أخر الاخبار

ندوب_الهوى الفصل_الأول والتاني ندا_حسن كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات


 ندوب_الهوى

الفصل_الأول والتاني

ندا_حسن

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

          "تهوى الروح شخصًا حلمت به ليالي طويلة"


خرج من منزله في الطابق الأول علوي، ثم هبط الدرج بهدوء وبطء قصد أن يفعله لعله يرى شخص لم يراه منذ يومين وكل تفكيره يصب نحوه فقط، والذي ازداد بعدما وقع على عاتقه شيء لن يستطيع أن يتحمله بعد ما حدث بينه وبين والده من نقاش خرج منه هو الوحيد الخاسر.. 


مر من أمام باب شقة في الطابق الأرضي، بعد أن زفر بحنق لعدم تحقيق ما تمنى وكأنه كان يعلم أن ذلك سيحدث وقد خلف الوعد معه..


ولحسن حظه بينما يمر بهدوء تفاجئ بصوت قوي ميزه بأنه صوت باب! ثم شعر بشيء يرتضم بظهره وبعدها استمع إلى أشياء أخرى اصطدمت بالأرضية!..


أعتقد أنها "مريم" الابنة الصغرى لهذا المنزل، ربما تكن متأخرة على إحدى محاضراتها كالعادة، فهو دائمًا يراها تهرول سريعًا إلى أصدقائها بعد تأخرها عليهم، يا لها من كسولة..


استدار بجسده ينظر إليها ليجدها هي!، ليست "مريم" بل الشقيقة الكبرى لها "هدير"، التي كان يتمنى رؤيتها منذ قليل فقط!..


استدارت إليه بعد أن أغلقت باب الشقة بهرجلة ونظرت إليه نظرة معتذرة دون حديث وهي تهبط إلى الأرضية لتلملم كُتبها الذي وقعت على الأرضية، هبط معها سريعًا هو الآخر ليساعدها في جمعهم ولكنه في الحقيقة كان يريد أن ينظر إليها وإلى تفاصيل وجهها وملامحه الذي غابت عنه يومين..


رفعت عينيها عسلية اللون إليه وهي تنظر إلى وجهه وودت لو نظرت كثيرًا لتحفظ معالمه داخلها، هتفت قائلة باعتذار وخجل:


-أنا آسفة والله يا بشمهندس جاد كنت خارجة بضهري مشوفتكش 


ثم وقفت على قدميها فوقف معها هو الآخر، وزع نظره عليها من الأعلى إلى الأسفل، إنها حورية!، جميلة برغم البساطة التي تحلت بها، ترتدي فستان أرضيته لونها أزرق منقوش عليها باللون الأبيض، مغلق بالكامل وأكمامه تصل إلى بداية كف يدها، يحمل على خصرها حزام أبيض اللون ويصل طوله إلى الأرضية، بينما يزين وجهها الأبيض المستدير ذلك الحجاب الأبيض، الذي يجعلها تبدو كالحورية التي تهبط من الجنة..


لا تضع أي مستحضرات تجميل على ملامح وجهها، دائمًا يراها بكامل أناقتها ومع ذلك مثلما هي على طبيعتها، عينيها بلونها العسلي تسحره دائمًا بنظرتها إليه كما الآن تمامًا وذلك النمش البسيط الذي يزيدها جمالًا فوق جمالها..


شعر أنه أطال النظر إليها، أخذ يتمتم بالاستغفار داخله عدة مرات وبأن يرحمه ربه ويسامحه، أنه يفعل الآن الخطأ ليس الصواب..


تحدث قائلًا بجدية وهو يحاول أبعاد نظرة عنها بعد أن قدم لها الكتب لتأخذها بهدوء:


-آسفة على ايه محصلش حاجه

ندوب_الهوى

الفصل_الأول والتاني

ندا_حسن

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

هل كان ينظر إليها بهذه الطريقة؟.. أنه منذ فترة ليس "جاد" الذي تعرفه، هل يريد أن يقول لها شيء أو يريد أن يوضح لها شيء بهذه النظرات؟.. سريعًا عادت ونفضت هذه الأفكار السخيفة من رأسها فهي في هذه الفترة أصبحت تتوهم كثيرًا باشياء لم تحدث بعد وربما لن تحدث أبدًا..


وجدته عاد بنظره إليها مرة أخرى فنظرت إليه تحاول أن تعرف ما هي هذه النظرة وإلى ماذا تشير؟. ولكن وجدت نفسها تتوه داخله، تُبحر داخل تفاصيله، خصلاته السوداء اللامعة الممزوجة بالبنية التي اكتسبت طولًا هذه الفترة، عينيه الرمادية ذات اللمعة الغريبة، أنفه الحاد الشامخ، وشفتيه الرفيعة التي يهبط عليها ذلك الشارب يخفي جزءًا منها وتحيط تلك اللحية ذقنه بينما برزت تفاحة آدم بعنقه..


أنه "جاد الله أبو الدهب" كيف سيكون غير ذلك الرجل الوسيم الذي يقف أمامها؟، كيف سيكون غير ذلك الرجل المعروف بأخلاقه واحترامه لكل شخص بتلك الحارة؟..


تنهدت بصوتٍ مسموع وقد أطالت بوقفتها معه هنا وهي تعلم أن ذلك لا يجوز أبدًا، غير أنها من الأساس متأخرة، انتشلها من أفكارها به هاتفها الذي بين يدها خرج صوته عاليًا آتي بمكالمة من صديقتها فوضعته على وضع الصامت ونظرت إلى ذلك القابع أمامها قائلة بتوتر وخجل من ذلك الموقف الذي وضعت نفسها به:


-عن اذنك لازم أمشي


ثم خرجت سريعًا ولم تعطي إليه الفرصة للرد من الأساس لتذهب إلى كليتها، حيث أنها كانت تدرس بالسنة الأخيرة بكلية الزراعة، تركته يقف بداخل ردهة المنزل يفكر بها، وبحديثها، حركاتها التلقائية، ونظراتها العفوية التي تأتي من عينيها عسلية اللون الساحرة، يفكر بكل شيء يخصها وهناك مع ذلك التفكير دقة قلب عنيفة خائفة من القادم..


هو الآخر خرج من المنزل والذي كان ملك لوالده وعمه، مكون من طابقين علوي هو ووالده ووالدته بالأول وعمه بالثاني مع عائلته وفي الطابق الأرضي منزل "هدير" وعائلتها..


خرج متوجهًا إلى المنزل المقابل والذي كان ملك لهم أيضًا الطابق الأرضي به ورشة ميكانيكا سيارات ملك له، بينما الطابقين الآخرين كانت شقة منهم له ليتزوج بها والأخرى إلى ابن عمه وشقيقه "سمير"..


تقدم إلى الورشة ووجد بها الشباب الذين يعملون معه بها تحت إشرافه، المهندس "جاد الله أبو الدهب"


                                   ❈-❈-❈


"بمنتصف اليوم" 


جلست "مريم" في غرفة شقيقتها "هدير" على الأريكة تحت النافذة التي تنظر منها على الشارع بأكملة يمين ويسار وبالأخص البيت المقابل لهم وورشة "جاد أبو الدهب"، فتاة غاية في الجمال مثل شقيقتها وأكثر، وجهها أبيض مستدير لا يحمل أي شيء من أدوات التجميل بل دائمًا على طبيعته، شفتيها صغيره وأنفها كذلك وجميع ملامح وجهها، غير عينيها العسلية الصافية مثل شقيقتها تمامًا، جلست تفكر بشخص أحبته كثيرًا ولا ينظر لها يومًا، ربما لا يدري بوجودها من الأساس، تنظر له من بعيد الأفق وتحلم بأن يكون ذلك الزوج الصالح لها، صغيرة على أن تفكر بهذه الأشياء ولكن قلبها لم يعد يعرف ذلك، من وسط الجموع أحبه هو وهو لا يبالي بها، ربما لو عرف بمكنون قلبها سيبالي ولكنه لا يعرف..


وضعت يدها على ايطار النافذة ثم اراحت رأسها عليها وهي تنظر على المارة بحارتهم، وتفكر به وتسترجع ملامحه الخلابة بذاكرتها، كلماته الجافة وطريقته الصلبة في الحارة، حركاته الرجولية وسيرة الفريد بالنسبة لها لا يوجد مثله أبدًا وتلك السيجارة التي يمسكها دائمًا وفي جميع الأوقات من خلف النافذة ترى ابن عمه يأخذها منه ويدعسها موبخًا إياه، حتى أنه في الفترة الأخيرة لم تراه يستنشق منها أمامه..


تدعي دائمًا في كل صلاة أن يجعله الله من نصيبها، وتدعي أن يحقق الله لها دعائها وأمنياتها التي تحمله داخل طياتها، من الممكن أن يكون يكبرها بكثير ولكنها تحبه وتريده هو فقط..


بينما تمرر نظرها في الشارع وجدته يتقدم من الورشة بابتسامة خلابة ورائعة، وقف يتحدث مع ابن عمه، يشير بيده يمين ويسار وكأنه يتحدث بأمر هام، وزعت نظرها عليه من الأسفل إلى الأعلى، تُملي عينيها به لتذكره في كل وقت، ولتراه وتميزه من بين الجميع..


قلبها يخفق بشدة وهي تراه يبتسم هكذا، وتفكيرها يتناسى كل شيء إلا هو!


رفعت نظرها إلى بداية الشارع من بعيد فوجدت شقيقها يتقدم ناحية المنزل، وضعت يدها على رأسها تجذب الحجاب وتحكم إغلاقه وقد كان مغلق حقًا ولكن خوفها منه يجعلها متوترة دائمًا، ثم جذبت أبواب النافذة لتغلقها ودلفت إلى الداخل والابتسامة على شفتيها قد رُسمت لأنها رأته..


خرجت من الغرفة إلى صالة المنزل الصغيرة، وجدت شقيقها يفتح الباب ثم تقدم إلى الداخل، نظرت إليه بهدوء وهي تراه يدلف غرفته، ذهبت إلى المطبخ لتساعد والدتها في تحضير العشاء..


وقفت جوارها وتحدثت قائلة مُبتسمة بهدوء وراحة:


-خلصتي يا ماما؟


استدارت إليها والدتها "نعمة" صاحبة القلب الرقيق الحنون، أم مصرية أصيلة تظهر الطيبة عليها وعلى وجهها البشوش، جسدها قصير وممتلئ قليلًا وأجابتها قائلة بابتسامة:


-قربت أخلص روحي أنتِ يا حبيبتي ذاكري


كادت أن تُجيبها ولكنهم استمعوا إلى صوت شقيقها "جمال" وهو يهتف بصوتٍ عالٍ يتساءل عن شقيقته الأخرى:


-اومال هدير فين؟ هي لسه مرجعتش 


أجابته والدته قائلة بجدية وهي تقلب الطعام وتستدير بوجهها بعيد عنه:


-لأ لسه زمانها جايه 


زفر بضيق ليتحدث بحدة وهو يخرج من المطبخ قائلًا بعصبية وغضب:


-بتعملهم عليا.. كل يومين ترجع متأخر، بتروح فين بقى الله أعلم 


ذهبت "مريم" خلفه وتحدثت بحدة مثله قائلة بضيق وهي تدافع عن شقيقتها التي كانت تعمل لتعيل هذا المنزل وهو في فراشة ينعم بالراحة:


-عيب اللي بتقوله على أختك ده يا جمال أنتَ عارف هدير كويس 


استدار ينظر إليها بضيق وانزعاج قائلًا وهو يشير بيده بحركات هوجاء:


-بت أنتِ هو أنتِ هتعرفيني العيب واللي مش عيب.. غوري من وشي


-خلاص يا جمال يا بني هدير زمانها جايه دلوقتي 


قالت والدته هذه الكلمات بهدوء لتجعله يصمت ولا يفعل مثل كل يوم، يبحث عن أي شيء ليرفع صوته عليهم وليعود إلى نفس النقطة مع "هدير" التي يعرفها الجميع.. 


                              ❈-❈-❈


خرج "جاد" إلى بداية الشارع وهو يقود سيارة ليجربها بعد أن قام بإصلاحات بها، بينما وهو يقود إلى الخارج نظر بعينيه دون قصد منه ليراها وهي تخرج من سيارة أول مرة له أن يراها، يقودها شاب لا يعرفه ولا يبدو من الحارة، أنه يعلم أنها لا تجلس مع أحد غريب عنها بمكان مغلق كالسيارة وحدها فهذا خارج حدودها، تمعن بالنظر من بعيد ليراها تميل على نافذة السيارة تتحدث إليه مبتسمة بسعادة وتحرك يدها إليه بعفوية ربما!. 


ودعته بيدها وهي تلوح له ثم ذهبت بطريقها إلى الداخل وهي تنظر يمينًا ويسارًا، هل خائفة من أن يكون هناك أحد رآها؟..


من ذلك الشاب الذي كانت معه؟.. وكيف لها أن تكون معه وحدها؟. ولما خرجت من السيارة بعيد إلى هذا الحد؟.. هل تخفي شيء؟.


هل تخاف من أن يراها أحد معه؟. لقد انهشت الأفكار رأسه واثقلت عليه الأسئلة الذي ستجعله ينفجر كالبركان، كيف لها أن تكن معه وحدها؟!..


إلى هذه الدرجة لم تعد تقدر أحد أم أنها لم تعد تعلم ما هو الحلال والحرام وما هو الصواب والخطأ..


ما الذي يفكر به هي ليست هكذا، مؤكد هناك شيء هو لا يعرفه..


وضع يده على المقود وأدارها من جديد عائدًا إلى الداخل سريعًا قبل أن تصل إلى المنزل ليعلم منها من الذي كانت معه فهو لن يستطيع أن يبقى هكذا دون علم..

ندوب_الهوى

الفصل_الأول والتاني

ندا_حسن

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

وقف بالسيارة أمام الورشة وهبط منها بينما هي تدلف إلى المنزل، أوقفها شقيقها أمام الباب عندما كان يخرج منه..


تحدث معها سائلًا إياها بجدية وهو يشير بيده بطريقة فظة متسائلًا:


-اتأخرتي كده ليه؟.


أجابته بتوتر وهي تنظر إليه بصعوبة قائلة وهي تدلف إلى الداخل:


-زحمة مواصلات 


ذهبت للداخل وذهب خلفها شقيقها، ووقف هو مذهول من كذبها على شقيقها الآن أمامه، لم تراه وهو يقف على مقربة منهم يستمع إلى حديثهم، ولم تراه وهو في السيارة، لماذا كذبت على شقيقها؟.. هي لم تكن اليوم في المواصلات بل أتت بالسيارة، لو كانت تفعل شيء صحيح وليس خطأ كانت تحدثت ولم تخفي ما فعلته ولكنها تعلم أنه خطأ كبير..


ربما هناك شيء بينها وبين ذلك الشاب تخاف من أن يعلمه أحد؟.. لا مؤكد لن يكن بينها وبين أي أحد شيء، هذا مؤكد أنها مثال للأدب والاحترام في هذه الحارة لن يصدق ذلك عنها..


ربما يستمع إلى صوتها العالي في المنزل ويعلم أن لسانها سليط ولكن يعلم أيضًا أنها على قدر عالي من الأخلاق لن يصدق أن هناك شيء بينهم ولن يصمت إلى أن يعلم من هو ولما أتت معه ولما كذبت على شقيقها؟..


وقفت أمامه تستمع إلى هذه الأسئلة الذي تعرفها جيدًا وتعرف لماذا يريد أن يصل بها:


-اتأخرتي ليه؟.. ما كل يوم فيه زحمة مواصلات 


وضعت كُتبها على الأريكة القديمة في الصالة ووقفت أمامه تضع يدها الاثنين أمام صدرها ثم تحدثت بثقة كبيرة قائلة له:


-جمال.. اسمع بقى الكلمتين دول، هدير أنتَ عارفها كويس ومش هسمحلك كل شويه تلمح بحاجه شكل علشان تعمل اللي في دماغك، آه خليك عارف ده.. أنتَ أخويا الكبير واللي المفروض يكون هو السند ليا مش العكس ومش أنتَ اللي تقول عني الحاجات اللي في دماغك دي.. اومال الغريب يعمل فينا ايه؟


نظر إليها بانزعاج وتحدث قائلًا بمكر لن تتقبله:


-وأنتِ عارفه أن أبوكي وصاني عليكم 


أشارت بيدها بهمجية وهي تتقدم إليه تتحدث بعصبية وانزعاج شديد سيطر عليها بعد الاستماع إلى هذه الكلمات التي يقولها دائمًا محللًا ما يفعله:


-لأ يا حبيبي أبويا الله يرحمه لما وصاك علينا كان مفكرك راجل قد المسؤولية مكنش يعرف أنك هتخلي البنات هما اللي يشتغلوا ويصرفوا عليك... كفاية لحد كده يا جمال 


ثم تركته وأخذت اشيائها متوجهة إلى الداخل بعد أن عكر صفوها وجعلها تشعر بالضيق والانزعاج لما وضعت به..


                                 ❈-❈-❈


"في المساء"


مازال لا يعرف من الذي كانت معه في السيارة وحدها!.. داخل قلبه يشتغل بنيران لا تهدأ أبدًا، عقله لا يود أن يفرج عنه بل يأتي إليه بأبشع السيناريوهات ويجعله يتخيلها، حركاته ليست محسوبة وهو هكذا، يريد حقًا أن يعلم من ذلك ولما كانت معه وكيف من الأساس أن تكون معه وهي لا تعرفه!.


أو ربما هي تعرفه، ربما هذه ليست أول مرة لها، ربما هي هنا تمثل دور الاحترام والمثالية!..


ضرب مقدمة رأسه على هذه الأفكار السخيفة التي يرسلها إليه شيطان عقله الأبلة ليجعله يفكر بها هكذا..


خرج من شقتهم وأغلق الباب خلفه، وقف أمام الدرج وانحنى بجذعه العلوي ينظر إلى الأسفل ربما يراها ولكن لن يحدث ذلك..


استدار بقدميه وصعد إلى الأعلى، يريد أن ينعش صدره ببعض الهواء الطلق من على سطح المنزل صديقه الأقرب، أقترب من باب السطح وقد رأى النور مشتعل فعلم أن هناك أحد..


دلف إليه ليراها هي، تجلس على المقعد بجانب السور وبيدها كتاب تقرأ منه، ربما تدرس!.. تقدم إليها ثم أصدر صوتًا خشنًا لتشعر بوجوده معها..

ندوب_الهوى

الفصل_الأول والتاني

ندا_حسن

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

أغلقت الكتاب بيدها ووقفت على قدميها بعد أن نظرت إليه لتراه يتقدم منها ووقف أمامها محافظًا على مسافة بينهم، تحدث سائلًا إياها بنبرة رجولية خشنة:


-ازيك يا بشمهندسة هدير 


ابتسمت بهدوء مُخفضة وجهها بالأرض ثم رفعتها مُجيبة إياه قائلة بخفوت:


-الحمدلله بخير.. بس مش لسه بدري على بشمهندسة دي 


ذهب ليقف جوار سور السطح وأستند بيده الاثنين عليه ينظر إلى الخارج وتحدث بهدوء مُبتسمًا:


-لأ مش بدري ولا حاجه خلاص هانت 


-عندك حق 


نظر إليها وهو يود لو يلقي عليها جميع الأسئلة الذي برأسه لتُجيبها هي وترحم عدم معرفته ما الذي يحدث معها:


-أنتِ بتعملي ايه هنا؟.


وقفت جواره على مسافة مقبولة ونظرت إلى الخارج بعد أن وضعت الكتاب على الطاولة جوار المقعد وهتفت قائلة بابتسامة ساخرة:


-زي ما أنتَ شايف بذاكر.. كالعادة محدش عارف يذاكر في البيت من الجو اللي عامله جمال بالاغاني في اوضته 


ابتسم هو الآخر بسخرية وقد رأت تلك الابتسامة الرجولية الساحرة لتجعل قلبها يدق بعنف داخل صدرها، ماذا لو وضعت يدها على وجنته وشعرت به!.. أغمضت عينيها بقوة وداخلها يقوم بالاستغفار، دائمًا تفعل الخطأ وهي تنظر إليه..


استمعت إليه يقول متسائلًا بجدية وهو ينظر إليها:


-هو أنتِ سيبتي الشغل في محل الأدوات الكهربائية ليه؟.. حد ضايقك؟


فتحت عينيها ببطء ليظهر بحر العسل الصافي المخفي خلف جفنيها:


-لأ لأ أبدًا أنا بس لقيت نفسي مش قادرة أوفق بين الكلية والمذاكرة والشغل، قولت اسيبه والدنيا كويسه معانا الحمدلله


سألها مرة أخرى قائلًا:


-يعني مش محتاجة شغل


ابتسمت إليه وهي تشعر بذلك الإهتمام الفريد منه وودت لو بقى هكذا دائمًا، أجابته بنفي قائلة:


-لأ كلها كام شهر وهخلص الكلية بعد ما أخلص هشتغل إن شاء الله علشان مريم 


نظر إليها وهو يبتسم هو الآخر، لقد كانت مثال الاحترام والأخلاق الحميدة، أنها فتاة صغيرة تأخذ دور كبير العائلة وتعمل لتجعلهم لا يطلبون شيء من أحد، تأخذ دور شقيقها الأكبر الذي لا يهمه أي شيء سوى نفسه وراحته، وإلى الآن لم يقدم لهم شيء يتذكرونه به من بعد أن توفى والدهم، وهي لا تقبل نظرة شفقة من أحد ولا تقبل مال شفقة حتى من والده وعلى الرغم من أنهم يجلسون في بيته إلا أنها تدفع له إيجار رمزي بسيط بعد أن عانى معها في إقناعها بعدم دفع شيء إكرامًا لوالدها الذي كان يعمل عندهم.. 


نظر أمامه ثم دون مقدمات وفجأة سألها بنبرة رجولية جافة ارهقها التفكير:


-مين اللي كنتي راكبه معاه النهاردة؟


توترت قليلًا من سؤاله الغير متوقع، من أين علم؟ أنها خرجت من السيارة بعيد عن هنا؟. هل رآها؟ ماذا قال عنها يا ترى، لابد أنه فكر بها السوء عندما رآها مع شخص لا تعرفه...


نظرت إليه وأجابته بتردد بعد أن شعرت بالتوتر من نبرته التي تغيرت مئة وثمانون درجة عندما سألها:


-ده أخو زميلتي في الكلية 


اعتدل في وقفته وأصبح مقابلًا لها، ذلك بعد أن استمع إجابتها الغير مريحة بالنسبة إليه كليًا، وضع يده خلف عنقه يمررها عليه بحدة وأردف قائلًا بجدية وقوة تتنافى مع حديثه:


-أنا عارف إن مش من حقي أسألك بس بصراحة كده الموقف كان وحش أوي لما شوفتك نازلة من عربية حد غريب عن هنا وبعدين ألاقيكي بتكدبي على جمال.. ولا أنتِ ايه رأيك؟


ابتلعت ما وقف بحلقها ونظرت إلى الأرضية بخجل يكاد أن يجعلها تختفي من أمامه بالكامل، هو معه كامل الحق أنه موقف لا يدل إلا على شيء واحد، استمعت إلى سؤاله مرة أخرى قائلًا:


-وأنتِ بتركبي عربيات مع أي حد كده عادي


رفعت رأسها إليه سريعًا مُجيبة إياه بحدة ونفي لكلماته:


-لأ طبعًا 


وجدته يتساءل بعينيه مطالبًا تفسير فقالت وهي تضغط على أصابع يدها الاثنين بتوتر مُجيبة إياه:


-أنا مكنتش معاه لوحدي


نظرت إليه لتراه مثلما هو يطالب بتفسير آخر فقالت بصدق ما حدث وما تفعله هي:


-أنا عمري ما ركبت مع حد غريب لوحدي دي أول مرة وكمان كان معايا زميلتي تبقى أخته.. هو كان جاي ياخدها فـ أصر أنه يوصلني لأني كنت متأخرة بس مش أكتر 


حك فروة رأسه وهو يقلب عينيه وتساءل مردفًا مرة أخرى:


-بس أنا مشوفتش حد معاه غيرك 


أخذت نفس عميق وأجابته بجدية شديدة وهي تراه لا يصدق حديثها:


-لأ على فكرة كانت موجودة في الكرسي اللي قدام جنبه وأنا كنت ورا ممكن تكون شوفتنا من ناحيته علشان كده مشوفتهاش 


هتف بجدية وهو يلقي عليها نصيحة هادئة ومن داخلة يشتعل وهو يستند على السور بيده ضاغطًا عليه بشدة:


-ممكن بردو.. بس بعد كده خدي بالك ومتركبيش مع حد متعرفيهوش تاني 


نظرت إليه باستغراب، ثم ابتسمت بسخرية وفعلت كما طلب منها قائلة:


-عن اذنك أنا هنزل بقى.. شكل وقفتنا كده غلط 


ابتسم بسخرية وتهكم أكثر منها وهو يرى ذكائها بوضوح، لم يقصد الحديث عنه أيتها البلهاء، رآها تأخد كتابها وهاتفها من على الطاولة وعندما أخذتهم بيدها وجدت الهاتف يصدر صوت مكالمة، نظرت إلى شاشة الهاتف لتراه رقم غير مسجل، فأجابت وهي تعطي له ظهرها:


-السلام عليكم.. أيوه أنا مين معايا


بعد أن استمعت إلى الصوت على الطرف الآخر أردفت مرة أخرى متسائلة باستغراب بعد أن عقدت ما بين حاجبيها:

ندوب_الهوى

الفصل_الأول والتاني

ندا_حسن

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

-وأنتَ جبت رقمي منين؟


تقدمت مرة أخرى من سور الشرفة وألقت نظرة إلى الأسفل أمام المنزل لترى شقيق زميلتها يقف في الشارع والهاتف على أذنه يتحدث معها، وكل ذلك تحت نظرات "جاد" الذي لو أراد أن يحرقها ويحرق ذلك الأبلة الذي يوزع تبسُمات ليس لها معنى لفعل وأحرقهم دون أن يسأله أحد لما فعل ذلك..


نظرت إلى "جاد" بتوتر وهو الذي كان يتحدث معها الآن عن ذلك الغبي الذي أتى إلى هنا وفي هذا الوقت لتراه ينظر إليها بحدة وعصبية ظاهرة بسبب أفعالها الغريبة والغير 

"يُتبع"


#ندوب_الهوى

#الفصل_الثاني

#ندا_حسن


"الغيرة ليست تقيد حرية، بل هي أكبر دليل على الحُب" 


اتكأ "جاد" على السور بكفيه وانحنى بجذعه قليلًا، نظر إلى الأسفل ليراه يقف والهاتف على أذنه منتظرها أمام الباب، رفع حاجبه الأيمن وهو ينظر باستنكار لما يحدث في هذا الوقت، نظر إليها بنصف عين وقد كان يريد أن يرى تعابير وجهها إلى ماذا تشير..


أغلقت الهاتف وأنزلته من على أذنها تنظر إليه بتوتر فقد وضعت نفسها بموقف سخيف أمامه، ماذا سيقول الآن بعد أن رأى هذا المشهد ولم تكاد تنهي النقاش معه؟..


أردف بجدية شديدة خرجت منه بنبرة رجولية متسائلًا:


-ايه جابه هنا الواد ده؟


ابتلعت ما بجوفها وهي توزع نظراتها في جميع الاتجاهات تضغط على يدها بشدة لتخفف من حدة توترها الذي كان يزداد:


-نسيت كُتب في العربية وهو جيبهالي 


تنفس بعمق وتقدم منها وهو يشير بيده إلى الخلف قاصدًا ذلك الأبلة الذي ينتظر في الأسفل:


-وهو مكانش يعرف يديهم لأخته ولا هو في ايه؟..


دققت النظر بعينيه باستغراب مضيقة ما بين حاجبيها محاولة أن تفهم ما الذي يقصده بذلك السؤال الغير مريح بالنسبة إليها، تحدثت متسائلة بحدة:


-يعني ايه في ايه؟.. تقصد ايه بسؤالك ده؟


أبعد نظره عنها شاعرًا أنه قد تمادى في حديثه وذلك السؤال الذي يشير إلى شيء واحد، ذهب تاركًا إياها خلفه وتحدث وهو يتجه إلى الباب ليذهب إلى الأسفل:


-خليكي هنا هجبلك الكُتب منه ماينفعش تقابليه دلوقتي الناس رايحه وجاية في الشارع 


جلست على المقعد بعد أن تركها وذهب تفكر في هذا الوضع الذي وضعت نفسها به، لماذا جعلته يقوم بتوصيلها من الأساس هي لا تفعل ذلك أبدًا، والآن أتى إلى المنزل أمام الحارة بأكملها.. 


لو لم يكن "جاد" يحضر ذلك الموقف ماذا كانت ستفعل؟. كان من المستحيل أن تخرج له وشقيقها في المنزل فهو يقف على حافة الانتظار ليجعلها تفعل ما يريده ويلقي بها في وادي به ذئب واحد يقتلها في غمضة عين..


-اتفضلي


رأت الكُتب على الطاولة أمامها بعد أن ألقاها "جاد" أمامها بقوة، رفعت عينيها تنظر إليه بخجل وقد أرادت التحدث بعد أن وقفت على قدميها..


لكنه لم يمهلها الفرصة، وجدته يتحدث بضيق وهو يشير إلى الأشياء الذي توجد على الطاولة تخصها قائلًا تلك الكلمات التي قالتها سابقًا وكأنه يرد الصفعة إليها:


-يلا خدي حاجتك وانزلي.. مايصحش حد يشوفنا كده 


نظرت إليه بحدة وقد احترق قلبها من هذه الكلمات التي قالها بجدية شديدة ليس بسخرية أو مزاح، أخفضت نظرها عنه، ثم وقفت وأخذت أغراضها بحدة ثم ذهبت من أمامه لتهبط إلى الأسفل دون أن تنظر إليه مرة أخرى..


فعل هو الآخر مثلها، نظر إلى السماء وأخذ نفسًا عميقًا ثم ذهب خلفها ليهبط إلى منزله.


                            ❈-❈-❈


ولج إلى داخل شقتهم ومن ثم إلى غرفته، أزال عنه حذائه وصعد ممددًا على الفراش، وضع يديه الاثنين أسفل رأسه ونظر إلى سقف الغرفة شاردًا في حوار دار بينه وبين والده وقد كان قبله تغمر الفرحة قلبه معتقدًا أن ما يريده سيحدث ولكن ألن يقولوا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن؟..


"قبل شهرين"


"ذهب جاد من الورشة في منتصف النهار وترك العاملين بها، متوجهًا إلى أحد محلات الذهب الخاصة بوالده وعمه، كان يعلم أن والده متواجد به الآن..


بعد أن فكر كثيرًا وجد أن عليه التحدث مع والده لكي يأخذ إذنه ورضاه على ما يريد فعله ولم يكن يتوقع ما حدث أبدًا..

ندوب_الهوى

الفصل_الأول والتاني

ندا_حسن

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

سار بثبات وقوة في الحارة وقلبه يبشره بالخير والسعادة ووجهه مبتسمًا لكل من يقابله، حتى "مُسعد"!.. ابتسم لـ "مُسعد" الذي لا يطيقه أبدًا ويعلم أنه أيضًا لا يحبه..


ولج إلى محل والده ملقيًا السلام على العاملين به ومن ثم توجه إلى مكتب والده في الداخل، ألقى عليه السلام ثم جلس على المقعد أمامه مبتسمًا بهدوء..


تحدث والده "رشوان" متسائلًا وهو يشبك يديه على المكتب أمامه مبتسمًا:


-ايه يا عم جاد سر القعدة الغريبة دي 


أخفض "جاد" نظره مبتسمًا ثم نظر إلى والده بثبات وهدوء وتحدث قائلًا بنبرة رجولية:


-ولا سر ولا حاجه يا حج 


أردف والده مرة أخرى بخبث وفي داخله استنتج ما الذي يريده:


-لأ فيه سر، طلما البشمهندس جاد قالي أنه عايز يتكلم معايا في حاجه مهمة يبقى فيه سر 


استدار لينظر إلى والده عن قرب وبوضوح وأردف قائلًا بنبرة هادئة:


-يعني زي ما تقول كده إني فكرت في الموضوع اللي بتزن عليا بيه 


وقف والده على قدميه بعد أن استمع إلى كلماته والتي كان يعلمها جيدًا، ظهرت الفرحة عليه بوضوح وذهب ليجلس أمامه على المقعد، وضع يده على فخذه قائلًا بابتسامة عريضة:


-يا ألف نهار أبيض يا عم جاد، ندور على العروسة بقى 


-لأ مهو أنا عندي العروسة


ضحك والده بصوتٍ مسموع وتحدث قائلًا بمكر غامزًا له:


-قول كده بقى.. أنت فكرت في الجواز علشان عندك العروسة مش علشان أنا بزن عليك، مين بقى العروسة؟. حد نعرفه؟


ابتسم "جاد" قائلًا بجدية وهو يدقق النظر بعيني والده:


-عز المعرفة 


وجد والده مضيقًا ما بين حاجبيه مطالبًا بإجابة ليعرف من هي فهتف قائلًا:


-هدير بنت سامي الهابط الله يرحمه 


وقف والده على قدميه في نفس الثانية التي استمع فيها إلى اسم "هدير" ابنة الرجل الذي كان يعمل لديه هو وشقيقه، استغرب "جاد" من تصرف والده الغير متوقع ودق قلبه بعنف ولكن لم يدم هذا الحال طويلًا حيث أنه هتف قائلًا بجدية وحزم:


-لأ.. هجبلك ست ستها لكن البنت دي لأ


وقف "جاد" هو الآخر خلف والده بعد أن أعطاه ظهره متحدثًا بذهول واندهاش من رفض والده الذي لا يوجد له أي أساس:


-ليه يا حج مالها هدير.. أخلاق وأدب وعارفة ربنا والحارة كلها تشهدلها بكده وبعد موت أبوهم أنتَ اللي كملت تربيتهم، ولا أنتَ تعرف حاجه أنا معرفهاش؟ 


أردف والده مُجيبًا إياه بضيق وانزعاج قائلًا:


-الحق يتقال البنت محترمة والكل يشهدلها وأختها كمان... هو بس أخوهم اللي حاله مايل


ذهب "جاد" ليقف أمام والده يريد مواجهته ليعلم منه لما ذلك الرفض، وقف أمامه متسائلًا بجدية وملامح وجهه معقدة:


-اومال ايه يا حج؟.. رافض ليه 


نظر إليه والده بحدة شديدة متحدثًا بحزم وجدية:


-علشان دي متنفعش جاد الله رشوان أبو الدهب، جاد ابني جاي بعد تسع سنين وبقى مهندس قد الدنيا وألف واحدة تتمناه أروح اجوزه واحدة أنا بعطف عليها علشان أبوها كان شغال عندي، كان صبي.. اجوزه واحدة اتمرمطت في المحلات بين الرجالة وهي بتشتغل 


أجابه "جاد" بحدة هو الآخر وقد ازعجه حديثه عنها والذي لا يعني له أي شيء وليس له أي أساس غير أنه يزيده شرفًا لتكون زوجته:


-جاد الله رشوان أبو الدهب اختار دي يا حج مش عايز الألف واحدة اللي بتقول عليهم، وبعدين هي أي ذنبها أن أبوها مات وسابهم على الحديدة مهي كانت بتشتغل علشان محدش يمد أيده ويديهم وأنتَ عارف أنها كانت بترفض تاخد منك أي حاجه وأنتَ كنت بتدي الحسنة لأمها من وراها، يعني بنت شريفة ومعاها كرامتها وهي دي اللي أنا عايزاها 


نظر إليه والده بغضب وعصبية ولأول مرة يستمع إلى صوت ابنه هكذا يتحدث معه بهذه الحدة والعصبية، فازداد غضبة ورفضه لها، أنه لا يريد هذه لابنه بل يريد أخرى يكن لها حسبها ونسبها ويتشرف بأن يجعلها أم لاحفاده، تحدث قائلًا بجدية ونبرة لا تحتمل النقاش:


-وأنا قولت اللي عندي يا جاد الله.. عايز تتجوز اختار أي واحدة إلا دي، وأنا عارف إنك مش هتعصى أمري لأن ده ابني اللي ربيته"


عاد جاد إلى واقعه مرة أخرى وأبعد نظرة عن سقف الغرفة ثم جلس على الفراش ومسح على وجهه بكف يده، وقف على قدميه وفتح باب الغرفة ليذهب إلى المرحاض...


خرج بعد دقائق منه بعد أن توضأ، دلف غرفته مرة أخرى وأخذ سجادة الصلاة من على المقعد الذي بالغرفة، وضعها على الأرضية باتجاه القبلة ثم وقف ليصلي إلى الله متقربًا منه داعيًا في صلاته بأن يرزقه الله تلك الزوجة التي اختارها قلبه...


جلس على سجادة الصلاة بعد أن أنهى صلاته رافعًا يديه إلى الأعلى يدعي ربه بصوتٍ خافض مُنهك:


-اللهم أنك تعلم ما في خاطري فحققه لي إن كان خير وأنتَ تعلم وأنا لا أعلم، اللهم أجعل قلبي يخفق بحبها دائمًا وأجعلها لي في الدنيا والآخرة

ندوب_الهوى

الفصل_الأول والتاني

ندا_حسن

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

شعر أن عينيه تُدمع وحدها عندما تذكرها، وأتى على خاطرة كم من مرة استمع أن هناك من تقدم لخطبتها، وضع يده على وجهه متحملًا على نفسه مانعًا عينيه من ذرف الدموع، وتحدث بنبرة خافتة داعيًا من داخل قلبه:


-اللهم أجعلها من نصيبي عاجلًا غير أجلًا، اللهم أجعل قلب والدي يرق ناحيتي فلا استطيع تركها ولا استطيع عصيانه، اللهم إني اتيتك عبدًا مذلولًا فلا تردني إلا مجبورًا، اللهم تقبل مني دعائي..


مسح على وجهه بيديه الاثنين ثم وقف ورفع سجادة الصلاة من على الأرضية واضعًا إياها على المقعد مرة أخرى متوجهًا إلى فراشة ليتمدد عليه متمنيًا أن تتحقق دعواته التي يدعوها في كل صلاة..


                            ❈-❈-❈


بعد أن دلفت "هدير" إلى شقتهم ولجت إلى غرفتها أغلقت نافذتها وأزالت عنها حجابها وعباءتها المنزلية الفضفاضة ثم ولجت إلى المرحاض وخرجت منه بعد أن أعادت الوضوء، ذهبت إلى غرفتها مرة أخرى، وارتدت إسدال الصلاة بحجابه، وضعت سجادة الصلاة على الأرضية لتصلي نوافل متقربه بها من الله..


أنهت صلاتها وجلست القرفصاء على سجادة الصلاة تُختم مسبحة على يدها عدة مرات متتالية..


رفعت وجهها إلى الأعلى وأمامه يديها متحدثة وعينيها تريد أن تأتي بما في داخلها:


-يارب، يارب أنتَ اللي عالم بحالي وغني عن سؤالي، يارب ريح قلبي أن كان حبه هيفضل يعذبني... يارب انزع حبه من قلبي أن كنت هبقى من نصيب غيره..


خرجت دموعها بعد تلك الكلمات التي تحدثت بها عن كونها ستكون لغيره من الرجال، هتفت وهي تنتحب ببكاء شديد قائلة:


-يارب مش عايزة غيره جاد الله رشوان أبو الدهب، يارب اكتبني من نصيبه واكتبه من نصيبي... أنا شيفاه من فترة مهتم بيا وشاغله تفكيره وعلى طول حاسه إنه مركز معايا يارب لو اللي في بالي صحيح اديني إشارة عرفني بيها أنه بيحبني..


أزالت دمعاتها بكف يدها وعادت مرة أخرى تدعي قائلة بابتسامة زينت شفتيها ومازالت الدموع تخرج من مقلتيها: 


-يارب أنت الغفور الرحيم وأنا عارفه أنك مش هتوجع قلبي وعارفه أن كل شيء بـ أوان، بقالي سنتين بحبه وأنا ساكته وبصاله من بعيد، يارب يحس بوجودي ويريدني ليه زوجة صالحة.. 


-كلامي مش مترتب ولا عارفة أقول ايه بس كل اللي عايزاه إني أكون من نصيبه، ويكون نصيبي الحلو في الدنيا دي، جاد الله أبو الدهب.


                            ❈-❈-❈


"اليوم التالي"


-بقالة فترة متغير يا رحمة، أنتِ مش فهماني... مش ده جاد اللي أعرفه يعني لما كان بيشوفني كان آخره يسألني اخباري ولو محتاجة حاجه.. دلوقتي بيكلمني بجد.. ومهتم بيا فعلًا، تفتكري أنا بتخيل ولا هو ممكن بيفكر فيا؟.


أنهت كلماتها المقتضبة هذه بسؤال تريد إجابة واضحة عليه لتعلم ما القادم بينها وبينه وما الذي ستفعله


نظرت "رحمة" صديقتها من نافذة الغرفة وقد وجدت أن "جاد" حقًا ينظر إليها من الحين إلى الآخر، هي تعلم أنه رجل متعلم ومهذب لن يفعل شيء في الخفاء وبالأخص لو كان بينه وبين فتاة وإن شعر أنه يريدها سيتقدم لخطبتها في الحال..


عادت بنظرها إلى "هدير"، أردفت بجدية وهدوء قائلة:


-جاد الله معروف في الحارة كلها يا هدير، دا راجل دوغري وأنا من رأي أنه لو حس بحاجه من ناحيتك هيجي يتقدملك طوالي لأنه مش بتاع شمال 


أنها تعلم هذا الحديث جيدًا ولا تريد أن يكرره أحد فليس هناك أحد يعلمه أكثر منها ولكن مع ذلك استنكرت حديثها ولم تصل إليها الفكرة التي تريدها:


-يعني ايه؟


ابتسمت "رحمة" ابتسامة بشوشة هادئة وتحدث قائلة بعد أن وضعت يدها على فخذ صديقتها تحاول أن تطمئن قلبها وتنصحها بالخير:


-يعني نستنى يا هدير، استني شوية كده ونشوف مايته ايه عايزك بجد ولا مجرد أنه بيكلمك زي أي حد بس اوعي تقوليله حاجه ولا تتقربي منه 


اتسعت عينيها بذهول ودهشة مستغربة من حديث صديقتها وهي تعلم من هي جيدًا، أردفت بجدية وحزم تنفي حديثها:


-لأ طبعًا أنا عارفه حدودي كويس وعارفه ربنا وبحاول على قد ما أقدر ما اغضبش ربنا مني بسبب حبي وتفكيري فيه، أنا بطلبه بالحلال ولو غير كده يبقى لأ وألف لأ 


ابتسمت "رحمة" مرة أخرى باتساع وهي تنظر لها فخورة بتفكير صديقتها ومع حبها له المخفي داخلها إلا أنها تحاول إلا تغضب الله بتفكيرها به وتحاول التقرب منه بأي طريقة كانت لتنال رضاه عليها..


وقفت "رحمة" على قدميها بعد أن أخذت حقيبتها من على الأريكة جوارها لتقف "هدير" معها فهتفت قائلة:


-يلا بقى أشوفك بكرة أنا لازم أمشي علشان متأخرش على الشغل 


-ماشي يا حبيبتي تعالي اوصلك 


خرجت "هدير" وخلفها "رحمة" التي عندما ولجت إلى خارج الغرفة رأت "جمال" شقيق "هدير" يدلف إلى المنزل، رفع نظرة إلى وجهها الأبيض المستدير، عينيها السوداء وشفتيها الوردية، حجابها الأسود الذي يجعلها تبدو جميلة، لم يحرك عينيه من عليها متقدمًا منهم..


نظرت هي سريعًا إلى الأرضية عندما وجدته أطال النظر بوجهها متناسيًا غض البصر كما أمره الله، وسريعًا ودعت صديقتها وخرجت من المنزل تاركه إياه بنظر في أثرها بهيام..


تقدمت منه شقيقته بعد أغلقت الباب خلفها، نظرت إليه بهدوء وقد كانت تود أن تراه من أفضل الناس ولكنه أختار طريق عليه غضب الله وبعض من الصالحين في هذه الحياة، تحدثت بجدية قائلة وهي تضع يدها على كتفه:


-لو عايزها بجد اتغير علشانها، حبك لوحده مش كفاية، اتغير وساعد نفسك قبل أي حد وروحلها وهي مش هتمانع.. الواحدة الأصيلة مش عايزة في الراجل غير قلب يكون بيحبها وأمان تحس بيه وسند ترمي حمولها عليه


نظر إليها نظرة لم تفهم ما هي، لم تفهم إن كانت حزن لحاله أو فرح بكلماتها، لم تفهم إلى الآن ماذا يريد شقيقها من هذه الحياة..


                           ❈-❈-❈


خرجت من المنزل منذ نصف ساعة، تسير في السوق بين بائع خضار وبائع فاكهة لتأتي بما يلزم البيت هذا الأسبوع، مرتدية عباءة سوداء اللون أنيقة وعصرية، بها نقوش ذهبية على مقدمة صدرها ومعصم يدها، فضفاضة قليلًا، مرتدية حجاب ذهبي اللون ولم تضع على وجهها أي من مستحضرات التجميل فقد كانت جميلة دومًا من دونها..


سارت أمام محل "مسعد الشباط" الخاص بالهواتف المحمولة والحاسوب وغير ذلك من الالكترونيات، ومن سوء حظها أنه كان يجلس خارج المحل ليمتع نظره بمن تمر من هنا وهناك، كان رجل لا يعرف طريق الله، لا يغض بصره عن امرأة بل لو كانت محتشمة يعريها هو..


وقف سريعًا عندما وجدها آتية من أمامه ليذهب خلفها وهي تسير قائلًا بنبرة لعوب لم تتحملها يومًا ونظرته نحوها مفهوم ماهي:


-برنسس الحارة في منطقتنا... دا يا ألف أهلًا وسهلًا، هاتي عنك اوصلك


أقترب من يدها حاملة الاكياس ليأخذها منها ولكنها لم تجعله يلمسها، وقفت أمامه وصاحت قائلة بجفاء واشمئزاز واضح:


-مشكرين لافضالك شيلاك للكبيرة


أتجه ليقف أمامه مباشرةً لينظر إليها من الأسفل إلى الأعلى متحدثًا بنبرة خبيثة مقززة فهمتها على الفور:


-آه لو ننول الرضا وناخد الكبيرة اللي في دماغي.. هناكل الشهد سوا يا برنسس 


أنهى كلماته ناظرًا إلى شفتيها بهيام، وقد شعرت بـ اشمئزاز وكأنها تريد التقيؤ وهي تراه ينظر إليها هكذا، ولكنها أجابته تصيح بحدة وعصبية وتود لو تجعله يقف عند حده:


-لأ يا مسعد أقف عوج واتكلم عدل، مش أنا اللي يتبصلها كده ولا تقدر تفكر فيا بدماغك الزبالة دي 


ينتظر موافقتها منذ الكثير وهي لا تريد، ماذا تعتقد نفسها هذه، ابتسم بداخله مُجيبًا على نفسه بأنها أجمل فتاة في الحارة ويالا حظه لو تزوجها، ضيق ما بين حاجبيه بحنق قائلًا بحدة:


-دماغي الزبالة طلباكي بالحلال وأنتِ اللي مستكبرة علينا وباصه لفوق أوي يا بنت الهابط واللي أنتِ بصاله مش معبرك 


ابتلعت ما وقف بحلقها أثر كلماته، هل يعلم عن ماذا يتحدث؟.. أم أنه يلقي حديث هكذا فقط ليضايقها؟.. تساءلت بضيق وعينيها تتحرك عليه:


-تقصد ايه يا مسعد 


ابتسم بسخرية ناظرًا إليها بمكر متحدثًا بنبرة خافتة:


-ولا أقصد ولا ماقصدش، اللي عايزك تعرفيه أنك مش هتلاقي واحد عايزك زيي في الحارة ولا شاريكي زيي يا بنت الهابط، وخليكي عارفه إن الشباط بينول اللي هو عايزه مهما كان.. والدور عليكي 


ابتسمت إليه هي الأخرى بسخرية مُجيبة عليه وهي رافعة رأسها للأعلى:


-وبنت الهابط بتقولك لو آخر واحد في الدنيا مش هطول مني شعره يا... يا شباط بيه


وزع نظره عليها وعلى ملامح وجهها الشهية والمحبوبة إليه والذي يتشوق للمسها والتقرب منها إلى الحد الذي يريده، أردف بخبث ومكر مرة أخرى:


-بكرة تشوفي شعرك كله رايح فين يا برنسس الحارة


رفعت حاجبها الأيمن ولوت شفتيها بحركة شعبية اعتادت عليها في هذه المواقف وأجابته بطريقة فظة ساخرة قوية بنفس الوقت:


-لو ليك هولع فيه قبل ما تطوله ولا تغمضلي عين


ضحك بقوة في منتصف الطريق وعاد بظهره للخلف وهو ينظر إليها ثم هتف بصوتٍ خافت وهو يقترب منها مرة أخرى:


-عليا الحرام لاناكل الشهد يا برنسس


اشمئزت من طريقته الوقحة والمقززة وقد شعرت بنفور شديد منه وأجابته بقوة وحدة وهي تعلم كلماتها إلى أين تذهب:


-الكلام ده تقوله لـ التلت نساوين اللي في بيتك يا شباط مش لهدير بنت الهابط يا.... يا بتاع الحته بميه 

ندوب_الهوى

الفصل_الأول والتاني

ندا_حسن

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

نظرت إليه بتشفي بعد رميها لآخر كلماتها عليه، ثم بصقت على الأرضية جوارها بتقزز وسارت عائدة إلى المنزل مبتعدة عنه ولكن تفكيرها بحديثه لا يزال يعمل، هل يعلم بأمر حبها لـ "جاد" أم ماذا؟. هل أعطاه شقيقها كلمة محددة في زواجها منه ليتحدث بهذه الثقة أم أنه يثق بقدراته أكثر لذلك تحدث بهذا الشكل؟.


                            ❈-❈-❈


كانت تجلس على مائدة الطعام مستديرة الشكل التي توضع على الأرضية والجميع ملتف حولها معها..


نظرت إلى شقيقها "جمال" بشك وهي تضع الملعقة الحاملة الأرز بفمها وكلمات "مسعد" تتردد داخل أذنها وكم كان واثقًا من حديثه..


تعلم أنها إذا استسلمت له سيفعل بها ما يحلو له كما يفعل بثلاث نساء متزوج منهن، وكيف لها أن تفكر بالزواج من رجل متزوج غيرها..


التفكير في هذا الأمر وفي "مسعد" شخصيًا يجعلها تشعر بـ الاشمئزاز حقًا، بينما لو كانت تفكر بـ "جاد" يختلف الأمر كليًا وتذهر وجنتيها بالحمرة وتزين شفتيها الابتسامة.. 


استغفرت الله داخلها من هذه الأفكار السخيفة التي بداخل عقلها ثم وقفت على قدميها متوجهة إلى المرحاض فتحدثت والدتها قائلة بحنان:


-ما تكملي أكلك يا هدير أنتِ رايحه فين


ابتسمت لها بهدوء وأجابتها قائلة:


-شبعت الحمدلله يا ماما هتوضا وأصلي العصر 


ثم فجأة استمعوا إلى أصوات صاخبة لجمع في الخارج واستغرب الجميع من هذه الأصوات الذي أتت فجأة هكذا من العدم، وقفت "مريم" سريعًا أخذه حجابها من على الأريكة بالصالة وتقدمت إلى غرفة "هدير" وفتحت النافذة لتلقي نظرة على الذي يحدث في الخارج..


أتت تركض في المنزل عائدة إليهم لتقول بهلع وقلق كبير قد ظهر على ملامحها:


-ده جاد أبو الدهب بيتخانق مع مسعد الشباط 


صرخت "هدير" مستنكرة ما استمعت إليه وهي تعلم بطش "مسعد" وحيلة هو ورجالة وتعلم احترام "جاد" وأتباعه للقيم والأخلاق:

-ايه؟..

وقف شقيقهم وذهب إلى خارج المنزل سريعًا ليرى ما الذي يحدث بينما هي دلفت إلى غرفة شقيقتها "مريم" لتأتي بحجاب سريعًا تضعة على رأسها لأن نافذة غرفتها مفتوحة ويرى كل من هم بالخارج الغرفة وما بداخلها..

يتبع

   تكملة الرواية من هنا 👇👇👇👇👇

من هنا                         



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close