة بجوار غرفته يتحسس عينه.. 

ريثما أتت ريم بكيس ثلج واقتربت من موضع نومه ، مالت بجزعها عليه، ووضعت الثلج على عينه الملكومة تكتم ضحكة تود إخراجها ولكن الموقف غير ملائم.. 


-متكتمهاش.. اضحكي اضحكي.. 


قالها بغيظ منها.. وأكثر من ذلك لم تستطع ف انفجرت ضاحكة وقالت.. 


-شكلك فظيع ياكمال.. يخربيت كدة بجد 


وعلى الرغم من أنها تتنمر عليه إلا أن قربها وضحكتها التي تصدح بدلال محروم هو منه جعلته سعيداً.. وأهة متوجعة صدرت عنه لتقترب أكثر وتميل.. 


-سلامتك.. في ايه بجد؟! هي للدرجادي وجعاك..!! 


ونبرتها كانت قلقة صدقاً.. وملامحها تتسائل وتنتظر اجابه منه.. 

وهو ينعم بأطراف خصلاتها الناعمة على جبينه ورائحتها التي تسكره تزيد من رغبته بها ، واقتراب وجهها منه هكذا سيجعله يقبلها وليحدث مايحدث.. واحقاقاً للحق هو" عداه العيب "وصبر أكثر من اللازم ..

كان قوب قوسين أو أدنى من تقبيلها بالفعل.. ولكنه همس بنبرة متهدجة.. 


-مش عيني اللي وجعاني.. 

وأمسك بكفها حتى كادا أن يلتصقا.. وتبادل الأنفاس بينهما مابين ثائرة وخائفة.. 

ونعومتها يستشعرها بصلابة جسده.. نظرتها مرتبكة ونظرته مليئة بالرغبة.. وانتفضت وقاومت سحر اللحظة التي ولأول مرة تمر بها 

نزعت كفها من بين يده واستقامت بوقفتها.. قالت مرتبكة وهي ترجع خصلاتها خلف أذنيها .. 


-أنا هروح أنام تصبح على خير..! 

وبخطي سريعة مضطربة تركته.. وبغضب وحنق كاد أن يلحق بها.. ولكن وكالعادة الصبر مفتاح الفرج.. وهو سيصبر والأمر لله.... 


..... **

.. لطالما اقتنعت بالحكمة التي تقول "البتر أفضل من النحت".. أن تترك أمراً معلقاً وكأنه سَيُحل من تلقاء نفسه فتلك وقاحة بحد ذاتها..!! 

.... يهيم على وجهه منذ لقاؤه بجده عصر اليوم ، وهو ليس هو.. غاضب، حانق.. مستاء وحائر.. غاضب من نورهان "زوجته" والتي أخبرت جده برغبته بالزواج من أخرى وأنها قررت الإنفصال، أخبرت الجد وليس هو.. أليس هو صاحب الشأن؟! 

.. وحديث الجد معه والذي خاب أمله كثيراً بحفيده الطيب  ، وكأن ليس بينهما أتفاق بأنه زواج مؤقت من  أجل الستر وهو مشكور وافق وأرتضى!! 

جيد.. بل جيد جداً أنها ستبتعد.. هكذا قالها لنفسه مقتنعاً بما آلت إليه الأمور.. 

الساعة الثانية بعد منتصف الليل.. يقف أمام باب شقته يستند بجبهته عليه .. منهك، خائر القوى.. 

فتح الباب بمفتاحه.. ودلف بخطى بطيئه خشية الازعاج.. 

ولكنه تفاجأ بها وبأبنته ملك مازالا مستيقظتان.. ألقى بمفتاحه على الطاولة الموضوعة بجوار باب الشقة.. واقترب منهم ورغم الغضب الا انه تسائل باستغراب.. 


-ملك سهرانة ليه..؟ 


والصغيرة ما أن رأت أبيها حتى ركضت نحوه بخطاها المتعثرة وبنطقها الطفولي المبتدأ بحروف ضائع نصفها قالت "بابي جه" فحملها وقبلتان على وجنتيها ودغدغة ببطنها تعالت ضحكاتها ،

بهدوء أردفت نورهان ونظراتها للصغيرة وفقط ..


-تقريباً مستنياك.. كل ما اجي انيمها تعيط وتجري مني..


جلس على الأريكة متعباً ومازالت ملك على ذراعه..

ونورهان تلاحظ تغيره ، تعبه ، ضيقه البادي على الرغم من أنه صامت..

قطعت الصمت السائد عدا من همهمات ملك وقبلات أكرم لها..


-أحضرلك العشا..


ورده كان نظرة.. نظرة طويلة.. وكأنها تحمل بين طياتها عتاب.. عجيب أكرم هذا.. أمن حقه العتاب!! قال بنبرة خلطتها أنفاسه الحانقة. .


-مليش نفس..

ثم استطرد بحديثه..

     -  كلامك مع جدي كان ايه؟!


جلست أمامه.. تفرك أصابعها بعضهم البعض بتوتر.. ازدردت ريقها وهي تهمس..


-مش هو قالك!!


-عايز أسمع منك انتي..


أجلت صوتها.. والموضوع صعب.. والكلام كان بسيط وسهل مع الجد أما مع أكرم فتشعر بأنها مذنبة وليست ضحية..


-قولتله أن أحنا هننفصل .. وانك هتتجوز.. وا...


وقاطعها بحدة بعد أن انتبه ان الصغيرة نامت على كتفه ووضعها بهدوء منافي للوضع .. ثم التفت لها بوجهه الغاضب هادراً..


-وتقولي لجدي ليه.. الكلام ده المفروض يبقى ليا انا مش لجدي.. هو انتي متجوزاني أنا ولا متجوزه جدي..


وتراجعت بجلستها.. وخافت من ثورته.. قالت بنبرة شابها الخوف والتوتر..


- أبداً والله.. الكلام جاب بعضه.. ولما سألني ع قراري قولتله..


ضحك.. ضحكة مستهزئة ساخرة.. ومن بين ضحكته الغاضبة سأل بانفعال.. 


-قرارك..!! قرار ايه يانور اللي انتي بتاخديه لامؤاخذه..؟ 

انتي ناسية أن مش من حقك تاخدي قرار أصلاً 


وبأنفعال أقوى وأشد من أنفعاله صاحت به للمرة الأولى.. 


-ليه مش من حقي.. وقبل ماتفتح الموضوع اياه وتجرح بكلامك 

احب اقولك ان ده شيء ميعبنيش.. انا مكنش ليا ذنب وانت عارف كده كويس.. 


ورفعة حاجبيه واتساع حدقتيه كان دليلاً على ذهوله .. ترفع صوتها عليه!! قال  مبهوتاً غير مصدقاً.. 


-بقالك صوت يانورهان.. بقيتي بتعرفي تتكلمي وتردي! 


والبركان الخامد بداخلها آن له أن يثور وينفجر.. والنبرة الصادرة منها كانت لامرأه تعاني تثبت حقها كإنسان قبل أن تكون أنثى مظلومة.. هدرت بمرارة.. 


-حقي يا أكرم.. انا استحملت منك كتير.. عصبية وذل وقلة قيمة 

قولت يمكن مع الوقت تحبني واستنيت وصبرت وجت ملك.. رغم انك منبه أن ميحصلش حمل بس كانت إرادة ربنا أقوى من كلامك ومع ذلك محبتنيش.. عملت كل حاجه حلوة عشانك.. ومستنتش منك مقابل 

وانت اي حاجه بتعملهالي.. بتذلني اودامها سنة.. 

وجاي تقولي أن مليش حق يكون ليا قرار!! لأ انا ليا حق وحق ونص كمان.. 


وسكتت وأشاحت بوجهها عنه تحاول التقاط أنفاسها الثائرة.. وهو..

  هو..؟! 

هو لايعلم من هو؟! هو لا يعلم مابه؟! 

هو لايعلم لما أنقبض قلبه من كلامها..؟ من المفترض أن يكون مرتاح على الأقل سينفصلا وسيتخلص من عبئها هي وأسرتها.. 

هو لا يعلم لما يشعر بأن صدره يضيق عليه..!! 

تكلم بهدوء سيد الموقف.. وأكرم لن يقبل بأقل من أن يكون سيد الموقف والقرار بيده.. 


تمام.. أنا هعتبر نفسي مسمعتش حاجة.. هسيبك تفكري مع نفسك لبكرة..  وبالليل تقوليلي قرارك النهائي ايه! وعشان تعرفي ان انا كريم معاكي هسيبلك البيت كله انهاردة عشان تراجعي نفسك وتعقلي.. 


كادت أن تتكلم.. قاطعها بإشارة من كفه منهياً.. 


متتكلميش دلوقتي.. اودامك لبكرة.. ..... سلام.. 


ألقاها عليها وغادر .. وتركها.. ولا يعلم بأنها قررت وانتهى الأمر..!! 


............... ***


"بالمدرسة الثانوية للبنات"


كانت حنين تقف قبالة يارا بحوش المدرسة الواسع.. فهما بنفس الصف ونفس المدرسة أيضاً.. كان بينهما حوار يدور .. يقارب علي العشر دقائق واخر الحوار كان نبرة يارا القوية ونظراتها المتحدية .. 


-تمام أوي.. أنا هقول لقاسم انك كنتي واقفة مع واحد إمبارح ورا المدرسة..!!


ورغم ارتجاف أنفاسها وخافقها الا انها عاندت.. استقامت وهددت بسبابتها.. 


-لو قولتي لقاسم.. انا هقول لزياد أنك بتخرجي قبل الوقت مايخلص من المدرسة.. ده غير الدروس اللي معتيش بتحضريها.. 


عقدت يارا حاجبيها.. وتوترت ولكنها لم تظهر توترها.. قالت بلا مبالاة.. 


- وماله قوليله.. هيسألني هقوله كنت تعبانه وهو هيصدق والليلة هتعدي.. 

إنما انتي.. متخيلة لما قاسم يعرف هيعمل إيه 


بلعت حنين ريقها بصعوبة.. والعرق انتشر على جبينها. لتكمل يارا كلامها.. 


-هيقلب الدنيا. مش بعيد يخليكي متخرجيش تاني.. انا مش هقوله. بس مش عشانك لأ.. عشانه هو.. أنا مش عايزة أجرحه وأصدمه فيكي 

واخر مرة هنبه عليكي واحذرك لو شوفتك بتعملي أي حاجة هتزعل قاسم أنا اللي هقفلك.. 


.. قاسم عند يارا خط أحمر.. تحبه كأخيها.. بل أكثر.. تكره حبه لحنين ترى أنه يستحق أفضل من تلك المغرورة.. 

ألقت عليها نظرة ممتعضة قبل أن تفارقها لتشيعها الأخرى بضيق وغضب.. 


.............. ***


كانت كالثلج وهو كالنار وبالتقائهما سينطفيء إحداهما وبالتأكيد الانطفاء سيكون للأكثر عشقاً.. وحيث يكون العشق يبدأ التنازل، والتنازل بداية لسلسلة من التنازلات المتتالية.. بدأت بأنها كانت تعلم بخيانته ولكنها تنازلت من أجل ألا يفترقا ، مروراً بتأخره.. تجاهله.. حتى مشاعره كانت تهديه الكثير فيَمْنُّ عليها هو بالفُتات.. من قال أن الأنثى كائن ضعيف؟! ، فيكفي تحملها لأمور لا يستوعبها أي رجل ، أخبروني عن رجل رأي خيانة امرأته وركض ولم يقتلها .!!  يكفي عليها ما تحملته من أجل البقاء معه.. ولكنها أستكفت ، والانفصال بات الحل الوحيد....  وبمنطق قاسم "وجع ساعة ولا كل ساعة"..

.... بالكاد تحركت من فراشها بعد أن غفت لأكثر من نصف يوم.. ودت لو أن تغفو الدهر كله ولكن ليس كل ماتوده ستناله.. استقامت بطولها لتجد أنها نامت بملابسها .. بخطوات بطيئة منهكة كمن تجر خيبتها خرجت من غرفتها لتجد والدتها وكمال وقاسم جالسين سوياً بصالة المنزل وكأنهم بانتظارها.. أو بالفعل كانو ينتظرونها.. تنهيدة مكتومة حبستها بداخل صدرها.. والحزن محتل قسماتها.. وبهدوء اقتربت من جلستهم وجاورت شقيقها قاسم.. ودون أي مقدمات قالت لكمال الجالس أمامها بصوت متهدج .. 


-أنا عايزة أطلق من فضلك ياكمال خلصني من الموضوع ده كله..


وشهقة مسموعة كانت جواب لم يعجبها.. هتفت  امها تحاول اقناعها.. 


-يابنتي الطلاق مش سهل زي مانتي فاهمة.. 


صاح قاسم بوالدته واحتدت نبرته.. 


-ولا الخيانة سهلة عشان هي تستحملها ياماما.. 


وهو رجل الخيانه ليست من شيمه..  الرمادية خارج قاموسه ولا يعترف بها  .. أحبك وأكرهك ليس لهما ثالث.. قراره منبعه عقل يابس لا يقبل التفاهم ولا يحبذ التنازل على الرغم من أن قلبه يتنازل من أجل حبيبة قررت المضي والاستغناء.. 


تجاهل كمال كلاً من أمه وشقيقه الأصغر.. وبحكمة تخصه هو وحده تكلم.. 


-أنا عايزك تهدي وتفكري وتراجعي نفسك مرة واتنين وعشرة.. والقرار اللي انتي هتاخديه انا هدعمك فيه.. 


ويبدو أن الصغيرة أتخذت قرارها ، ملامح وجهها كانت جامدة كالرخام ، ونبرتها كانت حاسمة تشدد على حروفها جيداً.. 


-أنا خدت قراري خلاص ياكمال.. مش هقدر أعيش معاه بعد اللي شوفته.. 


والتتمة كانت لقاسم والذي قام من مكانه وشد من طوله.. ليقول منهياً حوار لا داعي لمناقشته بالأساس على الأقل من وجهة نظره.. 


-خلاص هي قالت اللي عيزاه.. واللي عيزاه انا اللي هعملهولها.. 

والواد ده هيطلقها والجزمة فوق رقبته.. خلص الكلام.. 


وغادر بهيمنة  وترك خلفه أمه تندب حظ ابنتها العاثر ، وكمال مهدئاً لها يربت على ظهرها ويعدها بأن الأمور ستكون بخير رغم أن الوضع لا يعجبه! .. وأخرى انكمشت بجلستها وبذراعيها احتضنت جسدها تلتمس الدعم من داخلها.. 


..................... ***

إنني أضع حداً لحكايتنا.. 

هذا عناق عيني وعينكِ وفراق بيني وبينكِ ! 

فإن تدمع.. فقد دمعت عينٌ لي من قبل ، لا قميصَ تلقيه عليّ ليعود قلبي..! 

لا حكاية لنا سوى ما كتبناه الآن... أنت في ودائع الله...وأنا في مهب النسيان...! 

                                    "نيرة"..


.......................


خلاص يازياد.. حياتكو مع بعض إنتهت لحد كده.. 


قالها الجد بحزن.. رأسه منحنية للأسفل يستند بيداه على ذراع كرسيه.. 

يجاوره قاسم مغضن جبينه عاقد حاجبيه والشرر يتطاير من نظراته ، وكمال والذي رغم هدوئه الظاهر الا أنه يكظم غيظه وغضبه

.. هز رأسه رفضاً.. يستنكر الموقف كله.. دقات قلبه تضرب أضلعه بعنف ، حاول وسيحاول لآخر نفس.. لن يدافع عن نفسه فهو مذنب ومخطئ وحقير وكل ما سيقولوه عنه صحيح وسيقبل وسيرضي.. المهم أن ترضي عنه هي وتعود، يكاد يجن من غيابها ولأول مرة منذ زواجهما ينام بمفرده على الفراش دونها .. برجاء متعب أردف. . 


-خليني أتكلم معاها ياجدي.. أنا محتاج اتكلم معاها.. 


وقاسم ضاق ذرعه من حديثهم الممل.. ما الصعب في أنها تريد الطلاق؟! 

فليحترموا رغبتها.. تحدث بغضب هادراً.. 


-بقولك هي خلاص مش عيزاك.. أنت ايه مبتفهمش.. 


فانفلتت أعصابه وهدر به.. 


-وانت مالك انت يااخي.. هو انا وجهتلك كلام!؟ 


أمسك كمال بذراع قاسم الذي تحرك من مكانه كي يضربه.. كظم غيظه وقال باقتضاب.. 


-نيرة مش عيزاك يازياد خلااص.. وأنا وقاسم بنقولك كدة لأن احنا أخواتها وهي بلغتنا بكدة.. 

تجاهلهم زياد ووجه حديثه لجده وحده.. قال متوسلاً.. 


-كلمها أنت ياجدي أنت لو كلمتها هتسمع كلامك.. 


وزعقة الجد كانت بمنتهى الحدة.. 


-مش هغصب عليها عشانك.. 


لم يستطع كبح جماح لسانه.. سأله بانفعال.. 


- اشمعني غصبت عليا أنا وأكرم..؟ 


وبسؤاله الوقح آثار غضب الجد وإشعال ثورته.. هدر به.. 


-لاا أنا غصبت على أكرم بس ، إنما أنت كنت ميال.. 

ملكش حق ولو بسيط انك تقول مغصوب.. محدش ضربك ع ايدك ولا حد قالك علقها بيك وشاغلها.. ولا انت مفكرنا نايمين ع ودانا ومش فاهمين..!! 


وكلمة واحدة نطقها بحروفٍ مشددة..


-طلقها..!!

دمعه هاربه من مقلتيه ونظرة رجاء امتزجت برفض وندم صادق..


-مش هطلقها..


............ ***

سيقولون الحب جنة سيغرونك على دخولها.. سيتلاعبون بك وستخسر أنت، ستحترق بنار الفراق  وألم  الفقد.. ستموت كمداً وأنت ترى ذبولك يوماً بعد يوم..

... كعادة لم يتخلّ عنها.. يومياً وقت الغروب يقف على سطح المنزل بجوار حماماته.. يمسك بيده العلم الأحمر يلوح به وصافرته المرتفعة تجذبهم إليه من كل صوب.. يقف مستنداً بجسده على السور .. يضع بأذنيه سماعتي هاتفه يدندن بلحن ما .. وكأنه بعالم آخر  لم ينتبه على تلك التي أتت وتحدثه منذ مدة.. بأصبعها طرقت على كتفه بخفة.. ليلتفت لها متفاجئاً.. نزع إحدى السماعات عن أذنيه وظلت واحدة معلقه بأذنه.. 

باستغراب سألها.. 


-حنين!! . . بتعملي ايه هنا..؟ 


زفرت بملل ثم قالت وهي تتلاعب بخصلاتها بلا اهتمام.. 


-بقالي مدة بندهلك وبسألك علفكرة.. بس انت مش هنا.. 


زوي مابين حاجبيه أكثر مستفهماً متجاهلاً لخصلاتها التي استطالت والتي يتوق للمسها والتلاعب بها بشدة .. 


-بتسأليني ع ايه؟.. وبعدين مش احنا متخاصمين أصلاً 


قوست شفتيها بحزن ، وعبست ملامحها كالأطفال .. 


- خلاص بقى ياقاسم متبقاش قفوش.. 


ارتفع حاجباه بدهشة وهو يردد كلمة "قفوش" وتجاوزت هي وسألته بضيق شاب نبرتها.. 


-زياد عملتو معاه ايه.. انا زعلانة عشانه اوي! 


كالعاده تثير غضبه وجنونه .. هتف بحدة غير مستوعب لما قالته.. 


-زعلانة عشانه ومش زعلانه ع نيرة..؟! 


عارضته بطريقة أثارت تعجبه..


-أيوة زعلانه عشانه.. نيرة كفايه عليها زعلكو عشانها.. إنما زياد ملوش حد.. 


كز على أسنانه غيظاً ، وبفظاظته المعتادة رد عليها بما تستحقه.. 


-أنتي يابت أنتي معتوهه.. ولا حد ضربك على دماغك وطلعالي....؟ 

أخفي من وشي احسنلك.. 


تنهد باستياء بينما أشاح بوجهه عنها في غلظه تستحقها ، واقترب مرة أخرى من حافة السور وأطلق صافرة عالية أخرج بها القليل من كبته.. 

قطعت هي الصمت بسؤال أستدعي انتباهه .. 


-هو انت ليه مبتعاملنيش زي نيرة ويارا؟! 


.. حدق بها وقد ذهب غضبه أدراج الرياح ، لم يجيبها بل ظل على وقفته وتحديقه بها دقيقة كاملة.. أسرها بنظراته ، خجلت هي من تحديقه بها فأخفضت وجهها  بالأخير آتاها صوته الاجش بنبرة تظهر عشقه .. 


-عشان انتي مش زي نيره ولا زي يارا.. انتي مش زي اي حد


ثم همس باسمها وقلبه يخفق.. 


-حنين..!! 


وبهدوء ردت.. 


-نعم.. 


أمسك بكفها وتلك تعتبر سابقة من نوعها.. وسحبها وراؤه بلطفٍ لا يشبهه.. 


-تعالى عايز اوريكي حاجه.. 


واقترب من أحد الخزائن  الخشبية المخصصة للحمام وأشار بسبابته على أثنتين من الحمام الصغير.. 


-شايفة الزغاليل دي 


والتمعت عيناه، وابتسم بعذوبة .. قال بتقرير عاشق.. 


-بتاعتك.. 


وقفت أمامه منتصف ظهرها ملتصق بصدره العريض تتأملهم بفرحة.. قالت بجزل.. 


الله شكلهم حلو اووي بس انا بخاف منهم.. 


ولأول مرة منذ بلغت هي وكبرت تكون بذلك القرب منه.. لأول مرة منذ سنوات يرى ملامحها الهادئة وضحكتها الجميلة .. وكأنها عادت تلك الفتاة ذات الأربعة عشر عاماً بجديلتها الطويلة دون عناد أو تمرد.. 

والقرب يهلكه وهو الذي صام عن كل شئ عداها.. دقات قلبه كانت تدوي كطبول المعارك .. ترك لمخيلته العنان وهو يحتضنها ومال قليلا بطوله واقترب بأنفه يشتم عطر خصلاتها الناعمة .. قال بولهٍ خالط أنفاسه الثائرة.. 


-هعلمك وهعودك.. هخليكي متخافيش منهم تاني.. هخليكي متخافيش من أي حاجة أبداً.. 


استدارت بوجهها وسألته بنظرتها قبل ثغرها.. 


-ولا منك!! 


واتسعت ابتسامته الحلوة.. ومزاجه كان في أعلى مراحل السعادة ف الحلوة قد عادت.. هتف مهدداً يداعبها.. 


-لأ خافي مني.. عشان انا لو شوفت منك غلطة واحدة هطير رقبتك.. 


وضحكت هي الأخرى رغم أنها توترت من مزحه.. غيرت مجرى الحديث وهي تجذب سماعة أذنه الغير معلقة وتركت له واحدة ماتزال عالقة بأذنه .. 


-بتسمع ايه.. سمعني كده!! 


مد يده بجيب سرواله الرياضي وأخرج هاتفه.. ضغط ضغطتين تقريبا وقال.. 


-ثواني هشغلهالك م الاول 


يطالعها بنظرات عاشقة وتبادله هي بصمت وابتسامة وفقط.. ثوانٍ وهتفت  فرِحة.. 


-الله.. منييير. أغنيه تجنن.. 


ومابين نظرات لفتي عاشق حتى النخاع.. مهووس للحد الذي لا حد له.. ورغم أنه ينكر ورغم أنه لا يعترف إلا أن النظراات تصرخ بالعشق الخالص وألحان منير تصدح بأذنيهما بأغنية وكأنها كتبت لأجل تلك اللحظة.. 


.. سمع بكايا الحجر.. نهنه وقال مالك... مااالك.. 

فتفت جلبي وانا ببكي على حالك... حااالك.. 

في حاجة غالية عليك ياشتب ضيعالك.. ضيعالك.. 

  ... انا جولت ضاع الأمل مني ومش قايل.. 

          ياحمام بتنوح ليييه.. فكرت عليا الحبايب 

        ياحمام ضاع منك ايييه.. دوبتني كده فوق مانا دايب... 


............ ***


**انتهى الفصل**

**"الفصل التاسع" **


.. ضيق شديد بدأ يصيب صدره..  وإحساس بالأختناق من كل شئ حوله.. ومن تلك التي تجاوره.. ليست تجاوره فقط بل ملتصقة به كظلهُ.. 

كانت جيلان برفقته يروا أحدى الشقق الموجودة بإحدى البنايات الراقية .. وتلك الشقة الثالثة بعد اثنتين لم ينالا استحسانها 

.. من كان يصدق أن يكون أكرم برفقة جيلان ويشعر بالضيق والضجر..!! 

من المفترض أن يكون فَرِحاً.. بل أن يطير من فرط الفرحة.. 

يقف بطوله الفاره بمنتصف صالة المنزل  ينفث دخان سيجارته بعصبيه.. لم يكن مدخنًا كقاسم .. ولكنه من فترة لأخرى يقوم بالتدخين وخاصة أن كان زياد برفقته ،  سيجارة واحدة كل فترة لا تضر .. واليوم يخالف القاعدة.. فتلك سيجارته السابعة تقريباً ، أو التي لايعرف عددها.. 

تجذبه من يده كي يشاهد معها.. تسأله وقبل أن يبدي رأيه تقاطعه بحديث آخر.. كانت مبهورة بتلك الشقة.. بأحلامها لم تتخيل أن تحيا بمنزلٍ كهذا.. 

زفر بملل وهو ينفث دخان سيجارته قبل أن يرميها أرضاً ويدهسها بحذائه، غمغم من بين سحابة تبغه ، وقد ضاق ذرعاً منها.. 


-يللا ياجيلان خلصي.. أنا طول النهار بلف على رجلي معاكي واتخنقت.. 


وجيلان ليست بغبية أو بلهاء كي لا تلاحظ تغيره.. انعدام لهفته وضيق ملامحه واضح كالشمس.. اقتربت منه.. هي بالأساس مقتربه.. ولكنها اقتربت أكثر وتأبطت ذراعه وهمست بدلال لا يليق بها  وعينيها تدّعي الحزن.. 


-أتخنقت وإنت معايا .. وأنا اللي كنت فاكرة انك هتبقى مبسوط أكتر مني أن احنا هنكون مع بعض..! 


لانت حدة نبرته.. وقد تأثر بنبرتها واقترابها بتلك الصورة .. ابتعد بنظراته عنها وقال بشبه اعتذار.. 


-أنا مش قصدي إني أتخنقت بالمعنى الحرفي.. قصدي أقولك إني تعبت.. وكمان أنا حافظ ديزاين الشقق ف الكمبوند ده كويس لأنه شبه ديزاين شقتي.. 


تغيرت ملامحها لأخرى ملؤها الحقد والغل.. سألته بخبث و غضب مستتر.. 

-قصدك الشقة اللي كنت أنا المفروض أكون عايشة فيها معاك..! 


وإجابته كانت صارمة بنبرة حادة يقطع عليها المماطلة.. 


-قصدي الشقة اللي ملناش نصيب نكون مع بعض فيها ياجيلان.. 


وبالفعل صمتت.. وابتعدت عنه قليلا توزع نظراتها هنا وهناك دون هدف محدد.. الغيظ يأكل قلبها غرزت أظافرها بباطن كفها وهي تقول بأنفعال لم تتحكم به.. 


-ألا قولي ياأكرم هي مراتك موافقة عادي أنك هتتجوز وكده.. ولا ناوية تتطلق.. 


لما يذكرون كلمة طلاق.. هم لايعرفون نورهان.. نورهان لا تقوى أن تكون بمفردها.. هي تحبه وهو أكيد من ذلك.. وهو لايستطيع تركها ف هي أمانة وأيضاً شقيقها ووالدتها.. الأمر مفروغ.. 

وبرغم اقتناعه بأسبابه الداخلية.. وبرغم ثقته الواهية.. إلا أن قلبه قُبض.. واضطربت خفقاته.. استدار للنافذة العريضة التي تنتصف الحائط يتطلع من خلالها للخارج.. أتاها صوته الأجش بنبرة خالطتها أنفاسه المتوترة .. 


-لأ أنا مش هطلقها.. وهي تمام مفيش مشكلة.. متقبلة الموضوع عادي.. 


كتفت ذراعيها النحيفين أسفل صدرها ترمق ظهره بغيظ ومازالت منفعلة 

قالت من بين ضروسها بحدة .. 


-معندهاش كرامة بقى.. 


التفت سريعاً وقد اتسعت حدقتا عينيه غضباً وكأنه سبته .. 

هدر بتحذير من سبابته لوجهها والذي فقد لونه رغم مساحيق التجميل التي تضعها بعد أن انفلتت أعصابه.. 


-جيلااان.. دي أم بنتي ومسسمحش أبدآ بالغلط ف حقها.. وبعدين مانتي قابلة الوضع زيها.. ولا أيه..؟ 


حملقت به غير مصدقة .. كانت مصدومة من حدته.. وسريعاً نفت من عقلها سؤال لم ولن تعترف به  "أيحبها " .. ابتعدت بخطوات عشوائية سريعة عنه .. تهز رأسها بعصبية.. عدلت من وضع الحقيبة الصغيرة على كتفها.. وسارت باتجاه الباب.. ليلحق بها هو سريعاً وقد استعاد رابطة جأشه.. أمسكها من معصمها بلطف وهمس آسفاً.. 


-معلش يانور هان.. أنا آسف أنا بس أعصابي اليومين دول مشدوده شويه.. 


ولمعة عينيها بعد أن غشيتها الدموع أنبتهُ.. قالت بنبرة مكابرة تواجه بقوة نظراتها.. 


-أنا جيلان ياأكرم.. 

        ثم شددت أكثر على حروف إسمها.. 

   - جــــــيلااان.. 


هتفت بها واستدارات بجسدها تسبقه للخروج.. ثم أردفت من بين خطواتها بنبرة غامضة.. 


-يللا عشان توصلني....! 


مسح صفحة وجهه بحدة من غبائه وحيرته وذلة لسانه.. يشعر بأنه يركض لأيام تحت شمس تحرقه.. وبحاجة لدلو من الماء البارد يسكب على رأسه كي يستفيق...... 


......


حلّ الليل وقد أُسدل ستاره على الشوارع وأتشحت بالسواد .. 

وها هو يقف أمام باب شقته وقد عاد لضيقه وتوتره ثانيةً.. فـ بعد أن أوصل جيلان لمنزلها ؛ وقد أعتذر عن ذلة لسانه الغير مقصودة وأنه نظراً لـ تعوده على اسم الأخرى بحكم الحياة بينهما وما إلى ذلك من محاولات بدت لطيفة  قبلت الاعتذار على مضض ووعد بعدم التكرار .. 

.. دقات خافقه تخطت المسموح وهو يلج للداخل والهدوء يعم المنزل ، نظر بساعة يده مستغرباً ليجدها مازالت التاسعة، هدأ قليلاً والتقط أنفاسه ما أن وجد ضوء غرفة الصغيرة مشتعل، 

أخذ نفساً طويلاً قبل أن يدخل عليهما ، وتخطي باب الغرفة واتسعت عيناه مما يرى.. 

فكانت نورهان تقف أمام الفراش مشغولة بطي بعض الملابس التي تخصها هي وملك وتضعها بالحقيبة الموضوعة على الفراش بجوار ملك والتي كانت تعبث بمحتوياتها ، ترتدي ملابسها كاملة عدا الحجاب .. عقد حاجبيه متسائلاً بدهشة.. 


-انتي بتعملي ايه..؟ 


رفعت رأسها إليه كالطلقة وقد انتفضت على صوته.. قالت بنبرة مرتجفة. 


- بلم هدومي عشان أمشي.. 


ويبدو أن ما يراه أصابه بالغباء.. فسأل مجدداً بعدم فهم.. 


-تمشي تروحي فين.؟ 


أجابت بتعجب تحاول الثبات أمامه.. تكبح دموعها كي لا تستجدي شفقته.. 


-هروح فين يعني.. هروح بيتنا..! 


عقد ذراعيه ومال بجسده يستند على الباب كي يخفى رجفة أصابته.. قال بلهجة مستخفة.. 


-بيتكو..!! 

ثم استطرد بجدية.. 


    - شكلك خدتي القرار وبتنفذيه..!! 


تجاهلت استخفافه ونبرته الحادة.. قالت وهي تستكمل ماكانت تفعله قبل دخوله.. 


-أنا قراري قولتهولك أمبارح ياأكرم.. 


..في حكايته هي امرأة كُتبت على هامش السرد.. 

.. وفي حكايتها هي بطلة تستحق الحياة رغم ماعانته وتعانيه.. فلماذا ترتضي بنصف رجل!! 


زفر أنفاساً لاهبة..  وعيناه تبثان النار .. قال من بين أسنانه وقد تجهم وجهه.. 


-حيث كدة.. وطالما انتي اللي اختارتي.. يبقى مش من حقك تاخدي حاجه وانتي ماشية.. خدتك بفستان رخيص.. تمشي بيه.. 


جحظت عيناها والحمره القانيه لونت وجهها من حديثه الجارح.. بأصابع مرتبكة أزاحت الحقيبه جانباً وتناولت حجاب خفيف أحاطت به وجهها المستدير.. وهي لن تبكي.. ستصمد إلى أن ترحل ومن ثم تبكي على خيبتها باقي عمرها.. حملت حقيبة متوسطه الحجم على كتفها  ثم مالت على الصغيرة كي تستطيع رفعها.. 


-عايزه تمشي.. امشي لوحدك.. بنتي مش هتخرج من بيتي.. 


واجهها بقسوة بعد أن جذب الصغيره من أحضانها.. زمجرت غاضبة تدافع عن حق لها.. 


-أنا مش همشي من غير ملك..!! 


جذب الصغيرة لحضنه يخفيها عن عينيها.. شارف عليها بطوله وانفاسه الثائرة تحرق الأجواء.. هدر بها 


-والله ما هتخرج من البيت.. انتي اختارتي.. يبقى تتحملي نتيجة اختيارك.. 


شبت على أطرافها تحاول أن تجابهه.. الفرق بينهما كبير.. ثارت وهاجت بوجهه.. 


- انت بتعمل معايا كده ليه.. كفاية ذل بقى يااأخي.. 


.. ابتعد عنها وولاها ظهره.. يغمض عينيه بشدة.. بساعديه يغرز البنت بصدره.. علها ترجع بقرارها..  يضغط على شفتيه بقوة .. 


قالت وقد أنتحب صوتها تتحداه. . وعيناها تومضان ببريق دمعٍ.. 


-هاخدلها يا أكرم.. هظبط حالي واخدها.. انا مطلعتش من الجوازة دي غير بـ ذُلك وبملك .. 


وتركته.. تركت أمنية ببيت تمنت أن تكون هي سيدته.. سترحل ومعها خيبتها .. وعند الباب وقبل أن ترحل.. اهتزت نبرته وخفتت حدته والنار المتقدة بعينيه أصبحت رماد.. قال بتحذير واهي.. 


-لو خرجتي من الباب ده.. مش هتدخليه تاني يانور.. 


و ما كان ردها.. ردها كان نظرة ملؤها خيبة الأمل.. هزت رأسها وكأنها تستنكر مايحدث وأغلقت الباب خلفها... وتركت ورائها رجل عصاهُ قلبه وركض خلفها.. 


..........

والغريب أنه المُلام بحكاية لم يسطر حروفها .. والأغرب أنه لم يبرر أو يدافع ، يجلس أمام والدته كتلميذ سقط بالامتحان.. رأسه محني يستند بساعديه على ركبتيه.. 

فمنذ أن خطَّ الصباح نوره وجاءت والدته  ..  توبخه وتأنبه.. وكم خاب أملها به وقد سقط من نظرها.. كانت متعجبة من تبدله.. 

هتفت بعتاب ممزوج ببعض الألم.. 


- جبت قساوة القلب دي منين ياأكرم.. د أنت مكنش حد ف حنيتك.. 


رفع نظراته إليها يرمقها بضيق.. أردف بعصبيه خفيفة.. 


-حقي.. الشرع محللي.. ثم إن هي مش ناقصها حاجه


عالجته بكلامها بنبرة حادة.. 


-ولا أنت كان ناقصك حاجه عشان تروح تتجوز..


زاغت نظراته.. وابتلع ريقه يرطب حلقه الجاف.. قال بثبات .. 


-كنت متفق مع جدي.. 


عقدت حاجبيها تتسائل .. تحاول أن تفهم.. 


-مش فاهمه أتفقت مع جدك ازاي يعني.. هو ف حاجه انا معرفهاش؟! 


.. وأمه لم تعرف بأي شيء وبالطبع لن يخبرها .. تنهد بضيق، ونبرته لانت وصارت رجاء.. 


-ماما الله يخليكي انا مش ناقص.. عندي صداع ومنمتش بسبب ملك.. هي نايمة جوة خديها عشان تأكلها وخليها عندك..


وزعقت به تقصد أن يستفيق.. 


-لحد أمته؟!  


وكأنه سيبكي.. توسلها بنبرة لم تسمعها منه قبلاً. 


-مااما.. ارجوك..!!


.... ...***


على أنغام أغنية غربية يصدح صوتها المرتفع بأرجاء السيارة... كانت هنا تهز أعلى جسدها ورأسها  تمايلاً مع اللحن النشاذ.. تجلس مع رامي بسيارته ، والذي انتهى لتوه من لفافة تبغه ذو الرائحة الغريبة.. فقام بسحب أخرى من العلبة التي أمامه وقام بإشعالها.. أجواء ساخنة، ضرب من ضروب الفسق والمجون.. أخذ نفساً عميقاً كتمه بداخله ثم نفثه دفعة واحدة بوجهها.. ومن بين الضباب الدخاني جائت ضحكتها الرنانة وهي تقول بفسوق.. 


- الكيف مناولة مش مقاولة.. هات نفس متبقاش بخيل..


ناولها لفافته بعد أن سحب نفس أخر دون كلام .. باعتياديه وضعتها على طرف شفتيها .. ترمقه بحاجب مرفوع ونظرة عابثة ، سحبت نفس واستاءت قسماتها.. ومن بين أنفاسها الساخنة قالت ممتعضة..


-مش هتبطل حشيش بقى ياأخي..!! طب ده حتى نوع مضروب..


حك أرنفة أنفه بسبابته.. أتتها ضحكته الخشنة بسبب مايتناوله من الدخان.. 


-هو ايه ده اللي نوعه مضروب.. واالله ماحد نوعه مضروب ف الليلة دي غيرك..!! 


ارتفع حاجبيها.. وهتفت بحدة مشوبة بتهكم.. 


-دلوقتي بقيت نوع مضروب.. نسيت زمان ولا حنين جابتلك زهايمر.. 


ولفظها لكلمة "زمان" كانت مشددة ، تلمح لما كان بينهما وقت أن قام باصطيادها من أحدى غرف الدردشة بإحدى التطبيقات .. كلامه المعسول وطريقته ف التعرف وأولى مقابلاتهم والتي انتهت بحدوث علاقة  بينهما.. ومن وقتها وصارت كخرقة بالية يدهسها بأي وقت يريده.. ووقت أن يريدها بمكالمة صغيرة تكون أمامه كما يريد ، ولا يحق لها الاعتراض وجملته والتي تعريها  "كله كان بمزاجك" .. ومن وقتها وهي معه تقبل بأي شئ ، وتنفذ له كل ما يأمرها به.. مقابل ماتحتاجه هي من أموال وملابس وما إلى ذلك.. وآخر طلباته كانت حنين....!! 


-ااااااه حنييين.. حتة بسكوته عايزة تتاكل.. 


قالها متنهداً وهو يجذب لفافته من بين أناملها  ثم استكمل وقد أنتشي.. 

- هي خام صحيح بس لذيذة.. هتغلبني شوية بس هي تستاهل.. 


وحديثه كان دون أن ينظر لها.. ينظر بملامحها والتي تبدلت لأخرى مرعبة.. ونظراتها شيطانية سوداء.. تهكمت بغيرة حاولت مداراتها بنبرة عادية .. 


-بس خلي بالك ليها إبن عم أقل حاجة تتقال عنه أنه تور.. 


ثم نبهت بحدة. 


-أسمي ميجيش ف الليله دي خالص.. أخرى معاك همهدلك السكه.. والباقي بمجهودك ياعم الحنيّن.. 


قهقه بغرور زائد.. ونظراته مركزه في اللاشئ أمامه رد بثقة رجل لا يقبل الرفض ..


-ملكيش دعوه بالباقي.. ومتخفيش انا اللي ناوي اعمله فيها هخليها تبوس أيدي ورجلي عشان تفضل معايا ..... 


........... ***


.. ماذا يريد الرجل ؟! يبدو كسؤال صعب ولكن إن دققت بتفكيرك ستدرك أن إجابته بسيطة.. الرجل بكل مراحله يريد أنثى..طفل يريد أم ينهل من حنانها وتأخذ بيده للصواب.. شاب يريد رفيقة يكتشف معها لذة البدايات وروعة الحب.. ورجلٌ يريدزوجة من حضنها يبني بيتاً واستقرار.. وأبٌ يريد ابنة تحمل ملامحه وتحنو عليه وقت أن يكبر..

ولكن إن قلنا ماذا يريد كمال؟! سؤال سهل واجابته أسهل.. كمال يريد زوجة..! 

ببساطة هو رجل صبور ولكن ليس لتلك الدرجه.. أتدرك شعور رجل يجلس ببيت واحد تحت سقف واحد مع زوجة ك ريم دون أن يلمسها.. رجل متزوج يكتفي بالنظر..!! الجملة وقعها على الآذان مضحكة.. ولكنه بات

.. يتخيلها بحضنه تريده مثله وأكثر.. 

يتخيل وفقط!! 

رجل تخطي الأربعون بثلاثة أعوام ومعه من الأولاد ثلاث.. ويتخيل فقط..!!


-ريم... 


وتلك كانت زعقته باسمها.. بعد نفاذ صبره.. والأخيرة ركضت نحوه مذعورة وببنبرة قلِقة سألت.. 


-خير ياكمال ف ايه؟


قابلها بحدة وقد تجاهل القلق بنبرتها.. عاقد حاجبيه بشدة ونبرته تكشف عن أول "خناقة" بينهما.. 


-ولا قميص لياا نضيف.. أومال انتي لازمتك ايه هناا؟ 


تراجعت للخلف متوترة.. وقد قررت احتواء الموقف ومرور اليوم على خير.. أردفت بذهول.. 


-قمصانك كلها مغسولة ومتعلقة ف الدولاب..!! 


ثم سارت بجواره حتى الخزانة وفتحتها أمام عينيه واخرجت قميص تلو الآخر.. 


- اهم ياكمال .. في حاجه تاني؟ 


واخر كلامها تهكم وقد فازت.. فأغتاظ واحمر وجهه مر بجانبها وبكتفه اصطدم بكتفها عن قصد إغاظتها.. 


-وأنا من أمته بحطهم ف الدولاب.. المفروض انك تعليقيلي قميصين برة كل يوم عشان اختار منهم.. 


ثم استكمل وارتفعت نبرته .. 


وكمان فين شرباتي.. ولا شراب موجود!! 


رفعت إحدى حاجبيها.. وبعمرها ماكانت غبية كي تفهم أنه بيتحجج.. أومأت تهديه.. ثم فتحت احد الجوارير وسحبت عدة جوارب منه ولوحت بهم أمامه وقالت وقد انفلتت أعصابها.. 


-طول عمر الشربات بتاعتك بتتحط هنا.. 

وحاضر قبل ماتقول وانا لا متى إيه.. تمام كل يوم هعلقلك قميصين تختار منهم وشراب.. هديت..!! 


-لسة.... 


ولم ينتهي.. وقرر البتر.. وبصراحة أقرب لوقاحة هدر.. 


-الوضع ده لازم ينتهي.. أنا هفضل أنام في أوضة مراد لحد أمته!! 

قولت مكسوفة.. مش متعودة، اسيبها تهدي.. بس انتي جبلة ومعنديش دم.. 


ذهلت.. واحمرت خجلاً وغضباً.. هتفت بتوتر  


-كمال صوتك عالي.. الولاد ف الصالة.... 


ودون جدال.. وكمال قد فقد صبره فعلياً هتف.. 


-متغيريش المواضيع.. انا مش ساذج ولا لسة صغير  عشان أصبر ع الوضع ده أكتر من كده.. 


-كمااا..... 


وباقي الأحرف كتمها بشفتيه.. بعد أن جذبها بعنف إليه.. عنف لم يدم سوى ثوانٍ .. والتخيلات باتت حقيقة فكان يقبلها بنهم ، بشغف وكأنها المرة الأولى له.. يتبادل أنفاسها والتي تاهت بين أنفاسه .. في البدء صدمت.. وأرتعبت ، ولكنه بدا هادئاً، ف أغمضت عيناها واستسلمت لشعور خدر له لم تجربه من قبل..  دون أن تعترض كان يوزع قبلاً رقيقة كالفراشات على بشرة وجهها ف اشتعلت وجنتيها من أنفاسه .. واستسلامها زاد من وطأ وقبلاته.. 

شهقت بعنف ما أن رأته ينزع قميصه ولكنه أخمد شهقتها ببحته المغلفة بلهفة سؤال . . 

-ريم.. انتي راضيه.....؟! 

ولأول مرة ترى ذلك التحول بنظراته ونبرته جمدتها .. لم تجب وأيضاً لم ترفض ف اعتبرها موافقة .. 

صوت اصطدام كوب زجاجي بالأرض جعله ينتفض الأول ومن ثم هي فدفنت وجهها خجلاً بصدره .. أبعدها برقة عنه وركض باتجاه باب الغرفة ليجد حاتم ابنه الأوسط يقف مبهوتاً وبجوار ساقه شظايا لكوب زجاجي  كان به عصير يشربه.. 

انحني على ركبتيه يطمئن عليه.. 


-انت كويس ياحبيبي..!


واجابه الصغير بنحيب ، وكلامه مقبض غيرمتوقع.. 


-أنا عايز أروح لماما عند ربناا... 


........... ***


.. دلف للمنزل والذي كان هادئاً معتماً على غير عادته.. حيث أنه لم يأتي منذ ماحدث.. بالأمس وأوله نام بفندق.. رمي بمفاتيحه وبطاقات ائتمانه جانباً.. وسار بخطى بطيئة منهزمة للداخل.. وشعور بالضيق يعتمر صدره.. يبحث عنها بعينيه في الزوايا .. يقف أمام المطبخ.. يشعل ضوئه كانت دائماً هناا.. أحساس الألم يتفاقم بداخله. هو يغلق الضوء ويتجه لغرفة نومهما.. يخلع عنه قميصه وكأنه جاثوم يطبق على صدره..  كم كانت باردة دونها .. تنهد بيأس.. وانحنى بطوله يلتقط قميصها الحريري من الأرض .. ومن رائحتها العالقة به عرف أنها كانت ترتديه  قبل أن تذهب إلى مكتبه وترااه.. دس أنفه بالقميص مغمضاً عيناه يضغط عليهما خشية البكاء.. ويأمرون بالطلاق.. كيف؟! فهو من يومين وتاه.. أحس بالخواء.... والله لن يحدث.. 

تخاوي بجسده على الفراش مكانها.. ومازال يقبض على القميص بكفه.. الصداع كاد أن يفتك برأسه ويعلم أنها كانت تتناول أدوية له.. فتح الجارور الخاص بها بجوار الفراش.. قلب محتوياته وسرعان ما وجد شريط بنادول.. سحبه ولكن لفت نظره أخر قبل أن يغلق الجارور.. ضيق ما بين عينيه وأمسك به يدقق بنظرته.. هو يعرفه جيداً كان ذلك شريط حبوب منع الإنجاب.. والغريب أنه كان كاملاً...!!! 


......  بينما كانت نيرة.. تجلس على حوض الاستحمام وفي يدها اختبار حمل.. ترمقه بخوف وانتظار.. تعد الثواني لتطمئن.. 

والحمدلله هللت بها بداخلها ولله الحمد كانت شرطة واحدة.. زفرت أنفاسها براحة. تنهدت مطمأنة وسيطلقها وستتخلص منه إلى الأبد.. تحركت كي ترميه بسلة المهملات الموضوعة جانباً.. وقبل أن تقذف به لاحظت شرطة أخرى وردية باهته تكاد لاترى .. انتابها الشك مرة أخرى وتوترت .. 

خرجت لغرفتها وبحثت بعينيها هنا وهناك على هاتفها حتى وجدته على طاولة الزينة.. أمسكت به.. وضغطت على تطبيق الفيس بوك.. وباحدي الجروبات النسائية كتبت منشور "بنات هو كده فيه حمل ولا لا.. 

رافقها بصورة الاختبار بعد أن التقطت له صورة.. 

وسرعان ما قُبل منشورها وانهالت عليها التعليقات والمباركات.. 


" ألف مبروك ياحبيبي طبعا حمل.. 

"ربنا يرزقك بيبيي سليم معافى.. 

" حمل خفيف نامي ع ضهرك واتغذي كويس..


ألقت الهاتف بعيداً ووضعت كفيها علي رأسها مصدومة.. لماذا الان.. فهي منذ عام لم تتناول تلك الحرب ولم يحصل حمل.. ستجن وهي تصرخ" لماذا الأن؟ ".. 

.. وقبل أن تستوعب صدمتها وتأخذ وقتها الكافي ف تقبلها.. كان جرس المنزل يرن دون صبر تجاهلته على أساس والدتها ستجيب.. ولكن عاود الرنين مرة أخرى.. قامت من مكانها متعبة.. بائسة.. وتوجهت كي تفتح الباب..

وما أن فتحته حتى فغر فاهها وصدمتها صارت أضعاف..

.. ف زياد يقف على الباب مستنداً بجسده.. يرفع يده أمامها ممسكا بتلك الحبوب اللعينة أمام عينيها.. وسؤاله مباشر..


-أنتي حامل..؟


.............. ***

**"الفصل العاشر" **


-أنتي حامل؟... 


سؤال مباشر دون مراوغة.. ليس بحاجة لاتساع حدقتيها ولا ذهولها وكأنها ترى كائن فضائي أمامها.. ومابين سؤاله وجوابها دقيقتان مروا.. ازدردت ريقها بتوتر وقالت.. 


-حامل ازاي يعني.. لأ طبعاً مش حامل.. 


قالت جملتها متلعثمة ترمقه بخوف.. وما أن انتهت حتى جذبت الباب تريد أغلاقه بوجهه.. وقبل أن يُصفع بوجهه استند بكفيه عليه يرجعه للخلف ثانية.. 

وتلك المرة أقتراب..  ونظرة غائرة ، وسؤال أشبه بتقرير.. 


-أومال ده إيه؟! 


يشير على الحبوب في قبضته.. وينتظر..! 


ثارت أنفاسها وهاجت وكأنها تعدو بسباق.. انفعلت بحدة وخير طريقة لإنهاء أي حوار هو الصوت العالي.. 


-إيه.. ماله... عادي انا بجيب ساعات بزياده.. وبعدين جاي المشوار ده كله تكلمني ع شريط برشام.. 


.. وابتسمت بتهكم.. وقالت بنبرة يشوبها الحزن رغم مداراتها.. 


    - دانا فكرتك جاي عشان تطلقني ونخلص بقى..!! 


-نخلص!! للدرجادي..؟! 


نطقها مبهوتاً وكأنه صعق.. جفاء؟ ومن من؟ من نيرة!!  تريد الخلاص.. وتنطق الطلاق بكل سهولة.. وعلى اقترابه كانت فرصة ليتأملها وهي أيضاً.. هالاتها السوداء قد وضحت أكثر وخط الحزن وجهها .. تلك اللمعة الدائمة بسواد عينيها قد غابت، وجسدها أصبح هزيلاً .. وهو لم يكن بأقل منها ، ذقنه ناميه بشكل ملفت وغير مشذبة وتلك ليست عادته .. خصلاته مبعثرة، وثيابه غير مهندمة وكأنه طفل تركته أمه وسافرت.. 

ابتسم بجمود رغم الألم.. رفع  إحدى حاجبيه يتحدى..! 


-حلو.. عايزة تطلقي.. يبقى تعالى نكشف ونتأكد إنك مش حامل..!!


-أنت بتعمل ايه هنا ياااض انت؟!! 


"هادم اللذات ومفرق الجماعات" هكذا كان يطلق زياد على قاسم دائماً.. الاثنان كخطان متوازيان لا يتقابلان أبداً. وبعد أن قُطع عليه لحظته مع نيرة.. فهو يستاهل ذاك اللقب وبجدارة.. طحن ضروسه غيظاً وهو يلتفت للحانق دائماً صاحب أشهر عقدة حاجبين بالتاريخ.. قال ببرود وهو يبتسم بسماجه.. 


-واقف مع مراتي بنتكلم..

   ثم زاد من سماجته.. 

      - مبروك يااا قــ اسم هتبقى خالو..!! 


حدق قاسم ببلاهة.. يوزع نظرات غباء بينه وبين شقيقته.. شقيقته التي هزت رأسها استنكاراً.. وهتفت به تنفي عن نفسها تهمة.. 


-لأ ياقاسم متصدقهوش.. هو بيوهم نفسه بحاجات محصلتش ولا هتحصل.. 


رفضها أثار غضبه.. هتف بعنف.. 


-بوهم نفسي!! .. طالما أنا بوهم نفسي وانتي صادقة تعالى نكشف عشان نفضها سيرة بقى.. 


جذبه قاسم من ياقة قميصه بقوة و سحبه بعيداً عن الباب.. وقد تجهم وجهه وصار كتلة حمراء.. قال زاعقاً..


-متكلمهاش.. كلامك يبقى مع أخواتها الرجالة.. لو شوفتك بكلمها أو بتضايقها تاني مش هخلي فيك حتة سليمة.. 


وعلى ارتفاع صوت قاسم.. خرجت الأم من غرفتها مرتعبة وملامحها تبين أنها كانت نائمة تعدل من حجابها الصغير على شعرها.. ومن الشقة المجاورة لشقة قاسم خرجت حنين بأعين متسعة وشعر متجمع بعشوائيه على كتفها ومنامة برسومات لديزني.. تلاها الجد المُسن يتكأ على عصاه متسائلاً عما يجري ببيته..!! 


وكان أول من تحدث.. هي الأم. قالت بلهفة خائفة.. 


-في ايه ياولاد.. خضتوني.... صوتك ياقاسم جايب لآخر الشارع.. 


أجاب قاسم يركز بنظراته على زياد ومازالت ياقته بقبضته.. 


-الأستاذ من بجاحته جاي لنا بيتنا.. وبيضايق نيرة.. فاكر محدش هيقفله!! 


انفلتت أعصابه هو الأخر.. دفعه بكفه بكل قوته ارتد قاسم للخلف قليلا فقط على إثرها.. نظر زياد للأم مردفاً


-نيرة حامل ومخبية عليا.. قولتلها تعالى نكشف و نتأكد.. ابقى أنا كده غلطت ف إيه؟ 


وابتهحت الأم و ضحكتها الواسعة تتراقص بوجهها.. قالت بفرحة.. 


-أنتي حامل بجد يانيرة.. متخبيش عليا وفرحي قلبي يابنتي والنبي.. 


فرحة الأم جلبت عبوس نيرة وغيظ قاسم واهتمام حنين التي قالت متجاهلة مايحدث.. 


-ألف مبروك يازياااد.. وأخيراً هتبقى بابا 


نهرها قاسم.. 


-بس يابت ياتافهة انتي.. انتي ايه اللي موقفك أساساً.. خشي جوة.... 


تجاهلته ووقفت خلف جدها كحماية.. 

ضرب الجد الأرض بعصاه يفض تجمعهم بصوته الذي يرتجف بحكم عمره.. نبرته حادة وصارمة


-نيرة انتي حامل ولا لأ..؟ 


والأعين صوبت عليها.. ارتبكت ونزحت العرق من جبهتها بأنامل مرتعشة.. 

همهمت بخفوت بالكاد التقطوه.. وهي تومأ.. 


-أيوة.. 


وزغروطة الأم كانت فرحة وهي تسحب بنتها للداخل.. وضحكة زياد لم تكتمل بسبب مقاطعة الجد له بحدة .. 


-زياد.. اسبقني على تحت عشان عايزك.. 


وتركهم ودلف بعصاه الأبانوسية يستند ويضرب الأرض بها مستاءً.. 


رفعة حاجبي زياد تتحدى ضيق عيني قاسم.. زاغ بعينيه على تلك التي ماتزال واقفة ترمقهم بعدم فهم.. فقرر مضايقته.. اقترب من حنين مبتسماً كثعلب.. كعابث لم ولن ينتهي عن عبثه.. 


-ايه الحلاوة دي ياحنون كبرتي وبقيتي زي القمر.. لأ داحنا نشوفلك عريس بقي.. 


وهي فهمت إلى مايرمي وقررت العبث معه. فتلاعبت بخصلاتها بخجل مزيف.. 


-لو هيبقى زيك كده أنا معنديش مانع.. 


وضحك  ولم يزد.. فهو ضايقه وانتهى الأمر.. وبالنسبة لحنين فرحمة الله عليها.. شرارات لهب تخرج من حدقتي قاسم جعلتها تترك ساقيها للريح وتركض للداخل.. تغلق الباب دون صفعه.. والحمدلله تمت مهمة اغضابه بنجاح....... 


............. 


حين نزل الجد.. وجد زياد ينتظره بالأسفل كما أمره.. يجلس على الطاولة المستطيلة الموضوعة بالحوش الخلفي للمنزل.. حوش كبير ملئ بالزرع الأخضر والورود الملونه وبعض الأعشاب ذات الرائحة النفاذة.. كان مرهقاً بُيِّن ذلك من جلسته المتهالكة على الكرسي.. أقترب منه وعصاه تسبقه.. لينهض زياد مسرعاً يسنده بساعده ويجلسه براحة على الكرسي المقابل له.. وما أن جلس الجد حتى عاد قاسم لجلسته ولكنه اعتدل قليلاً.. 

قال الجد مستاءً.. حانقاً منه ومن أفعاله. 


-جايب بجاحتك دي منين يازياد.. 


وزياد تفاجأ بحدة جده.. توتر وخاف فبرر كاذباً. 


-جدي أنا مخونتهاش أن.... 


قاطعه الجد بصرامة مردفاً.. 


-زياد انت مش خاين.... 


فكاد زياد أن يقاطعه هو الآخر .. فأوقفه الجد بكفه يستكمل حديثه..


- انت زاني.... 

  عارف الفرق بينهم ولا لأ يازياد..؟! 


توسله يرجوه.. وقد أيقن أن الجميع ضده.. 


-ياجدي أرجوك.. 


نهره الجد ومازال على جلسته.. 


-لما جوزتك نيرة.. كنت مفكرك عيل طايش أول مايتجوز هيهدي ويستقر.. 

كنت عارف أنها بتحبك.. وأنا راجل وأعرف أن الحب بيغير.. بس الظاهر نظرتي فيك كانت غلط .... وعموماً انا هصلح غلطتي 

أول مانيرة تولد وتبقى تمام هتطلقها وبالتلاته...... 


................ *****


.. وعلى تطبيق "الواتس اب" جائت رسالة لحنين فتحتها وكانت من قاسم 

" لو هيبقى زيك كده أنا معنديش مانع" ذُيلها بوجه أحمر غاضب.. 

ضحكت ملئ شدقيها وأرسلت له وجوه ضاحكة.. ثم استكملت كتابة.. 

"طب بذمتك زياد ده مش قمر وأي واحدة تتمناه" 

لاحقها برسالة.. "انتي قاصدة تغيظيني بقى".. 

وكتبت بشقاوة.. "وأغيظك ليه حبيبي.. خطيبي.؟ دانتا حيالله قريبي. "

أرسل وانتقلت شقاوتها إليه.. "والله التأخير من عندك يابومة" 

بعثت وجوه غاضبة و "أنا بومة" 

ضحك فعلياً وعلى صوت ضحكته الرائقه.. وكتب" بس بومة قمر".. 


وجائتها بتلك اللحظة رسالة من آخر. فحواها.. 

"الجميل تقلان علينا ليه.. "

وبين هذا وذاك.. قررت تجاهل ذاك ومحادثة هذا.. 

وتلاعبت "مش بتقل ولا حاجة... "

عاجلها برسالة أخري.. "اومال مردتيش عليا ليه لما رنيت.." 

"كنت نايمة.." 

سألها بأخرى "طب اتصل دلوقتي "

ردت  "خليها بكرة أحسن يارامي..." 


ودون أن تنتظر رده أغلقت.. وألقت بالهاتف بعيدآ.. وانتبهت أنها تتلاعب باثنين في آن واحد.. وقد كرهت الفكرة وبالغد ستستشير هنا صديقتها وتطلب نصيحتها.. جائتها نغمة رسالة.. ف اقتربت وأمسكته بتردد وقرأت وكانت من قاسم هذه المرة يقول.." اطلعيلي ف البلكونة عايزك".. 


........ 

وعلى ضوء القمر تنهد.. وأغنية للعندليب كلماتها تصدح من غرفته يتغنى معها بشاعرية غريبة عليه.. شاعرية لم يدركها سوى معها ولها.. لم يستغرب من تغيرها المفاجئ.. يعلل لنفسه أنها منه وله.. من أمامها حبٌ كحبهُ هو ولم تقع به..!! يقف بجزعٍ مائل .. يستند بساعديه على حافة السور الرخامي لشرفته وبجواره على السور كوبين من الشاى الساخن تتصاعد الأبخرة منهما، في انتظارها  هو وكوب الشاي الذي أعده لها وهو يحدثها على الواتس آب ، والتفت لباب شرفتها وهي تفتحه وضحك.. ضحكة ليس لها معنى أو إسم سوى أنها ضحكة قاسم.. 

كانت شرفتيهما بجوار بعضهما يفصل بينهما مسافة أقل من متر تقريباً.. 

على جدار شرفتها العديد من أواني الزرع الفخارية معلقة.. وقفص لعصافير ملونة كان أهداها لها بعيد ميلادها السادس عشر وفرحت به كثيراً.. 

وسارت بجهته وكان العندليب يشدو بألحانه من الداخل.. 

"ياراميني بسحر عنيك الاتنين ماتقولي واخدني ورايح فين.  ......." 

وكأن العندليب يأتي بالوقت المناسب.. وكأن كلماته مخصصة لها.. وكأن شفتيه تتغنى بكلماتها دون إرادته.. 

استندت على السور أمامه وبادلته ضحكته الرائقه ببسمة.. وضع كوب شايها على صينية صغيرة وناولها إياها بطول ذراعه.. لتأخذه منه.. وقد اتسعت ابتسامتها لشبه ضحكة.. 


-ايه الدلع ده كله.. بنفسك عامل لي شاي.. 


ورده كان صادقاً بحجم سرعته.. 


-معنديش أغلى منك.. 


هو صريح كمشاعره .. وهي قررت التلاعب.. كلمة قالها لم ولن تنساها.. "متبقيش جاحدة زي أمك".. 

أسدلت بأهدابها وبعدت بعينيها عنه واكتفت بابتسامة.. 

وساد الصمت مرة أخرى.. هو يرتشف شاييه بمزاج.. يتطلع إليها بين كل رشفة وأخرى بحب.. وهي تنظر للسماء تستكفي بالقمر وتحصي النجوم ببالها.. قال وقد سأم.. 

-وآخرتها..؟ 


غضنت جبينها بتسائل مردفة. 


-آخرة إيه.. مفهمتش.. 


هتف ببديهية.. 


-آخرة اللي احنا فيه ده.. هنقضيها شات وخلاص..؟ 


واستكملت ضاحكة.. 


- وأيموشنز... 


وعادت عقدة حاجبيه مرة أخرى.. زفر بضيق وقال.. 


-احنا هنهزر.. حنيييين.. ردي ع سؤالي 


واستفهمت بقلق.. 


-اللي هو إيه..؟ 


وأقصر طريق بين نقطتين خط مستقيم.. وهو كالخط المستقيم لا انعواج.. 


-انتي بتبادليني مشاعري؟ 


بصراحة تفاجأت.. واتسعت مقلتيها.. شهقت بصدمة وقد نست التلاعب وعادت طفلة الأمس ثانية..


-قااااااسم...


زفر وقد نفذ صبره.. 


-ردي... 


وفصول السنة الأربعة مروا على صفحة وجهها.. والحمرة القانيه لونت خديها.. وخجلت.. وللأسف خجلت قالت تنوي الدخول والهروب .. 


-مش هرد عليك.. بس هشتكيك لجدي وأقول انك بتعاكسني.. 


وهرولت وتركته متسع الأعين.. كاد أن يثب من شرفته لشرفتها وجذبها من خصلاتها التي يتوووق للعب بها ودس أنفه فيهم.. ويتزوجها بالإكراه.. ولكنه اكتفي بسبة ألقاها بصوت يصلها بغيظ منها ومن برودها.. وهروبها...... 


.............. ****


... وعند عاصم... . على طاولته التي أعتاد الجلوس عليها.. ولفظت بإسمه تقريباً.. كانت أمنية تجلس بجواره ممسكة بكوب "الهوت شوكليت" الذي تعشقه.. بطرف لسانها ذاقته كعادتها أولاً تذوق ثم ترتشف.. وتلك الحركة لاحظها فيها.. ككل شئ بها هو حفظه كـ كف يده.. تتطاير غرتها بفعل الهواء الخفيف .. يتكلمون عن أي شيء وكل شيء دون هدف محدد.. هو لاينكر كلامها يجذبه وبشدة وخاصة طريقتها وكأنها مراهقة لا تتجاوز التاسع عشر.. ولكنه مل الكلام.. هو رجل أفعال.. أقرب طريق لقلب الرجل معدته وأقرب طريق لعاصم النجار هو الفراش.. وإن كان منجذب لها سيقتل ذلك الانجذاب في مهده.. فالحلوة تسمح له ببعض التجاوزات.. حسناً ليست تجاوزات بالنسبه لعاصم.. فتجاوزاات عاصم أعاصير وبعثرة شراشف.. ولكنها تروقه فيرضي بتجاوزتها الخفيفة كمسكة يد.. واحتضان كتف.. وقبلة على باطن الكف تدغدغ مشاعر الخجولة وتحمر كالفراولة فيقبل خدها فتغضب وتنهره بعبوس لذيذ فيعتذر بتراجع لا يدوم دقيقتين.. 

تناول فنجان الاسبريسو خاصته ورفعه على فمه وارتشف منه.. قال وقد غير الحديث لصالحه.. ومازال ذراعه يحتضن كتفهها.. 


-انا زهقان من النادي.. ايه رأيك نقضي اليوم في مكان تاني..؟ 


تسائلت ببلاهة.. 


-هنروح فين طيب.. 


وقرر ضرب الحديد وهو ساخن.. وأقترب منها برأسه وليته ماأقترب.. وهمس بجوار أذنها وأنفاسه الحاره تضرب صفحة وجهها..


-أي رايك نكمل اليوم في شقتي؟


وتغير لون بشرتها للأصفر وكأن الدم سُحب منه كان دليل خوفها.. طمأنها بنبرة ذئب قرر اللعب مع الجميلة قبل أكلها.. 


-إيه ده.. انتي خايفة مني ياموني.. فكرتك واثقة فيا..!! 


والصغيرة غبيه.. وبألاعيب الرجال جاهلة.. وهو ذئبُُ ماجن ولعوب

صبر عليها وحان وقت إلتهامها ........  وردها أرضاه.. ف هي في روايته مثلها كغيرها.. وفي روايتها كانت سندريلا التي فازت بالأمير..... 


................. ***

قرأت مرة.. " أن تنجب طفلاً يعني أن تسمح لقلبك بالسير على قدمين" 

أن تستمع لثرثرته وينقبض قلبك من حزنه!! .. 

طفل لم يتجاوز الستة أعوام ويريد الموت واللحاق بوالدته!!.. 

"أنا عاوز أروح لماما عند ربنا" 

ورد بلهفة وخوف أب يرتعب من الفقد "بعد الشر عليك ياحبيبي.. ف ايه بس مالك".. ومسح بكفه على ظهره بحنو.. وترك للطفل مساحته ليحكي ببراءة 

"انت نسيت ماما.. بس انا منستهاش.. أنا عمري مانسيتها ومش هنساها" 

وأجاب نافياً يحاول أبعاد تهمة عنه

" أنا عمري مانسيت ماما ياحاتم.. ماما في قلبنا" 

ودبدب الأرض بقدميه غاضباً.. طفل غاضب على الدوام متمرد.. 

"لأ انت نسيتها.. وتحب ريم.. خلي بالك يابابا أنا بكره ريم دي عشان عايزه تاخد مكان ماما "

قالها وركض غاضباً.. يبكي.. دخل غرفته وغلق بابها عليه.. وكمال وقف مذهولاً" من أين أتى ابنه بتفكيره هذا؟! " 

واستدار عائداً لغرفته ليجدها واقفة على بابها تستمع للحوار تحدجه بنظرة مبهمة لا يفهمها.. بأناملها أغلقت أزرار منامتها والتي للتو كان يعبث بها وتجاوزته لغرفتها وأغلقت الباب بجمود. ويبدو أنه يوم غلق الباب العالمي بوجهه.. وعاد لغرفته..كما كان.. خائب الرجاء...... 

ونفض عن رأسه تلك الذكرى.. واليوم أيضاً.. عدا المنامة والمنحنيات وما أدراه ما المنحنيات.. يصعد الدرج متوجهاً لبيته وينوي استكمال ماقطعه ابنه حاتم  حتى وإن اجتمعت  قوات الناتو على إيقافه..

يعلم بزيارة حماته اليوم.. ساعة لا أكثر وتغادر ووقتها ستصبح زوجته شرعاً وتنفيذاً.. 

ضحك من منحني تفكيره المنحرف لما سيفعله.. ماله أصبح رجل عديم الأدب هكذا.. بـ عمرهِ ماكان هكذا.. كان عاقل وهادئ ورزين.. يبدو أن ريم تبدله لهيئة أخرى تعجبه..  

وفتح باب شقته بهدوء وبعد أن فتحه أصابه الضيق من المفترض أن يدق الجرس أولاً بما أن حماته موجودة .. ولكن هدوء البيت آثار استغرابه بحث بعيناه.. ليجد الأطفال الثلاث يجلسون معاً بغرفة مراد يلعبون.. مشي قليلاً ليأتيه صوت حماته من داخل غرفة ريم وقبل أن يطرق الباب سمعها تقول.. 


-ريم انسيه يابنتي.. عمره ماكان هيحبك ولا يبصلك.. انتي معاكي دلوقتي راجل، نادر تلاقي زيه دلوقتي.. فاتلمي وشيلي الواد ده من قلبك ومن دماغك... 


............... ***


وآخر بعالم آخر.. تائه وكأن ماله قد تبخر.. يطرق باب منزل والدته.. فتفتح شقيقته.. يرمقها بتعجب ترتدي ملابس بيتية مريحة بنطال قصير للركبتين وقميص بربع كم بلون زاهٍ.. 

فتحت له ودخلت كانت تجلس على الأريكة أمام التلفاز بجوارها ملك وطبق من "السيريلاك" تطعمها منه والصغيرة تلهو بهاتف عمتها.. 

جلس أكرم أمامها على الأريكة الصغيرة وقد أغلق باب المنزل.. قبل صغيره على شعرها.. ثم سألها باستغراب. 


-انتي بتعملي ايه هناا؟ 


ضحكت وهزت رأسها بيأس منه.. والجملة النسوية الشهيرة.. 


-منتا لو مهتم كنت سألت.. بس الاهتمام مبيتطلبش.. 


ضحكته لم تصل لعيناه.. تنهد بتعب وقال.. 


-لاااا البوق ده تقوليه لجوزك. انا أخوكي.. 


معلقة ممتلئة "بالسيريلاك" وضعتها بفم الصغيرة ووضحت.. 


-انا قصدي أقولك انت لو مهتم.. كنت عرفت ان انا قاعده هنا بقالي كام يوم عشان هطلق.. 


ونالت اتساع ف الحدقتين.. وفاهٍ مفتوح.. وصدمة ملئت النبرة.. 


- انتي بتقولي ايه؟ هتتطلقي... 


ورغم حزنها.. ورغم أن القلب عضو "مهزأ" في جسمها ومازال يخفق لأجل الخائن الا انها تعلم بأنها ستتجاوز.. لحقته بصدمة أخرى.. 


- قولي مبروك انا حامل.. مشفتش حظ أسود من كده؟ 


حاول الكلام وفشل.. حاول مرة أخرى وقال مندهشاً.. 


-عايزه تقوليلي أن انتي وزياد.. خلاااص finish؟! 


-اه خلااص.. 


قوس فمه.. وضرب كف بآخر وأردف.. 


-خبرين عكس بعض تماماً.. مش عارف اباركلك ولا أزعل.. 

بس إيه بقى سبب الطلاق.. 


استهزأت به ورفعت حاجبها ساخرة.. 


-يعني مش عارف يا أكرم.. ع أساس أن انتو مش صحاب وعارف اللي بيعمله..! 

أحني رأسه واختفت بسمته المصطنعة.. ولديها الحق.. رغم اعتراضه إلا أنه كان يعلم وصمت.. 

هتف بمرح بصعوبة يحاول جلبهُ.. 


-لو واد هتسميه أكرم.. 


وشقيقته العاشقة تحدته.. وبقوة قالت.. 


-إنسى .. انا لو سميت أكرم هو مش هيضايق عشان بيحبك.. 

ثم ابتسمت بخبث مردفة .. 


    - أنا هسميه قاسم.. 


شهق ضاحكاً.. 


- لأ انا كدة اتأكدت انك بتكرهيه.. 


وضحكتهم جلبت الأم من المطبخ ترتدي مريول المطبخ فوق جلبابها القطني .. تتسائل.. 


-خير متضحكوني معاكو..!! 

رد أكرم مستنكرا من غير ما حد كاتب وصيتك من غير ما 


-انتي ازاي ياماما متعرفيش أن نيرة بينها وبين زياد مشاكل.. 


لوت شفتيها باستهجان.. وغمغت بغير رضا.. 


-واقولك أمته انشاء الله.. ولا أقولك ليه.. 

ما اللي انت عملته في بنت الناس بتترد ف أختك.. 

تكملة الرواية من هنا 👇👇👇


من هنا

تعليقات

التنقل السريع
    close