القائمة الرئيسية

الصفحات

بيت القاسم الفصل الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر بقلم ريهام محمود كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

 


بيت القاسم 

الفصل الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر

بقلم ريهام محمود 

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

.. ..  استمرار رنين الهاتف أزعجه، وقد غفا بصعوبة، تجاهل الرنين مراتٍ عدة ولكن دون جدوى.. تقلب على فراشه يزفر بقوة ومال بجزعه جهة الكومود الملاصق للفراش يمسك بهاتفه بغضب وملامح عابسة وقد قرر غلقه بوجه المتصل أو تهشيمه وإنهاء الأمر.. ولكنه انتفض فجأه عاقداً حاجبيه باستغراب واعتدل سريعاً واستقام ظهره، فكان الاتصال من نورهان زوجته، وقبل أن يجيب لُفت انتباهه أن الساعة تجاوزت الثالثة بعد منتصف الليل ، فتح الخط وقد أنتابه القلق.. وقبل أن ينطق بكلمة أتاه صوتها تستنجد به بهلع أشبه بالبكاء. .


- الحقني يا أكرم...


رد بكل حواسه دون تفكير وقد شعر بأن القادم سوء.. 


- في ايه ، انتي فين؟ 


صوتها يرتجف من أثر البكاء ف ارتجف قلبه هو الآخر .. 


-أنا في المستشفى.. ماما دخلت ف غيبوبة والمستشفى هنا مش راضيه تدخلها.. 


استفسر وقد غادر فراشه الدافئ .. ولازال الهاتف على أذنه يسنده بكتفه.. 


- مش راضيه تدخلها ليه؟ 


ثم وقف أمام خزانة ملابسه دون اهتمام و بشكل عشوائي سحب قميص وسروال يرتديهم على عجل كي يلحق بها .. 


-عمومًا أنا جايلك.. قوليلي انتي ف مستشفى ايه؟! 


.......

. بعد ساعة متوتراً بمشفى قديم قريب من منزلها وقد طوى الطريق بسيارته مسرعاً، وتأخر الوقت وخلو الشوارع من السيارات والمارة كان سبباً في وصوله بسرعة هكذا.. 

كان يلتفت  من حوله باحثاً عنها إلى أن قاطعت حيرته وبحثه بمناداتها باسمه بلهفة فاستدار بجسده  ودون انتظار تقدم منها بخطى سريعة أشبه بالركض، وف المقابل كانت تسرع إليه، وقف بطوله الفاره أمامها، مد يده يمسك بكفها يطمئنها فتشبثت هي بكلا كفيها بمعصميه تستنجد وكأنه القشة التي ستنقذها من الغرق.. 

لم يخفي عليه شحوب وجهها ولا ذبول نظرتها مشطها بعينيه يركز بكل شيء.. عباءة سوداء ترتديها دون أن تغلق الزر الأخير بها واسعة تكاد تبتلع جسدها الصغير بداخلها ، وحجاب بنفس لون العباءة وألقت طرفيه على كتفها دون إحكام.. 

انتزعه صوت شقيقها الأصغر مجد ذو العشر أعوام والذي يقاربها طولاً، يبكي ويشير بيده تجاه إحدى الغرف الجانبية بالطابق الأرضي للمشفى.. 


- إلحق ماما ياعمو أكرم.. هي هناك ف الأوضة دي.. 


تفاجأ بوجوده وهو بالأساس لم ينتبه سوى لها هي وحالها وفقط.. 

ربت على كتفه باهتمام صادق.. يهتف برفق وقد  انحنى بطوله لمستواه.. 


- متخافش يامجد انا هشوف ف ايه؟! 

ثم استقام بوقفته.. يسحب نورهان من كفها بعيداً عن شقيقها بضع خطوات.. يستفسر منها .. 


- فهميني ف ايه.. انا مفهمتش حاجة منك ع الفون.. 


تزم شفتيها بحزن وبريق دمعٍ قد ومض بحدقتيها.. صوتها يرتجف كنظراتها وكفيها.. 


- غيبوبة ياأكرم.. والمرادي مش زي كل مره، المستشفى هنا رافضة تدخلها لأنها خلاص.. 

قالتها واخفت وجهها بكفيها تنتحب بشدة وقد غلف اليأس نبرتها وهي تتابع.. 

- الدكتور قاللي كدة.. قالهالي ف وشي ورفض دخولها... ولولا الممرضة صعبت عليها فاضطرت تدخلها الاوضة دي عقبال مااعرف أتصرف.. 


.. اختلج صدره وتهدجت أنفاسه من هيئتها ، دار بعينيه يمنة ً ويسرى يبحث عن أي مسؤول هنا إلى أن وجد أحدهم بالممر.. 

اقترب بوجهه من وجهها يحتضن وجنتيها براحتيه، يربت عليهما بحنو يحدق بعينيها يطمأن وقد أصابه القلق .. 


-خليكي هنا مع مجد هروح أسأل وأشوف وارجعلك... 


.. هزت رأسها برفض. 


- لأ انا هاجي معاك.. 


رد بتصميم يعيدها.. 


- خلاص قولتلك.. خليكي هنا وهرجع أطمنك.. 


تحرك من أمامها يثبتها مكانها بنظراته، دخل الممر الرئيسي واستوقف طبيب كان يقف بمنتصفه ومعه بعض الأوراق يمعن النظر فيها.. 

كانا يتحدثان بخفوت وصوت لايخرج عن وقفتهما.. يسأل ويستمع لحديث الطبيب وقد تغيرت قسمات وجهه.. 

كان يستمع لحديثه بنصف تركيز والنصف الآخر كان معها لا يعلم كيف سيخبرها.. يشعر بتأنيب ضمير شديد وغضب من نفسه.. يومأ برأسه لها يحاول أن يحتوي خوفها فيجد عيناها متسائلتان، ونظراتها مليئة بالقلق والهلع. فيخرج زفيراً طويلاً من صدره وقد تألم قلبه شفقة عليها.. 

سار نحوها بارهاق وملامحه قد شحبت هو الآخر وكأن الدم سُحب من وجهه.. يبتسم وقد لاح التوتر على صفحة وجهه ولكنه أخفاه ببراعة وهو يقول بهدوء منافي لداخله.. 


-هناخد ماما دلوقتي بعربيتي لأي مستشفى خاصة.. لأن المستشفى هنا مفيش فيها مكان فاضي  ف العناية.. 


يكذب وهي تعلم من زيغ حدقتيه.. ولكنها تشبثت بأمل واه ٍ ، أمسكت بكم قميصه تتوسل كطفلة وعيناها دامعتان تهمس ببكاء.. 


- متسبنيش لوحدي والنبي.. 


يبادلها نظرتها.. اقترب منها أكثر، لايفصلهما سوى خطوة واحدة وتوتر أنفاسهما.. 

نظراتها ضائعة خاوية

ونظراته ثابته صادقة 

يوعد والوعد على رجلٍ مثله دين بِرقبتهُ.. 


-مش هسيبك..... أبداً.........!! 


.................... ............. 


.. يوم دراسي طويل كالمعتاد كئيب ببدايته وبنهايته يتبدل المزاج.. تقف حنين بمرحاض المدرسة وقد حان انتهاء الدوام برفقتها هنا صديقتها .. معلقة على الحائط أمامهما قطعة مرآه مكسور حوافها بالكاد يظهر وجهها .. تعدل من حال خصلاتها العسلية بعد أن نزعت رباطهما وتركته منسدلاً على ظهرها وغرة جانبية تغطي وجنتها.. تشد قميصها المدرسي تفتح أول زرين ليظهر جيدها الطويل وبياض بشرتها فيغري الناظر ويطمع بالمزيد ، وقد ناولتها هنا قلم حُمرة وضعت حنين منه على شفتيها واستدارت إليها تسألها التقييم على هيئتها ف تعطيها الأخرى العلامة الكاملة.. 

حملت حقيبتها المدرسية على كتفها.. وبخطوات سريعة كانت تسبق هنا تهتف بها دون النظر لها.. 


- يللا بسرعة عشان رامي مستني برة.. 

شقت ابتسامة خبيثة ثغر الأخرى، رفعت حاجب وأحنت الآخر تقول بمكر. 

- مممم ياسيدي.. انا ملاحظة إن انتي ورامي خروجاتكو بقت كتير.. 

ترد دون أن تلتفت باستهانة.. 

- كتير فين.. دول يادوب تلت أربع مرات اللي خرجت معاه فيهم 

ابتسمت بمرارة متهكمة فهي أدرى برامي وشخصه ، تعلم أنه قادر على تغيير من أمامه دون عناء كما فعل معها .. وللحظة تملكتها الغيرة وملئها الحقد ولكنها استطاعت مدارتهما.. 

- لأ داحنا اتجرأنا أووي وبقيناا فري خالص.. 

وكأنها لم تستمع لها.. ف كانت بوادٍ آخر.. تشير بسبابتها بسعادة ظهرت جلية في صوتها.. 

- أهو.. عربيته أهي.. 


لوحت بكفها مودعة اياها.. تقطع الطريق بلهفة الوصول إليه، ف استقبلها هو بابتسامته الساحرة بعد أن ترجل من سيارته ، وقد توردت وجنتيها بحمرة شهية لعينيه، 

يفتح لها باب سيارته لتركب بالجهة المعاكسة له، تعدل من هيئتها ثانيةً دون أن تنتبه لغمزة ألقاها سراً لـ هنا فبادلته الأخرى غمزته بضحكة خبيثة.. 

ركب بجوارها وقد شد حزام الأمان على جزعه وطلب منها المثل.. 

عيناه لاتحيدان عن جسدها بجرأة فعضت علي شفتها بخجل واشاحت بوجهها عنه..وقد غمرتها رائحة عطره حد الثمالة ، تتجاهل النوايا وكل الدلالات في مقابل كسر قيود وضعها جدها وقاسم لها.. 


وقبل أن يقود هتفت به برقة .. 

- مش عايزة أتأخر.. 

وك ذئب ينتظر سقوط الشاه قال.. 

- متقلقيش... 


......... 


.. يركن سيارته أمام نادي رياضي لا يعرفه من قبل، ولكنه رأها تدلف إليه منذ دقائق، ولا يعلم السبب.. فنيرة زوجته ليست لها علاقة بتلك الأماكن..  وقف بجوار سيارته ينزع عنه نظارته الشمسية يتفحص المكان بنظرة مراقب، أغلق باب سيارته وقد قرر الدخول واستكشاف أمر ما تفعله بالداخل.. 

هو اليوم قرر خطفها كما نصحه عاصم بعد أن نالت النصيحة أعجابه، حسناً هو لن يخطفها بالمعنى الحرفي للخطف، ولكنه سيجبرها بلطف أن تذهب معه وان رفضت كان سيستعمل القوة ويخطفها وليكن مايكن.. 

عدة درجات للسلم المؤدي لباب الدخول قطعها بخطوتين واسعتين.. لحظة وكان بالداخل دون أن يطرق باب، يلتفت حوله يبحث عنها دون أن يسأل حتى رأها،

كانت توليه ظهرها وخصلاتها السوداء الكثيفة مفرودة على كتفيها، مازالت نحيفة عدا عن زيادة بسيطة غير ملحوظة سوى له بما أنه يحفظ كل انش بجسدها ككف يده  .. كانت تقف بأريحية مع عربة مصفحة على هيئة رجل ذو عضلات وبشرة سمراء لامعة ، رفع حاجبيه مستغرباً واقترب من وقفتهما يسأل بتعجب لا يخلو من بعض الضيق.. 


-انتي بتعملي ايه هناا؟.. 


أجفلت واستدارت إليه متسعة الحدقتين مصدومة من وجوده هنا الآن أمامها، دون أن يتحرك الرجل الآخر أو يتأثر بوجوده.. همست به مستاءه من بين أسنانها 


- انت اللي بتعمل ايه هناا؟.. 


فسأل الرجل بجدية مستفسرا وقد لاحظ الغضب البادي على صفحة وجهها.. 


- ف حاجة ياأنسه نيرة..؟ 


وقبل أن تجيب جاؤه رد زياد متهكماً.. 


- أنسه !!.. 


قالها ثم رمقها بغيظ ورمق الآخر بتحدي.. حاول وباءت محاولته بالفشل أن يجابهه ويصل لطوله.. 


- انا جوزها.. أنت اللي مين أصلاً..؟ 


زجرته نيره بعينيها وهي تسبه من بين شفتيها دون صوت .. فرد الآخر بجدية تماشت مع خشونة صوته.. وجسده... 


- أنا كابتن أحمد  بطل كمال أجسام ومدير الجيم هناا.. 


قاطعتهم نيرة بنفاذ صبر تحاول أن تكظم غيظها.. هتفت برقة متعمدة


-متأسفة ياكابتن ع الموقف المحرج ده.. بس بإذن الله هنبتدي من بكرة أكيد.. 


أثارت شياطينه بتجاهلها إياه وقد بدا وكأنه قفص جوافة بينهما .. هز رأسه استنكاراً فهو ليس "وكأنه" بل هو بالفعل قفص.. احتدت نبرته وجذبها من معصمها بحركة عنيفة.. 


- تيجي فين يللا امشي أودامي.. 


بوجه مجرد من أي انفعال.، وهدوء لا يتناسب مع الموقف قال أحمد وهو يتدخل و يمد كفه ينزع قبضة زياد عن معصم نيرة.. 


-لو سمحت سيب ايدها.. واحترم المكان اللي أنت فيه.. 


.اتقدت عيناه ناراً تطايرت الشرر منها.. صاح به وهو يكور قبضتيه يدفع أحمد من صدره.. 


- انت مين انت أصلاً عشان تقولي أعمل إيه؟ 


دون أن يهتز الآخر أو يرف له جفن من دفعته.. جز على نواجزه يشدد على كل حرف ينطق به.. 


-أنا صاحب المكان اللي انت واقف فيه.. وبقولك احترم نفسك.. 


ختم كلامه بضربة  من رأسه الضخم على أنف زياد ضربة مفاجأة أفقدت الآخر اتزانه كرد بسيط على دفعته ..  أجفلت على إثرها نيرة واتسعت حدقتيها ذعراً وصدمة ً عالجتها سريعاً وهي تتدخل بينهما  لإنهاء ذاك الوضع، تحركت  مسرعة تسند زياد قبل أن يهوى أرضاً وتسحبه عنوةً كي لا  تتطور الأمور ........ 


.... وبعد وقت قصير كانت تجاوره على مقدمة سيارته أمام النادي.. تمسك بيدها عدة محارم تناوله واحداً تلو الآخر كي يزيل به آثار دم سال من أنفه بسبب شدة الضربة.. تكتم ضحكة شماتة تحاول ألا تظهرها ولكنّ ملامحها تفضحها.. 

يلتفت لها بنظرة غيط وملامح ممتعضة.. 


-اضحكي ياختي اضحكي.. 


لم تتماسك وكأنه أعطاها الإذن فصدحت ضحكتها عالياً، تهتف من بين ضحكاتها.. 


- بصراحة منظرك دلوقتي وانت بتتضرب كان يهلّك م الضحك.. 


نزعة الحمائية عادت له من جديد.. قال مدافعاً وقد نفرت عروقه.. 


-وأنا بتضرب ايه.. انتي مشفتيش وانا بزقه .. ده لولا انتي واقفه كنت كسرّته.. 


.. تستفزه.. 


- طبعاً.. اومال..! 


تجاوز نبرتها الساخرة ورجع لنقطة البدء وسأل مغيراً للحديث.. 


- قوليلي انت هنا بتعملي ايه..؟ 


ببساطة أجابت وكأنه عابر سبيل وليس زوجها.. 


- هشترك ف الجيم ..

  .. ثم استقامت بوقفتها تقف أمامه لا يفصلهما سوى خطوتان، وبدلال متعمد مسدت بكفيها جسدها بحركة أثارت رجولته .... وغيرته.. تابعت. 


- عشان احافظ على جسمي وقت الحمل.. 


رمقها بتحذير والمعنى "اتلمي" .. ودون مراوغة والضيق ظهر بسؤاله رغم تهكمه.. 


- لأ والله.. وملقتيش غير جيم مختلط تشتركي فيه..!! 


التوت شفتيها بسخرية .. هتفت بجفاء.. 


- ايه ده مالك يازياد.. طول عمرك أوبن مايندد.. فين المشكلة دلوقتي؟! 


وقد لاحظ تغير النبرة.. رد صادقاً وشعور الغيرة والتملك يتآكلان بداخله.. 


- انا عمري ماكنت اوبن مايندد معاكي.... ولا عمرك كنتي بتلبسي كده عندي.. 

قالها يشير بعينيه على ملابسها وخاصةً ذاك السروال الضيق المطاطي الذي ترتديه ، حتى وإن كانت تعلوه بلوزة قطنية طويلة إلا أنه يحدد التفاف ساقيها بسهولة ويسرق النظر إليهما .. 

استطرد بحديثه بعد أن أشاحت بوجهها عنه تتأفف بحنق وقد أصابها الحرج .. 


- وياتري البغل اخوكي عارف و شافك ولا فالح يعمل راجل علياا..؟!


هتفت بتحذير.. 


- زياد مسمحلكش تقول ع قاسم كدة.. 


- بلا اسمحيلي بلا بتاع.. يللا عشان أوصلك وأروح أكشف انا حاسس ان الضربة جابتلي ارتجاج.. 


.. وقد فشلت خطته.. ولكنه نال القرب ثانيةً حتى وإن كان لدقائق.. ولكن هو يعلم جيداً أن جبل الجليد يحتاج مزيداً من الوقت... والصبر لإذابته.... 

يكفي أنه استمع لضحكتها الصافية حتى وإن كانت تشفي وشماته به...... 


....................... 


.. الخطيئة لحظة.. والخيانة لحظة.. والقرار لحظة.... كلاً منّا له لحظة ستغير ماتبقى من حياته... 

ولحظته هو.. لحظة افاقة بعد غفوة ، لحظة هدم لصرحٍ من تراب بناه بخياله ، الأكيد بأن تلك اللحظة هي أقسى لحظة سيعيشها على الإطلاق... 

..* الصدمة لحظة* .. يقف بمنتصف الشارع وقد صُمت أذناه عن أبواق السيارات التي تطلب منه الإبتعاد، مصدوم ثابت بمكانه وكأن أصابه شلل ، الجو زاد سخونة من حوله وحرارة أغسطس لن تعادل حرارة صدره.. 

بالتأكيد تلك أقسى لحظاته بعد موت أبيه ..  فـ إبنة عمه ، وحبيبته وتربية يده تقف أمام ناظريه مع آخر.. يراها ترمق الآخر بنظرات كم تمنى بأن تكون من نصيبه هو، يقفان معاً جسدها قريب من جسده لا يفصلهما سوى أنشات بسيطة يمسك بيدها، يسلُب حقه فيها.. فتشتعل حرائق بصدره.. .!! 

.. *والافاقة لحظة*..  ولكن بعد فوات الآوان، وقد انتفض وتحرك باتجاهها ولكنّ الآخر كان قد غادر بسيارته دون أن ينتبه عليه من الأساس، وهي أيضاً لم تكن تنتبه ، ولكنها مع الاستدارة رأته ، كان يتحرك صوبها، يقترب  فتبتعد، . ارتجفت أطرافها وبان الرعب على قسماتها.. فأسرعت بخطواتها تبتعد عنه.. تهرول محاولة أن تصل البيت قبله علها تجد به أماناً.. تحمد الله بسرها أن رامي أوصلها بالشارع الخلفي للمنزل .. 

لحظات وكانت بقلب البيت لا يفصلها عن شقة جدها سوى الدرج الرخامي 

وقبل أن تصعد.. أتاها صوته كالرعد بـ اسمها  أجفلها رغم أنها تعلم بأنه يلحق بها.. 


-حنييييين ... 


  لا مفر ، استدارت له وصدرها مازال يعلو يهبط من الفزع..

نظراته الحادة تخترقها ، تبث الرعب بقلبها .. سأل هادراً.. 


-مين اللي كنتي واقفة معااه؟! 


ابتلعت ريقها بصعوبه بالغه.. تبتلع الكلمات وتأبى الرد ولكن لامفر منه.. بلسان ثقيل أجابته تزيغ بنظرتها عن مرماه... 


- ده. ده ده أخو صاحبتي كان بيوصلني.. 


اصطكت أسنانه بعضها البعض من الغضب ، هدر بها وقد فُلتت أعصابه.. 


- لأ والله أخو صاحبتك.. واخو  صاحبتك بيوصلك ليه.. 


بجسد يرتجف وصوت يكاد يكون معدوم تمتمت.. 


- عادي ساعات بيوصلـــّ....... 


ولم تكمل كذبها وقد قاطعها بصراخه ، وأكثر مايبغضه الكذب، وبصوت جهوري أشبه بمذياع هدر بهاا.. 

- اخرسي متكدبيش.. أنا شوفتك وانتي واقفة معاه وماسك ايدك ومسبلين لبعض... 


... واستكمل كلامه بمرارة.. 


-وأنا زي النطع عمال انذل ع جدي وعمي عشان اتجوزك... 


- بس أنا مبحبكش ومش عايزة اتجوزك........ 


وبجملة المصائب وليحدث مايحدث قالتها بجرأة غير عابئة بمن يحترق أمامها، ووقت أن قالتها كان جدها ينزل على الدرج يستند على عصاه وخلفه فاطمة أم قاسم.. فسأل الجد والذي لم يسمع كلامها ولكن قاسم سمعه وأخترق أذنه.. 


-في ايه ياولااد؟!! 

هتف بها الجد مذعوراً .. لتسأل فاطمة هي الأخرى بخووف... 

- مالك ياقاسم... ايه اللي حصل؟!! 


يزأر أمامهم كأسدٍ جريح.. وعيناه تومض بقهر وقد أوجعه كلامها ورفضها له.. أمثله يرفض؟!! 


-الهانم مستغفلاني... مستغفلانا كلنا ودايرة ع حل شعرها.. 


هدر الجد باستنكار.. 


-إيه اللي إنت بتقوله ده ياقاسم احترم نفسك واحترمني ع الأقل.... 


ضحك ساخراً بألم.. انفعل والمرارة تقطر من كلماته.. 


-احترم نفسي.. احترم نفسي ازاي وانا طلعت مغفل عمال اتذل عليك وع عمي عشان اتجوزها.. عمال افكر أراضيها ازاي وهي.. وهي مش شيفاني اصلا..!!! 

ختم كلامه بالنظر إليها.. بقسمات مكفهرة غاضبه ... ومكسورة!! فارتجف جسدها رهبة وخفق قلبها بعنف ..  

وقد وصل كمال على زعيقه فسأل هو الآخر ولم يجيبه أحد.. ولكنه على يقين بأن حنين لها يد بثورة قاسم .. فتدخل بينهما يحاول تهدئة الوضع برزانته. أمسك بساعد قاسم يسحبه 


- قاسم ممكن تهدى وتيجي معايا... 


ابتعد عنه برفضٍ قاطع وبداه تلوح بعصبية .. ثائراً ينفث أنفاساً حارقة.. 


- مش هاجي معاك ولا ههدى.... 


... *والقرار لحظة *...  وقد تلبسه العناد والغضب، يقترب من جده بخطوات قوية عنيفة يدك الأرض بقدميه  .. يوجه كلمته له.. له هو فقط.. كبيره وكبير العائلة.. 

وكلمته كانت صارمه وقراره حاسم


    - انت وعدتني أن حنين هتبقى ليا وحقي..

   وأنا دلوقتي بطالبك بحقي فيها ياجدي..

..ثم اقترب منها والغضب الأسود يشتعل في عينيه.. وبنبره مخيفه كانت تحمل نيران كان يحاول طول الوقت اخمادها قال 


-جهزي نفسك ياعروسه.. آخر الأسبوع هيتكتب كتابك..!! 

.................... 


انتهى الفصل.......... ❤️

**"الفصل الخامس عشر" **

.... .. بعد قليل..

دخل كمال شقته والإرهاق بادي على صفحة وجهه ، يزفر بتعب وضيق وقد أرهقه الوضع بالأسفل.. وهياج قاسم وبكاء حنين الصغيرة جعله ممزق وتفكيره مشتت ولا يعلم بما حدث والأدهى أنه لايهمه.. كل مآ يهمه ألا يرى قاسم بتلك الحالة ثانيةً .. يخلع عنه جاكيته الأزرق يضعه بهدوء على كرسي جانبي..

استقبلته ريم وقد كانت بالمطبخ حين عودته... بقلق سألته ...


- هو ايه الزعيق اللي كان تحت ده؟! انا وقفت ع السلم بس معرفتش كانو بيتخانقو ليه!! 


أفلت من بين شفتيه زفيراً متعباً .. تمتم بخفوت بدا غير مهتم.. 


- مفيش.. تقريباً حنين وقاسم كانو بيتخانقو... 


أردفت بنفاذ صبر تريد المعرفة .. 


- أيوة كانو بيتخانقو ليه يعني؟! 


ولم ينتبه إلى اللهفة بصوتها.. فرك جبهته بارهاق.. 


-تقريباً والله اعلم هي رافضة الجواز منه..!! 


هتفت باستنكار آثار تعجبه دون أن تنتبه على حالها..أو نبرة الدفاع بكلامها.. 


- ايه ده.. رافضة قاسم وهي تطول واحد زي قاسم ف أخلاقه وأدبه!! .. 


عقد حاجبيه متسائلاً باستغراب.. وقد تسلل لقلبه شعور بغيض لا يعلمه.. 

شعور كـ 'الغيرة'..!!!


-وانتي تعرفي قاسم منين عشان تتكلمي كده؟! 


شُحب وجهها وانفرجت شفتاها عن بسمة صغيرة لا تخفى توترها الذي لاحظه..بلسان ثقيل أجابته.. 


- خديجة .. خديجة الله يرحمها كانت بتحكي عنه وكانت بتشكر فيه وف أخلاقه....!! 


واستطردت وقد لمعت حبيبات عرق على جبينها.. 


    -  أحضر الغدا دلوقتي؟ ..... 


حدجها بنظرات حارقة وزاغت عنه بعينيها تنظر لكل شئ عداه.. يتفحص وجهها وماترتديه.. توقفت أنفاسه للحظة وهو يرى  قميصها القطني..  يظهر بكرم بياض ذراعها والذي يناقض سواد القميص فيبدو المشهد للعين مغري كاغراء التفاحة لـ آدم.. 

ازدرد ريقه بخشونه .. يسألها بنبرة غريبه وملامح جامدة.. 


-انتي كنتي واقفه ع السلم كدة!!! 


- لأ كنت لابسة الاسدال.... 


رمقها بصمت ثقيل ليس بقصير ، ختمه وهو يتحرك تجاه غرفته. يهتف من خلف ظهره بضيق.. 


  - حضري الغدا.. 


..................... 


...." رجلٌ شهم "

تلك أول جملة نطقتها وهي تراه يهتم بحالها وحال والدتها.. بعد أن نقلها لمشفى خاص وتكفل هو بكافة المصاريف ووضعها بغرفة عناية خاصة بها .. ثم أخذ شقيقها الصغير بعد أن أقنعه بأن وجوده لاداعِ له وأوصله لإحدى جيرانهم... 

لم يظهر عليه الضجر أو الضيق.. كان يتصرف وكأنها والدته هو.. يتصرف وكأن الأمر يهمه فعلاً دون إجبار أو تمثيل...

....." رجلٌ شهم"

تراه أمامها وقد نال التعب والإرهاق من ملامحه.. يقف أمام غرفة العناية الخاصة بأمها .. وملابسه غير مهندمة كعادته  فكان يرتدي قميص قطني قصير الاكمام أخضر على سروال أزرق وكأنه لم يرى مايرتديه ولكنه وسيم إلى مالانهاية بنظرها...

..... "رجلٌ شهم" 

مهتم..!!  كان من قبل لايهتم ولا يراها من حال الأصل ... جاء يجلس بجوارها على كرسى معدني شبه ملتصق بها .. وقتها خجلت من مظهرها بجانبه.. ليتها لم ترتدي تلك العباءة ولا ذاك الحجاب الذي يظهرها بجانبه كمسنّة بائسة..! 

ناولها كيس به طعام له ولها وكوبين من الورق بهما قهوة سريعة.. 


-كتر خيرك... 

قالتها نورهان بامتنان حقيقي ووجنتين توردا من وجوده في محيطها.. وقد أخجلها بكرمه فعلاً.. 


- ع ايه! يللا ناكل لأن انتي أكيد مكلتيش حاجة من امبارح.. 


.. والنبرة مهتم.. والهيئة كذلك، فتحت الكيس بهدوء على استحياء تحت نظراته الفاحصة لها.. ماله ينظر إليها هكذا..!! 

عدة شطائر أحضرها، ناولته واحدة ولها الأخرى ، وبالفعل كانت جائعة وهو أيضاً.. أكلا دون كلام عدا عن صوت أنفاسهما وضوضاء المشفى ونظراته لها، 

وحين ولاها ظهره، يستند بمرفقيه على فخذيه بوضعية متعبة.. فوراً انتبهت على حلقة فضية تزين بنصره... 

غصت العبرة في حلقها، وشعور أمل سكن قلبها الملكوم ولكنه تم وأده.. 

.... "رجلٌ شهم، ولديه طفلة.. ومرتبط بأخرى"..!! 

.. الجملة وقعها على الأذن غريب وبه خلل.. 

... "نصف رجل شهم"...  

هكذا أدق وأفضل... وليذهب للجحيم هو وشطائره وماله واهتمامه الزائف... ورائحة عطره..! 


-مبروك... 

.. لم تستطع كبحها، قالتها بنبرة جامدة  غلفتها المرارة.. أجفل من الكلمة.. فرمقها باستغراب عاقد الحاجبين  يرى نظرتها مركزه على أصبعه.. فتلقائياً رفعه أمام ناظره ، يدقق بالحلقة الفضية ببنصره وكأنه تفاجأ من وجودها، وقد غفل عن خلعها، بالأساس لم يشعر بها.. رغم ثقلها على أصبعه بتلك اللحظة.. 

تأوه بداخله.. وقد بان عليه الحرج من لغة جسده.. ليس وقته، ولا يملك حجة للشرح، 

خرج الطبيب من غرفة الأم.. فاندفع باتجاهه وكأنه نجدة من السماء أخرجته من موقف محرج.. 

يتكلم مع الطبيب بمفرده.. ومن قسماته المتجهمه يبدو أن الوضع صعب.. 

تتسائل بعينيها وقد نبّه عليها ألا تقف مع أي طبيب هنا بما أنه موجود.. 

تركه الطبيب ، وعاد إليها ينظر بمواساة وابتسامة جامدة لم تصل لعينيه.. 


-قالك ايه؟!! 

يربت على ركبتها يطمئنها وقد جاورها ثانيةً بمشهد يبدو للبعض حميمي.. 

- خير بإذن الله.. ادعيلها... 


أنفعلت.. 

- انا عايزة أعرف الدكاترة قالولك ايه.. انت من امبارح مش راضي تقولي.. 

هز رأسه بأسف.. ستعرف لامحاله.. فاقترب بوجهه منها وقد دمعت عيناه بالفعل، بخفوت قال مايعرفه دُفعة واحدة.. 

-مفيش أمل.. جسمها مش بيستجيب.. الدكتور قال مجرد وقت وخلاص... 

.. وكأن الدم سُحب من وجهها .. جمدت ملامحها عدا عن دموع لم تستطع حبسها أكثر من ذلك.. واحتضن هو وجنتيها بكفيه داعماً.. وقد زاد حزنه لحزنها.. يواسي بنظرته، مشفق عليها... وبالوقت الحالي لايملك سوى ذلك.. 


............. وبعد مرور الوقت.. لازالت تجلس مكانها بجواره، نفس جلستهما باستثناء رأسها التي مالت على كتفه من التعب والحزن،واستقبله هو بكل سرور ومال هو الآخر برأسه على رأسها.. شكلهما يبدو للغريب زوجين متحابين وليديم الله بينهما الود والتفاهم... 

في انتظار خروج الطبيب وقد تأخر بداخل غرفة العناية الخاصة بوالدتها، 

والدقائق تمر عليهما وكأنها دهراً ، 

اعتدلا فور أن خرج الطبيب من الغرفة واستقاما معاً.. سبقته هي للطبيب تسأله عن حالتها بلهفة.. 


-طمني يادكتور! 


بملامح أسفة ولهجة عملية أعتادها قال لها وقد جاورها أكرم... 


-البقاء لله.. شدي حيلك..


.. صدمة رغم المعرفة تحولت لصراخ ونحيب، وختمت باغماءة على صدر زوجها احتضنها هو يربت على ظهرها ، يسندها بكل جوارحه .. 

وذلك أول موقف يتعامل فيه أكرم من تلقاء نفسه كرجل.. كرجل حقيقي معها دون أن يأخذ الأمر أو المشورة من جده....! 


.............. 


... "بـ غرفة قاسم" ليلاً.. 

غرفة رجولية بجدارة ، منظمة جداً، جدران رمادية وكم لا بأس به من صور للنادي الأهلي ، يعلو سريره الأسود بوستر كبير للاعبه المفضل أبو تريكة وعلم من قماش  أحمر للنادي.. وعلى عكس بهجة الصور كانت حالته... 

كان يجلس على فراشه وأمامه ألبوم صور قد نفض عنه التراب لتوه .. عابس.. غاضب لا.. بل الغضب لا يصف عشر مابه ، والأمّر أنه يشعر بـ بركان في صدره على وشك الانفجار، 

يقلب في الصور، والصور أمامه لم تكن لسواها.. 

حنييين ..  صوره لها وهي طفله ذات أسنان مفقودة وابتسامة بلهاء احتفظ بها من باب مضايقتها ولكنه وقت ان شب وكبر وكبرت هي أيضاً أحب الصورة وتجاهل عن معايرتها به، وصورة أخرى لأول يوم لها بالمدرسة الإعدادية وكانت تنظر له نظرة خاصة وابتسامتها واسعة تخصه هو بها ووقتها كتبت على جدران الدرج بحياء فتاة على أعتاب المراهقة أول حرفين من اسميهما.. 

وأخرى وأخرى والعديد من الصور، نثرها حوله في فوضى.. وغضب! 

غاضب وبشدة.. في أمر كوابيسه لم يتخيل أن يهان هكذا.. وبسبب حنين!! 

يشعر بأن رجولته جُرحت بسكين تلم ، وقد قرر أنها لن تخرج من المنزل مرة أخرى إلا وقدمها على قدمه ، وسيوصل للأخر وسيأخذ بحق رجولته ومشاعره من بين عينيه.. 

واستعاد كل تفاصيلها أمام مرأى عينيه تغير ملابسها وتبدل حالها وعجرفتها معه وقلة تهذيبها مع الجميع..... 

كيف لم يشعر بأنه مرفوض؟! 

قطعت خلوته دخول نيرة لغرفته بعد طرقة خفيفة.. 

-جدو برة.. عايزك.. 


أومأ لها.. يعلم أنه سيأتي أو يطلبه .. سيناقشه في الأمر عله يتراجع.. 

بخطى متعجلة غاضبة تبعهاا، ونيران سوداء تشتعل بعينيه وقلبه.. 

لحظات وكان يجلس بمقابل جده.. جده والذي كبر بالعمر اليوم ضعف عمره، وتهدلت كتفاه بوهن لا يخفيه مهما كابر وعاند ، يسأله بصوت مرتعش.. 


- حنين عملت ايه خلاك تعمل اللي عملته تحت.. 


خُفت غضبه وقل من حدته خوفاً من تدهور صحة جده  سحب نفساً عميقاً لصدره وقال.. 

- غلطة بسيطة ، وكمان أنا خلاص زهقت من الوضع ده.. 


سأله بشك.. 

- غلطة بسيطة ايه اللي تخليك تفضحها وتزعقلها اودامنا كدة وكأني مت! 


تدارك كلمته.. 

- بعد الشر عليك ياجدي.. 

ثم أستكمل حديثه وقد عادت صورتها وهي مع آخر بعقله فتقافزت الشياطين أمامه.. صك على أسنانه من الحقد والغضب.. 


- حنين عايزة تتربى من أول وجديد ومش هتتربى غير أما أكتب عليها.. 


قال الجد بصرامة.. 

- بس أنا مش راضي ياقاسم.. وطول ماهي رافضة انا كمان رافض.. 


رد عليه قاسم بأحرف مشددة تحمل نيراناً حاول اخمادها وفشل.. 


-الكلمة تفضل دين ف رقبتك ياجدي لغاية ماتخليها فعل.. والفعل إنك تنفذ وعدك وتجوزني حنيين.. 


وفجأة وقف أمام جده.. يدور حول نفسه كـ أبله، يستعرض جزعه وطوله وقد مسه خبل.. وقد تحولت تعابير وجهه لصخرة منحوتة من الجمود.. 


- وبعدين هتلاقي زيي فين؟ . داانتا حتى بتقول عليا أحسن واحد ف أحفادك..وعشان كدة مخلتنيش أكمل بعد الثانوي و مسكتني الورش .. 


أخذ عدة أنفاس، وبطوله مال على جده بمجلسه.. يواجهه بتحدي عيناه.. وبجرأة متأصلة به.. 


-خلااص ياجدي أبوها نفسه موافق ونازل مخصوص عشان كتب الكتاب..... 


وقبل أن يقف الجد ويصفعه على قلة تهذيبه ووقاحته .. دخلت نيرة ممسكة بـ هاتفها وبنبرة حزينة أردفت.. 


- ماما نورهان ماتت ، أكرم كلمني وقاللي عشان أعرفكو .. 


........... 


- ياساتر ياارب.. ايه اللي عمل فيك كدة...!!


قالها زياد بدهشة  حقيقية بعد أن دخل على عاصم بمكتبه ممسكاً ملف بيده.. وكان عاصم يضع أعلى رأسه قطن طبي ولزقة بيضاء عريضة شوهت خصلاته الكستنائية وأفسدت تسريحه الثابته دائمآ ،

وما حدث ليلتها لا يتذكره.. كل مايتذكره أنه أفاق بمشفى خاص بالمجمع السكني الذي يقطن به ، وأحدهم كان قد أتصل باستقبال المشفى واخبرهم بوجوده فاقد الوعي، وأخبرته الممرضة التي كانت تتابع حالته بعد أن ارتسمت القلوب بعينيها فور تبسمه لها بوجود فتاة حسناء صغيرة بالسن تبعته إلى هنا وفور أن اطمأنت على حالته لم تجد لها أثر.... 

اعتدل عاصم بجلسته  و رد عليه  متهكماً يشير بعينيه إلى لازقة طبية يضعها زياد أعلي أنفه.. 


- وإنت إيه اللي عمل ف وشك كدة؟ 


سريعاً أجاب بغيظ.. 


- شورتك المهببه ياسيدي... 


ثم تابع باهتمام... 

- سيبك مني انا.. إيه اللي حصل بجد!!

أوعى تكون واحده..!! 


قالها بتحذير فـتجهمت قسمات عاصم وزادت حدة نظراته، لا يرد بل حتى لا ينظر إليه 

يوزع نظراته بأرجاء المكتب يبحث بهما عن اللاشيء سوى أنه يريد الهروب من السؤال .. 

ومن هيئته المزرية حصل على تأكيد لسؤاله.. فارتسمت على ثغره ابتسامة متسلية.. 


-أوباااا.. شكلها واحدة فعلاً .. لأ انزل بالتفاصيل بسرعة.. 


أخبره ببرود ينافي موقفه المخزي .. يتلكأ بكلامه.. 


-أمنية.. البنت اللي حكتلك عنها..!! 

لم يكمل وقد توقفت باقي  الكلمات بحلقه.. لا يعلم ماذا يقول فصاح به الآخر بنفاذ صبر.. 


- هاا كمل يارزل.. 


باتت أنفاسه متسارعة وقد عادت له ألم الضربة وصدمة هروبها.. 


-كانت عندي وشدينا مع بعض.. وزي منتا شاايف.. 


مط شفتيه متعجباً.. يسأله بفضول شديد 


-شديتو مع بعض ازاي .. وإيه اللي وصل الأمور لكدة؟ 


هدر به بحنق.. وقد ضاق ذرعاً من أسألته.. 


-إنت بقيت متطفل كدة ليه يازياد موقف وعدا... إنسى. . 


هز زياد منكبيه بلامبالاة ، وهتف بخبث غامزاً .. 


- براحتك اما تعوز تحكي أنا موجود ف الخدمة.. 


.. مد عاصم يده للملف أمامه يلتقطه بنزق..  لا يهتم بفحواه.. ولا يهتم بالجالس أمامه ولا حديثه.. كل ما بباله هي.. وقد اقسم بداخله أن يسترجعها مهما حدث...!! 


......................... 


.. "بعد ثلاثة أيام" 


.. كان أكرم يقف بجزعٍ مائل يستند بظهره على جدار منزل نورهان ينتظرها،

جدار قديم كحال المنزل مطلي بالجير الملون وكان بوقفته منافي للمنظر العام بهيئته الكلاسيكية وملابسه الأنيقة المهندمة  كان أشبه بلوحة لفنان عالمي موجودة بمحل للخردوات...! 

ينظر كل دقيقتين بساعة يده، يزفر بقوة و هو يشعر بالملل والقلق عليها،

يريد رؤيتها وبشدة فخلال الثلاثة أيام الماضية لم يراها سوى مرات تعد على الإصبع وكل مرة لاتتجاوز الدقيقتين رغم أنه لم يتركها لا هي ولا مجد شقيقها سوى ساعتين أو ثلاث على أقصى تقدير يومياً ، وقد أثبت لها ومن قبلها جده أنه رجل ويعتمد عليه حين وقف بالصوان بجوار خالها يأخذ العزاء بحماته وقد تكفل بكل شئ من مصاريف الجنازة والعزاء وما إلى ذلك، 

استقام بوقفته ينفخ بضيق وقد استاء من انتظارها وقرر الدخول.. 

درجات سلم بسيطة متهالكة وجدران متساقط طلائها تُغطيها الرطوبة ومدخل منزل باهت للعين، منزل قديم آيل للسقوط بأي لحظة.. 

كان باب شقتها مفتوحاً على مصرعيه.. تجلس أمامه شاردة بعالم آخر تحتضن ملك صغيرها وقد أتت مع نيرة أول أمس كي تعزيها وتمسكت نورهان بالصغيرة بأن تظل معها ووافق أكرم دون أدنى اعتراض بل ورحب بالفكرة .. 

يجاورها بعضاً من النسوة تلتحفن السواد ، ولم تنتبه عليه.. فتنحنح هو بحرج واستحى الدخول بوجودهم، فلكزتها سيدة كانت تجلس جوارها ففاقت من شرودها مرغمة لتراه أمامها.. تنهدت بضيق داخلها وتحركت من مكانها مرغمة بخطى متثاقلة تحمل الصغيرة على ذراعها.. 

وقفت أمامه فاقترب منها.. اقترابه كان لدرجة التلامس أدار حدقتيه على تقاسيم وجهها الحزين،يتأملها عن قرب؛ بياض بشرتها والذي أظهره الحجاب الأسود وزاده فتنه رغم شحوب وجنتيها، أنفها الصغير وأهدابها البنية المبتلة إثر البكاء.. ولم ترتاح هي لوقوفهما هكذا فتراجعت خطوتين للوراء لم تنظر له.. بها شئ متغير لم يفهمه.. شعر بتباعدها وانطوائها عنه، 

فسأل بهدوء نبرته..

   - عاملة إيه؟.. 


أجابت بخفوت.. 

-الحمد لله.. 

وصمتت لم تزد وكأنها لاتريد محادثته.. وهو قد توقع شكر ورجوع وحضن وأحلام لاحصر لها...!! 

فقرر الحفاظ على ماتبقى من ماء وجهه.. فأردف ولازالت نبرته هادئة عدا عن ضيق خالطها.. 


-طيب أنا همشي دلوقتي.. لو محتاجة أي حاجة كـــ..... 


ولم يستطع تكملة الجملة.. فقد قاطعته بجفاء.. 


-مش محتاجة منك حاجة ياأكرم.. ويوم مااحتاج هتبقى انت آخر واحد.. 


أجُفل من الرد، ضيق عينيه بعدم فهم يشعر بالذهول، وقد نفذ صبره وكفى، بغرور قال.. 


-انتي بتكلميني كده ليه؟.. 


ونبرتها كانت جامدة كملامحها.. 


-بكلمك زي مابكلم أي حد غريب.. 

-بس انا مش غريب..!! 

  

قالها باندفاع وكاد أن يتابع لولا رنين هاتفه الذي جاء بوقت غير مناسب له.. 

فرمقت هي الهاتف بفتور تعلم من المتصل.. قالت ببرود تشير بعينيها على الهاتف. 


-رد ع موبايلك .. 

دون أن يحيد بنظرته عنها أغلق الهاتف بوجه من يتصل ولم يهتم بمعرفة من يتصل به من الأساس.. 

أطبق فكيه يقول بحدة لا تخلو من الازدراء والتعالي وقد عاد أكرم القديم.. 


-ماشي.. عموما بكرة هبعتلك نيرة عشان تاخد ملك... مينفعش تفضل هنا أكتر من كدة..!! 

وختم كلامه بإشارة عينيه لجدران المنزل والرطوبة الواصلة لسقفه.. 

ومضت عيناها ببريق دمع.. وقد وصلتها الرسالة.. 

شعور الآهانه حارق.. والخزي موجع ، ولديه حق.. 

وولاها ظهره، وكانت خطواته غاضبه.. يكتم نار شبت بصدره ولا يريد أن يبدو منهزماً أمامها.. 

وقبل أن يخرج من البيت هتفت بإسمه منادية.. 


-أكرم... 


كور قبضتيه يحاول تخفيف غضبه، زفر ناراً واستدار ببطء.. 

يفصلهما عن بعضهما عدة درجات .. كانت تقف أعلى الدرج ترفع رأسها باعتداد ومن هيئتها علم أنها ستتفوه بما لايرضيه.. 


-بالنسبة لفلوس المستشفى والجنازة اللي دفعتهم.. أنا هردهملك.. 


انحنى جانب ثغره ببسمة سخرية.. سخرية من الموقف ككل... قال بمرارة وكأنه يشير لما هو أبعد من كلامهما الحالي.. 


-بجملة اللي دفعته.. هتردي إيه ولا إيه يانورهاان؟!!

انتهى الفصل.... ❤️

"ياترى نورهان قلبت ع الزفت أكرم ليه"؟ 🤣🤣

**"الفصل السادس عشر" **


.. ... "بشقة كمال" 

.. الوقت ليلاً ولم يكن متأخراً،  ملَّ من وجوده معظم الوقت بغرفته فقرر الخروج والجلوس معها أو على قلبها كليهما أصح وأقرب.. 

جلس وهو يتنفس بقوة على الأريكة المقابلة للتلفاز والمجاورة لأريكتها، كانت تضطجع بأريحية تتلاعب بخصلاتها بدلال لايليق بسواها، غير عابئة بمن جاء و يراقبها  ، ترتدي منامة صيفية ذات سروال واسع .. شاكراً لأفضالها لا تظهر شيئا اليوم .. 

وقد غفا الصغار، وقررت هي من تلقاء نفسها أن من بعد العاشرة سيكون وقتها هي.. وهو كالعادة لا وجود له بالجدول..! 

تتابع مسلسل تركي، حلقاته طويلة لا تنتهي، هو يكره المسلسلات التركية، يكره المسلسلات عموماً.. مندمجه  في تفاصيل المسلسل وهو مندمج بتفاصيلها... 

.. هو رجل تخطى الأربعين بثلاث ولا يعيبه شئ إن أراد الزواج سيتزوج.. 

ولكنها ولسبب غريب تعجبه يريدها هي.. وجودها يوقظ به مشاعر كان قد دفنها تزامناً مع مرض خديجة ووفاتها، أطراف خصلاتها العسليه تستفزه بأن يتلاعب بها هو بأصابعه بدلاً من أصابعها هي.. ذراعيها الناعمتين لا يزال يتذكر ملمسهما، ولطافة وجودها بـ حيزه.. 

.. سيبدأ هو، ستكون المبادرة له، وقد قالها صريحة أمام نفسه.. 

هو لايريد الزواج من أجل الزواج والاستقرار.. هو يريدها هي كزوجة دوناً عن غيرها.!! 

وتلك ستكون فرصتها معه.. إما زوجة أو طلاق..! 

.. كان المشهد بالمسلسل أمامه رومانسي.. هو رجلُ عملي بطبعه لن يهتم بالرومانسية ولم يفهم شئ من الدبلجة السورية، ولكن جذبه المشهد م. 

ووقت المشهد  أشاحت بوجهها وقد أحرجها وجوده بـ هاته اللحظة، 

ولم يخجل أو يتوتر مثلها ، 

بل استمتع بالموقف وتمطأ بذراعيه يفردهما على طول الأريكة.ط

بجرأة عكس طبعه الهادئ وسنوات عمره التي أهدته الرزانة حمحم بخشونة.. وقد تلبس وضعية الزوج المصري.. 


-حضريلي الهدوم عشان هاخد شاور.. 


رفعت عيناها كالطلقة، وقد اتسعت حدقتاها بذهول مضاعف.. 


-نعم!! 

.. والحُجة باطلة والوقاحة سيدة الموقف.. عاملها كمعتوهة لم تفهمه فغير طريقته.. 


-هاتيلي هدوم عشان هستحمى.. 


وقبل أن تنطق تركها وسار صوب الحمام، لم يلتفت ليرى فاهها المفتوح باتساع وقد صُعقت ولكنه تخيل منظرها فضحك بخفوت قبل أن يغلق باب الحمام... 


...وبعد دقائق كانت تقف قريبة من الباب بعد أن طرقته بخفه مرغمة على ماتفعله.. والحرج والخجل يحرقان بشرتها ، 

ففتحه هو على الفور يميل برأسه وخصلاته المبتلة، تتساقط المياه أرضاً من جسده ولا يهتم.. 

كانت توليه ظهرها منكمشة بجسدها بعيداً عنه، تغمض عينيها بشدة تعتصرهما.. تناوله بذراعٍ مفرود ملابسه وقد جعدتهم كــ كومة قش 


-قربي هطول الفوطة إزاي وانتي بعيدة كدة.!! 


وقد نال الشهقة واتساع العينين، وثبتت مكانها بصدمة.. فتابع هو بوقاحة شاب.. أو عريس يستدرج عروسه! 


-هتقربي ولا أخرج أخذها أنا.. 

انا معنديش مشكلة اخرج كدة المشكلة فيكي انتي..! 


شهقت بذعر وتخيلها لما قاله جعلها تلقي بثيابه أرضاً وتركض فوراً من مكانها، ويبدو أن اليوم وللأسف ستترك مسلسلها وستنام مبكراً.. 


وأبتسم هو على إثرها بثعلبيه وعيناه ترسل شرارات مكر والجو بات يعجبه ويستهويه، 

وقد تأكد بأن الأمور لن تأتي إلا بتلك الطريقة....! 


.......... 


.. كان عاصم يستند بثقل جسده على مقدمة سيارته، ينتظر زياد بعد أن هاتفه وطلب لقاءه ، 

كان متهالك القوى.. متهدل الكتفين وعيناه غائرة.. 

من هيئته تشع التعاسة.. خصلاته كانت مبعثرة على جبينه.. يرتدي سروال رياضي وقميص قطني قصير الاكمام، 

اعتدل قليلاً حينما رأي زياد يخرج من البوابة التابعة لسكنه، 

ودون سلام قال زياد بقلق..


- ف ايه قلقتني؟! 

- مخنوق يازياد هتجنن! 

واستقام يعادل زياد بطوله يميل برأسه عليه وكان صادق.. والتعب واضح كالشمس على وجهه، وأنفاسه الثائرة.. 

.. فبعد بحث وسؤال هنا وهناك عن أمنية لم يجد لها أثر وكأنها سراب لا وجود لها.. ولولا الكدمة برأسه وبعض الصور لهما كان سيصدق بأنها لم تكن لها وجود من الأساس..  يتحدث هو بصوت ضائع وترك لزياد مواساته العقيمة.. 


-هتجنن يازياد ملهاش وجود نهائي.. السوشيال كلها قفلتها لا واتس ولا انستا 

ولا أي حاجة حتى رقمها علطول خارج الخدمة.. هتجنن والله العظيم معقول يازياد كانت بتتسلي بيا؟! 


-طب مسألتش أي حد ف النادي اللي كنتو بتتقابلو فيه عنها.. 


.. بأحباط قال.. 

- تفتكر دي حاجة تفوتني.. طبعاً سألت ومحدش يعرفها 

حتى الأمن لما وريتهم صورتها قالو انها مش مشتركة اصلآ ف النادي وكانت بتدخل كـ ضيفة.. 


ولم يحرجه ولكنه وقت أن طلب رؤيتها أخبره عاصم بأنه لا يمتلك صورة لها، هذا ليس وقته.. عموماً موضوعه مع تلك الفتاه لا يستسيغه.. 


-طيب أهدى دلوقتي وأكيد بكرة هنلاقي حل.. ايه رأيك تطلع ترتاح عندي 

أنا نيرة زي منتا عارف ويارا عند جدي اليومين دول.. 


.. ودون إلحاح من زياد وافق الآخر وقد سأم الوحدة وتعب.. 

وتلك المرة أدرك أنه فشل..

فشهر يار أشتاق.. 

شهر يار  تغير.. 

شهريار وقع بمصيدة الحب.. 

ومرحباً بالغرق أن كان من أجل مجهولة لها عينان بلون العسل .... 


................. 


من بين السطور يوجد سرد لم يقرأ.. سرد حزين لكاتب بائس قرر أن يكون بطل حكايته عاشق من طرفهِ وفقط .." 


.. "اليوم التالي عصرًا " 


كان قاسم يقف عاقداً ذراعيه أسفل صدره بأول الشارع التي تسكن به تلك المدعوة بـ هنا، ثائر هائج الجسد. أنفاسه متلاحقة سريعة تشي بنيران تشتعل بداخل صدره، يرتدي الأسود من قميص وسروال يحتويان غضبه، 

نظر بساعة معصمه وقد زاد انتظاره للهانم من غضبه.. 

وسبب وجوده هُنا بشارعها.. اختفاء حنين المفاجئ.. وهاتفها المغلق... 

فـ صباحاً استيقظ الجد ولم يجدها بفراشها وملابسها وحقيبتها وكل متعالقاتها موجوده بمكانها.. 

انتظر الجد حتى صلاة الجمعة أن تعود ربما اختنقت وارادت الخروج بمفردها دون قاسم وغضبه وتحكماته.. 

وبعد أداء الصلاة خاف الجد وتملكه القلق فهاتف قاسم على هاتفه وكان بالدكان وقتها.. وأخبره بعدم وجودها منذ الصباح الباكر.. فعاد فوراً.. 

.. يقوم بالاتصال برقمها يأتيه الرد بأنه مغلق.. 

تملكه الرعب وسيطر عليه الغضب وقد احتل رأسه ألف سؤال دون اجابه عن مكانها.. 

ومايرعبه أكثر هو هروبها....!! 

وحاولت يارا احتواء غضبه بكلامها تطمأنه بأنها من الممكن أن تكون عند إحدى الصديقات.. 

وقد هاتف الجميع ولا أحد يعلم عنها شيئا.. 

الا هنا لا يمتلك رقماً لها ولا عنوان فساعدته يارا بأن سألت إحدى الصديقات المشتركة بينهما عن عنوانها ورقم هاتفها وأعطتهما له.. 

وها هي أمامه بعد أن طلبها وهددها أن لم تنزل له سيصعد وسيفضحها أمام أهلها.. 

دون كلام جذبها من معصمها بعنف واوقفها جانبا يشرف عليها بطوله والغضب الأسود يشتعل بحدقتيه.. 

- حنين فييين؟ 

.. وكانت صادقة باجابتها 

- والله ما اعرف..! 

ترتجف أمامه كعصفور مبتل، ولم يكترث بخوفها احتدت نبرته وبرقت عيناه بـ شر.. 

-قوليلي هي فين بدل مااطلع أعرف أهلك حقيقتك ال....


وآخرة كلامه كانت سبّه سمعتها ولم تتأثر .. هي اعتادت ع تلك السبّة وتستحقها ، أقسمت.. 

-والله العظيم مااعرف هي فين.. من وقت ماغابت من المدرسة بقالي كام يوم مااعرف عنها حاجة.. 

أطبق فكيه بـ حدة.. ولازال ممسكاً بمعصمها بعنف.. سأل بعصبية


-تعرفي مكان الواد اللي.. اللي كانت.... اللي كان بيشاغلها.. 

وكرامته تأبى تصديق أنها خانت.. يرمي السبب والعلة على الآخر.. 


وادّعت البراءة وتلونت بصدق لايليق بقسمات وجهها.. 


- لأ معرفوش.. ده أنا حتى والله قلتلها عيب ومتكلمهوش بس هي مهتمش ومعبرتش.. 


ومع امتعاض ملامحه لحديثها هاجمتها ذكرى أول مرة رأت قاسم من سنتين أعجبت به وهو لا، لم تنل منه غير نظرات ازدراء وترفع، رغم أنه لايعرف عنها شئ بوقتها..! 

تهكم بـ تعالي وضيق.. 

-انتي هتصاحبيني .. انجزي تعرفي اي حاجة عن الواد ده ولا لأ؟! 


تأوهت بخفوت من عنف مسكته لذراعها.. 


-صدقني ياقاسم أنا معرفش عنه حاجة غير أن اسمه رامي.. كانت قالت اسمه قدامي وهي بتكلمه ف الموبايل.. 


إذاً غريمه اسمه رامي ، والعقبى لبقية المعلومات عنه. ليته أمامه الآن.. لكاان..! 

صك على أسنانه بغضب.. 


-لو عرفت إنك عارفة حاجة ومخبياها عليا همسح بيكي انتي وأهلك الأرض.. 

           مفهوم! 

رمقها  بـ شر، فأتبعت سريعاً.. 


- مفهوم، صدقني والله.. ولو كلمتني أنا هكلمك وأقولك ..


........... 


.. وعند مدخل البيت، رغم الفوضى واختفاء حنين وتوتر الجميع، رآها.. 

كانت تغادر البيت بينما هو يصعد ببطء مستفز يضع كفيه بجيبي سرواله الجينز الضيق ببرود، ورغم ذهوله من وجودها هنا.. بالمنزل، منزله..! 

جذبه بريق عينيها القططي وبه شرارة ضيق من رؤيته، مشط بعينيه فستانها الأسود الضيق من أعلاه وواسع من آخره يظهر حجم خصرها والذي وللغرابه تاق بتلك اللحظة لاحتضانه، وغار من فكرة أن يراها غيره بنفس نظرته!! 

وتعجب بداخله من تأثيرها الحديث به، لم يكن هكذا من قبل.. 

"وهكذا "تعني ضربات قلب متتالية تزيد عن الحد الطبيعي ف الدقيقة الواحدة عدة خفقات.. 

اقترب منها يهتف باسمها بتعجب..


-نورهان.. بتعملي إيه هنا؟! 


أجابته بـ صلف شابه استنكار.. 


- هو أنا ممنوعة من دخول البيت ولا ايه ياأكرم..! 


.. نفى، وكأنه ينفي عن نفسه تهمة.. برر وفند الأسباب يتعجب من تبدل الحال .. 


- أنا مقولتش كدة.. بس كلامك أمبارح عكس وجودك هنا انهاردة..! 


.. هتفت مؤكدة بنبرة واثقة.. نبرة لا تراجع بها.. 


-و أنا لسه عند كلامي ياأكرم.. أنا بس جيت عشان أجيب ملك لنيرة.. وزي ماقولتلك هظبط أموري وأخدها..

وولته ظهرها تنوي المغادرة ولكنها تذكرت شئ فالتفتت تتابع.. 


-و آآه هتشوفني هنا الفترة اللي جاية عشان هاجي أشوفها . لو هتضايق أنا ممكن أعرفك قبل مآاجي؟ 


وتجاهل ضيقها، وعبوس ملامحها.. اقترب منها. اقترب أكثر إلى أن اختلطت أنفاسهما، أحنى رأسه يوازي طولها، لتومض عيناه برغبة أشتعلت بحدقتيه همهم بنبرة أجشة.. 

-وأنا إيه هيضايقني.. شقتك فوق ولو عايزة تطلعي أنا معنديش مانع علفكرة! 


.. ابتعدت فوراً، وكادت أن تتأثر بطريقته الحديثة والغريبة معها..  تلعثمت تحاول ألا تضعف أمامه.. ازدردت لعابها تتحاشى النظر إليه.. 


-أنا همشي عشان مجد سيباه لوحده..

وبنفس النبرة دون اقتراب ولكن البريق بعينيه زاد وهجاً أفضح عن مكنون دواخله.. يريدها الآن بأي شكل وسيكون غبيّ إن لم يستغل الفرصة.. 


-طيب انتي ممكن تجيبي مجد هنا لو عايزة يعني؟ 


رفعت نظراتها بحدة إليه.. وقد عاد القهر القديم وتملكها.. أشتعلت عيناها ببريق قوي.. 


-عشان بدل ماتعايرني لوحدي.. تعايره هو كمان.! 


.. قالتها ولم تنتظر رد منه.. جمدت ملامحه وتخشب مكانه وهو يراها تنصرف دون أن تنظر خلفها... هز منكبيه بغضب وتعالي واستدار هو الآخر يردد بأنها الخاسرة بالتأكيد... . 


......... 


.. يدور حول نفسه بعصبية وانفعال.. الساعة تخطت العاشرة مساءً ولم تعُد، ولم يجد لها أثر.. سيجن والجميع من حوله يهدؤونه رغم القلق الذي استعر بصدورهم أكثرمنه، بحث عند صديقاتها وبعض الأقارب من بعيد، والمستشفيات القريبة.. وأراد أن يبلغ عن اختفائها ولكن لابد من تجاوز غيابها أربع وعشرين ساعة،

معقول أن تكون هربت.. تركته!! 

أيعقل أن يكافأ على حبه بجفاء ونكران جميل هكذا! 

أقسم بداخله أن عادت بخير سيضربها، سيعاقبها أشد العقاب.. فقط أن تعود بخير.. يتمنى أن تكون بخير! 

وصوت جده المنتحب يزيد من خوفه وقلقه وهو يضرب بكفيه المرتجفتين على فخذيه بوهن.. 


-هقول لأبوها إيه.. ده جاي بعد بكرة..! 


وزاد انفعاله وهدر بعصبيه يواجه جده.. 


- انت اللي فارق معاك أبوها.. أنا حاسس ان قلبي هيقف لو حصل لها حاجة.. 

فأتاه الرد سريعاً من جده يلقى بالذنب على كتفه.. 


-ماهي مشيت بسببك، قولتلك متغصبش عليها مسمعتش كلامي.. 


تدخل كمال قبل أن تتصاعد الأمور وخاصةً وهو يرى انفعال قاسم وغضبه.. 

-ممكن تقعد ياقاسم وتهدى عشان إنت موترنا كلناا...


.. جلس مرغماً على أريكة جانبية بجوار أمه والتي بدورها ربتت على كتفه بحنو تطمأنه تهدأ من خوفه.. 

أمسك بهاتفه وقام بالاتصال بهاتفها للمرة المائة وتسعون دون أن ييأس وبكل مرة يكون الهاتف مغلق.. حاول الاتصال مرة أخرى ولكنه فصله مع صياح نيرة شقيقته التي كانت تقف بشباك البيت المطل على الشارع الرئيسي بأنها رأت حنين في طريقها إلى هنا... 

انتفض الجميع من مكانهم.. وسبقهم قاسم إلى الدرج مسرعاً.. يأكل درجاته لاهثاً بعنف.. 

وفور مقابلتها وقف مصدوماً وقد بُهتت ملامحه، وقف مكانه كـ صنم.. والخطوات خلفه توقفت..  يرمقها بغضب من أعلى رأسها لأخمص قدمها 

يتفحص هيئتها بغيظ والتغيرات التي أحدثتها، تقف أمامه غير مبالية بالنار المتقدة بين أضلعه وقد صبغت خصلاته العسلية بالأحمر وقامت بقصه ليوازي دوران وجهها، ترتدي بنطال ضيق قصير يتجاوز الركبة بـ انشين على أقصى تقدير.. 

سأل وقد تبدد القلق وحل الغضب.. 


- كنتي فين..؟

أجابت ببرود وبمنتهى البساطة.. ترفع حاجب وتحني الآخر.. 


-كنت مخنوقه وخرجت.. 

سأل من بين أسنانه.. 

-ايه اللي انتي عملاه ف نفسك ده..

ابتسمت بسماجة ورفعت اصابعها بتلقائية لخصلاتها المصبوغة حديثاً تتلاعب بها كي تستفزه.. 

- ايه رأيك حلو؟! تغيير...

هدر بها وقد استدعت شياطينه يردد كلمتها.. 

- تغيير... 

-أمش ياقاسم وبكرة نتكلم..

قالها كمال.. يعلم جيداً بأن تلك الليلة لن تمر على خير.. جذبه من معصمه كي يخرج معه من بيت جده.. إلا أن الآخر نزع ذراعه واستدار لها وعفاريت الكون تتقافز أمامه، جذبها بعنف من ذراعها دون أن يهتم بصراخ جده به أو تأوهاتها من قوته، هدر بها والشرر تتقافز من عينيه.. 


-كنتي فين لحد دلوقتي.. انطقي.. 

هتفت بقوة تقف على أطراف حذائها ذو الكعب الرفيع تستطيل كي توازيه طولاً.. 


-ابعد عني انت ملكش حق تسألني أو تحاسبني.. 

ولطمة.. وتلك اول لطمة تنالها بعمرها.. وقبل أن تفيق من صدمتها كان يجذبها من خصلاتها للحمام.. فقفز كمال يفصل بينهما يهدر به وقد فُلت عياره.. 


-سيبها ياقاسم.. انت اتجننت خلاص ومش لاقيلك كبير.. 

أبعده قاسم وكانت الغلبة له.. أدخلها المرحاض عنوة يحني رأسها غصباً عنها أسفل الصبور بعد أن فتحه وتدفقت المياه منه.. يغسل خصلاتها.. 

يحاول أن يزيل صبغته.. وقد تملكه الجنون وانتهى 

دفعه كمال من كتفيه وأخرجه خارج المرحاض بقوة وغضب.. يضربه على صدره بقبضتيه. . وأفعاله تلك لاترضيه.. 


-والله العظيم ياقاسم لو ماعديت الليلادي ومشيت.. لأكون انا بنفسي اللي طاردك برة البيت كله .. 


ليقف في وجهه بعناد وتحدٍ.. يزعق 


-مش همشي سيبني أربيها.. 

هدرت حنين بقوة به تحتمي خلف كمال.. جسدها كله يرتجف من الغل والغضب.. 


- إنت مش من حقك تعاملني كده..

مبحبكش، إيه أغنيهالك؟! 

العيّلة اللي كانت ماسكة ف ديلك زمان ياقاسم كبرت.. كبرت وعرفت انك مش مناسب،!

تكملة الرواية من هنا 👇👇👇


من هنا

تعليقات

التنقل السريع
    close