![]() |
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة عواصف الغموض والحب
الجزء_الأول
بعنوان_ظلام_الذئاب
بقلم_سلمى_خالد
الفصل الحادي عشر حتي الخامس عشر
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
بدت الحيرة تُحلق فوقها، غارقة في بحور التعجب، كيف وافق بتلك السرعة، تجهلت الموضوع وعادت إلى غرفتها تستعد للحديث مع والدها بهذا الموضوع، الذي وقعت فيه، لتخوض مغامرة لن تنساها أبداً، بل ستصبح ذكرى مشؤومة!!
******
بمنزل السيد أحمد،،،،،،
يجلس شارداً، أصبح الفراغ يحتل حياته، يتسأل متي ستأتي ساعتها لينفصل عن الحياة؟، مزق تلك الأفكار صوت الهاتف، ابتسم بغموضٍ ثم مد يديه الضعيفة وأخذه ليجيب بصوتٍ مشتاق:
_ ألو يا لينو، عاملة إيه يا حبيبتي؟!
ابتسمت ليان بسعادة عند سمعها لهذا الصوت الذي ينعم قلبها الهش بالدفء والراحة، كأنها طفل رضيع ينتظر أن تنعمه أمه بأحضانها الدفئة الحميمة، أجابته ببسمة رقيقة تشعر بسعادة لم تغمرها منذ أيام:
_ أنا كويسة يا بابا، وحشتني أوي أوي أوي يا بابا، عارف نفسي أشوفك.
غصة اجتاحت قلبه؛ لتزيد من شدة ألمه فما باليد حيلة، ليهتف بنبرة متماسكة تنعم بنغمة هادئة لعله يهدء من قلب أبنته الوحيدة:
_ وأنا كمان يا حبيبتي وحشتني جداً، بس أكيد لما تحققي حلمنا هتجيلي هنا رافعة راسك، وكمان وأنتِ محققة أحلامك هيكون للسعادة طعم تاني.
هزت رأسها بهدوءٍ، ثم تحولت أنفاسها الهادئة إلى أرتباك وتوتر شديد، هامسة بصوتٍ خافت:
_ بابا...كنت عايزة أقول لحضرتك على موضوع مهم شويا!!
أجابها بغموض واضح:_
_« قولي يا لينو معاكِ»•
استنشقت قليلاً من الهواء ثم دفعته مرةً واحدة، تهتف سريعاً:
_« في واحد متقدملي هنا وهو من مصر وعايز نتجوز».
ابتسم السيد أحمد بحب قائلاً بحنو:
_ لو أنتِ موافقة عليه وصليتي استخارة وارتاحتي أنا موافق.
اتسعت حدقتيها بشدة، صدمة أُلقيت عليها؛ كمن يلقي صخرة وسط البحر صانعاً موجاً مضطرب، هل وافق بهذه السهولة؟، سؤال دار بخُلدها، فرددت بتعجب:
_بابا أنت وافقت بسرعة كده عادي!
زفر ببطءٍ شديد ثم همس بنبرة جادة:
_« أيوة يا ليان وافقت، أنا عايز أطمن عليكِ، وأكيد هرتاح لما تتجوزي وأبقي أطمن عليكِ».
لم تقتنع ليان بما قاله، ولكنها هتفت بصوتٍ هادئ:
_ خلاص يا بابا هصلي استخارة تاني.
ثم اضافت بتساؤل:
_ طب يا بابا أنت مش هتسائل عليه حتى ولا تعرف هو مين؟!
تمتم بهدوءٍ ليجيبها ويرضي قليلاً من فضولها:
_ متقلقيش يا حبيبتي، هو جه هنا وأتقدم ليكِ واما عرف إنك مسافرة قرر يسافر هناك عندك وتتجوزوا في السفارة ولما تيجي تعملوا الفرح، وأقنعني الصراحة وأنا وافقت بس لو أنتِ مش عايزة خلاص
رمشت بعينيها عدة مرات، وأنشغل عقلها بما فعله زياد وتملكها الغضب ولكنها تحكمت بنبرات صوتها لتردد بصوتٍ هادئ يحمل التزيف:
_ خلاص يا بابا، طالما حضرتك مرتاح وأنا هصلي استخارة وهقول لحضرتك كل حاجة بس شكلها كده يبقى فيه موافقة.
تنهد براحة ثم غمغم بهدوء:
_ مبارك يا بنتي وربنا يجعله زوج صالح ليكِ.
ابتسمت بسخرية واضحة، قائلة بنبرة تحمل في ثناياها السخط:
_ لا متقلقش من ناحية زوج صالح فهو صالح أوي وعنده تقوى وإيمان مش قادرة أقولك عليهم.
تعالت ضحكات السيد أحمد على سخريتها الواضحة، فأردف بخبثٍ:
_ أه لو سمعك بتقولي إيه عليه!!
ألتفت خلفها بسرعة ترى إن كان يقف خلفها أم لا؟ لتتنفس براحة هاتفه بإريحية:
_ عيب يا حاج دا أنا بميت راجل متخفش عليا.
ابتسم بسعادة فقد انتهي من المهمة الموكلة إليه، وهتف بنبرة في أطيافها الحب:
_ ربنا يريح بالك يا بنتي ويبعد عنك كل وحش.
:_ يارب
قالتها قبل أن تغلق معه لتتحول عيناها إلى غضب مميت:
_ آه يا زياد ماشي بقي مظبط أبويا، عشان يوافق وأنا أقول وافقت بسرعة كده ليه؟ ماشي!
نهضت من مكانها، ثم توجهت إلى الخارج، تبحث عنه بعينيه لتجده يجلس بثقة يضع قدماً فوق الأخرى، هاتفاً بمكر:
_ وافق ولا لاء ؟!
نظرت له بغيظٍ شديد بل كادت أن تنفجر، فأجابته بحنقٍ شديد تتمني أن تقلع رأسه من مكانها:
_ وافق..وافق يا أستاذ زياد.
هب واقفاً، يهتف ببرودٍ مُغادراً المكان:
_ جهزي نفسك بكرة عشان كتب الكتاب يا عروسة!!.
********
بشقة سهام،،،،،
تنفخ بمللٍ واضح، يجتاح قلبها الشعور بالضجر، تجلس على الأريكة تغير محطات التلفاز، لعلها تجد ما يشغل وقتها، ولكن لم تتحمل لتقف فجأة هاتفة بعصيبة:
_ لا كده كتير.. أنا كده مش هستحمل، شقة مفهاش صريخة بيومين ومعرفش حد هنا وكمان ممنوع الخروج، هكلم البت لينو..
تحركت بضع خطوات لتصل إلى المنضدة الموضوع عليها هاتفها، وسريعاً ما التقطته، تضعه على أذنيها بلهفة تنظر منها أن تجيب، ومر وقت ولم ترد، فعودت الإتصال فلم تلقى إجابة، فقطبت جبينها بتعجب قائلة بحيرة:
_ راحت فين دي؟ ليكونوا عاملوا فيها حاجة!!.
فجاة تذكرت الرقم الذي دونه جاسر بهاتفها، فاسرعت بأصابعها لتُهاتفه سريعاً وما أنا استمعت لصوته هتفت بإنفعالٍ عنيف:
_ أنا بكلم ليان يا كابتن من الصبح ومش بترد، ممكن أعرف السبب، أوعوا تكونوا عملتوا فيها حاجة هوديكوا في داهية أنتم متعرفوش أنا ممكن أعمل إيه آآل...
بتر كلماتها عندما هتف بصوتٍ عالي لتسمعه:
_ أهــــــــــــــــــــدي.. الدكتورة بخير.. ممكن بتعمل حاجة مقدرتش ترد عليكِ وقتها، لكن هتوصل معها وأخليها تكلمك دا بعيداً عن تهديدك اللي مش مرحب بيه نهائي، وأتمنى أسلوبك يكون أحسن من كده يا آنسة سهام.
تهدجت أنفاسها وتلون وجهها بحرجٍ شديد، فهو أسكتها بأسلوبٍ مهذب دون أن يلفظ بكلمةٍ سيئة، لتتحدث بصوتٍ متلثم، و أنفاسٍ متهدجة:
_ آآل أنا آسفة طبعاً على انفعالي.. بس كنت قلقانة عليها مش أكتر وحضرتك أكيد عارف إننا لوحدنا في الغربة.. فبعتذر منك يا كابتن
ابتسم جاسر بلين وهتف بنبرة هادئة:
_ مفيش حاجة ومتقلقيش أنتم مش لوحدكم في الغربة وأحنا أكيد معاكم.
ابتسمت سهام بخجل واضح مرددة بهدوء:
_ شكراً يا كابتن
قطب جبينه بإستنكار، هاتفاً بقليلٍ من السخط:
_ كابتن!!! لا قوليلي جاسر أرحم.
رفعت حاجبها بغيظٍ، ثم تمتمت بإستفزاز:
_ حاضر يا كابتن سوري قصدي يا أستاذ جاسر حلو كده؟!!
جز علي أسنانه من طريقتها، و شعر أنه يريد قتلها، فهتف بهدوءٍ مزيف حتى لا يتصدم معها، فهي بالنهاية مهمة يريد إنجازها:
_ حلو يا آنسة سهام.. حلو.
تخللها شعور بالرعب، ولكن قبل أن يغلق باغتته بسؤالٍ فضولي قائلة:
_ هو أنا عايزة أنزل وأروح المستشفى عند ليان أخرج أمتى؟!
تعجب من إرتباط سهام بـ ليان و قوة العلاقة بينهما، فأجابها بتعجب واضح:
_ تقدري تروحي عادي بس هتبلغني قبلها عشان أوفرلك حماية .
تذكرت سهام ما حدث لصديقتها، وبدأ يتسلل لقلبها الذعر فهتفت بإيجابية:
_ خلاص ماشي يا كابتن.
زفر بضيق وهتف بضجر:
_ كابتن تاني!!
ضحكت سهام بخفة وهتفت بإعتذار:
_ لا أنا آسفة في دي مكنش قصدي أقولها.
ابتسم بهدوءٍ ولم يعلق سوى بكلماتٍ صغيرة:
_ تمام حضرتك عايزة حاجة تانية؟!
صمتت سهام قليلاً ثم أجابته ببعض الحزن:
_ هو أحنا لو حبينا نرجع بلدنا هنعرف نرجع عادي؟!
لم يسود تلك اللحظة سوى الصمت، لا يعلم بماذا يجيب فبمجرد عثورهم على الميكروفيلم سيختفيان تماماً؛ لذا هتف جاسر بصوتٍ خافت:
_ لسه الأوامر مجاتش، سلام
أغلق معها سريعاً، لا يريد أن يخوض معها جولة جديدة من فضولها الذي لا ينتهي، بينما هي بقيت جالسة شاردة في كلماته الغريب، لا تعلم ماذا يحدث معها هي وصديقتها؟ ولما كل هذا؟ ومِمَنْ يأخذون الأوامر، ظهر في مخيلتها شكل جاسر، ولكنها نفضت تلك الأفكار هاتفه وهي تنهر نفسها:
_ استغفر الله العظيم إيه اللي بفكر فيه دا؟! لما أقوم أصلي ركعتين بدل ما الشيطان بيضحك عليا كده
ثم ابتسمت فجأة متذكرة حديث صديقتها ليان بالماضي
*
:_ يا ليان مش عارفة أبطل تفكير فيه أعمل إيه؟
نظرت لها بهدوءٍ وظلت صامتة قليلاً ثم ابتسمت بسعادة هاتفه وكأنها وجدت كنز:
_ بصي أنا عارفة إنك في بعض الوقت بتفكري في حياتك زي هتتجوزي وبالأخص موضوع الرجالة وبيبقى عندك رغبة قوية تتعاملي معاهم، لما تلقى نفسك كده فكري واحدة واحدة.. إن دا مخالف لأخلاقك... وكمان لدين لو نيتك إنك تتكلمي معاه عشان ترضي رغبتك، طب وكمان كلمة تجر جملة... وتجر كلام كل يوم وضحك وهزار... وبعدها لمس بالإيد وبعدها حاجات تانية ممكن توصل لطريق كلنا عارفين نهايته هتكون إيه؟ ليه تحطي نفسك في مكانة مش بتعتك؟؟ ليه تخلي باباكي مواطي راسه بدل ما يمشي رافعه طول الوقت؟، فكري في نجاحك وحياتك بلاش موضوع الجواز إلا لما يجيلك نصيبك، ساعتها تفكري فيه عشان لما ترجعي بذكريات متخجلش قدام نفسك فهمتي يا سهام، الشيطان هيحاول يفتح أي باب عشان يغلطك مهما كان صغيرة حتى لو وِسعُة خُرم إبرة برضو هتكبر، لما تلقي نفسك كل شويا بتفكري كده ورغبتك هتعميكِ قومي صلي ركعتين أو اقرئ قرآن، استغفري أعملي أي حاجة عشان تلهي نفسك لإن نفسك برضو هتكون وحشة وهتخليكي تفكري في كده والنفس أمارة بالسوء ولا إيه؟
هزت سهام رأسها وهتفت بحماس وشجاعة:
_ خلاص يا لينو هعمل اللي بتقولي عليه، وربنا يوفقني لطاعته.
احتضانتها بحب، فهي دائماً يرسلها الله لها لتنقذها من تفكير سيصل بها لطريق ليس له عودة
**
عادت سهام من ذكرياتها، لتهتف بحب:
_ ربنا يحافظ عليكِ يا لينو.
*******
بشقة السيد أحمد،،،،،
تملكه الشرود، فبمجرد انتهائه مع ليان، تذكر ماذا حدث منذ عدة أيام....
جلس ينتظر عودة طارق الذي ذهب إلى ليحضر بعض الأشياء الغير موجودة بالمنزل، يرتشف بعض الشاي، قاطع سكينته صوت جرس الباب يصدع بالشقة، تعجب قليلاً فطارق معه المفتاح، ولم يأتِ أحد لزيارته منذ زمن، إذاً من قادم لزيارته؟، تحرك بكرسيه المتحرك حتى وصل إلى الباب، وعندما حرك سقاطة الباب وجد أمامه شاب يحمل بنية جسدية قوية، يرتدي نظرته السوداء، رمش بعينيه في تعجب ثم هتف بحيرة عاقداً حاجبيه:
_ أيوة يا بني؟!
أزال زياد نظراته وكانت عينيه تلتمع بها المكر، ليردف متسائلاً وكأنه لا يعلم شيئاً عنه:
_ حضرتك الأستاذ أحمد والد الدكتورة ليان؟!
هز أحمد رأسه في حراكات متتالية، مُردفاً باستغراب:
_ أيوة أنا والدها حصل حاجة يا بني.. متقلقنيش؟!
نظر له بهدوءٌ مريب، قائلاً بنبرة رخيمة:
_ هيحصل لو حضرتك مسمعتنيش للأخر.!!
زاد قلق السيد أحمد بل شعر بالرعب عليها فنظر إلى زياد قليلاً وتراجع بكرسيه إلى الخلف هاتفاً بترحيب:
_ اتفضل يا بني أدخل.
بدأ زياد بسير خلف السيد أحمد ينظر بدقة في تفاصيل الشقة، لا يعلم من أين أته ذلك الفضول لإكتشاف تلك الفتاة ولكن كان تفكيره منصب في إشباع رغبته، فاق من شروده على صوته وهو يهتف بصوتٍ عالي:
_ أتفضل يا بني تعالي هنا.
تحرك بالإتجاه الذي صدع منه الصوت وجلس على الأريكية، فاستطرد السيد أحمد حديثه قائلاً بتوتر وقلق:
_ هي ليان بنتي مالها ؟في إيه واللي حصلها؟!
أخذ زياد نفساً طويلاً وهتف بأسفٍ مزيف:
_ جلتنا معلومات إن كل اللي حضر المؤتمر الطبي في نيويورك مستهدفين وهيتصفوا هناك ومن ضمنهم بنت حضرتك، ومع الأسف مش هينفع ترجع هنا بطيارة عادية لأنه هيكون خطر عليها.
: _ بنتي لاء مستحيل يحصلها حاجة كل إلا بنتي طب اتصرف في حل!
قالها بوجع متألماً من حديثه المقلق، تدمع عيناه بشدة، إبنته بخطر وهي بعيدة عنه بمسافة ليست هينه فكيف سيكون الدرع الحامي لها كما كان بنسبة لها، استرسل زياد باقي حديثه قائلاً في محاولة تهدئته:
_ أهدي حضرتك أنا متكفل بحمايتها بس في مشكلة واحدة عشان أقدر أرجعها
نظره له بسرعة هاتفاً بلهفة:
_ إية هي؟
نظر له زياد بمكرٍ قائلاً بخبث:
_ أني أتجوزها وحضرتك تقنعها.
صُدم بشدة من طلبه، وساد الصمت لبضعة دقائق ولم يهتف بأي شيء، حتى التمعت في رأسه فكرة، فهتف بعدها بهدوء:
_ أنا موافق.. بس تحافظ عليها دي، بنتي الوحيد.. اوعدني وعد شرف إنك تنقذها.!!
نظر له زياد قليلاً وبدأ يشعر بترددٍ غريب ولكنها حسم أمره فهي بالنهاية مهمة لابُد من تنفيذها:
_ أوعدك إنها ترجع هنا.
نظر له السيد أحمد وهتف بتساؤل ولكن لم يقل هذا الخوف الذي نهش بقلبه الضعيف:
_ هتخليها توافق إزي؟
ابتسم زياد بلطفٍ لأول مرة لشخص شعر بالألفة معه ربما خوفه على صغيرته ذكره بوالده وهو يحميه، تحدث بهدوءٍ قائلاً:
_ سيبها عليا وأنا هتصرف أهم حاجة لو اتصلت عليك وسألتك توافق.
ابتسم السيد أحمد بهدوءٍ ثم هتف بغموضٍ وهو يرى زياد يرحل، يقف على اعتاب الباب:
_ ماشي، بس قلبك هيقولك حاجة أوعي تكابر فيها، لأن الألفة اللي حستها معايا واللي قلبك اختارها معايا هتلقيها في نفس القلب بس ضعيف وهيقوى بيك فخلي بالك منه!!
نظر له زياد وتعجب من ابتسامته الغريبه وكلماته التى لم يفهمها، فرمش بعينيه ثم تمتم في تعجب:
_ قصدك إيه؟
هز رأسه ولم يتفوه سوى بجملةٍ واحدة:
_ مش كل حاجة لزماً تعرفها بسرعة في حاجات لزماً تاخد وقتها!!!
تأمل نظراته الغامضة، ثم غادر المكان دون أن يتفوه بكلمةٍ واحدة،
هز أحمد رأسه بقليلاً من الأسف هاتفاً بنبرة حزينة:
_ سامحيني يا بنتي، بس دعيت ربنا يبعتلك واحد قبل ما أموت يتجوزك ويحافظ عليكِ والحمدلله بعته.. فكان لزماً أوفق!!!
مزق تلك الذكرى، اجتياح ألم حاد بكتفه اليسرى، وكأن ذئب ينهش فيه، فصرخ مُتألماً:
_ آآآآه خلاص بكرة.. بكرة بس وليان تتجوز وأرتاح.
نظر للواقف أمامه بأنفاسٍ متهدجة، ثم أخذ منه هذه الحبة الصغيرة واضعاً إياها في فمه، مُرتشف قليلاً من الماء، فهتف طارق بعتاب:
_ متهملش في علاجك يا عمي، بلاش عشانك عشان ليان، فكر فيها!!
أغمض عيناه بألم، تتشنج ملامح وجهه بعض الشيء من الوجع؛ فلم يعمل مفعول تلك الحبة، هاتفاً بعد أن ازدارد ريقه ببطء:
_ الحمدلله إن ربنا مد في عمري عشان أشوفها مسئولة وتقدر تعافر في الدنيا، المفروض بكرة كتب كتابها على زياد.
نظر له قليلاً ثم غمغم بنبرة قلقة:
_ حضرتك واثق فيه؟!
ابتسم السيد أحمد بهدوءٍ وهتف برزانة:
_ اللي شوفته مش قليل يا طارق.. ياما اضحك عليا وياما انخدعت في ناس، فأكيد عرفت إن كان نصاب ولا لاء حتى لو بنسبة 80٪ بكرة هتعرف بقول إيه، اللي بس بترجاه من ربنا أن ليان تكمل بقيت عمرها معاه وهو يحافظ عليها ويتمسك بيها.
سأله بفضولٍ بالغ مُردداً بطفولية:
_ طب وحضرتك واثق إنه هيحافظ عليها؟؟!
ابتسم السيد أحمد بهدوءٍ متمتماً:
_ عندي إحساس بدا وإن دا نصيبها وغير كده لما جيه هنا عيناه فضحته بقي عايز يستكشف بنتي يشوف هي إيه؟ عايشة فأنهي مستوي؟ وسرح هنا؟ فعرفت إنه معجب بيها وبتمني يكون هو الزوج الصالح اللي يحميها بعد ما أموت!.
نظر له بإعجاب شديد قائلاً بحب:
_ حضرتك كنز كل كلمة بتقولها حكمة يارتني أبقي زيك.
ربت على يديه قائلاً بحنو يشعر بأنه طفله، فهو شقيق صغيرته ويعد إبنه الثاني:
_ هتبقى أحسن مني يا طارق، أهم حاجة تكون مع ليان خطوة بخطوة تحميها يا طارق، أنت أخوها الوحيد أوعي تسبها.
هز طارق رأسه وردد بصدقٍ داخلي، يعشق ليان تلك الصغيرة التى تخرجه من أشد آلامها:
_ صدقني يا عمي هعمل اللي هقدر عليه دي أختي.
ابتسم براحة وأخيراً شعر أن هذا العبء الجثيم سينزاح قليلاً من عاتقيه:
_ كده أنا مطمن عليها ومرتاح، ربنا يحميك ويحميها من أي حاجة وحشة.
**************
بقصر الألفي،،،،،،
ابتسم تأرجحت على شفتيها، وهي تراه مقبلاً عليها يتكأ على يد ابن عمه سير معه بأنفاس متهدجة، تظهر على وجهه علامات الألم، هتفت ببسمة صغيرة ولكن يثنيها بعض القلق:
_ حمدلله على سلامتك يا حبيبي، عامل إيه دلوقتي؟
منحها ابتسامة باهته، مجيباً بنبرة متشنجة تحمل بين أطيافها الألم:
_ الله يسلمك يا مرات عمي، أنا كويس الحمدلله.
نظرت متسائلة في حيرة:
_ هو ممكن يكون مين عمل كده؟
هز رأسه بتعبٍ واضح، يردد بنبرات خافتة مُرهقة:
_ مش عارف بس أعداء شركتنا كتير وأكيد حد منهم!!
لاحظت وجهه الذي بدأ يتصبب عرقاً، وصوته المتعب لتسرع في حديثها قائلة بنبرةٍ حنونة:
_ أنا جهزتلك الأوضة فوق والحمام وكل حاجة، أطلع غير ونام شويا شكلك تعبان خالص.
هز رأسه بتعب، بينما سار معه إياد إلى غرفته، فهمس بأذنيه بلهجةٍ ساخرة:
_ خدت بالك من الجيش اللي جدك مماشيه ورانا؟!
ابتسم ساخراً، ونطق بصوتٍ هامس:
_ دا أبو أسيل نفسه مكنش بيمشي وراه كل الحرس، دا المشكلة إحنا مدربين على أعلى مستوى وهو....
سحابةٌ من الحزن غيمت على عينيه، انفطر قلبه لسماع إسماها، وتغيرات ملامح وجهه، أسطورة العشق "أسيل الألفي" رحلت بعد عشق دام لسنوات، فرحل معه قلبه المتهشم. وضمرت روحه الصغير التي لم تولد سوى معاها.
عض وليد على شفتيه بندمٍ، نسي تماماً وذكر اسمها أمامه، وكأنه قام بتمزيقه لذكره اسمها فقط، أربعة حروف كانت كخنجر حاد تقطع فيها كما تشاء، توجه بحديثه الأسف له قائلاً:
_ أنا آسف يا إياد، مكنتش اقصد.
أخذ نفساً طويلاً وهتف بعدها بثباتٍ زائف:
_ محصلش حاجة، تعالي نروح الأوضة عشان ترتاح.
فهم وليد مايريده؛ لذا قرر أن ينصع لما قاله، وسارا الإثنان بطريقهما إلى الأعلى يشعر كلاً منهما بألمٍ حاد، فأحدهما يشعر بألمٍ من الفقدان، والآخر يشعر بألمٍ من الخيانة.
ساعد إياد صديق دربه ليدلف للداخل ووضعه على السرير ثم غادر الغرفة سريعاً، أراد أن ينفرد بنفسه قليلاً لعله يجد الراحة التي فقدها منذ رحيلها، تنساب دموعه دون توقف، حتى وصل لغرفته ينظر بإتجاه خزانته الخاصة، تقدم بعددٍ من الخطوات الضعيف حتى وصل لها وعندما فتح باب عشقه المُتألم، هتف عيناه كانتا بهما فيضان يصارع بعضه ممزوجٍ بالأوجاع:
_ وليد.. يا أسيل كان بيتأسف عشان افتكر أني نسيتك وهو فَكْرني، الحقيقة أني كل دقيقة وكل ثانية فاكرك، وحشني صوتك ولعبك وشقوتك في القصر، كانت الضحكة مش بتفارق القصر بوجودك... طب فاكرة كان نفسنا في بيبي وربنا رزقنا بيه وكنا بنفكر نسميه إيه...
مد يديه يزيل دموعه الحزينة، ليستطرد حديثه بصوتٍ يملؤه الحزن :
_ بس راح مننا وساعتها وقفنا جنب بعض وقوينا بعض لحد ما عدينا الفترة دي، بس أنتِ خلفتي العهد عشان قولتي إنك هتفضلي جنبي تقويني وسبتني لحد ما بقيت ضعيف، تعالي تاني وقويني يا أسيل.
جلس أرضاً، يفتته الألم، لا يعلم ماذا يفعل؟ يريد أن يلقاها مرة واحد يشبع قلبه المتعطش لها، ولكن ربما تموت القلوب ليظهر بحياتنا قلوباً آخر تدوي جروحنا فهل سيأتي ذلك القلب؟!!
*********
بداخل غرفة وليد،،،،،،،
أرجع ظهره إلى الخلف، ينام على السرير بعد مشاقة طويلة عاني منها في تبديل ملابسة، مد يديه ليبحث عن الدواء بداخل الدرج وأثناء عبثه وقعت ورقة صغيرة على الأرض، نظر لها بضيق متمتماً بحنق:
_ ناقصكي أنتِ كمان.
إعتدل في جلسته لينحني بجزعه العلوي قليلاً، يمد يده ليمسك بتلك الورقة، توقف الزمن حوله، نظرة واحدة بها، جعلت من جسده الرياضي أن يتجمد مثل التمثال، تضاربت مشاعره بين الألم والحب، بين العشق والكراهية..
ذكري وقعت في وقتٍ كانت السعادة تغمر قصر، ولكن تحولت ملامحه تماماً، وإلتمعت عينيه بعدائية شديدة، ليقبض على تلك الورق بعنفٍ شديد، يغمغم بقسوة:
_ لأخر يوم بعمري يا ندي هيفضل قلبي يكرهك، اللي عملتيه عمر ماحد لو عرفه يقدر يسامحك عليه!!!
يتبع....
بسم الله الرحمن الرحيم
#سلسلة_عواصف_الغموض_والحب
#الجزء_الأول
#بعنوان_ظلام_الذئاب
#بقلم_سلمى_خالد
#الفصل_الثاني_عشر
**********
أمام السفارة الأمريكية،،،،،
تسير بخطواتٍ متوترة، تشعر بمشاعر مضاربة، لا تعلم كيف ستتعامل معه، شعرت أن هذا البئر أصبح أعمق مما تتواقع وأنها سترى الكثير، انتفضت من مكانها عندما شعرت بيده تمسك خاصتها، يسحبها خلفه في عجلة، نبراته الباردة فتت جزءاً من قلبها قائلاً بكلماتٍ باردة مستفزة:
_ أظن دلوقتي متجوزين عشان غرض معين فملهاش لزما بقي الحركات دي.
إلتمعت عينيها بغضبٍ جامح، هاتفه بصوتٍ مُغتاظ:
_ حركات إيه يا أستاذ أنت.. مش معني إننا كتبنا الكتب يبقى المفروض عليا أعمل حاجات أول مرة تحصل معايا.
رمقها بنظرةٍ خاوية قائلاً بلهجة ساخرة لا يعلم لِمَ يريد جرحها هكذا:
_ مظنش إنك مش متعودة على الرجالة تمسك إيدك!!
اشتعلت عينيها بغضبٍ مُميت وكأنه وضع بنزين فوق ناراً مشتعلة لتزيد من لهيبها، كادت أن تتحدث ولكن سحبها زياد بعنفٍ؛ ليوقفها خلف السيارة مُخصصة لحمايتها، نظرت له بعصيبة تهدر بغضب:
_ أنت إزي تسحبني كده وكمان....
بتر جملتها صوت اطلق النيران الصدع بالمكان، فهتفت بصوتٍ امتلئ لتو بالرعب، قلبها الملتاع يكاد يقف من نوبة الذعر التي اجتاحته:
_ إيه الصوت دا؟!
أخرج مسدسه بسرعة، يطلق باحترافية على رجال ماكس، مُجيباً بسخريةٍ على سؤالها:
_ هيكون بومب العيد مثلاً قولتلك بلاش غباء.
عضت على شفتيها بقليلٍ من الغيظ، ثم همست بصوتٍ يحمل بين طياته عصبية بالغة من سخريته الدائمة:
_ حتى في اللي احنا فيه بتتريق عليا وبتشتم فيا أرحمني يارب.
بلحظة وجدته يدخل المسدسة بهذا الحزام الجلدي المثبت على جانبه بعد توقف اطلاق النيران، ينظر لها بنفس النظرات التي رأتها عندما إصطحبها من البنية القديمة، اتسعت حدقتيها بشدة عملت ماذا سيفعل بها، ولكن قبل أن تتفوه بكلمةٍ واحدة كان قد اندفع برأسه ليصيب جبينها بحركة سريعة منه، لتقع مغشياً عليها بين يديه، حملها سريعاً ووضعها داخل السيارة، ثم انطلق بسرعة فائقة قبل أن تصل إليه رجال ماكس، يبتسم بغرابة، فما كانت سوى ابتسمت ذئب ماكر!!!
**************
« زفاف أسطوري لأحد احفاد الإمبرطور بعد قصة حب طويلة متشبعة بالعشق وليد الألفي وحرمه ندي الألفي».
خبر نشرته أحد الجرائد متابعة لأخبار عائلة الألفي بعد أن حصلت على تصريح بنشر الخبر، نفق صغير دخلت منه سيارة مطرزة لزفاف ملكة العائلة "ندي الألفي" وهذا الذئب الصغير وليد الألفي، خرج من السيارة ببدلته الأنيقة، يسير بجوار السيارة بخطواتٍ واثقة، وقف أمام الباب يمد يده مُلتقط يد هذه الصغيرة التي اختطفت قلب الناظرين، بدأت الكاميرات تلتقط صور عديدة لأعين إمتلئت بالسعادة، وقلوب غمرها الحب، ليسكن العشق حياتهما.
جلسا الأثنان بالمكان المخصص لهما يبتسمان لمن يأتي لتهنئتهما، ولكن لم يخلو هذا الزفاف من همسات وليد لندي يخبرها بمدي سعادته وعشقه المكنون داخل جوف قلبه؛ لتتورد وجنتيها بحياء أنثي رقيقة، تلتمع عيناها بسعادة كانت مؤقتة!!
نزلت دمعة حارقة من عينيها، تنظر للورقة المكورة على الأرض؛ فما كانت إلا قُصاصه صغيرة من الجريدة، تذكرت مدى سعادة ابنتها، عندما حصلت على حبها الوحيد أو ربما هذا ما كانت تخبره بهِ فقط، وتخفي ما بقى، ولكن بمجرد مرور أشهر بسيطة تلقت حادث عنيف لا يعلم أحد من سببه ومتى ستفيق منه، بعد غيبوبة دامت لخمس سنوات ولا تزال مستمرة!!!
فاقت "فريدة" من شرودها المُتألم عندما شعرت بشخصٍ يقف خلفها، التفت سريعاً لتجد "وليد" خرج من الحمام للتو، فأسرعت تزيل دموعها العالقة بأهدابها قائلاً بحنان أمٍ تعشق أطفالها:
_ عامل إيه دلوقتي يا وليد؟
تحرك من أمامها جالساً على سرير، يُجيب بصوتٍ مُتعب بعض الشيء:
_ الحمدلله أحسن دلوقتي،
ثم أضاف مُتسائلاً:
_ هو حضرتِك كُنتِ بتعملي إيه؟!
ابتسمت بحزنٍ، مُتذكرة ابنتها العالقة بعالم لا تعلم ستأتي منه أم لا؟، أجابته بصوتٍ يحمل معاناة قلبها المكسور، روحها الممزقة من شدة اجتياح الألم، وضلوعها المتهشمة بقوة من الأوجاع:
_ مفيش بس كنت جايه أطمن عليك لأنك منزلتش في ميعاد الفطار ولما طلعت خبط كتير وساعتها ملقتش رد فدخلت بسرعة مخضوضة عليك ووقتها سمعت صوت المياه في الحمام وعرفت إنك فيه بس لقيت..لقيت.
بدأت الدموع تُغرق وجهها، تتساقط واحدة تلو الأخرى، تسترسل حديثها في ألم يغزو قلبها المُتهلك من العذاب:
_ لقيت ندي وهي بفستان الفرح... قلبي وجعني عليها أوي ياوليد.
أغمض عينيه بغضبٍ مكبوت، لا يعلم ما الذي عليه فعله،؟ يُخفي هذا السر حتى لا يؤلم قلبها أكثر مما يرى، فابتسم إبتسامة باهته، مُردفاً بعدها بحنو:
_ معلش يا طنط فريدة، إن شاء الله تفوق.
بدأت تحاول أن تتماسك قليلاً، فأزالت دموعها المكسورة من أهدابها، مستنشقة بعض الهواء فيطفئ نيران الألم المشتعلة بصدرها، رددت وهي تغادر الغرفة بصوتٍ مبحوح:
_ إن شاء الله يا حبيبي، أنا جهزتلك الفطار وجبته هنا كُله وخد الدوا.
هز رأسه، ينتظر خروجها من تلك الغرفة، وعندما صدع صوت أغلق الباب، ابتسم بسخرية واضحة يغمغم بسخطٍ واضح:
_ لو عرفتي بنتك عملت إيه عمرك ما هتنزلي دمعة واحدة من عينكِ بعد ما حولت تضيع العيلة بخيانتها!!!
***********
بنيويورك،،،،،
سار بخطواتٍ هادئة، يحملها بين ذرعيه حتى وصل إلى سريرها، أنحنى بجزعه العلوي ليضعها بخفة، كاد أن يتركها ولكن كانت تتشبث بذراعه كطفلة صغيرة، علامات الدهشة رُسمت على ملامحه، من تشبثها الغريب به، فأي شخصٍ يتعلق بمن يشعر معه بالأمان، وكانت أفعاله معها مخالفه لذلك، نظر لها قليلاً يتأمل ملامحها ليجد جرحاً صغيراً بجبينها، حاول أن يزيل يديها المتشبث به بقوة وذهب ليحضر شريطاً طبياً، ومطهر ثم عاد يجلس جوارها يمسح الدماء العلقة بجبينها من أثر ضربته، ربما كانت عنيفة لتفعل هذا الجرح، انتهي وهو يضع الشريط الطبي فوق الجرح، لتتشنج ملامح وجهها بألم، نظر لها قليلاً ثم مسح على الجرح بحنو غريب استشعرها، لتبدأ تشنجاتها بالهدوء وتعود ملامحها للين، تحرك وجهها يمنياً لتصبح نائمة على يديه، سحب يديه بهدوء حتى لا يُقظها، ثم خرج من الغرفة ولا يرن بأذنه سوى جملة واحدة « بس قلبك هيقولك حاجة أوعي تكابر فيها، لأن الأُلفة اللي حستها معايا واللي قلبك اختارها معايا، هتلقيها في نفس القلب بس ضعيف وهيقوى بيك فخلي بالك منه»، بدأ يفطن ما كان يرمي إليه والد ليان، ولكن لا يستطيع أن يقع بحبها فربما سيكون هو خطر عليها أيضاً.
********
تسبح بعالم ثاني ترى والدتها وهي تبتسم بحزنٍ قائلة:
_ خلي بالك من نفسك يا لينو.. أوعي تخلي الكبر يتملك من قلبه وقلبك
رمشت بعينيها عدة مرات، وهمست بحيرة:
_ هو مين يا ماما؟ وكبر إيه؟
مدت يديها الرقيقة تشير على عقلها ثم تنتقل إلى قلبها مرددة بحنو:
_ اللي عقلك بيفكر فيه دايماً واللي هيسكن قلبك علطول هيكون أول واحد تروحي ليه عشاني تقولي وجعك.
سارت والدتها تبتعد عنها، لتركض ليان خلفها تهتف بصوتٍ عالي لتلحقها:
_ يا ماما استني.. ماما متسبنيش.
اختفت تماماً من أمامها، لتبقى ليان تبكي بألم على فراقها للمرة الثانية لها.
********
بشقة السيد يوسف،،،،،،
صمت يخيم بالمكان، يتناولا الطعام بهدوءٍ تام، إلى أن مزق هذا الصمت صوت السيد يوسف مردداً بهدوء وهو يقطع قطعة اللحم القاسية:
_ ليان بقالها يومين وأزيد مش بتيجي ودا غلط على شغلها ومستقبلها المهني بالمستشفي.
تركت الشوكة من يديها بصدمة، تنظر له بخوفٍ لاحظه في عينيها بسهولة، فأردفت قائلة برجاء:
_ لا يا بابا عشان خاطري، ليان قالتلي إن عندها ظروف وغيرت سكانها والدنيا متلغبطة معاها.
ترك الملعقة من يده، ونظر لها بجدية، هاتفاً بهدوء:
_ مريم أنتِ عارفة كويس إن دا أكبر غلط عندي إنك تستهيني بالشغل وهي لسه كمان متعينة.
تحولت نظراتها كقطة وديعة تتحدث باستعطاف:
_ يا بابا عشان خاطري أصبر عليها شويا، ومتنساش إنها مش في بلدها وإنها في غربة.. أديها عذرها عشان خاطري..دي اتحطت في ظروف غصب عنها.
رمش بعينيه قليلاً، وتأرجحت الإبتسامة فوق شفتيه، مُردداً ببعض التعجب الظاهر:
_ نفسي أعرف إيه سر تمسكك بالبنت دي رغم إن معداش مدة طويلة على صدقتكم؟
أشرق وجهها ببسمة صغيرة، تتذكر ليان وطريقتها وخاصةً إبتسامتها التي تزين وجهها، فتسحر قلوب من يراها، عادت تنظر له مُردفة بسعادة نابعة من قلبها النَقي:
_ مش عارفة يا بابا.. بس في حاجة بتشدني ليها.. تحس كده إنها بنت صافية من جواها مش من البنات اللي كل يوم بتتلون بشكل عشان خاطر يخدعوك.. عينيها فيها براءة غريبة بس بتعكس اللي في قلبها.. دا كفاية لما بتشوف حد حزين وهي متعرفهوش بتحاول تخرجه من حزنه بأي شكل دا شيء لواحده يخليني أتمسك بيها.
زفر ببطءٍ ثم هتف بنبرة تحمل فخراً بصفاء ابنته أيضاً:
_ دايماً ببقى فخور بيكِ وبروحك الطيبة.. ربنا يحافظ عليكِ
ثم أضاف بجدية واضحة:
_ أنا هعمل استثناء المرادي بس وهكتفي بتحذير بس خلي بالك إن مش هينفع أسكت وأنتِ عارفة ليه!!!
هزت رأسها بحركاتٍ متتالية، تردف سريعاً بلهفة غريبة:
_ حاضر وأخر مرة دي.
منحها إبتسامة صغيرة وعاد يكمل باقي طعامه، بينما كانت مريم تبتسم بسعادة تتناول طعامها بحماسٍ شديد بعد أن أزالت لو جزءاً صغير من الخطر على صديقتها.
***********
بشقة زياد،،،،،،
رمشت بعينيها عدة مرات تشعر بألم يغزو رأسها، مدت يديها لتلامس جبينها، فشعرت بتلك اللصقة طبية الموضوعة علي جبهتها، قطبت حاجبيها باستغراب ثم بدأت تشعر بالغضب لتهتف بغيظٍ شديد:
_ حطتلي لزقة في دماغي، مفكر كده إني هنسي الرُسيه اللي ادهاني... ماشي
نظرت حولها لتجد بأن الليل قد حل وأنها ظلت طيلت النهار نائمة، اتسعت عينيها بفزع، مُتذكرة حديث صديقتها وأنها ولابد من أن تذهب إلى العمل، نهضت عن الفراش لتذهب وتخبره بأنها لابد من ذهابها للعمل بالغد، وعندما خرجت وجدته يجلس على الأريكة بإريحية شديدة يمسك بكتابٍ ما ويقرأ فيه.
:_ممكن أطلب طلب؟!!
همست بها، تفرك يديها بتوترٍ شديد تشعر أنها تخوض امتحان لابد أن تنجح فيه وتهرب بسرعة من برثنه، لم يرفع بصره لها بل ظل ينظر للكتاب الذي بيده مُجيباً ببرود مستفز لم تتعجب له بل كان يزيد بداخلها براكين الغضب :
_ عايزة إيه؟!
تحولت نظراتها من توتر وخوف إلي غضب وغيظ تريد أن تقلع لسانه الباردة والذي لا يقذف سوى كلماتٍ جارحة وباردة مستفزة، رددت بصوتٍ يحمل بين طياته غيظ:
_أنا هنزل الشغل من بكرة
أغلق الكتاب فجأة ونظر لها متمتماً بسخرية واستهزاء:
_ لاء مفيش نزول ولما تفكري تنزلي تقولي ليا بعد كده وانا يا أما أوفق يا أما أرفض.
اشتعلت عيناها بالغضب، لتتحدث بشراسة واضحة لم يسبق لها أن تتحدث بتلك الطريقة مع أحد ولكنه هو الوحيد القادر على إخراج قطتها الشراسة :
_ لاء بقولك إيه..... أنت هتعمل فيها سي السيد و هتتحكم من أولها ..أنت عارف أننا متجوزين الجوازة الزفت دي ليه فمتعملش رجل عليا ....!!!
بلمح البصر اتسعت عيناها بشدة بعد أن قفز الرعب إلى مقلتيها يرتجف جسدها أسفل يده التي تخنق عنقاها، تنظر إلى عينيه المُخِيفتان أصبح الظلام يملئهما، ترى وحشية بداخلهما، يعيش بداخله ذئب ينتظر أن ينقض على أحد ..لا بل هو ذئب متوحش.. شرس.. أسود، همساته لم تكون رقيقة بل كانت كفحيح الافاعي :
_ لو فكرتي تغلطي تاني كده حتى لو دقيقة واحدة مش هرحمك... أسلوبك يتعدل يا دكتـــــــــــــورة
كان جسدها ينتفض بكل كلمة ينطقها تغرق عيناها بالرعب، وجهها الذي لا يشع سوى بزُرقة شديدة دليلاً على أنها في عداد الموت، سقطت على الأرض تلتقط أنفاسها الضائعة بين ظلامه الذي أغرقها به، فلم تستطع أن تنجو من برثنه، علقت بذهنها شكل عيناها التي ما إن رأتها حتى شعرت بأنها لا تعيش مع إنسان عادي بل مع ذئب مفترس، هدر بها بصوتٍ عالي :
_ فــــــــــاهمـــــــــــــــــة
ترجعت إلى الخلف بأنفاسها اللاهثة تبكِ برعبٍ شديد تريد الهروب إلى صدر والدها هو الوحيد الذي سينقذها من هذا الوحش، استدار واضعاً يده بجيب سرواله هاتفاً ببرود شديد :
_ إتفضلي على أوضتك
زحفت ليان تستند على يديها تحاول الفرار، تكتم صوت شهقاتها التي بدأت بظهور لتعلن عن قلبها الذي بدأ ينزف من عنفه معها، جلست على سريرها تهتف بكلماتٍ متقاطعة تزرف الدموع بقهرٍ :
_ أنت فين يا بابا أنا.. أنا خايفة!!!
*********
بمشفى السيد يوسف،،،،،،
سارت إلى الداخل بخطواتٍ متوترة، تتخيل شكل جاسر وهو غاضب منها بسبب خروجها دون أن تُخبره، تتعثر تارة وتقع تارة من التوتر حتى وصلت للطابق المنشود وقبل أن تخطو إلى الأمام، رأت مريم تسير لداخل مكتبها، تقدمت بسرعة وهتفت بصوتٍ هامس:
_ مريم بس يا بت.
شعرت بأحدٍ يردد أسمها، قطبت جبينها بتعجب وأدارت نفسها لتجد سهام وهي مقبلة عليها، شقت الإبتسامة طريقها إلى شفتي مريم، تهتف بفرحة بالغة:
_ سهام.. عاملة إيه؟
احتضانتها سهام وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة تلفظ ببعض الكلمات اللاهثة:._
_ الحمدلله وأنتِ عاملة إيه وليان جوا؟
رفعت حاجبيها بتعجب، مردفة بسؤالٍ عنها والحيرة تتراقص بعينيها:
_ لاء ليان مجتش النهاردة وافتكرتك عارفة!!
هز سهام رأسها بالنفي، لتخبرها بتفاصيل كانت واهية عنها :
_ لا ما أنا وليان مبقناش عايشين مع بعض هي بقت في شقة وأنا في شقة.
هزت رأسها ثم سارت لداخل بصحبت سهام هاتفه بإيجابية:
_ آه عشان كده متعرفيش.. خلاص أنا كده كده هرن عليها النهاردة وكمان عشان ترجع تنزل الشغل.
تحركت سهام معاها فغرقا الأثنتان بحديثهم الذي لا ينتهي.
********
ألتقت هاتفه يستمع لشخص المُكلف بمراقبتها، لتشتعل عينيه بغضبٍ جامح، فقد خالفت أوامره وغادرت المكان دون الحرس المُوكل لحمايتها، فأمر هذا الرجل الذي ينتظر أوامره قائلاً بصرامة:
_ خليكن وراها واوعي يحصلها حاجة، لحد ما ترجع وأنا هتصرف معاها.
أغلق الهاتف وألقاه أمامه ثم قرر أن يبدأ بخططه، فهو بحاجة إليها لتساعده بتخلص من عبء وقع عليه.
********
بمشفى يوسف،،،،،،
تتعالى ضحكات مريم بشدة لتهتف بصوتٍ متقطع من الضحك:
_ مش قادرة يا سهام أنتِ عاملة زي ليان بتفصليني ضحك.
منحتها إبتسامة هادئة، مُردفة بحب:
_ بس على قد كده ليان بتخرج أي حد من المود إنما أنا لو إيه ممكن معرفش.
هزت مريم رأسها مؤيدة لحديثها يحمل في ثناياه المدح لصديقهما، ثم ضحكت سهام بخفة تهتف بخبث:
_ بس لو عايزة تضحكِ بجد هاتي أي كائن غير بشري جنب ليان وشوفي هتعمل إيه
عقدت حاجبيها في حيرة، مُرددة بعدم فهم:
_ إزي يعني؟ مش فاهمة؟
كبحت ضحكتها بصعوبة تستأنف حديثها قائلة بنبرة لم تخلو من الضحك حاولت كتمه:
_ أصل ليان بتترعب من الحيونات والحشرات لو شافت حاجة منهم مبتقدرش تتحرك و ممكن نفسها يتقطع لو الحيوان دا مشلتهوش من قدامها.
بمجرد سمعها لتلك الكلمات فركت يديها ببعض المكر ثم هتفت ببسمة خبيثة:
_ حلو أوي عشان المقالب تشتغل.
تحولت نظراتها إلى ذهول قائلة بدهشة وهي ترفع حاجبيه:
_ أنتِ متأكدة إنك من هنا يا بنتي وعيشتي هنا!؟
ضحكة صدعت بالمكتب عقب جملتها، تمد يديها لتمسح تلك الدمعة من أهدابها تتمتم بمرح:
_ يا بنتي عادي ثم أنا كل سنة أو كل سنتين بنزل مصر عشان منساش اللغة هناك وباخد ويك إند كبيرة.
حركت رأسها بفهم، لتنهض مريم عن مكانها تتحدث بحماسٍ غير عادي:
_ طب يلي بقي عشان خاطري نستغل البريك دا ونخرج مع بعض!!
ابتسمت سهام في حماس لتحمل حقيبتها بسرعة، يذهبان سوياً لأحدى المطاعم، ولكن لم تعلم بأنها ستلقي بعض الآلام العنيف التي ستقع في حياتها، فتُهشم قلبها الصغير دون رحمة.
*********
تصعد لدرج ببسمة بسيطة، تتذكر الوقت الذي قضته مع مريم ومدي مرحها، وقفت تخرج مفتاح الشقة الجديدة التي تقطن بها ليصدع صوت أصبح مألوف بنسبة لها:
_ ممكن أعرف الآنسة خرجت من غير حرس وكمان خرجت برة المستشفى ليه وقاعدة تتمرقع كل دا؟!!!
استدارت بسرعة، ثم انقبض قلبها رعباً من ملامحه الشرسة، ولكن اخفته سريعاً هاتفه في غيظ مزيف:
_ لا معلش أنا أخرج.. أدخل براحتي مش هتيجي تحكمني.
ثم ضيقت عينيه بشكٍ لتبغته بسؤالٍ:
_ هو أنت عرفت منين إني كنت في المستشفى وخرجت بعدها؟!!
زاد غضب جاسر من غبائها، ليهدر بعنف:
_ هو دا اللي همك، أنا قولتلك أنك مسؤوليتي، وتسمعي كلامي بلاش عِند في حياتك.. لو مش هماكِ حياتك تهمني أنا!!!
تلون وجهها برعب من انفعاله الشديد حتى استمعت إلى جملته الأخيرة، فهتفت بحيرة:
_ حياتي تهمك في إيه؟
نظر لها قليلاً ثم تدرك نفسه وأنه تفوه بما لا يريده ليتحدث بنبرة هادئة نسبياً:
_ مفيش حياتك مهمة لأن دا شغلي وأنتِ هتخسرهوني، وعرفت منين لأن أكيد ممشي حرس وراكِ عشان يأمنوا أي حته هتروحيها.
ابتسمت سهام ببعض الفرحة، تشعر أنها بدأت تشغل تفكيره كما أصبح هو ولكن نفضت تلك الأفكار سريعاً مرددة بإعتذار:
_ طبعاً أنا آسفة لأني أكيد مش عايزة أخسرك شغلك، وأنا كنت واخده الموضوع لعب معرفش إنه جد كده، ثانياً مش هخرج غير لما أبلغك خلاص كده
نظر لها قليلاً ثم زحفت الابتسامة لشفتيه، يتمتم بهدوء سعيد:
_ خلاص يا آنسة سهام، وبعتذر على عصبتي لكن دا لأجلك أنتِ لأنك تهمني قصدي تهمي الشغل.
تلونت هذه الجمل بالمكر، لتقع بها سهام هاتفه بخجل وتوتر واضح:
_ آه.. أعتذرك مقبول.. ممكن أدخل الشقة؟!
أشار بيده لها قائلاً ببسمة صغيرة:
_ أتفضلي.
سارت إلى الداخل تهرب من نظراته الغريبة، وكلماته الرقيقة، تتنفس براحة بعد أن غلقت الباب، بينما ابتسم جاسر بغموض ثم همس بنبرة ماكرة غريبة:
_ كده خلصنا أول خطوة !!
************
بشقة زياد،،،،،،،،
صدع صوت هاتفها بالغرفة، لتنظر له بإرهاق واضح من البكاء، حاولت النهوض عن الفراش، لتسير بخطواتٍ هزيلة، وأعين ضعيفة.
نظرت للمتصل فظهرت شبه إبتسامة على ثغرها، فمدت يدها الضعيفة تمسك به، تجيب ببعض الثبات محاولة إخفاء ضعفها وهذا الإرهاق الطاغي على ملامحها:
_ ألو يا مريم.. عاملة إيه؟
زفرت ببطءٍ غير مسموع، ثم تمتمت بصوتٍ رقيق بين أطيافه إبتسامة مرسومة على شفتيها:
_ الحمدلله، إيه بقالك كتير مش بتنزلي الشغل؟
ارتبكت ملامحها بشدة، تتذكر حديث زياد ومنعها عن العمل، لتردد بكلماتٍ متقطعة:
_ هاه طب هو ممكن أخد أجازة يعني..
قاطعتها بأسف واضح تخبره بنوعٍ من الإحراج:
_ للأسف يا ليان مش هينفع أنتِ لسه متعينة جديد ولزماً تنزلي الشغل وألا كده بابا هياخد إجراءات منعك من العمل خالص ..صدقني يا ليان أنا مكنتش عايزة كده بس دا قانون عندنا.. أنا آسفة أني بقولك كده بس مفيش حل غير أنك تنزلي.
عضت على شفتيها بألم ثم همست بحزن:
_ متعتذريش يا مريم أنا عارفة إن أنا مش ملتزمة، حاضر هحاول أجي بس قولي لدكتور يصبر بس عليا.
هزت مريم رأسها تتحدث في هدوء:
_ حاضر يا حبيبتي عايزة حاجة
: _ لا يا مريم سلام
قالتها ثم أغلقت الهاتف، تزرف الدموع على حلمها الذي بدأ بالضياع وأصبح على حافة الهاوية، مسحت دموعها بأناملها الصغيرة ثم قررت أن تخبره مرة آخر.
خرجت من الغرفة تسير بخوفٍ من رده، تتمني أنا يوافق على عملها، وصلت لطريقها فوجدته يجلس على الطاولة يحتسي بعض القهوة، وقفت أمامه كطفل مذنب يعتذر لوالدته، تهمس بصوتٍ خافت وهي تنظر للأسفل:
_ هو ممكن أنزل الشغل، أنا محتاجة أوي.. لو رفضت حلمي هيضيع ومستقبلي هيدمر.. أنا قاعدتي في البيت غلط..
ثم أضافت بعد أن رفعت بصرها له تنظر بحزنٍ مزق ملامح وجهها، قائلة بصوتٍ امتلئ بألم جامح:
_ حلمي لو مات أنا هموت معاه.
نظر لها ثم نهض عن مكانه فجأة وتقدم منها بخطواتٍ مفاجئة لها، فنظرت له برعبٍ ، سيعيد ما فعله معها مرة آخر، سيقتلها وهذه المرة ليس هناك مفر!!!
يتبع.
بسم الله الرحمن الرحيم
#سلسلة_عواصف_الغموض_والحب
#الجزء_الأول
#بعنوان_ظلام_الذئاب
#بقلم_سلمى_خالد
#الفصل_الثالث_عشر
************
تتراجع برعبٍ شديد، تضع يديها حول عنقها لتحميها من الاختناق كما فعل بالمرةٍ السابقة، تنظر له بذعر لا تريد أن ترى الظلام المتوحش بعينيه مرة أخرى، صوت مُلتاع يصدر عنها وكأن وحش على وشك أن ينقض عليها:
_ خلاص..خلاص لو مش موافق خلاص بس متخنقنيش!!
تشكلت الدهشة على ملامح وجهه، شعر بغصةٍ أليمة تُصيب قلبه، هو ليس بتلك الوحشية التي تظهر بعينيها، يعلم جيداً أن طابعه حاد، ولكن لا يصل لدرجة الرعب التى عليها الآن، هتف بهدوءٍ ينزع عنه قناع البرود:
_ ماشي ممكن تنزلي الشغل، بس مش بكرة.. بعده، ولزماً تعرفي مدير المستشفى إنك هتسبيها لأنك هتبقى معرضة للخطر أكتر.
رمشت بعينيه بعدم تصديق، هل وافق!!، نظرت له ببعض الشك ثم همست بصوتٍ خافت:
_ يعني ممكن أروح الشغل عادي مش هتزعقلي ولا هتخنقني!
نظر لها قليلاً، يتأمل وجهها الذي يشع بالحمرة من البكاء، ملامحها التي بدأت أن تهدأ ليختفي الذعر عن ملامحها تدرجياً، فأجابها بنبرة هادئ اسكنت قلب تلك البريئة بل أزلت جزءاً من الآلامها:
_ لا ممكن تنزلي الشغل عادي بس هكون معاكِ في أي حتة.
السعادة تقفز بحدقتيها، تشعر ببهجة غريبة تطوف حولها، نظرت له بإمتنان وسعادة اخترقت هذا القلب المتجمد فانصهر جزءاً كبيراً من هذا الجليد:
_ شكراً شكراً بجد يا زياد، متعرفش أنا فرحانة إزي.
منحها ابتسامة صغيرة، تعجبت هي من ابتسامتها، لتستدير عائدة إلى غرفتها ولكن قبل أن تترك المكان، اردفت قائلة ببسمة صافية اهتز قلبه لأجلها، جعلت من روحه أن تنشغل بها أكثر من اللزم:
_ شكراً وعمري ما هنسى دا.
استدارت بجزعه مرة آخر ولكن همست بصوتٍ منخفض:
_ بدأت أحبك يا زياد.
اختفت من أمامه لتبدأ بالقفز مثل الأطفال تشعر بسعادة غريبة اجتاحت قلبها، بينما وقف زياد يراقب كل حركاتها ليبتسم ببعض الحزن عندما لحت عليه تلك الذكرى...
****
: _ عشان خاطري يا زيدو عشان خاطري
نظرات البرود تتراقص بعينيه، فهتف بابتسامةٍ صفراء:
_ اهو عشان خاطر زيدو دي مش موافق.
نفخت بغيطٍ شديد، تغمغم بغضب طفولي:_
_ ليه بقي أنا عايزة أنزل معاكم الشغل، زي جدو وانا قولتله قالي موافق بس شوفي زياد.
تحولت نظراتها للبراءة تهتف برجاءٍ واضح:
_ عشان خاطري يا زياد عايزة انزل معاكم لو مرتحتش أو لقيت ظهر عليا تعب أبقي قاعدني تاني في القصر وأنا هسمع الكلام.
تنهد قليلاً ثم مد يده ووضعها على وجنتيها قائلاً بحنو:
_ خلاص يا ست ندى موافق، بس ترسمي بقي ليا صورة حلوة كده هقولك عليها عايزك ترسمي الجنينة بتاعتي الخاصة في لوحة ماشي
صفقت بيديها لتقفز بأحضان أخيها تهتف بفرحة:
_ شكراً شكراً يا زياد ومن عينيا هرسملك الجنينة السرية بتاعتك.
نظرت له بحب ثم همست بسعادة:
_ بحبك أوي يا زياد.
راقب السعادة الظاهرة بعينيها وصوتها الذي صدع بالقصر يعلن عن سعادتها البالغة لم يعلم أحد أنه كان قرار هلاك حياتها، وسبب في خيانتها للعائلة وضياع الشركة، فلم يلاحظ مكرها وهي تحصل على الموافقة منه لأجل غرضها الخفي.
عاد لأرض الواقع ينظر إلى غرفة ليان ثم همس بصوتٍ خفيض:
_ فيكِ كتير من ندى يا ليان وهو دا سبب اللي مخليني متعلق بيكِ، وشكلي كده مش هقدر أكَبِر، كل مرة بتخليني أتغير من نقائك، وأحبك لطبيتك!!!
***********
بمشفى الألفى،،،،،،
صوت يصدع بالغرفة، خمس سنوات لا يصدع صوت سوى صوت الأجهزة المرتبطة بتلك القابعة على الفراش، لا يعلم أحد متي ستفيق من غيبوبتها؟!
ابتسامة خبيثة ظهرت على محياه، تلتمع عيناه بالشر، يردد بصوتٍ فحيح من أسفل لاثمه، وكأنه سُم يسير بالجسد:
_ السبب الوحيد اللي مخليني سيبك عايشة أخوك وفي النهاية هتكون نهايتك الموت زيه !!!!
بدأت تتشنج بجسدها، وكأنها تري حلماً مرعباً، صوت الأجهزة يعلن عن مؤشرات لا تبشر بالخير حتى صدع صوت صفرة تخبرنا عن توقف قلب تلك النائمة بعالمٍ آخر.
رمقها بنظرة ماكرة تفوح بالشر، ثم غادر الغرفة قبل أن تعج بالأطباء، وما كانت إلا ثوانٍ وامتلأت الغرفة بالأطباء، فأمسك كبير الأطباء " مجدي" الجهاز الكهرباء، وبدأ بالقيام صدمات كهربائية يهتز جسدها بعنف بسببها حتى عاد النبض مرة أخرى، ليتنفس الجميع براحة غير معهود، نظر مجدي للجميع، يهتف بتحذير قوي:
_ ممنوع زيارة الفترة دي لحد ما اسمح أنا، وخلوا بالكم جداً وجيه الألفي لو عرف حاجة هينسفنا من على وجه الأرض، خلي الليلة دي تعدي على خير.
هز الجميع رؤوسهم برعب، يعلمون جيداً تحذيرات أو بمعني صحيح تهديدات وجيه الألفي لهم، بينما تتشنج معالم وجه القابعة بالفراش ثم بدأت تهدأ عندما شعرت بعدم وجود الخطر.
***********
استيقظت من الصباح الباكر تستعد لذهاب مع مريم في نزهة ترفهية، فذهبت سريعاً لتحمل حقيبتها وتضع بها الهاتف ولكنها وجدت رسالة صغيرة بها تخبرها بأنها سكون بالمشفى لأجل حالة واحدة، وأنها ستكون هناك بالمشفى، فقررت سهام أن تمر عليها بعد مراسلتها لها تخبرها أنها ستأتي إليها، وحملت حقيبتها سريعاً ثم خرجت من الشقة لتسير بخطواتٍ متعجلة حتى خرجت من المنزل الذي تقطن به لتجد جاسر يقف أمام الباب يرتدي نظرته السوداء وبدلته المتألقة، نظرات له بتعجب واضح ثم بغتته بسؤالٍ غريب:
_ بتعمل إيه هنا؟
ازل تلك النظارة وهتف بسخرية:
_ طب حتى قولي صباح الخير
تلون وجهها بالحرج الشديد، وهتفت بصوتٍ محرج:
_ أنا آسفة.. صباح الخير.
تراقص المكر بعينيه، وهتف بخبث:
_ صباح الحب
توردت وجنتيها، وبدأت تشعر بشيءٍ يدغدغ قلبها ولكنها تذكرت حديث صديقتها وهي تقول« اوعي تعلقي قلبك بواحد هو لسه مختاركيش ولا اتقدملك رسمي، حتى لو لمح بدا لزماً يتقدم رسمي، الجوهر عشان الانسان يحافظ عليها لزماً يتعب فيها» صمتت قليلاً ثم تمتمت بجمود:
_ حضرتك بتعمل إيه هنا!
نظر لها قليلاً وتعجب من تغيرها المفاجئ ولكنه أجاب بهدوء وعقله مشغول بسبب جمودها المفاجئ:
_ شكيت إنك هتخرجي من الصبح فقررت أسبق عشان أكون معاكِ، واوفر الحماية بتاعتك
هز سهام رأسها بتفهم، ثم مشت بخطواتٍ صغيرة لتصعد إلى السيارة التي فُتح بابها، لتدلف لداخل بسهولة، ضيق جاسر عينيه وبدأ يفطن ما الذي عليه فعله بعدما وجدها تتحاشى النظر إليه!!
************
بمشفى اليوسف،،،،،
تجلس بمدخل المشفى بقرب من ( الاستقبال) تنظر لهذه الممرضة بمللٍ واضح، تعلم جيداً نوياها الخبيثة في الحصول على شابٍ يحمل الوسامة والمال، نهضت سريعاً عن مقعدها عندما رأت أقبل سهام عليها وخلفها مباشرة شاب يرتدى نظراته السوداء وزي الحرس الخاص، لفت انظار الجميع وكان بما فيهم "مايا" الممرضة التي تتدلل على الأطباء، نظرت إلى ملابسها سريعاً واعادت ترتيبها ثم وارجعت خصلات شعرها للخلف لتبرز جمال وجهها ونقائه، وتقدمت بضع خطوات ثم هتفت بصوتٍ رقيق، وهي ترى سهام تتحدث مع صديقتها مريم وخلفها هذا الحرس " جاسر":
_ هل يمكنني مساعدتك؟!
براكين الغضب بدأت أن تشتعل بقلب سهام عندما استمعت لتلك الخبيثة وهمسات أنثى ماكرة التي أظهرتها، فتخبط وجهها بالغضب وكأنها على وشك قتل أحد.
لاحظ جاسر مكر تلك الفتاة وكاد أن يرفض ولكن نظرات سهام المشتعلة بالغيرة والغضب جعلته يبتسم بخبث، فلن يمنع نفسه في قليلٍ من المرح، تمتم بصوتٍ جذاب:
_ نعم، أريد المساعدة.
اتسعت ابتسامة مايا بفرحة عارمة، بينما ألجمت الصدمة سهام ، تتسع حدقتيها بشدة ثم هتفت بعد أن فاقت من الصدمة قائلة بصوتٍ غاضب يحمل بين طياته غيرة:
_ نعـــــــــــم يا خويا تُريد إيه؟!!
تعالت ضحكات جاسر بينما تأملته مايا بإعجاب زائد فمدت يديها لتضعها على كتفه تزيد من إغرائه، ولكن أعاق حركتها أمسك سهام ليدها تهتف بابتسامةٍ صفراء:
_ نحن آسفون ولكن لا يصح أن يمس رجالاً نساء أغراب.
نفضت مايا يديها بعيداً وهي تشعر بالحرج والغيظ في آن واحد، ترمقها بنظراتٍ مُغتاظة وغادرت المكان تغمغم ببعض الكلمات الغير مفهومة، فأردف جاسر بخبث:
_ مشيتيها ليه كنت عايز مساعدتها!!
ابتسمت سهام ببرود، ونظرت له باستفزاز قائلة بنبرة باردة:
_ يلى يا بابا من هنا معندناش رجالة تطلب مساعدة من حد غريب وكمان ستات، أتفضل على البيت جري.
تعالت ضحكات جاسر، وأجابها وهو يغادر المشفى:
_ انا همشي يا مجنونة ولما تخرجي عرفيني عشان منتخنقش.
غادر المكان وهو يبتسم فقد اعجبته تلك الغيرة، وشعر بسعادة غريبة لم يشعر بها من قبل وكأنه كان بصحراء خالية من الماء فتعطش قلبه لسعادة وها هو يرتشف منها على يد من سكنت روحه.
تنفست براحة شديد بمجرد اختفائه فهمست بغضب:
_ البت هتشقطه عيني عينك.
صدع صوت مريم تجلس على المقعد تدمع عيناها من شدة الضحك، فالتفتت لها سهام تبغتها بسؤالٍ وقد تلون وجهها بالحرج:
_ وهو أنتِ هنا من أمتى؟!
غمزت لها مريم تردد بمكر:
_ سيبك أنتِ أنا هنا من أمتى، مين الكابتن اللي خلكي قلبتي كده وبقيتي تنين مجنح كده ؟!!
ضربتها سهام بخفة فوق كتفها تغمغم بغيظ:
_ تنين مجنح في عينك اتلمي.
وضعت مريم يدها تدلك موضع الصفعة التى فعلتها سهام تُرمقها بنظراتٍ غاضبة، فاستطردت سهام في هدوء:
_ دا الحرس المفروض بتاعي وكمان ليان ليها واحد.
تحسرت مريم وهي تنظر لسهام وهي تهتف بتأثير مزيف:
_ يابختكم دا مافي دكر بط بصلي.
بسطت سهام يدها بوجهها، قائلة بصوتٍ مُضحك :
_ الله أكبر في عينكِ يا شيخة ثم الحرس دا بسبب المؤتمر اللي ليان حضرته فعشان كده الحرس موجود أول لما نتأمن هيسبنا.
هزت مريم رأسها بعد توضيح سهام، فسألتها بفضولٍ واضح:
_ طب بتاع ليان شكله كده زي بتاعك كابتن في نفسه؟؟!
هزت رأسها بيأسٍ يصاحبه ضحكة يأسى:
_ يا بت أهدي، بتاع ليان أنا نفسي مشفتهوش أصلاً، بس الحرس بتاعي بقي لو سمعك بتقولي كده مش بعيد يقتلك مش بيحب حد يقوله يا كابتن بيتعصب.
تراقص الخبث بعينيها، عندما فهمت سهام، لتهتف بمكر واضح:
_ آآآآه عشان كده أديتي مايا على دماغها.
حركت رأسها بإيجابية، تتمتم بجدية:
_ أيوة أصلها مش أخلاق منحرفين.
ضحكت على مزاح صديقتها ثم اطلاقا إلى نزهتهما، تشرق الابتسامة على وجههما، كشمس شقت الظلام بأشعتها لتبرز جمال الأرض.
**********
تمر ساعات النهار ليعاقبها ظهور الليل، لتلفح نسمات الهواء الباردة وجه الناس المنهمكة طيلت النهار. فتسير الراحة بأجسادهم بعد عناء النهار.
تجلس على السرير بإريحية شديدة فبعد دقائق ستخلد للنوم ولكن قررت أن تخاطب ليان لتعلم متي ستعود للعمل؟، و ماهي إلا دقائق حتى اجابتها ليان وهي تثرثر معها بمدى اشتياقها لها ورغبتها برؤيتها، تحدثت سهام بسعادة وهي تنطق:
_ يعني أخيرا هتنزلي الشغل بكرة؟!!
هزت ليان رأسها وابتسامة صافية لحت على شفتيها متذكرة موافقة زياد لطلبها بعد معاناة، لتهتف بصوتٍ رقيق:
_ آه أخيراً إفراج وعايزة اشوفك عشان وحشتني جداً أنتِ ومريم.
اجابتها بحب وكأنها شقيقتها وليست صديقة:
_ وأنتِ اكتر يا ليان وحشتيني اوي صوتك وشكلك حتى ابتسامتك، نفسي نخرج زي الأول بأمان في مصر
ابتسامة حزينة عرفت طريقها لتنحت نفسها على شفتيها، تمتمت بخفوت بنبرة عاد إليها الحنين:
_ آه فاكرة لما كنا نرجع من الدرس، وكان يوم التلات بذات نحوش فيه عشان الاربعا اجازة ونروح نشتري أكل و شيبسي جديد وناكل بالطريق.
ضحكة صغيرة خرجت من بين شفتيها تهمس بسعادة غريبة:
_ آه كانت أيام جميلة بجد يا لينو
زفرت ليان بصوتٍ مسموع وهتفت بمرح:
_ يلى بكرة أرجع وأعيد أمجادي العظيمة وبذات بتاعت الجامعة
لم تتحمل سهام، لتدمع عينيها مما قالته تحاول الحديث من وسط ضحكها:
_ أمجادك العظيم يا بنتي دا أنتِ شردتني أول يوم كلية.
اتسعت عينيها بذهول وكأنها لم تفعل شيء:
_ أنا!!
ضيقت سهام حدقتيها بغيظٍ وهتف وهي تعض على شفتيها:
_ أيوة بالأمارة مين جريت وراها بالجزمة أول يوم كلية .
:_ هاه
قالتها ليان بحرجٍ شديد، لتكمل سهام بنصر:
_ ومين اللي ضربت البت بكتفها لما فرمتيها وعملتي مش واخد بالك.
حكت ليان جبينها ثم حمحمت بصوتٍ عالي:
_ أحم..
لتضيف سهام بصوت يشوبه سعادة شامتة:
_ ومين اللي الواد خبط فيها من غير قصد وشتمتيه بالبجم وتور وطلعتي جريتي وسبتيني لوحدي و.....
بتر جملتها صوت ليان تصرخ بها:
_ خلاص كفاية فضحتني!!
ابتسمت بشماتة تهتف ببعض النصر:
_ أيوة كده اتظبطي قال أمجاد قال.
تلون وجهها بالحُمرة شديدة، لتهتف بغيظٍ مكتوم:
_ غورري يا بت أنا غلطانة أني رديت عليكِ.
تعالت ضحكات سهام وهتفت بضحك:
_ سلام.
*************
أنتهى الليل بما فيه من ذكريات، ليعود إلينا النشاط بصباح يوم جديد أعلنت عنه الشمس عندما قيضت خيوطها الظلام الذي دمس للأرض وضمرها للأسفل.
وقعت على الأرض وهي تسرع في إرتداء حذائها وتعقد رابطه، وبعد أن انتهت خرجت سريعاً وهي ترتدي حقيبتها النسائية، رفعت بصرها لتقع على زياد وزوقه الرفيع في ارتداء ملابسه، فاقت من شرودها الذي طال لعدة دقائق على صوته الساخر:
_ هتفضلي متنحة كده كتير.
نظرت له بحرج، لتتحرك من أمامه تهمس بداخلها:
_ شوف يا أخي ربنا رزقه بالوسمة والغتاته في نفس الوقت، أنا جبهتي باظت من كتر القصفات.
غادر الأثنان الشقة وبسرعة فائقة، ليصلا للمشفى وقبل تسير ليان خطوة واحد لداخل، كان زياد يمسك ذراعها بسرعة يوقفه بجانبه ثم سحب يديها سريعاً ودخل بها للمشفى.
كانت الأنظار تلتف حولهم ومن بينهم عينان خبيثتان تريد إيقاع هذا الوسيم بشباكها، لتهتف "مايا" بمكر:
_ لابد من أن أحصل على هذا الوسيم الثري!!
دخلت ليان بقسم الخاص بها لتجد مريم وسهام يجلسان بخارج المكتب فهتفت هي بابتسامة واسعة:
_ صباح الخير
تحولت ابصار الاثنتان لصوت الصادر ونهضا سريعاً يحتضنها بحب واشتياق، فتهتف سهام بسعادة:
_ وحشتني أوي يا لينو.
ربتت على كتفها ثم همست بحب:
_ وأنتِ كمان يا سوسو، أنتم الاتنين وحشتوني.
ابتسمت لها مريم ولكن سرعان ما اختفت هذه الابتسامة عندما ظهر زياد، يقف خلف ليان مباشرة، لاحظت ليان نظرات مريم الغريبة والمصوبة خلفها، التفت بتلقائية لتنظر لما خلفها فوجدته زياد، رددت بتعجب واضح:
_ في حاجة يا زياد؟!
وضع يده بجيب سرواله وهتف ببرود مزيف:
_ لاء روحي على مكتبك وانا هفضل هنا ومش عايز نقاش في كلامي.
لم تستطع الرد وأومأت إمأه صغيرة ثم غادرت إلى مكتبها بينما رمق زياد مريم نظرات متعجبة عندما لاحظ نظراتها التي لم تُزل من عليه، عاد يجلس مكانه فأخبرت سهام صديقتها بأنها ستأتي بوقت الراحة.
ولكن قبل أن تغادر سهام رأت مايا وهي مقبلة على زياد لتسرع بخُطاها إلى ليان لتخبره سريعاً فهتفت بصوتٍ متهدج:
_ ألحقي يا لينو في واحدة عايزة تشقط منك زياد
قطبت جبينها، ونظرت لها بتعجب، ثم خرجت من مكتبها برفقت صديقتها لترى مايا تعيد خصلاتها للخلف وترسم وجه البراءة علي ملامحها ببراعة، نظرت بسخرية واضحة وهتفت بسخط:
_ دي اللي هتشقط..
هزت سهام رأسها، لتسترسل ليان حديثها في سخط:
_ كان القرد نفع نفسه.
تعجبت سهام من حديث صديقتها فهتفت بحيرة:
_ هو أنت مش معجبة بيه وكمان جوزك!!
هزت ليان رأسها وأجابته بوهن تشعر وكأنها بمتاهة ليس لها نهاية:
_ مش عارفة يا سهام بس الوحيد اللي لما بشوفه بتلغبط كده ببقى عايزة اتكلم معاه واجري عليه واحكيله كل اللي وجعني ومش قادرة اقوله لحد، أسلوبه بس اللي بيبعدني عنه منكرش اول لما شوفته كنت متغاظة من اسلوبه لكن فيما بعد من عشرتي اليومين اللي فاتوا حسيت بكده.
غمزت لها بخبث وأردفت قائلة بمكر:
_ يبقى الصنارة غمزت.
ثم أضافت بتحذير:
_ طب روحي ألحقيه قبل ما يتشقط والرجل بيبقى سهل الشقط بعد الجواز.
ابتسمت ساخطة من حظها وهتفت بسخرية:
_ مش لما اشقطه أنا الأول دا كل مرة يديني قصف جبهة لما طير جبهتي خالص.
رمشت بعينيها في دهشة، لتكمل ليان بابتسامةٍ صفراء زادت من تعجب صديقتها:
_ لو هي جدعه خليها تاخده وأنا موافقة، وادي دقني أهيه أما مدهاش قصف جبهة زي اللي بيدهملي.
لم تفهم سهام عن ماذا تتحدث ولِمَ لم تقلق على زوجها، فأشارت ليان بيدها لتخبرها بأن تشهد
بالمقرب منهن كان زياد يجلس يعبث بهاتفه، لتهتف مايا بنبرة رقيقة للغاية تخفى نواياها:
_ هل تريد أي مساعدة؟!
رفع زياد بصره عن الهاتف ينظر إلى مايا وابتسامتها المرفقة معها، ليهتف ببرود يعرف نواياها:
_ إن كنتِ تريدين أن تقضي وقت مع رجل، فلست أنا أذهبي لملهى ليلي هو يصطحب اشكالك.
اصطبغ وجهها بالحمرة والعديد من الألوان بعدما قاله، تشعر بالحرج الشديد مما قاله لتفر هاربة من أمامه تجر قدميها بصعوبة بعدما قاله، في حين نظرت ليان لها وهتفت ببسمة باردة:
_ فهمتي؟!!
نظرت لها قليلاً، فطريقة زياد مع مايا كانت عنيفة بعض الشيء ربما هي تستحق ولكن هل يعامل صديقتها الرقيقة بتلك الطريقة، تسألت بحيرة:
_ هو بيعملك كده؟!!
تلقائية توجه بصرها نحوه وهي تقول:
_ هو بيعاملني كده بس وقت بحس أنه بيصطنع الأسلوب دا ووقت أحس أنه حنين جداً لدرجة أنك تنسي الدنيا معاه ووقت بحس إن دا أسلوبه، حاجات كتير بحسها معاه بس اللي متأكده منه أن في حاجة خلته يبقى بارد كده، الحنية اللي شوفتها من مرة قبل كده خلتني عرفت إنه قلبه فيه وجع وعايز اللي يدويه.
ربتت سهام على كتفها وهتفت بهدوء:
_ ربنا معاكِ يا حبيبتي واستعملي خبرتك الطبية، أصل مفيش إنسان بارد دا بيبقى موجوع ومش قادر يتكلم لدرجة تخليه بيبقى بشكل دا، دوي جرحه بحنيتك يا ليان ، خليكي النفس اللي يتنفسه، وهو في النهاية جوزك يعني تقدري تتصرفي بحرية بدون قيود.
غادرت سهام المكان بينما غرقت ليان ببئر أفكارها الذي لا ينتهي بل ازداد عمقه، وكأنها قررت أن تسبح في المحيط وغرقت فيها، فماذا ستفعل؟!!!!
****************
رفع يديه يدلك رقبته، بعد أن نظر لشاشة مدة طويلة يتأكد من عدم وجود المافيا، نظر امامه ليُفتح الباب المكتب الخاص بليان ليجدها تبتسم بعملية تتمتم ببعض الكلمات الامريكية للشاب الذي يقف أمامها، تخلله الشعور بالضيق من ابتسامتها لهذا الشاب، فهمس بضيقٍ شديد:
_ يارب عدي اليوم دا بدون ما ارتكب جناية.
غادر هذا الشاب بينما نظر زياد إلى ليان يراقب حركاتها وهي تخبر السكرتيرة بأن تدخل العميل التالي، ولكنها لاحظت نظراته المصوبة نحوها، لتتورد وجنتيها بخجل لا تعلم ماذا عليها أن تفعل؟ إلى أن قررت دخول المكتب وهي تفكر ماذا ستفعل معه لتُعالج تلك الندوب المكنونة بداخله.
يتبع.....
بسم الله الرحمن الرحيم
#سلسلة_عواصف_الغموض_والحب
#الجزء_الأول_بعنوان
#ظلام_الذئاب
#بقلم_سلمى_خالد
#الفصل_الرابع_عشر
**************
أصبحت مشاعرها مُتضاربة تشعر بالخجل، الخوف، السعادة، الكثير من المشاعر التى ملأت قلبها، فجعلت من دقاتها تزداد، نظرت لساعة لتجد أنها على وشك الرحيل، تنفست قليلاً في محاولة تهدئت أنفاسها المتهدجة من نظراته التى كانت المصوبة باتجاهها ولاتزال عالقة بمُخيلتها، حملت حقيبتها ثم غادرت من المكتب لتتقدم إلى زياد بخطواتٍ متوترة تشعر ببعض الارتباك الذي احتل خلايا جسدها.
رددت بصوتٍ جاهدت في اصداره:
_ أنا هروح لمكتب الدكتور يوسف عشان الإجازة وكده وهحاول اتفاهم معاه.
هز رأسه بهدوء قائلاً بصوتٍ أجش:
_ روحي وأنا هتنظرك قدام المكتب بتاعه.
ابتسمت ليان بخفة وذهبا سوياً لمكتب الدكتور يوسف، حتى اخبرت السكرتير الخاص به وسمح لها بالدخول، حاولت التفوض معه ولكن انتهى الأمر أن لابد منها أن تحضر إلى المشفى باستمرار، وإن غابت عن العمل ستُرفد منه، تنهدت قليلاً وهي تنظر من زجاج السيارة للطريق والامطار التى تهبط من السماء وكأنها شعرت بها فأرددت البوح عما بجوفها، فربما لايشعر الإنسان بغيره، فيبقى يتألم من أوجاعه وضغوط الحياة، فتشعر الطبيعة بما في جوفها وتبوح عنه كما تشاء لعلها تريحه قليلاً، فسماء تهبط بأمطارها لتغسل قلوبنا المُتألم والرياح تلفح وجهنا لتُساعدنا على التفكير ماذا سنفعل بعد ذلك؟!!
***********
جلس زياد برداهة الشقة يتأكد من عدم مراقبة المافيا لهم عن طريق الكاميرات المثبتة بالطريق والتي تستعرض له الطريق من خلال هاتفه المحمول، نهض عن مكانه ليذهب لغرفة ليان يرى ماذا تفعل الآن، ويتأكد من أنها لاتزال لا تعلم شيء عن الميكرو فيلم، طرق على الباب الغرفة وعندما سمع صوتها لتسمح له بالدخول، فتح الباب بهدوء ونظر قليلاً للداخل فوجدها تجلس على السرير ترتد ملابسها المحتشمة، ترفع خصلات شعرها للأعلى على شكل "كعكة"وتنثر بعضها على وجهها، تبتسم بسعادة للصندوق الموضوع أمامها، فاق من تأمله على صوتها وهي تنظر بصفاءٍ، تشير بيدها له على السرير، تخبره بصوتٍ هادئ:
_ تعالى يا زياد أقعد هنا.
ظل يتأملها قليلاً ثم استجاب لندائها وذهب ليجلس على السرير بمواجهتها لا يفصلهما سوى هذا الصندوق الصغير، بدأت ليان تفرغ محتوى هذا الصندوق شيئاً فشيء وهي تسرد حكاية ما يحمله الصندوق لتهتف وبين يديها سلسلة صغيرة تحمل اسمها، ابتسامة صافية حملتها شفتيها لتضيف لها جمالاً ليس شكلاً ولكن أظهرت روحها الناقية؛ كالرضيع الذي يبتسم وهو نائم، فنعتقد أنه يرى الملائكة:
_ السلسلة دي بابا جبهالي لما نجحت في خمسة ابتدائي وشلتها من وقتها كانت هدية غالية عليا وبحب دايماً اشيل تذكرات كده لذكريات الحلوة عشان وقت زعلي افتحها فتهون عليا.
وضعت تلك القلادة جانباً، لتبدأ بتجميع الأوراق النقدية تهمس بفرحة وكأنها تعيش هذه الذكرى مرة أخرى:
_ كنت كل عيد لزماً أشيل جنيه.. خمسة جنيه.. اللي يفضل من العيدية بتاعتي، وأكتب عليها اليوم والتاريخ وأنهي عيد ومن مين، صحيح هي معظمها جنيهات وصغيرة بس دي بالدنيا أحياناً الحجات البسيطة والرخيصة بتبقى أغلى مليون مرة من اللي فلوسها أغلى وبتبقى مش حلوة.
وضعت العملات النقدية بجانب القلادة وهتفت بنبرة رقيقة اهتز هذا القلب من بين ضلوعه واخترق الجليد المكنون بداخله:
_ عشان كده يا زياد، لما بفتح الصندوق دا بنسى كل همومي، حياتي مرتبطة بيه أوي.
عادت بنظرها لصندوق، لترى ماذا ستخرج منه، بينما ظل هو يتأملها شعر وكأنه وقع مع من ستدوي جروحه التي صنعها الزمن، براءتها، طيبتها، ابتسامتها، نقائها، تحمل الكثير، بتلك اللحظة فطن بأن قلبه أصبح متعلقاً بها لم يمل بالمرة من الجلوس معها، أهذه هي الألفة التي أخبره بها والدها، عاد من تفكيره لصوتها وهي ترفع ميدالية خشبية مصنوع على شكل آلة "الكمان"، بسيطة للغاية مصنوع باحترافية شديدة، هتفت هي بصوتٍ غريب يحمل بين طياته الحنين:
_ دي بقى أغلى شيء في حياتي، كل شيء يهون إلا المدالية دي.
تدريجياً تحولت نظراتها من سعادة لبعض الحزن لاشتياقها للماضي، فأكملت بنبرة متألمة انصهر معها جليد قلبه:
_ ماما الله يرحمها كانت نحاتة شاطرة وعشان أنا وأنا صغيرة كنت قصيرة ومش هعرف اشيل الكمان، ماما عملت ليا الميدلية دي لأني كان نفسي اشيل الكمان أوي.
اغرقت عينيها بدموع لتفيض منهما تحتضن وجنتيها برقة، بينما تعمق زياد بنظره لها فلم يجد سوى موجاً مضطرب، لقيت من الحياة نصيب في الألم، مدت أناملها الصغيرة تزيل الدموع من أهدابها، ثم نظرت له عندما لم تسمع من كلمة، لتجده يرمقها بنظراتٍ غريبة ليست باردة ولكنها غريبة لم تفهم معناها، توردت وجنتيها بخجلٍ واضح من نظراته، لاحظ زياد خجلها بعد أفقته، ليبتسم لأول مرة أمامها هاتفاً بهدوء ولا تزال تلك الابتسامة تعلو ثغره:
_ أنا هخرج دلوقتي عشان ترتاحي وبكرة هنتظرك للشغل.
غادر الغرفة وقبل أن يغلق الباب استمع زياد لما قالته:
_ شكراً أنك قبلت تسمع قلبي الصغير وشاركتني أحلي اوقاتي في الذكريات، عشان مفيش غيرك شاركني.
رمش بعينيه ولم يتفوه بأي كلمة مغلقاً الباب خلفه، ثم بدأت الابتسامة تشق طريقها على وجهه؛ كصحراءٌ شقَّ مجراها بعض المياه فدبت بها الحياة، همس بصوتٍ أصبح يثنيه الحب:
_ والدك معاه حق أنتِ حسيتي بالألفة وأنا حسيتها بالوقت نفسه.
***********
بقصر عائلة الألفي،،،،،،
حالة من التوتر أصابتها، تحرك قدميها بعنف، والحزن انسحب لمقلتيها فأصبحتا بحراً يصارع نفسه في ليلة عاصفة ملأت القلوب بالرعب، همست بصوتٍ متألم نابع من قلب يحمل الآهات لم تنتهي:
_ كده يا زياد متفتحش تلفونك كل الفترة دي ولا حتى تبعت تطمني.
:_أنتِ عارفة إن زياد طول ما هو في مهمة لا بيفتح تلفون ولا حتى حد يعرف عنه حاجة.
استدارت بجزعه العلوى تنظر لزيدان الألفي شقيق زوجها المقبل عليها، لتهتف ببعض الأسى وكأن أحزانها أصبحت أصفاد تكبل يدها وتمزق روحها المتهلكة:
_ عارفة بس كان نفسي يرجع زي زمان زياد اللي بيهزر ويضخك عادي اللي مشاعره موجوده..
هبطت دموعها وتهدجت أنفاسها، تسترسل باقي حديثها في ألم:
_ من ساعة الحداثة بتاعت ندى وهو محمل نفسه الغلط واتغير 180 درجة عن ما كان.
زفر باختناق فكأن عاصفة اصابة عائلتهم ليحدث بها أحداث غامضة لم يعلم أحد أسراراً عنها، تمتم بحزنٍ امتلك ملامح وجهه:
_ مش هو لو واحده من ساعة الحداثتين والقصر كله اتحول.
نظرت له قليلاً وحركت رأسها بإيجابية، فبل فعل منذ ذلك الحادث وأصبحو في صحراءٍ جاف.. صفراء لا تحتوي إلا على ظلام الذئاب الثلاثة.
***********
بشقة السيد أحمد،،،،،
ابتسم وهو ينظر لما بين يديه، يعلم جيداً أن السعادة ستقفز بحدقتي السيد أحمد عندما يرى هديته، هتف بحماس قائلاً وهو يدلف لداخل غرفته:
_ إيه يا عمي أول مرة ملقاكش في البلكونةو....
جحظت عيناه عندما وجد رأس السيد أحمد موضوعة على جانبه الأيمن تتلون بزُرقة، ويده تسقط عن الفراش لتصبح بالهاوية، ترك ما بيده وأسرع إليه كفهد يركض بالغابة، يهتف بخوف بالغ:
_ عمي..عمي رد عليا.
لم يجد أي استجابة منه، ليسرع بيده واضعاً إياه بقرب من عنقه ليجد بعض النبضات الضعيفة، ولكن يديه بردتان كثلج، فقد تسربت البرود لجسده تعلن عن موعد لقائه مع الرحمٰن.
***********
بمشفى اليوسف،،،،،،
انقبض قلبها فجأة، غصةٌ أليمة اجتاحت قلبها، لتضع يدها على قلبها لاتعلم لِمَ شعرت بتلك الغصة، دقائق واتسعت حدقتيها بفزعٍ عندما تذكرت والدها.
كان القلق يزحف إلى قلبها، كوحش يزحف ببطء لينقض على فريسته، أخرجت هاتفها المحمول لتهاتفه ولكن لم تجد إجابه ثم انقطع الاتصال، تجمعت الدموع بيعنيه وكأنها سحاب يُمطر بقوة، تذكرت زياد سريعاً فهتفت بتقطع:
_ زياد هو هو الحل!!!
فلم تدع لنفسها فرصة لتُسرع بخُطاها إلى زياد، و هتفت فجأة بصوتٍ ملتاع بعد أن خرجت من مكتبه بقدمان مرتجفتان:
_ زياد!!!
رفع بصره سريعاً عندما استمع لأسمه، ولكن انقبضت ملامحه عندما رأى وجهها الذي يُغرقه الدموع، أنفاسها المتهدجة برعب، ارتعشت صوتها، تجمدت عروقه عندما امسكت بيده في قوة تنظر له برجاء والدموع تفيض من عينيها:
_ عشان خاطري يا زياد أعمل أي حاجة وأعرف بابا فين عشان خاطري!!
ازال بروده المعتاد فلن يستطيع أن يستخدمه معها مجدداً، فقد أزالت برود الموجود بقلبه لتحتل هي جزءٌ منه، وضع يده على يديها المرتعشتان، يهتف بهدوءٍ محاولاً بث الطمأنينة لها، كالأب الذي يدفء المنزل بالحماية وينعش هواءه بالحب:
_ أهدي وخلصي شغلك، وأنا هتصرف وهحاول أعرف فين بس أكيد الخط فيه مشكلة.
ابتسمت من بين دموعها، تسمحها بسعادة متوترة، تمتمت بخفوتٍ وصوتها لا يزال يرتجف:
_ شكراً حقيقي مش عارفة أشكرك إزي.
هز رأسه بهدوء وهتف ببسمة خبيثة:
_ انتِ دكتورة في إيه بظبط؟
نظرت له متعجبة وأجابته في دهشة:
_ دكتورة نفسية.
أشار بيده اليسرى على يُمناه التي لاتزال تقبض عليها ثم غمز بيعنيه قائلاً ببعض المكر:
_ طب ماسكة في إيدي كده ليه ولا عايزها معاكي!!
تسربت الدماء بوجهها، ليشع بالحمرة الشديدة، تشعر بسخونة غير عادية بعد ما قاله، لتهتف وهي تقزفها بعيداً:
_ آآل أنا آسفة مقصدتش، عن أذنك.
سارت بخُطى سريعة، تهرب من كلماته ونظراته الماكرة، بينما ابتسم زياد بيأس على ما فعلته، وهمس بداخله ببعض التسلية:
_ مفيش مانع نجننك شويا يا لينو!!!!
************
بأحدى المستشفيات الحكومية،،،،،،
صوت الأجهزة يصدع بالغرفة، ينظر له وملامحه التي يكسوها التعب، التمعت عينيه بأسى والحزن، وقرر الخروج من العناية المركزة.
بينما ظلت تهمس وتدعو الله بأن ينجي القابع بالفراش داخل تلك الغرفة، وكأنها حلبة صراع بين الموت والحياة، رأته يقبل عليها لتسرع بخُطاها لتسأله بلهفة:
_ عمو أحمد عامل إيه يا طارق؟!!
نظر لها بحزنٍ دافين ثم ردد بألم:
_ قلبه ضعيف جداً يا سالي، كان لزماً يتنقل للمستشفى من بدري، ربنا يستر وال48 ساعة الجايين يعدوا على خير، لأنه ممكن يدخل بغيبوبة بنسبة كبيرة.
وضعت يدها على فمها تمنع تلك الشهقة الحزينة من الخروج، ثم بدأت تزرف الدموع بقلبٍ منفطر لأجل صديقتها، وهتفت بصوتٍ باكي:
_ طب وليان هتعمل معاها إيه؟!!
حرك رأسه بحزن وهمس بنبرة قلقة:
_ مش عارف، بس هأخر الخبر على أمل إنه يفوق، بدعي ربنا ينجيه، ليان مش هتتحمل الخبطة دي لوحدها.
نظرت له قليلاً فهي تعلم جيداً صديقتها وماذا سيحدث لها منذ لحظة التي توفت بها والدتها وتأثرت عينيها بشدة لتفقد بصرها لفترة من الزمن وعادت تنظر بعد أن شجعها والدها ومارست حياتها فعاد مجدداً، حركت رأسها و عادت تنظر للغرفة القابع بها السيد أحمد.
**********
بشركة الألفي،،،،،،،
جلس وليد بتعب على مقعده بعد أن قرر الذهاب للشركة، ينظر إلى الأوراق التي أمامه، ثم تحدث متسائلاً عن شيءٍ ما لحظه:
_ هو مين اللي ماسك شركة الدمنهوري يا إياد؟!!
أجابه مسلطاً بصره على الملف الموضوع أمامه يقلب بصفحاته:
_ كل اللي أعرفه بعد موت وائل الدمنهوري حد اشترى الشركة من العيلة، بس بتسأل ليه؟!!
رفع أحد الورقات واضعاً إياها أمامه، هاتفاً بهدوء يثنيه التعجب:
_ المنقصة الجاية شركة الدمنهوري دخلها بقلب جامد!!
قطب جبينه ثم أمسك بالورقة ودقق النظر بها وتسأل وليد بحيرة:
_ واللي اشتراها مغيرش اسمها ليه؟!!
هز إياد كتفيه قائلاً بعد اهتمام:
_ مش مهم اللي مهم حالياً إننا ناخد صفقة دي لأنها مهمة وهنبني عليها المصنع الجديد.
هز رأسه، ولم يتفوه بكلمةٍ أخرى، وبدأ يكمل باقي عمله.
***********
بشركة الدمنهوري،،،،،،
تجلس على المقعد، بظلامٍ كاحل، تنتظر تلك الرسالة لتعلم ما مهمتها، إلى أن استمعت لصوت يعلن عن وصول الرسالة وما إن فتحتها حتى هتفت ببسمة غريبة لا تفوح منها سوى رائحة الشر:
_ ايقاع وليد الألفي!!!!!
يتبع.....
بسم الله الرحمن الرحيم
#سلسلة_عواصف_الغموض_والحب
#الجزء_الأول
#بعنوان_ظلام_الذئاب
#بقلم_سلمى_خالد_إبراهيم
#الفصل_الخامس_عشر
***********
خرجت هذه الفتاة من المكتب الخاص بـ ليان بعد أن انتهت الجالسة الخاصة بها، وسرعان ما بدأ القلق يتسرب إليها، ينقبض قلبها بخوفٍ عليه، فكُلما تحدثت مع زياد بهذا الأمر يخبره بكلماتٍ بسيطة غامضة، سئمت من هذا البئر العميق، المملوء بالغموض والذي يحاوطها دائماً، ولا يأبى أن يتركها، فيجعلها دائماً في خضوع له.
عادت لأرض الواقع وهي تستمع لصوت خطواتٍ أتي عليها، رفعت بصرها نحو مصدر الصوت فوجدت أنه شخص جديد أتي يطالب بالعلاج، أعادت نظراتها الطبية التي أنزلتها منذ دقائق وهمست بنبرة عملية يصحبها ابتسامة صغيرة تنزع القلق الذي داهمها منذ لحظات:
_ ما أسمك؟!
ابتسم هذا الشاب بهدوءٍ وأجابها بنبرة أعجاب بعد أن أحس بالدفء في عينيها:
_ أسمي جان.. جان كريستي.
هزت رأسها وبدأت تسأله عن بعض الأشياء فبادرت بقول:
_ هل بإمكاني معرفة سبب قدومك هنا؟!
نظر بعمق عينيها مما جعل ليان ترتبك، ولكن أخفت ارتباكها ببراعة، ليجيبها بهدوء:
_ منذ أيام كنت أعاني من ألم حاد بقدمي، وذهبت لإحدى الصيدليات وطلب مسكن قوي.
سألته بهدوء وقد أخذتها حاستها بشك في أمرٍ ما:
_ وما أسم الدواء؟!
زفر ببطءٍ وهو يشعر ببعض الألم بجوفه، ورد بنبرة متألمة:
_ "الأفيونية"، بدأت أتناوله كلما أشعر بالألم حتى أصبحت غير قادر على أن يمر يوم دون أن أكون قد حصلت على قرصين، وعندما علم أحد أصدقائي بما افعله، أخبرني أنه مادة خطيرة وتستخدم للإدمان، لذا قررت أن أتي قبل أن يضيع مستقبلي.
هزت رأسها وهي على دراية كاملة بهذا النوع الخطر من المسكنات، أردفت قائلة بهدوء وهي تدون بعض الكلمات:
_ هناك دواء يُدعى" ناكوس" يوجد منه حقن تستخدم بالوريد يجب أن يكون الشخص على مهارة عالية حتى يعطيها لك، ويوجد أقراص ويمكنك أن تأخذ قرصان باليوم واقتراح أخذ الحقن لأنها أسرع يكفي واحدة باليوم لا تكثر حتى لا تتعرض للأذى، ويفضل عدم استخدام الحقن أو الأقراص أثناء القيادة لأنها ستشعرك بالدوار، وقم بتلك التحاليل وأعطني إياها بعد أسبوعان.
هز جان رأسه وهمس بالشكر، ولكن نبرته أثرت الرعب بقلب ليان علمت بعدها أنها ستحصل على مطارده:
_ أشكرك يا عزيزتي ليان.
غادر المكان بينما نظرت هي لموضع اختفاء وبدأت تتنفس براحة بعد خروجه تتمنى ألا يعود مطلقاً ويخيب ظنها ولا يحدث شيء معها.
************
بشركة الألفي جروب،،،،،،
استمع لطرقاتٍ خفيفة على الباب، فشتت تفكير واجتاحه شعور بالإنزعاج كمن يلقي صخرة صغيرة وسط البحر فيعكر صفوها، تقدمت السكرتيرة بضع خطوات بعد أن أشار لها وليد بأن تتقدم، لتهتف بعملية:
_ في واحدة يا مستر وليد برة وأسمها دليدا ومُصرة تقابل حضرتك وبتقول أنها صحبت شركة الدمنهوري.
رفع عيناه والتعجب يطوف حولهما فيمطر عليه الحيرة، أشار لها باستغراب قائلاً:
_ طب خليها تدخل وبعتي لإياد.
هزت رأسها بايجابية، وسارت بضع خطوات لتقف على أعتاب المكتب تشير بيدها للأمام قائلة برسمية:
_ أتفضلي يا فندم وليد بيه في انتظارك.
تقدمت تلك الفتاة_ دليدا_ للداخل بينما ولجت السكرتيرة من الغرفة إلى الخارج، تقدمت داليدا بخطواتٍ رشيقة، ووجهها المستدير، عيناها الزرقاء، شعرها الذهبي كأشعة الشمس، وقف وليد يرحب بها بهدوء قائلاً بلباقة:
_ أهلاً وسهلاً دليدا هانم نورتي الشركة.
ابتسمت بهدوء، تهتف بقليلٍ من مكر الأنثى مُستخدِمة سلاح بسيط، ولكنه ماكر بنبراتها الرقيقة:
_ منورة أكيد بيك يا مستر وليد.
منحها ابتسامة متكلفة وعاد يجلس من جديد، لتسترسل باقي حديثه في رقة:
_ أنا أكيد مش هطول عليك بس طبعاً عارف إن الشركة بتاعتي داخل المنقصة الجاية.
هز رأسه بإيجابية، لتكمل حديثه ببسمة صغيرة رقيقة تحمل بطياتها الخبث:
_ طب إيه رأيك نعمل صفقة على المنقصة دي.
قطب جبينه بدهشة، فأكملت بهدوء:
_ نعمل شراكة واللي المناقصة ترسه عليه يشارك التاني.
:_ جروب الألفي مش بيشارك حد.
صدعت تلك الجملة بمكتب وليد عندما دلف إياد للداخل، فامتلأ الغيظ بعينيها، ولكنها اخفته ببسمة باردة وعادت تنظر لوليد الذي شرد قليلاً بذلك الشريط الأبيض الذي بيُمناها من الأعلى وهتفت:
_ رأيك إيه يا مستر وليد؟!!
لم ينتبه وليد لما قالته، ليتعجب إياد من صمته فهتف بصوتٍ عالي يلفت انتباهه:
_ وليد أنت معانا وليـــــــــــــــد!!
اُنتشل من مستنقع أفكاره على صوته، لينظر له بشرود قائلاً بوهن:
_ كنت بتقول حاجة؟!!!
دُهش إياد من شروده الغريب، ثم أردف قائلاً بهدوءٍ، ولكن يمتلئ قلبه بالحيرة من شروده المثير للغرابة:
_ الأنسة عايزة تشاركنا في الصفقة الجاية.
ابتسمت ببرود ثم رددت باستفزاز:
_ مدام.. اسمي مدام دليدا
هز رأسه بالنفي وتمتم بهدوء:
_ للأسف شركة الألفي جروب مش بتشارك حد.
حركت رأسها بهدوء ثم حملت حقيبتها لتمنحه ابتسامة صغيرة رقيقة مغادرة المكان تماماً، اقتراب إياد بهدوء وجلس مكانها ثم غمغم بحنق:
_ دي اللي مسكت شركة الدمنهوري دي عايزة لتر جاز ويتولع فيها.
عاد الشرود يمسك برأس وليد ويضمرها أسفل أفكار ليبقى بالمستنقع، حرك إياد رأسه بتعجب وردد بصوتٍ مسموع:
_ وليد مالك من ساعة ما البنت دي جات وانت كده... وليد...هوووو.
انتبه له أخيراً وحرك رأسه بالنفي قائلاً بكذب:
_ مفيش حاجة بس كتفي تعبني تاني.
بدأ القلق يظهر على ملامحه ليغزو قلبه متمتماً بقلق:
_ مالك فيك حاجه؟!!
أشار بيده لينفي سريعاً ما قاله، وردد بنبرة تريد أن تقع بمستنقع أفكاره:
_ إهدى يا إياد دا شوية إرهاق.
وقف أمامه ثم قال بصوتٍ هادئ بعض الشيء:
_ طب تعالى نروح كده كده عمك في الشركة وأنا خلصت.
وقف وليد معه دليلاً على استجابته له وغادر الشركة.
***********
احتضن الأرض بعض الظلام البارد الذي ينعش القلب، فكان كالذي يرتوي ماءٌ بعد ظمأ طال لأيام، وسمكة حُرمت من الماء وعندما سقطت بها عادت تتنفس بهدوء والسكينة تحتل خلايا جسدها.
أصبحت أعصابها مشدودة وهو لم يجيب عليها طوال الطريق واستخدام بروده سلاحاً مؤقتاً ولكن بمجرد دُلفهما من باب الشقة، هتفت ليان بصوتٍ محتد يثنيه بعض القلق:
_ ممكن تقولي بابا فين؟ ومش بيرد ليه؟ أنت طول الطريق مش بترد عليا؟!!
أغمض عينيه وهو يوليها ظهره، كيف سيخبرها أنه بالمشفى ومن المحتمل عدم استجابته للحياة مرة أخرى فإذا علمت ستعود لمصر ولن يستطيع الوصول للميكروفيلم وسيصبح مشتتاً بين مصر وولايات أين وُضع الميكرو فيلم لابد من أن تظل بالولايات حتى يصل للميكرو فيلم، غمغم ببرود، يعيد هذا الجليد المزيف ليتفدى الحديث بهذا الموضوع:
_ والدك بخير، ومردش ليه عشان الفون عنده باظ.
ضيقت عيناها، وأضافت بشكٍ:
_ وعرفت كل دا منين؟!!
اقترب منها وهو يقلل من المسافة موجودة بينهم، ثم همس بصوتٍ رخيم وعيناه لاتزال مسلطة بجوف عينيها:
_ أنا لما جيت هنا قولت ليكِ أني ظابط مهم في مصر فأكيد هعرف أوصل لتاريخ والدك كله كمان، مش قولنا بلاش أسئلة غبية!!
ارتبكت من همساته الرخيم و وعيناه التي لم تبتعد عنها لتهتف في محاولة التظاهر بالثبات قائلة:
_ ه.. هو أنت بتقرب ليه وبعدين إيه غبية دي احترمني شويا؟!!
تسللت الابتسامة إلى شفتيه، تلتمع حدقتيه بخبث قائلا ً ببعض المكر ولاتزال نبرته هادئة مُتجاهلاً باقي جملتها:
_ بقرب أزي؟!!
بدأت تلقائية أن تصطبغ وجنتيها بالحمرة الشديدة، همساته الهادئة الغريبة، نظرت أمامها لتجد نظرات غريبة لم تراها من قبل ليست شرسة تجعلها مرتعدة وكأنها ترى وحشاً، ولكنها هادئة تسير على وتيرة ناعمة، صرخت بشدة وهي تتراجع إلى الخلف وكأنها بحلبة مصارعة ترفع يديها كلاعبي الكارتيه بعد أن شعرت بأنفاسه ساخنة تلفح وجهها، تتمتم بجدية مرتبكة:
_ إياك تقرب أكتر من كده أنا معايا حزام أسود.
ابتسامة بتسلية، وهو يرى خوفها وتوترها الزائد، ولكن قطب جبينه بعد جملتها الأخيرة، فعقد ذراعيه لصدره قائلاً بثقة مضيقاً عينيه ببعض الشك:
_ ودا جبتيه منين أن شاء الله؟!!
تركزت جميع حواسها معه، لتهتف وهي لاتزال على موضعها لم تتحرك خطوة واحدة:
_ من مصر في المترو بعشرة جنيه!!
اتسعت حدقتيه بصدمة وكأن شخص قام بقذف حجراً عليه فشتت عقله وأوقفه عن التفكير، يرمقها بنظرات مندهشة، ثم صدع صوت ضحكتها بالردهة، لأول مرة منذ حادث شقيقته ينفجر بالضحك هكذا، فالسعادة لا تُرسم إلا مع من تختارهم قلوبنا وتنسجم معها أروحنا، ظلت تراقب ضحكته التي صدعت بالشقة، وسرعان ما تسللت الابتسامة إلى شفتيها لتخطف لحظة من الزمن تخبره فيها أنها على طريق السعادة، لحن صوتها كان يدغدغ قلبها فيزيد شعورها بالسعادة أكثر ولكن أتسعت حدقتيها بشدة عندما وجدت ذراعها مُلتف خلف ظهرها ملتصق بصدر زياد، حركة مفاجئة باغتها بها، فلم تعلم متى أو كيف فعلها، همس بنبرة منخفضة جوار أذنها، تحمل بطياتها المكر:
_ متحوليش تكدبي أو تلعبي بالكلام معايا عشان مش هتعرفي يا لينو.
الصدمة كانت كفيلة بأن تجعلها غير مدركة لما حولها فمنذ دقيقة كان يضحك كيف فعل هذا؟! ابتسم زياد بخبث ثم همس مرة آخر وهو يترك ذراعها بهدوء حتى لا يؤلمها فهو أراد أن يشاكسها قليلاً:
_ متحوليش تفكري عملتها إزي عشان مش هتلقي إجابه.
غادر إلى غرفته وضعاً يده بجيب سرواله يبتسم بهدوء وتسلية وأخيراً تلقى قلبه مع من ستدوي جروحه فتصبح هي السعادة التي حُرم منها، يرتشف منها ليروي روحه من عسل بساطتها ورقتها، بينما هي ظلت تنظر له، جامدة مكانها فماذا ستقول وهي تقع بواحة تتضارب بها مشاعرها ترى ضحكته والغريب أنها تبتسم بسعادة عندما تراها، فهتفت بأنفاسٍ بدأت أن تهدأ، مغادرة لغرفتها هي الأخرى لترتدي ملابس مريحة تستعد لطهي طعام العشاء:
_ شكلي هشوف أيام معاك يا زياد ما يعلم بيها إلا ربنا، ربنا يستر ويكملها بالستر.
*********
وضعت ما بيدها على الأرض، تعبث في حقيبتها، تبحث عن المفتاح، هاتفه بصوتٍ مغتاظ:
_ هو دا وقته تستخبى أنت كمان أنا لما صدقت إني روحت.
مرت بضع دقائق إلى أن وجدته، لتبتسم بسعادة وكأنها حصلت على كنز، انحنت بجزعه العلوي وحملت حقائب التي بيدها ثم توجهت للداخل، ولكنها تفاجأت بضوء خافت يتميز بهدوء، توجد علبة صغيرة على الطاولة الموجود بالصالة، موضوع بجانبها ورقة صغيرة مميزة الشكل، وضعت ما بيدها جانبٍ وتقدمت وعيناها تتسع بذهول ما هذا؟ ومن دلف للشقة ليفعل ما تراه؟، وكأنها تعيش بحلم تتمناه منذ وقتٍ طويل، كفراشةٌ صغيرة تطير بين الزهور تنعم بجمالها وألونها الزاهية.
امسكت تلك العلبة الصغيرة، وفتحتها لتجد خاتم صغير مميز الشكل يوجد به فصوص صغيرة تلمع مع هذا الضوء الخافت، لتضيف جمالاً أكثر.
مدت يديها المتوترتان، وفتحت تلك الورقة لتجد مكتوب بها
«تتجوزيني»
رمشت بعينيها في صدمة اصابتها رجفة خفيفة من كلمة بسيطة كانت اول مرة تُقال لها، ولكن انتفضت من مكانها وصوت الهاتف يصدع بالشقة، تحركت باتجاه الهاتف تنظر للمتصل وما كان سوى "جاسر" أجابته بصوتٍ متهدج لا تعلم ما سبب هذا التوتر الذي اجتاحها فجأة ربما لأنها لم تتعرض لهذا الموقف من قبل، فهي عذراء الآن وهو أول من طلبها للزواج:
_ ألو.
ابتسامة عرفت طريقها على وجهه لتسير بسرعة بين كلماته عندما تفوه:
_ عجبتك المفاجأة؟!!
صمتت ولم تستطع أن تتحدث ولم يصدع سوى صوت أنفاسها المتهدجة، ليبتسم بخبث قائلاً:
_ يبقى عجبتك، طب ردك إيه علي طلبي؟!!
شعرت بخجلٍ شديد، ولم تستطع أن تجيب أيضاً، فهمس بهدوءٍ رقيق:
_ سهام.. أنتِ مش موافقة عليا؟!!
ازدردت ريقها، ثم رددت بصوتٍ متوتر يحمل بين أطيافه خجل شديد:
_ آه..لاء.. مش قصدي يعني لزماً أرجع مصر وتتقدم ليا هناك عشان دي الأصول وردي هيوصلك من بابا.
حك جاسر رأسه ثم أردف قائلاً بحرج:
_ خلاص ماشي، طب كنت عايز أكلمك في حاجة قبل ما أقابل ولدك!
قطبت جبينها، ثم تمتمت بتعجب:
_ حاجة إيه؟!
أحتل الحزن كلماته لتخرج وكأنها تبكي بشدة، تصيب قلب تلك البريئة:
_ أهلي متوفين من زمان، وعمي اللي قاعد معاه لسه متوفي فمش هقدر...
قاطعته بجدية تهمس بلطف:
_ أكيد مش هنعمل فرح لو أنت مش حابب وكمان عمك لسه متوفي متقلقش أحنا عارفين الأصول وبابا هيقدر دا.
ابتسم بغموض وهتف امتنان:
_ بتمنى أنك تكوني مراتي عشان مفيش غيرك هيقدر يستحملني وينقذني في المواقف الضيقة.
ابتسمت بخجل واضح ولم تتفوه سوى بكلماتٍ بسيطة:
_ ط.طب سلام أنا هقفل.
أغلقت وهي تشعر بسعادة لا تعلم ماذا داهمها؟!! ظلت تدندن بكلماتٍ صغيرة، تعلن عن فرطت السعادة الموجودة بقلبها وأخيراً ستسبح بشلال يعلوه قوس قزح فيساعد على اشراق الابتسامة بوجوهنا.
*********
بشقة زياد،،،،،،،
أغمض عينيه ببعض التعب، يريح ظهره للخلف، متذكراً حديثه مع أحد رجاله قبل أن يعلم ماذا حدث للسيد أحمد..
***
:_ للأسف يا زياد باشا ملقناش حاجة بالشقة، أحنا دورنا في كل حتة.
قبض على يديه بعنفٍ فبرزت عروقه، ثم غمغم بهدوءٍ غريب:
_ خلاص يا جاسر هبعتلك اسم واحد وعنوانه تعرفلي إيه اللي حصله!
:_ تمام يا زياد باشا
قالها برسمية مغلقاً معه، أراد أن يريح عقله قليلاً لعله يجد حلاً لما هم فيه، كأنها حديقة تملئها الأشواك فتجرحه بجهله عن الحقيقة، افاق سريعاً بعد أن رأي أسم اللواء سراج يضئ بالهاتف، أجابه بنبرة متنهدة:
_ أيوة يا فندم
:_ أيوة يا زياد علمت إيه في الميكرو فيلم؟!!
هتف لها بلهفة ولكن سرعان ما دهمه اليأس بعد أن زفر زياد ببطء قائلاً بصوتٍ بارد:
_ لسه معرفناش مكانه تحديداً.
ظهر التعجب فجأة بنبرات صوته يسأل بدهشة غريبة:
_ والمافيا كل دا معملتش ليكم حاجة؟!!
ابتسم زياد بغموض مردداً بنبرة ماكرة:
_ الهدوء الذي يسبق العاصفة.
فطن اللوا سراج ما يرمي له زياد، فرد عليه بهدوء محذرا لما سيحدث:
_ خلي بالك يا زياد المافيا متطورة جداً، وحاول متخليش البنت تعرف حاجة عن الميكروفيلم طالما متعرفش لأنها لو عرفت هيصدر قرر من الدولة بتصفيتها، وأنت عارف إن مينفعش حد يعرف حاجة عن الميكروفيلم دا ولا المعلومات اللي فيه، اللي أنقذها إنها متعرفش حاجة عن الميكروفيلم ولا شكت في حاجة يوم وفاة عليّ.
أغمض عينيه بألم، يقبض على يديه بشرسة، فلم يتخيل يوماً أنه سيقع مع من أصبحت جزءاً من فؤاده، ومن تلقت معه روحه، فتشرق عليه شمس حبها وتذيب هذا الجليد المكنون بداخله، ردد بهدوء مزيف حاول إظهار ثباته فيها ببراعة:
_ متقلقش يا فندم كل اللي عرفاه إنها مستهدف زي بقيت زمايلها اللي في المؤتمر الطبي متعرفش أساساً إنها معاها الميكروفيلم
هز رأسه بايجابية وهتف براحة:_
_ خلاص ماشي يا زياد بس حاول تخلص المهمة دي بسرعة.
تعجب زياد من رغبته الجامحة في أن ينهي المهمة فهذه المرة الأولى التي يخاطبه فيها هكذا فهتف بشكٍ واضح:
_ حاضر يا سيادة اللوا بس أول مرة تقولي أخلص مهمة بسرعة كده وأكيد حضرتك عارف إن أنا مش بطول أساساً.
زحف التوتر لأعصاب اللوا سراج فهتفت في محاولة إنهاء المكالمة:
_ سلام يا زياد دلوقتي.
غمغم زياد بغموض بعد اغلاقه معه:
_ سرك هيتكشف يا سراج.
****
صوت صراخٌ حاد أنتشله من واحة شروده، لينتفض من مكانه متجهاً بسرعة إلى المطبخ حاملاً سلاحه.
دلف للمطبخ ليجد ليان تقع على الأرض تبكي بشدة واضعة يدها فوق جبينها وقطرات الدماء تتساقط من أسفلها، أسرع بخُطاه إليها منحنياً بسرعة يسأله بلطف ظاهر:
_ مالك وإيه اللي حصل غرق المطبخ كده؟!!
همست بصوتٍ متألم يثنيه بُكاؤها الحاد:
_ الحنفية باظت والمياه طفحت في وشي والأكر بتعت الحنفية طارت وضربتني هنا.
اشارت بيدها موضع الألم فوجدها منتفخة بعض الشيء، ووجود جرحاً صغيراً، ولكنه لاحظ علامة صغيرة موجودة بجوار الجرح وسرعان ما تذكر أنه السبب بهذا الجرح ليعض على شفتيه بندم، نهض زياد عن مكانه متجهاً للثلاجة يحضر بعض الثلج، عائداً به إليها ثم وضعه فوق جبينها لتتأوه بعنف هاتفه وملامح وجهها متشنجة:
_ آآآآآه اتقي الله فيا يا عم، أنت معندكش أخوات بنات!!
تجمد الدم في عروقه متذكراً شقيقته الراقدة بالفراش، ليتحول إلى جامد قائلاً ببرود أعاده من جديد وقد أشتد يده فوق رأسها دون أن يعي ذلك:
_ أسكتي لحد ما أخلص.
نزلت دمعة متألمة، تمسك يده بكفيها الأثنان هامسة بألم:
_ حاضر.. حاضر بس براحة عليا دي بتوجع أوي يا زياد.
أغمض عيناه بألم، فليس لها ذنب فيما حدث، ربت على ظهرها برق ثم همس بهدوءٍ يصاحبه حنان غريب دغدغ قلبها بل أصبحت تعشق هذا الحنان المغمورة به بتلك اللحظة:
_ خلاص معلش تعالي معايا نروح أوضتك ونلف الجرح وأن هظبط الدنيا هنا.
نهضت معه وهي تمسك بيده، تستعين به بوقت ضعفها، فقد خلق الله آدم ليعين حواء، وخلق حواء لتعين آدم فيصبح الود بينمها ليس له حدود يطوف حولهم كالعصفور الصغير الذي يطير بسماء فينعم بهواءٍ ناعم ينعش خلاياه.
عاد زياد إلى المطبخ ينظر بغموض قائلاً:
_ بدأنا!!!!!
******
بمصر خاصة بمكتب محمد،،،،
نظر للأوراق الموجودة أمامه، ثم مد يديه يفتح الشاشة من جديد ينظر للفيديو الذي معه، وسرعان ما تسللت الابتسامة غامضة لوجهه، ليهمس بصوتٍ غريب وعيناه تلتمع بشدة:
_ كده عيلة الألفي وقعت وهتفضل تقع!!!!
***************
بغرفة ليان،،،،،
تململت على الفراش بإرهاقٍ، تشعر بظمأٍ الشديد، نهضت ببطء شديد تنظر لساعة لتجده الثانية بعد منتصف الليل، فمدت يديها تزيل بقايا النعاس الذي لايزال بعينيها، ولكن جحظت مُقلتيها وهي ترى ظل شخصاً ما بالشرفة، دقائق وصدع صوت محاولات عديدة لفتح الباب الخاص بها، وكأنها ألحان الموت تُعزف لأجلها، قفز الرعب بقلبها، ترتجف بعنف وهي ترى هذا الوحش المظلم يبُعد عنها أمتار قليلة وسيقتلها!!!!
يتبع......
تكملة الرواية من هنا 👇👇👇