القائمة الرئيسية

الصفحات

بنات عنايات الفصل الاول حتي الخامس عشر والاخير بقلم رضوي جاويش كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

 


بنات عنايات

الفصل الاول حتي الخامس عشر والاخير

بقلم رضوي جاويش 

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

ثلاث لؤلؤات تركهن زوجها الراحل أمانة فى جيدها .. فهل تستطيع التصدى لموروثات قاسية فى صعيد مصر و الوقوف امامها فى سبيل ازاحة الأوحال عن لؤلؤاتها ..!!؟.

الفصل الأول 

أغلقت بابها خلف اخر سيدة من المعزيات واستندت على ضلفتيه في شرود .. 

فها قد مرت الأيام الأولى لوفاته كأيام عجاف لا ترى فيهن ولا تسمع الا صوت النواح و النحيب .. إنما هي.. فلم تبكى .. لا تعرف لما لم تذرف الدمع عليه حتى اللحظة وهو نور عينيها و وحيد قلبها .. 

انه من دق له الفؤاد منذ وعت انها أنثى لها قلب يعشق .. ذاقت معه معنى الحب الذى تكلل بحلال الله .. و أصبحت زوجته منذ بلغت السابعة عشر من عمرها .. 

تنهدت بصوت مسموع  وخرجت أنفاسها و كأنها جمر خارج من أتون مستعر .. 

جالت بانظارها في ارجاء المنزل المتواضع لتستشعر ان حتى الحوائط الباهتة تنظر اليها شذراً مما جعلها تنتفض في ذعر.. 

فحتى جدران بيتها أصبحت تخيفها في عدم وجوده.. باتت اضعف من ان تقف في مواجهة مخاوفها دونه .. كان أمانها و سندها و ظهرها الذى انكسر برحيله ..

سحبت اقدامها بالكاد حتى وصلت لحجرة 

جانبية صغيرة فتحت بابها لتطالعها الآسرة 

الصغيرة التي يتكوم عليها بناتها الثلاثة 

ثمرة زواجها من حبيبها و رجل عمرها ..

دخلت تتفقدهن كعادتها و اليوم ليس استثناءً .. جذبت الغطاء على أجسادهن 

و ربتت بحنو على وجناتهن التي جفت عليها اثار الدموع .. 

توجهت لغرفتها و ما ان دفعت بابها حتى 

طالعتها صورته المعلقة على الحائط قبالتها 

سارت حتى أنزلتها من عرشها و ضمتها لصدرها لعله يهدأ بقرب الغالى حتى ولو كذبا ..و الان.. 

الان فقط.. بكت .. بكت بدمع ساخن يخرج من جفون القلب الضائع منذ ليال هي حصيلة غيابه عن دنياها .. 

انها تفتقده .. تفتقد الأمان في وجوده حتى ولو جثة هامدة أنهكها المرض على ذاك الفراش .. تفتقد همساته و ضحكاته و حتى صوت سعاله الذى كان يضج به الدار عندما يزداد عليه الألم .. 

انها تفتقده حد اللانهاية و تخاف .. 

نعم تخاف.. بل ترتجف رعبا مما هو قادم ..

فقد غاب من كان بوجوده يقيها من الكثير و يحميها من الكثير .. و يصرف عنها الكثير و الكثير .. الان هي في مهب الريح وحيدة 

تزود عن نفسها و بناتها .. كفارس اعزل فقد جواده الرابح و كُسر سيفه في قلب المعركة .. معركة الحياة .. 

نظرت الى الصورة تملّى عينيها من ملامحه التي كانت ولازالت هي عشقها الذى لا ينضب معينه .. 

هتفت في حزن :- اتوحشتك يا غالى .. أسوى ايه من غيرك .. !!؟.. و أجف كيف وسط الريح اللى جاية تچرى.. واعيالها وانا لحالى ..!؟.. 

و كأنما سمعت صوته الرخيم الذى يحمل تلك النبرة المميزة التي لا يخطأها قلبها قبل مسامعها يهتف عاتبا :- وااه يا ام البنات .. طول عمرك شديدة .. هتاجى دلوجت و تجولى تعبت .. لساته المشوار طووويل يا 

غالية .. أچمدى .. 

هزت رأسها في طاعة هاتفة :- حااضر يا وهدان .. حاضر يا جلب عنايات .. هاجف 

و لا عمرى هطاطى .. بس تبجى راضى يا غالى .. 

هتف الصوت بتأكيد :- راضى يا غالية .. راضى يا جلب وهدان .. 

رفعت صورة زوجها لموضعها و توجهت لفراشها تتحسس موضع نومه لتضع خدها حيث كان يضع رأسه .. تمسح دموعها في عزيمة .. وهى تؤكد له وهى تتلمس رائحته الطيبة على وسادتها .. انها لن تخيب ظنه ابدا .. و ستظل كما كان يدعوها دوما .. 

عنايات .. عناية القلب .. و عناية الروح.. 

عناية لكل ما يخصه و يحمل اسمه في هذه الدنيا ...

الفصل الثانى 

 

فتحت باب دارها الذى اصبح بعد انقضاء أيام العزاء لا يُفتح الا نادرا .. ليطالعها مرأى محروس عم بناتها و أخو وهدان الغالى .. لكن شتان بين الأخين ..

و كأنك تفرق الليل عن النهار ..

هتفت في فتور :- مرحب يا محروس .. خير ..!؟.. 

هتف بنفس الفتور :- مرحب يا مرت اخوى.. انا جلت أجى عشان نتفاهموا بخصوص الورث و تجسيمته .. 

هتفت بحنق :- اخوك لساته مربعنش و انت چاى تحدتنى في كلام ماسخ ملوش عازة ..

هتف حانقاً بدوره :- الحَج ميزعلش يا مرت أخوى ..

كظمت غيظها و لم تعقب ليستطرد هو في 

برود اثار تعجبها  و كأن من مات هذا لم يكن أخيه يوما :- اللى سابه وهدان جُليل يعنى مش اللى أطمع فيه بس ده حجى و انا مسبش حجى ولو كان مليم .. 

كادت ان تتهور و تلقى به خارج دارها الا ان بقية من تعقل جعلتها تمسك باعصابها حتى ينهى ما جاء لاجله و يرحل بلا رجعة كما كانت تتمنى .. 

هتف في لهجة تقريرية :- بصى يا مرت اخوى .. البنات كلاتهم جُصر .. يعنى تحت وصايتى .. و ابتسم ابتسامة سمجة هامساً 

بصوت كالفحيح :- ما انى عمهم برضك و حجهم معايا يزيد .. و لا ايه ..!؟.. كمان .. بتك الكبيرة سماح دلوجت الله اكبر عروسة 

و انا هاخدها لولدى حسان .. و يبجوا..

عند هذه النقطة و لم تستطع الا ان تنتفض هاتفة في غضب :- بتى مين دى اللى تخدها لولدك ..!؟.. سماح اللى ما تمتش خمستاشر سنة بجيت عروسة ..!؟.. لااه و ايه هاتخدها لولدك المتچوز و اللى عنديه عيلين .. يعنى كمان مستخسر فيها ولدك التانى المتعلم ... طبعا موفره تعمل بيه مُصلحة و تجوزه بت فلان و لا علان .. 

انتفض محروس بدوره صارخاً :- لمى لسانك يا مرة (امرأة ) و اتحدتى بأدب لحسن و عهد الله ما انت و لا بناتك طيلين منى مليم احمر .. 

هتفت عنايات :- هو دِه اللى انت چاى عشانه من الأول .. انك مطولناش مليم و البنات يبجوا تحت طوعك هم و فلوسهم ..

لكن الله في سماه منولهالك يا محروس و لو كان دى اخر حاجة اعملها جَبل ما أموت هتف محروس هاتفاً وهو يندفع نحو الباب مغادراً :- يبجى انت اللى جنيتى على نفسك و على بناتك .. و ابجى انفعيهم بجى .. 

و اندفع صافقا الباب خلفه في ثورة .. 

لتهتف هي للفراغ حولها و كأنها تشهده على ما انتوت :- ايوه هنفعهم .. هنفعهم غصباً عنيك ..و بكرة تشوف بنات عنايات..

      *************************

الفصل الثالث 


بكت وبكت خفية عن عيون بناتها بالرغم من علمها إنهن سمعن كلام عمهن لكنها ادعت عدم مبالاتها بالموضوع من الأساس.

وقفت امام صورة وهدان و شكت له ظلم الزمان و سوء الحال من بعده .. 

كيف لها ان تقف في وجه الريح وهى بلا سلاح يقوى من عزيمتها و يمنحها القوة التي تحتاج .. 

ان عم البنات تنصل من مساعدتهن و ضن عليهن بحقهن في مال إبيهن فكيف لها التصرف الان ..؟!!. و هي كل ما تملكه بعض من قروش قليلة تتقاضاها من حامد اخيها نظير إبقاءها على ميراثها من ابيها المتمثل في مجرد بضعة أمتار في تلك القراريط القليلة التي أورثهم أياها .. فهل كان لها ان تعترض .!؟

ففي عرف الصعيد .. البنات لا تُورث الأرض مهما حدث .. و لولا خوف حامد و خشيته من الله ما طالت تلك القروش الزهيدة التي يرسلها اليها من الأساس ..

لكن بماذا ستنفع تلك القروش أمام طلبات البنات و احتياجاتهمن .. !؟.. 

كاد اليأس يطال نفسها و يقبض على روحها المتمردة التي ما استطاع يوما ان يقهرها يأس  .. لكنها ما ان نظرت لصورة قلبها المعلقة على الحائط متمثلة في حبيبها الراحل الا و قد استنهضت همتها هاتفة تنادى بناتها و اللائي لم يكذبن خبر 

فأمتثلن جمعهن أمامها في لحظات .. 

اجلستهن على تلك الأريكة الخشبية المنجدة و تنحنحت في حزم هاتفة :- انى عارفة إنكم سمعتوا كلامى مع عمكم من كام يوم .. صُح ..!؟.. 

أومأت الفتيات في إيجاب مؤكدين ..لتستطرد هي هاتفة :- طب دلوجت انا عايزة اسمعها منيكم .. ايه رأيكم ..!؟؟.. 

نظرت لبناتها تستشرف آراءهن و تحاول استقراء أدمغتهن و سبر أغوارهن .. 

تطلعت الى بكريتها سماح ذات الخمسة عشر ربيعا و التي تحمل الكثير من روحها و بعض من ملامحها الصبوحة ..و من بعدها نادية التي تعد قطعة منها في جمالها ذات الثالثة عشر ربيعا .. و أخيرا اخر العنقود منى ..تلك المليحة ذات الاحدى عشر ربيعا .. 

لم ترد إحداهن .. بل إلتزمن الصمت في وجل لا يعلمن ما يجب عليهن قوله.. لتستطرد هي بعد ان ادركت ان بناتها غاب عنهن مقصدها :- بصوا يا بنات .. انا بعد اللى جاله عمكم و سمعتوه مبجاليش الا حل واحد مفيش غيره .. بس انا لو عِملته هتساعدونى .. و لا لاااه ..!؟.. 

هتفت سماح مؤكدة :- هنساعدك طبعا ياما.. 

هتفت عنايات :- انا هجف جصاد الناس كلاتها عشان تكملوا تعليمكم و تبجوا حاچة كَيرة ..  جصاد ده كلاته عيزاكم تعملوا اللى عليكم .. مش عايزة منيكم غير المذاكرة و النچاح هم دوول تمن تعبى ..

موافجين على كِده و لا في واحدة فيكم ليها شوج في حاچة تانية ..!؟.. 

قالت كلماتها و هي تنظر الى ابنتها نادية و التي كانت تعلم كأم انها اكثر بناتها جمالا لكنها أكثرهن تطلعا بالمقابل و ذاك ما كان يقلقها .. انتظرت حتى سمعت كل واحدة منهن تعلن موافقتها منفردة و على الرغم من ان نادية نطقت الموافقة رهبة لا رغبة لكن ما كانت عنايات لتدعها تُسير حياتها على هواها و الذى تعلم تماما أين يمكن ان يودى بها ... فهى منذ طفولتها المبكرة متمردة جامحة الفكر تتطلع الى الأعلى دوما 

و كأنما تسابق الجميع لتطال يدها نجوم السماء .. 

تنهدت عنايات و هي تبعد نظراتها المسلطة على ابنتها الوسطى و ترفعها باتجاه صورة ابيهم لتهتف في حزم :- انا خيرتكم اهاا جدام صورة أبوكم الغالى .. هو بعد ربنا شاهد عليكم و انا مش طالبة غير إنكم ترفعوا اسمه عالى .. ده كتير عليه ..!؟..

هتف الفتيات في صوت واحد :- لااه .. 

زفرت عنايات و هي تجذب بناتها لتضمهن جميعا بين ذراعيها هامسة لهن بإصرار :- عايزة النچع كلاته يتحالف بأدب و بعلم بنات وهدان .. و بكرة بعلمكم تطولوا نچوم السما ..

الفصل الرابع


كانت السماء لتوها تتلون بلون الصباح الخافت الخجول في تلك الساعة المبكرة 

لتقف عنايات بكامل لباسها على باب دارها 

تهتف في ابنتها الكبرى سماح :- جلى (ارفعى) يا سماح .. وسطنى الجُفة على راسى يا بتى ..

رفعت سماح تلك القفة المصنوعة من الخوص الذى اصابته الطراوة من كثرة الاستخدام و التي تحمل بها بعض من البيض و الجبن القريش والخبز الشمسي على رأس أمها التي كانت تتحضر للخروج من عتبة دارهن و هي تحكم لف بردتها السوداء على جسدها .. 

هتفت سماح في أمها :- طب مش هتجوليلى رايحة فين بالجفة دى ياما ..!؟

اشارت عنايات لها بالدخول زاجرة أياها :- ادخلى دلوجت و خلى بالك من خواتك و الباب دى مينفتحش لمخلوج و لو كان مين .. سمعانى ..!؟..

أكدت سماح بإشارة من رأسها و هي تغلق باب دارهن بأحكام كما اوصتها أمها غير مدركة أين ستذهب أمها في تلك الساعة المبكرة من النهار والذى يتنهد في الأفق بلطف ناشرا أشاعته الدافئة .. 

تنهدت عنايات براحة ما ان تأكدت ان ابنتها أغلقت الباب خلفها  حتى أسرعت المسير نحو تلك المعدية التي تقلها للبر الاخر حيث تستقل احدى سيارات الأجرة 

لتتوجه بها لأقرب سوق في تلك الناحية 

لتجد لها مكانا متوسطا بين النسوة على ذاك الرصيف في قلب احد المراكز التابع له قريتها .. 

وضعت قفتها و رفعت عنها غطاءها و بدأ المشترون في التوافد على ما تحمل من خيرات .. 

ساعات و ساعات قضتها ما بين بيع و فصال حتى أنهكتها الشمس الحارقة و طول الجلوس تحتها حتى فرغت من بيعها و حمدت ربها و اندفعت عائدة بنفس الطريقة  

المرهقة ذاتها .. لكن كان عزاءها الوحيد انها باعت بفضل الله كل ما كانت تحمله في جعبتها .. 

ابتسمت و هي تتحسس الجنيهات التي تحملها في سعادة .. ليس لانها لا تملك المال .. لكن لانها و للمرة الأولى تستشعر طعم مالا من عرق جبينها و تعبها بالفعل .. 

و اتسعت ابتسامتها عندما أكدت لنفسها انها قادرة على العناية ببناتها و توفير ما تستطع لهن من احتياجات .. أوَليست عنايات ..!؟؟.. دمعت عيناها عند ذاك الخاطر و هي تتذكر وهدان .. 

لن تدع احد يكسرها او يجبر واحدة من بناتها على ما لا تريد .. 

ستكمل كل واحدة منهن تعليمها حتى تستكفى .. ستصبح بناتها حديث قريتها و القرى المجاورة .. لن تدع اى من كان يعبث بأقدارهن فقط لأنهن خلقن فتيات ..

سارت تترنح تعبا وهى عائدة لدارها لكنها تشع فرحا و املا لانها استطاعت ان تؤمن لبناتها بعض من الجنيهات تكفيهن شر الحاجة و تسترهن .. 

    *************************

الفصل الخامس 


ضحكة خشنة لفتت انتباهها و هي تقف على اعتاب دارها جعلتها تجفل و تنتبه لمصدرها ليطالعها وجه محروس الجالب للنكد و الضيق .. 

استدارت لتدق باب دارها كأنها لم تره مما جعله يغلى غيظا لتجاهلها أياه ليندفع خلفها لداخل الدار ما ان دلفت .. 

وضعت حملها الذى كان يكلل رأسها و استدارت تواجهه هاتفة في حنق :- عايز ايه يا محروس .. اللى انت عايزه خدته .. بجى ايه تانى !!؟.. .. تبيعنا دارنا اللى اويانا و لا هدمتنا اللى سترانا ياخو المرحوم ..!!؟.. 

هتف محروس بغيظ :- بكفياكِ فضايح لحد كِده .. الناس كلت وشى و انا سايب مرت اخوى تبيع كحريت (بيض)و چبنة في السووج عشان توكل بناتها ..

انفجرت عنايات ضاحكة في تشفى :- بجى ده اللى چابك .. و الله حسيس ..طب رچع للبنات حجهم و انا مخرچاش من الدار .. 

همس معاتبا :- و ماله .. عيونى للبنات و امهم .. بس امهم تحن علىّ و تِجبل نتلم في دار واحدة و يبجى زيتنا في دجيجنا .. 

انتفضت عنايات مبتعدة عنه و هي لا تصدق ما تسمع .. زوجها لم يمر على وفاته الا بضعة أشهر ليطلب منها الزواج به .. 

استجمعت شجاعتها و رباطة جأشها من جديد هاتفة في سخرية :- حد جالك ان انى ضمن الورثة اللى سابها المرحوم .. !!؟.. 

و يا ترى مرتك ست الحسن و الدلال تعرف بالحديت ده ..!؟؟..و لا أبعت لها اللى يچيبها تحضرنا و اهو يا بخت من وفج راسين في الحلال .. 

اضطرب محروس عند ذكر عنايات لزوجته 

هنية المعروفة بتسلطها و جبروتها و ازدرد ريقه بصعوبة مما استرعى انتباه عنايات لتستطرد جزلة :- و لا انت عايز تتچوزنى في السر و تبجى داخل خارج علىّ انا و بناتى كِده ..!!؟؟.. دِه حتى يبجى عيبة كَبِيرَة في حجك يا محروس أوعر من انك تتعير بمرت اخوك اللى بتبيع الجبنة و الكحريت .. و لااا ايه يا أخو الغالى ..!؟.. 

تهته محروس في حديثه :- انى .. اصل كنت .. 

هتفت عنايات تقاطعه :- اصل كنت طمعان في الشروة على حالها .. جلت المَرة اللى جالبة دماغنا دى نعملوا معاها ايه ..!؟.. 

جلت أزغلل عنيها بالچواز و ساعتها ابجى انى و بناتى تحت طوعك و تحكم و تتأمر زى ما يعجبك و تريح دماغك من وجع الراس .. مش كِده ..!؟.. 

لانت نبرة صوته هامساً :- لااه .. مش كِده يا عنايات .. انا رايدك من زمان .. ومشيفش في الحريم غيرك .. انتِ ال..

هتفت عنايات مقاطعة أياه في حزم :- انت تاخد حالك و مع السلامة من هنا .. و بيت الغالى دِه متعتبوش تانى برچلك .. و كلمة زيادة يا محروس هلم عليك النچع كلاته و أفضحك اكتر ما انت مفضوح... جلت ايه..!؟.. 

انتفض مغيراً نبرة صوته لأخرى يملؤها الحقد و الغضب :- مااشى يا عنايات .. ماااشى .. بس مش محروس اللى تجدر عليه مَرة ناجصة .. 

هتفت في غضب هادر بغية رد حقها على كلماته الأخيرة :- المَرة الناجصة دى كنت 

هتحب (تُقبل )على يدها من دجيجتين عشان تجبل تتچوزك .. 

رفع كفه عاليا.. و قد استفزه ردها النارى و هم بأن يلطم وجهها لولا صراخ ابنتها الصغرى منى التي دخلت في تلك اللحظة 

ليتجمد كفه في منتصف الطريق لوجنة أمها 

التي كانت تقف كتمثال حجرى لا دلالة على الحياة فيه الا تلك العيون التي تطلق منها نظرات كسهام من نار باتجاه محروس و كفه المرفوعة في مقابل وجهها .. 

ثوان مرت و الحال على ما هو عليه و أخيرا اندفع محروس مغادراً في ثورة صافقا باب دار أخيه الراحل خلفه و اندفعت منى تجاه أمها تلقى بنفسها في أحضانها تبكى ..

الفصل السادس

 

اصبح بيعها رائجا و اصبح لها زبائن يأتون اليها هي لاغيرها من البائعات..

يفضلون بضاعتها وحلو حديثها و طيب معشرها حتى ان إحداهن كانت زوجة لمستشار في احد المحاكم دلتها على بيتها 

و أصبحت تأتيها كل يوم سوق مبكرة.. 

تعطيها افضل ما لديها قبل ان تذهب بما تبقى من حملها لبيعه على الرصيف حيث تفترش بُردتها ..

و اليوم لم يكن استثناءً فها هي تصعد البناية التي يوجد فيها شقة خيرية هانم 

زوجة عونى باشا المستشار  لتطرق عدة طرقات على باب شقتهما في مثل تلك الساعة المبكرة .. 

فتحت خيرية هاتفة و هي تتثاءب :- صباح الخير يا عنايات .. ازيك و ازى بناتك..!؟.

هتفت عنايات و هي تفترش الأرض امام الباب :- بيحبوا على يدك يا ست .. يسلم سؤالك .. 

جلست خيرية ذات الجسد الممتلئ على احد المقاعد المجاورة للباب هاتفة في فضول ناظرة تجاه قفة عنايات المغطاة :- هااا .. جايبة لنا ايه من خيرات ربنا النهاردة ..!؟

رفعت عنايات الغطاء عن بضاعتها هاتفة في فخر :- احلى چبنة و حكريت و كمان 

في چبنة جديمة و فاطير مشلتت .. 

هتفت خيرية :- خلاص يا عنايات جريتى ريقى .. 

انفجرت عنايات ضاحكة و هي تهتف في مودة :- الف هنا وشفا علي اللى هياكل يا ست خيرية .. 

أخذت خيرية ما يكفى حاجتها من خيرات عنايات كما كان يدعوها سيادة المستشار 

و رحلت لتبيع هي ما تبقى معها و تعود محملة بجنيهاتها لبناتها .. 

فكرت و فكرت وهى في طريقها لدارها و

غلبها التفكير حتى لاحقها على فراشها 

و اسهد ليلها .. ان بضاعتها رائجة بالفعل 

لكن لن يظل بيع بعض البيضات و قطع الجبن او الفطير مؤمن لحياة بناتها بما يكفى .. عليها ان تفكر في الأفضل .. 

لكن كيف لها ذلك ..!؟؟.. 

سماح انتقلت للمرحلة الثانوية و اختها نادية وصلت للصف الثانى الإعدادي و منى 

هاهى أصبح في الشهادة الابتدائية .. 

ان البنات يكبرن و يحتجن للمال جانب الغذاء اللازم .. فمنذ وفاة وهدان و المرات التي دخلت فيها اللحم الى الدار 

لا تتعدى أصابع اليد الواحدة .. 

نهضت في تثاقل متوجهة للاريكة الخشبية 

تزيل عنها وسائدها المتهالكة و مرتبتها المهترئة بعيدا و تخرج احد المفاتيح المعلقة بصدرها لتفتح ذاك القفل على باب

صغير يُفتح على باطن الأريكة و التي تحمل فيها كل ما هو غال و نفيس ليكون بعيداً عن الاعين او في متناول الايدى..

مدت كفها لتخرج ذاك الصندوق الذى فتحته بمفتاح اخر لينفرج عن كيس قماشى مصروم بحبل مشدود و ملفوف حول قمته 

عدة مرات كمشنوق تدلى من حبل إعدامه..

فتحت الكيس و نفضت ما به داخل حجرها 

و تطلعت الى قطع الذهب و التي تعتبر هي كل ما تملكه من حطام الدنيا .. هي شبكتها

التي هداها لها وهدان يوم عقد قرانهما ..

رفعت كل قطعة من القطع الثلاثة امام وجهها لتلمع عيونها بدمع الحنين لتلك الليالى الهانئة التي عاشتها في ظل زوجها الراحل .. 

تذكرت يوم ان اهداها إياهم هامساً في عشق :- و الله يا عنايات انا لو أطول اجيب لك الدنيا و ما فيها .. 

لترد هي في سعادة منتشية :- انت الدنيا و ما فيها يا وهدان .. هعوز ايه تانى ..!!؟..

انحدرت دمعاتها قهراً .. فها هي اخر ذكرى حية و ملموسة من حبيبها في سبيلها للاختفاء .. و ما بيدها حيلة .. كانت تتمنى

ان تهدى كل فتاة من بناتها قطعة من تلك القطع الذهبية الغالية على قلبها كهدية ليلة زفافها و كأنها هدية من ابيهن الذى لن يفرح برؤية كل منهن عروس.. 

ضمت القطع لصدرها متنهدة في قلة حيلة 

و قد عزمت امرها لبيع القطع الثلاثة لتنفذ فكرتها و توسع على بناتها و بيتها ..

الفصل السابع 


هتفت خيرية في انبهار و هي تنظر الى قفة عنايات الزاخرة اكثر من المعتاد :- الله اكبر.. ايه الخيرات دى كلها يا عنايات ..!؟؟

ابتسمت عنايات بفخر هاتفة :- انى اشتريت چاموسة يا ست خيرية .. و كل حاجة من خيرها .. اللبن و الجشطة و السمن البلدى 

و الچبنة كمان بجيت اعملها لحالى .. و فاطير و چبنة جديمة .. ايه جولك ..!؟..

انفجرت خيرية ضاحكة ليقاطع ضحكاتها 

سيادة المستشار هاتفاً بمزاح:- دى بقت مغارة على بابا يا عنايات .. فطير و سمنة و قشطة و بيض .. أحمدك يا رب ..

علت قهقهات خيرية و هي تهتف :- صدقت يا عونى .. 

بينما نظرت عنايات في سعادة و لم تعلق ليهتف عونى من جديد :- عنايات تفتح المغارة بتاعتها و عونى يدفع طبعا .. 

هنا هتفت عنايات في مرح :- ربنا يخليك ليهم يا باشا و ما يحرمك من المجايب ..

هتف عونى و هو يستعد لمغادرة المنزل:-تسلمى يا عنايات .. انا نازل بقى يا خيرية 

.. عايزة حاجة ..!؟.. 

هتفت خيرية في امتنان :- عايزة سلمتك يا عونى .. 

رحل و بدأت هي في انتقاء ما تريد من جعبة عنايات .. لترحل عنايات بعد ذلك 

بفترة قصيرة للسوق لتبيع ما تبقى معها

و قد انتشت فرحا من عدد الجنيهات التي 

تحملها في جيب جلبابها الأسود و قد ايقنت ان الدنيا بدأت تبتسم لها و لو قليلا و ذلك اثلج صدرها و اعتلت الابتسامة شفتيها اخيرا و التي غادرتها منذ رحل الغالى و لم تعود الا في تلك اللحظة .. 

     ************************

صنعت الجاموسة في تلك الدار جوا اخر و حياة أخرى .. أصبحت فردا غالى من الاسرة .. يعتنى بها الجميع و يسهر على راحتها .. و كيف لا .. و هي كل رأس مالهن و ما يملكن من حطام الدنيا .. و هي الوسيلة التي يؤمن بها حياتهن من شر الحاجة و العوز .. 

ابتسمت عنايات و هي تجلس تضفر شعر ابنتها الصغرى منى القابعة أسفل قدميها 

بينما دلفت سماح لصحن الدار قادمة من ذاك الباب الجانبى الذى يُفتح على الزريبة حيث موضوع بهيمتهن الوحيدة الغالية وهى تحمل سطل ممتلئ من اللبن تنوء بحمله هاتفة في سعادة :- الله اكبر ياما ..

الجاموسة حلبتها زايدة و فايضة النهاردة..

هتفت عنايات متنهدة في راحة :- الحمد لله.. فضل و نعمة .. يا جابر خاطر الغلابة يا رب .. 

دق الباب لتنهض عنايات تفتحه ليطالعها احد الأطفال هاتفاً :- امى بتجولك عايزين 

كيلو لبن من حلبة الچاموسة يا خالتى.. 

و هتبعت لك تمنه لما ربنا يوسعها .. 

ابتسمت عنايات للطفل هاتفة :- حااضر.. من عنايا .. 

و استلمت الوعاء الذى جاء به الطفل لتلملأه بما يزيد عن الكيلو الذى طلبته ام الصبى .. و تناوله أياه ..

هاتفة في مرح :- خد يا سيد الرچالة اللبن اهاا بس اوعاك تدلجه .. و سلم لى على امك و جول لها تمن اللبن وصل يا غالية..

ابتسم الغلام و تناول الوعاء في سعادة و هو يسير الهوينى حذرا كى لا يهدر قطرة واحدة من حمله الغالى ..

أغلقت عنايات الباب لتهتف نادية في حنق:- يعنى ياما طلب كيلو عطتيه أزيد و كمان متخديش فلوسه .. مش احنا أولى..!؟..

صمتت عنايات للحظات و أخيرا هتفت بنبرة هادئة لابنتها :- يا بت جلبى .. انتِ جاية على الفجير و تتشطرى.. دى مَرة غلبانة عنديها كوم لحم .. و احنا الحمد لله ربنا كارمنا .. موعتيش لسماح وهى بتجول الجاموسة حلبتها زايدة ماشاء الله.. ده رزجهم و ربنا بعته و خلانا سبب فيه ..

اومال علام ايه اللى عتتعلموه لما انى الجاهلة اللى عجولك كِده ..!؟..

زمجرت نادية كعادتها و انصرفت من امام أمها التي دعت لها بالهداية .. 

      ***********************

الفصل الثامن


هتفت هنية في ضيق بعد ان وصلتها اخبار عنايات و ما جنته من وراء شرائها الجاموسة :- ايه يا محروس .. هتسيب الولية مرات اخوك دى فضحانا كِده .. !!؟..

هتف محروس في لامبالاة و هو ينفس دخان نرجيلته :- و عيزانى اعملها ايه .!؟

ما تغور تعمل اللى هي عيزاه .. المهم بعيد عنينا و مطالبش بجرش من ورث اخويا .. 

هتفت هنية بغل من جديد :- انت هتسبها يا راچل تعلم بناتها و تخليهم احسن من عيالك الرچالة اللى محدش فيهم فلح ..!؟؟.. 

رد عليها من جديد مغيبا يشد انفاس النرجيلة و التى يعبق بدخانها الأزرق المكان :- متجوليش على عيالكِ كِده .. و بعدين ما هو حسين ماشى في العلام تمام .. أحمدى ربنا اهو واحد من التلاتة فلح .. 

صرخت في غيظ :- انت ناوى تجننى .. و عهد الله لو متصرفت مع المَرة دى لهتشوف شغلك معايا.. 

زمجر محروس في ضيق منتفضاً :- طيب خلاص .. يا ساااتر على وچع الراس .. طيرتى الحجرين اللى بجالى ساعة بظبط دماغى بيهم .. 

هتفت تلح من جديد :- اه يعنى هتعمل ايه!؟.. 

هتف في نفاذ صبر :- انا مفيجش أفكر .. جولى انت عوزانى اعمل ايه و انا اعمله عشان أريحك و أريح دماغى كمان .. 

زفرت هنية في ضيق تندب حظها في سرها على ذاك الرجل الذى اُبتليت به هي من دون النساء وهى بنت الأصل و الحسب  بينما عنايات ابنة ذاك العامل في ارض ابيها خطفت قلب وهدان سيد شباب نجعهم و الذى ظل يهيم بها عشقاً حتى اخر أنفاسه ..

تنبهت ان زوجها و اخر صبرها على وشك النعاس فهتفت فيه بضيق جعلته ينتفض ليتيقظ من جديد لتتلو على مسامعه خطتها 

الجهنمية لتركيع عنايات و إذلالها .. 

   *****************************

تنهدت عنايات متعجبة .. فما تشعر به غير طبيعى بالمرة .. تقلبت على فراشها مسهدة 

لا تدرى لما يجافيها النوم على غير العادة..

تشعر بأنقباض غريب بصدرها .. 

لم يعد هناك مجالا للنوم .. فها هو الفجر يدق النوافذ و عليها ان تستيقظ لحلب جاموستها و إحماء الفرن الطينية التي تخبر فيها فطيرها و خبزها .. 

نهضت بالفعل من فراشها و ما ان اقتربت 

من صحن الدار حتى سمعت بعض الجلبة تأتى من باب الزريبة .. شعرت بالخوف فهى وحدها و بناتها نيام بالداخل و لازال الوقت يعتبر ليلا لتستنجد بأحد من الجيران 

حملت هراوة كانت لوهدان قديما و توجهت 

تتمتم ببعض من ايات القران الكريم و الادعية لتدفع عنها خوفها .. 

دفعت باب الزريبة في بطئ و ما ان وقعت عيناها على جاموستها الغالية حتى صرخت في لوعة أيقظت كل من بالدار .. 

جاءت البنات تجرى على صوت صراخ أمهن .. وقفن جميعا مزهولات و الجاموسة 

ترقد على الأرض لا حراك فيها .. 

تقلب فيها عنايات و تهزها لعلها تستفيق لكن لا فائدة ترجى من جسد فارقته الحياة..

بكت عنايات و كذلك بناتها اللائي وقفن منتحبات في صمت و كأنهن في عزاء عزيز غال .. كن يودعن الامل في الحياة الأفضل التي حلمن بها جميعا .. 

انتبه الجيران على صوت الصراخ القادم من دار عنايات ليندفع الرجال في سرعة 

باتجاه الدار لاستطلاع ما يحدث خاصة و ان عنايات وحدها دون رجل يزود عنها و عن بناتها ما قد يتعرضن له .. 

وقف بعض الرجال في حزن صامت ما طالعوا مشهد البهيمة المسجاة ارضا و قد فارقتها الحياة .. يعرفوا جميعا مقدار الفجيعة التي تعرضت لها عنايات .. 

تقدم احد الرجال باتجاه البهيمة يفحصها في ريبة و يقلب فيها بشك و أخيرا هتف محزونًا :- الله يعوض عليكِ يا ام سماح .. و يجازى اللى عملها .. 

تنبهت عنايات من بين شهقات بكاءها على مضمون كلماته لتهتف في عدم تصديق :-بتجول اللى عملها .. عمل ايه ..!؟.. 

كان عقلها يستنتج مغزى تصريحه لكنها لم تكن لتستوعبه الا بقول قاطع منه .. لذا هتف الرجل في سرعة :- البهيمة مسمومة يا ام سماح .. 

ضربت صدرها بكفها في لوعة و جحظت نظراتها و هي تهتف :- مسمومة ..!؟.. لا حول و لا قوة الا بالله .. حسبنا الله و نعم الوكيل .. 

لحظات مرت عليها غير مصدقة لما يجرى ثم أخيرا أضاء عقلها لتعرف بل تتيقن من الفاعل .. لم تشأ ان تثير جلبة اكثر من ذلك 

لذا مسحت دموعها في حزم شاكرة من جاء يطمئن و يشاطرها حزنها .. لينفض أخيرا 

الجمع فتغلق بابها خلف الجميع و تبدأ في التفكير .. كيف لها ان تنتقم و تستعيد حقها و حق بناتها الضائع .. 

      ************************

الفصل التاسع 

 

دق باب دار محروس عدة مرات متتابعة

لتصرخ هنية من الداخل في ضيق :- ما تفتحوا المخروب اللى عيخبط ده ..!؟.. 

اندفع حسين ابنها الأوسط لفتح الباب ليطالعه وجه عنايات الباسم ليهتف الشاب في سعادة :- مرت عمى ..!؟.. اهلا .. اهلا 

اتفضلى ..

افسح لها الطريق لتدلف لداخل الدار و هو لايزل يلقى بعبارات الترحيب و المودة ..

ردت عليه عنايات بمودة مماثلة و تعجبت ان يكون مثل ذاك الشاب الصالح من نسل 

محروس و زوجته الحاقدة .. 

قطع ترحاب حسين امه التي ظهرت تتمايل بغنج فاضح لا يتناسب مع سنها مطلقا مما دفع عنايات لتكتم ضحكاتها على مظهرها 

هتفت هنية مدعية الفرحة :- اهلا بمرت الغالى .. ازيك يا عنايات و ازى بناتك ..!!؟

و ضغطت هنية بخبث واضح على لفظة بناتك فلطالما عيرتها بانها لا تنجب البنين و ان خلفتها كلها بنات على خلافها هي التي رزقها الله ثلاثة ذكور دفعة واحدة .. 

ابتسمت عنايات و قد ادركت مغزى إشاراتها المبهمة كالعادة و ردت بنبرة كلها فخر :- بناتى زنين زى الفل .. ربنا يبارك لى فيهم .. هانت .. سماح ثانوية عامة و سنة و تدخل الچامعة و تبجى أستاذة كد الدنيا و تحصلها نادية و منى .. 

تغير لون هنية التي ضربتها الغيرة العمياء كالإعصار من مباهاة عنايات ببناتها فهتفت بحنق يدلل على مدى حقدها :- انتِ جاية عايزة ايه يا عنايات ..!؟.. ورث ..!؟.. كلامك مع محروس مش معاى .. و هو جالى انه سوى الموضوع معاكِ ..

ثم استعادت نبرتها الخبيثة من جديد هاتفة باشفاق كاذب :- و ااه صُح .. ربنا يعوض عليكِ في جاموستك .. 

هتفت عنايات و ابتسامتها لم تغادر شفتيها:- ربنا يخلف علىّ بغيرها عن جريب باذنه.. 

هتفت هنية باستهزاء :- منين ..!؟.. ده اللى اعرفه انك بعتى اللى حيلتك عشان تشتريها ..

أكدت عنايات :- معلوم .. بعت دهباتى عشان اشتريها بس البركة فيكم  ..

هتفت هنية بانتفاضة :- جولى كِده ..!؟.. انت چاية تستعطفى محروس يشتريلك بهيمة تانية .. منين ..!؟.. مكنش يتعز يا ام البنات .. 

أكدت عنايات بثقة :- لاااه .. انتِ مش واخدة لى بالك .. محروس ملوش دعوة بالموضوع دِه .. انتِ اللى هتشتريها .. 

انفجرت هنية ضاحكة و صوت ضحكتها الماجنة ترددت في ارجاء الدار لتهتف أخيرا :- شكلك اتجننتى يا عنايات و موت البهيمة كَل عجلك.. 

هتفت عنايات في هدوء :- بصى يا هنية .. 

البهيمة دى تمن انى اسيب لك جوزك تتهنى بيه .. صدجينى انا بخدمك خدمة العمر .. بس الظاهر انى كنت غلطانة .. 

انتفضت هنية لكلمات عنايات و صرخت في غل و غضب :- انتِ جصدك ايه يا مرة يا مجنونة انتِ ..!؟.. جصدك .. 

قاطعتها عنايات في ثبات مؤكدة :- ايووه .. اللى فهمتيه و جه ببالك يا ام الرچالة .. چوزك المحروس طلب يدى للچواز و انى اللى رفضت .. بس تعرفى .. شكلى كِده  

هغير رأيي و أفكر تانى .. و اهو يبجى البنات في ضَل عمهم و حمايته .. و اروج انا لحالى .. 

امتقع وجه هنية و غاب عنه لونه ليحاكى وجوه الموتى و لم تنبس بحرف .. 

لتستطرد عنايات في جزل :- انى كنت كافية خيرى شرى و بصرف على بناتى و مش طالبة حاجة و لا عايزة حاجة من الدنيا و البهيمة اللى حيلتى كانت سترانا .. دلوجت هروح فين و إجى منين بالبنات اللى في رجبتى .. ضَل راجل يسترنى و يسترهم 

و لا الحوچة .. و اهو على الأجل راچل مش غريب .. ده عمهم .. 

و نهضت عنايات في تثاقل تدعى الرغبة في المغادرة هاتفة :- انا عارفة ان ملكيش صالح بموت الجاموسة ..بس محروس هو اللى عملها عشان يطاطى راسى و اچرى اجوله ألحجنى يا عم البنات .. و اوافچ على الچواز و انا لا عايزة و لا بفكر حتى في الچواز .. بس هجول ايه .. أمرى لله ..

و نهضت عنايات بالفعل متوجهة لباب الدار راحلة و هي ترى غريمتها تكاد تجن مما سمعت فهى تدرك تماما ان عنايات لم تكذب في حرف واحد و لطالما شعرت بميل محروس لها و طرق هذا الخاطر فكرها بعد موت وهدان و حذرها الكثيرون من حدوث ذلك و خاصة ان هذا العرف السائد بالفعل 

ان يتزوج الأخ أرملة أخيه حتى يحتضن أبناء أخيه تحت جناحه و يتولى تربيتهم كابناءه و بالأخص لو كانوا فتيات .. 

هتفت هنية بصوت متحشرج تدعو عنايات للتمهل قبل ان تغادر :- عنايات ..!؟.. 

توقفت عنايات و لم ترد او حتى تستدير لتواجها .. لتستطرد هنية هاتفة :- هاتاچيلك الچاموسة لحد باب دارك و الناس كلها هاتعرف ان محروس هو اللى عوضكم

بيها .. 

استدارت عنايات هاتفة :- و حج بناتى في ورث ابوهم ..!!؟.. 

هتفت هنية باستكانة تناقض تماما تلك النبرة المتكبرة الشامتة التي بدأت بها حديثها :- ورث بناتك مجدرش أتكلم فيه .. محروس مش طوعى زى ما انتِ فاكرة .. و بيعمل اللى يعجبه و اللى في شوجه..لكن بهيمتك دى هجيبها من مالى .. 

هتفت عنايات في راحة :- خلااص يا هنية 

و ماله .. دى جصاد دى .. المهم تكفونى شركم و انا مش عايزة حاجة غير انى أربى بناتى .. 

هزت هنية راسها موافقة على كلام عنايات 

و كانها تعطيها عهدها بالا تقربها بسوء من جديد .. 

اندفعت عنايات خارج دار محروس تكلل وجهها ابتسامة راضية فقد استطاعت ان 

تستعيد جزء من حق بناتها ..

الفصل العاشر 


صدحت الزغاريد في بيت عنايات فها هي ابنتها الثانية نادية تنجح في الثانوية العامة 

و في سبيلها للالتحاق بالجامعة لتلحق بسماح اختها الكبرى التي ألتحقت بكلية الحقوق و أصبحت في عامها الثانى ..

كان اليوم هو يوم سوق و لم تستطع عنايات التأخر عن طلبات سيادة المستشار و زوجته .. فأنطلقت تلبيها لكن نادية أصرت على مصاحبتها هذه المرة حتى تشترى ما يحلو لها مكافأة اجبارية لنجاحها 

و لم تستطع عنايات ان ترفض مطلبها بعد ان رفعت راسها عاليا بنجاحها .. 

دقت عنايات باب سيادة المستشار لتفتح خيرية في بشاشة كعادتها :- ازيك يا عنايات .. ايه ده .. مين القمر دى .. بنتك!؟.. 

هتفت عنايات بفخر وهى تشير لنادية :- اه يا ست خيرية .. بنتى الوسطانية نادية .. نچحت النهاردة و جابت مجموع عالى و هتدخل الچامعة باذن الله .. 

هتفت خيرية في سعادة :- الله اكبر .. ربنا يبارك لك فيهم يا عنايات و تشوفيهم عرايس .. 

هتفت عنايات :- الشهادة الكبيرة الأول يا ست خيرية و بعدين ياچى العريس .. 

فتحت خيرية باب شقتها و هي تجذب نادية من كفها :- مادام بقى فيها نجاح يبقى لازم يبقى في هدية للقمر ده .. 

هتفت عنايات بإحراج :- ملوش لزوم يا ست خيرية ..

لكن خيرية جذبت نادية من كفها خلفها لداخل الشقة التي تطلعت نادية لأركانها مبهورة .. حتى انها لم تنتبه و هي تلحق 

بخيرية لتصطدم بأحدهم يخرج من غرفة جانبية .. تراجعت في ذعر و هتف هو باعتذار :- اسف .. 

ثم تساءل :- حضرتك مين ..!؟.. 

ما ان همت نادية بالتحدث الا و ظهرت خيرية تستعجلها على باب حجرتها لتبتسم 

في مودة لولدها الوحيد :- حسام .. دى نادية بنت عنايات .. 

نظر اليها حسام من جديد غير مصدق ان تلك الفاتنة التي تقف أمامه الان أمها تلك السيدة المكافحة التي زادها الشقاء سنوات على عمرها الذى لم يتجاوز الخامسة و الأربعين على أقصى تقدير :- صحيح ..!؟..

هزت نادية راسها بخجل و تبعت خيرية لحجرة نومها و التي فتحت خزينة ملابسها العامرة لتجذب منها بعض القطع و تضعها بين ذراعى نادية هاتفة بمودة حقيقية :- الحاجات دى غالية عليا يا نادية و انا لو عندى بنت كنت هديهالها لكن ربنا مرزقنيش الا بالباشمهندس حسام ..

ابتسمت نادية في حياء و هي تتذكر نظراته لها و وسامته المفرطة عندما ابتسم في وجهها لتهمس :- ربنا يخليهولك يا ست خيرية .. 

أمنت خيرية خلفها و جذبت نادية من كفها عائدة بها لامها و التي دفعت نظراتها باتجاه خيرية القادمة من ذاك الرواق الطويل و خلفها ابنتها ذراعاها عامرة بما جادت به خيرية عليها .. لكن ما استرعى انتباه عنايات و دق ناقوس الخطر داخلها 

و شعرت انها أخطأت بجلب ابنتها معها هو رؤيتها لحسام يخرج من باب حجرته لتستقر نظراته على نادية و لا يحيدها عنها 

و الادهى هو ذاك التلويح الأخير الذى قام به تجاهها و هي تمر بباب حجرته و استدارة نادية اليه و ابتسامة تكلل محياها.. 

كل ذلك دفعها لتلقى بحاجات خيرية التي طلبتها في عجالة و تجذب ابنتها خلفها 

مغادرة و هي تلعن ذاك الحظ الذى جعل الباشمهندس حسام متواجد في إجازته 

التي يقضيها من عمله في كنف و الديه 

     ************************

الفصل الحادى عشر


أسبوعان مرا على اخر مرة ترى فيها الست خيرية .. فها هي المرة الثانية التي تأتى فيها حتى بابها تطرقه و لا مجيب 

لقد ادخرت كل ما طلبته منها و كانت تجئ به كل أسبوع اليها و لا مجيب على تلك الطرقات التي اشتكى الباب من كثرتها ..

و هذه المرة ليست استثناءً .. ها هو الباب يكاد يصرخ فيها ان تكف عن الطرق على جانبه بهذا الشكل المحموم حتى ان طرقاتها دفعت جارة الست خيرية لتفتح بابها مطلة برأسها لتستطلع من بباب الجارة يدق بهذا الشكل .. 

تنبهت عنايات لتلك الجارة هاتفة في احراج:- هو الست خيرية مش چوة و لا ايه ..!؟.. 

خرجت الجارة بكامل جسدها تواجه عنايات هاتفة في حزن :- لا هو انت مدرتيش يا عنايات ..!؟.. البقاء لله .. 

و دمعت عين الجارة و سقط قلب عنايات 

ارضا و هي تهتف ضاربة صدرها ببطن كفها في لوعة :- مين اللى مات  بعيد الشر عن البيت و صحابه .؟!.

بكت الجارة و قد تجددت أحزانها هاتفة بصوت متحشرج :- الست خيرية .. البقاء لله .. 

غامت الدنيا امام عينىّ عنايات .. و شعرت بالدوار يكتنف رأسها حتى ان الجارة شعرت بما تعانيه عنايات فدفعت اليها بكوب ماء ترتشف منه بعض رشفات مستعصية البلع  جراء تلك الغصة التي استحكمت بحلقها كما يستحكم السوار بالمعصم .. 

ألتقطت أنفاسها بصعوبة و جذبت قفتها تدفعها فوق رأسها تترنح مغادرة ...و دموعها تتسابق على خديها تحجب رؤية الطريق ..من جديد امام ناظريها..

       ***********************

ما عاد بيت سيادة المستشار تعمه الضحكة كما كان أيام الست خيرية رحمها الله .. 

دقت بابه و هي تتوقع ان تراها تفتح الباب 

بابتسامتها البشوش ووجها الصبوح العامر بالصحة .. لم تشتكى يوما مرضا او تتأوه من علة .. يالله .. رحلت هكذا ببساطة و تركتها وحيدة .. تلك الغالية التي ما كانت تستريح الا و هي تلقى على أعتابها كل ما يقلقها و يضج مضجعها .. 

فُتح الباب و دمعها يسبق صريره ليطالعها وجه سيادة المستشار المتغضن و الذى أورثه الحزن مزيد من اثرالأعوام على ملامحه .. 

ابتسم في شجن لعنايات وهو يهمس بصوت متحشرج :- اهلا بحبيبة الغالية .. 

انفجرت عنايات باكية لا تستطيع التحكم في شهقاتها الموجوعة .. مرت عدة دقائق حتى استطاعت السيطرة على حزنها العارم 

و هتفت بصوت متحشرج :- البقاء لله يا عونى باشا .. الله يرحمها .. 

رد بصوت متحشرج مماثل :- سبحان من له الدوام .. 

غلفهما الصمت لثوان قبل ان تهتف عنايات بنبرة تحمل كل الوفاء لتلك الراحلة العزيزة:- بص يا عونى باشا ..انا مش جاية النهاردة أَشترى و لا أبيع انا كنت جاية أعزى جنابك .. جلى من دلوجت على طلباتك انت و حسام بيه و من السبوع الجاى تكون عِندك .. كن الغالية موچودة..

همس عونى :- تسلمى يا عنايات ..هاتى اللى كانت خيرية بتطلبه و تحبه .. 

تحشرج صوته من جديد عند ذكر زوجته الراحلة لتدمع عيناها من جديد و لكنها تقرر التماسك و هي تنهض راحلة ..

و قد قررت ان كل ما بجعبتها ذلك اليوم لن تبيعه بل ستخرجه كله رحمة على روح تلك الفقيدة الغالية التي أخذت جزء من قلبها معها و هي التي كانت تعتقد انها ما عادت تتعلق ببشر بعد وهدان و ان قلبها قد دفن معه بقبره ..

الفصل الثانى عشر 


مرت كعادتها على بيت سيادة المستشار و احضرت له ما لذ و طاب كما عودته لتذهب ما تبقى من حملها للسوق كعادتها تبيعه و تندفع عائدة لدارها .. 

توجهت حيث موقف السيارات الأجرة التي تقلها كعادتها لتدفع نفسها بداخل احداها و ما ان همت السيارة بالتحرك حتى صدمها 

ما رأت جعل الدم يتجمد في عروقها لثوان 

هل هذه نادية ابنتها و هل هذا حسام بن سيادة المستشار ..!؟.. انها لا تكاد تصدق 

صرخت في السائق ليتوقف و اندفعت خارجة من صندوق السيارة الخلفى .. 

تدارت قدر استطاعتها حتى لا يُفتضح امرها 

و هي ترى ابنتها تركب احدى سيارات الأجرة و هو يودعها ملوحا .. 

دقائق كانت عنايات فيها تشبه التمثال بلا روح او حياة ..تستعيد المشهد عدة مرات 

امام ناظريها حتى تستوعب ما رأته ..

عادت مرة أخرى لبيت المستشار تطرقه و هي تدرى ان سيادة المستشار قد غادر كما اخبرها صباحا و هي تجلب له ما اشتهى 

.. هي تدرك تماما انه لا يوجد بالمنزل غير الباشمهندس حسام .. و كانت على حق 

فها هو يفتح الباب و ابتسامته التي تذكرها بأمه الطيبة تكلل محياه .. 

هتف في سعادة لمرأها :- خالة عنايات!!.. ازيك .. بابا نزل للأسف و انا ..

هتفت في حزم :- انا جابلت جنابه الصبح انى جاية ليك انت .. يا واد الغالية .. 

زم ما بين حاجبيه مستفسراً لتهتف هي في نفس النبرة الحازمة :- ايه اللى بينك و بين بتى يا باشمهندس ..!؟.. 

انتفض عند سؤالها المباغت الذى لم يتوقعه و لم يكن على استعداد لإجابته .. هو بالفعل 

على علاقة بنادية و يراها في الجامعة  عندما يكون في إجازته هنا .. لكن ابدا لم يتوقع ان تكتشف أمها الامر .. 

هتف متلجلجاً :- انا .. انا بحبها يا خالة و..

ابتسمت عنايات على الرغم من النار التي تستعر بجنباتها هاتفة بتعجب :- بتحبها..!؟

.. يا ولدى انت واعى لحالك و حالنا .. 

نظرت له مشرف عليها بهامته و هي ترفع رأسها لأعلى لتطاله لتستطرد و هي تشير اليه و اليها :- انت مش واعى انت وين .. و احنا وين .. !؟؟..فوج يا ولدى .. لا انت بتحبها و لا هي كمان بتحبك .. 

هتف معترضاً :- لاااا ..انا بحبها بجد و عارف انها .. 

هتفت عنايات تقاطعه بصرامة :- انى بجولك اللى فيها يا واد الغالية ... لو بتحبها كنت صنتها .. كنت جيت لأبوك الراجل المحترم و جلتله .. انا رايد نادية بت عنايات في الحلال مش تروح من ورا ضهرى و ضهره و تجابلها .. و هي كمان .. محدش يعرفها كدى .. دى بت جلبى يا باشمهندس و لو بتحب جلبى يدج جبل جلبها  .. 

صمتت لثوان و لم يعقب هو بدوره لتستطرد هي بهدوء :- يا باشمهندس ..فاتح سيادة المستشار ولو يجبل .. ابجى انى أفكر .. جَبل كِده .. لا تشوفها و لا كنك تعرفها .. 

نهضت في عجالة تقذف قفتها فوق رأسها و تلف بردتها حول جسدها و تندفع راحلة 

و قبل ان تهبط الدرج استدارت لحسام هاتفة :- اشوفك بخير يا واد الغالية .. 

و سابقت الريح لتصل لدارها و ما ان فُتحت بابه حتى دفعتها عنايات و دخلت تبحث عن نادية التي ما ان رأتها حتى جذبتها من يدها 

دافعة أياها داخل حجرتها صارخة في اختيها بالا يقاطع حديثهما احد .. 

أغلقت الباب في ثورة و أدارت المفتاح في موضعه عدة مرات لتستدير لنادية التي كانت ترتجف كورقة جافة في مهب ريح خريفية عاتية .. 

تقدمت عنايات ببطء صوب ابنتها لتنقض على شعرها قابضة عليه بين أصابع كفها  جاذبة أياه لترفع رأس ابنتها إجباريا لتتطلع لعينيها في توعد :- اياك تكذبى .. فهمانى .. ايه اللى بينك و بين بن المستشار..!؟..

هتفت نادية تحاول التملص من كف أمها:- بن مستشار مين ..!؟.. انا ..

هتفت عنايات من جديد بغضب تتصاعد وتيرته :- بسألك للمرة التانية .. ايه اللى بينك و بين الباشمهندس حسام ..!؟؟.. 

هنا لم تعد نادية بقادرة على المواربة :- انا .. انا بحبه .. وهو .. 

قاطعتها أمها هاتفة في ثورة و هي تدفع رأس نادية و تحرره من بين أصابعها :- كدابة .. كدابة يا بت جلبى .. عمرك ما حبتيه .. عارفة لو عشجتيه كنت عذرتك ..

لكن انت حبيتى المال و الجاه .. حبيتى منصبه و منصب ابوه .. حبيتى الشجة و العربية .. لكن هو ياجى فوج البيعة .. 

انفجرت نادية باكية و لم تعقب .. 

جلست عنايات على طرف الأريكة الخشبية 

و كأنما جسدها بناية تنهار لتهتف و هي تضرب فخديها بكفيها في حسرة :- واااه يا جلبى .. و يا بت جلبى .. عملت ايه امك الغلبانة عشان تعملى فيها كِده ..!؟..

لانت نادية لبكاء أمها هاتفة في لوعة لمرأها بهذا الضعف الذى لم تعهده فيها :- خلاص .. حجك عليا ياما .. انا ..

قاطعتها عنايات هاتفة في حزم وهى تمسح دمعاتها المتساقطة على وجنتيها :- انتِ معدش ليكى خروج من باب الدار ..انتِ مكنش ليكى في العلام من أساسه .. تخرجى ليه ..!؟.. عشان تجيبى العار لامك اللى شربت المر من كيعانها عشان تربيكِ و تخليكِ بنى أدمة ليكِ جيمة وسط الخلايج.. 

انتفضت نادية صارخة :- لااه ياما .. احب على يدك .. انا عايزة اكمل الچامعة .. دول هم سنتين و اتخرچ .. يرضيكِ يضيعوا عليّ .. اهون عليكِ .. !!؟.. 

هتفت عنايات بحزم من خلف قلبها الذى يئن لأجل فلذة كبدها :- أه تهونى .. كيف ما هانت عليكِ امك .. و يكون في معلومك انا جابلت الباشمهندس حسام و جبت له من الاخر .. لو جدر يجول لأبوه و يفاتحه في انه يتجدم لك .. انا هوافج .. 

اندفعت نادية متعجبة :- بجد .. هتوافجى ياما ..!؟.. 

ابتسمت عنايات ابتسامة صفراء في وجه ابنتها هاتفة بسخرية :- مش لو جدر يكلم ابوه من الأساس .!؟.. و لحد ما يجدر يا جلب امك .. مفيش خروچ من الدار ..

ألقت عنايات بفرمانها الواجب النفاذ و فتحت باب حجرتها و اندفعت خارجه تاركة نادية خلفها تبكى ..

الفصل الثالث عشر 


صدحت الموسيقى من داخل دار عنايات 

فقد تجمعت نسوة النجع بأكمله ليجاملنها في حنة ابنتها الكبرى سماح .. الأستاذة سماح كما تحب ان تناديها عنايات لتطرب 

للقب أستاذة الذى دفعت من اجل سماعه 

سنوات عمرها و شبابها .. 

اليوم هو يوم حنة سماح .. بكريتها ..لؤلؤة من عقدها  سوف تغادر جيدها لترحل غدا لبيت زوجها .. 

تنهدت عنايات في سعادة وهى تطالع فرحة ابنتها و بنات النجع يحاوطونها في غبطة 

فها هي درة تاجها تتوج قصة حبها لأستاذها معيد الجامعة الذى هامت به عشقاً منذ سنوات دراستها الأولى و الذى ظل  طاويا مشاعره تجاه ابنتها حتى يوم حفل تخرجها ليأتى ليطلب يدها من عنايات 

و كانت الفرحة يومها فرحتين .. فرحة التخرج و فرحة الاعتراف الذى طال انتظاره من ابنتها و كم كان جميلا ان تسمعه مكلل بنكهة الحلال الرائعة .. 

اتسعت ابتسامة عنايات و هي ترى البنات 

يجذبن سماح من كفها يدفعن أياها لمنتصف حلقة الرقص ... 

دمعت عينىّ عنايات و هي تصفق في حماسة للعروس الجميلة و تأخذها الفرحة لتندفع تشارك ابنتها الرقص و يصرخ الفتيات فرحا و تشتعل الحلبة الراقصة 

     ************************

هتفت عنايات منادية :- بت يا نادية ..!!؟..

اندفعت نادية ملبية في سرعة تقف بين يدى أمها في طاعة :- نعم ياما .. خير ..!؟.. 

اشارت عنايات لموضع الجلوس جوارها أمرة ابنتها :- تعالى اجعدى .. عيزاكِ

أطاعت نادية في استسلام و جلست .. لتربت أمها على كتفها في مودة :- خلاص.. هاتتخرجى كمان كام شهر و تبجى 

محاسبة كد الدنيا يا نادية ..!؟.. 

ابتسمت نادية و التي غيرتها حكايتها القديمة مع الباشمهندس حسام كثيرا ..

عندما طال عقابها و طال صمته و بعدها جاءتها الاخبار انه غادر البلد بأكملها منتقلا للقاهرة مع والده حتى ادركت ان أمها كانت على حق و ان وجهة نظرها لابد و ان تنضج في حكمها على الأمور خاصة .. أمور القلب .. ساعتها اولت كل اهتمامها للدراسة .. و ها هي في عامها الأخير تنتظر التخرج بفارغ الصبر .. 

ربتت عنايات من جديد على كتف ابنتها و قربت هامتها لتقبلها في سعادة هاتفة :- چالك عريس يا نور عينىّ ..!؟.. 

هتفت نادية متعجبة :- عريس .. مين ..!؟.

هتفت عنايات بفرحة :- حسين ..الباشمهندس حسين .. واد عمك ..!؟.. 

هتفت نادية بدهشة :- واد عمى محروس!؟.. ده اخر حد ممكن ياچى على بالى عشان يتجدم لى .. و ابوه و امه موافجين على كِده ..!؟؟.. 

هتفت عنايات بفخر :- دوول مين اللى ميوافجوش ..!؟.. طب جولى احنا اللى نرضوا ..!؟..

قهقهت نادية :- طول عمرك شديدة ياما ..

أكدت عنايات مقهقهة بدورها :- في الحج .. شديدة في الحج .. و بعدين هم يطولوا..

أدب و جمال و علم .. الله اكبر .. 

اندفعت نادية لاحضان أمها في سعادة :- ربنا يخليكى ياما .. و ميحرمنيش منيكِ ابدا.. بس رديت على حسين جولتيله ايه..!؟؟.. 

همست عنايات مازحة :- هو انى اللى هتچوزه .!؟.. جلتله اشوف رأى العروسة..

و هو جالى ان أبوه و امه هاياجوا يطلبوكى أول ما يسمع انك وافجتى .. جلتى ايه ..!؟؟

ابتسمت نادية في خجل :- هو في بعد جولك ياما ..!؟.. 

هتفت عنايات مشاكسة ابنتها :- شوف البت عاملة مكسوفة ..!؟.. ماااشى يا جلب امك.. 

الشهادة لله .. حسين مايتعيبش .. ده هو اللى في عيال عمك .. كمان عارفة انا موافجة ليه ..!؟.. 

سألت نادية بفضول :- ليه ياما ..!؟.. 

لتنظر عنايات لابنتها بمرح و تهتف بنبرة مازحة :- عشان محدش هيخلص الجديم و الچديد من عمك و مرته الا انتِ .. 

انفجرت نادية ضاحكة و اعقبتها قهقهات عنايات .. التي ضمت ابنتها لصدرها تتشبع 

من وجودها بين ذراعيها و قريبة من قلبها قبل ان تنفرط لؤلؤتها الثانية راحلة بعيدا عن عقدها .. 

      *************************

الفصل الرابع عشر 


هتفت منى في ضيق من ذاك الذى يتبعها كظلها منذ نزلت من سيارة الأجرة عند مدخل النجع :- على فكرة .. انت لو محترمتش روحك .. انا هخليك تحترمها غصب عنك ..!؟؟.. 

ابتسم في ثقة مازحاً :-  على فكرة برضك انا محدش يجدر يجرب لى  ..!!..

ردت بغيظ :- ليه ان شاء الله .. بن مين في البلد ..!!؟.. 

هتف و ابتسامته تتسع :- بن العمدة ..

هتفت باستهزاء:- و ايه يعنى .. بن العمدة على نفسك .. 

و اندفعت من أمامه تكمل مسيرها ليهتف خلفها و هو يلحقها :- طب مجلتيش انتِ بت مين ..!؟.. 

هتفت دون ان تستدير لتواجهه:- ميخصكش..

انفجر ضاحكاً لردودها النارية.. و توقف عندما توقفت بدورها لتلقى اليه بنظرات محذرة أياه باستمرار المسير خلفها ..

تلقى التحذير و ازعن له ليراها تختفى أمامه .. فيعود ادراجه لدار أبيه .. 

فها هو يعود للنجع بعد غيبة طويلة قضاها بعيدا من اجل دراسته .. 

      *************************

هتف الخفير في لوعة :- ألحجى يا داكتورة منى .. سى عمر منصاب و بينزف .. 

اندفعت منى من خلف مكتبها المتواضع جاذبة حقيبتها الطبية ما ان سمعت بإصابة احدهم .. 

اقتربت حيث أشار الخفير و هي لا تدرك من المصاب و لا من هو عمر ذاك ..!؟؟.. 

جلست في عجالة و فتحت حقيبتها تخرج أدواتها لتعالج جرح القدم الدامى الذى ينزف في غزارة .. و ما ان انتهت حتى رفعت نظراتها باتجاه المصاب و الذى لم يكن سوى ذاك الوقح الذى كان يتبعها منذ ساعات قليلة .. 

نظر اليها بنظرات مشاكسة رغم إصابته التي لم تكن خطيرة لكنها تحتاج لعناية هاتفاً :- ايه ..!؟.. اتفاچئتى انى الشخص السخيف اللى كان ماشى وراكِ ..!؟.. يا ترى لو خدتى بالك جبل ما تعالچينى كنتِ هتتكرمى و تداوى جرحى و لا لااه..!؟.. 

هتفت في حدة :- لاااه .. 

و همت بالنهوض مغادرة ليجذبها هو من كفها لتسقط بجواره من جديد :- كدابة ..

نظر اليها و ابتسامة تعلو شفتيه من رد فعلها المصدوم لافعاله .. و ما ان استفاقت من صدمتها حتى هتفت في حنق وهى تنهض مبتعدة :- بص بجى يا بن العمدة.. انا بت من بنات عنايات .. و لو سألت ابوك هيجولك مين هم بنات عنايات ..!؟.. فبلاها الحركات الماسخة دى .. و فوج لروحك ..

اندفعت كالإعصار من أمامه حتى قبل ان يجد الرد المناسب على نارية الطبع تلك و التي جذبته اليها كالمغناطيس منذ رأها ..

أشار للخفير حتى يستند عليه و يعود لدار ابيه .. و نظراته متعلقة حيث رحلت .. 

       ***********************

دقات متكررة على باب دارها جعلها تسرع لتفتح في عجالة و هي تهتف في حنق لتوالى الطرقات :- ايه ..!؟.. الصبر ..

طالعها وجهه الباسم و هتف في مشاكسة:- و الله ما جادر اصبر .. فجبت ابويا العمدة و جيت طوالى .. 

فغرت فاها لمرأه و ابيه على باب دارهم و لولا هتاف أمها من الداخل و مجيئها لتستفسر عن صاحب الطرقات المجنونة ما كانت استفاقت من صدمتها .. 

تنحت بعيدا عن الباب لتستطلع أمها القادم 

ليهتف عمر عند مرأها :- خالتى عنايات ..

و ينحنى ليقبل هامتها .. اتوحشتك .. 

هتفت عنايات في فرحة :- واااه يا عمر .. الله اكبر .. الله اكبر .. بجيت راچل تسر العين .. و مين معاك .. وااه.. حضرة العمدة .. اتفضل يا راچل يا طيب .. 

دخل عمر و ابيه .. و منى لازالت على حالها من الصدمة التي زادتها هتاف عزام عمدة النجع :- من غير مجدمات كتير يا ست عنايات ..ولدى الداكتور عمر عايز يخطب بتك الداكتورة منى .. جلتوا ايه ..!؟

هتف عمر مقاطعا اى رد من جانب عنايات و ابنتها النارية :- جالوا موافجين طبعا .. الفاتحة .. نجروا الفاتحة .. 

و رفع كفه للسماء لتكتم عنايات ضحكاتها 

و تميل منى ابنتها على اذنها هامسة :- يااما .. شكله مچنون اقسم بالله .. 

ردت عنايات و هي لا تقدر على كتم ضحكاتها :- متخافيشى .. انتِ هتعجليه و تخليه يجول ان الله حج ..

ابتسمت منى رغما عنها و هي تتطلع لذاك الذى لازال يرفع أكفه للسماء و يغمز لها بأحدى عينيه ..

الفصل الخامس عشر


هتفت عنايات في النسوة المتحلقات حول بابها في حماسة لتهتف هي بهن :- بصوا يا نسوان .. منكم كتير اعرفهم و اعرف ظروفهم اللى ربنا يعينكم عليها ..

هتفت النسوة في صوت واحد :- يااارب ..

لتستطرد عنايات :- عشان كِده جلت انى خلاص .. معدش لا في صحة و لا عازة لخروجتى بره النجع لبيع لبن جاموستى و الكحريت و الچبنة الخضراء .. بناتى اتجوزوا الله اكبر ربنا يهنيهم و انى بجيت بطولى.. فاللى منكم عايزة تربى عيالها و تخرج تشوف حالها باللى يجود بيه ربنا من عِندى .. انى معاها .. و هديها اللى تطلبه 

و رزجى و رزجكم على الله .. جولتوا ايه..!؟.. 

هتفت النسوة في سعادة كل منهن تعبر بطريقتها من أطلقت الزغاريد و من هتفت في فرحة مطلقة لسانها بالدعاء لعنايات .. 

حتى ان عنايات نفسها دمعت عيناها فرحا 

لرؤية هؤلاء النسوة على تلك الحالة من النشوة .. فكم عاشت مرارة الحرمان و العوز و تدرك تماما ان شعورهن الان .. 

كشعور الغريق في خضم الحياة يبحث عن قشة يتعلق بها لينجو .. و كم كانت سعادتها 

كبيرة لانها الان تلك القشة لنساء أخريات 

كانت في يوم من الأيام في موضع إحداهن 

تبحث عن تلك القشة لتتعلق بها و تصل ببناتها لبر الأمان .. 

         *********************

ابتسمت عنايات و هي تتطلع لصورة وهدان القابعة بين ذراعيها .. و كأنه ما زال هاهنا لم يرحل منذ سنوات طويلة خلت .. 

لتهتف في فخر :- بناتك كانوا لساتهم هنا هم وعيالهم .. بجى عِندى ست عيال يا وهدان.. تلت رچالة و تلت بنات .. معلوم .. ما هو كل بت اتجوزت چابت لى راجل الله أكبر يفرح عيجول لى ياما و يخاف على زعلى و يسعد بتى .. هعوز ايه تانى .!؟..

الحمد لله .. الدار لساتها عمرانة بحسك يا حبة جلبى .. و الكل بيحكى و يتحاكى عن بنات وهدان اللى رفعوا راسه و اسمه ..

بتك الكبيرة سماح الله اكبر .. اخدت اسمه ايه ده ..!!.. و ابتسمت خجلى من نسيانها لتهتف من جديد..:- كل ما يجلولى عليه .. أنسى .. ايووه .. الماجستير .. تصدج يا وهدان .. بتك هاتبجى داكتورة في الجامعة زى جوزها الداكتور نبيل ..و عيالهم ماشاء الله عليهم .. بت و واد .. بدر منور .. 

اما نادية فسافرت الخليچ مع الباشمهندس حسين واد محروس اخوك .. و ربنا كرمهم 

ببت شبه نادية .. زى الجمر .. 

اما منى .. اخر العنجود .. فاتچورت الداكتور عمر بن عزام عمدة النجع ..

و انفجرت ضاحكة على ذكر عمر و ما كانت تقوم به منى من حيل من اجل تأديبه و إصلاحه 

و الله يا وهدان كيف الجط و الفار هما الچوز .. ربنا يهديهم و يصلح لهم حالهم..

ضمت صورة زوجها لاحضانها و ابتسمت وهى تبعدها.. تتطلع اليها من جديد و هي تهمس له في محبة لم تبدلها السنوات او يفت في عضدها بعاد :- راضى يا حبة الجلب .. !؟؟.. 

لتستمع الى نبرات صوته المميزة تهمس لها في عشق :- وااه يا عنايات .. ده كن الرضا مخلوج ليكون عشانك يا جلب وهدان..

همست من جديد :- شفت بناتك يا وهدان ..

الله اكبر عليهم .. يفرحوا.. 

همس الصوت في عشق :- ايوه يفرحوا عشان بناتك .. يفرحوا عشان ..بنات عنايات...

              

  

                    تمت بحمد الله 

                   رضوى جاويش

تعليقات

التنقل السريع
    close