أخر الاخبار

سلسلة_عواصف_الغموض_والحب الجزء_الأول_بعنوان ظلام_الذئاب بقلم_سلمى_خالد الفصل_السادس_عشر حتي العشرون كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات


 بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة_عواصف_الغموض_والحب

الجزء_الأول_بعنوان

ظلام_الذئاب

بقلم_سلمى_خالد

الفصل_السادس_عشر حتي العشرون

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

**********

بدأت تتهدج أنفاسها عندما رأت هذا الملثم يريد أن يقتحم غرفتها، تحركت عن الفراش ببطءٍ شديد ثم زحفت على ركبتيها ويديها تسير كالسلحفاة على الأرض تحاول عدم أصدر ضجيج فيشعر بها، حاولت الإسراع بعض الشيء حتى استطعت أن تخرج من غرفتها لتكمل باقي سيرها كما فعلت منذ دقائق على ركبتيها، يمتلكها شعور بالذعر، دقات قلبها تكاد تتوقف من فرطت رعبها؛ كالقطة الصغيرة يحاوطها الوحوش من كل جانب فتقع فريسةً لهم من الرعب، وصلت للباب غرفة زياد، تتنفس براحة وهي تقتحم الغرفة بسرعة مغلقة الباب خلفها.

شعر باقتحام أحداً غرفته وما هي إلا دقائق وكان قد أخرج مسدسه من أسفل الوسادة يُصوِبه باتجاه ليان، تراجعت بخوفٍ وهي تنظر للمصوب باتجاهها، ثم هتفت وعيناها تتسع من الذعر:

_ أنا ليان والله ليان، يعني حرامي يدخلك بالكنبوشة بتاعتي دي.

أشارت على شعرها المبعثر من أثر النوم، فأنزل زياد مسدسه ونظر لها قليلاً وقد تعجب من شكلها ترتدي لأول مرة يراها بيجامة يوجد عليها أشكال خاصة ب "باربي" للفتيات، شعرها المبعثر بشدة من أثر النوم والغير مرتب وكأنها كانت تتشاجر مع أحد، تمتم بدهشة واضحة، وعيناه ترمش مما يراه:

_ إيه اللي جايبك كده؟!!

نظرت باتجاه الباب، وهمست بخوف تتجاهل شكلها فالجميع يعلم كيف يستيقظون من النوم:

_ في واحد ملثم في الأوضة بتاعتي، وكان في البلكونة و بيحاول يفتحها فخُفت وجيت على هنا من غير صوت.

الصمت كان يخيم بالغرفة، فلم يوجد سوى أنفاس ليان المتهدجة من الخوف، خرج من هذا الصمت وقوف زياد أمام خزانته يخرج منها حقيبة سوداء كبيرة، ومعاها ملابس سوداء، استدار زياد إلى ليان وهتف بنبرة جادة تحمل بطياتها الغموض:

_ خدي ألبسي الهدوم دي.

امسكت بالملابس الممدودة إليها، فما كانت سوى جيب سوداء واسعة وطويلة، ومعاها بلوزة وحجاب من نفس اللون، بينما قام زياد بإعداد مسدسة وتأكد من خزانه قائلاً وهو يسير بهدوء:

_ مسافة ما أخلص تكوني خلصتي لبس هدوم.

حركت رأسها بايجابية، وقررت أن ترتدي تلك الملابس فوق ما ترتديه، فشعرت بالحرج الشديد من أن ترتدي ملابس جديدة وتنزع القديمة أمامه.

أنهي زياد ضبط كل ما يحتاجه ليهتف وهو ينظر إلى ليان:

_ خلصتي.

حركت رأسها بتوتر، ليسترسل زياد في صلابة قائلاً بصوتٍ جاد:

_ تعالي أوقفي ورايا بسرعة.

هرولت إليه مسرعة تختبئ خلفه، تمسك بالحقيبة الموجودة على ظهره، مد يده للخلف يبعد ليان ويتأكد من وجودها خلفه، بينما رفع يده الآخر يصوب باتجاه الباب، وما كانت إلا دقائق وفُتح الباب على مصراعيه، ليطلق زياد النيران على هذا الدخيل، افترش الأرض ووقع غارقاً في دمائه بعد رصاصة زياد، ليزداد تشبث ليان بذراع زياد قائلة بصوت شبه باكي:

_ ليه عملت كده قتلته.. ليه يا مفتري؟!!

نظر لها بغضب ثم هدر بعنف:

_ أنتِ متخلفة واحد جاي وعايز يخلص عليكِ عايزني إيه أخده أغديه قبل ما يقتلنا.

صمتت ليان وخاصة عندما هدر بهذا العنف، ولكن صرخت بخوفٍ عندما وجدت أحداً يطلق النيران عليهما، تراجع زياد بخفة وبراعة متمكناً من حماية ليان، استعاد توازنه بسرعة ورفع يديه سريعاً ليصيبه ولكن امسكت ليان يده قائلة:

_ لا حرام متقتلوش.

أصابت الطلقة الحائط، ولكن سرعان ما أطلق واحدة أخرى قبل أن يهاجمه هذا العضو من المافيا، تحولت عين زياد إلى براكين من الغضب، يصيح بعنفٍ شديد ارتجف جسدها أثر صوته:

_ قسماً بربي يا ليان لو مبطلتيش تخلف لكون مخلص عليكِ وعلى نفسي، أنتِ غبـــــــــــــــــــــــــــية عايزة تموتينا!!!!!

وضعت ليان يدها على آذانها من صوته العالي بشدة، تتراجع إلى الخلف بينما نظر زياد من النافذ الغرفة فوجد أن هناك عدد ثاني سيأتي خلاص دقائق، عاد إليها ونظر بغموض همساً:

_ أنتِ مينفعش معاكِ غير كده.

قام بضربها في جبينها برأسه لتقع بين يديها غائبة عن الواقع، حملها بسرعة وضغط على الزر الموجودة بجوار المرآة، مغمغماً بغيظ:

_ هتموتنا يا بنت المجنونة.

سار بهذا النفق الموجود بالشقة خلف المرآة الخاص به، وقبل أن يكمل السير ضغط على زر آخر أغلق به هذا الباب، ليسير بهذا الممر السري حاملاً تلك المسكينة بين يديه.

************

نفخت بضيق وهي تحاول مرراً أن تهاتف صديقتها، متعجبة من عدم ردها فهتفت بضيق:

_ هو دا وقت تعملي فيها الرجل الغامض يا ليان.

وضعت الهاتف جانباً بعد أن قامت بإرسال رسالة قصيرة وتوضح فيها لصديقتها أنها عائدة إلى مصر، وبدأت تُعد حقيبتها لتعود إلى مصر مرة أخرى.

***************

بإحدي المستشفيات الحكومية،،،،،،،

صوت الجهاز صدع بالغرفة ليعلن عن توقف قلباً أراد الرحيل بسلام، ترك جسده وغادرت روحه لتسبح بعالم آخر لا يعلم عنه الإنسان شيء، ترك صغيرته بالحياة لتلقى من الآلام نصيب ليس بهين عليها.

امتلأت عين الجميع بالألم والدموع تفيض منها كالفيضان الذي يصارع في الأرض فيقضي على ما امامه، رجلاً ترك ذكرى طيبة بين الناس فأصبحوا جميعاً يترحمون عليه، فمنهم من تألم من أجل صغيرته التي تركها تجني أشواك الحياة قليلاً ومنهم من تألم لفراقه.

بالشقة السيد أحمد، سارت دموعها ترسم كلمات الألم على وجنتيها، اعتبرته والدها فلم يخذلها، بينما وقف طارق يتماسك بثبات زائف يتذكر كيف شجعه ليصبح طبيباً، وقف بجانبه كالدرع الذي يحميها أطفاله من قسوة الحياة، فغادر تاركاً إياهم يحربون الحياة بمفردهم دون درع يحميهم من الآلام.

انتهت مراسم العزاء، ليرتمي طارق على المقعد بتعبٍ شديد، يفكر كيف يخبر ليان بهذا الخبر المؤلم لا بل القاتل الذي سيقضي على باقى روحها المسكينة ويحطم فؤادها فيصبح مكلوم، وكيف يستطيع أن يصل إليها، قطع شروده صوت زوجته سالي تهتف ببعض الإرهاق الذي داهمها من أخذ واجب العزاء والبكاء قلبها المنفطر لأجل هذا الطيب:

_ طارق يا طارق سرحان في إيه.. بقالي ساعة بقولك إني اتأخرت ولزماً أروح عشان ماما بترن عليا.

نظر لها قليلاً ثم قال بهدوء يتخلله بعض الألم فيفيض بكلماته المكسورة:

_ حاضر يا سالي تعالي معايا.

مدت يدها لتوقفه، قائلة بصوتٍ رقيق:

_ مالك يا طارق فيك إيه قولي؟!!

زفر بألم يتذكر ما مكنون بصدره ليبوح عنه قائلاً:

_ أنا مش عارف إزي هقول لـ ليان ان باباها مات وهي في الغربة لواحدها.

قطبت سالي جبينها وتساءلت بحيرة قائلة:

_ انت مش قولت اتجوزت هناك؟!!

حرك رأسه بإيجابية وهمس بألم:

_ المشكلة إني معرفش هو بيعاملها إزي ؟؟ولا بيحصل إيه معاها ؟؟ أنا أصلاً معرفش هي لسه على ذمته ولا لاء؟؟ وأخف أقولها الموضوع يزود همها أكتر؟!!!

نفخت بفمها قائلة بصوت متحير:

_ مش عارفة أقولك إيه يا طارق ربنا يقويك

تنهد قليلاً ثم نهض قائلاً بهدوء عكس ما بصدره والنيران الألم تشتعل بها:

_ تعالي طب أروحك عشان اتأخرتِ.

************

بقصر الألفي،،،،،

يجلس شارداً بهذه الضمادة الموجودة بكتفها أيعقل أن تكون هي هذا الملثم؟؟، ولكن كيف لمرأة مثلها أن تقوم بفعل هذه الحركات؟!!

نهض من مكانه وهو يهمس بضيق:

_ أنا أقوم أخد حمام كده يريح أعصابي بدل الهم دا.

سار باتجاه الخزانة وسحب منها ردائه ولكنه أوقع هاتف صغير على الأرض نظر له قليلاً وبدأ يتذكر ما حدث وكيف اشتعلت نيران الكره بحدقتيه، يرى خيانتها له فقط بعينيه

***

وقف مصدوم وهو يسمع حديثها مع هذا الرجل الغامض بالهاتف ولكن براكين الغضب بدأت تشتعل وهو يستمع إلى كل كلمة تُلقيها أمامه وكأنها تقذف جمرات نار فتحرك قلبه المكلوم:

_ بقولك ممكن أقابلك عادي، وملكش دعوة بجوزى هو أساساً مطنشني ومش واخد باله مني، يا حبيبي أنت اللي في القلب ومحدش غيرك وع.....

بتر حديثها عندما شعرت بأحد يسحب منها الهاتف ألتفت له وقد اشتعلت عيناها بالغضب قائلة:

_ أنت إزي تسحب مني الفون كده؟!!

وكأنه لم يسمع شيء بل باغتها بسؤالٍ ويتمنى أن تخبره أن ما سمعه كذب، يريد أن ينصر قلبه وحبها لها، فكيف لهذا الملاك أن يكون وحشاً بشعاً هكذا:

_ أنت كنتِ بتكلمي مين وبتقولي ليه الكلام دا.. أنتِ عمرك ما هتكوني زي يا ندى صح؟!!

نظرت له ببرود شديد، ثم رددت بصوتٍ ماكر تفوح منه رائحة الخبث:

_ بكلم اللي خد قلبي خلاص، بكلم اللي مهتم بيا، و على فكرة أنا اتعلمت المكر خلاص اصل مينفعش واحدة عايشة في وكر الذئاب ومتتعلمش المكر والخيانة وزي ما أنتِ خونتني زمان وعرفت بنات وأتجوزت وقولتلك خلاص مش هزعلك وهعملك اللي عايزه بس قولت ليا وقتها ببرود خلاص الوقت فات واتجوزتها غصب عني وقهرتني، أنا خونتك دلوقتي وجعتك زي ما وجعتني، وهقهرك زي ما قهرتني، وعندي استعداد ادمر أي حاجة عشان أنتقم منك، ندى الهبلة بتاعت زمان اللي كنت بتشوفها مع زياد أخوها دي ماتت وأنا قتلتها بإيدي.

اقتربت منه قليلاً وهي تستلذ بشكله المصدوم قائلة ببرود:

_ فرحانة وأنا بقيت خاينة ووجعتك يا وليد، وهدمرك أكتر، وأثبت بقى إني خونتك أصل محدش هيصدق ندى الهبلة الصغننة دي هتعمل حاجة وخاصة جدك اللي بقى كارت في إيدي، سلام يا جوز الخاينة.

غادرت المكان وهي تضحك باستفزاز، ضمرت قلبه بكلماتها السامة، قتلت حياته ودمرتها، دمرت رجولته بخيانتها له، لن ينسى ما فعلته وسينتقم منها!!!

****

ألقى الهاتف الخاص بزوجته الخائنة ندى و أنفاسه تتهدج يلتقطها بصعوبةٍ بالغة، يشعر بالأختناق، نيران الألم تشتعل بصدره فتهلك بروحه إلى الهاوية، تحرك نحو الحمام بخطواتٍ ثقيلة حتى وصل له نزع ملابسه ووقف أسفل الماء البارد لعله يطفئ هذه البركين ولسيت نيران، يشعر بشيءٍ أخترق صدره وسمم قلبه، فجعل من ضلوعه القوية هشَّ.

أغلق صنبور الماء وجفف نفسه ثم خرج من الحمام منتهياً من ارتداء ملابسه ليجلس على السرير قائلاً بألم وعيناه تفيض بالدموع:

_ الله يسامحك يا ندى، قتلتني بخيانتك ليا وتمثيلك، لا بقيت عارف انتقم لنفسي ولا عارف اعمل حاجة ياريتك موتي وريحتيني!!!!

*************

شقَّت أشعة الشمس الظلام لتصنع مجرى للنور يسير بالشقة، استمع السيد رفعت لصوت الباب، فقطب جبينه وتعجب من المجهولة الذي أتى، نهض عن مقعده ذهاباً للطارق على الباب وما إن فتحه حتى وجد ابنته الوحيدة تقف أمامه، وتتأرجح الابتسامة فوق ثغرها، هاتفه ببعض المرح:

_ وحشتني أوي يا بابا.

ادمعت عيناه ووفتح ذراعه سريعاً قائلاً باشتياق:

_ سهام.. وحشتني يا بنتي.

دفنت وجهها بصدره قائلة بضحك:

_ وأنت يا بابا وحشني أكلك كله.

رمقه بنظر محتقرة قائلاً بغيظ:

_ يعنى راجعة عشان الأكل يا بتاعت مصلحتك.. نتنة.

تعالى صوت ضحكتها كالبلبل الصغير، ثم همست بدلل:

_ الله مش أنت بابا أحسن شيف بدنيا وبدلع عليه.

كبح ضحكته ثم همس ببسمة رقيقة:

_ طب خشي يا لمضة وأنا هعملك أحسن أكل بالدنيا.

صفقت بيديها كالطفل الصغير، مرددة بسعادة:

_ الله عليك يا حج لما تدخل المطبخ وتخربها.

هز رأسه بيأس منها، وقال وهو يضرب يده بالأخرى:

_ عوض عليا عوض الصابرين يارب.

سارت تضحك بسعادة لعودتها إلى أحضان والدها الدفئة، فتنعم بقليلٍ من الراحة والحب.

*************

بنيويورك،،،،،،

تشنجت تعبيرات وجهها بالاشمئزاز، تنفر ما يتخلل أنفها الصغيرة من رائحة كريهة، بدأت تصدر همهمات ومن ثم فتحت عيناها بتشوش بسيط، وبدأت تضح الرؤية أمامها شيئاً فشيء، ولكن وجدت المكان مظلم لا يوجد سوى نور خافت وبسيط يساعد على السير فقط، همست بواهن وهي تحاول أن تسترد وعيها كامل:

_ آآآآه إيه الريحة دي؟!!

نظر لها زياد ولاحظ ملامحها المتقززة من الرائحة، فهتف بخبث واضح عليه:

_ إيه الريحة مش حلوة؟!!

اغمضت عيناها ثم أعادت فتحها ولكن شعرت بيد تقيض خصرها وأسفل ركبتيها وما أن شعرت بأن زياد يحمل صرخت بشدة قائلة:

_ نزلـــــــــــــــني نزلني بسرعة!!!

ركلت بالهواء بعنف تحاول أن تفلت نفسها من أصفاد يده، فحدثها في حدة:

_ اتنيلي أثبتِ عشان انزلك.

توقفت عن الحركة ما أن تفوه بتلك الكلمات، ولكن أشتعلت وجنتيها بالحمرة الشديدة وهي ترى المكر مرسوم بحرفية في عينيه، وما أن لمست قدماها الأرض، رأت نظراته التي تزيد سخونة وجنتيها مصوبة باتجاهها، فهتفت في تلثم محاولة تغير نظراته قليلاً:

_ هو أحنا فين؟!!

أزداد مكر عيناه وأردف في خبث:

_ في المجاري!!!

جحظت عيناها بل كانتا ستقفزان من الصدمة، مرددة تلك الكلمة وهي تحرك شفتيها دون إصدار صوت:

_ مجاري!!!

حرك رأسها ولم تفرقه ابتسامته الماكرة ولكن أنعكست الأمور عندما مر فأر صغير بجوار قدم ليان ولامسها لتقفز جواره تتشبث بذراعه قائلة بخوف مصحوب بصراخ حاد:

_ لاء فيران لاء أبعدوا عني.

أنحنى بجزعه العلوي، محاولاً السيطرة على ما أصابه من نوبة الضحك، وردد بكلمات لم يثنيها سوى الضحك:

_ أهدي يا بنتي وسيبي دراعي.

حركت رأسها بالنفي وازداد تمسكها بذاعه، لاحظ ذعرها وتنهد قليلاً، ثم همس بهدوء محاولاً بث الطمأنينة لها:

_ أهدي يا ليان طول ما أنا معاكِ مفيش حاجة هتأذكِ، وأنتِ متخافيش من حاجة.

نظرت له بقلق فهي تخشى جميع الكائنات الحية، ولكن رمقها بنظرات مطمئنة دافئ داعبت قلبها المرتجف خلف ضلوعها، فأجابته بتوتر:

_ ماشي.

تحرك متمسكاً بيدها المرتجفة قائلاً بهدوء:

_ طب يلي عشان نخرج من هنا

هزت رأسها وبدأت بسير معه ويدها لم تفارق يده، تتشبث بذرعه كطفلة صغيرة خائفة أن تفقد أمان والدها ولكن توقفت فجأة، لتسير الدهشة على ملامح زياد وترسمها بحرفية، همست بتذكر وعيناها تتسع شيئاً فشيء:

_ الصندوق!!!

استدارت سريعاً ولم تهتف سوى بكلمات غريبة ترددها بغرابة:

_ الصندوق لزماً أرجع أجيبه الصندوق.

أمسك ذراعها لترتد عليه مرة أخرى قائلاً بهدوء:

_ مش هينفع ترجعي يلى نمشي.

هزت رأسها بعنف قائلة بعند وقوة:

_ لا هرجع يعني هرجع.

زمجرها بعنفٍ شديد ليهدر بشرسة:

_ ليـــــــــــــــان أمشي بدل ما اوريكي وشي التاني وهتفضلي لأخر عمرك تكرهيه.

انتفض جسدها أمامه وأمتلئت الدموع بأهدابها، فأصبحت الآن في غياهب ظلام لاتعلم متى ستخرج إلى النور بعد أن سحبها زياد إلى العاتمة، استطرد زياد حديثه في برود:

_ اخلصي ويلى نمشي.

شهقة عنيفة أصبتها من عمقها بالبكاء، تسير معه بخطواتٍ تحفر ألمها بها، تشعر وكأنها تركت روحها الصغيرة، لم تتفوه بكلمةٍ واحدة وبدت الحيرة تُحلق فوقها كالطيور التي تحلق فوق الجبال بالسماء، هل يحبها؟ وإن كان يحبها لِمَ يعاملها هكذا؟ ولِمَ لَمْ يسمح لها بالعودة بأخذ أعز ما تملك كما أخبرته سابقاً ؟؟ أسئلة عديدة دارت بخلدها فأصبحت بدوامة كبيرة لا نهاية لها تغرقها فقط بظلامها.

توقفت عن السير عندما رأت زياد يتوقف ينظر لطريقين الموجودين أمامه، بتلقائية نظرت حولها لترى ما هذا المكان المقزز للغاية حتى وقعت عيناها على شيءٍ ما يتحرك فوق الماسورة لونها أسود، ضيقت عينيها في محاولة معرفة ما هذا حتى اتسعتا بشدة عندما اتضحت الرؤية أمامها فلم تستطع أن تصرخ أو أن تفعل شيء سوى أن تمسك بملابس زياد وتشدها بعنف غريب، نظر زياد خلفه قاطباً جبينه بحيرة من أمرها، حتى وجدها تنظر باتجاهٍ ما بصدمة شديدة، أدار عينيه بالاتجاه الذي تنظر منه ليجد ثعبان أسود فوق الماسورة، أخرج مسدسه وببراعة أصاب الثعبان ليقع بقلب المياه المقززة ميتاً، أعاد مسدسة بمكانه ونظر إلى ليان ليجدها لا تزال كما هي ولكن تحبس أنفاسها حتى بدأ يشع وجهها بزُرقة غريبة، تسرب القلق إلى قلبه، ثم هتف وهو يمسك يدها ويهزه برفق:

_ أتنفسي يا ليان أنا قتلته خلاص أتنفسي عادي

أدارت رأسها له وفجأة انفجرت في البكاء تهتف بكلماتٍ متقطعة بالكاد استطع فهمها:

_ أنا خلاص تعبت هو أنا عملت إيه عشان يحصلى كده منهم وهما بيعملوا ليه كده فيا أنا عايزة ارجع مصر عايزه ارجع لحضن بابا!!!

غصة أليمة أصابت قلبه وهو يراها تبكي هكذا ولاتعلم لِمَ يحدث كل هذا معها، ربت على ظهرها بحنو شديدة، يحاوطها كدرع حامي ليحميها من آلامها، قائلاً بحنان بالغ فقد شعر أنها ابنته وليست زوجته وفؤاده:

_ أنا عارف إنك أول مرة تتعرضي لكده وعارف إنك تعبتي بس أحنا قربنا نخرج وأهدي أنا مش هسيبك مهما حصل.

مسحت دموعها بطفولية ثم همست بصوتٍ مبحوح:

_ ولا هتسبني لما نرجع مصر!!

صدامه سؤالها فلم يرغب بأن يفكر في هذا الأمر وهو يعلم نهاية هذا الطريق وهو الفراق، فأجابها بهدوء عكس ما يشعر به وعواصف تدور بخاطره من ألم:

_ لما نرجع مصر ربنا يحلها من عنده!!!

بدأت تشعر بالغرابة من حديثه ولكنها استكنت شيئاً فشيء، لينهض زياد بعيداً عنها عندما رأي الحمرة تتسرب بوجنتيها وأصبحت ترتجف خجلاً منه قائلاً وهو يمد يده يساعدها لتنهض يكظم مكره قليلاً وهو يعلم أنها بكامل حرجها:

_ يلى عشان نخلص المجاري دي ولا عجبتك الريحة.

صدع صوت ضحكتها فسلبت باقي فؤاده وأصبح العشق مكنون بصدره لها، قائلة ببسمة صغيرة:

_ لاء يلى.

كادت أن تسير ولكنها شعرت بشيء فوق كتفها نظرت جوارها برعب لتجد حشرة صغيرة مقززة "صرصار" حركت رأسها ثم همست بكلماتٍ وعيناها تغلق:

_ لا لا كده كتير أوي.

وقعت مغشياً عليها ليصاب زياد بنوبة ضحك على شكلها وهي تنظر لهذه الحشرة برعب كأنها وحش من وحوش الظلام، دعس هذه الحشرة ثم حمل زياد ليان قائلاً بضحك:

_أنا أشيلك أرحم من الهيبر اللي في دماغك وتفوقي تاني.

أكمل سيره حاملاً إياها بصدرٍ رحب، لينهي هذا الطريق سريعاً قبل أن تفيق.

***********

بمبنى المخابرات،،،،،

جلس اللواء سراج على مقعده والقلق ينهش خلاياه يريد من زياد أن ينهي تلك القضية بسرعة قبل أن يعلم أن رئيس المافيا هو من قتل والده همس بصوتٍ مجهد:

_ دي هتبقى مجزرة لو عرف مين اللي قتل ابوه، ومش هعرف أسيطر عليه.

تنهد بألم وظل يفكر ماذا يفعل ليعيد زياد سريعاً إلى مصر قبل أن يعلم بما يجهله!!!!

*************

بنيويورك،،،،،،،،

وجد أشعة الشمس تغرق المكان، الأشجار تحاوطه بكل أتجاه، تقدم عدة خطوات ثم وضع ليان فوق الأعشاب الخضراء، التي تتمايل مع نسمات الهواء الباردة، تلفح وجه زياد فتزيد انتعاشه، بدأ يدور بالمكان يجمع بعض الأخشاب الصالحة للإشعال، وبعد أن انتهى قام بوضع الأخشاب فوق بعضها على شكل دائرة ثم أشعاله، نهض عن مكانه ذهب على بعد أمتار يتحدث بالهاتف، بينما تحرك جفنيها دليلاً على إفاقته، بدأت ترى نور شديد وحرارة قريبة منها، لم تعلم ما هذا سبب الرؤية المشوشة ولكن بعد لحظات، أحست بالزرع أسفلها والقطع الخشب المشتعلة، ظلت تدور بعينيها في المكان وزُرع الإعجاب بداخلها من هذا المنظر الخلاب اسفل نور الخشب المشتعل، نهضت عن مكانها، تزيل عنها الأعشاب التي التصقت بها، وبدأت تسير بخطواتٍ حذرة حتى وجدت زياد يقف مولياً ظهره لها تقدمت منه لتسمعه يهتف:

_ ادفن خلاص.

:_ هو مين اللي أدفن يا زياد؟!!!

قالتها بتعجب وهي تقطب جبينها، أغلق زياد هاتفه سريعاً ينظر لها بصدمة، فماذا ستفعل إن علمت أن والدها هو من دُفن، نظر لها قليلاً ثم هتف بقليلٍ من الحزن......

يتبع!!!!


بسم الله الرحمن الرحيم

#سلسلة_عواصف_الغموض_والحب

#الجزء_الأول_بعنوان

#ظلام_الذئاب

#بقلم_سلمى_خالد

#الفصل_السابع_عشر

**********

داخل شقة السيد رأفت،،،،،،

حلق التوتر على أعصابها، فأصبحت كالعصفور الصغير مسجون في قفص الخوف، تنظر له من الحين للآخر، كأنها سارقة تختلس شيء، فتخشى أن يراها أحد، استنشقت نفساً عميقاً وحبسته ثم أردفت قائلة بسرعة:

_ بابا

رفع بصره بها وقد تعجب من شكلها، توترها الظاهر عليها وكأنها بداخل امتحان مهم، أجابها بهدوء ويتراقص التعجب بعينيه:

_ أيوة يا حبيبتي.

فركت يداها بارتباك ثم همست بسرعة قبل أن يجتاح التوتر كلماتها فيمنعها من الحديث:

_ في واحد متقدملي!!!

ترك ما بيده، ونظر إليها بصرامة بعد أن كبح بسمته من الظهور؛ فصغيرته أصبحت عروس الآن، شعر باحساسٍ غريب عندما استمع لكلماتها الصغيرة، ولكنه ممتعاً، فقد داعب قلبه بفرحة كبيرة هجرته منذ وقت، هتف بجدية يثنيها بعض الحدة:

_ مين دا؟ واتقدملك أمتى؟ وإزي؟!!

ازدادت حلقها وبللت شفتيها وهي تشعر بجفافهما، ثم رددت بصوتٍ متقطع:

_ هو أسمه جاسر محمود العراقي، شغال ظابط، وأتقدملي في نيويورك لما كنت مسافرة على أساس إني عايشة هناك وأنا قولت ليه إني ساكنة في مصر ولزماً يجي يتقدملك هنا.

أنهت باقي حديثها وتابعت بحدقتيها ملامح والدها، ولكن وجدتها مبهمة.. جامدة، فلم تعلم هل هو موافق أم سيرفض، مزق هذا الصمت المنسوج منذ لحظات صوت السيد رأفت هاتفاً باستفهام:

_ هو هنا ولا في برة مصر؟!!

اجابته في محاولة إظهار الثبات:

_ هو برة مصر حالياً وهيرجع لما يخلص أوراقه.

حرك رأسه بهدوء وتمتم بجدية وتتأرجح ابتسامته على شفتيه:

_ كويس عشان ألحق اسأل عليه وقولي ليه أول لما ينزل مصر يقابلني،

ثم أضاف محذراً:

_ ياخد نمرتي يا سهام ويتفق معايا على المعاد وكلامك يتقطع معاه لغاية لما توصلي ليه الرسالة دي يا بنتي، أنا لولا واثق في أخلاقك وعارف أنا مربيكِ إزي وإنك عمرك ما تخوني ثقتي عشان أي حاجة مكنتش هبقى هادي كده.

ابتسمت سهام بحب وأمسكت بكف يديه، هامسة بكلمات نابعة من قلبها الصغير:

_ عارفة يا بابا، وبحمد ربنا كل يوم على نعمتك وأنك أنت ابويا واخويا وحبيبي كمان ربنا يحميك ليا.

ربت على كتيفها وتمتم برضا:

_ ربنا يحميكِ يا حبيبتي ويبعتلك الخير.

ثم أضاف ممزحاً لها:

_ أنا حبيبك يا بكشة.

ضحكة عرفت طريقها جيداً فاخترقت قلب تلك الصغيرة وصدع صوتها بالشقة، كالبلبل الصغيرة وهو ينشد بصوته العذاب ألحن جميلة، نهضت عن مكانها واحتضنته قائلة:

_ يا بابا هتفضل أنت حبيبي الأول ومحدش يقدر يملي مكانك أبداً.

ابتسم بسعادة وهو يرى تمسك ابنته به، فقد شعر بغيرة طفيفة وهو يتخيل أن صغيرته ستذهب بعيداً عنه مع زوجها، ولكن سرعان ما أذبت تلك الغيرة بكلماتها الصغيرة المطوقة ببلسمٍ هادئ.

*******اللهم صل على محمد *****

بنيويورك،،،،،،،

نظرت له بتعجب وسألته بحيرة:

_ هو مين اللي أدفن؟!!!

أستدار بثبات زائف قائلاً بحزن مزيف وسخرية:

_ الرجالة اللي ضربنا عليهم نار واللي صعبانين عليكِ وهما كانوا هيقتلونا.

حركت رأسها بفهم ولكنها شعرت بأنفاسه تلفح وجهها فقد تقدم خطوة في لمح البصر ولم تلاحظه، نظرت لجوف عينيه بصدمة، بينما همس هو بجوار أذنها بمكر شديد يضع يده بجيب سرواله:

_ أتعودي بعد كده لما أتكلم ولا أقول حاجة متسأليش عشان مش في مصلحتك تسألي.

تسربت الحمرة بوجنتيها، وتهدجت أنفاسها، فضاعت من قربه لها، لتتحدث بتوتر بالغ وهي تتراجع إلى الخلف بخطواتٍ بسيطة فتعيد أنفاسها الضائعة:

_ حاضر.

تراقص المكر بيعنيه، فتحولات ملامحه لذئب ماكر، يعلم جيداً كيف يزيد من توترها، غمغم بتسلية ماكرة لم يعهدها من قبل:

_ بلاش تخلي خدودك يحمروا عشان الواحد مش ضامن نفسه وأحنا بالغابة لوحدنا!!!

اتسعت حدقتيها بشدة، وتلون وجهها كاملاً بالحمرة الشديدة بعدما قاله، بينما صدع صوت ضحكته بعدما فعلته تلك البريئة، ليهتف وهو عائد ولا تزال يده بيجيب سرواله:

_ تعالي نقرب من النار.

رمشت بعينيها قليلاً، ثم رددت بارتباك بعد أن ابتعد بمسافة جيدة:

_ لا أنا كده هموت بسكتة قلبية.. لو ملمش قلة أدبه دي.

*******لا حول ولا قوة إلا بالله********

داخل شقة السيد يوسف،،،،،،،

صدع صوت طرقات على الباب، فمزق تفكيره وقاطع تركيزه، نزع نظارته وهتف بصوتٍ عالي:

_ أدخل.

سارت بخطواتٍ هادئة، يتراقص الفضول بعينيه، فأصبح كالسحاب الذي يحاوط جبال الهيمالايا، جلست على المقعد بمواجهته وسألته بحيرة:

_ نعم يا بابا، حضرتك بعتلي.. في حاجة؟!!

حرك رأسه في جدية ثم همس بصوتٍ لا يتحمل النقاش:

_ ليان هتتفصل من المستشفى!!

كادت أن تتحدث ولكن قاطعها بصرامة مردداً بصوتٍ حاد:

_مـــريم.. مش عايز كلام بالموضوع دا.. المرة اللي فاتت عديتها وعشان خاطرك ودا مش أسلوبي لكن المرادي مش هينفع.. كفاية أوي أني مش هدفعها الشرط الجزئي وهرجعها مصر علطول.

ألتمعت عيناها بالحزن، وهمست بصوتٍ مختنق من الرغبة في البكاء:

_ خلاص يا بابا، في حاجة تانية.

تنهد بأنفاسٍ ثقيلة، وهتف بجدية تحمل بأطيافها الحنان:

_ بصي يا مريم، ليان بنفسها لما جت عرفتها الكلام دا، وهي غابت أكتر من يومين، وكمان سمحت في أول مرة، الله أعلم هي بتمر بإيه بس هي المفروض تلتزم ولاسيما إن دي أول مرة تشتغل هنا، وأنتِ عارفة برضو إني مش بشغل بواسطة وميرضكش حد يقول عليا كده.

فطنت ما يرمي له، لتمنحه ابتسامة رقيقة وهمست بهدوء:

_ خلاص يا بابا فهمت حضرتك، وأكيد ميرضنيش حد يقول على حضرتك حاجة، عن أذنك.

غادرت المكتب بهدوء، بينما تنهد هو بألم فهو يعلم قسوة الفراق.

************

بنيويورك،،،،،،

أنغمست بقاع أحزانها، لتقع ضحية له يفترسها بشرسة دون رحمها، جلست شاردة بآلامها، يكاد يقفز الحزن من عينيها، حتى لاحظتها هاتان العينان اللتان حملات غصة أليمة عندما رأتها هكذا، همس بنبرة هادئة.. ساكنة، يتأمل النار المتوهجة أمامهما:

_ مالك؟!!

نظرت له قليلاً، ثم عادت ونظرت للنار، تُحرك عيناها مع الرماد المحترق المتصاعد للأعلى بشرود، ثم تمتمت بنبرة حزينة تتألم بشدة فتخبر من يسمعها عن عنف ألمها:

_ زمان الدكتور يوسف رفدني!!

لم تتحرك عيناه عن النار بل باغتها بسؤالٍ آخر يعلم إجابته ولكن أرد أن يخرجها مما هي فيه:

_ ليه؟!!

ابتسمت بحزن دافين، ثم قالت بغصة علقت بحلقها فخرجت عنها كلمات مختنقة:

_ آخر مرة الدكتور يوسف أقال لو غبت عن الشغل تاني هيرفدني وأنا غبت أكتر من يومين فزمانه رفدني من المستشفى، وكده هتبهدل هنا بعد ما الناس الغريبة دي تبطل تطاردني، وبكده حلمي ضاع.. وهرجع لبابا كما ذهبت.. ممعيش حاجة أحققها وأكيد هو هيزعل كفاية إنه يوم سفري تعب وجه معايا وعينيه كان فيها دموع، تفسي أرجع أدخل في حضنه تاني.

اجتاحه شعور بالألم الحاد وكأن أحد وضع على جرحه بعض الملح فكوى بيه ألمه وجعله يزداد عما كان، كلماتٌ بسيطة خرجت من فمها فأُلقِيت عليه كجمرات نار مزقته وأحرقت قلبه، مجرد ذكرها لأسم والدها جعله يتألم بشدة وهو لا يعلم كيف سيخبرها، هتف بعد أن أعاد رباط جأشه:

_ هقدر أوفرك شغل في مستشفى الألفي وأكيد عارفة إيه هي مستشفى الألفي.

رمشت بعينيها في صدمة ثم هتفت بذهول:

_ المستشفى دي مش بتشغل غير اللي تبعهم بس هدخلني هناك إزي؟!!

نظر ببرود وغمغم في سخرية:

_ ما عشان تخلفك دا مش هجاوب!!

نظرت له بغيظ طفولي، ورددت بغضب:

_ ربنا يسامحك

رمقها بنظرة شرسة، فترجعت بجسدها للخلف قائلة بتوتر:

_ بدعي ربنا أنه يسامحك إيه!!

حرك رأسه بيأس على تلك البلهاء وعاد ينظر للنار، متمتعاً بجمال الصمت ولكنها لم ترضى بأن ينتصر الصمت عليها، فهتفت في حماس زائد:

_ إيه رأيك أسئلة وأنت تجاوب هي أسئلة عامة؟!!

صمت ولم يجيب عليها لتردد هي بمزاح:

_ السكوت علامة الرضا.

ظلت تفكر قليلاً في سؤالٍ حتى اتسعت ابتسامتها ورددت بتفاخر:

_ هسألك سؤال في البيورجي بس صعب، الجنين بيتكون من إيه في تكوينه يعني إيه مكوناته؟!!

رفع حاجبه ثم قرر أن يرى حمرة وجنتيها ليهتف بمكر:

_ تحبي أعرفك بيتكون من إيه عملي!!

توترت ملامحها وبالفعل تسربت الحمرة بوجنتيها، لتهتف بصوتٍ مرتبك:

_ لا.. إيه قصدي إنه بيتكون من ثلاث جرثومات وأنا هقولك أسميهم ( الأكتودرم، والإندودرم، والميزودرم)

ثم أضافت تسأله بحذر بالغ، فأصبحت تخشى مكره الذي يخجلها:

_ أقولك كل واحدة من الجرثومات بتكون إيه من جسم الجنين.

نظر لها وقد أحس بالشفقة عليها وملامحها المتوترة والحمرة التي تزداد، فأجابها بهدوء ليهدئ من ارتباكها الظاهر:

_ ماشي.

صفقت بيداها مثل الأطفال وكأنها حصلت على جائزة كبرى وهتفت بحماس شديد، جعل من زياد يتأملها فيزيد من تعلقه بها:

_ بص الأكتودرم دي بتكون الطبقة الخارجية لنطفة الموجودة برحم الأم وكمان خاصة بإنشاء الجلد والجهاز العصبي، الميزودرم دي بتنشئ الأنسجة الضامة والهيكلية والعضلات وكمان مسئولة عن الجهاو الدوري والتناسلي والحبل الظهري، ونيجي بقي لأخر طبقة وهي الأندودرم وهي بتنشأ عنها الجهاز الهضمي والبنكرياس والكبد.

أنتهت من توضيح بعض المعلومات، ثم نظرت بدقة قائلة بنبرة متسائلة:

_ هاا فهمت؟!!

هز رأسه ثم تمتم ببسمة صغيرة:

_ أكيد يعني يا ليان أنتِ مش بتشرحي بطفل.

حركت رأسها، ومن ثم رددت ببسمة صغيرة رقيقة، يفيض من عينيها السعادة:

_ عارف ببقى فرحانة وأنا بتكلم معاك بحس براحة.

ثم أضافت تبغته بسؤال والفضول علم طريقه لعقلها:

_ وأنت بتحس بإيه لما بتتكلم معايا؟!!

تفاجأ بسؤالها والعجيب أن الإجابة كانت واضحة فهو أيضاً يحب الحديث معاها، طال صمته فتخلل ليان شعور باليأس أنه سيتجاهلها ولكن مزق اعتقادها عندما ابتسم بغموض قائلاً:

_ أوقات القلوب بتتغير فاللي كنت فاكر إنه مش هيحصل بيحصل ومع ابسط الأشياء.

قطبت جبينها، ونظرت متحيرة لم تفهم منه كلمة واحدة،ولكنها قررت أن تغير السؤال عندما التمعت عيناه بالمكر الذي تعرفه فهمست بخجل تحاول أن تخفيه:

_ أناا معرفش عندك حاجة غير أسمك زياد بس حتى معرفش أسمك ثنائي، أحكيلي عنك يا زياد؟!!

أغمض عيناه بعنف، وقبض على يده فبرزت عروقه بشدة، وميض من الحادث يظهر أمامه والده الغارق في دمائه، شقيقته وهو يخرجها من السيارة، ويرى وجهها المتلطخ بالدماء فأخفى ملامح وجهها، تهدجت أنفاسه بشدة، وكأنه كان بسباق للركض، يشعر أنه هوى من فوق جبل فسقط بدوامة سوداء أغرقته في بحور ظلامها، نهض عن مكانه وهتف بجمود:

_ قومي نامي ومش عايز نقاش.

ازدردت حلقها، ثم حركت رأسها وهي ترى تحوله الغريب فجأة، فلم يصبح بعقلها سوى شيء واحد ما الذي مر به زياد مع عائلته ليصبح بتلك الحالة؟!!

******استغفر الله العظيم*******

بشقة السيد رأفت،،،،،،

أمسكت سهام بهاتفها ترسل رسالة كما أخبرها والدها، ولكن انتفضت عن الفراش وحجظت عيناها وهي ترى نص رسالته، فشعرت برجفة خفيفة تسير بجسدها، داعب قلبها كلماته الصغيرة، واجتاحتها سعادة فهو وصل لمصر وسيأتي بالغد لها، ولكن صدع صوت ضحكتها وتوردت وجنتيها بعدما نظرت للرسالة التي تاليها « أنا بقول أجي أتقدم دلوقتي»، نهضت عن مكانها وجلست فوق كرسيها تمسك بالهاتف وتحرك أصابعها بسرعة وهي تكتب كلمات صغيرة جادة« لو سمحت بلاش الكلام دا وانتظر لبكرة وكمان تكلم بابا عشان تتفق معاه»، عضت على اصابعها، وهي تلاحظ الشاشة وأنا سيرسل رسالته بعد دقائق، ولكنها شعرت بطول تلك الدقائق وهي تنتظر بلهفة غريبة وسرعان ما تسربت الابتسامة إلى شفتيها، لتشرق شمس ذهبية على ملامحها بعدما قرأت ما كُتِب« هو بعد لو سمحت هقول حاجة، خلاص بكرة هنتظر وإن شاء الله تبقي نصيبي».

شعرت أنها ستلحق بسماء السعادة، لتغوص ببحور الفرحة، وتغرق بعسل الحياة قليلاً.

************

بمشفى الألفي،،،،،

يجلس وعيناها لا تلتمعا سوى بالكره والحقد عليها، استغلت ملامحها البريئة لتخدع بها الجميع، ولم يكفيها هذا بل أعترفت بفعلتها الشنيعة بحقه، ولكن هذا الأحمق_ قلبه_ لم يصدق إلا عندما شاهد الواقع بعينيه فتحطم بعنف وتألم بشراسة، زفر ببطء وهو يريح ظهره للخلف ينظر أمامه بشرود متذكراً دليل الذي أنهي ولو شك بسيط ببراءتها

***

خرج من سيارته بالإرهاق واضح بعدما قضى وقت طويل بالشركة، يمسك بهاتفه والمفاتيح الخاص به، وقبل أن يدلف للداخل أُرسلت رسالة على هاتفه، زفر بضيق واضح وقرر النظر بها؛ فهُم الآن يمرون بأزمة عنيفة في الشركة ولابُد من أن ينهي إحد المزادات لتمر تلك الأزمة دون خسائر، جحظت عيناها بشدة وكأن وقع عليه دلو ماء بارد فسبب له صدمة شلت لسانه، زوجته قد سحبت مليون جنية من حسابه دون أن تخبره ماذا ستفعل بهذا المبلغ الكبير ولِمَ لَمْ تخبره، دارت عواصف من الأسئلة برأسه حتى قرر أن يجلس بعيداً عن القصر لينتظرها، يتأكل من نيران الشك، تكاد تنفجر رأسه من كثرة التفكير ماذا ستفعل بهذا المبلغ؟، علامة استفهام كبيرة وضعت أمامه؛ فأصبح التسلق عليها صعباً، افاق من شروده عندما استمع لصوت سيارتها، كاد أن يتحرك نحوها وهي تصف سيارتها ولكن سمع صوتها يهتف في عجلة:

_ أيوة.. أيوة.. هطلع أغير بسرعة وأجي وأجبلك الفلوس... خلاص ماشي هقبلك عند كافتيريا **** وهخدك ونروح الشقة.. ماشي .. سلام يا أحسن إنسان شوفته.

ابتسمت بسعادة وقبلت الهاتف بحب شديد ربما لم يراه من قبل معها، عاد أدراجه وقرر مراقبتها ليعلم أين تخرج دون أن يعلم أحد،وبعد مدة ليست بطويلة، شعر بحركة خفيفة ليراها ترتدي أفضل الملابس، تتألق كعادتها وترسم عيناها بحرفية مستخدمة بعض مستحضرات التجميل الخفيفة والرقيقة تألم بعض الشيء؛ فهي لم تفكر قد بأن تريه أي شيء، لا تشاركه ابسط أمورها فتهشمه بعيداً عنها كأنه نكر، دلفت لسيارة بسرعة، و غادرت القصر، بينما تجسس خلفها والشك يضمر قلبه ويسممه، ظل سير خلفها بهدوء دون أن تلاحظ، ولكن شعر بألم حاد يغزو صدره وهو يراها توقف السيارة وتقف أمام شاب تبتسم له بسعادة وتخبره بالركب سريعاً بالسيارة، تحرك خلفها وعيناها تلتمع بهما ألم عنيف، تتهدج أنفاسه وتصبح على وشك الإنقطاع، حتى توقف امام احدي العمارات الراقية تخرج من سيارتها و ضحكتها تشرق على فمها، سارت لداخل تحمل الحقيبة الموجود بها المال وجوارها هذا الشاب الخبيث وعيناه التي تدقق بملامح زوجته، هبط من سيارته وتقدم بهدوءليسأل هذا البواب عنها، فأجابه البواب:

_ ايوة يا بيه هي بتيجي هنا كل يوم واحياناً يوم ويوم مع الأستاذ آسر والصراحة عمري ما شفتها جت هنا إلا وهو معاها وبيضحكوا، اشتعلت عيناه بقوة فقط الآن لا يريد سوى الانتقام منها...

***

أنقطع حبل الذكريات عندما دلفت الممرضة تخبره بأنه لابد من المغادرة، فأشار بيده لها بأن تخرج وسيغادر خلفها، ونهض عن مكانه ثم اقترب بخطواتٍ بطيئة لها حتى أنحنى بجزعة العلوى، يهمس جوار أذنها بصوتٍ تفوح منه رائحة الشر:

_ عارف إنك سامعة كل كلمة، وهنتقم على كل لحظة حبيتك فيها، وإن أتجوزت واحدة خاينة زيك، صدقيني هندمك يا ندى!!!!

*********

:_ هل علمت أين هم؟!!

استدار برأسه قائلاً بنبرة جامدة:

_ لقد اوشكنا من الأقتراب وربما باحتمال كبير أنهم بالغابة وسنرسل رجالنا للتأكد.

ابتسم مايكل بشر وهمس بلهجة بلغ الشر فيها أقصى حدوده:

_ واخيراً سأتخلص من هذا الماكر وهذه الفتاة!!!!

*******

بالغابة،،،،،

شعرت بانزعاج شديد مما يداعب جفنيها، فأشعة الشمس علمت طريقها لتستيقظ هذه البريئة وتشرق باقي الأرض، ولكن عندما فتحت حدقتيها اتسعتا بشدة وهي تنظر للذي أمامها وما أن رأته حتى....

يتبع.

بسم الله الرحمن الرحيم

#سلسلة_عواصف_الغموض_والحب

#الجزء_الأول_بعنوان

#ظلام_الذئاب

#بقلم_سلمى_خالد

#الفصل_الثامن_عشر

********

صدمة كست ملامح وجهها، وكأنها حصلت على مفاجأة لم تكن بحسبانها، تعالى صوت صراخها بشدة وكأنها بأوبرا وتغني، تراجعت للخلف بفزعٍ شديد، بينما تخلل سمعه صوت صراخها لينهض عن مكانه بسرعة حاملاً مسدسه، يصوب باتجاه الذي تنظر ليه ليان التي تمتمت بكلماتٍ خائفة جعلته يشعر بغضب جامح:

_ ضفدع لأ ضفدع لأ!!!!

أغمض عيناه بانفعال شديد وحل الصمت بالمكان ماعد أصوات زفير زياد المنفعلة و صوت نقيق الضفدع، عاد وفتح عيناه الأشبه بالوحوش ونظر باتجاه ليان التي تبتسم بتوتر بالغ، وهتف بصوتٍ هادئ قائلاً بهدوء مزيف:

_ أنتِ بتصرخي عشان الضفدع صح؟!

نظرت ببلاهة، ثم رددت بصوتٍ خافت:

_ آه.

عض على شفتيه السفلى بغيظٍ شديد، وقبض على يده بعنف وكأنه يريد أن يمزق جلده، ثم زمجر بغضب عنيف قائلاً بشراسة:

_ أنتِ متخلفة يا بت أنتِ..عاملة الصريخ دا على ضفدعة محصلش طولها 3 سنتي يا عيلة يا تافهة.

انكمشت ملامحها بخوف ولكن سرعان قد تحول إلى ضيق عندما استمعت لكلمته الأخيرة وهتفت بضيق شديد:

_ متقولش تافهة أنا مش تافهة.

رمش بعينيه من حديثها، وصك على اسنانه بعنف ثم صاح في غضب:

_ مضيقكِ أوي كلمة تافهة.. طب يا تافهة.. يا تافهة..يا نقطة سودا في حياتي.

زمت شفتيها بحزن، ثم همست باقتضاب وقد لاحظت رغبته في جرحها:

_ الله أنا مش نقطة سودا في حياة حد أنا الحياة نفسها.

اتسعت عيناه في ذهول من ردها البارد، ثم أخذ نفساً عميقاً ثم هتف في برود:

_ ودي أكبر نصيبة أنك هتكون الحياة نفسها سودا.

اختفى من أمامها بينما وقف هي تنظر للمكان الذي كان يقف عليه وأغمضت عيناها فعلى الرغم أنها تعلم جيداً أنه يريد أن يستفزها، ولكن واقع الكلمات على مسمعها سبب جرحاً مؤلماً بداخلها، هبطت دمعة صغيرة من أهدابها، تعلن عن ظهور جرح جديد قد سببه لها، ولكن لم تلاحظ الندم المحلق فوقه وهو يرى دموعها التي بدأت أن تهبط بسرعة، فأصبح الندم بنسبة له شخصاً قاتل، ويعذبه ضميره عذاباً قاسياً فلم يرغب بجرحها ولكن هي الوحيدة القادرة على أن تخرجه إلى ساحة الغضب .

****اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد******

بشقة السيد رأفت،،،،،

استمعت لصوت الساعة تدق السادسة و شعرت بأن قلبها على وشك أن يقف من التوتر، قطعت الغرفة ذهاباً وإياباً، تتهدج أنفاسها بصورة غريبة، تفكر ماذا ستفعل؟ وهل سيوافق والدها؟ فبدأت تغمغم بكلماتٍ لم تنف توترها بل أثباته:

_ هو أتأخر ولا أنا بيتهيألي، لالالا ممكن بابا ميوافقش، طب أنا متوترة ليه، يالهوي لو دخلت بالصينية واتكعبلت على الأرض، طب ناقص حاجة فى الصالون..

بُترت كلماتها عندما صدع صوت تعلمه جيداً:

_ جاهزة يا سهام أنتِ أكدتِ عليها اكثر من خمس مرات النهاردة.

استدارت تنظر لوالدها، لكن امتلأت قسمات وجهها بخوف وتوتر، كأنها باختبار صعب ولابد من أن تنجو منه، فهمست سريعاً تحاول اخفاء توترها الزائد :

_ بابا آآآآ.

تقدم بخطواتٍ هادئة، ثم وضع يده على وجهها يهمس بحنان بالغ:

_ أنا عارف يا بنتي أنك متوترة وقد إيه خايفة ولو مامتك الله يرحمها موجودة كانت هتخفف عنك التوتر دا، بس أكيد أنها كانت هتبقى في قمة فرحتها لما تشوفك زي البدر قدمها.

أدمعت عينيها تتذكر غاليتها الراحلة، كالزهرة التي تقطف من بستانها فيشتاق إليها باقي الورد، رددت بصوت مبحوح:

_ الله يرحمها يا بابا.

ضمها لصدره ثم تمتم بسعادة شديدة وعيناه تدمع فرحاً:

_ كبرتي يا سيمو وبقيتي عروسة وخلاص هتسبنى لوحدي.

تعالى صوت بكاؤها ثم غمرت وجهها بصدره وهي لا تهتف سوى:

_ لا يا بابا مش عايزة أسيبك خلاص مش هتجوز.

ابتسم ضاحكاً وبعدها قليلاً، ينظر بحدقتيها قائلاً بنبرة حنونة:

_ لا يا حبيبتي أنا أول واحد هبقى فرحان انك بتتجوزي وتروحي مع شخص يحافظ عليكِ.

صدع صوت جعل من دقات قلبها تزداد بشدة وتوردت وجنتيها، بينما ضحك رأفت وهو يرى حمرة وجنتي صغيرته ليهتف بسعادة:

_ أهو وصل اهو، لو المقابلة عدت على خير يبقى خلاص يا حبيبتي هنقول مبارك.

غادر بسرعة ليفتح الباب بينما وقفت هي تبتسم، لا تعلم لِمَ ظهرت هذه الإبتسامة على محياها ولكن عنف دقات قلبها، فطنت منها أنها وقعت بغرامه.

***لا إله إلا الله***

بغرفة الخاصة بالضيوف،،،،،،

ابتسم هادئة ظهرت على محياه وسط هذا الصمت الذي بُنى في الغرفة، قرر أن يكسر هذا الصمت وحمحم بصوته قائلاً ببعض اللباقة:

_ أحم أنا جاي النهاردة يا عمي وطالب أيد الآنسة سهام.

ابتسم رأفت ويكاد قلبه يرفرف في ثنايا السعادة، وأخيراً وجد شخصاً مناسباً لصغيرته فـ مَظهره يوحي بأنه شخص ملتزم وسيحافظ عليها، ردد رأفت بهدوء متبسماً:

_ دا شرف ليا طبعاً بس رأي العروسة أهم.

هز رأسه يبتسم بثقة، بينما استدعى رأفت ابنته التي كان يملئها التوتر، فلم يسبق لها أن وقفت بهذا الموقف من قبل تشعر بخجل واحراج غريب ولكنه يداعب قلبها الصغير بالسعادة، سارت إلي داخل الغرفة بخطواتٍ مرتجفة، ليتطلع الآخر لها بإعجاب شديد، وكأنها أميرة فربما رأي العديد من الفتيات ومنهم الأكثر جمالاً منها، ولكن عندما يختار القلب فتصبح هي ملكة جمال عقله، افاق من شروده وتطلعه لها على صوت حاد يعنفه:

_ جاااااااسر.

تنحنح جاسر للخلف بحرج قائلاً بهدوء مزيف:

_ أيوة يا عمي.

رفع أحد حاجبيه وغمغم ببعض السخرية:

_ ركز معايا يا بني الله يهديك.

كبحت ضحكتها بصعوبةٍ بالغة بينما أدار رأفت رأسه اتجاهها قائلاً ببسمة حنونة:

_ الأستاذ جاسر جاي طلب ايدك يا سهام إيه رأيك؟!!

توردت وجنتيها بخجل ثم همست وعيناها لم تفرق النظر للأرض:

_ اللي تشوف يا بابا.

حرك رأسه برضا وهتف بهدوء:

_ على بركة الله، خلاص نتفق بقى على مراسم الجواز والسكن.

أستنشق جاسر نفساً طويلاً ثم ردد بعدها بهدوء وثقة:

_ بص يا عمي أنا عندي شقة في مصر في منطقة هادية وكنت عايش فيها أنا وعمي بعد ما أبويا وأمي ماتوا، ومن مدة عمي توفى، و نقلت شغله في أمريكا وهي فيها فيلا هناك متجهزة وكل شيء، بس عشان خاطر سهام هنقل شغل عمي وأبويا في مصر واتابع عليه هنا بجانب شغلي في الشرطة وإن شاء الله مش هخليها تحتاج حاجة.

هز رأفت رأسه ثم قال بحكمة:

_ بص يابنى انا مش هعوز غير أنك تحافظ على بنتي ومش هقدر أقولك سيبها في مصر ما هي الحياة مش دايما وتعيش في المكان اللي يريحك بس سهام انا هجهزها وجهازها هيروح معاها زي أي عروسه.

نظر له قليلاً ولاحظ إصراره الذي يثني حديثه فهتف بمكر:

_ خلاص يا عمي ممكن بدل الجهاز تحط ليها حساب في البنك وبكده حضرتك أمنتها أكتر.

نظر له قليلاً وبدأ يقتنع بما قاله، فأردف قائلاً بحيرة:

_ والفرح؟!!

ظهرت سحابة من الحزن على عيناه تسكب ما فيها من آلام، ليتحدث بألم:

_ أنا قولت لحضرتك عمي متوفي من مدة فبستأذن حضرتك منعملش فرح.

حرك رأسه يفكر في شيء، ثم ردد باقتراح:

_ ايه رأيك نستنا سنة وبعد كده نعمل الفرح.

عض على شفتيه بحرج ثم تمتم بهدوء:

_ الصراحة مش عايز خطوبة يا عمي عشان أكون بحرية معاها علطول، وأنا بصراحة عايز نتجوز علطول وممكن حضرتك تسال عليا وهكتب العنوان لحضرتك قبل ما أمشي وإن شاء الله لما نتجوز هنسافر ونيجي على آخر السنة دي أكون خلصت التزاماتي هناك، فأحنا نكتب الكتاب ونسافر علطول ايه رأيك؟!.

نظر له قليلاً ثم عاد بنظره لصغيرته ليجد السعادة مرسومة على ملامحها وكأنها لوحة فنية ابدع الخالق في خلقها، تنهد قليلاً ثم قال بموافقة:

_ خلاص ماشي بس هنعمل حفلة بسيطة عشان الإشهار هنا وكمان حاول تبقى تنزلها في نص السنة أو حاجة بلاش تبعدها سنة كاملة.

حرك رأسه بهدوء وردد بنبرة زرعت الطمأنينة بقلب رأفت فأرحت عقله قليلاً:

_ متقلقش أنا ممكن أبقى أبعتها مصر قبلي وأنا أبقى أجي على هنا لما أخلص.

ابتسمت سهام بسعادة، ليهتف رأفت بهدوء:

_ نقرأ الفاتحة بقى.

****استغفر الله العظيم****

بشقة طارق،،،،،

انعكست الأمور بعد وفاته فأصبح حبيس بالمنزل، وكأنه راهب لا يريد أن يفارق معبده، سارت بخطواتٍ بطيئة، الألم رسم نفسه على ملامحها بحرفية، ثم نظرت إلى فلذ كبدها بحزن دفين قائلة بصوت مختنق من الحزن:

_ هتفضل كده كتير يا بني، أنا قلبي بيوجعني عليك لما بشوفك كده.

رفع بصره ببطء نحوها لتظهر لحيته التي نبتت منذ أيام، وردد بنبرة تحمل ألم حاد لم يكن مكنون في صدره هكذا:

_ وأنا قلبي وجعني على أبويا اللي مات، قلبي تعب من أني أشوف أبويا التاني بيموت، أنا تعبان ومحدش حاسس بيا، مخنوق من أني مش قادر أوصل لاختي اللي عم أحمد موصيني عليها، والله أعلم إيه اللي بيحصل معاها دلوقتي.

انفطر قلبها ونزلت عبراتها على صفحات وجهها لترسم مدى شعورها بالأوجاع، همست بصوتٍ مبحوح:

_ أنا قلبي مفطور عشان البت دي ومش عارفة هنعمل معاها إيه ربنا يصبرها بقي، المهم يا طارق رد على مراتك يا بني دي بترن عليك ومش بترد عليها ورنت عليا لما ملقتش فايدة، طمنها عليك يا حبيبي كفاية إنها مستحملة كل دا معانا وهي المفروض عروسة بتجهز نفسها.

تنهد قليلاً وهو يعلم جيداً أنها تحملت الكثير وانه أهملها كثيراً الفلاح الذي يهمل نبتته عندما يحتله الحزن فتموت من قلة الأهتمام، فأجابها بهدوء:

_ حاضر يا أمي أنا عارف أني قصرت معاها وهي بنت أصول حتى معتبتش عليا ولسه صابرة عليا.

ربتت على كتفه بحنو، ثم ظلت تتمتم بالدعاء تترجى من الله أن يحمي ابنها.

*****الحمدلله****

شركة جروب الألفي،،،،،

أغمض عيناه بنوعٍ من الإرهاق وبعض الانزعاج بعدما علم أن المدام داليدا تريد مقابلته، استنشق نفساً عميقاً ثم حاول رسم ابتسامه صغيره على ثغره فيمثل أنه ليس منزعج من الزيارة، وقف عندما وجدها تتقدم نحوه بخطواتٍ هادئة، تهتف ببسمة رقيقة:

_ أهلاً يا مستر وليد.

أشار برأسه ثم هتف في هدوء:

_أهلاً بيكِ أتفضلي.

جلست مكانها ثم بدأت بالحديث هاتفه بمكر وهي تعلم مدى سير خطتها جيداً:

_ كنت جاية للعرض بتاع المرة اللى فاتت بتاع الصفقة الشراكة.

نظر لها بثقة مضيقاً عيناه في بعض الشك منها:

_ وأحنا شركتنا مش بتشارك حد زي ما قولت ليكِ.

تابعت حديثها بإصرار قائلة:

_ النسبة هتكون أكبر ليكم، وكمان أي شركة تتمنى العرض دا.

وقف وليد رافعاً أحد حاجبيه بتعجب منها، ثم سند بيديه على حافة المكتب وانحني بجذعه العلوي ينظر لها مباشرةً:

_ وأسم شركة الألفي لو اتحط جنب أي شركة دا ربح ليها مش لينا.

نهضت داليدا عن مكانها، ثم هتفت بنبرة غريبة:

_ خلاص يا مستر وليد رسالتك وصلت بس اتمنى تيجي على العشا،

ثم تقدمت بجذعها العلوي تهمس بمكر أنثى:

_ حضرتك معزوم على العشا وأنا بنفسي هكون معاك.

منحته ابتسامة ماكرة ثم غادرت بهدوء بينما تعجب وليد من أسلوبها الغريب، وذلك الأصرار الذي لم ينته بعد رفض عرضها مرتين وكان رفضاً قاطعاً، فاق من بحور تفكيره على يد ممدودة له برسالة، لتردد السكرتيرة بهدوء:

_ مدام داليدا سابت الورقة دي لحضرتك.

أشار لها بأن تضعها وتغادر المكان، ونظر لها قليلاً قبل أن يفتحها وما أن فتحها حتى وجد « العشا هيكون في فندق*** وعلى فكرة العشا دا مهم ومنفعة لينا».

حلق الذهول على قسمات وجهه، ليقع بمستنقع التفكير بعد تلك الرسالة الغامضة أي منفعة سيحصل عليها وما هي؟، وكأن التفكير دوامة لن تترك البشر إلا بعد فنائهم من الدنيا، فهي توقعهم بظلامها دون رجعه.

****سبحان الله***

بمشفى اليوسف،،،،،،

نظرت للساعة فوجدت نفسها قد تأخرت عن موعدها بكثير، فقررت أن تفحص أخر ملف خاص بأحد العملاء، ولكن انقطع صفو تركيزها عندما شعرت بظل أحد ما أمامها، رفعت بصرها لترى من ينظر يقف فوجدته انه عميل كان معها منذ مدة وانتهت من علاجه، هتفت وعلى ثغرها ابتسامة صغيرة:

_ تفضل مارو.

أشارت على مقعد امامها ليجلس عليه بهدوء بينما استرسلت حديثها في هدوء:

_ هل لديك مشكلة ما؟!!

هز رأسه بالنفي، ثم أردف في حب:

_ كيف اعني من مرض وأنتِ طبيبتي.

صمتت مريم ولم تعقب، بينما استطرد مارو حديثه بنبرة عاشق:

_ مريم أنني أحبك بشدة وأريد الزواج منك.

تحول الصمت لصدمة تحتل قسمات وجهها، ما هذا المأزق الذي وضعت فيه فجأة كالبَحار الذي يغرق بعد عاصفةٍ مفاجأة ، قطب مارو جبينه هاتفاً بحيرة:

_ لِمَ لَمْ تُجيبي؟!!

ازدادت ريقها وبدأت تبلل شفتيها بعد ما حصل لهما من صدمة، وهتفت بصوتٍ مرتبك:

_ مارو إن مشاعرك وهمية، وليست حقيقية أنت فقط تريد أن تشعر بالامتنان لأني ساعدك وليس أكثر.

حرك رأسه في إصرار قائلاً بسرعة:

_ لا مريم انا بالفعل أحبك وأثق في مشاعري.

صمتت قليلاً تفكر في حل لهذه المشكلة العويصة التي وقعت بها، لتهتف بهدوء تحاول أن تهرب من كلماته:

_ حتى لو كانت مشاعرك حقيقية، لنفرض أنني وافقت هناك عقبات كثيرة منها أنني مسلمة وأنت..!

بتر حديثها بسرعة ينظر بحب عميق لها وهو يتمتم في حماس:

_ لم تعلمي أنني أشهرت اسلامي وسأتزوجك على سُنة محمد.

حدقت فيه بذهول، ولم تنطق بشيء، فهو يصر بشدة وتعلم ماذا سيحدث نتيجة هذا الإصرار؟ وإن لم تجد حل سوف تقع بمستنقع يملؤه المشكلات!!!!

****لا حول ولا قوة إلا بالله****

بالغابة،،،،،،

امسكت غصن صغير من الشجر وبدأت تحاول نحته كما فعلت والدتها، لتصنع لنفسها هذا الكمان الجميل، تسبح في ذكرياتها التي كانت شاطئ الأمان لها، وتنتشلها من واقع حزنها لتغيم عليها سحابة السعادة، أُزلت ابتسامتها عندما وجدت ظل أحد أمامها، رفعت بصره لتجده زياد قررت أن تتجاهله بعدما قاله ولكن انقبض قلبها بعنف بعدما قال في جدية:

_ عايز أقولك حاجة مهم يا ليان.

رفعت بصرها سريعاً وتساءلت بحيرة:

_ حاجة إيه؟!!

تنهد بهدوء مجيباً:

_ حاجة تخص بباكي.

ألقت الغصن سريعاً ثم وقفت تمسك بيده وعيناها تستنجد به فأن يخبره خبراً سعيداً، كالعصفور الصغير الذي ينتظر والدته لتحضر له ما يسد صراخ جوفه، فأغمض عيناه بشدة ثم ردد بهدوء:

_ والدك تعيشي أنتِ!!!

يتبع.


بسم الله الرحمن الرحيم

#سلسلة_عواصف_الغموض_والحب

#الجزء_الأول_بعنوان

#ظلام_الذئاب

#بقلم_سلمى_خالد

#الفصل_التاسع_عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

*************

صاعقة من السماء هبطت عليها، فلم يرمش جفنها ولم يتحرك ولو حركة واحدة، بينما نظر لها زياد ولاحظ يداها التي بدأت أن تنفلت من يده، وفي لحظة واحدة وقعت على الأرض تغمض عيناها ببطء، ثم تعيد فتحها عدة مرات، شعرت أنها على حافة هاوية وستقع فيها أو ربما وقعت بالفعل فيها، أُغرقت عيناها بالدموع ونظرت إلى زياد الذي ضم شفتيه لبعضهما بألم من رؤيتها هكذا، شعر بها فقد تجدد لديه لحظة وفاة والده وكأن الألفة التي قالها السيد أحمد كان يقصد بها أنها ستصبح جزءاً منه وليس فقط بحياته، همست ليان بصوتٍ متقطع تحاول فيه أن تجد أمل ضاع وهي تسبح بعالم ذكرياتها:

_ زياد قولي أنك عايز توجعني وكلامك مش صح!! صدقني مش هزعل وهسمع كلامك!! بس قولي كلام غير دا!!

هتفت بجملتها الأخيرة وهي تبكي بشدة، ليهبط زياد لمستواها قائلاً بصوتٍ هامس:

_ شدي حيلك يا ليان، وخليكي أقوي من كده.

نظرت له بألم عميق فأصبحت عيناها هي من تبوح عما يكنَّه قلبها من آلام، بدأت بالبكاء حاد.. دموع لا تتوقف عن الهطول وكأنها عاصفة أمطار قررت أن تُغرق وجهها، ضمت نفسها كالجنين لاتعلم أين هي الآن، فعالم الحزن أخذها له فأصبحت تائهة في شوارعه، لا تعلم طريقاً للعودة، دائماً ترى أنها وقعت بدوامة سوداء ولكن اليوم قد مزقتها تلك الدوامة إلى شظايا صغيرة تصراخ وتعاني من الألم، أغمض عيناه ببعض الأسى وهو يراها هكذا، ثم نظر لها بعد أن اقترب قليلاً منها مردداً برفق:

_ أهدي يا ليان، و خرجي اللي جواكي لو تقدري!

لم يجد منها استجابة، فحاول أن يخبرها ببعض الكلمات الصغيرة لعلها تهدئ من النيران المتأجج في صدرها:

_ بصي يا ليان على قد اللي أنتِ فيه على قد ما الكل أتعرض للموقف دا، بس منهم اللي خدو من صغره فالوجع كان الضعف، و فيه اللي بيشوفه بيموت قدامه وهو عاجز عن إنه يعمل شيء...

بُترت كلماته عندما رفعت رأسها بعد ما اسندتها فوق ركبتيها المضمُمَتان لصدرها، وهتفت بصوتٍ مبحوح ليس لكثرة البكاء وإنما لكثرة الألم الذي كوى قلبها بلهيب القسوة، وكسر ضلوعها فجعلها رماد يطير مع الريح الأوجاع:

_ كان نفسه يشوفني ببني المستشفى اللي حلمنا بيها "ابتسامة حياة"، كنت بعمل اللي في وسعي عشان أفرح قلبه اللي كسرني لما مستحملش مرضه، كنت بقوم كل يوم أطمن عليه وأبوس راسه وأحمد ربنا أنه جنبي عشان مليش غيره، أمي ماتت وأنا لسه صغيرة متمتش الخمستاشر سنة، بابا كان كل حاجة في دنيتي، كان روحي اللي عايشة بيها وراحت معها وبقيت ميتة، كان السند اللي عمري ما هلقي غيره بدنيا واتكسرت أوي لما مات، كان حبيبي اللي بيقوي قلبي على قسوة الدنيا وفي النهاية الدنيا هي اللي هتقتلني بدم بارد، كان كل حاجة في حياتي وراح!!!

صمتت وهي تنظر للأمام كأنها ترى شخصاً أمامها على الرغم من جلوس زياد بجانبها، اسندت بذقنها على ركبتيها وبدأت تنحب بصمت، تغرق في سُم دُسَتْ فيه بكل بشاعة وقسوة، نظر لها زياد ببعض الغموض، ثم نهض عن مكانه يُجري مكالمة سريعة وبعدها اختفى من مكانه !!

************

بفندق الخاص بشركة الدمنهوري،،،،،،

دس يده بجيب سرواله الأسود، يسير بخطواتٍ هادئة، ينظر لتصميم الفندق فوجد أنه مصمم بطريقة احترافية مما جعل الشك يزحف لقلبه، قطب جبينه عندما لم يجد أحد بالفندق فقط العاملين به، فنظر حوله حتى صدع صوتها الرقيق يهتف برقة:

_ نورتني يا مستر وليد.

أدار رأسه ونظر لها فأكملت كلماتها وهر تقترب حتى أصبحت أمامه:

_ وطبعاً أسعد وحدة في مصر إن وليد الألفي معها الليلة.

رفع حاجبه ثم ابتسم باعجاب من شجاعتها وحديثها الجريئة، وردد بهدوء يثنيه إعجاب:

_ أممم قولتي عندك عرض وكلام في منفعة ليا عايز أعرف إيه المنفعة اللي هاخدها؟!!

ابتسمت بمكر، ثم رفعت يده العارية من الفستان عاري الكتفين، ولكن يهبط إلى الأسفل باتساع من اللون الأزرق الغامق، فيبرز جمال ورشاقة جسدها، تشير في اتجاه ما، قائلة بنبرة هادئة ماكرة:

_ أكيد مش هنتكلم هنا أتفضل.

نظر لها بغموض ثم ابتسم بإعجاب وهو يرى أسلوبها الجديد، وهتف بصوتٍ هادئ:

_ ماشي، أتفضلي.

سار معاها حتى وصل للطاولة الخاصة بهم والتي كانت مزينة ببعض الشمع الذي أبرز جمال المكان، جلس الاثنان بهدوء فهتف وليد بهدوء:

_ أتفضلي سمعك.

رفعت يدها تضعها أسفل ذقنها، ثم رددت بصوتٍ ماكر، وتُرسم على شفتيها ابتسامة صغيرة:

_ طبعاً العرض اللي في شركتكم أترفض وأنتم مش بتشاركوا حد، إيه رأيكم نفتح مع بعض شركة كبيرة جداً وتكون خاص بالصيانة، بس هيكون الفرع في امريكا ومش شركة الدمنهوري اللي هتشارك.

رفع حاجبه بتعجب منها وهتف متسائلاً:

_ مش انتم اللي هتشاركوا، أمال مين اللي هيشارك؟!!

ابتسمت بمكر هاتفه بنبرة خبيثة:

_ مش هقدر أقول الأسم إلا لما توافقوا أنا ما إلا وسيط بينكم وبس.

نظر لها قليلاً، ثم ردد بهدوء قائلاً وهو يراها تمسك بكأسها وترتشف منه بهدوء:

_ وطبعاً هو اللي مشتري شركة الدمنهوري وساب أسمها تمويه عشان محدش يكشف الشركة بتاعته وهو برضو اللي بعتك ليا ومخليكِ تتفقي معايا.

ابتسم وهي تضع الكأس جانباً قائلة بتوضيح:

_ كل اللي قولته صح، معاد أخر نقطة هو قالي اتفق مع جروب شركة الألفي..

ثم بدأت أن تُكمل وهي تنظر بجوف عينيه في عمقٍ شديد وكأنها تريد أن تسبح لعالمه:

_ بس أنا اخترتك أنت!!

حرك رأسها وهو يكمل كلامه متجاهلاً أخر ما قالته ولكن لم يعلم أن كلماتها داعبت قلبه:

_ وهو بيشارك الشركات الكبيرة برضو عشان محدش يعرف اسم شركته اللي في الباطن.. مستغل أن الشركات اللي بيعمل معاها الصفقة مش بتحب تعلن عن الصفقة المشتركة دي صح واللي نسبة أرباحه ليهم.

حركت رأسها وهي ترفق ابتسامة صغيرة ثم رددت بلهجة غريبة أثارت إعجاب وليد:

_ إيه رأيك نوقف كلام لحد كده تفكر قبل ما أسمع ردك وكمان نتعشا سوا.

رمقها بنظرة غريبة ثم هتف بنبرة أعجاب:

_ أوك وردي هيوصلك قريب.

**************

يخطو بقدميه في ذلك الطريق الهادئ، تزداد ابتسامته كلما تأتي نسمات الهواء و تلفح وجهه وتجدد خلاياه، همس بداخله بسعادة:

_ ربنا يهنيكِ يا سهام يا بنتي.

نظر للعمارات المرصوص بنظام، حتى رأي رقم العمارة التي ستقطن بها ابنته، ثم ذهب للعمارات المجاورة لها وبدأ يسأل عن جاسر العراقي، فلم يجد سوى سمعته الطيبة، تنفس براحة، فهكذا ستعيش صغيرته مع من سيحافظ عليها، قرر أن يعود سيراً على الأقدام يستمتع بجمال الأشجار و لونها الأخضر الذي ينسج السعادة بقلوب من يراها فسبحانه الخالق العظيم الذي أبدع في الطبيعة التي نسرق منها البهجة.

************

احتل ظلام الليل الأرض، فلم ترى هي سوى ظلمة الليل فقط التي تسربت لقلبها وجعلته غير قادر على أكمل تلك الحياة، تنظر للسماء ولظلامها فتصبح الشاهد على دموعها التي لم تفارقها بعدما سمعت أنها لن ترى ولدها مرة أخرى، فرغم احتلال النجوم السماء إلا أن الألم الذي تسرب لعينيه كان قاسياً، فمنعها من أن ترى جانباً آخر من السعادة، شعرت بوجود أحداً جوارها ولكن ما يهم ربما لو أحد من أفراد المافيا سينتهي الأمر ويرتاح قلبها الصغيرة من قسوة الحياة وشراستها ولكن لم يكن هم، جلس جوارها على ذلك الجذع الذي تجلس عليه، ثم ردد بصوت هادئ يثنيه بعض حنان:

_ أنا عارف يا ليان أحساسك، ويمكن أنتِ أكتر واحدة هحس بيها وأنتِ هتحس بيا، بس الفرق انك في نعمة يا ليان!!!

حدقته بنظرات مندهشة، بينما ابتسم هو بألم مسترسلاً باقي حديثه، يشعر بأنه يعيد ذلك المشهد مرة أخرى:

_ تخيلي يا ليان تبقي راجعة مع والدك وفرحانة، وفجأة تطلع عليكِ عربية سودا تقتل أبوكي اللي بيحميك من رصاص بيضرب عليكِ زي المطر، ويموت قدم عينك وأنتِ عاجزة أنك تحميه، ملحقتش تعيش معاه عمرك كله، أي طفل محتاج أبوه لأن بيحس أنه هيقوى بيه، تخيلي بقي أنه مات قدم عينك ومش عارفة تعملي ليه حاجة، أنتِ جواكي شعوى بالوجع للفراق .. لكن شعور الوجع والعجز مع بعض دول ممكن يقتلوكي من جوا ومحدش حاسس بدا.

نظرت له قليلاً والصمت كان عنوان تلك اللحظة، عيناه اللتان تتحولا للحُمرة شديدة، عروق التي برزت من عنقه، فعلمت أنه مر بالكثير دون أن يشعر به أحد، لم تعلم كم مر من الوقت وهي تتأمله حتى هدأت ملامحه، ولكن بدأت تظهر شبه ابتسامة عندما أخرج صندوق ذكرياتها الذي ظنت أنها فقدته ولن يعود مجدداً، مدت اناملها تتحسس عالمها الصغير وهي تنظر له بحنين وعيناها تدمعان، ثم ضمته لصدرها وكأنها أم فقدت صغيرها وعاد مرة أخرى، نظرت لزياد وعيناها تفيض منها الدموع قائلة بصوتٍ مبحوح يحمل بأطيافه الامتنان:

_ شكراً يا زياد، شكراً يا حبيبي.

تجمدت عروقه فجأة عندما استمع لكلمتها الأخيرة، ونظر لها بهدوء ثم ابتسم عندما وجدها تخرج محتويات الصندوق وتبتسم بسعادة، ولاحظ أنها تخرج تذكرت والدها وتضمها بسعادة وتهمس بحب:

_ يارب يرحمك يابابا يارب يجعل مثواه الجنة.

نظرت إلى زياد هاتفه بصوتٍ مرتجف:

_ زياد هو أنا أقدر أرجع مصر.

أغمض عيناه ببعض الألم قائلاً بهدوء وأسف:

_ للأسف يا ليان متقدريش تتحركي من امريكا لأنهم ممكن يفجروا الطيارة باللي فيها لو سافرتي مصر.

وضعت يدها فوق فمها تكتم تلك الشهقة حزينة متألم، ما هذه الوحشية، ألن استطيع أن أقابل والدي، تنهدت بألم وهبطت دمعة صغيرة على ما هي فيه من قهر، فشعرت بأنها وقعت مع وحوش الظلام يمزقون الطيب بعنف ليصبح مثلهم فعادت تبكي وهي تنظر لتذكرت والدها، نظر لها زياد ثم همس بداخله بحزن لأول مرة يشعر بألم عنيف اتجاهها:

_ آسف يا ليان بس لو رجعتي مصر، مش هنقدر نوصل للميكروفيلم وهنبقى مشتتين بين مصر وأمريكا.

************

بمشفى اليوسف،،،،،

لهفة تلتمع بعينيه وكأنه ينتظر نتيجة امتحانه، بينما كانت هي تفكر بماذا ستجيب عليه لتقلل من العواقب الوخيمة التي ستحدث، ازدردت ريقها، ثم هتفت بهدوء محاولة فيه توضيح بعض النقاط:

_ مارو إن مشاعري اتجاهك ليست إلا مشاعر طبيبة تنتهي عندما تتم عملية الشفاء وأنت أتممت شفاؤك لذا...

قاطعها عندما أشار بيده وهو ينظر بحزن مردداً بمحاولة أخرى:

_ ربما إن أعطيتني فرصة سأستطيع الحصول على قلبك.

عضت على شفتيها ببعض الأسف وتتمتم بحرج:

_ آسفة مارو لن استطيع.

ظل يحدق بها، ثم التمعت عيناه بوميض من الإصرار لينهض عن مكانه هاتفاً بنبرة غريبة أثارت قلق مريم:

_ لن اتركك مريم وساظل معاكِ إلى أن توافقي.

غادر العيادة والعزم قد ملأ رأسه، بينما وضعت مريم رأسها بين راحتي يدها تتنهد بضيق مما وُضِعت فيه وكيف ستتخلص من هذا المريض!!

*************

وقف يهدم ملابسه وهو ينظر للمرآة التي أمامه، يبتسم ببعض الحب وهو يتخيل ماذا سيكون رد فعلها عندما تراه، حتى صدع صوت والدته تهتف بحب:

_ رايحلها يا حبيبي.

التفت لها مبتسماً، ثم ردد مجبياً بهدوء لها:

_ أيوة يا أمي كفاية عليها اللي شافته معايا الأيام اللي فاتت.

حركت رأسها في رضا، ثم غادرت الغرفة ليكمل باقي ارتداء ملابسه.

*********

بمنزل سالي،،،،،

جلست على طاولة تحرك الشوكة بالطبق الخاص بها في شرود، وكأنها خطفت لعالم آخر لا يعلم عنه أحد، تسبح بين ثنايا أفكارها التي تغرق بها كلما جلست بمفردها، ولكن انتشلها من هذا العالم صوت والدتها وهي تغمغم:

_ ماتكلي يا بنتي هتفضلي تلعبي في الطبق كده.

نظرت لها بإرهاق ومن ثم تركت الشوكة و هي تنهض من مكانها قائلة بهدوء:

_ شعبت يا ماما.

لوت فمها وهي تتمتم بسخرية قائلة:

_ شعبت يا ماما.. شبعتي منين يا قلب ماما والطبق مدبتش فيه شوكة.

نظرت لها لتجدها تحبس دموعها، فهتفت بحنان مسترسلة باقي حديثها:

_ يا بنتي أنا خايفة عليكي قلة اكلك دي مش كويسة عشانك دا أنتِ المفروض عروسة تهتمي بأكل وشكلك عشان فرحك وجوزك بلاش تتضيعي كل دا عشان حاجات مش موجودة غير في دماغك.

هبطت دموعها بألم واضح، و تهدجت أنفاسها ثم رددت بصوتٍ مختنق::

_ مش موجودة إيه يا ماما طارق بعد موت عمو أحمد الله يرحمه وهو عازل نفسه، مش بيكلمني ومش بقول يطمن عليا بس دا مش بيرد عليا عشان اطمن بدل ما يشاركني اوجاعه وحزنه سيبني لوحدي أخبط دماغي في الحيط، جوزي اللي بتقولي عليه بعد أول مطب وقع فيه سبني لوحدي بالأيام لا يعرف عني حاجة ولا حتى عايز يطمني عليه ويرد عليا.

تألمت وهي ترى دموع ابنتها هكذا لتتحدث بلطف محاولة تحسين الأمور التي أصبحت واحة من الأحزان من يقترب منها يلقى نصيبه من الألم:

_ يا بنتي واحد ابوه مات وهو صغير والراجل اللي وقف معاه مات عايزه يكلمك ازاي.

اغمض عيناها باختناق شديد، ثم هتفت وهي تحاول الصراخ بما يؤلمها:

_ ياماما أنا مش زعلانة من انه مش مهتم بيا زعلانة أنه بيسبني وأنا المفروض اكون جنبه، زعلانة أنه رمني مع مطب وقعنا فيه، زعلانة عشان عاملني هامش في حياته ممكن في أي ثانية يسبني، زعلانة لأني بدأت افقد الأمان اللي المفروض احس بيه لكن بقيت خايفة.. لأول مرة اخاف من طارق يا أمي خايفة بعد ما يعلقني بيه يسبني عشان مش قادر يوجه أو أنه يشاركني ويعتبرني نصه التاني.

كادت أن تتحدث ولكن صوت الباب منعها من الحديث، نهضت من مقعدها ثم ذهبت لفتح الباب وما كان سوى طارق، نظرت له بضيق، ثم رددت بصوتٍ عالي:

_ دا طارق يا سالي.

ما أن سمعت اسمه حتى دق قلبها بعنف، شعرت بألم عنيف اجتاح صدرها فجأة، سارت بخطواتٍ سريعة لداخل غرفتها، بينما لاحظ طارق الضيق المحفور بعين والدت سالي ليهتف بهدوء:

_ ممكن ادخل واتكلم معاكي.

اشارت بيدها تسمح له بالدخول، وهي تشعر بغضب لأنه سبب في رؤيتها لدموع ابنتها، جلست تنظر له بينما بدأ طارق الحديث ببعض اللطف قائلاً:

_ طبعاً أنا آسف على اللي حصل واكيد سالي زعلانة عشان مش برد و...

قاطعته مرددة بحدة قليلة:

_ بص يابني اللي حصل لعم أحمد كلنا قلبنا وجعنا عليه مش أنت لوحدك بس.. بنتي ملهاش ذنب في أنك تخليها تعيط وتقلق عليك كل ليلة، اسلوبك غلط وطريقة حياتك غلط اعرف انك مش لوحدك وأنك بقيت متجوز وأن اللي جوا دي مراتك ولزماً تراعي ربنا فيها وتديها حقوقها، اللي هي تشاركها كل حاجة، مش مع كل مشكلة تحصل تسيبها وهي عشان بتسكت تزيد، لا أنا مش هستحمل أشوفها كده، لو أنت مش هتقدر تحافظ عليها وتحافظ على قلبها من الوجع يبقى ربنا يسهلك طريقك ونفضها سيرة.

اغمض طارق عيناه بندم، فيبدو أنه قد أخطأ عندما ابتعد عنها، بلل شفتيه بحرج، ثم تمتم بهدوء:

_ وأنا مقدرش على زعلها، وجاي النهاردة عشان ارضيها و مزعلهاش تاني، وأنتِ كمان يا ست الكل مش عايزك تزعلي مني، أنا عمري ما هكون عايز اسبب وجع ليها، ولا أقدر أعيش من غيرها محدش يقدر يعيش بدون نص التاني.

نظرت له مضيقة عيناها فقد استطع أن يمتص بعضاً من غضبها، كالنيران التي تشتعل بجوف المعدة فيوضع فوقها حليباً بارد يهدئ من ألمها، هتفت بصوت تحذري:

_ أوعي تزعلها تاني يا طارق، صدقني الموضوع مش هيعدي دي بنتي الوحيدة!!

حرك رأسه بالنفي، يتحدث في صدق:

_ متقلقيش عليها بس ممكن تناديها.

ابتسمت بهدوء، ثم نهضت عن مكانها قائلة:

_ ماشي بس يارب تخرج.

غادرت إلى غرفة ابنتها التي تجلس وسحاب التوتر يحلق فوقها، وعندما فُتح الباب نظرت لها بسرعة وهي تردد بقلق:

_ مشي خلاص؟!!

ابتسمت بيأس على ابنتها واللهفة التي التمعت في عينيه عندما أتى، و هتفت بخبث:

_ وأم أنتِ بتحبيه مخرجتش ليه، وحليتي مشكلتك.

نظرت لها والحزن لم يعلم طريق سواها، تردد بصوتٍ مبحوح وقد عصر قلبها من الألم:

_ عشان عندي كرامة.. عشان مجروحة منه.. عشان هو المفروض عاقل يجي يتكلم معايا حتى لو أنا غلط، يفهمني غلطي ويبقي فيه تفهم ما بينا مش بُعد وفراق وتعب!!

جلست جوارها أعلى السرير تهتف بحنان:

_ بصي يا بنتي مش المفروض أبداً الرجل يجي يصالح طول الوقت، أمال أنتِ فين دورك، لزماً يا بنتي تسندوا بعض هو وقت ما يلقكي غضبانة يمتص غضبك وأنتِ وقت ما تلقيه غضبان تمتصي غضبه، الدنيا والجواز بذات يا حبيبتي ما هو إلا جزء بيكمل جزء، لو مفيش دا، التاني مش هيكمل، لزماً لما تلقي بيتك في غلط تصليحه بالعقل و متروحيش تشتكي لدى وتروحي لدا لاء شطرتك تصلحي كل دا بينك وبينه من غير ما حد يعرف ومتخليش مخلوق يعرف عنك حاجة عشان حياتك تكون هادية، و زي ما أنتِ عايزة تكمله برضو عليكِ أنك تكمليه فهمتي يا بنتي عشان الحياة تمشي و الدنيا تبقى هادية بينكم.

حركت رأسها وفطنت ما ترمي له والدتها، لتربت على كتفيها مسترسلة باقي حديثها قائلة:

_ طب قومي يا ضنايا البسي عشان جوزك عايز يتكلم معاكي.

تنهدت قليلاً، ثم نهضت عن مكانها بينما غادرت والدتها للمطبخ تعد له مشروب خاص لجالس بالخارج.

**********

تشعر بتوتر حاد وهي تجلس أمامه، نظراته التي لم تتحرك عنها، فركت يدها بارتباك وهتفت بصوتٍ يشوبه التوتر:

_ هتفضل باصص كتير يا طارق!

ابتسم بهدوء قائلاً بنبرة جذابة هادئة تريح الآذان السامعة:

_ منتظرك تقولي اللي مزعلك مني، يمكن أنا مش عارف وجعك قد ايه و عايز اسمعك.

كانت كلماته مفتاح لدموعها التي بدأت بالهبوط على وجنتيها، وهتفت بصوتٍ متألم:

_ موجعة منك عشان أنت يا طارق بتبعدني في أي مشكلة تقابلنا، بتقعد لوحدك ومش بترضي حتى ترد عليا، أنت عاملني هامش في حياتك، ودا خلاني أفقد الأمان يا طارق، انا بقيت خايفة في يوم اصحى الاقيك سايبني عشان مشكلة واجهتنا.

حدجها بنظرة صادمة، هل هذا ما وصلت له، رمش بعينيه عدت مرات يريد أن يسترد وعيه الذي فُقد من كلماتها، تجمعت احبال صوته وردد سريعاً:

_ أنا يا سالي هسيبك، عمري في حياتي ما هقدر اسيبك، أنتِ نصي التاني يا يا سالي، وشركتي وحياتي اللي جاي مقدرش افرط فيكي أبداً أوعي تفكري في يوم إني هسيبك أو هستغني عنك.

رفعت وجهها تمسح دموعها برقة، ثم همست بصوتٍ منخفض:

_ يعني هتشتركني كل حاجة يا طارق مش هتسبني، ولا أنك تعملني هامش في حياتك؟!!

ابتسم لها بحب قائلاً بنبرة متمسكة بها:

_ عمرها ما هتحصل يا سالي لأن محدش يقدر يستغني عن نفسه.

ابتسمت بخجل واضح بينما ضحك طارق بخفة فعادت سحابة السعادة تتطاير فوقهم من جديد، يختلس لحظة من الزمن لتصبح ذكرى جميلة، تمحي عنف الألم المتلقى لاحقاً، كالشمس التي تشرق على الأرض لتمحي أثار الظلام وألمه.

***********

ظل ينظرون حولهم ويبحثون بعنف شديد وكأنهم وحوش الغابة التي لا تظهر سوى بالظلام، مد مايكل يده يشير لهم بأن يتوقفوا عن الحركة، ظل يحرك رأسه في حركة دائرية، ويشتم رائحة غريبة حتى ابتسم بشر قائلاً:

_ هناك رائحة خشب محروق، هما إذن بالغابة.

أضاف بصوتٍ على قائلاً بلهجة شرسة:

_ أبحثوا عنهم سريعاً أنهم بالغابة!!!!

************

بالغابة،،،،،

يتأملها كالفلكي الذي يتأمل النجوم في ظلام الليل، ينظر لها بألم وهو يراها تبكي وتحضن الأشياء التي أحضرها والدها لها، فما أَمَرَّ الواقع عندما تسبح بعالم الخيال وتصنع السعادة وتنتهي بوقوعك إلى أرض الواقع التي قتلت خلاياك السعيدة، فلحظات الزمن قسمان أم أن تصنع ذكرى سعيدة فتتذكرها في الشق الثاني من الزمن وهو الآلام والأوجاع وأما أن تُقتل من الآلام الموجود بهما دون أن تجد ذكرى واحدة سعيدة، نهض من مكانه وتقدم لها، ثم جلس جوراها قائلاً بهدوء يثنيه بعض اللطف:

_ اللي أنتِ بتعمليه غلط مرت ليلتين على قعدك كده من ساعة ما عرفتي إنك مش هترجعي مصر وقت تبكي ووقت لاء بس عارف أنك بدأتي تهدي.

لم يجد استجابة منها، فأكمل بنبرته الهادئة وهو يعلم جيداً أنه سيؤثر بها:

_ هقولك على حاجة، أكيد عملتي ذكرى حلوة مع باباكي، افتكريها بس مش عشان تبكي أكتر لاء دا عشان تمحي بيها الحزن اللي جواكي، ربنا خلق الذكرى الحلوة بتفضل في العقل ويمكن كمان لما تفتكريها تضحكي، ومن حكمته أن الحزن بيصغر لحد ما تفتكري صحيح بتزعلي لكن مش بتنهاري زي لحظتها.

رفعت عيناها له تنظر له ولكلماته التي مست قلبها الصغير، الذي ذاق من الألم جزءاً ليس بصغير، وهمست ببعض التماسك:

_ ربنا يرحمك يا بابا ويقدرني وانزلك مصر وأشوفك..

نظرت له بامتنان فربما كلماته أعادتها لوعيها مرة أخرى، وتقلل من ذلك الألم الحاد الذي شعرت به منذ يومين، هتفت بحب:

_ شكراً يا زياد على وقوفك جنبي ومساعدتك ليا الفترة دي يمكن هو دا اللي بيخليني افوق شويا.

منحها ابتسامة هادئة وأخيراً استطع أن يخرجها من حالتها، ولكن فجأة وضع يده على فمها يكتم أنفاسها، فقطبت هي جبينها بتعجب، عاقدة حاجبيها في دهشة من أمره وبدأت تشعر بالاختناق من يده الموضوعة فوق فمها حتى أزلها.

بينما ظل ينظر حوله، ثم نهض من مكانه سريعاً حاملاً حقيبته في عجلة و مد يده يمسك بيد ليان ويركض سريعاً دون أن يعي عدم قدرتها على الركض من الملابس و ضعفها الجسدي، فهتف بصوتٍ آمر:

_ أجري بسرعة.

كانت تركض خلفه وتتعثر بالأرض كثيراً، فشعرت بالغضب منه لتردد بصوتٍ مغتاظ فبعض الوقت تشعر بأنه يحبها والبعض الآخر يعامله ببرود و قسوة وكأنها جارية:

_ في إيه متجرنيش كده أنا مش جاموسة بتجرها وراك آآآآه.

ضغط زياد على يدها بقوة مما جعلها تصرخ ألماً ويجتاحه شعور بالغضب من كلماتها التي لاتزال ساخرة وما كادت أن تحادثه حتى صدع صوت طلقات النيران!!!

يتبع.

بسم الله الرحمٰن الرحيم

#سلسلة_عواصف_الغموض_والحب

#الجزء_الأول

#بعنوان_ظلام_الذئاب

#بقلم_سلمى_خالد_سماسيمو

#الفصل_العشرون

**************

شعورٌ من التعب اجتاح جسدها بأكمله وجعلها تضع يدها فوق رأسها تركض بسرعة دون أن تتعثر عندما امسك زياد يدها وسبحها خلفه بقوة، ازدادت ضربات النيران، فصرخت ليان عندما وجدت أحد الرصاصات قد اصبت ذراع زياد الذي يمسك بها، ما كان لها أن تتوقع سوى أنه سيفلت يدها ولكن خالف توقعاتها عندما سحبها بيده الأخرى وخبأها بداخله كدرع واقي يحميها من هذا المطر الناري، لم تعلم ما هذا الشعور الغريب والممتع الذي يداعب قلبها الصغير، فشعور الأمان قد عاد، شعرت وكأنها صغيرته يريد أن يحميها ممن يريدون قتلها، عادت تشعر به بعد فقدان والدها، فاقت من شرودها عندما وجدت نفسها تقف وسط صخرتان ضخمتان للغاية، نظرت إلى زياد عندما افلت يدها، تستنجد به بأن لا يتركها ولكن قال بجدية:

_ خليكِ هنا وأوعي تتحركي أو تعملي صوت.

تبدلت ملامحها للخوف، مزقها الرعب بمجرد اقترابه منها، همست بصوتٍ ملتاع:

_ أنت هتسبني يا زياد!! لاء عشان خاطري أنا خايفة!!

ظل ينظر حوله وشعر بقربهم منه، فحدق بها يردد في سرعة بصوتٍ هامس:

_ اهدي بس وأنا معاكي، غمضي عينك ومتفتحهاش خالص يلى.

امتثلت لأوامره وأغمضت عيناها وهي تشعر بأن قلبها يكاد يقف من الرعب، تتبدل ملامحها لألم وهي تشعر بسهام القلق تنغرز بصدرها، وتقتل خلايا جسدها، بينما تركها زياد ووقف بجوار صخرة أخرى، يراقب تحركات المافيا!!

ركضوا سريعاً وهم يبحثون عن زياد وليان، حتى مروا بعيداً عن الصخرة ولكن صوت أقدامهم كان قريب جداً لمسمع ليان لقربهم الشديد منها، وضعت يدها على فمها تكتم تلك الشهقات التي تريد الخروج والفرار من هذا الوحش الكاسر وهو الرعب، كغزالة صغيرة تحاول الفرار من ذئب مفترس فلا تعلم هل ستقع فريسة له أم ستستطيع الفرار، فتحت عيناها بفزعٍ بعدما شعرت بأحد يمسك يدها ثم بدأت عيناها تزرف الدموع بغزارة وكأنها مسجون حُكم عليه بالأعدام فأصبح يخشى لحظة الموت والإلتقاء بعزرائيل، سحبها بسرعة من يدها وهو يشعر برجفتها العنيف أسفل أصابعه، فشعر زياد بأنها على وشك الأنهيار ولن يقدر حملها بسبب الرصاص الموجود به، فقد بدأ يشدت عليه الألم، ربت عليها بحنو ثم همس بهدوء:

_ اهدي يا ليان، دا أنا، تعالي بسرعة قبل ما يرجعوا تاني وساعتها مش هنقدر نهرب.

تحركت معه بسرعة وعلى وجهها ابتسامة طفيفة، تمسح تلك الدموع ببعض الراحة بعدما وجدت أمانها وملجأها، فمن سواك يا حبيبي يقدر على أن يسحب تلك الرجفة العنيفة من جسدي ليقلل من آلامها، وكأن أمانك سحر يشفي جسدي من عذاب الخوف ورعب الأيام.

**************

بمنزل السيد رأفت،،،،،،

أصبحت السعادة عصفوراً صغير يحلق بمنزل، ينشر الفرحة بقلوبهم كانحل الصغير الذي ينقل اللقاح من الزهور، غمست سهام خبز صغيرة بطبق الفول، ثم وضعت بفمها، تتناول الفطور بهدوءٍ مع والدها، ولكن تذكرت أمراً ما، لتضع الخبز عن يدها وهتفت متسائلة بحيرة:

_ صحيح يا بابا هو ليه انكل يوسف مقلش عن بنته مريم دي؟!!

نظر لها رأفت وحرك رأسه يتذكر ما حدث، مردداً بهدوء:

_ كل اللي أعرفه يوسف دا سافر من 35 سنة وعاش هناك ولما اتجوز عرفت أنه مش بيخلف، وبصدفة اكتشفت ان مراته حملت وماتت وهي بتولدها بس ومن ساعتها معرفش حاجة عنها، يوسف اساساً لما اسم بنته بيجي في الموضوع بيتحول تماماً وكلامه غريب، فبطلت اسأل.

قطبت جبينها بتعجب منه ورددت بحيرة:

_ طب ليه حضرتك مقولتليش عليها ولا حكتلي من زمان؟!

ابتسم بسخطٍ من صديقه المقرب واجابها بسخرية:

_ يا بنتي انا معرفتش حاجة عن الموضوع غير من خمس سنين تقريباً لما سمعت صوت واحدة معاها في فيديو كول قبل كده ولما سألت لأني عارف إن مراته ماتت حكلي ومن ساعتها مش بجيب سيرتها عشان ميتخنقش خلي بالك إنها جتله بعد شوق.

حركت رأسها ولكن بقي سؤال واحد يدور بعقلها، لِمَ يفعل كل هذا؟؟!!

قاطع تفكيرها صوت والدها يخبرها ببسمة طفيفة:

_ جاسر قالي إن أخر الشهر هنعمل كتب الكتاب وحفلة بسيطة وهتسافروا، موافقة ولا نطول المدة؟!

توردت وجنتيها بخجل واضح وهمست بحياء:

_ اللي حضرتك شايفه صح انا موافقة عليه.

مد يديه ووضعها فوق وجنتها ثم ردد بحب أبوي وهو يرى صغيرته ستغادر العُش:

_ أنا سألت عليه وطلع كويس ومعنديش اعتراض على انك تتجوزوا بعد اسبوعين.

التمعت عيناها بسعادة متلهفة، وكأن خيوط الشمس داعبت هذا الثلج من الأحزان، فأذبته لتغرق الآلام وتطوف السعادة بقلبها.

************

بالغابة،،،،،

حل الليل وهما يسيران بالغابة دون توقف، حتى شعر زياد ببعض الدوار، فيده تنزف الدماء، وفقد كم كبير منها لذا سبب له هذا الدوار، نظرت ليان له بتعب واضح بعينيها وهتفت بصوتٍ متألم:

_ زياد أنا رجلي وجعتني أوي ومش قادرة أكمل.

استمع لما قالت بألم وحاول جاهداً أن يجيبها ولكن شعر بأن حرارته ازدادت، فاصبح يتصبب عرقاً بغزارة، فهتف بوهن وهو يحاول أن يقاوم هذا الدوار:

_ هنشوف بيت ولا كوخ ونقعد فيه، احنا بعدنا بكفاية.

تنهدت بصوتٍ عالي يثنيه بعض الاختناق، فجسدها مرهق للغاية وتريد النوم، عادت تسير بألم حتى وجدت زياد وقع على ركبتيه أرضاً، فجحظت عيناها وهي تراه يحاول النهوض بصعوبة، افاقت من تلك الصخرة التي أُلقيت عليها، واسرعت له تمسك بيديه وتضعها فوق كتفها لتساعده على الوقوف ولكنها لاحظت أن هناك رصاصة موجودة بكتفه الأيمن، قطبت جبينها فهي لاحظت وجود واحدة بذراعه، ثم شهقات بشدة بعدما فطنت أنه قد حصل على رصاصتين، عندما كان درعاً حامياً لها، ذلك الدرع الذي أمانها من سيل الرصاص الذي هجم عليها، شعرت وكأنها تريد أن تحضنه وتخبره مدى عشقها له فلم ينبض قلبها سوى معه، شهامته وشجاعته معها جعلتها تقع بعالم جديد، لم تشعر فيه سوى أنها خُلقت له.

قاوم زياد هذا الألم وعاد ينهض بمساعدة ليان وعادوا يسيرون مرة أخرى، حتى لاحظت ليان هذا المنزل المهجور، فهتفت ببسمة سعيدة:

_ في بيت هناك يا زياد تعالى نروحه.

حرك رأسه وقد شعر بأنه سيفقد وعيه بسبب ما نزفه من دماء، سارت ليان وهي تحاول قدر المستطاع أن تساند زياد الذي بدأ يثقل جسده عليها، فشعرت أنه سيفقد وعيه خلال دقائق ولن تستطيع حمله.

تنفست براحة بعدما وصلت إلى المنزل المهجور ثم رددت بحنان:

_ خلاص يا زياد خطوتين بس تقعد على المرتبة دي.

سار معها ببطء شديد حتى وصل للمكان المنشود لتفرغ قواه ويقع أرضاً، فاقداً للوعي، شهقت ليان بخوف وهي تراه يتصبب عرقاً ويكاد يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة، وكأنه صغيرها وتخشى عليه من الأذى، أسرعت تمسك بالحقيبة التي كانت معهما، وفتحتها سريعاً، لتجد بها علبة متوسطة الحجم بها بعض الأسعاف الأولية، امسكتها، ثم افرغت زجاجة بلاستكية من الماء كانت بجوار تلك العلبة بطبق صغير وجدته بجوار زاوية بهذا المنزل، وبدأت تفرغ محتويات العلبة الأسعافات، لتمسك المقص ثم بدأت تشق القميص الذي يرتديه حتى ظهر صدره الملطخ بالدماء، وصلت إلى نهاية القميص، ثم ازحاته ببطء فوجدت كتفه المغروز به الرصاص ولحسن حظها أن تلك الرصاصة لم تدخل بعمق في كتفه وأن الرصاصة التي أصابت ذراعه لم تنغرز به اصابته فقط بخدش عميق بعض الشيء، امسكت السكين بيدٍ مرتعشة وثم اشعلت النيران وبدأت تسخن السكين عليها، كانت تنقل بصرها بين زياد الذي يتصبب عرقاً وتشنجات وجهه بالألم وبين السكين التي بدأت تتوهج بعدما انسحبت لها السخونة، نزلت دمعة حارقة من عينيه وهي تهمس بألم:

_ يا رب قويني عشان انقذه، دا خد الرصاص مكاني وكنت انا اللي هموت.

استنشقت نفساً عميقاً ومن ثم توجهت إلى زياد و ثبتت يده جيداً ، ووضعت احدي قدميها عليها حتى تسيطر عليه أثناء كويها لهذا الجرح، بدأت تعد الأرقام ومن ثم مدت يدها بعد أن تخلصت من الرعشة المتملك منها، ووضعتها على الجرح لتزيل تلك الرصاصة بسرعة، صدع صوت زياد بألم شديد نيران تحرقه من الداخل يحاول تحرك يديه المثبتة اسفل قدم ليان التي أسرعت وأزلت تلك الرصاصة، ألقت السكين بعيد وتلك الطلقة، وبدأت تلتقت أنفاسها بصعوبة بالغة، وكأنها في سباق للركض ترغب بالوصول لنهايته، نظرت إلى زياد الذي فقد الوعي مجدداً بعد صراخه الحاد من عنف الألم، فازدردت ريقها ثم اخرجت بعض المطهر وبدأت بتنظيف جروحه، مر وقت وقد انتهت من تنظيف جرحه ظلت تدور بحدقتيها بالمكان فلم تجد شيء تربط به كتف زياد، حتى وقع نظرها لتلك الجيبة التي ترتديها وقامت بتمزيق جزءٍ منها فلحسن الحظ أنها تحمل طبقتين، ازلت الطبقة السفلية وبدأت تربط جروحه، برقة بالغة حتى لا تألمه، أصبحت تخشى أن تفقده، فمن سواه وقف بجانبها، ابتسمت بحب وهي ترى من صفاته أنه أكثر شاباً يحمل شهامه.

*************

بإحدي المحلات،،،،،،،

ابتسامة رقيقة تعلو ثغرها، تبتسم بسعادة لزوجها بعدما اقترح عليها أن يذهبا ويحضران باقي عفش شقتهما، أشارت بيدها وهي تتسأل بحيرة:

_ اختار يا طارق عشان مش عارفة أنهي واحد هيكون أحسن الأنترية دا ولا دا؟!!

نظر لها بخبث يعلم كيف سيغضبها، فهمس بمكر ينتظر رد فعلها:

_ سيبك من الانترية وخلينا في اوضة النوم.

جحظت عينيها بقوة، وشعَّ وجهها بالحمرة الشديدة قائلة بخجل وغضب:

_ أتلم يا طارق إيه اللي بتقوله دا على فكرة ميصحش كده !!

ضحك بصوتٍ عالي وهو يرى خجلها الذي ظهر بسرعة البرق، ثم ردد بمكر:

_ أنا قولت حاجة أنتِ اللي فهمتي غلط، أنا قصدي الدولاب.

رفعت حاجبها باستنكار بينما رمش طارق بعينيه في براءة قائلاً بخبث:

_ بقيتي قليلة الأدب يا سالي.

حملقت به في صدمة كبيرة، ثم عضت على شفتيها بغيظ هاتفها بصوتٍ مغتاظ:

_ طب روح حاسب ويلى نروح يا استاذ انا غلطانة أني بخرج مع منحرف زيك المفروض يحترم اللي خارجة معاه.

قهقه طارق وحرك رأسه وهو يهتف بضحك:

_ على فكرة المنحرف دا جوزك اللي منشفاها عليه.

كبحت ابتسامتها بصعوبة فهي تعلم جيداً أنه يريد أن يسرع في زوجهما ويقيم الحفل الزفاف، هتفت بضيقٍ زائف:

_ طب روح حاسب انا تعبت وعايزة أروح.

غمز بعينيه ثم همس بمكر:

_ طب واوضة النوم؟!!

اشتعلت عيناها بالغضب وهتفت بخجل واضح يحمل بأطيافه الغيظ:

_ طاااارق عيب كده وروح حاسب يلى خلينا نمشي من هنا أنا أصلاً مش مرتاحة لقلة الأدب دي، متخلهاش تبقى أخر مرة أخرج معاك فيها.

ضرب كفه بالآخر وهتف بصوت ضحكته يعلو:

_ لا حول ولا قوة إلا بالله افهمها ازي أنها مراتي يا ربي.

سمحت لبسمتها بأن تظهر وهي تراه يكاد يجن منها، ولكن عكر صفو تلك اللحظة الجميلة صوت ذلك الشاب يهتف بوقاحة:

_ الجميل بيضحك وسيبني لوحدي.

تبدلت ملامح وجهها للجمود وقررت أن تغادر بسرعة من المكان قبل أن يتزايد ذلك الوقح معها ولكن خالف القدر توقعاتها عندما سار خلفها يزيد من كلماته الجريئة:

_ ليه بس يا عسل تمشي دا أنتِ هتكوني الحتة اللي في الشمال.

:_ وأنا هكسرلك جسمك كله يا روح****

***********

بالغابة،،،،،،

نسمات من الهواء تلفح وجهها الرقيقة، والمنهك من أثر الركض طيلت النهار، ظلت تتأمل السماء ونجومها، تبتسم في حنين، تُعيد ذكريات ماضيها مع من تعشق، تزرف الدموع ولا تهمس سوى بكلماتٍ بسيطة تدعو فيها بالرحمة لوالدها، استنشقت نفساً عميقاً تخرج معه هواء يحمل الألم والحزن مما يحدث ولا يزال يصرعها حتى اليوم، تشعر وكأن سارق اختطف سعادتها ليرهقها بين ثنايا الحزن والأوجاع، فيضمر قلبها بين غياهب الظلام، ويقتلع روحها البريئة من بين جذور الحب، همست بصوتٍ أوضعت فيه ما يؤلمها:

_ يارب أنت العالم بالحال أنقذني من همي ووجعي، ومتوجعنيش في حد بحبه أبداً، وأرحملي أبويا وصبرني على فراقه، أنا عارفة الموت علينا حق بس أرزقني الصبر ورحمتك وخليني بطاعتك دايماً...

بُترت كلماتها وهي تستمع لصوت همهمات صغيرة، استدارت بسرعة لتجد زياد بداخل يتصبب عرقاً ويبدو من تشنجات معالمه أن حرارته مرتفعة، دخلت بسرعة للمبنى، وقام بجلب طبق صغيرة ووضعت به الماء الباقي معاها ومن ثم أمسكت بالباقي من الجيبة التي مزقت منها جزء وربطة به جرح زياد ثم أغرقته في الماء لتصنع له ما يسمى ب كمدات، بدأت تجفف جسده من العرق وتعتني بالجرح جيداً حتى غفت بجواره دون أن تشعر تضع يدها فوق جبينه ويفصل بينهما القمشة التي تستخدمها في صنع الكمدات.

***********

التفت سريعاً هذا الشاب ليجد طارق يقف خلفه ينظر له بغضب جامح، وكأنه سيقتل أحدهم وما هي إلا دقائق حتى انقض طارق على الشاب يسقيه ما يكفي من اللكمات، الصفعات العنيفة، فصلت الناس بينهما حتى سقط هذا الشاب أرضاً ينزف الدماء من شرسة طارق معه، بينما وقفت سالي تبكي برعب وهي تنظر لتحول طارق المخيف، ولكن ازداد فزعها عندما رأته يُقبِل عليها ويمسك يدها بعنفٍ شديد، يسحبها خلفه بقوة، يبتعدان عن الناس، ازدادت شهقات سالي حتى زمجر طارق بعنف قائلاً:

_ أخرسي بقى أنتِ إيه مش كفاية سيباه يعكسك والموضوع جاي على هواكي.

نفضت يدها عنه ورمقته بنظرات تحمل صدمة منكسرة، ثم تمتمت بصوتٍ موجوع يحمل صدمة عنيفة:

_ إيه اللي أنت بتقوله دا يا طارق، أنت المفروض أكتر واحد عارف أخلاقي كويس والمفروض تكون اكتر واحد بيثق فيا.

فاضت الدموع منها ولكن لم تكن خوف، بل خذلان شعرت وكأنها تريد أن تضمر نفسها بعالمٍ آخر لتمحي تلك اللحظة من حياتها، استرسلت باقي حديثها بمرارة:

_ أظهر يا طارق إن عدم ثقتك دا هيعمل لينا مشاكل، وكلامك دا أثبت أن صعب نكمل مع بعض وأنت مش بتثق فيا وكمان بتتهمني اتهام بشع مفيش بنت محترمة تقبلة على نفسها.

قطب جبينه وردد بحذر بعدما ادرك ما قالته:

_ يعني إيه؟!!

أزلت هذا الخاتم من أصبعها وهمست بقهر:

_ يعني مش هقدر أكمل معاك وأنت شايف أني مستمتعة بواحد بيعاكسني وأنا كنت بحاول ابعد عنه ومعرفتش اتصرف، اتفضل يا طارق.

امسكت بيده ووضعت بها الخاتم، وسارت لتبتعد عنه بينما وقف طارق مصدم مما حدث فهو لم يقصد ما قاله، فقد تحكمت به الغيرة عندما رأى هذا الشاب يقترب منها ويتغزل بها.

استدار بسرعة وأسرع خلفها يهتف بصوتٍ عالي:

_ يا سالي استني سالي.

وصل إليها أمسك بذراعها هاتفاً بصوتٍ حنون يحاول أن يعتذر عما بدر منه:

_ يا سالي انا الدم جري في عروقي وأن شايفه بيعاكسك، مقدرتش أشوفه بيعمل كل دا وأقف اتفرج ولا أتأثر.

نظرت له وصوت دموعها يعلو شيئاً فشيء، تردد بصوتٍ مختنق من البكاء:

_ وأنا ذنبي إيه، ليه تقولي كلام زي دا وأنت عارف أخلاقي كويس وفاكر أنا عملت معاك إيه في الخطوبة ليه يا طارق تقولي كده، دا أنا لو واحدة من الشارع مش هتقولي كده، أزي مش واثق فيا!!!

عض على شفتيه بندم وغمغم بضيق من نفسه يحاول استعطفها:

_ صدقني يا سالي واثق فيكي بس المشكلة إن أنا اتعصبت عليكي بالكلام، لكن والله العظيم واثق فيكي وفي أخلاقك وإلا عمري ما كنت هتجوزك، أنا أختارتك ما بين البنات عشان أنتِ أكتر واحدة عارف إني هبقى مطمن وأنا سايب روحي في البيت واللي هتحافظ على أسمي، لكن صدقيني كانت عصبية مش أكتر.

نظرت له بسخطٍ متمتمة بسخرية:

_ ويا ترى كل ما هتتعصب هتقولي كلام زي دا!!

حرك رأسه بالنفي هاتفاً بصدق:

_ لاء أكيد انا يا سالي قصد نكتب الكتاب عشان تعرفي طبعي ونحاول نصلح عيوب بعض، أنا مخفتش نفسي زي ما أنتِ مخفتيش نفسك، وصدقيني هحاول أتغير عشان أقدر أكون بالصورة كويسة متهددش علاقتنا ببعض في المستقبل، ويا ستي أنا آسف.

نظرت له قليلاً واستشعرت صدق كلماته، لتردد بصوتٍ خافت:

_ خلاص يا طارق بس اتحكم في عصبيتك انا مش هقدر أتحملها وخاصة كلامك كان بيوجع.

ابتسم لها بحب وردد بفرحة:

_ أكيد يا سالي هتحكم فيها أنا مش عايز حاجة تخلينا في يوم نسيب بعض ومتزعليش مني.

ابتسمت بخجل له بينما رفع يدها وألبسها الخاتم وهو ينظر لها بحب، وأشار بيده قائلاً ببسمة تعلو ثغره:

_ أتفضلي يا برنسيسة.

ضحكت سالي وسارت معه بسعادة تدفئ قلبها ولكن باغتها طارق بسؤال:

_ أنا نفسي أعرف مين بص في الخروجة بتاعتنا خلتنا نتخانق!!

رفعت حاجبها بغيظ ثم غمغمت بسخط:

_ قلة أدبك هي السبب بتخرج محترم بنرجع كويسين بتقل أدبك بنتخانق.

نظر لها بجانب عينيه وردد باقتناع:

_ أتصدقي معاكي حق تعالي نكمل مشي ونروح ما الاحترام ميولدش غير احترام برضو.

سارت معه بهدوء، فعادت تسير علاقتهما بطريقٍ مستقيم بعدما أنحرف عنه، فسبب ألماً لهما ولكن استكن ببعض الكلمات الناعمة.

***********

بالغابة،،،،،،

داعبت خيوط الشمس الأشجار، وانطلقت نسمات الهواء الباردة عند بزوغ الشمس تصنع لحن جميلاً يطرب الأذن، شعر بألم حاد يغزو كتيفه لتتحرك جفونه يحاول أن يدرك أين هو؟، فتح عينيه فوجد أن الرؤية مشوشة أعاد الكارة فينظر حوله باستغراب من هذا المكان الشبه مهجور، وتذكر ما حدث وأن فقد واعيه بسبب الرصاص الذي اخترق جسده، ولكن شعر بيد فوق جبينه لينظر بجانبه، فوجد ليان نائمة بوجهها منهك من التعب، فكانت كالطفلة البريئة التي بذلت مجهوداً طيلت النهار وقررت أن تأخذ قسط من الراحة، تختطف لحظة من الزمن تريح بها جسدها الذي بات يشكو من اجتياح الإرهاق له، نظر جوارها فوجد سكين صغيرة ملطخة بالدماء ويبعدها رصاصة صغيرة، وبعض الأدوات الخاصة بتطهير، ظهرت شبه ابتسامة عندما علم أنها من قامت بعلاج جروحه، وهمس بأسمها برفق حتى لا تنهض برعب محاولاً أن يعتدل في جلسته ليصير جالساً:

_ ليان.. قومي... يا ليان..

بدأت بفتح عيونها بتعب شديد ولكنها كانت بين الواقع والخيال لتهتف بصوت ناعس:

_ بابا.. زياد.. خلي بالك.. أصحي يا زياد... متسبنيش.. أنا لوحدي.. وبابا سابني.

أشفق عليها من آلامها العنيفة، وشعر أنها زهرة أُقتلعت من مكانها، فماتت من أوجاعها، هزها برفق ويعود ويهمس بأسمها، وقد استجابة لندائه لتنهض بسرعة وهي تنظر حولها وعندما نظر إلى زياد رددت بقلق واضح بلهجتها وكأنه صغيرها:

_ أنت كويس حاسس بحاجة وجعاك؟!!

ابتسم بهدوء واجابها ببسمة تطفو فوق شفتيه:

_ أنا كويس الحمد لله، أهدي أنتِ بس وقوليلي إيه اللي حصل؟!!

نظرت له قليلاً، ثم تنهدت براحة ورددت بصوتٍ غريب وكأنها تريد أن تصرخ وتبكي عما تشعر به ولكنها أخفته فظهر بكلماتها:

_ وصلنا لحد المرتبة اللي في البيت دا ولقيتك أغمى عليك والحمدلله انك كنت قريب من المرتبة دي، روحت فتحت الشنطة بتاعتك ولقيت علبة اسعافات أولية وأنا كنت واخده دورية فيها واتعلمت كذا حاجة كده لما يحصل موقف زي اللي احنا فيه.. المهم روحت فتحتها وكان في سكينة هنا اخدتها وولعت النار زي ما بيولع زمان وسخنت السكينة وكنت وقتها فتحت التيشيرت بتاعك ولقيت مكان الرصاصة والحمدلله أنها مش عميقه ثبت أيدك الأتنين برجلي وشيلت الرصاصة بسرعة وطهرت الجروح وبليل حرارتك ارتفعت فعملت كمدات.

حرك راسه باعجاب لها، فقد اعتقد انها لن تستطيع ان تقوم بشيء، ولكن من الواضح أنها تستطيع تحمل المشكلات، تحولات نظراته وطاف بها الحب فحلق بسماء قلبه وأعلن على عشقه لها، همس بكلماتٍ هادئة وكأنها نغمة ينشدها:

_ ربنا بعتك شفا ليا، وهتفضلي كل يوم تشيلي جزء من أوجاعي.

توردت وجنتيها وشعرت بخجل شديد من كلماته المعسولة، فتمتمت وهي تتحاشى النظر إليه:

_ أنا..أنا خلصت المياه اللي معانا ومش عارفة هنجيب منين وكمان محتاجين هدوم عشان الهدوم بتاعتك اتقطعت و حاجات نغير بيها على الجرح.

نظر لها ببعض المكر، يعلم ماذا ستفعل بعد دقائق فهتف بتسلية:

_ ويا ترى أنتِ اللي قطعتي هدومي وكمان ربطي على الجرح بتاعي بدون ما تتحرجي ولا تتكسفي مني.

تلون وجهها بالكامل إلى اللون الأحمر، لم تعلم بماذا تجيب عليه فأخفت وجهها بين راحتي يدها، محاولة بذلك الهروب من مكره الذي يخجلها بشدة، تعالت ضحكته وهو يتأمل خجلها واخفائها لوجهها، فمد يده يسحب يدها التي تخفي وجهها وهتف بهدوء متبسماً:

_ بلاش تخفي وشك كده لأنك مراتي يا ليان، قليلي من كسوفك شويا لأنك هتعيش معايا بعد كده.

رمشت قليلاً وظلت تحدق به تشعر بسعادة تخللت اوصالها وهتفت بخجل تحمل معها فرحة:

_ بجد يا زياد مش هتسبني لوحدي وهتفضل تسندني زي بابا.

ابتسم لها وحرك رأسه بهدوء ليجد ضحكتها السعيدة اسرعت من دقات قلبه وكأنها اكسيل يمده بالطاقة وتكمله، ردد بداخله يعلن عن عاصفة من الحب غاص بها وقرر أن يُذيب جليد قلبه :

_ وأخيراً وقعت يا ألفي وعلى أيدك يا ليان!!

***********

مر يومان تعافي فيها زياد جيداً بعدما استطع ان يحضر الطعام والشراب، بينما كانت ليان تساعده بما يخبره بها وتبقى معه وهي تشعر بالسعادة بعدما تأكدت بعض الشيء من حبه اتجاهها، لتقتلع بعض جذور الشك من داخلها وتضمرها، سمحت لبذور العشق بأن تنبت.

تملكها القلق وهي تشهد تأخره بالخارج واصراره بأن تبقى هي هنا، حتى وجدته يدخل من هذا الباب الخاص بالمنزل المهجور، ركضت باتجاهه تتسأل بقلق بالغ، فأصبحت اتخشى عليه:

_ اتأخرت ليه؟ انا قلقت عليك يا زياد؟!

رمقها بنظراتٍ غريبة، رأتها هي من قبل ولكن لم تفهم معناها وبتلك اللحظة علمت معناها فما كانت سوى حبه لها، قرر بأن يسحبها لعالمه يخبره بهدوء أنها هي من استطعت أن تكسر حاجز بروده وتصنع عاصفة من الحب بداخله، فمن سواكِ استطع أن يخترق روحي لتسكني الذي بين ضواعي، أعلن عن حبه لها أخيراً دون أن تحمل كلماته الغموض، فأصبحت بعدها زوجته امام الله.

***********

بشركة الألفي جروب،،،،،،

صوت دقات القلم فوق سطح المكتب، كصوت ساعة الحائط وهي تدق عقاربها، نظر شارداً بعالم ذكرياته الفانية، التي ضاعت بها نفسها، وضُمرت روحه معها، ظهرت شبه ابتسامة يغمرها الحزن يتذكر كيف كانت سعادتها وهي ترتدي تلك القلادة النادرة...

*****

هتف باسمها بلهفة غريبة تلتمع بحدقتيه كلما رأها أمامه، وكأنها نجمة وسط عاتمة الظلام تنير حياته، ردد بسعادة يثنيها الحب:

_ أسيل.. حبيبتي... سيلا.

اقتحم الغرفة الخاص به فوجدها تجلس أمام المرآة تجفف خصلات شعرها، قطبت جبينها بحيرة ثم قالت باستغراب:

_ في إيه يا إياد؟!!

ابتسم لها بحب، فربما لن يجد أحداً يسكن قلبه مثلها، وردد ببعض المكر الذي لا يظهر إلا معها:

_ عندي مفاجئ بس لزماً تدفعي.

نظرت له قليلاً وابتسمت استفزاز مرددة ببرود:

_ فاكر أخر مرة كنت عايزني أدفع عملت معاك إيه.

وضع يده على العلامة الموجودة بجانب فمه، ثم غمغم بغيظٍ منها:

_ اتصدقي انك مفترية عايزة تعوريني تاني بالمقص يا قادرة.

كتمت ضحكتها بصعوبة عندما لاحظت غضبه وقررت أن تلهو قليلاً فاستدارت له وتمتمت بهدوء يحمل باطيافه الحب:

_ يا إياد أنت عارف أني مش بحب اتشعلق كده وعارف بردو أني بحبك وعمري ما هيكون قصدي أعملك حاجة وحشة، ممكن تقول بقي عشان خاطري.

حرك رأسه بيأسٍ منها فهي دائماً تستطيع ان تمتص غضبه بكلماتها التي تريح براكينه، فيلجئ إليها منذ أن كانا صغيرين ليبوح عما يكنَّه صدره من أحزان، اقترب منها ثم هبط لمستواها وهمس بعشق لم يكن مكنون سوى لها:

_ خاطرك أغلى من روحي يا أسيل، عمري كله ولحظات اللي بعيشها معاكِ عبارة عن كلمة واحدة وهي أنتِ يا حبيبتي.

رفع يده بقلادة نادرة للغاية تحمل شكل دائرة مطرزة ببعض اللؤلؤ على حافتها، لونها الأبيض الهادئ، نظرت له بصدمة ثم عادت وحدقت بالقلادة الرقيقة وامتلأت عيناها بدموع فأصبحت غير قادرة على أن تتحدث، ابتسم لها إياد ومد يده يزيح دموعها قائلاً بود وحنان:

_ علاقتنا أحلى حاجة فيها إننا إزي بنفكر نسعد بعض إزي نتغلب على مشاكلنا، ومنختلفش مع بعض أزي نكون كيان واحد ونكمل بعض وقت الضعف، أنتِ أهم حاجة في حياتي يا أسيل، تعالي ألبسك السلسلة.

أُغرقت عينها بفيضان من الحب والسعادة، تشعر ببعض الفخر من كونهما حققا حياتة زوجية صحيحة كما كانت تحلم وهي صغيرة، نظرت بالمرآة لتجد تلك القلادة تزين عنقها فرددت بحب:

_ ربنا ما يحرمني منك يا إياد وتفضل في حياتي العمر كله.

****

تهدجت أنفاسه المتألمة من العودة للواقع فربما عندما يغوص بهذه الذكريات تستكن بها الندوب المطبوع بروحه، وتمزق قلبه، نهض عن مقعده وغادر الشركة يحاول أن يخرج من بئر أفكاره الدائم، والذي يضمره به كلما غاص بأعماقه!!!!

************

بالغابة،،،،،،

نائمة كأميرة رقيقة، السعادة تخللت ضلوعها وأصبحت تسكن قلبها لدقائق معدودة حُرمت من أن ترتشف قليلاً منها، شعرت بيده تُحرك كتفها، لتفتح عينيها بارهاق تهتف بنعاس:

_ في إيه يا زياد؟!!

سحبها من يدها سريعاً وردد بسرعة وهو يخطي شعرها ويحكم حجابها جيداً، يحاول أن يخفيها خلفه ليحميها ثم همس بتحذير:

_ المافيا محاوطه البيت وفي أي لحظة هيهجموا علينا!!!!!

يتبع.

تكملة الرواية من هنا 👇👇👇


من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS