![]() |
بيت القاسم
الفصل الحادي عشر والثاني عشر
بقلم ريهام محمود
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
.. صوت رنين جرس الباب أفاقه من غفوته المتعبة على الأريكة.. حيث أنه لم ينم سوى ساعة أو ساعة ونصف الساعة على أقصى تقدير.. استقام بصعوبة وسار بجسدٍ مرهق وخطوات مترنحة ليفتح الباب؛ ليتفاجأ بـ أكرم أمامه ، يرمقه بشماته يضع كفيه بجيبي بنطاله ليتجاوزه ويدخل دون أذنه بغروره وعرض منكبيه ، يسير أمامه متجاهلاً حالته وهيئته المشعثة ثم جلس على الأريكة الصغيرة يضع ساق فوق الاخري بترفع.. تبعه زياد بعد أن صفق الباب بحنق وغيظ من برود الآخر وجلس على الأريكة المقابلة.. ثم سحب من علبة السجائر أمامه واحدة يشعلها نافثاً دخانها بتوتر وضيق لايخفي على أكرم.. أكرم الذي كان يتفحص هيئته ، يحبس الكلام بحلقه.. ليهتف به زياد حانقاً بنفاذ صبر وقد انفلتت أعصابه بالفعل..
-بتبصلي كده ليه..!!
اعتدل أكرم بجلسته وانحنى بجزعه قليلاً .. دون مراوغه قال بخشونة..
-حذرتك بدل المرة عشرة..
غضن جبينه واحتدت ملامحه.. وقد مل التقريع والإهانة. . حاول أن يتجاهل الجرح بداخله ، وبعضً من كرامة لديه ثارت..
-بدل ماتجيلي انا روح حذر أختك.. أنا جدك قام معايا بالواجب وزيادة..
سرد عليه ماحدث دون اهتمام حقيقي وقد يأس منه ومن وقاحته..
-مانا كنت عندها بالليل.. سيبتها ولفيت شوية بالعربية وبعدين جيتلك..
أطفأ سيجارته بالمرمدة الموضوعة على الطاولة.. وانتصب بجزعه يوليه جم انتباهه.. وسأل متلهفاً ..
-هاا.. وقالتلك ايه..؟
رمقه ببرود للحظة قبل أن يطلق ضحكة ساخرة ثم هتف يثير حنقه أكثر ..
-هتقوللي ايه يعني.. مصممة ع الطلاق.. وبيني وبينك حقها..
عض شفتيه غيظا ثم هدر به من بين أسنانه وقد تملكه الغيظ ..
-اه.. وانت بقى الأخ الحنين الللي هتساند أختك ف قراراتها الغلط مش كده؟
حدجه أكرم بنظرة مغتاظه.. هو يعلم أنه لن يعترف بخطأه.. يعلم ذلك جيداً.. هما الاثنان لديهما تلك الخصلة السيئة ولكن زياد أكثر بجاحة ووقاحة منه..
-زياد.. أنا همووت واعرف جايب بجاحتك دي منين؟
وبسخريه غير مناسبه للموقف تلاعب بحاجبيه يقول بشقاوة..
-لأ مش هقولك لأحسن تروح تجيب منه ..
وعلي إثر جملته ضحك أكرم ضحكة بسيطةمهمومة جذبت انتباه الآخر
. . دقق بهيئته كانت ملامحه مرهقه هو الآخر ، خصلاته الفحمية مشعثة على غير العادة ووجهه شاحب.. كتفيه مهدلين بإحباط.. سأله باستغراب..
-مالك.. وشك مقلوب ليه وكأنك هتطلق انت كمان..؟
.-وكأني..!!
مال ثغره مبتسمًا بسخرية.. استطرد وقد نزع عن وجهه قناع اللامبالاة وعادت ملامحه للتجهم..
- نور سابت البيت ومشيت..
جحظت عينا زياد من الصدمة وعُقد لسانه.. ولكنه صدمته لم تدم سوى دقيقة ليهتف بنبرة مرتفعة شامتة وهو يضحك..
-أوووبا بقيت زميل يعني... لأ دانا أقوم أعملك قهوة بقى عشان تديني التفاصيل..
قالها وهم من مكانه ينوي إحضار القهوة للمتعوس الذي يجلس أمامه.. ضحك أكرم ساخراً بداخله فـ بعد أن كان يتناول قهوته بيد ناعمة ووجه بشوش سيتناولها الآن من زياد..!!
تنهد طويلاً من منحني أفكاره ثم قال موجهاً لزياد حديثه..
-مش هتعرف تظبط قهوتي..
ف تراجع زياد وقد فهم .. وبشقاوة مال على كتف أكرم يشاكسه وقد تصنع صوتاً أنثوياً مائعاً..
-طب مش تجرب قهوتي الأول ياسيدي...!!
أطلق أكرم ضحكة صافية وقد تعدل مزاجه قليلاً.. فرد بمزاح يوازيه بخشونة نبرته..
-يللا ياواطية..
وتعالت ضحكاتهم.. وبمنتهي البؤس هتف زياد من بين ضحكاته..
-ده باينها هتبقى أيام زي الزفت......
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
"بـ ورشة القاسم للأخشاب وصناعة الأثاث"...
.. كان قاسم يقف أمام زجاج إحدى النوافذ الموجودة بالورشة، شاردًا بانعكاس صورته بأعين ضيقة.. يدقق بهيئته ومظهره.. يميل بوجهه يساراً ويمنةً يستعرض ملامحه بضيق.. فـ بالفترة الأخيرة قد انعدمت ثقته بنفسه بسبب تصرفات حنين معه.. سابقاً كان يقول خجل ومازالت صغيرة وما إلى ذلك من حجج واهية.. أما حالياً وقد انتبه لحالتها، صمتها ، تمردها.. وتلك اللمعة الموجودة بمقلتيها تبهت عند رؤيته..تلك الأشياء أثارت قلقه.. وغضبه أيضًا ..!
يعلم أنه ليس بـ وسيم كـ زياد أو أنيق كـ أكرم شقيقه.. يعلم أنه مهما حاول واهتم لن يصل لمستواهما..
ثم ما شأن الرجال بالوسامه؟! المهم أن يكون الرجل رجلًا !! ..
يمسح بأنامله الخشنة على لحيته الغير حليقة بعدم رضا.. يتسائل بخفوت أيكون كـ زياد ويتركها حليقة ناعمة أم كـ أكرم ويشذبها..!! هو لايهتم تارةً يتركها دون تهذيب وتارةً يحلقها.. أتري هي ماذا تحب..!؟
واللعنة عليها قد جعلته يحدث حاله كالمجاذيب .. واللعنة عليه هو أيضاً سواء بلحية أو بغيرها ، وسيم أو لا ، سيتزوجها رغماً عنها وعن والدها وعن الجميع .. وقد وعده الجد.. ووعد القاسم دين...
انتصب بجسده واستقام يرمق هيئته للمرة الأخيرة بانعقاد حاجبيه.. ثم تحرك خارجاً ينوي المغادرة واللحاق بـ بحنين قبل أن تخرج من مدرستها، ولكن استوقفه مشهد جعل حاجباه يرتفعا تدريجياً بذهول فـ كان وليد إحدى الصبيين اللذان يعملان لديه بالورشه يقف وأمامه فتاة قد رآها من قبل بالمنزل المجاور للورشه ، تقف أمامه باسدال صلاة بني اللون وبيدها طبق لا يعلم مابه.. ابتسامتها خجلي ترمق وليد بحياء ثم تحني رأسها وهو الآخر ضحكته البلهاء من الأذن للأذن..
اقترب منهما قاسم يوزع نظراته المتسائلة بينهما.. تحدث بتعجب وقد قطع مشهد رومانسي هابط بينهما..
-ايه ده....!!!
وانتبه وليد فاعتدل بوقفته وأغلق فاه.. وأجفلت هي وارتبكت فعدلت من حجابها بحركة واهية تُخفي بها توترها.. قالت بأحرف تحمل كثيرا من الارتباك..
-ده رز بلبن أنا اللي عملاه.. وقولت أجيب طبق لوليد عشان يدوقه..
وزع قاسم نظراته بين الطبق بكفيها وبين وجهها المليح.. ثم قال بنبرة محقق يرفع حاجب ويحني الآخر .
-واشمعني وليد بس اللي يدوقه..!! هو انا والواد اللي جوا ده مش باينين..؟
والصغيرة أمامه ارتبكت أكثر.. وأهتز الطبق بيدها.. ولم تجد رد وكأن القط أكل لسانها.. ليأخذ وليد منها الطبق ويقول بصوت جاهد أن يكون خشن وثابت بالنسبة لشاب على أعتاب الثانية والعشرين من عمره وكأنه حامي حمى البلاد..
-هاتي الطبق وروحي انتي يابسمة وانا هبقي ابعتهولك اما يخلص..
وبجملته أطلقت ساقيها تتحرك من أمامهما تحت أنظار قاسم المندهشة وهمس وليد والذي قرأته من بين شفاهه "تسلم إيدك" ف ابتسمت له بخجل. ووجنتين متوردتين...
. اعتدل وليد بوقفته واستدار لقاسم ومعه الطبق بيده.. قال سريعاً يخشى العقاب قبل المواجهة..
أنا هروح أكمل شغلي بقى ياريس..
ودون انتظار رد ركض من أمامه وكأنه عفريت أمامه .. وقد تحولت ملامحه من الدهشة إلى الخِطرة.. وانتفض وثار بداخله..
سحب كرسي خشبي وجلس عليه خارج الورشة يردد ببؤس وقد أُحبِط ..
-وليد بيحب ويتحب..!! وأنا لأ....!!!..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
- حنييين..
-رامي...!!؟
همست بـ اسمه خافتة بعد أن أُجفلت على ندائه لها..
فتمتمت وهي تقترب منه تتلفت برأسها متوترة وقد شحب وجهها ..
-انت بتعمل ايه هنا..؟
قابلها بـ ابتسامة عريضة.. ثم قال بتلاعب وقد استند بجزعه على باب سيارته ..
-وحشتيني.. فـ جيت عشان أشوفك...
ثم تابع وهو يتحرك كي يفتح لها باب السيارة المقابل له بحركة لطيفة تنجذب بها المراهقات والمغفلات . .
-يللا اركبي أكيد مش هنفضل واقفين نتكلم ف الشارع أودام البنات كدة...
شعرت بالضيق والخوف.. فتمتمت بتلعثم تحاول الابتعاد عنه..
-أصل... مــ ينفعش... ممــ...
نزع نظارته الشمسية من أعلي عينيه فظهرت حدقتيه السوداء بسواد يوازي سواد ملابسه .. ورفع إحدى حاجبيه بمكرٍ عابثٍ واقترب بلطفٍ، سحبها من مرفقها فسارت معه بتردد وخوف . .
-متخافيش ياستي مش هاكلك.. هنتكلم شوية وبعدين هتروحي...
أخذت نفس طويل وهي تراه يجلس بجوارها ..شعرت بتلبك بمعدتها.. وقد خافت بالفعل وارتجف خافقها .. فتلك المرة الأولى التي تركب بها بسيارة شخص غريب..
وضعت حقيبتها المدرسيةعلى صدرها وكأنها تحتمي بها من مجهول وثبتت نظراتها أمامها وانكمشت بمقعدها ..
ثوانٍ بسيطة وكان يحتل هو المقعد المعاكس لها يضع يده على المقود..
مال برأسه قربها وتلاعب عابثًا..
-بقولك وحشتيني.. هاا مفيش رد ولا ايه؟!
بعدت برأسها قليلاً.. ثم ازدردت ريقها وهي تهمس بخفوت ممزوج بخجل.. وقد اختفى جانبها الجرئ..
- وانت كمان....
إبتسم وقد سره إحمرار وجنتيها وارتباكها.. عض على شفته السفلي يحجم من أفكاره الشيطانية .. ومن ثمَ بدأ بتشغيل سيارته وهو يقول ..
-ماشي ياستي.. تحبي نروح فين مطعم لا كافيه ولا في مكان معين تحبي نروحه سوا..؟
.. ثم مال برأسه غامزًا
ولا تسيبيني اختار ع زوقي انا....
قالت سريعًا..
-لأ انا عايزه اروح.. اصل مينفعش أتأخر..
-مش هنتأخر متخافيش محدش هياخد باله..
-لأ مينفعش.. انا قاسم ماسكللي الساعة
-قاسم..؟!!
سأل مستفهمًا.. ونبرته رغم ثباتها الا انها لم تخفي غيظه..
فأجابت بعدم فهم توضح ..
-آه.. قاسم يبقى ابن عمي..
وهو يعلم من قاسم جيداً.. وهي بلهاء ، غبية.. لا تعرف بأنه يعرف عنها كل شئ.. صمت قليلاً.. وتجاوز الكلام عن هذا القاسم .. مؤقتًا.. وحاول أن يرسم ابتسامة رغم الضيق البادي..
قال محاولًا تصنع اللطف..
-عموماً ياحبيبتي. انا مش عايز اعملك مشاكل.. بس حبيت اقولك ع المفاجأة واحنا بنتغدا سوا..
وقد غفلت عن اللفظ التحبيبي الذي ناداها به متعمدة أو غير لايهم!!
.. وظهرت بسمة خفيفة على محياها والتمعت مقلتيها بالسؤال ..
-مفاجأة ايه؟
قابلها ببسمه تزين ثغره.. ونبرة واثقة لرجل يعلم جيداً تأثيره على مراهقة مثلها..
-مع اني زعلان بس هقولك..
مد يده أمامه وأمسك بورقتين بلون أزرق لامع.. ثم لوّح بهما أمام عينيها، و
ما أن دققت النظر بهما حتى عرفت بأنهما تذكرين لحفل مطربها المفضل..
صاحت بمرح وهي تصفق بكفيها فَرحة ، فتلك تعتبر المرة الأولى التي ستحضر بها حفلة غنائية ..أو سهرة بالخارج على وجه العموم..
أما هو فلمعت عيناه بخبث ويعرف جيداً بأنه أجاد اختيار الهدية فضحك باتساع.. مالبث أن خفتت ضحكته واستغرب وهو يراها تعبس بملامحها تدريجيًا وكأنها أحبطت من أمر ما.. وأصبحت ملامحها كجروٍ حزين..
-بس مش هينفع اجي للأسف.. أنا مش بتأخر برة البيت خالص..
ضغط على أسنانه.. ثم سألها بضيق شاب نبرته..
-ليه..؟
ببراءة أجابت..
-هقولهم ايه ف البيت.. دانا قاسم ماسكللي الساعه..
.. وسبه خافته قد نالها قاسم منه، وألف لعنه تُصب على رأسه.. ألا يكفيه بأنها صعبة المراس و حالة شبه مستعصية عليه .. صمت قليلاً ومن البداية قرر تجاهل سيرة "قاسم وسنين قاسم " تكلم بإحباط حقيقي ممزوج بعصبية ..
-معلهش حاولي.. هاتيلهم اي حجه ف البيت..
ردت مؤكدة على كلامها بقلة حيلة ..
-مش هينفع والله...
-قوليلهم درس متأخر.. خطوبة صاحبتك اي حاجة يابيبي..
.. ثم تابع بعد أن سحب نفسً عميق لصدره ؛ يأبى الإستسلام ..
- عمومًا وقتها نبقى نشوف حل..
زفر بضيق ونظراته على الطريق، يقود سيارته بروية وهدوء.؛ وعقله مشغول بالتي تجاوره .. وسؤال خبيث يتردد بباله متى سينالها..؟
.. اقترب منها دون أن تشعر به وكانت ماتزال مثبته نظراتها بتوتر أمامها.. تشد من وضع الحقيبة على جزعها..
أمسك خصلاتها العسلية من الخلف يتلاعب بها بنعومة وكأنه يخاف أن تشعر فتبتعد.. وهذا ماحدث بالفعل!! .. ضاقت قسماتها وهي تبتعد وارتجفت وقدظهر ذلك بشكل جلي لعينيه.. وقبل أن يعتذر أو حتى يحاول.. قالت بصوت حاد..
- أنا عايزة أروح من فضلك...
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نفس الروتين اليومي، ، والصباح المكرر.. تستيقظ باكراً من أجل مدرسة الصغيرين وافطارهم.. ثم تنام قليلاً بجوار زين الصغير ، وبعد ساعتين تقريباً تفيق وتتابع المنزل والاهتمام ب زين وملاعبته..
.. كانت الساعة قد قاربت على الثانية ظهرًا.. وتلك المرة الأولى تقريباً التي يتأخر بها كمال بالنوم ،
جلست ريم على الأريكة الصغيرة المقابلة لباب غرفته وقد انتابها القلق.. عضت على شفتها بتوتر لا تعلم ماذا تفعل؟!
،من وقت زواجها به وهي لم تطأ بقدمها داخل غرفته وهوبها عدا مرة أو مرتين من قبيل الصدفة..، وما زاد ارتباكها أضعافاً ماحدث بينهم من تقارب،
استقامت واقفة وقد قررت أن تذهب للاطمئنان فقط لا غير.. طرقت باب غرفته بخفة، طرقة خفيفة لحقتها أخرى دون أن يأتيها رد.. أخذت نفس عميق ثم فتحت الباب بهدوء. تميل برأسها وخصلاتها تميل معها حتى رأته كان يقف أمام المرآه يوليها ظهره ، مرتديًا ملابسه كامله يمشط شعره .. رمقها بنظرة غير مبالية ثم عاود النظر لانعكاسه بالمرآه، يتأنى بتمشيط شعره وفكره مشغول بما سمعه بالأمس وقد خاصمه النوم ليلاً .. لا يعلم سبب ضيقه أو حزنه وقتما سمع ماسمعه ولكن يعلم أن نيران وحرائق تشتعل بصدره كلما تتردد كلمات أمها بعقله
"ريم انسيه يابنتي.. عمره ماكان هيحبك ولا يبصلك.. انتي معاكي دلوقتي راجل، نادر تلاقي زيه دلوقتي.. فاتلمي وشيلي الواد ده من قلبك ومن دماغك..."
.. كانت تحب؟!
.. أ كان حب فقط . . وهل مازالت تحبه!! .
الأكيد انها لازالت تحبه وكلام أمها دليل علي ذلك ..
.. نعم هو غاضب والسبب أنه رجل لا يقبل على نفسه أبدآ أن يكون ظلً لآخر ..
غاضب وحانق لأنه وللأسف الشديد أحبها وانجذب لها رغم مدتها القصيرة معه..
غاضب لأنه وللمره الأولى بسنوات عمره التي تجاوزت الأربعين لا يعلم ماهو التصرف الصحيح..؟!
.. قطعت أفكاره التي تعصف برأسه وتأكل دواخله، بنعومة صوتها وحاولت إضفاء المرح بنبرتها كي تخفي خجلها وتوترها..
-صباح الخير.. أو مساء الخير بما اننا بعد الضهر ..
وتلك المرة أطال النظرة.. بهية الطلة.. لها جمال خاص ودلال يشع منها .. شتان بينها وبين خديجة بجمالها المقبول وهدوء شخصيتها ..
بكل مرة ينظر لها يطيل النظر.. مرة اعجابًا ، ومرة تمني لما يريده منها.. ومره من باب السكون والصمت في حرم الجمال..
ولكن تلك المرة نظرته كانت مختلفة.. لأول مرة يكتشف بأنها غير ملائمة له ولا لظروفه..
أومأ لها دون كلام ك رد على صباحها .. استقبلتها هي باستغراب.. نظراته مبهمة وغريبه زادت من حدة توترها ..
أمسكت بمقبض الباب تستند عليه تسأله والنبرة مليئة بالقلق البالغ..
- أول مرة تصحي متأخر.. قلقتني عليك..!!
-قلقتي..؟؟ .. لأ اطمني أنا تمام..
قالها بفظاظة بها لمحة تهكم.. يتحرك من وقفته ومازالت نظراته تخترقها.. تجاوزها دون أن يتلامسا لخارج الغرفة متشاغلا بإغلاق أزرار كمي قميصه ..
.. سألها.
-الولاد لسه مرجعوش من المدرسة..
-لأ لسه..
ثم تابعت مغيرة مجرى الحديث..
- ماما كانت عايزه تشوفك امبارح وتسلم عليك بس انت جيت ودخلت الاوضه علطول..
استدار ينظر بعينيها..
-كنت تعبان هبقي اتصل بيها اعتذرلها..
ورغم هدوئه إلا انها تشعر بتغيره.. نبرته مختلفة ونظرته أيضاً وكأنه تبدل بآخر.. قالت بتوجس..
ـ هو فيه حاجة؟..
رغم ضيقه إلا أنه آثر الصمت والصبر ..وهذا مازاد غضبه ..
ـ قولتلك تمام.. انا خارج
ـ علي فين؟
زوى مابين حاجبيه باستغراب ،، وتسائل بحدة..
ـ من امته وانتي بتسألي؟!
ابتلعت ريقها بحرج وهمست أسفاً..
ـ أسفه مش هكررها تاني..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
انتهي الفصل..❤
**"الفصل الثاني عشر "**
.. بعد أسبوع..
.. كانت ترتب الملابس علي الأرفف بذهن شارد،، أعصابها مشدودة منذ أن غادرت منزل أكرم.. وما يثير حنقها حزن أمها .. دائما ً تبكي وكأنها بطلاقها منه سينتهي العالم ،
حقيقةً لا تعلم لما المبالغة؟!
انقلب حالها وتغيرت حياتها .. والمفترض أن تشعر بالراحة فهي ورغم وضعها معه الا انها لا تقبل أن يشاركها به أخري ،
لازالت تحبه.. لن تنكر..!
ولكنها فضلت الحفاظ علي ماتبقي من كرامة لديها..
داعبت ذاكرتها ذكرى أول مرة رأته بها....
كان كالبدر في تمامه بملابسه الكلاسيكية.. وساعته الثمينة وعطره النفاذ والذي سرق خافقها فور تنشقه ، كانت هيئته عكس المكان الذي يجلس به ، فالمنزل جدرانه متهالكة وطلاؤه الجيري متساقط ، كان يجلس علي أريكة صغيرة منجدة بجوار جده وكأنه ملك.. منذ أن تشابكت نظراتهما معاً أحبته..
أحبته منذ اللحظة الأولى رغم تجهم ملامحه وقتها الا أن نظرته حينها كانت دافئة وكأنها تطمأنها، تربت علي قلبها ..
ليتها لم تنساق وراء احساسها.. فـ احساسهاا كان خاطئ ككل شئ خاطئ حدث من يومها ..
ابتسامة متألمة ارتسمت على ثغرها ، تنهدت بحزن وهي تمسك بهاتفها بعد أن جلست علي الفراش .. تريد الاطمئنان علي صغيرتها فمنذ رحيلها لم تراها ولكن تطمئن علي أخبارها من جدتها عبر الهاتف، وسماع همهمات الصغيرة وصوتها الطفولي لم يعد يكفيها.. فهي تريد احتضانها..
جائها رنين وتلك المرة لم يكن الإتصال للجده ولكن لأكرم..
زفرت بيأس وقد طال الرنين دون رد، وقبل أن ينتهي أتاهاصوته الأجش متمتماً بسلام بسيط.. التقطت أنفاسها وقد ارتبكت من نبرته،ويبدو من صوته أنه كان نائم.. وكم اشتاقت له ولنبرته ولكل شئ..
طاال صمتها فقال باهتمام.. أو هكذا خُيّل لها..
ـ عاملة ايه؟!
خفق قلبها بعنف، تمتمت شاكرة وقد أشتعلت خجلاً وكأنها لم تتمرد سابقاً..
ــ الحمدلله..
ثم صمتت قليلاً واستطردت بشجاعة مزيفة..
ـ عايزة ملك.. قصدي عايزة أشوفها..
ـطب وايه المشكلة.. تعالي شوفيها..
.. قالها هكذا ببساطة.. وكأن شئ لم يكن ،
ـ مينفعش أجي.. ينفع تجيبهالي ، أسفة؛ قصدي تبعتهالي..!
ومن تغير نبرته يبدو أنها استفزته وأخرجت المارد .. ف علا صوته وهتف بحدة..
ـليه مينفعش تيجي.. هو احنا خدامين عندك!!
عايزه بنتك تعالي شوفيها غير كده متحلميييش...
وردت تجابهه وقد اغتاظت منه ومن أفعاله وغروره..
ـ انت عارف اني مينفعش اجي.. فين المشكلة ف انك تبعتها..
همهم باحباط متعجباً..
ـ مشكلة..!! هو انتي طلباني عشان كدة؟
ـ ايوه.. اومال هطلبك ليه تاني!!
.. استعاد رباطة جأشه ثم قال بحسم..
ـ تمام.. ملك انتي عارفة مكانها عايزة تشوفيها تعالي
غير كدة بنتي مش هتخرج من بيتي..
وأغلق الهاتف بوجهها دون سلام.. وقد أثارت جنونه ألقي الهاتف علي طول ذراعه غاضباً.. يطحن ضروسه ببعضهما البعض.. لا يصدق برودها!!
هي والتي من نظرة واحدة منه كانت كفيلة باشتعالها.. كلمه بسيطة منه كانت كافية لاسعادها أيام..
حانق.. وبشدة، وما يثيره أكثر أنه لايعلم سبب حنقه...
يحدق فاللاشئ بقسمات مكفهرة ونظرات مشتعلة ، جسده متشنج ..
دقائق قليلة كان علي حاله ، ثم تحرك بآلية وانحني أرضاً ليمسك بهاتفه.. ضغطات بسيطة ورنين قصير قطعه صوت انثوي.. تجاهله هو وكأنه لا يسمعها
.. قاطعها بنبرة جامدة..
ـ حضري نفسك بالليل عشان هنروح نحيب الدِبل والشبكة ...
،،،،،،،، ،،،،،،،،،،،،،،
.. .. يتبعها بخطوات ثابتة ، مدركاً حبها له حتي وان أنكرت ذلك وتظاهرت بالعكس،، وهو أيضاً يحبها ويحتاجها ولا داعِ لهدم بيتهما من أجل نزوة...!!
حسناً .. عدة نزوات صغيرة ، فهو رجل وله احتياجات لا تستوعبها هي.. مالت شفتيه بشبح ابتسامة فور تذكره لحديث أكرم "من أين يأتي بتبجحه"؟..
تسير أمامه بخطي متمهلة وكأنها متعبة، ترتدي سروال من الجينز الضيق يعلوه قميص فضفاض يصل لاعلى ركبتيها بقليل بلون زهري يتماشى لونه مع ربطة شعرها والذي جمعت خصلاته بشكل عشوائي أعلى رأسها..
تبدو لعينيه أكثر نحافة من ذي قبل، هشة قابلة للكسر بأي لحظة.. لوهلة أنبه ضميره لما فعله بها، ولكن هاهو موجود اليوم ليصلح كل شئ..
لحق بها ونادي باسمها بلهفة ظهرت جلياً بصوته..
ـ نيرة..
أجفلت من ندائه وكأنه ظهر من العدم.. ثوان بسيطة كانت تنظر له ببلاهه وفاه مفتوح غير مدركة وجوده هنا أمامها من الأساس.. تخطت صدمتها وقد استفاقت من زهولها سريعاً فولته ظهرها وتابعت سيرها بتوتر دون رد..
فلحق بها مسرعاً وأمسكها من ذراعها يديرها إليه بتملك..
نظراتهما تتقابل معاً.. يعلوها بطوله.. نظرتها ذابلة كانت تحمل عتاب تحاول ألا تظهره ، ونظرته مليئة بالرجاء
.. يحدق بها بعينين بنيتين متوسلتين..
ـ استني احنا لازم نتكلم..
.. زاغت بنظراتها عنه وعن ملامح وجهه والتي كانت تهيم بها عشقاً..
كتفت ذراعيها وحاولت أن تكون نبرتها ثابتة عكس مايجيش بصدرها من تخبط وحيرة..
ـ هنتكلم في ايه.. معتقدش ان لسه فيه كلام بينا يازياد..!!
ـ احنا متكلمناش اصلاً يانيرة ولا قعدنا مع بعض ،
.. ثم تابع بينما يراقب عينيها يحاول التأثير بها كما كان يفعل سابقاً..
ـ لو كنتي بتحبيني صحيح.. كنتي المفروض تعاتبيني، تسأليني انشالله ياستي تتخانقي معايا.. انما تسيبيني وتمشي وتطلبي الطلاق كده مرة واحدة..!!!!
.. رفعت حاجبيها باندهاش حقيقي.. هتفت غير مصدقة..
ـ زياد.. انت بجح أوي كده ليه..؟
كاد أن يضحك بداخله فيبدو أنه حقًا "بجح" وبشهادة الجميع..
ثم أكملت بمرارة كست نبرتها رغماً عنها..
ـ ولأ يازياد انا مطلبتش الطلاق مرة واحده أنا صبرت عليك سنتين.. وكنت حاسة ب كل حاجة .. بس كنت بكدب نفسي وبكدب تلقيحات الناس المحيطة بيا عشان بحبك ومش قادره ابعد عنك.. بس خلاص رصيدك في قلبي خلص..
.. مسد جسر أنفه بتعب.. وجد أن زمام الأمور بدأت أن تفلت من بين يديه.. فقال بهدوء يحاول أن يكسب بعض الوقت ..
ـ أنا شايف أن احنا نروح مكان هادي نتكلم فيه..!
ـ تتكلمو في إيه بالظبط، مش قولتلك ملكش كلام معاها وكلامك يبقي مع اخواتها الرجالة..
..انتفضا على زعيق قاسم والذي أشبه بطلقة نارية أخترقت وقفتهم.. مسح صفحة وجهه بحده وغضب ولم يكن هذا وقته بالأساس.. صرخ به وقد طفح الكيل منه ومن تدخله..
ـ إنت مالك إنت يابني ادم.. واحد ومراته وواقفين سوا بيتنيلو بيتكلمو سوا.. تتدخل بينهم ليه؟!
اقترب قاسم من وقفتهم وفصل بينهما بعرض جسده بالمنتصف.. يجابهه بطوله وحدة نظراته وخشونة نبرته..
ـ اتدخل ونص وتلت تربع.. هي سمحالي.. وبصراحة كده أنا مبقبلكش.. ويللا بقي من هنا..
فارت دماء الآخر من الغيظ، فدفعه بكفيه هادراً..
ـ انت بتطردني من الشارع انت عبيط يلا! ..
ـ عندك حق.. احنا اللي هنمشي ونسيبهولك ،، يللا يانونا..
أنهي قاسم كلامه وهو يسحب كف أخته بين كفه بقوة تاركاً الآخر يسب ويلعن وقد ضاعت منه الفرصة!!!....
.................. بعد قليل علي الدرج الرخامي للبيت .. كانت نيرة تجلس علي أحدى درجاته يعلوها قاسم بدرجتين.. يراقب ظهرها، حركاتها الخرقاء لمداراة ضعفها وتوترها.. تمسد خصلاتها بلا اهتمام حقيقي في محاولة فاشلة منها ان تتجنب مواجهته..
قرر قطع الصمت الثقيل بينهما فحمحم بخشونة وتسائل بمكر..
ـ لسه بتحبيه؟!..
تنهدت بضيق واكتفت بالتحديق بللاشئ أمامها.. فتابع هو يزم شفتيه يجيب بدلاً عنها.. لطالما عرف كم كانت مدلّهة بحبه..
ـ يبقي لسه بتحبيه.... بكرة تنسيه..
ضحكت نيرة ضحكة خفيفة تحاول إخفاء سخرية واضحة..
ـ ياريتها كانت بالسهولة دي ياقاسم..
ـ الغريبه ان دائماً كنا بنسألك بتحبيه؟ بس عمرنا ماسالنا هو بيحبك ولا لأ..
.. ثم تابع بحاجب مرفوع متسائلاً..
ـ هو بيحبك؟
ارتج قلبها بداخلها.. فأمسكت برباط شعرها تزيحه فانسدلت خصلاتها السوداء علي كتفيها بنعومة ، لم تلتفت له بل تحدثت
ـ الأمور مبتتاخدش كده ياقاسم.. حسابات القلب غير العقل خالص.. انت بس عشان مجربتش فمش حاسس بياا..
هتف دون أن يشعر وكأنه يحدث نفسه بمرارة..
ـ مجربتش!!.. هو انا ف حاجه جيبالي الكافيه غير قلبي..
دارت بوجهها تحدق بعينيه.. ويبدو أنها تولت المهمة وأصبحت مكانه..
ـ هسألك نفس السؤال.. بس ليك المرادي.. دايما بتقولي انت بتحب حنين.. بس عمرك ماسألت حنين بتحبك ولا لأ ..
وبنفس نبرته السابقة وذات الحاجب المرفوع سألت تتحداه بنظرتها..
ـ ها.. حنين بتحبك؟!
.. بهتت ملامحه في لحظة وتبدل مزاجه بوضوح .. ساد صمت قصير بينهما يقطعه أنفاسهما ولكنه قال بنبره جافة
ـ أكيد بتحبني ،، المفروض انها تكون بتحبني.. مين يلاقي حد بيحبه ومحافظ عليه زيي وميحبوش..؟!
هزت رأسها وقد أصابت الهدف..
ـ طالما قولت المفروض يبقي شكيت.. عرفت ان حسابات القلب بتختلف..
رد بعناد يجابهها علها تستفيق.. هو رجل ذات مبدأ لا يحبذ الرمادية ولا تستهويه ،،
ـ بس وضعك غييير.. كل شئ ف الحب ممكن الواحد يتغاضي عنه عشان المركب تمشي إلا الخيانه..
.. وتابع بيقين ونبرة جامدة يشدد علي حروفه..
ـالخيانة بتكسر اي حاجه حلوة ممكن أكون مخزنها ف قلبي.. الخيانة بتهد وبتجيب الآخر..
..ثم أكمل وقد قست نبرته..
ـ أنا لو مكانك عمري ماأسامح..
مالت برأسها.. تنظر له نظرة خاوية لأمرأه مجروحة، قالت بابتسامه متألمة..
ـ بلاش تبقي مكاني.. محبش ابداً ياقاسم انك تكون مكاني..
...... قطع خلوتهما صوت حنين والتي عادت منذ قليل واستمعت لمعظم حديثهما معاً، ولكن فضلت عدم الظهور فحديث قاسم عن الخيانة أزعجها.. أزعجها لدرجة انقباض قلبها.. ولا تعلم السبب..
ـ هاي..
ـ هاي ورحمة الله ياختي.. ايه هاي دي الناس بتقول سلام عليكم..
رد عليها متهكماً.. يرمقها بغير رضا بسبب ماترتديه من بنطال شديد الضيق وبلوزة تحتوي جزعها وتظهر معالم انوثتها بترحيب للناظرين ،، ولكنه تغاضي وقد هان الأمر وستصبح في عصمته قريباً وكلمته ستسري عليها سواء كانت راضية أم لا..
.. تأففت في وقفتها بملل.. وقلبت وجهها وقبل أن تنطق.. هتفت نيرة وهي تقف، تعدل من ثيابها والتي انثنت بفضل جلستها ، قالت مبتسمة بوجهها..
ـ أنا هطلع أنا قبل ماتبدأو ب وصلة الخناق بتاعكو..
ثم استدارت ونظرت لقاسم نظرة ذات مغزى وهي تشدد علي معصمه تهمس له دون الأخرى...
ـ بالراحة عليها.. ده لمصلحتك قبلها..
.. تراجع في ضيقه قليلاً.. ولانت ملامحه.. سألها بهدوء..
ـ كنتي فين..؟
ارتبكت قليلاً، ازدردت لعابها ثم قالت..
ـ هكون فين يعني.. كنت ف الدرس..
قال بضيق واضح في نبرته..
ـ مش ملاحظة ان دروسك كترت وبقيتي بتخرحي وتتأخري كتير؟
وزعت نظراتها هنا وهناك بعيداً عن نظراته المثبتة عليها .. كان يراقب كل خلجة بها.. يعلم متي تكذب ومتي تكون صادقة..
ودون انتظار ردها.. أكمل بتحذير..
ـ جدول الدروس بتاعتك يكون عندي بالليل.. مفهوم!!
هتفت باعتراض واضح والضيق ينضح من قسماتها..
ـ ليه بقي انشاء اللّٰه .. مين خلاك ولي أمري!
هنا فقد اخر ذرة من هدؤه وهو يصيح بها...
ـ ماتظبطي يابت بدل مااظبطك.. ردودك كلها مستفزة وانا مش هصبر اكتر من كده..
زفرت بضيق.. وتجاوزته تتخطاه.. فتحرك من جلسته يمسك بمعصمها قبل أن تتركه..
كان غاضباً منها ، بداخله شعور لا يعرف كنهه ولكنه شعور قبيح مقبض.. سيتغاضى عنه للأسف من أجل حسابات القلب سيتغاضي عن أي شعور قد يهز ثقته بها..
ثبت عينيه على نظراتها المستاءة.. ملامحها متوجعة من مسكته القاسية لمعصمها ، قال ونبرته تغيرت للجدية ..
ـ أبوكي هيجي اخر الشهر ده..
دبّ القلق بصدرها وظهر بعينيها .. فسألته بضعف تلقائياً..
ـ ليه؟
وكانت اجابته أكثر تلقائية ونبرته كانت ثابتة وقويه علي عكسها..
ـ انتي عارفه ليه..!!
نفض ذراعها عنه بعنف مثلما أمسك به.. تركها تصعد تحت ناظريه بخطي مترنحة غاضبة..
تركته متصلب مكانه والحيرة تأكل قلبه، وعقله يهتف بـ ألف سؤال وسؤال ...
..... وفي غرفتها وأمام مرآتها.. كانت تراقب انعكاسها.. دموع عينيها والتي بدأت بالتساقط، وقد استائت من ضعفها .. فأمسكت بهاتفها وقد قررت تغيير واقعها وعليهم احترام ماتريده.. وعدة ضغطات علي الهاتف ثم رفعته علي أذنها ليأتيها الرد وتجيب هي بـ "ماما" .....
،،، .................
..(ليلاً)
بـ إحدى محلات الصاغة الشهيرة والتي اعتادت عائلته التعامل معه.. كان أكرم يجاور جيلان في وقفتها.. يختاران معاً خواتم الخطبة كما وعدها..
بريق الذهب أمامها خطف أنظارها رغم أنها ابنة وحيدة لأب ميسور الحال لم يقصر معها بشئ إلا أنها كانت دائماً تريد المزيد والمزيد ، أحلامها وطلباتها لاتنضب .. في روايات من عرفوها وعاشروها يقولون عنها طامعة ذات أعين فارغة لا يملئها سوى التراب .. ولكنها في روايتها هي طموحة ولا ضير في ذلك..
وهي الآن تعيش أكثر أحلامها روعة وجمالاً.. معها أكرم الذي يحبها ستجعله كالخاتم باصبعها سيلبي طلبها قبل ان تأمر به..
هي ليست حمقاء كي لا تشعر بتغيره وجفاؤه وتجهم قسماته.. ولكن كل شئ يهون، مع الوقت ستعيده أكرم القديم
.. أكرم الذي رسب لعاميين بالجامعة كي يظل معها وأمام ناظريه..
أفاقت من تخيلاتها الوردية علي صوت الصائغ..
ـ دي أحدث وأجمل خواتم موجودة في المحل ياأكرم.. نقي منها وعلى ضمانتي..
عيناها لاتتوقفان عن انبهارهما وهما تتجولان علي كل قطعة أمامها..
ابتسمت برقة وأعين منبهرة توجه حديثها لقاسم وهي تشير علي خاتم ماسي ..
ـ ايه رأيك في ده؟! خطفني أول ماشوفته..
يبادلها الابتسام بنظرة لا تفهمها.. بالأصح تتغاضى عنها.. يدقق باختيارها دون تركيز..
ـ جميل...
قالها ببرود.. غير مهتم وكأنه مجرد صديق ذهب معها ليعرض رأيه فقط..!!
استائت من بروده معها.. بلحظة تلاشت الابتسامة الرقيقة وحلت مكانها تكشيرة مصرية أصيلة.. تعلم أنه لايحب رؤية أحد حزين..
وقد أصابت فقد خلع عنه قناع البرود.. قال باهتمام..
ـ جميل بجد.. حقيقي يعني.. طالما عجبك أوكي ناخده
تمتمت بخفوت كي لا يسمعها من يقف أمامهما..
ـ مش المفروض نختار سوا.. هو انا غصبتك علي حاجة يااأكرم؟
ـ لا مش كده أكيد.. أنا بس بالي مشغول بالوضع في البيت عندي وكدة..
عادت بنظراتها للخواتم أمامها تختار وتقارن بعقلها ونظرتها، تسأله وقد رقت نبرتها واصطنعت براءة لا تناسبها..
ـ طب وأنا ذنبي إيه ياأكرم.. هو أنا اللي لخبطتلك الدنيا كده..!
.. حقاً عجز عن الرد.. بماذا يجيب!!
هو الآن بـ أسوء فتراته.. بل تلك الفترة هي الأسوأ بحياته..
تنحنح، يمسح علي لحيته الخفيفة بأنامله يخفي تيهه،
واعتبرت سكوته انتصاراً لها.. فابتسمت بوداعة وتابعا ماجاؤو لأجله..
مبتسم بطريقة غريبه ، وكأنه مسيّر أو مغيب، أو مضروب علي رأسه..
مبتسم بذبول .. وكأنه.. وكأنه رجلٌ بـ ورطة....
.................................
.. أنهت ريم رص أطباق الطعام علي المائدة.. وقد قررت اليوم أن يكون العشاء خفيفاً وبمفردهما من اجل تهدئة الأمور بينها وبين كمال..
وقد غفا زين الصغير قبل قليل بأعجوبة ، ومراد وحاتم بغرفتهما يستذكران دروسهما..
ابتسامة رضا زينت ثغرها وهي تنظر للطاولة في الوقت ذاته دخل كمال ممسكاً هاتفه مدققاً به يكتب ويرسل أشياء تقريباً لها علاقة بعمله..
تجاهلها كعادته تلك الفترة وجلس مكانه دون ان يحيد بنظره عن الهاتف..
سحبت كرسيها وجلست تجاوره ومازالت ابتسامتها موجوده وملامحها هادئة لاتريد سوى أن تعود الحياه بينهما مثلما كانت..
ملأت له كوب من الماء ووضعته أمامه فتناوله دون شكر..
وأخيراً ترك الهاتف ووضعه أمامه علي الطاولة، فانتبه أنهما بمفرديهما دون أبناؤه.. فسأل..
ـ الولاد فين..؟
ـ زين نام، ومراد وحاتم اتعشو سندوتشات ودخلو يذاكرو...
أومأ برأسه متفهماً.. وبدأ بطعامه عاقداً حاجبيه ..
ساد الصمت بينهما عدا عن أصوات أدوات الطعام.. وقد ملت منه ومن صمته.. فقررت قطع سكون اللحظة ، أجلت حلقها وسألت بخفوت ..
ـ كمال ممكن اعرف انت متغير معايا ليه..
.. تستلهم، تحاول فك شفرته ، تجابهه بنظرتها ونعومة ملامحها..
زفر بحدة وقد تجهمت ملامحه وازداد مزاجه سوءً ، أجاب بجمود..
ـ مفيش حاجة.. معاملتي ليكي طبيعية جداً ..
صاحت به بانهيار..
ـ هو إيه اللي طبيعي.. انت يااما زعيق يااما مبتكلمنيش أصلاً..
هدر بها وقد تضاعف غضبه بسبب صوتها المرتفع..
ـ صوتك ميعلاش أحسنلك..
صمت لحظة وتعمد جرحها فهتف بـ لؤم لا يشبهه ..
ـ وبعدين إيه اللي مضايقك.. ولا انتي عايزة حاجه تانيه؟
.. فغرت فمها تنظر اليه بصدمة منه ومن وقاحته ، انعقد حاجبيها الرقيقين بشدة وهي تهتف مدافعة..
ـ أنا.. أنااااا.... أنا أكيد مقصدش....
.. ولم يقوى لسانها علي التكملة، فنهضت واقفة من مكانها بعصبية تنوي المغادرة بعد أن ألقت بوجهه أنه عديم الاحترام .. باللحظة ذاتها كان هو أيضاً يقف أمامها رأسه برأسها..
ومابين خجل وعتاب..
غضب وحيرة..
رغبة يريد وأدها وبراءة تزيد من اغوائها..
وتقول عنه عديم الاحترام إذاً فليريها مانعتته بها..
كانت الغلبة لجسده بعد أن حاوطها بذراعيه مستنداً علي ظهر كرسيها..
جزعه الخشن مقابل نعومتها،
أغمضت عينيها بشدة.. تشعر بتشنج جسده ، انحبست أنفاسها بصدرها وجسدها كله يشتعل خوفاً.. وخجلاً
كان يراقبها..صدرها يعلو ويهبط بذعر .. ملامحها الناعمة وخصلاتها الثائرة تأسرانه .. هي كلها ملك يمينه ولكن لا يريد..
لحظات وفتحت عينيها ببطء..ليتبادلا النظرات الصامتة واقتراب الأنفاس .. كانا بعالم آخر .. همست اسمه بنعومة تذيب الأعصاب..
ـ كماال...
وبنطقها لاسمه استفاق وانتفض بداخله ، سارع بكسر السحر النابض بعينيها وتظاهر بالقسوة واللامبالاه.. تابعت وقد تحول لون وجهها للأحمر القاني..
ـ أنا بس عيزاك تديني وقت...
رد متعمد احراجها بضحكة هازئة..
ـ أديكي وقت لايه..؟!
.. ثم تابع بصوت أجش ومازالت ابتسامته هازئة..
ـ اااه.. لأ أنا مش عايزك.. الرفض المرادي مني أنا..!
ثم تغيرت نبرته أصبحت أكثر سوداوية.. يهتف من بين أسنانه بشراسة..
ـ انتي هنا زي منتي قولتي قبل كده للولاد والخدمة وبس.. متتعشميش باكتر من كده ياريم.. وبالنسبالي لو هفني مزاجي ع الجواز ..!!هتجوز ياريم..
.. قطبت مابين حاحبيها، واستقامت بوقفتها رغم أنها مازالت بين الكرسي وذراعيه.. صاحت بوجهه..
ـ اللي بتقوله ده ف اي شرع بقى انشاءالله؟!
.. اجاب بجمود..
ـ اللي بقوله ده لا شرع ولا قانون.. اللي بقوله ده كان قرارك هنا ف البيت ده اللي متغيرش .. خليكي أد قرارك ولو مرة واحدة ياريم..
همست بصوت متحشرج..
ـ انت كده بتظلمني...!
أردف بقسوة..
ـ. انتي اللي ظلمتي نفسك..
.. وخلال ثانيه كان يبتعد عنها حانقاً، دخل غرفته سحب مفاتيحه... وتحرك. مغادرا كاعصار.. صافقا الباب خلفه بكل قوة.. ومع خروجه هوت بطولها أرضاً ترتجف، تدفن وجهها بين كفيها تبكي...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.. انتهى الفصل.. ❤
تكملة الرواية من هنا 👇👇👇
تعليقات
إرسال تعليق