![]() |
بقلم ريهام محمود
الفصل السابع عشر حتي البارت العشرون
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
" في معركة الحب لا يوجد منتصرين.. فالكل خاسر"
.. دخلت فاطمة غرفة قاسم دون أن تطرق بابها كما اعتادت، الوقت أصبح عصراً، وهو على حاله منذ أمس، وقد توقعت منه ثورة ولكن للغرابة كان انسحابه هادئ..محبط!!
لم يُخفي عنها نظرة خيبة أمل أحتلت حدقتيه فهي أمه وأدرى الناس به، كان صمته غريباً.. بعد أن أنهت حنين كلامها ظل صامتاً أمامها يرمقها بنظرات غريبة، طال صمته، وتحديقه بها وكأنه.. كأنه يراها للمرة الأولى بحياته.. صوت أنفاس الجميع مابين ثائرة ومصدومة كان يغطي على الجو العام للبيت.. وقطعه هو وبكل هدوء غادر دون أن ينبث بحرفٍ واحدٍ..
وقتها كرهت حنين.. الابن ومن بعده الطوفان..
وحنين جرحته وأهانته أمام الجميع وهو.. هو لايستحق هذا أبداً..
اقتربت من فراشه وكان هو مستلقي على جانبه ظهره لها، يتغطى بشرشف خفيف رغم حرارة الجو. . تعلم أنه يدّعي النوم، كان يغمض جفنيه بشدة، وجنتيه شبه مبتلتين وكأنه كان يبكي..
قاومت موجة بكاء ستنتابها على حال ولدها.. وربتت على ظهره..
- قاسم.. قوم اتغدى انت مكلتش حاجة من امبارح..
ولم يرد.. ظل على وضعه عدا عن انكماش ملامحه الذي زاد وكأنه كان يتوجع..
آلمها قلبها من رؤيته هكذاا، ستبكي.. اختنق حلقها بالكلام لحظات.. ولكنها قاومت واقتربت من مكانه، بكفها تمسح على جبينه المتعرق..
-ولا يهمك يابني.. انا من بكرة هدورلك على عروسة.. والله لاجيبلك ست ستها...
وكانت نبرة الأم عالية تتابع دون أن تشعر بأن كلامها يزيد من جرحه..
- ودي مين دي اللي متحبكش، دانتا سيد الرجالة ومفيش ف حنيتك حد..
وأكملت بسكين كلامها تذبحه دون شفقة..
- في داهية.. تبقى تورينا اللي هتتجوزه هيبقى عامل ازاي بنت ناهد دي..!!
أغمض عينيه يبتلع آلامه وانهزامه كرجل وانكمش أكثر بنومته تحت غطاءه،
فتهندت وقد يأست من أن ينهض..أردفت وقد غلف الألم نبرتها..
-قوم ياقاسم كل أي حاجة بالله عليك...
رد باقتضاب وكان صوته متحشرج بسبب زعيقه بالأمس وعدم كلامه اليوم..
- مليييش نفس.. سيبيني وانا شوية وهقوم..
............
"بيت كمال"..
.. دلفت غرفته بهدوء خطواتها بعد أن طرقت وأذن بالدخول دون سؤال عن من يطرق بابه، وقد انتهو من تناول الغذاء من نصف ساعة ، ومن سوء حظها كان لتوه قد أنهى حمامه يقف أمام مرآته يمشط بأصابعه الغليظة خصلاته القصيرة المبتلة، يرتدي سروال بيتي خفيف عاري الجزع وفقط منشفة بيضاء صغيرة معلقه على إحدى كتفيه ذكرها بهيئته تلك ببطل الأفلام الرومانسية والروايات الهابطة التي كانت تقرأها ، كتمت شهقة خجولة بصدرها واستدارت عنه توليه ظهرها على استحياء تهمهم باعتذار لم يهتم به من الأساس، فهو الآخر كان ذهنه مشحون بماحدث بالأمس وما آلت إليه الأمور، وقد خرج الجميع عن السيطرة..
قطع تفكيرها الخجول.. يهتف ببساطة وكأنهما زوجان عاديان..
-ناوليني القميص..
-نعم..!
و"نعم" تلك لم تكن استنكار، كانت دهشة من جرأته.. بالأمس لم يعجبها مافعله كمال معها.. ليأتي الآن ويطالب بأشياء أخرى والله اعلم بالمرة القادمة ماذا سيطلب؟!
وطالت ريم بوقفتها تنظر له باتساع عسليتيها الذاهلتين، ليهتف بنبرة أعلى مشددة..
- القمييييص..
يشير بسبابته على الفراش فتنزع نظراتها منه للقميص الموضوع وكانت أقرب إليه فعلاً.. فمالت بجزعها تسحبه وخطوتان مرتبكتان وكانت قريبة منه تناوله إياه..
ارتداه على مهل دون أن يحيد بنظراته عن انعكاسه بالمرآه أمامه وقد بدا أمامها بالفعل مشغول بشئ آخر، رفت بعينيها وحاولت بنظراتها الابتعاد عنه، ولكن رغماً عنها تأملته بطول قامته لاحظت أنه يفوقها على الأقل بعشر سنتيمترات ومنكبيه العريضين، وسمار بشرته،
وانتبه هو على حضورها الصامت فرمقها باستفهام أجفلها
-فيه ايه؟!
أجلت صوتها، جاهدت أن تكون النبرة ناعمة طبيعية..
-حاتم جاله جواب استدعاء ولي الأمر..!
.. حاتم صغيره، ابنه الأوسط ذات السبع سنوات مؤخراً لاحظ تغير سلوكه وتمرد خفيف بتصرفاته.. اندهش وسألها باهتمام..
- ليه هو عمل إيه؟
-مقالش...
- مقالش ولا انتي أصلاً مسألتيش..؟
يلّمح بعتاب.. يلقى عليها ذنب تغيره .. عبست ملامحها واحتدت نبرتها رغم نعومتها..
-وعلى أي أساس انا اللي أسأل واهتم .. وانت دورك إيه؟
هتف بجدية يُقحم الحروف برأسها..
- على أساس انك قولتي إنك هنا عشان الأولاد
لا الأولاد مرتاحين ولا أنا.. ولا انتي...!
.. حسناً لن تبكي أمامه، كانت لا تملك إجابة فـ للأسف كلامه صحيح
رمشت بعينيها عدة مرات لاتقوى على الرد ، زمت ثغرها وقد احتقنت قسماتها حرجاً، تعطيه ظهرها تنوي الانصراف.. تُتمتم
- عنئذنك...
............
.." غرفة قاسم.."
.. صوت جَلبْه بالأسفل جعله ينهض من مكانه، وقد ظل بوضعيته تلك ولا يعرف كم الساعة الآن، تطلع على الساعة المعلقة على الجدار أمامه وجدها السابعة مساء ً، وأصوات متداخلة بالأسفل تزيد من جنون صداعه ، اعتدل قليلا يركز بضيق عينيه، تقريباً الأصوات تأتي من بيت جده..
انتفض من مكانه وقد اُنقبض قلبه، نهض يتعثر بين طيات الغطاء، ووقف على قدميه الحافيتين بصعوبة فشعر بفقدان اتزان.. ولكنه قاوم وسحب نفس عميييق لصدره يهدأ من روعهِ
اتجه نحو خزانته يخرج منها سروال رياضي وقميص كي يرتديهم وينزل لبيت جده......
....... صفق الباب خلفه بعد أن ارتدى ملابسه باستعجال رغم تعبه البادي على جسده ووجهه، يطوي درجات السلم مسرعاً للنزول وقد تعالى الصياح بوضوح لأذنيه..
وعند وصوله لباب جده المفتوح على مصرعه وقف مبهوتاً، والمشهد غريب عليه وكأنه يشاهده عبر شاشة عرض ..
جده القاسم مستنداً إلى عصاه الأبانوسية ومعالم وجهه محتفنة بغضب نادراً مايظهر وقد اعتاد وجهه المجعد على الحكمة والهدوء، تجاوره والدته تتخذ وضع الدفاع وكمال يقف بالمقدمة وبالأسفل تحديداً بعد ثلاث أو أربع درجات تقف امرأه وجهها مألوف إليه ولكن لايعرفها.. خصلاتها مصبوغة بالأصفر ترتدي قطعة قماش صغيرة على رأسها، عيناها عسليتان ماكرتان بهما تجاعيد خفيفة من طرفيهما توحي بأنها كبيرة سناً ترتدي فستان بلون المشمش صيفي لا يتماشى مع جسدها ولا عمرها..
صوت جده الغاضب جعله يفيق من ذهوله وتفحصه
-اتكلي ع الله ياناهد انتي ملكيش بنات هنا..
ناهد.!! يشعر بأنه سمع الاسم من قبل يضيق بعينيه، يعتصر ذهنه عله يتذكر.. لحظة واحدة وأتته الإجابة..
-حنين بنتي ياحاج برضاك غصباً عنك هي بنتي.. بنتي اللي رجعتلي وطلبت أنها تكون معايا...
.. وصدمة أخرى نالها.. لكمة بمنتصف وجهه، استدار برأسه وتلك المرة إنتبه لوجود حنين تقف خلف جدها بخطوة وبجوارها حقيبتين إحداهما زهرية كبيرة وأخرى توازيها حجماً بلون أسود.. تقف بلهفة الوصول لأمها وقد اتخذت القرار..
سأل الجد يواجه الصغيرة بعينيه يرجو أن تنصره..
-إيه رايك ياحنين..؟
طأطأت برأسها أرضاً، والموقف بات أسوأ ولم تتخيل بأسوأ كوابيسها أن تضع جدها بتلك المقارنة مع أمها..
همهمت بخفوت..
-عايزة ماما.. عايزة أعيش معاها..
ورغم انخفاض نبرتها الا إنها وصلت لمسامع قاسم فزلزلت قلبه.. يرمقها بنظرات ضبابية وعاد الصداع لرأسه من جديد..
هتفت بها فاطمة بحقد وغضب..
-هي دي شكراً اللي بتقولهالنا يابنت ناهد..
نظر الجد صوبها وقال محذراً.. يستعمل كارت الترهيب علّها تتراجع..
-لو خرجتي من البيت ياحنين وروحتي معاها انسى انك تدخليه تاني..
دون أن ترفع رأسها وتواجهه.. سقطت دمعة من عينها تلتها أخرى.. لا تعلم ما سيحدث معها غداً ولكنها تريد أمها تريدها وبشدة.. تفتقد حضنها، بالأساس لم تجربه كي تفتقده ولكنها تريد التجربة حتى وإن كان بالمقابل خسارة عائلتها جميعهم...
ابتعدت عنه تجر خلفها حقيبتيها بإشارة واضحة بأنها اختارت والدتها.. فنكس رأسه واستند على عصاه يتشبث به مخافةً أن يقع.. وقد كسرته رد فعلها فتراجع...
ونزلت تتبع والدتها التي سبقتها للخارج وقد تجاوزت قاسم دون النظر في وجهه المصدوم.. فاستفااق ولحق بها يلهث بجنون رافض..
يهتف باسمها بلهفة أنبتها فالتفت له.. بنظرات منكسرة ترمقه لوهله ثم توزع نظراتها في اللاشئ،
التقط أنفاسه، ويوجه مجرد من أي انفعال وهدوء لا يتناسب مع الموقف قال..
-انتي لو مش عيزاني.. خلاص أنا كمان مش عايزك.. بس متمشيش من هنا..
واخر كلامه أمسك بكفها.. لمسته تلك أرجعتها بذاكرتها لأكثر من ثلاثة عشر عاماً.. وقتها كانت بعمر الخامسة وقد تركتها أمها وحيدة بعد أن تزوجت ورفض زوجها وجودها معه فجائت بها لجدها، ولم تنتظر حتى أن يأخذها منها بل تركتها بحقيبة ملابسها على البوابة وقتها كان المطر شديد وشدَّ أكثر مع نزول دموعها، وأجفلت على صوت فتح البوابة يخرج منها صبي بهيئة رجل مد كفه لها فتشبثت به.. يربت على وجنتها بحنو تفتقده بعد أن مسح عبراتها.. يقول بنبرة مراهق..
-تعالى اطلعي معايا.. من هنا ورايح انتي هتبقى زيك زي نيرة..
وعادت من ذكراها البائسة رافضة مستنكرة.. رجعت خطوتان للخلف تهز رأسها رفضاً ودموعها تتساقط
-لأ أنا عايزة أروح معاها..
هتفت أمها باسمها من الخارج تستعجلها..
-حنييين يللا..
رفضها أشعل النار بصدره وكأنها.. وكأنها غرزت خنجراً بمنتصف قلبه..
انفلتت أعصابه واقترب يمسكها من ذراعها بعنف أوجعها، يهدر بها..
- روحي معاها وبكرة هتعرفي أن ناري أرحم من جنة أمك ..
ثم نفضها عنه وكأنها لا تعنيه، وقد أنهكت من المواجهه، فاستكملت طريقها دون أن تنظر ورائها.. ولو فقط كانت نظرت خلفها لوجدت صنم تركه قلبه وركض خلفها راكعاً.....
.... وعند خروجهامن البيت التفتت خلفها تنظر للبيت كله بندم وحسرة،جدها وعائلتها التي احتوتها وقت ان نبذها والديها، أجمل أيام عمرها واجمل ذكرياتها..
ولكن أمها أهم من كل شئ، أكملت سيرها لأمها إلى كانت تستند إلى سيارة دفع رباعية سوداء اللون للحظة لمعت عيناها بانبهار تم وأده مع اقتراب رجل سمين يرتدي بذة رمادية ومن ساعة معصمه وعطره الثقيل تبين مدى ثراه،
اقترب منها حتى بات ملاصقاً لها فاختض جسدها رعباً.. يربت على وجنتها يتحسسها نعومتها بخشونة كفه..
-بنتك حلوة زيك ياناهد.....!
......................
.. "ليلاً، بعد منتصف الليل"
كان أكرم مستلقياً على فراشه مستيقظاً.. وقد عاد بعد مغادرة حنين، وقصّت عليه نيرة ماحدث تفصيلاً..
تربيتة على كتف جده كمواساه، وبحث عن قاسم ولم يجده، وعلم بخروجه فطلب هاتفه وكان بالمنزل لم يأخذه معه.. جلس قليلاً مع نيرة التي كانت تحتضن ملك صغيرته وتطعمها، قبّل الصغيرة بضعة قبلات صغيرة وتركهم وصعد لشقته..
مهموم يتأمل السقف بشرود.. يتلاعب بالحلقة الفضية التي تلتف حول بنصره ليرتسم أمام ناظريه صورتين إحداهما بعينين بلون الزيتون الأخضر وخصلات بنية قصيرة فيبتسم بـ حنين، والثانية فتنته بخصلات سوداء كالظلام طويلة تصل لخصرها وملامح خمرية تشبهه، هو لم يقارن بالأساس بينهما هو يريدهما..
يريد دفا البيت مع نورهان، وحب العمر والتفاهم مع جيلان...!
قطع تأمله رنين هاتفه بنغمة خصصها لها.. نغمة كانا يستمعان لها سوياً أيام الجامعة ..
انتصب بجسده يجيب..
- أيوة ياجيجي...
ولقب دلالها لأنه أهملها الأيام الماضية، يشعر بتقصير تجاهها فيحاول تعويضه..
- وانتي كمان وحشتيني..
هو ليس كاذب.. هو مشتت، غاضب..!
غضبه كان بسبب نورهان بالتأكيد وسؤال بجح يتردد صداه "لماذا لا ترضى بالوضع"..
وصمت يستمع لها فيجيب متنهداً..
-مفيش شوية مشاكل ف البيت هناا...
ويبدو أنها اقترحت اقتراح أعجبه فتحرك من فراشه يسحب مفاتيح شقته وسيارته..
- ياريت أنا جايلك أهو....
...... بعد ساعة كانا يجلسان سوياً بحديقة أمام منزلها.. قد اعتادا بزمانهما الجلوس بها دون علم الأهل،
يجلس أمامها يستمع لصوتها العذب وقد قرر أنه لن يترك مشاعره لنورهان والتي يبدو بأنها لم تعد تريده،
تهمس له..
-فاكر لما كنت بترن عليا عشان انزل ونتقابل هناا..
وابتسم.. ابتسامته كانت صافية.. تنهد بصوت مسموع
- طبعاً فاكر.. أنا كل حاجة حلوة عشتها معاكي فاكرها..
-مش عايز تقولي زعلان ليه..!
تقترب منه بجلستها حتى ارتطمت ركبتها بركبته بخفة، لم تتراجع أو تعتدل
وهو لم يتأثر.. بصوت مشوب بالألم..
- انهاردة قاسم أخويا خسر حب عمره.. أنا الوحيد اللي ممكن أكون حاسس بيه دلوقتي..
-وايه كمان مزعلك...
-نورهان....
قال الاسم وصمت.. صمت فتنهد وايتدار بوجهه يخفي عنها نظراته يخشى أن يفتح أمره..
جزت على أسنانها بـ غلٍ ولكنها لم تبين..
- مالها؟!
استفهمت، فقال وهو ينظر في اتجاه آخر..
- خايف أكون بظلمها..!
-بتظلمها..؟
استنكرت موقفه وقد استائت.. استطردت
- طب وأنا مش خايف لتكون بتظلمني..؟
-أنا مش عايز أظلم حد معايا.. افهميني ياجيلان..
- فهماك.. وعشان أريحك لأ انت مظلمتهاش
.. ثم تابعت بقهرٍ تضرب بسبابتها صدره ..
انت ظلمتني أنا لما أعرف من أصحابنا انك اتجوزت وأنت كنت واعدني أن أنا هكون مراتك.. إنت خذلتني يااأكرم ودي مش أول مرة..!!
-غصب عني..
قالها وكان صادقاً.. ولن يقول أسباب هو قرر الستر وكفى..
-واحنا فيها، وادينا رجعنا لبعض.. فين المشكلة بقى..!
يمسح جبهته بارهاق.. يردف
- نورهان مصرة ع الطلاق..
قالت بنفاذ صبر..
- طب ماتطلقها وتخلص..
رمقها بنظرة غريبة.. وكأن النجوم تتراقص بسوداويتيه هكذا خُيّل لها..
- مينفعش أطلقها، دي أمانه.. انتي متعرفيش نورهان دي تغرق ف شبر مية.. غلبانة جدآ متعرفش تعمل حاجة لوحدها..
اكفهرت ملامحها، ولم يعجبها سير الحديث.. بضيق قالت..
-طب والعمل.. انت هتفضل معلقني معاك كتير كدة..
وفعلاً كان حائراً.. سألها..
-شورى عليا أعمل إيه.؟
اقتربت ومالت بوجهها ، تهتف بخبث جاهل هو به..
- سيبها يااأكرم.. ولما تتربى ابقى رجعها..
وأشاح بوجهه عنها، يفكر بكلامها، ولم تعطه الفرصة وقد قررت طرق الحديد وهو ساخن..
- ماما مستنياك بكرة ع الغدا هي وخالو عشان تحديد ميعاد كتب الكتاب...
...................
... على سطح البيت بعد عدة أيام.. كان يقف أمام خزائن الحمام الذي يقوم بتربيته.. الجو أصبح أكثر حرارة، والسماء صافية عكس الخراب بداخله ،
اقترب على مهل من خزانة خشبيه ملونة بالأحمر بها ثلاثة حمامات كانت تخصها هي.. هي حنين طفلته وحبيته التي رحلت...
يزفر بألم وقد سائت حالته الصحية، لا يريد الذهاب لطبيب وأمه تضغط عليه، لا أحد يشعر به..
لا أحد يشعر بالنيران المتأججة بصدره.. وأمه لا تنفك تبحث عن عروس مناسبة له..
عروس ستأخذ بقايا رجل، رجل دون قلب..
فتح الخزانة وقد دمعت عيناه أمسك باحداهن برفق من جناحيها.. حمامة بيضاء ذات جناحين رمادية، تأملها وقد شرد بأخرى كان يتمنى بأن ترى حماماتها بعد أن أهتم بهم لأجلها..
رغم ضيقها الذي ترسمه بأنها لا تحب الحمام أو الطيور عامة ً، إلا أنه يعلم أن بداخلها طفلة تفرح بتلك الهدايا..
سحب شهيقاً طويلاً لصدره أخرجه دفعة واحدة وهو يلقى بالحمامة بالهواء فتطير بعيداً... بعيداً عن عينيه..
وأمسك بالثانية يدندن بغنوة غناها لها هنا بذات المكان.. وقد تحشرج صوته..
" ياحمام بتنوح ليه.. فكرت عليا الحبايب.."
وقد غصت العبرة حلقه.. ليلقي بالثانية بالهواء يفعل كما فعل بالأولى..
"ياحمام ضاع منك إيه.. دوبتني كدة فوق ماانا دايب"..
وأمسك الثالثة يتحسسها بـ فقد.. اشتاق وسيشتاق.. وسيعتاد على الاشتياق..
" عيباً أجول على نفسي احترت أو أقول وليف روحي هجرني "
وألقاها يتابعها تحلق عالياً ، كانت حبيسة وكان هو السجان..
" من بين عيون الناس اخترت جوز العيون اللي جتلني "
.. وأغلق الخزانه، ستغلق للأبد
"دانا ياحمام زيك نايح.. والحزن ده له لو لون وروايح..."
واستدار يغادر دون أن يلتفت.. يغلق باب السطح.. وتلك المرة ستكون بلا رجعة...!
**"الفصل الثامن عشر" **
.. تململ بفراشه وهو ينقلب على جنبيه كمن يتقلّب على الجمر، دون أن يستطع أن يغفو ولو قليلاً..
هذا حاله منذ أن شاركته غرفته وجاورته بفراشه، سحب نفساً عميقاً وهو يتذكر وقفتها أمامه قبل شهرين، كانت غاضبة بقدره بعد أن حملها رسوب حاتم الصغير وتجاوزاته العنيفة بالمدرسة، كانت تجابهه تضع رأسها برأسه، أين دوره هو من تربية ابنه ولما يرمي كل الحمل عليها؟!
وقتها ضاق ذرعاً منها وقد وصلت الأمور لذروتها، بيته وابناؤه أهم من أي شئ ولأجلهم تزوجها..!
حينها فقط هددها وكان تهديده شديد الوضوح إن لم تلتزم سيخبر والدتها بما تفعله.. اهمالها بتربية الصغار ورفضها له ونفورها منه، وعند نقطة النفور نغز قلبه وجرحت كرامته..
سيترك غرفة مراد له ويعود لغرفته التي احتلتها بوقاحة منقطعة النظير وكان ذلك اول شرط له وحين رأي الرفض يتراقص بمقلتيها، تراقصت شياطينه غضباً وهدر بها بأنه هو من لايريدها، سيكونا زوجين أمام الأولاد والأهل وفقط..!
وكان قرار مشاركتها لغرفته ونفس الفراش أغبى قرار اتخذه بحياته..
ومن يومها وزاد مراره أضعاف مضاعفة..
بالبداية كانت شديدة التحفظ.. لا تغفو قبل أن تتأكد أنه غفا.. تنام بجواره بقمصان طويلة تصل لكاحلها وتغطي نفسها من رأسها حتى قدميها وللحق كان سعيد بذلك رغم نقطة بعيدة بداخله تطالب بمزيد من الرؤية..
ومع الوقت أصبحت أقل تحفظاً، ملابسها صارت خفيفة أكثر فأكثر، قميص صيفي يظهر جزء كبير من يديها .. وآخر يحدد اقصر ، وغيره يظهر قدميها وهي تتقلب وقد ألقت بالغطاء جانباً..
والمصيبة انها فعلاً تعامله كأخ..!
ومع الوقت لانت الأمور بينهما وهدأت، وصارا متفاهمين أكثر، عدا فوضويتها
كانت فوضية بشكل يثير حنقه وغيظه، فشخصه شديد الرتابة، منظم حد الوسوسة.. وكانت هي النقيض!
".. صدق من قال الوسادة لا تجمع متشابهان.. "
..ارتسمت ابتسامة عميقة على وجهه وهو يميل بجزعه يتأمل ملامحها الرقيقة النائمة بعمق يحسدها عليه، من أين تأتي بهذا الثبات والجمود!
يتلكأ بالنظر لتفاصيل وجهها أهدابها الطويلة وثغرها المكتنز، بياض بشرتها ونعومتها المستفزة لمشاعره ،
ازدرد لعابه ببطء وهو يرى احتضانها لوسادة صغيرة كان هو أحق منها.. وقد أثارت جنون خيالاته بهيئتها تلك ككل يوم،
هب واقفاً مستغفراً ليتجه إلى الحمام الموجود بالغرفة متمتماً..
-الصبر من عندك يااارب...
.. دقائق وكان يخرج من الحمام مرتدياً مئزراً من القطن وقد هدأ كثيرا بفضل زخات المياه الباردة،
انتبه لتململها وتمطيها بالفراش، تفرد ذراعيها وقد ارتفعت قليلا بجزعها
بابتسامة رائعة ونبرة متحشرجة إثر النوم..
-صباح الخير...
وسيرد كعادة لازمته من شهرين
-صباح الفل والياسمين
اتسعت ابتسامتها فكشفت عن أسنانها .. تميل برأسها بدلال وتتمايل خصلاتها معها..
-شكلي صحيت متأخر كالعادة..
لم يجب واكتفى بالتأمل.. نظراته تخبرها بأنها تفعل مايحلو لها..
أكملت بخفوت..
-وشكلك منمتش كالعادة..!
حمحم وقد انتابه حرج طفيف، واستدار يقف أمام المرآه يمشط شعره
- شكل الولاد صحيو..
فردت وهي تتحرك من الفراش تنزل ساقيها فيزيح عيناه ..
- هروح أشوفهم..
-البسي روب..
نظرته لكتفها ألجمتها، فغطته على الفور بخجل وقد توردت وجنتاها كعادة لازمتها منذ أن تشاركا الغرفة والفراش..
فشدت القميص أكثر تغطي به كتفيها ومالت تمسك بالمئزر الملقي أرضا ترتديه أمام ناظريه، فرمقته بابتسامة تراه يحرك شفتيه بكلام لاتسمعه فتغادر الغرفة وتتركه....
..........
.. فيلا كبيرة تقع على أطراف العاصمة، يسكنها رجل الأعمال زكريا مجاهد وزوجته ناهد ومنذ شهران انضمت للسكن معهما ابنة ناهد حنين..
كما كانت تتمنى، تمنت أن تكون بجوار أمها وحدث.. تمننت أن تقطن بفيلا كتلك ونالت..
وزوج الأم كان خارج إطار امنياتها ولكنها ستتجاهله أن ضايقها لأجل أعين والدتها..
مرت أول خمسة أيام بشكل طبيعي.. البهجة تملأ قلبها
وأمها كانت دائمة الجلوس معها، وزكريا بك زوج والدتها يأتي متأخراً فزاد ذلك من شعورها بالراحة والاطمئنان..
اطمئنان لم يدُم أكثر من ذلك.. فـ ليلاً، متأخراً، كل ليلة تفتح باب غرفتها بعد الثانية صباحاً ببطء، بصوت لا يكاد يسمع،
تغمض عيناها بشدة وترتجف تحت غطائها رعباً لا تقوى حتى علي الاستدارة.! دقائق تمر عليها أعوام ثم يغلق الباب بنفس البطء والهدوء الذي فتح به..
لا تنكر أنها كانت تكذب احساسها وتقل بأنها من الممكن أن تكون والدتها..
ولكن بعد ذلك بأيامٍ يفتح الباب ويغلق ببطء بعد أن دلف من فتحه..
تسمع صوت أنفاس تشاركها الغرفة.. أنفاس سريعة.. لاهثة
تقبض قلبها، ترعبها.. تشد من الغطاء تحكمه حولها وتغمض عيناها بشدة
فتأتي نظرة جدها الحنون تهون من روعها، وصوت قاسم الخشن ينتشلها بقوة من خوفها....
وللأسف غرفتها لايوجد بها قفل داخلي أو حتى مفتاح..!
بملابس واسعة قليلاً باتت ترتاح بها تنزل على درجات السلم الداخلي للفيلا.. تراه يجلس مع والدتها على المائدة الطويلة يتناولا افطارهما،
واستدار برأسه يرمقها بنظرات كانت بالبدء لا تفهمها.. نظرات غير مريحة كهيئته،
تجاهلت وقررت المضي ف طريقها والخروج من هذا المنزل الكريه..
ولكنه أوقفها بصوت مرتفع قليلا يضحك بسماجة..
-ايه ياحنون مش هتيجي تفطري معانا..
وتتدخل الأم..
- تعالى افطري قبل ماتخرجي..
- مليش نفس
ووجهت كلامها لزوج أمها بثغر مقلوب لتتبدل ملامحه فيقف ويقترب منها بخطى واسعة فتبتعد هي..
- أنا ملاحظ انك مبتلبسيش الهدوم اللي بجيبهالك..
ملابس.. ان حق القول لم تكن ملابس.. بل أشياء صغيرة عارية تظهر أكثر ماتخفي.. يأتي بها الكثير والكثير، يطالبها وأمها بارتدائها وترفض هي..
هزت رأسها باستنكار وملامح ممتعضة ..
-مش بلبس ع ذوق حد.. انا اللي بختار هدومي بنفسي..
نهرتها الأم..
-حنييين عييب.. احترمي بابا ذكريا ده بدل ماتقولي شكراً..
وحركته التي تشعرها بالاشمئزاز بأن يدنو منها يتلمس بشرة وجنتها وكأنه يراضيها.. الأمر أبعد مايكون عن المراضاة..
- سيبيها براحتها ياناهد.. هي هتروح مني فييين..
والمغزى مفهوم وان ادعت عدم الفهم. دون رد تستدير وتغادر.. وكم تتمنى لو تغادر ذلك المنزل للأبد....
............
".. ينهزم في الحب الأكثر عشقًا.."
ممسكاً بهاتفه الحديث، وهو من كان لا يستسيغ الهواتف الذكية ولا المواقع الاجتماعية..
يتصفح حسابها الشخصي وكم نهرها من أن تضع صوراً لها، يقف عند صورتها الشخصية يتأمل بصمت وألم وقد اشتاق لملامحها الحبيبة.. اشتاق ورجلاً كمثله حُرم عليه الاشتياق..
أغلق صفحتها بحدة وعنف وكأنه بذلك ينفي أنه حنّ..
وهو عزيز النفس لن يحنّ حتى وإن عادت زاحفة..
لن يسامح حتى وإن ركعت أمامه..
فقط تعود ووقتها سيذيقها مافعلته به وأكثر..!!
.. لم يعُد لطبيعته من وقت ان غادرت.. وقت أن أخذت قلبه ورحلت
قل كلامه.. وتواجده بالبيت أصبح شبه معدوم، يأتي للنوم فقط.. ينهمك بالعمل والورش..
والجميع قد أحترمو رغبته بأنه لايريد سماع اسمها أو أي خبر عنها.. وقد ظنو أنه بتلك الطريقة سينساها
زفر بيأس وقد قطع خلوته وليد أحد الصبيان اللذان يعملان لديه..
-يا ريس..
ولقب ريس ذاك يسعده، يشعره وكأنه ذا شأن وان كان بسيط
هو رجلاً يحب البساطة، هو غير هم، بعيد عن كمال برزانته.. وأكرم بوجاهته..
هو قاسم، قاسم وفقط..
كان قاسم جالساً على كرسي جانبي، فرفع رأسه بإشارة للآخر أن يكمل كلامه.. فاكمل وليد قائلا بحرج..
-انت عارف ياريس أن أبويا متوفي.. أنا بإذن الله هروح أنا وأمي بكرة نخطب بسمة وكنت عايزك معايا بصفتك زي اخويا الكبير..
نهض قاسم من مكانه يرفع حاجبا ويحني الآخر بتعجب حقيقي.. سأل..
-طب وجيشك؟!
ضحك وليد بخفة..
- انا وحيد أمي ياريس.. مليييش جيش
خبط قاسم على جبهته يمازح وقد لانت قسماته المتجهمة ..
- آه صح.. ازاي نسيت..
..سحب نفساً طويلا داخله وسأله باهتمام..
-بتحبها..؟
ابتسم وليد بحرج.. زاغ ببصره عنه وقد أحمرت اذناه بشكل ملحوظ من خجله.. قال بصوت منخفض رغم ثباته..
- وأنا لو مكنتش، بحبها كنت هشتغل ليل ويا نهار عشان اجمع حق الدبلتين والخاتم..
تابع حديثه بنبرة غائمة..
-هي غلبانه زيي.. هتعيش وترضى بظروفي وأنا عايزها تكون معايا ف كل خطوة ف حياتي.
ربت قاسم على كتفه يدعمه.. دوماً يشعر بأن وليد أخٍ له..
ثم مد كفه بجيب بنطاله الجينز واستخرج بضعة ورقات مالية.. دون عدهم أو النظر بهم مد بكفه يناوله اياهم..
- خد دول هاتلك قميص وبنطلون حلوين.. ميصحش تروح بحاجة أي كلام..
وبامتنان حقيقي شكره وليد داعياً له.. ثم تركه لحاله وعاد يستكمل عمله..
ويبدو أنه لم ينتبه أنه تركه.. فلازال يقف مكانه وكأن بحديثه مع وليد عاد لذكرى حاول نسيانها وفشل..
كم لبث على وقفته، دقيقة. دقيقتان...
وانتفض..
خرج من الدكان متجهاً صوب موتوره.. يركبه وبأقصى سرعه كان يقود
دون هدف أو وجهه محددة، يزيد من سرعته..
حتى خلا الطريق من حوله فباتت سرعته جنونية..
ومثلما قاد فجأة.. وقف فجأة..
مال به واستند عليه شاردا.. ثم اخرج من جيب بنطاله الخلفي خاتم!
حلقة ذهبية رفيعة وخفيفة يتوسطه حجر ماسي رقيق..
يرمقه بحزن.. ألم.. وخيبة أمل.. سرعان ماتبدلت لقهر وحقد..
ليستقيم بطوله.. وعلى بعد ذراعه قذفه...
قذف به بعيداً، وهكذا تخلص من ذكرى بائسة دوماً كان يحلم بها.....
..............
.. مطعم بمنتصف البلدة.. شهير بأكلاته السريعة، تجلس حنين وأمامها هنا بالكرسي المقابل وعلى المائدة بينهما طبقان من شرائح اللحم المطبوخ والعديد من السلطات، وفي الخلفية غنوة لعمرو دياب تصدح بحنين..
"وبينا ميعاد لو احنا بعااد اكيد راجع ولو بيني وبينه بلاد"..
كان انتباه حنين كله مع الأغنية تردد كلماتها بخفوت مع اللحن المرتفع نسبيًا،
"قصاد عيني في كل مكاااان"..
تقلب بالشوكة شريحة اللحم أمامها دون اكتراث حقيقي بتناولها..
- انتي جيباني عشان تفضلي ساكته..!
قالتها هنا باستنكار.. لتجيبها حنين بهدوء مبالغ
-مليش مزاج أتكلم.. عايزة أفضل ساكتة..
فاستاءت الأخرى، تعرف جيدآ سبب تغيرها وصمتها الدائم ونحول جسدها،
تمتمت بصوت منخفض حانق..
- أنا نفسي أعرف انتي ساكتة ليه ع الوضع ده.. ما تتكلمي مع مامتك..
ابتسمت حنين بسخرية وأردفت..
-الموضوع مش سهل زي ماانتِ فاكرة..
ثم تابعت بتعحب شابه ضيق..
- كل حاجة بتحصل اودامها.. تلميحاته بصاته، الهدوم الغريبة اللي بيجيبها
مشفتش منها إعتراض.. وكأنه طبيعي مع إن ده مش طبيعي..
كلامها قليل جداً معايا.. علطول بتلمح أن انا عندها ضيفة
.. أنا بتاخر مخصوص بالليل عشان اشوف هتقلق عليا ولا لأ أو حتى تتصل تسأل انا فين.. مفيييش الكلام ده عندها خالص.. وأما أروّح بلاقيها نايمة،
وختمت كلامها بنبرة متألمة وأكتاف متهدلة بخيبة
- يعني انا لو مُت أو حصللي حاجة ماما هتبقى آخر واحدة تعرف..!
سألت هنا دون مراوغة..
-مبتكلميش جدك..
- رافض.. لما بتصل بيقفل ف وشي..
- وقاسم!
تنهيدة طويلة.. وصمت، صمت تجاوز الحد المسموح.. التفت بنظراتها تبحث عن شئ غير موجود وقد غيرت إجابتها للسؤال..
- خلال الشهرين دول انا حاسة اني كبرت عشرين سنة، ومع تجاهل ناهد هانم ليا.. وحشتني خنقة قاسم وتحكمه..
انا ساعات لما بكون لوحدي بتخيل أنه بيزعقلي عشان اتأخرت.. عشان لبست بنطلون ضيق..
كانت تعيسة.. نبرتها تعيسة وملامحها،
.. فالتعاسه الحقيقيه ليست في عدم حصولنا على أشياء بعينها.. وإنما في فقدانها بعد الحصول عليها..
- ارجعي بيت جدك ياحنين..
- مبقاش، ينفع خلاص.. جدي مش هيسامحني ولا قاسم كماان..
وكانت محقة.. وظاهر على ملامحها مدى صدقها وحنينها..
يقال أن كل شخص له من اسمه نصيب.. ويبدو أن لها نصيب الأسد من اسمها..
حنين لأمٍ ظلمها من أعطاها لقب أم..
حنين لأب وجوده كـ عدمه..
وحنيين لدفا بيت تركته لاهثه خلف سراب..
.. وبعد صمت قصير قطعته هنا، تسأل مغيرة الموضوع..
- مممم طب ايه اخر كلام بينك وبين رامي..؟
ردت بضيق..
- بيضغط عليا عايزني أروح أتعرف ع مامته ف البيت عندهم!!
وأنا بصراحة بماطل معاه.. مش مرتاحة..
ويبدو أن هنا أشفقت على حالها.. اعتدلت بكرسيها وبصدق حقيقي قالت دون مواربة..
- حنين هقولك حاجة وتنفيذها من غير ماتسأليني.. أوعى تروحي مع رامي بيته أو تشربي أي حاجة يديهالك..!
..............
. "ليلًا"..
.. يركن سيارته جانباً، بعدما وصل للحارة التي تعيش بها..
مازالت نظراته لتلك الحارة كماهي، تعالى... وقرف..
مضطرًا أن يأتي لحارتها.. يريد الاطمئنان.. اطمئنان فقط وليس أكثر!!
فـ نورهان مؤخرًا أصبحت لاتأتي لرؤية ملك يومياً كما اعتاد.. أو كما تخبره نيرة بـ آخر الليل، لأنه قرر تأديبها ومنع نفسه من رؤيتها علها تتراجع عن قرارها الخاطئ..
مضى أسبوع ولم تأتي لرؤية الصغيرة.. فانتابه القلق واستبد به..
وها هو بشارعها..!
خطوات وكان أمام المنزل ، لاحظ بأن الدكان أسفل المنزل مضاء
اتسعت عيناه تدريجياً بصدمة وهو يشاهد نورهان زوجته تقف به.. وأمامها فاصل خشبي عريض موضوع عليه بعض الأقلام وتقريبا أدوات مدرسية.. لم يركز جيداً..
اقترب.. حتى وصل الدكان واعتلى درجاته وبات أمامها، أجفلت هي من رؤيته..
بدايةً ابتسمت ولكنها سرعان ماتبدلت الابتسامة لعبوس ونظرات زائغة
تزم شفتيها بتوتر.. توزع نظراتها هنا وهناك وبالمارة أجمعين عداه!
وأخيرًا ورغمًا عنها استقرت بنظراتها الحائرة على يده، والتي انتقل الخاتم من بنصره اليمين إلى اليسار بـ رسالة واضحة أنه عُقد القران..
قبضة عنيفة أصابت منتصف قلبها.. وشعور الأمل بأن يعود قُتل بمهده..
جذبها بسؤاله يشير لما حولها..
- إيه ده!؟
يوزع نظراته داخل المكتبة، أرفف خشبية ملونه بالازرق الفاتح يعتليها أوراق وكراسات وبعضًا من الكتب والعديد من الملازم..
إجابته ببساطة..
-أنا ومجد قررنا نفتح الدكان مكتبه..
هكذا ببساطة، صدره يعلى وينخفض وقد أصبح تنفسه سريعاً وعاليا يوشي بعاصفة على وشك البدء..
- وجبتي فلوس منين..؟
تضايقت من أسئلته.. عدلت من حجابها الأسود بحرج..
- خدت قرض بضمان البيت..
ومضت عيناه ببريق غاضب. تمتم من بين شفتيه.
-ومقولتليش يعني..؟
"بتردد وخفوت قالت
- هو انا المفروض أخد إذنك ؟
زفر بقوة.. حاول أن يقترب منها ولكن الفاصل الخشبي هو من منعه..
-مش إذن بس انتي ع ذمتي لو كنتي ناسية يعني!
عقدت ساعديها أسفل صدرها. سألت دون مراوغة..
- انت مضايق اني بشتغل ومقولتلكش ولا خايف ع منظرك..؟
جمدت ملامحه وهو يشعر بالغضب يتملكه..
- تفرق؟
عددت الأسباب..
- كتير.. لو بتسأل من باب الراحة فأنا اودامك اهو مرتاحة وكويسة وده شغل مكتبة يعني شئ مريح
ولو من باب المنظر فاحنا كدة كدة هنطلق..
رفع حاجبيه مستنكرا
- نطلق!
أومأت..
- أيوة..
. هدر سريعاً بحدقتي معتمان من الغيظ..
- ده بمزاجي أنا . والوقت اللي احدده أنا ..
رده قهرها.. سحبت نفساً عميقاً لصدرها واخرجته ببطء سألته بقهر وهي تثبت عيناها بعينيه..
-أكرم هو انت ليه بتفرج بعذابي معاك.. ليه مصمم انك تأذيني وبس؟
عقد حاجبيه متسائلاً بذهول حقيقي.
-أأذيكي؟ بتتكلمي كأنك مشفتيش مني أي خير!!
لتهتف بعتاب..
-هو لما تعايرني بقلة حيلتي يبقى مش بتأذيني؟
رد عتابها بعتاب آخر..
-وأنا لما أكون متمسك بيكي ومش عايز أطلق يبقى بأذيكي؟..
وتابع وقد احتدت نبرته..
-لما أكون مستحمل معاملتك ليا ومقابلتك الجافة دي يبقى بأذيكي..!
هزت رأسها بضيق وقالت يائسة
-أكرم انت فاهم الأذية غلط!!
طحن ضروسه غاضباً قبل أن ينفجر بها..
-عرفيني الصح.. منتي كنتي عايشة معايا وراضية وانتي عارفة اني مبحبكيش.. ايه الجديد بقى؟
عقد الحزن لسانها.. ومحق فالتنازل يبدأ بخطوة..
وكم تنازلت..
-كنت عارفة وراضية بس ف كل وقت بدعي أن قلبك يميل ليا.. وانك تكون خير ليا..
شكل دعايا متقبلش.. أو يمكن اتقبل وانت مش خير..
ثم أكملت بقهر مختلط بألم..
-والجديد إني مقدرش انك تتجوزها وانا عارفة إن قلبك معاها وانا هترمي..
كده كده كنت هترميني.. انت بس اللي مضايقك أن انا اللي مشيت وطلبت الطلاق ..
**"الفصل التاسع عشر" **
- صدق الله العظيم..
تمتم بها الجد بعد أن أنهى قراءة ورده اليومي، كان يجلس مضجعاً على فراشه، ممسكاً بكتاب الله بيديه المجعدتين، وأمامه زياد والذي سمح له بدخول البيت بعد إذلال وإحباط، ولكنّ زياد يستحق، يريد تربيته من البدء
أن كانت والدته انشغلت بالدراسات والشهادات العليا وأهملت بتربيته وأخته الصغيرة.. فسيربيهم هو، مايحزنه حقآ أن عمره لن يساعد فيما يريد ويفكر..
يجلس أمامه مايقارب من النصف ساعة دون كلمة ينطق بها، يفرك كفيه بتوتر، وقد أصابه الخرس على مايبدو،
صمتٌ ثقيل بينهما قطعه الجد بـ نبرة مهيبة مسيطرة..
-حط المصحف مكانه على المكتبة.... ولا أنت مش طاهر!
والمقصود احراجه، وبالفعل أصاب الهدف.. رد زياد متذمراً..
- ياجدي بقى..
ثم أكمل حديثه يقسم بصدق يشع من قسمات وجهه
- والله العظيم ياجدي أنا اتغيرت.. والكام شهر اللي فاتو دول انا اتربيت فيهم..
لم تنطلي خدعته على العجوز، بالطبع كاذب ولن يصدقه بسهوله.. تهكم
- ماشي ياسيدي ربنا يهديك.. مطلوب مني ايه؟
- سامحني ياجدي والنبي..
واقترب منه سريعاً ينحني على كف جده يقبله والآخر ترك كفه بين يديه دون أن يزيحه حتى، ولكنه اكتفى بايماءة من رأسه وقال..
-وأنا إيه يضمني إنك اتغيرت.. مايمكن تكون بتكذب عليا!
شدد من قسمه، يقف بثبات أمامه..
- والله ياجدي اتغيرت.. طب أحلف ع مصحف ولا أعمل إيه؟
- خلاص مسامحك..
هتف بها وصمت.. لينفعل زياد وقد فُلتت أعصابه
- هو إيه اللي خلاص سامحتك.. ونيرة ياجدي؟
-مالها!
يراوغ الجد.. يستفزه وبالفعل استفزه.. قال بنفاذ صبر
- هو إيه اللي مالها! انت هتسوق الصياعه عليا ياجدي!!
صاح به الجد هادراً..
- ولاه أحترم نفسك.. هو أنا عيل اودامك..
مسح زياد بكفيه على وجهه.. يحاول أن يهدأ من غيظه
سحب نفس تلاه آخر.. بهدوء أردف..
- لا ياجدي العفو.. انا اللي عيل وستين عيل..
ثم جلس أمام جده على فراشه يربت على فخذه يرجوه.
- نيرة ياجدي اقنعها ترجعلي وإني اتغيرت وع ضمانتك..
رفع الجد كفيه.. ينفضهما وكأنه يبرأ نفسه..
- لااا..منك ليها .. انا مضمنكش بجنيه يازياد.. أتكلم معاها سامحتك يبقى خير وبركة وغلطة وكلنا بنغلط..
، مسمحتش حقها وتطلق أول ماتولد بإذن الله..
تهدلت كتفاه محبطاً، يتلاعب بنبرته لكسب التعاطف
-يعني يرضيك ياجدي.. هو انا مش حفيدك زيها..!
سأله الجد بنبرة ذات مغزى.. وزياد يفهمه
- لو كانت هي اللي غلطت.. كنت هتسامح يازياد؟
اكفهرت ملامح زياد.. واحتدت نبرته
- جدي بلاش الكلام ده.. لا كرامتي ولا رجولتي تقبل حتى بكلمة ف الموضوع ده.. نزوة ومعترف بيها وتوبت وخلاص..
ونبرته فعلاً كانت صادقه.. يراها الجد بـ عيناه ويصدقه
- ماشي وانا مسامح ومصدقك وهساعدك..
تهللت أساريره.. وانحنى مرة آخرى على كف جده يقبله، وتلك المرة أطال بالقبلة ممتن له..
- حبيبي ياجدي والله..
تنهد الجد.. مسح بكفه الحر على خصلات زياد، يمنحه الرضا والقبول
ثم قال..
- يللا بقى اتوضى عشان نصلي العصر!
تعرفون ألوان الطيف..! ألوان الطيف جميعها لونت وجه زياد الذي ارتبك وصب عرقاً.. يتلعثم..
- عصر.. حاضر نصلي العصر.. منصليش ليه؟
ونهض من مكانه، يتحرك بخطى متخبطة، ولكن سؤال الجد أوقفه
- زياد هو العصر كام ركعه؟
ضحك ببلاهه يجيبه
- آه ياجدو يالئيم.. بتختبرني صح! العصر 3ركعات....
هز الجد رأسه بيأس.. يكاد أن يقذفه بأي شئ، ولكنه تماسك
-زياد اتوضى عشان هنروح دار الإفتا تعلن اسلامك...
............
.. أنهت تدريبها بالجيم المشتركة به.. والمُداوِمة على الذهاب إليه مرتين بالأسبوع، بدلت ملابسها الرياضيه بأخرى بحمام الصالة، رفعت حقيبتها على ظهرها وهمت بالخروج ليقابلها 'أحمد' الكابتن المشرف على تدريبها بالبداية،
قبل أن تتولى المهمة مدربة أخرى بناءً على طلب نيرة..
-عااش بجد..
ابتسمت وهي تومأ له..
- بفضل تشجيعكو.. المكان هنا حلو جدآ ساعدني كتيير..
أردف مشجعاً..
- إنتِ مش محتاجة المكان.. المكان هو اللي محتاجك..
عقدت حاجباها الرقيقان تستفهم..
-مش فاهمه..
ليجيب وقد عقد ساعديه على صدره العريض..
-بإذن الله بعد الولادة.. لو ينفع تشتغلي هنا هكون ممتن جداً..
- لا مش هينفع للأسف..
كانت إجابة زياد لا غير.. وقد ظهر من العدم، ونيرة اعتادت والآخر أيضاً..
ورغم حدة نبرة زياد إلا أن أحمد رد بثبات..
- أنا سألتها.. هي صاحبة القرار..
رفعت خصلاتها، باحراج قالت..
-بإذن الله هفكر ف عرضك وارد عليك.. شكراً ياكابتن..
وتوجهت صوب الباب تفتحه وتغاد وزياد يتبعها وقبل أن يلحقها أمسك بالباب ومال برأسه يحدثه بسماجة وبغُض..
- هترد عليك بالرفض إنشاء الله..
ثم اتبع بتهكم وملامح ممتعضة..
- عنئذنك يااأستاذ ممتن....
.. يتبعها بخطى سريعة، كانت تسبقه تحاول أن تبتعد عنه قدر الإمكان..
وفشلت سبقها وهو يفتح باب سيارته لها.. آمراً
- اركبي..
جزت على نواجزها.. تخرج زفيراً حاداً من أنفها.. ولكنها قررت الركوب معه وكفى فضائح، أغلق الباب بعدما ركبت وجلس بالجهة المعاكسة بهدوء يُحسد عليه رغم نيران تشتعل بداخله بسبب المدعو 'أحمد'..
وفور أن انطلق بقيادته.. اردفت بضيق..
-ممكن أعرف هتبطل تضايقني أمته؟
-هو انا بضايقك..!
قالها متعحباً ليأتيه ردها
- أيوة.. لما بشوفك بضايق..
أشاح بعينيه بعيداً.. تلك المرة الأولى التي تصرح بها بأنها لاتريده.. سابقاً كانت تماطل، تتباعد..
اما الآن متأكد من أن كل شئ تغير بداخلها، لم تعد نظراته نحوه كسابق عهدهما معاً، ولا كلماتها، ردودها جافة.. ونظراتها خاوية
يعلم أن ذنبه عظيم ولكن أساس الحب المسامحة..
تنهد بضيق.. وقال بنبرة هادئة رغم حزن داخلي أصابه..
-عموماً جدي اداني فرصة تانية معاكي لحد الولادة، يعني مضطرة تشوفيني غصباً عنك..
- جدي!! هو جدي سامحك..؟
- طبعاً..
قالها بثقة.. يرفع حاجب ويثّبت بالنظرة..
هزت رأسها مستنكرة.. بالطبع فالقاسم الكبير يحبه، يحبه لدرجة أنه المفضل لديه بعد قاسم طبعاً، ابتسمت بسخرية داخلها بأنها أيضآ كانت تحبه مثله.. من يراه ولا يحبه!!
أكيد بأنها كانت، لو كانت مازالت تحبه بالتأكيد كانت ستسامحه..
سألته ترمق الطريق أمامها بحيرة..
-احنا رايحين فين..؟
- هنروح للدكتور اللي بتابعي معاها.. من حقي انا كمان أطمن على ابني..
... للتو خرجا من عند الطبيبة المتابعة لحملها.. بعد أن اطمئنا سوياً على الحمل، وكم كان زياد فرِحاً.. صادقاً بسعادته.. يرمق الشاشة بسعادة عارمة وضحكة واسعة.. لأول مرة تقريباً تراه سعيد هكذا..
يقاطع الطبيبة باسئلته..
- عن موعد معرفة نوع الجنين..!
- صحتها وصحة طفلهما.. نوع الغذاء الصحي لها وهكذا أسئله.
أسئلة مهتمة من زياد.. يبدو أن زياد الأب مختلف كلياً عن زياد الزوج..!!
.. ضحكته الواسعة دليل ظاهر على تبدل مزاجه، يحاوط خصرها بذراعه بخوف وتملك وللأمانه أعجبها الوضع قليلا..
وقفا أمام سيارته دون ركوبها.. تستند على مقدمتها ويقف أمامها.. برمقها بنظرات غريبة.. نظرة محب!
يتأمل كل إنشٍ بها.. كم زادت جمالاً وفتنة بحملها هذا..
شعرها الفحمي ازاداد لمعانا وبريقا يخطف الأنظار وقد استطال قليلاً..
سواد عينيها بهما بريقا يسلب القلب واللب معا، وجسدها والذي زاد بشكل ملحوظ لعينيه. فأصبحت شهية أكثر..
ولكن مايضايقه حقاً تصرفاتها معه.. وملابسها أيضآ..
لاتراعي زيادة وزنها فترتدي ثياب ضيقة
بنطال اسود وقميص خفيف يظهر امتلاء بطنها الطفيف !!
اقترب من وقفته معها يحاوطها بذراعيه مستندا.. يمزح بكلامه..
- ولد بإذن الله..
فعاندته بحاجب مرفوع..
-لأ أكيد هتكون بنت..
ضحك باتساع.. يشاكسها
-لأ ولد.. مش هستحمل تجيبي بنت حلوة زيك كدة تدوّخ الولاد وراها وتعملي مشاكل..
انتثرت شرارات ورديه على وجنتيها وقد أخحلها بقربه ونظراته.. ضحكت بسماجة
-ايه الخفة دي يازياد..!
همس غامزا بوقاحة..
-النومة لوحدي خلتني خفيف، ماتحني بقى وترجعيلي والله دانا اتعلمت الأدب..
وكلامه كان صادقاً.. هو الآن على استعداد أن يلقي بحاله بالبحر أن أمرت بذلك..
تبدلت ملامحها.. وهتفت بجديه..
-إنسى ولو جدي سامحك انا مستحيل..!
واستاء من رفضها القاطع.. تمتم بإحباط حقيقي
-ليه بس بتقفليها في وشي..
ثبتت نظرتها عليه.. تجيب بوجع عاد من جديد وظنت انه غادرها..
-مش هنسي يازياد اللي شوفته ولا هنسي وجع قلبي ساعتها..
وابعد كفيه كي تنزل من جلستها، استدارت تفتح باب السيارة، واعتدت بجلسته بعد أن أغلقت الباب، متجاهلة من يشتعل بالخارج..
ركب بالجوار.. ولن ييأس.. قال
-طب نرجع ونبني ذكريات من أول وجديد.. كأنك بتتجوزي واحد تاني..
ضحكت، ولكنها وضعت كفها على ثغرها تخفي الضحكة.. تهز رأسها
-لأ بردو...
وأثارت الضحكة، وكانت بادرة امل تشبث بها.. همس وهو يشغل المسجل يبحث عن اغنية تلطف الأجواء..
-دانتي المناهدة معاكي أصعب من عبور بارليف ياشيخه..!
..........
.. "ليلاً"..
.. عاد إلى المنزل قبل التاسعة تقريبا، بعد أن ذهب مع وليد و والدته لخطبة بسمة من أهلها، زيارة كانت موفقة توجت بزغاريد عالية وغنوة صدحت عالياً على صوتها ارتدوا خواتم الخطبة بمباركة الأهل وهو أيضاً..
لا يريد أن يصعد حالياً.. يشعر باختناق ولايريد أن تراه أمه هكذا، ستشعر بالتأكيد ستشعر وستفتح سيرتها من جديد وتذم بها..
هو لامانع لديه من فتح سيرتها، ليت الجميع يذكرها دآئما أمامه ولكن يريد ذكرها خيراً وليس ذماً..
قرر الجلوس بحديقة المنزل قليلاً.. وعلى أريكة جانبية مريحة للجلوس.. اتكأ عليها متنهدا.. الجو من حوله هادئ ولطيف..
عدل من ياقة قميصه الأبيض فابتسم ابتسامة خفيفة فتلك المرة الأولى التي يرتدي بها قميص أبيض كلاسيك وكان رائعاً عليه..
أحب نفسه هكذا.. بل أنه حينما وقف أمام مرآته يظبط من هيئته نظر بإعجاب لانعكاسه،
أخرج هاتفه من جيب بنطاله الأسود وأمسك به بعد أن فتح الكاميرا وبوضعية السيلفي رفعه على طول ذراعه يلتقط له العديد من الصور مع ابتسامة جانبية خفيفة..
أنزل هاتفه يقلب بصوره وقد أعجبته جميعها،
ورغم أنه لايحبذ الفيس بوك ولا يستهويه الا أنه فتحه وغير صورته الشخصية والتي كان يرتدي بها تيشرت للأهلي ووضعيته بالصورة كانت خاطئة.. بصورته التي أخذها حالياً..
صورة مناسبة لكلمات كتبها عليها "ستفقد سذاجتك وشغفك مع كسرة قلبك الأولى.."
وتم التحميل بنجاح.. وسريعا انهالت التعليقات وأول تعليق كان لأكرم..
-قاسم!! دانا نسيت ان عندك فيس بوك..
ضحك بخفة سرعان ماخفتت وهو يرى ريم زوجة شقيقه قادمة إليه..
ريم التي أصابها الضجر بالجلوس بمفردها بشقتها حيث كانو الصغار ببيت جدتهما، فقررت النزول للحديقة بالأسفل ومعها رواية تقرأها حين عودة كمال..
تفاجأت بوجود قاسم كما تفاجأ بها هو الآخر.. ولكنها أُحرجت من أن تعود بخطواتها.. فالقت عليه سلاماً ناعماً بـ حرج..
نهض هو على الفور دون أن ينظر لها رد سلامها بآخر هادئ.. يشيخ بنظرته عنها..
سألها قلقاً..
-فيه حاجة!!
ردت بابتسامة رقيقة..
-مفيش.. قولت انزل تحت شوية لاني اتخنقت فوق..
وتفحصته من خصلاته المصطفة للحيته المشذبة حديثاً.. ذوقه الحديث بلباسه، ولكن لم تكن تتفحصه بإعجاب قدر أنه استغراب..
وتحرك ينوي المغادرة، لايصح أن يكون معها بمفردهما..
ليقابله كمال يقطع عليه طريقه.. يرمقهما بنظرات غريبة لم يهتم قاسم بها ولكن ريم توترت..
سأل كمال يوزع بينهما نظراته..
- فيه حاجة ولا ايه؟!
اجابه قاسم والوضع جعله حانقاً دون سبب..
- مفيش انا كنت طالع وريم نازلة..
وغادر.. غادر بعد أن قال اسمها مجردا، ريم هكذا دون زوجتك حتى،
رمقها بضيق لما ترتديه كانت ترتدي عباءة زرقاء ولكنها كعادة كل ثيابها ضيقة وحجاب صغير بالكاد يغطي رقبتها..
قال وهو يسبقها بخطاه..
-اطلعي ورايا...
..............
وعلى الجهة الأخرى كانت حنين تجلس على فراشها.. ممسكة بهاتفها
أجفلت وهي تراه يغير صورته الشخصية..
منذ متى قاسم يهتم بحسابه على الفيسبوك؟
كان وسيم.. لأول مرة تراه بذقن مشذبة
ملامحه جميلة بحق كبطل غادر غلاف رواية أحببتها هي
توقف الزمن بها وهي تتأمل صورته. ابتسامة خفيفة
هذا هو قاسم خفيف الابتسام.. كثير الخناق..
لماذا لانشعر بقيمة الأشياء الثمينة التي كنا نمتلكها الا بعد زوالها!
خفق قلبها بعنف حين انتبهت لكلماته التي تعلو صورته..
"ستفقد سذاجتك وشغفك مع كسرة قلبك الأولى.."
قبضة قوية أحكمت على صدرها وهي تعلم جيداً يعني من بتلك الكلمات.. هي.. هي كسرة قلبه الأولى....
...................
..
"بشقة كمال"..
كان يقف بمنتصف الصالة.. يوليها ظهره، تنفيه كان سريعاً ومسموع لأذنيها، استدار ببطء يرمقها.. يتمهل عند صدر فستانها بإشارة أنه كم نبّه بأنها لاترتدي ثياب ضيقة كتلك..
خلعت حجابها وتركت خصلاته المموجة تنسدل على ظهرها..
سألها مباشرة
- كنتي بتعملي ايه تحت..؟
أمسكت برواية كانت معها وقت نزولها رواية 'أحببتك أكثر مماينبغي' ترفعها أمامه..
- قولتلك كنت مخنوقة هنا.. خدت رواية وقولت انزل تحت ف الحديقة واقراها..
وبضيق قال..
- ووقوفك مع قاسم!
رفعت حاجبيها باستغراب.. ثم هاجمته بحدة..
-ده شك؟!
زفر غير راضياً عن كلامها.. اقترب متثاقلاً، ثم قال بثبات..
- مين جاب سيرة الشك يابنت الناس.. انا لو شكيت فيكي مش هتبقى على ذمتي لحظة واحدة..
واسترسل بمزيد من الثبات بصوت أجش..
-انا رجعي شوية مبحبش الاختلاط..
بعدم اقتناع هتفت باستهجان ..
-ياسلام طب مانيرة..
ولكنه قاطعها بضيق واضح.. يشدد على كل حرف يخرج من فمه..
- انا مليش دعوة بحد، نيرة ليها جوزها، حنين ليها ابوها وجدها..
إنما إنتِ.. إنتِ تخصيني..... أنا راجل بيتي وبس.. ارجوكي ياريم متندمنيش إني كنت صبور معاكي....
..........
..."كده كده كنت هترميني.. انت بس اللي مضايقك أن انا اللي مشيت وطلبت الطلاق .. "..
.. من وقت أن تركها وغادر غاضباً، وتلك الجملة تحديدا تتردد برأسه دون راحة،
أيعقل أن سبب تمسكه بها أنها تركته هي!!
شارد الذهن وكأنه وحيد، بجواره جيلان تمسك بجهاز التابلت تقلب في العديد من صور فساتين الزفاف، هي بـ عالم وهو بـ آخر
لا يرى ماتفعله ولايشغله، كلامها فقط ما يشغله، نظراتها المحترقة هي ما تأنبه..
جذبته من شروده حينما وضعت كفها الناعم على لحيته تسأله باستياء ناعم..
- مش معايا ليه!!
تعاتبه بنعومة لم يهتم.. وشرد مرة أخرى ولكن بذكرى بعيده..
صمت لحظات ثم قال بنبرة غائمة..
-فاكرة أول مرة اتكلمناا فيها..
ابتسمت بحالمية وقد عادت روعة اللحظة وحلاوة البدايات..
- طبعاً فاكرة، أنا اللي جيت كلمتك... لوكنت استنيت انك تيجي كنت هستنى سنين ومكنتش هتيجي بردو..
ركز بعينيها وأستطرد متعجباً ..
-حتى كلمة بحبك انتي اللي بدأتي بيها..!
شعرت بسخونة تلفح بشرة وجهها.. لاتفهم ماذا يريد سألت بحدة..
- مش فاهمة.. بتسأل ليه الأسئلة دي يعني!
أجاب سؤالها بسؤالٍ آخر..
- تفتكري لو كنت اتجوزتك.. كنت هطلق نورهان؟!
- إجابة سؤالك عندك انت وبس ياأكرم..
ردها كان منطقي.. منطقي للحد الذي لاحد بعده.. ولكنه يشعر بـ تيهٍ، حيرة..
فاجئته بسؤالها..
- انت بتحبها؟!!
- بحبها..؟
بحبها!!
بحبها....
الأولى استنكار، والثانية تعجب.. والثالثة إعتراف...
اعتراف أقر به وبصوت مسموع.. أمامها ومن قبلها أمام نفسه
وقد أنكر الأمر بداخله سابقاً..
بوجع شاب نبرتها الغاضبة..
-طب وأنا؟!
أجاب بنبرة فاترة لاروح فيها..
- بحبك
والمشهد غريب.. للتو اعترف بحب زوجته، وحبها هي أيضاً
تقريباً يعاني من انفصام، أو مرض نفسي..
نهضت من مكانها بـ حده وأمسكت بحقيبتها ترفعها أعلى كتفها،
غاضبة وبشدة ورده المستفز أشعرها بالدونية.. وهي التي كانت تظن بأنها المتربعة على عرش قلبه..
غادرت المقهى وهو ورائها يتبعها بصمت دون أن يراضيها كعادته وكما اعتادت هي أيضاً..
.... ......
بعد أن أوصلها لبيتها .. وتأسف عما بدر منه.. وكان أسفه غير صادق
وهي تعلم.. فلم تقبل أسفه وبالمقابل لم يهتم أو يزيد..
قرر المبيت تلك الليلة لدى زياد، يعلم أن يارا تلك الفترة تجلس مع جدها
وهو لايريد أن يكون بمفرده اليوم..
هو اليوم اعترف بأنه يحب زوجته..
ضحك بداخله.. يالغرابة الجملة "رجلٌ يحب زوجته"..
وصل لبيت زياد، رن جرس البيت ففتحه زياد فوراً
يفتح ذراعيه بحفاوة..
-أهلا بالغالي.. أخو الغالية..
ضحك باستهجان فزياد ذلك حالته ميؤوس منها..
.. وبعد تناول عشاء خفيف قد أعده زياد وكوبان من الشاي الثقيل..
كانا ممدان على أريكتين منفصلتين كلاً منهما ينظر للسقف بصمت..وشرود....
قطع الصمت سؤال أكرم الهائم على وجهه..
-هو الواحد يعرف انه بيحب إزاي..؟
رد زياد دون أن يلتفت أو حتى يبدي استغرابه من سؤال أكرم..
-لما يكون زيك كدة..
اعتدل أكرم وارتفع بحزعه قليلاً يرمق بزياد باهتمام..
-زيي اللي هو ازاي؟
اعتدل هو الآخر ليكون بمواجهته، يعدد على أصابعه بمكر
- يكون معدي التلاتين، عاقل ملو هدومه.. يروح لبيت حبيبته اللي هي بالمناسبة مراته!! يتلكك بأي حاجة عشان يشوفها أو يكلمها
فجأة يجيله هبل ف دماغه فيروح لواحد أهبل منه يقوله هو الواحد يعرف هو بيحب ازاي!
تعالت ضحكات أكرم عالياً.. فشاركه زياد ضحكه.. حتى هدئا وجلس أكرم يسأله
- طب سؤال تاني يأستاذ زمانك..
رد بتعالي ونفاذ صبر
- اسأل يابني اسأل.. دانت منك لله انت واختك
-هو الواحد ينفع يحب اتنين..
جلجلت ضحكة زياد عاليا ليهتف من بين ضحكاته..
- وعشرة وحياتك
والجلسة كانت خفيفة.. ضحكاتهم كانت جلية عالية ازعجت الجيران ولن يهتموا..
-ليها حق نيرة متطقش تشوفك والله..!
هتف بها أكرم من وسط نوبة الضحك التي دخل بها.. يشعر وكأنه منتشي..
فصاح به زياد عابساً ونبرته غاضبة رغم المزاح المخالط لها..
- عليا الطلاق من اختك لاهرجعها.. قال مش طايقة تشوفني قال
دي بس غيرانه مني عشان احلى منها..
...............
..في اليوم التالي مساءً.. كانت ملك صغيرته معه.. يضعها بالكرسي المخصص لها بسيارته بالخلف تلهو بألعابها الموجودة بالسيارة..
وقد أخذها من نيرة بصعوبة.. فهي تخاف عليها منه..!
تتحجج بأي شئ عدا أن يأخذها ويخرج بها..
يقود سيارته ومراده الوصول لـ شارعها، يريد أن يراها وبشدة..
يرمق صغيرته من خلال المرآه يحدثها بطفولية تفهمها منه
-عايزة تشوفي ماما.. هوديكي تشوفي ماما..
دقائق وكان بـ حارتها يحمل الصغيرة بذراعيه بعد أن ركن سيارته بزاوية اعتاد أن يركن بها كلما جاء..
يبدو أنه أحب الشارع بجدرانه، وأناسه.. وأطفاله
كانت بالمكتبة مازالت ترتدي الأسود حداداً على والدتها..
مابه الأسود يزيدها جمال، لم تنتبه عليه وهذا ضايقه، ويضايقه أكثر وقوفها بالمكتبة..
ستعود إليه وستترك المكتبة..
صعد تلك الدرجات البسيطة ومعه ملك ووقف أمامها.. فصاحت الصغيرة بأنها التي كانت منكبة على ورق أمامها تكتب به شيئاً..
رفعت رأسها متفاجئة.. فاقتربت منهما تهتف باسمها بفرحة..
-ملوكة..
خرجت لتقابلهما وتأخذها منه ولكنه تمسك بها يضغط على جسدها بحضنه..
فمدت كفيها له تهمس..
- ممكن اخد ملك..
ابتسم رغماً عنه يقول بمكر..
- خوديها.. هو انا حايشك..
واقترب منها حتى كادا أن يتلاصقا، فابتعدت خطوة ولم يهتم تجاوزها واقترب ثانية، فاشتعلت وجنتيها تعض على شفتها بخجل فطري ،
فناولها الصغيرة فأخذتها مُرحبة يقف مكانه وهي أيضاً تفصلهما ملك التي يأبى والدها تركها لسبب لا يعلمه غيره.. ارتجف جسدها لاارادياً وزادت نبضات قلبها بجنون فابتعدت عنه ومعها الصغيرة والتي سحبتها منه بأعجوبة ودلفت المكتبه وتركته خارجها بينهما فاصل خشبي لعين يود تحطيمه..
بادر بالكلام..
-خدتها أفسحها شوية.. صدعتني ف العربية.. ماما ماما ماما
فاضطريت اجبهالك عشان تسكت..
رفعت نورهان الصغيرة عالياً.. تدللها بمرح..
- إنتِ عايزة تشوفي ماما.. انتِ وحشتيني ااوي..
احتضتنتها تنثر قبلات مشتاقة ناعمة على وجنتيها.. وتترك الآخر على نار..
تزيد من قبلات على خد الصغيرة الممتلئ وهي تتمتم..
-شكل عمتو نيرة مهتمة بيكي جدآ..
-وأبوها..
التفتت إليه تستفسر..
- ماله؟
مال على الفاصل يستند بذراعه.. بنبرة هائمة أردف..
-مهتم بيها جدا..
اجُفلت من نبرته وتوردت وجنتيها.. واليوم هيئته غريبة وصوته أيضاً وطريقته..
نظراته بها شئ.. لاتعرف كنهه، ولكنها تفضل ألا تنظراليه.. يقول شيء ونظرته تقول شيئآ آخر..
انحنت قليلا وهي تحمل ملك.. وأخذت علبة عصير وأدخلت بها المصاصة البلاستيكية وناولته إياها بحرج شديد..
رمق العلبة بـ قرف حاول ألا يظهره ولكن أنفه االممتعض فضحه.. أشار بكفه رافضًا..
- شكراً.. إنتِ عارفة مليش ف العصير..
شعرت بإهانة من تصرفه فألقتها بصندوق قمامة جانباً.. زفر بقوة وحركتها تلك أغاظته..
صاح بعبوس طفيف..
-يللا ياملك عشان منتأخرش على عمتو..
تبدلت ملامحها وبهتت، اردفت بإحباط..
- خليها معايا شوية.. دانتا لسه جايبها..
لانت ملامحه وهو يرى ضيقها.. فعاتب بحزن مفتعل..
- طب وانا هفضل واقف كدة..
دارت بعينيها بأرجاء المكان عاليهِ وأسفله فردت كفها أمامه بـ قلة حيلة..
- نفسي أقولك اتفضل، بس زي منتا شايف المكان ميليقش بيك..
كاد أن يجيب ولكن جارها الذي أتى وجاوره بوقفته يتحدث دون أن يكترث لوجوده بصوت مرتفع..
-لسه الراجل ده بيضايقك..
والاستفهام واتساع العينان والذهول كانو من نصيبه..
- راجل مين؟!
......................... ...................
انتهى الفصل.... ❤️🤭
**"الفصل العشرون" **
دارت بعينيها بأرجاء المكان عاليهِ وأسفله فردت كفها أمامه بـ قلة حيلة..
- نفسي أقولك اتفضل، بس زي منتا شايف المكان ميليقش بيك..
كاد أن يجيب ولكن جارها الذي أتى وجاوره بوقفته يتحدث دون أن يكترث لوجوده بصوت مرتفع..
-لسه الراجل ده بيضايقك..
والاستفهام واتساع العينان والذهول كانو من نصيبه..
- راجل مين؟!
أطبقت عينيها بشدة، تضغط على شفتيها كانت لاتريد معرفة أكرم أو حتى تدخل منه..
التفت الجار له برأسه.. يدقق النظر به، ولم تسعفه ذاكرته بمعرفته فالتفت لنورهان بنظرات متسائلة عنه.. أجابت بهدوء مفتعل..
- ده أكرم ياعم حسين..
أكرم هكذا، مجرد من كلمة زوج حتى!
زاد الله من خيرها وأفاض..
دون أن تحمل عناء تعريف جارها لزوجها، فمد الرجل يده بحرج يعدل من نظارته ذات الإطار السميك أعلى أنفه..
- آسف يابني.. العتب ع النظر، مختش بالي منك..
ايماءة بسيطة حياه بها تنم عن قلة ذوقه، فازداد الرجل إحراجاً ولكن أكرم لم يهتم، استدار للآخرى مستفهماً. .
- راجل مين اللي بيضايقك.!
سألها بنبرة غاضبة فازدردت لعابها بتوتر، تمتمت بخفوت وهي تشير بوجهها لدكان قريب منها بالجهة المقابلة..
_ صاحب المحل ده..
نظر للمحل كانت وجهته من زجاج يحتل مكاناً كبيراً من الشارع، وللأسف كان مغلق..
هتف بانفعال قوي..
-بيضايقك ازاي يعني!!
طأطأت رأسها أرضاً،والتوتر احتل جسدها كله فارتجفت وارتجفت الصغيرة بين ذراعيها..
غامت عيناه بقتامة، واكفهرت ملامح وجهه.. سأل
-ومقولتليش ليه..؟
ووجود الجار أصبح محرج فانسحب والعرق يتصبب منه
-طب عنئذنكو أنا..
وابتعد عنهما، تجاهله ونظر باتجاهها هادراً، يضرب بكفه الفاصل الخشبي بينهما
-مقولتلييييش ليه!
انتفضت من زعقته..
-مش عايزة أكبر الموضوع
انتفخت اوداجه غضبا، ونيران سوداء اشتعلت بحدقتيه، يهدر بها
-جارك يبقى عارف ومهتم وجاي يسأل..
وانا جوزك واقف زي الأطرش ف الزفة!
ثم ارتفع صوته يصيح بها..
- هاتي ملك..
همست بخفوت متوتر.. ترجوه..
-ياأكرم سيبها.....
قاطعها بانفعال.. يلهث بعنف، كان قوب قوسين أو أدنى من تكسير الفاصل الخشبي بينهما كي يصل إليها ويكسر عظامها من فرط غيظه
- هااتي البنت..
ناولته الصغيرة بتردد، جذبها منها بعنف قوي فبكت الصغيرة وارتعبت هي..
رمقها بنظراتٍ حارقة وولاها ظهره.. يرمق الجهة الأخرى بغضب مستعر قبل أن يغادر الشارع بسيارته..
.................
.. "بـ غرفة كمال"
.. كان يجلس على طرف فراشه رافعًا ساقيه، يرتدي بنطال بيتي مريح يعلوه قميص رمادي قطني، يراقب تحركاتها بعين متفحصة مهتمة، تجلس أمام ناظريه على الكرسي الصغير أمام المرآه تمسح كفيها وذراعيها بـ كريم مرطب.. تتجاهله، ترفض النظر إليه، وإن صادف وتقابلت نظراتهما تشيحها سريعاً عنه، منذ الأمس لم تتحدث معه بكلمة واحدة بعد أن ضايقها بكلامه على حسب روايتها هي..!
تتجاهله أو كما يُقال في عُرف النساء "مقموصة"..
حامت عيناه عليها كلها، جسدها ملتف بقميص نبيتي خفيف بالكاد يتجاوز ركبتيها، خصلاتها ذات الأطراف العسلية استطالت وكأنها تستفزه ليتلمسها وهنا تنهد بداخله واستغفر ودعا بالتماسك ..
ماله ينظر إليها ويراقب ماتفعله وكأنه مراهق أو شاب ببداية العشرينات!
قرر قطع الصمت الثقيل بينهما يتمتم بنبرة حانية وهو يرمق انعكاسها في المرآه..
-تعالى..
تطلعت إليه خلال المرآه بعبوس لطيف وحاجبين منعقدين، زفرت وهي تُلقي بالمرطب أمامها بنزق فارتطم بالمرآه، وتحركت من مكانها على مضض، جلست على الطرف الآخر من الفراش مما أثار ضحكته ليقول..
- تعالى اقعدي أودامي.. متخافيش مش هاكلك..
يتكلم بمرح ويده تشير أمامه يمسح بكفه على الفراش قبل أن تأتي..
كانت نبرته هادئة مما جعل حدة ملامحها تهدأ قليلا، بالأساس حين يحدثها بتلك النبرة وينظر لها بنظرته تلك تحدث بداخلها أشياء غريبة، كـ دقة قلب زائدة، وقشعريرة لذيذة تسير على طول عمودها الفقري واحمرار بشرة وجهها..
استدارت بلا مبالاه زائفة تجلس أمامه، ومازالت تتحاشي النظرات بينهما..
سأل بصوتٍ أجش ..
- ممكن أعرف إنتِ زعلانة ليه مني!!
رفعت حاجباها ترمقه باستنكار يُدّعي البلاهة أمامها وكأنه لايعرف السبب..
فضحك بخفة من نظرتها له فاكمل بملامح رائقة..
- مش هضحك عليكي وأقول إني متشدد، ممكن اقولك إني بغير..
ثم تابع وقد أسرها بنظرته
.. وده شيء ميقللش مني اني اعترفلك اني بغير عليكي..
احتقنت وجنتاها وخجلت، ورغم خجلها إلا أنها بدون تفكير ألقت سؤالها الذي استغربه لسانها قبل عقلها الغائب..
-وكنت بتغير كدة على خديجة الله يرحمها..
قطب حاجبيه، وتمتم بضيق..
- بلاش نتكلم في حاجات قديمة، بس اللي متأكد منه أن مشاعري ناحيتك مختلفة..
أنا.. أنا حاسس إني بحب..!
وضحك باتساع فاه، وجو الغرفة بات أكثر حرارة ، يهز رأسه باستنكار متعجباً..
- أنا راجل معدي الأربعين ولسه عارف يعني إيه حب..!
وانتقلت ضحكاته إليها.. تضحك بخجل، تزيغ بنظراتها بعيداً عن عينيه.. والجلسة بينهما صارت مريحة أكثر وأكثر..
اقترب منها فلامست ركبته ركبتها ، لم تبتعد ولا هو، ولكنه شعر برعشة سارت بينهما ..
لمعت عيناه وقد شجعه هدوئها وخجلها وتورد خديها لأن يسأل..
-أحنا هنفضل كدة لحد أمته..
لم تجيب، تفرك بكفيها بخجل وتوتر، رأسها محني لأسفل وخصلاتها معه..
همس بنبرة أبحة..
-طب انتي حاسة بنفور مني..
فوراً رفعت رأسها باندفاع صادق تنفي ادعاؤه..
-لأ..
تنهد بهدوء، كان يعلم الإجابة مسبقاً، فهي تتعامل معه بـ أريحية..
زفر هواء صدره كله قبل أن يسأل بضيق ظاهر بنبرته..
- قلبك مشغول بحد!
سكتت.. وكان سكوتها ثقيلاً يزيد من ضيقه، وخوفه..
غمغمت بخفوت بعد وقتٍ ليس بطويل..
-لأ...
ابتسم براحة ظهرت على ملامحه، تابع بنبرة حانية
-أومال منعاني عنك ليه؟
حنان نبرته جعلها ترفع رأسها إليه، تبتسم بدلال عفوي لنظرة الحنان التي تفيض من عينيه ويختصها بها..
همست بتلعثم خافت.. ناعم...
-مش منعاك ..!
وبجوابها أعطته زر القبول، لمعت عيناه وابتسم وهو يقترب من جلستها، يزيح خصلاتها عن وجهها بانامل مرتجفة من فرط اللهفة، زفر نفسا حارقاً قبل أن يميل برأسه مقبلا شفتيها فشهقت من مفاجأته، ولكنه كتم شهقتها ورفضها الواهن باطالة قبلته، قبلة بادئها كانت ناعمة رقيقة كـ رفرفة الفراشات ومع الوقت صارت أكثر تطلباً وعنفا ..
يداه تتحركان على كتفيها يجذبها إليه..
ليبدأ جسدها بالتراخي شيئآ فشيئاً بين يديه
لايترك لها فرصة للتنفس كي لا تتهرب كعادتها.. حتى مستسلمة ، مغمضة العينان لا تنوي الافاقة... ولا هو..!
.............
.. "يامتشعلقين بحبال الهوا الدايبة.. فوقوا"
جملة مكتوبة بلون أزرق باهت على جدار إحدى المباني القديمة.. وكأن من كتبها يعلم بأنها ستقف أمامها وتتقاسمه الوجع..
تقف بمكانها قرابة النصف ساعة تنتظر هنا، هنا التي تتهرب منها ولا تجيب اتصالاتها منذ أن أخبرتها بأن تبتعد عن رامي دون أن تذكر سبباً واحداً يهدأ من النيران التي تتأجج بصدرها..
وبعد أن يأست من اتصالها، قررت أن تأتي لبيتها، وقرب المنزل بعثت رسالة لها بأنها بالأسفل أن لم تنزل ستصعد هي..
تعلم جيداً برفض هنا لزيارة منزلها، هي تستحي من وضعهم المادي أمامها، تخجل من والدها العاطل وأمها المهملة ومنزلهما القديم المتهالك..
زفرت بملل، تنظر حولها باشمئزاز وتعالي، وبعضا من شباب الحي يتهامسون ويقتربون من وقفتها، وهي لاتهتم بالأساس..
هي لا تعلم إن كانت تحب رامي أم لا ، هي بتلك الفترة مشاعرها متخبطة، حائرة.. خائرة القوى..
متأكدة من أنها لاتريد أن تخسر كل شئ..
أخرجت هاتفها من حقيبتها المعلّقة على كتفها ترى الساعة قد تجاوزت العاشرة صباحًا، كادت أن تطلب رقمها ولكنها ألغت الاتصال وهي تراها تأتي نحوها بعباءة بنية وحجاب ملقى على خصلاتها باهمال، هيئتها تلك تليق بالشارع الذي تقطن به..
سحبتها هنا من معصمها يبتعدا عن أعين الشباب المتلصصين بحارتها..
- ايه في ايه... مش قادرة تصبري لما نتقابل بكرة..
تهدر هنا بها بوقاحة، فجذبت حنين معصمها من بين كفها بعنف واقتربت منها تسألها بغضب ونبرة مرتفعة غير مهتمة بمن حولهما..
- حالاً تقوليلي ليه بتقولي كده ع رامي.. ايه اللي بينك وبينه!!
ردت بسرعة كاذبة..
- مفيش بيني وبينه حاجة..
قاطعتها بحدة..
- متكدبيش.. انا اعرف كويس أمته بتكدبي وأمته بتقولي الحقيقه..
-بدل ماتشغلي راسك برامي.. فكري في النتيجة اللي هتطلع كمان شوية دي..
صاحت بها حنين بنفاذ صبر..
-انطقي بدل والله هطلع لأهلك فوق وكلامنا هيبقى اودامهم..
.. مسحت هنا وجهها عدة مرات بتوتر، تعض أصابعها ندما بأنها حذرتها منه..
آه لو علم رامي بذلك سيقيم قيامتها ولن يرحمها..
عدلت من حجابها تتلمس منه بعضاً من قوة وهمية..
- رامي يبقى حبيبي.. أو كان، ومن فترة شافك وعجبتيه واتفق معايا إني
أوقعك فيه، لحد ماياخد اللي عايزه منك...
اتسعت عيناها بصدمة، غير مصدقة تهز رأسها
-إنتِ بتقولي إيه؟
تأففت بضيق ثم قالت بتبجح ..
بقولك الحقيقة.. خلاص انت عرفتي كل حاجة..
شعرت حنين وكان الأرض تهتز من تحتها، تنظر للأخرى بضبابية وكأنهما للمرة الأولى يتعارفان.. غصةاستوطنت حلقها.. زمت شفتيها في محاولة واهنة للعتاب، ولكنها اكتفت بالتحديق بعينيها تُلقي عليها اللوم كله .. تمتمت بعد مدة صمت قصيرة بصوت مختنق..
-مش عايزة أشوف وشك تاني..
وتركتها حانقة تحاول الابتعاد، الفرار.. ان تختبئ من هزيمتها..
فصدح صوت هنا من خلفها..
-ده بدل ماتشكريني.. كان ممكن اسيبك وف الآخر هتبقى زيي..
تشير بسبابتها على صدرها، ثم تابعت بمرارة..
.... أنا لحقتك... كنتِ هتبقى زيي...
التفت برأسها، ترمقها بخيبة، وألم، هزت رأسها وقد نزلت دمعة من عينها تبعتها أخرى..
تقول بخذلان العالم كله..
- أنا بكرهك ياهنااا..
وغادرت، متهدلة الأكتاف محبطة تهز رأسها بغير تصديق وللأسف مرة أخرى قاسم كان على صواب....
.............
.. دلف غرفته بهدوء مرتديا سروال جينز يعلوه قميص سماوي وقد عاد لتوّه من الخارج، يحمل بين يديه صينية مستطيلة بها مالذ وطاب من الطعام، والذي طلب من والدته إعداده اليوم بـ حُجة أن ريم اليوم متعبة، وأخذ أولاده الثلاثة بعد أن ساعدهم بارتداء ملابسهم وتجهيز حقيبة متوسطة بها أشياء خاصة بهم واوصلهم لجدتهم أم ريم، يخبرها بأن أولاده اشتاقوا لرؤيتها وطلبوا زيارتها وهو لبى طلبهم وسيبيتون الليلة لديها أيضًا ..
وضع الصينية على طاولة جانبية دون أن يصدر أي صوت كي لا يقلقها،
واستدار بجسده يتجه صوب الفراش، يراها تنام ببراءة وخصلاتها المشعثة الناعمة متناثرة حول وجهها الناعم،
ازدرد ريقه وهو يقترب منها يزيح خصلة أعلى عينيها برفق،
لمسته تلك جعلتها تتململ بدلال كقطة صغيرة، فاقترب بثغره يطبع قبلة على وجنتها فاستيقظت
ترفع رأسها قليلاً وقد شعرت بقبلته فتخضبت ووجنتيها بحمرة لذيذة.. ابتسمت تتمتم بصوت متحشرج إثر نومها..
-صباح الخير..
ضحك باتساع ولمعة عيناه تخبرها وتفضحه كم هو سعيد ..
- قصدك عصر الخير.. العصر أذّن من شوية..
شهقت منتفضة وتحركت من مكانها جالسة ومازالت متمسكة بالغطاء حول جزعها
تغمغم بعتاب..
-بتهزر ياكمال.. وسايبني نايمة كل ده..!
-أنا عارف انك تعبانة.. مرضيتش اصحيكي..
الوقح يلمح بكلامه ابتسامة ناعمة ارتسمت على ثغرها وهي تتذكر كيف كان لطيفا معها رقته وهدوئه، نظراته الولهة وكأنه لأول مرة يرى أمراة بقيا معا حتى الفجر لتتوسد صدره وتنام باحضانه..
اشتعل وجهها بحمرة قانية تحت نظراته العابثة المراقبة.. تهمهم بخجل..
-احم.. زمان الولاد دلوقتي...
قاطعها وهو يقترب بشفتيه من رقبتها يطبع قبلة رقيقة تلتها أخرى أرق وأطول
حاولت أن تبتعد قليلاً ولكنه تشبث بذراعها بتملك.. يهمس من بين قبلاته..
-الولاد لبستهم ووديتهم عند جدتهم عشان وحشاهم ..
وتابع غامزًا بعبث..
- عشان تفضيلي أنا وبس..
.. اعتراض واهن وهي تهمس باسمه..
-كمال....
زفر وهو على وضعه..
- عيونه..
والهاء تعود عليه والدلال لها، تقاوم، تحاول أن تتحرك من أسر ذراعيه لها
ولن يعطيها الفرصة.. دون كلمة مال يقبلها..
يكمل ما ينويه بشغف.. واشتياقٍ لها ،تبادله مشاعره وقبلاته، فيزيد ويزيد
وكأنه يعوض حرمان سنواته الماضية..
.............
.. جلسة عائلية بإمتياز.. ملتفون حول المائدة والعزيمة اليوم على شرف يارا ونجاحها بمجموع كبير، وأعدت لها فاطمة أصناف الطعام التي تحبها..
فاطمة تجلس بمقدمة المائدة بمقابلها أكرم وجوارها نيرة ويارا وقاسم..
قاسم الصامت غالب الوقت حتى وقت أن هنأ يارا اكتفي بايماءة وابتسامة جانبية،
احتضنت نيرة كتفها بحبور تبارك لها بسعادة حقيقية..
- مبروك يايارو .. مبروك ياحبيبتي..
ردت يارا بفرحة..
-الله يبارك فيكي يانونا..
هتف أكرم يشاكسها..
-آآه منك ياأروبة ميبانش عليكي أبدا انك دحيحة..
أجابت أمه تدافع..
-يارا طول عمرها شاطرة وذكية طالعة لمامتها..
تضحك وتناولها قطعة من اللحم المطهي وبعض أصابع من ورق العنب بطبقها..
سألتها نيرة بنبرة بدت غير مهتمة..
-ها.. زياد هيجيبلك هدية إيه؟
تذمرت يارا وعبست بطفولية.. تغمغم بحنق..
- لا زياد غضبان عليا مش هيجيبلي هدايا..
سألت نيرة بجدية..
-ليه..
تخبرها وقد تحولت ملامحها من عبوس لعبث..
- عشان كان اتفق معايا إني لو أقنعتك أنك ترجعيله هيجيبلي عربية ع بداية دخولي للجامعة..
انطلقت ضحكة أكرم مجلجلة، تحدث من بين ضحكاته..
- يخربيت سنينه فاضحني ف كل حته..
نظرت له نيرة بامتعاض.. ثم قالت بنزق
-مبسوط أوي طبعاً ماهو حبيب قلبك..
هتف ضاحكاً ..
- أصل بيصعب عليا.. كل ماشوف حالته بضحك..
رفعت ذقنها.. تسأله بحزن مفتعل..
-وأنا مبصعبش عليك يااكرم!
قال بشقاوة يختصها هي بها ، يغمز بعينه..
-دانا محدش واخد قلبي وقافل عليه غيرك يانونتي..
توردت ووجنتيها من تعمد مغازلته، ضحكت وقد لانت ملامحها..
- هقوم عشان أاكل ملك..
قالتها وهي تنهض من مكانها ليستكملو طعامهم.. وحديث مرح بينهما لم ينقطع سوى بسؤال عفوي القته فاطمة ليارا..
- وحنين عملت اي..؟
توقفت يد قاسم عن الطعام.. وسكن جسده عن الحركة وكأنه كان ينتظر، لم يلتفت أو يحرك رأسه ولكنه انتظر بصمت.. صمت فسره أكرم بشكل خاطئ.. فزجر أمه بحدة محذرًا بعينيه..
- ماما..!
يشير نحو شقيقه.. فارتبكت الأم وتلعثمت..
-أنا هقوم اشوف الكيكة لا شكلها اتحرقت..
وتحركت مسرعة وتبعها أكرم متعللاً بالجلوس مع صغيرته قليلاً قبل أن يخرج..
ظلت يارا بجوار قاسم الصامت.. كلا منهما يتلاعبان بطعامهما دون نية لتناوله..
قطعت الصمت يارا وهي تلتفت لقاسم.. تهمس بحزن ارتسم على ملامحها ..
- حنين هتعيد السنة..
كانت تريد اي ردة فعل منه.. ولكن عبس..
وضع شوكته جانبا.. ووقف متجاهلا حديثها..
مال بطوله قليلاً.. يربت على كتفها بملامسة طفيفة وشبح ابتسامة باردة لم تصل لعينيه..
-مبروك ع النجاح...
قالها وولاها ظهره يغادر الغرفة بل البيت كله.. تتطلع لمغادرته بصمتٍ ثقيل وألم، وبعدها عادت لشرودها وحزنها مرة أخرى...
................
. مستلقي على فراشه ممسكاً بهاتفه، والوقت تخطي منتصف الليل بساعة.. أمامه تطبيق الوتساب مفتوح.. وهي أيضاً مكتوب أنها نشط
.. لم يستطع تمالك نفسه وأرسل رسالة..
- أونلاين مع مين!؟
قرأت أمامها رسالة من زياد.. كانت تشاهد حالات الوتساب التابعة لاصدقائها بملل..
فتحت رسالته.. أرادت استفزازه فشاهدت الرسالة ولم تجب ..
وتجاهلها أغضبه أرسل أخرى بنفاذ صبر..
مبترديش ليه.. مرفقة بوجه غاضب..
ببرود كتبت.. - وانت مالك!
بعث رسالة أخرى..
- ماتتعدلي يانيرة
ثم ذيلها بأخرى .. - بتكلمي مين..؟
أعادت سؤاله إليه..
- وأنت أونلاين بتكلم مين؟
ببساطة كتب..
- لأ أنا براقبك.. مرفقة بوجهٍ يغمز..
أرسلت وجوه تضحك.. فكتب على الفور..
- دانا امي دعيالي انهارده.. ايوة كدة ياشيخه أضحكي وطريها..
ثم أكمل كتابة..
-عموماً أنا هعمل حفلة صغيرة ليارا ع أد عيلتنا.. هتيجي؟
- لأ..
دون سؤال أو مناقشة حتى.. فجابهها بالرفض..
- لأ هتيجي..
اعتدلت بجلستها تسأله..
-حفلة إيه.. لما سألت يارا مجبتش سيرة حفلة!
وأخذ مجرى الحديث لصالحه يكتب بشقاوة تقطر من بين حروفه..
- انت بتسأل عليا ياجميل؟! وارفقها بوجه به قلبين..
- طب مش تقول!!
هزت رأسها يائسة وضحكت.. أرسلت
- أنا هنام..
وكادت أن تغلق ولكنه ارسل بوجه يتوسل بكفيه..
- لأ استنى شوية والنبي إنتِ وحشتيني..
وتجاهلت..
-لأ هناام خلاص..
- طب هتيجي الحفلة صح!
- هشوف....
...................
.. "بـ شارع نورهان"..
.. كانت تقف أمام المكتبة على إحدى درجات السلم يجاورها العم حسين جارها.. ينظران أمامهما للمحل الذي عُلق على بابه للتو بأنه معروض للبيع،
بالأمس كان مغلق وأول أمس أيضآ.. الأمر غريب، حتى الأحمق سيشك بالموضوع..
قال الجار بنبرة طيبة مؤمنة..
- مش قولتلك يانور يابنتي سيبيها ع ربنا.. اهي اتحلت من عنده أهو..
كانت تنظر للمحل نظرات غريبة.. على عكس جارها، نظرات ملؤها الشك.. شك تحول ليقين وهي ترى سيارة أكرم تركن جانبا ويترجل منها بثبات وجسد مشدود، يقترب نحوهما بعد أن ألقى نظرة ذات مغزى على المحل الواقفان أمامه ثم أعادها لوجه نورهان وثبتها بنظراتها المتسائلة..
ابتسم الجار له فرد ابتسامته بأخرى مجاملة، ثم اقترب منها يحدثها دون الآخر آمراً بصرامة..
-اقفلي المكتبة دي.. وتعالى نتكلم فوق..
ترددت بوقفتها تنظر له باستغراب، فحمحم الجار بحرج يدفعها نحو زوجها..
- اطلعي انتي يانور يابنتي.. وانا هخلي بالي من المكتبة..
اومأت للجار، وسارت باتجاه منزلها بخطى سريعة مرتبكة وكان خلفها مباشرة يتبعها كظلها.. قلبها يدق كطبول من قربه هكذا فأسرعت الخطى حتى كادت أن تتعثر فيمسك بخصرها يساعدها بخشونة..
فتحت باب منزلها.. تحمد الله بسرها أنها وأخيراً وصلت إليه..
وقفت بجانب الباب تمد ذراعها له تدعوه للدخول..
- اتفضل..
دخل بتأني.. ببطء، بروية متعمداً إثارة اعصابها يرمقها من علو..
ثم تجاوزها ودخل لمنتصف صالة منزلهم.. يقف ويأبى الجلوس
خلعت عن رأسها حجابها بعد أن زفرت براحة وقفت وراؤه كان يوليها ظهره
يوزع نظراته على جدران المنزل وأثاثه ، وشعر هو بوقوفها وراؤه فاستدار
ازدرد ريقه ببطء شديد وهو يراها أمامه هكذا فستان اسود واسع يحتوي جسدها الصغير الناعم، جميلة وفاتنة بعينيها الزيتونة الذائبة ببحرٍ من العسل، وخصلاتها البنية والتي جمعتها بربطة خلف رأسها.. تمنى لو مال واستنشق من عطر رحيقها.. تذكر أنه كان يحب التلاعب به..
سحب هواء المنزل كله أصدره ثم زفره مرة واحدة.. تحدث بحدة..
- أنا مش حابب شغلك ف المكتبة واللي رايح والي جاي يشوفك ويبقاله كلام معاكي..
هكذا دون مقدمات.. يصلها من وقفته شحنات غضبه وضيقه.. رفرفت باهدابها وسألته..
-أومال هصرف أنا ومجد منين؟!
هدر بها بنفاذ صبر..
-قولتلك انتِ واخوكي مسؤولين مني، وده مش شئ جديد يعني!!
ردت تعانده..
-وأنا قولتلك شكراً وكتر خيرك لحد هنا..
وانخفضت رأسها.. تحبس دموعها في حضوره،
تنهد بعمق محاولا بعد الغضب والتوتر عن محيطه، اقترب منها.. يشرف عليها بطوله، يقول بصوت أجش..
-لو سبتها هترجعيلي..
رفعت رأسها بغتةً كطلقة رصاص، اتسعت عيناها غير مصدقة ماسمعته للتو.. ملامحها قبل لسانها تهمس بسؤال خافت وملامح ذاهلة..
-انت قولت إيه؟
أن كانت اندهشت مما قاله قيراط، فاندهش هو أربع عشرين قيراط،
لسانه وعقله يأبيان التصديق بما تفوه به، وكانت الغلبة لقلبه..
زفر نفساً حارقا أتبعه بأخر.. ورؤيتها هكذا تقف بين ذراعيه وفي محيطه أعادت له الحياة من جديد.. أعاد كلامه وكأنه يوصله لعقله ولسانه من قبلها..
-بقولك لو سيبتها... هترجعيلي..!!
...............
...انتهى الفصل. ❤️🌹
تكملة الرواية من هنا 👇👇👇
تعليقات
إرسال تعليق