القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية وصية حب الفصل التاسع عشر والعشرين بقلم نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج


رواية وصية حب الفصل التاسع عشر والعشرين بقلم نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 





رواية وصية حب الفصل التاسع عشر والعشرين بقلم نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 


الليل نزل بدري اليوم ده.. والبرد كان قاسي بطريقة غريبة، كأن الدنيا بتحاول تقول حاجة ومش قادرة تنطق.


البيت ساكن…

سكون مش طبيعي، سكون يخوّف.

سارة كانت نايمة في سريرها، جسمها خفيف، خفيف جدًا بطريقة ما كانتش طبيعية حتى لياسر اللي اتعود على تعبها.

كان قاعد جنبها، عينه عليها مش بتفارقها لحظة. من امبارح، بعد اللي حصل بينهم وهو مش قادر ينام، مش قادر حتى يرمش.

كان شايف نفسها بيطلع بصعوبة، كأن صدرها بيتخانق مع كل شهيق.

مدّ إيده على جبينها.. نار، مش سخونة، لأ.. نار.

سحب إيده بسرعة، قلبه وقع في رجله :

– سارة؟

صوته كان مبحوح.. وخايف.


فتحت عينيها نص فتحة، نظرة تايهة، مش مركّزة.


– ياسر…

صوتها ما كانش صوتها، كان واهي، بعيد، كأنها بتتكلم من آخر الدنيا.


_ إنتِ سخنة قوي، مستحيل ده يكون طبيعي.


حاولت تتحرك.. رجليها ما شالتهاش. إيدها اترعشت، وجسمها كله كان بيترجّف.

نسرين بلعجيلي 

– بردانة…

همست الكلمة، بس رعشة صوتها فضحت الوجع.


غطّاها ببطانية تانية، بس جسمها كان بيترعش رغم كل الهدوم اللي فوقها.


– أنا هكلم الدكتور دلوقتي.


مسك التليفون بسرعة، لكن قبل ما يتصل سمع صوتها.


– ياسر…


لفّ ليها بسرعة. كانت بصّة في السقف، مافيش تركيز، مافيش وعي كامل.


– نفسي…

وهي بتحاول تاخذ نفس.. الصوت خرج متقطع.


– نفسي… بيقطع.


الجملة دي كسرت قلبه. إتسمر مكانه ثانيتين وبعدين جري عليها.


– إستني.. إستني، خذي نفسك معايا، يلا، واحد… إثنين…


هي بتحاول، بس مفيش هوا، كأن صدرها مقفول. عينيها بدأت تزوّغ. وشها بقى أبيض مخيف.


– ياسر…

قالتها بنبرة فيها ذعر.. ذعر عمره ما سمعه منها قبل كده.


في اللحظة دي، رجع يشغّل جهاز الأكسچين بسرعة، ركّب لها الماسك بإيده المرتجّفة.


– يلا… إتنفّسي، بالله عليكِ خذي النفس، كده… آه… كده…


لكن جسمها كان بينهار. دي مش نوبة تعب، دي بداية انهيار.

جري على التليفون، إتصل بالدكتور بصوت متقطع :

– دكتور، حالتها مش طبيعية، بتنهار قدامي، نفسها بيقف، الحرارة فوق الأربعين، جسمها بيرتعش كله.


الدكتور رد بسرعة :

– لازم الإسعاف فورًا. دي مش مجرد سخونية، ده انهيار مناعي. ممكن يحصل هبوط في الأكسچين. إلحقها قبل ما تدخل صدمة.


كلمة صدمة خبطت في دماغه زي طلقة. جرى عليها، ركّب جهاز الضغط، لما قاس.. الرقم كان كارثة.

ضغطها هابط، قلبها بيجري. نفسها بطيييء.


– سارة!!

قالها بصوت عالي، كأنه بيحاول يصحي روحها مش جسمها.


فتحت عينيها تاني، بصّت له نظرة واحدة.. نظرة كلها خوف وكأنها بتسلّمه بنتها.


– ياسر… خذ بالك من ملك.


الجملة قطعت روحه نصّين :

– ماتقولييش كده. مافيش حاجة هتحصل، إنتِ سامعاني؟؟


دمعة نزلت من عينها، مش دمعة وجع، دمعة وداع.

الكلمة دي فجّرت الدنيا كلها. ياسر حسّ الأرض بتتهزّ تحت رجليه، مد إيده يدور على الموبايل، كل ثانية كانت عاملة زي سنة.

الضغط 112.

صوته وهو بيكلمهم مش صوته :

– مراتي مش قادرة تتنفس، لو سمحتوا بسرعة… العنوان…


قفل وبصّ لها، لقاها بتتلوّى، إيدها بتتشنج.


– لا لا لا… سارة بصّي لي، بصي لي أنا.


دمعة وقعت منه غصب عنه.

خلال 4 دقايق، الشارع تحتهم اتملّا صوت سرينة الإسعاف.

الإسعاف دخلت الشقة بسرعة، 2 مسعفين، واحدة ستّ وواحد راجل.


المسعفة قربت وقالت :

– هي بتسمعني؟


سارة حاولت تفتح عينها، لكن عينها كانت بتتقلب.


المسعف قال :

– أوكسچين فورًا.


ركبّولها الجهاز، وياسر ماسك إيدها، مش قادر يبعد ولا لحظة :

– يا جماعة بالله عليكم إلحقوها.

دي مش… دي سارة… دي كل حاجة ليا.


المسعفة قالت له بهدوء :

– هننقلها دلوقتي. حضرتك تركب ورا.


الهوا اتملّى صراخ داخلي مش مسموع. 

المسعف


– تنفسها ضعيف جدًا. لازم تتحجز فورًا في العناية.


ياسر وقف زي المجنون :

– لأ… لأ… حطّوا الجهاز كويس، هي بتتنفس، بتسمعني.


لكن واحد منهم بصّ له وقال :

– لو اتأخرنا دقيقة تانية، ممكن نفقدها.


اتحطّت على النقالة، جسمها كان خفيف بطريقة تخوّف. وهما نازلين السلم، سارة فجأة فتحت عينها نص فتحة، وبصوت شبه معدوم همست :

– ياسر… ملك… خلي بالك… عليها…


وصوتها إختفى.


ياسر صرخ :

– سارة... لا لا.. ما تسكتيش يا سارة.


المسعف قال له :

– ماتتكلمش معاها، خليها ترتاح.


ركبوا الإسعاف، الباب اتقفل، والسيرينة ولّعت الشارع كله. ياسر قاعد جنبها، إيده ماسكة إيدها بكل قوته، وعينه مش شايفة غير وشّها اللي بيبعد عنه شبر بشبر.


قال بصوت مكسور :

– يا رب.. ما تاخذهاش، يا رب لا.


المسعفة بصّت له وقالت :

– ركّز معاها، كلمها، صوتك مهم.


قرب منها وهمس :

– أنا هنا، مش هسيبك، إفتحي عينيكِ. سارة لو سمعتيني، حلفتك بحبك ماتسيبينيش.


دمعة نزلت من عينها، نقطة واحدة بس.


المسعفة قالت بسرعة :

– كويس، ده معناه إنها لسه سامعة.


وصلت عربية الإسعاف باب المستشفى، دخلوها على نقالة تانية، والممر كله اتفتح.

ياسر حاول يدخل معاها، بس الممرض وقّفه :

– آسف يا فندم، لازم تستنى برا.


وقف وملامحه بتنهار. مسك في الحيطة، ونزل على الأرض وهو بيقول :


– يا رب… يا رب سترك.


باب العناية اتقفل على سارة، والممر كله اتحوّل لظلّ طويل يضرب في قلب ياسر. قعد على الأرض، ظهره للحيطة، وصوته طالع من صدره مكسور :


– يا رب.. يا رب سترك. 


ماكانش شايف غير صور : ضحكتها، نفسها اللي كان بيعدّه، ولحظة انهيارها على إيده.. إيده لسه فيها ريحة بشرتها.


الوقت بقى تقيل جدًا، مافيش صوت غير الأجهزة جوّا العناية، وصوت خطوات ممرض رايح جاي من بعيد.


وبين دقيقة والتانية… كان بيطلع تليفونه، يبص فيه، مش عارف يتصل بحد، ومش عارف يستنى لوحده.

وفجأة…

سمع صوت خطوات سريعة في الممر.. روان.. كانت داخلة وهي بتلهث، وشعرها مفكوك، وشكلها مرعوب كأنها لسه طالعة من حلم وحش.

أول ما شافته على الأرض، صرخت :


– ياسر!! مالك؟! سارة فين؟!


هو رفع راسه ببطء، عينيه حمرا، ووشّه باين عليه إنه مش نايم من أيام.


قال بصوت واطي جدًا :

– جوا، مش قادرة تتنفس. سارة بتضيع يا روان.


جريت عليه وقعدت جنبه على الأرض، مسكت إيده بقوة :

– لأ… لأ… ماتقولش كده. هي قوية، ودايمًا بترجع. قولّي، حصل إيه؟


ما ردش.

دمعة نزلت من عينه رغمًا عنه. هو مش من النوع اللي يبكي، بس النهارده مافيش رجولة ولا كبرياء، فيه راجل مكسور على امرأة روحه فيها.


إتنهد وقال بصعوبة :

– أنا السبب.


روان شدّت إيده :

– بطل الكلام ده، سارة محتاجاك قوي دلوقتي.


– لأ… اسمعيني، لو مش أنا اللي…

لو ما كنتش… لو ما ضعفتش... ما كانتش هتوصل للّحظة دي.


روان سكتت، الكلام اللي قالته في البيت امبارح رجع يقطع قلبها. بس دلوقتي، ده مش وقت الحساب.


حطّت إيدها على كتفه وقالت :

– ياسر، سارة عمرها ما كانت تشوفك سبب وجعها،.ولو رجعت دلوقتي وشافتك كده هتزعل. قوم.. قوم وقف، إرجع تبقى سندها زي ما كنت دايمًا.

Nisrine Bellaajili


وقفوه سوا، وهي ماسكة إيده كأنها بتسنده من سقوط مش من تعب.


قدّام باب العناية، الاثنين واقفين، والخوف بينهم ساكت.


روان بصوت واطي قالت :

– ياسر، مهما حصل سارة بتحبك حب ماحدش في الدنيا يقدر يلمسه.


هو بَصّ لها بنظرة فيها شكر وندم، وحزن. ونظرة تانية جديدة، مالهاش إسم.


هو محتاجها. بس مش بالشكل اللي يخوّف. محتاج وجود، مش حب. محتاج ظهر، مش علاقة.


هي فهمت ده من غير ما يقول. مافيش كلام، بس فيه خطوة، لما قرب منها وقال :

– مش قادر، أنا مش قادر أعيش اللحظة اللي ممكن تتاخذ مني فيها.


روان اتمدت على كتفه، وقالت بهدوء :

– كلنا مش قادرين، بس هنعدّي، حتى لو بألف دمعة.

الحمدالله اني اخدت ملك امبارح معايا 


قعدوا على الكراسي جنب باب العناية، روان سندت راسها على الحيطة، وياسر كان ماسك المسبحة اللي جابتهاله سارة زمان وقالت له :


"دي هتربط قلبك لو يوم اتوه."

وقلبه تاه وبيدور عليها.


مرت الساعات…

وكل دقيقة كان فيها خوف جديد. لحد ما الباب اتفتح، وخرج الدكتور.


ياسر وقف بسرعة، كأن رجليه مش لامسه الأرض.


– دكتور!! سارة عاملة إيه؟


الدكتور ماسك ورق، وشه جد، مالوش ملامح، لكن صوته هزّ الكوريدور :

– الحالة لسه غير مستقرة. بس عملنا اللازم. هي بين الحياة والموت، والساعات اللي جاية هي اللي هتحدد.


روان حطت إيدها على صدرها. ياسر حسّ إنه وقع من 100 دور.


الدكتور كمل :

– المريضة بتسأل عليكم بس وعيها ضبابي. لو تحب يدخل  واحد دقيقة بس، لأنها تعبانة جدًا.


بصّ ياسر لروان وعنيه بتسأل :


أدخل؟ ولا أخاف أشوفها كده؟


روان هزّت راسها له :

أدخل، هي مستنياك.


دخل.

الغرفة كانت ظلمة ما فيهاش نور غير الجهاز اللي بيقيس نبضها.

وسارة مرمية بين الأجهزة وماسكة الماسك على وشها بإيد ضعيفة جدًا.

لما شافته رفعت رمشها، إبتسامة صغيرة طلعت رغم الألم. مدّت إيدها بصعوبة، ولما مسكها همست :

– ياسر…


– أنا هنا، أنا معاك ما تخافيش.


دمعة نزلت منها، وقالت :

– لو… لو جرالي حاجة… و... وملك… ملك…


قاطعها بسرعة :


– لأ. ما تجيبيش سيرة الكلام ده، إنتِ هترجعي، إنتِ أقوى من أي وجع.


بس هي ابتسمت ابتسامة الوداع، إبتسامة الست اللي فهمت قدَرها.

وشاورت بإيدهت، وقالت بصوت متقطع :

– عايزا… أوصّيك… بحاجة…


قرب منها، قلبه بيصرخ :

– قولي، أنا سامعك.


همست :


– ياسر… ملك… ورو… را…


لكن النفس قطعها، الجهاز صرخ. والممر كلّه جري.


وياسر اتسحب من الأوضة وصوته بيصرخ :

– سارة!!! سارة!!! إفتحوا الباب!!! سيبوني معاها!!!!


روان جريت من بعيد لما شافته كده، صرخت :

– ياسر، قولّي.. هي حصل لها إيه؟!


وهو واقع على باب العناية، إيده على قلبه وعينه مش شايفة غير سارة جوّا. قال بصوت مكسور :

– كانت بتوصّيني بس نفسها خذلها.


غمض عينه ونزلت دمعة منها، كانت بداية النهاية، ونقطة التحوّل. والباب اللي هيفتح على الوصية اللي هتغيّر كل حاجة.


"وفي اللحظة اللي اتقفل فيها باب العناية، فهم ياسر إن اللي بيحصُل مش نهايتها، ده ابتداء حسابه هو، حساب الحب، وحساب الوصية اللي اتقطعت قبل ما تكمل، ولسه معلّقة بين الحياة والموت، مستنياه."


********************************


مش عارفه اقول ايه غير اني مش عارفه انا كتبت الوجع ده ازاي 

شكرا لي اي حد بخلي فوت و تعليق حلو ليا 

ده بشجعني جدا 

الروايه دي ليها ابعاد كبيره جدا ياريت نفهم اللي بين السطور 


*وصيّة حب*


بقلم نسرين بلعجيلي 

Nisrine Bellaajili 


_الفصل العشرون_

روايه حصري فقط لصفحه روايات نسرين بلعجيلي 

ممنوع السرقه 


الممر كان ساكت بطريقة تخوّف، صمت يشبه الصمت اللي قبل العاصفة، مش صمت مرض في سرير.

ياسر كان واقف قصاد باب العناية، إيده على راسه، نفسُه يطلع ويتقطع، ينزل ويتقطع، زي واحد بيغرق ومش لاقي حتة هوا.


روان واقفة جنبه، مش قادرة تسيبه، مش قادرة تقرب منه زيادة. واقفة بس بتسند وجوده.


الممرضين رايحين جايين، صوت الأجهزة جوّا، وهو مش سامع غير كلمة واحدة، الكلمة اللي اتقطعت :


"ملك… ورو… را…"


روان قربت خطوة، بصوت هادي : 

– ياسر، أقعد، إنت شكلك مش طبيعي.


ما ردش، ولا حتى بَصّ. هو كان في دنيا تانية، الدنيا اللي فيها مراته محبوسة ورا باب، ومش عارف هتتنفس ولا لأ.


بعد عشر دقايق من الجحيم.. طلع الدكتور.


ياسر جري عليه : 

– طمّني يا دكتور، بالله عليك طمّني.


الدكتور مسك ورق الأشعة وهو بيقول : 

– هي لسه في حالة حرجة جدًا، التنفس مش ثابت، وفي إنهيار مناعي واضح. هنحاول نثبت الأكسجين والأدوية على أعلى جرعة، وبعدين نبقى نشوف.


ياسر حاسس الأرض بتتهز تحته.


روان : 

– يعني فيه أمل؟


الدكتور بص لثواني، وقال : 

– إحنا عملنا اللي نقدر عليه، والباقي عند ربنا.


الجملة دي ما بتطمنش، جملة بتتقسم نصين :

نص أمل… ونص وداع.


سكت الدكتور ومشي. ياسر قعد على الكرسي اللي في الممر، جسمه كله وقع. روان قربت منه ببطء :

– ياسر، لازم تاكل لقمة، تشرب حاجة.


هزّ راسه بلا : 

– مش قادر، مش هتتبلع.


كانت لحظة صدق زيادة عن اللزوم. روان قعدت جنبه، مسكت صباع المسبحة اللي كان بيقلّبها، قالت بصوت واطي :

– سارة  قوية، كانت بتدعي ربنا يسهّلك طريقك. مش معقول ربنا هيسيبك دلوقتي.


بس هو ما كانش سامع، ولا شايف، ولا قادر يفهم.

نسرين بلعجيلي 


وفجأة…

رفع عينه عليها، وقال بصوت مبحوح :

– روان… هي كانت بتقول إيه؟ كانت بتوصّيني بإيه؟ كانت هتقول إيه بعد “رو”؟


روان اتجمدت، هي نفسها اتصدمت من السؤال.

قالت بحذر :

– يمكن كانت هتقول “روحي”، “روحك”، أي حاجة. ما تفسّرش الكلمة، ماتعلّقش قلبك بحاجة مش أكيد.


لكن هو قال بكسرة :

– كانت بتقول “ملك… ورو…” ورفع راسه، عينه ثابتة على نقطة مش موجودة :

– سارة عمرها ما بدأت كلمة وما كملتهاش، إلا لو اللي بعدها أهم من حياتها.


روان قلبها وقع. عارفة إن سارة طول عمرها صريحة، ولو كانت هتنطق إسم حد، كانت هتنطقه كامل. لكن دي مش لحظة نفتح فيها باب جديد.


فردّت بسرعة : 

– سارة دلوقتي محتاجة دعاء، مش تحليل لكلامها. ركّز في حياتها، مش في اللي اتقطع منها.


هو بَصّ لها، وعينه لأول مرة من ساعات ترفّ دمعة فيها رجاء مش ذنب :

– إدعيلي.. إدعيلي أصبر.


روان قربت منه، حطّت إيدها على كتفه : 

– ربنا كبير يا ياسر. وربنا مش هياخذ حد بيحبه بالطريقة دي.


وبين الكلمتين، باب العناية اتفتح.


الممرضة قالت : 

– المريضة صحيت دقيقة، وطلبت تشوف “جوزها بس”.


ياسر وقف بسرعة، رجله بتتهزّ.

روان قامت وراه، لكن الممرضة رفعت إيدها :

– المريضة قالت “جوزها بس”.


ياسر دخل وروان وقفت مكانها، قلبها واقع، مش عارفة ليه دمعتها نزلت فجأة.


الظلمة ناعمة، الجهاز بيعلى ويقع، والنبض بيعد بالدقيقة.


سارة كانت نايمة، مش نايمة، لا.. متعلقة بخيط تنفّس. لما سمعت خطواته فتحت عينيها بصعوبة.


إبتسامة خفيفة، كسيفة، لكن كاملة.

مدت إيدها، عارفة إنه هيقرب.


قرب، وقعد، ومسكت إيده، حطّتها على صدرها، على نبضها الضعيف.


همست : 

– ياسر…


– أيوة يا روحي، أنا هنا.


عينيها دمعت، بس ابتسامتها ما راحتش :

– هتسمعني؟ لما… لما أقولك؟


– أسمعك، ولو بنفسي.


أخذت نفس، نفس صعب، وقالت بأبطأ صوت في الدنيا :

– لو… جرالي حاجة… ملك… لازم…

حد… يحبّها… زي ما إنت… بتحبّني.


قلبه وقع. دمعته نزلت على إيدها.


هي كملت :

– أمّك… هتجوزك… سلوى…

بس… أنا… مش… هاسمح.


نفسها قطعها، بس مسكت إيده بقوة :

– روان… روان بنت… قلبها... نظيف… و… بتحب ملك… وخايفة… عليك.


هو اتصدم، إتصلّب، عينه اتسعت.


هي قالت آخر كلمة قبل ما الأكسچين يقطع خيط صوتها :


– جوزها... جوز… روان…


الجهاز صرخ. والدكاترة دخلوا يجَروا. وهو اتسحب برّه، عينه متسمّرة عليها، وقلبه بيقع. مش فاهم لسه، بس فاهم إن آخر كلمة نطقتها :

كانت “روان”.


الصوت العالي بتاع الجهاز رجّ المستشفى كلها، والدكاترة جريوا جوّه كأنهم في سباق مع الموت.


ياسر إتسحب برا الغرفة، رجله بتهوّش، وعينه مش شايفة غير صورة سارة وهي بتلفظ الكلمة الأخيرة :


“روان…”


مش "روحِك"

مش "روّحي"

مش "روح"

لأ…

إسم واضح زي طلقة.


إتسند على الحيطة، إيده على صدره، نَفَسه بيتقطع زيها.


روان كانت واقفة في نص الممر، وأول ما شافته اتسحب من جوّه،

جريت عليه :

– ياسر! قلّي، إيه اللي حصل؟


هو مش بينطق، عينيه ثابتة، مش على روان، لأ، على الأرض، على الفراغ.


قال كلمة واحدة، بصوت مشوّه :

– قالت… إسمِك.


روان اتجمّدت، دمها برد، وشّها بقى أبيض كأنها اللي جالها انهيار :

– إسمي؟! ليه؟ قالت إيه؟!


ياسر رفع عينه عليها لأول مرة، عين راجل اتشقلبت حياته في لحظة :

– بتوصّيني إنك تبقي مراتي.

Nisrine Bellaajili 


روان رجعت خطوة ورا، إتخبطت في الكرسي اللي وراها، مش مصدّقة، مش مستوعبة، مش قادرة حتى تتنفس :

– إنت… إنت بتقول إيه؟! سارة؟ سارة تقول كده؟!


هو مسك دماغه، وزعق بصوت واطي كأن نفسه خانه :

– قالت «ملك… وروان» وقالت إن أمي هتجوزّني سلوى وهي مش راضية ومش هتسامح، ومش عايزة بنتي تتربّى في بيت مش بيتي.


دموعه نزلت، وأول مرة ينهار قدّام روان بالشكل ده.

روان، رغم صدمتها، رغم رجليها اللي مش شايلينها، حطّت إيدها على بقها وهمست :

– يا رب.. يا رب دي بتموت وبتفكر في بنتها، وفيك، وفيّ أنا؟


ياسر هزّ راسه وهو بيبكي :

– قالت “اتجوزها” قبل ما صوتها يقطع. كانت بتكلّمك، بتكلّم القدَر، بتكلّم الدنيا كلها.


روان قعدت على الأرض، مش قادرة توقف من صدمتها. عيونها مفتوحة، دموعها نازلة من غير صوت :


– لأ.. دي سارة مش ممكن تقول كده، مش ممكن!


ياسر قرب منها خطوة، صوته مرّ، مكسور، مخنوق :

– أنا مش فاهم ولا عارف أعيش اللحظة. بس اللي متأكد منه إنها قالت إسمِك وهي بتموت.


روان ضربت صدرها بإيدها، مش قادرة تتحمل الشعور :

– أنا ما ينفعش، أنا ما اقدرش، أنا بحبّها زي أختي، أتجوز جوزها؟! ده جنان. سارة كانت في حالة بين الحياة والموت، يمكن كانت بتقول أي كلام، يمكن كانت بتخرف.


ياسر قرب أكثر، وصوته اتحوّل لضحكة باكية :

– سارة؟ تخرف؟.دي آخر واحدة تخرف. دي لو هتموت، هتموت وهي راكّزة ومسمعاني الكلمة اللي تقتلني بعد موتها.


روان صرخت :

– طب وبعدين؟ عايزني أعمل إيه دلوقتي؟ أدخل أشوفها؟ ولا أهرب؟ ولا أقول لملك إيه لو ماتت؟ إن ماما قالت لبابا يتجوز روان؟! ده خراب بيوت يا ياسر.


ياسر مسك دماغه، وقال بصوت مهزوم :

– أنا… أنا تايه. مش قادر أتنفس، مش قادر أفكّر، مش قادر أصدّق.


روان قربت منه، وحطّت إيدها على كتفه، وقالت بصوت من جوّا قلبها :

– ياسر، لو ده حصل، لو دي وصيّتها، يبقى القرار مش بتاعك،

ولا بتاعي، ده قدَر.


سكتت ثواني، وبعدين قالت الجملة اللي قصمتها :

– بس لو هي عايشة، ما تفتحش الكلام ده. لو قامت، هتتكسر منّنا إحنا الاثنين.


ضحكة ياسر خرجت مكسورة :

– تقوم؟ دي دلوقتي بين الحياة والموت.


روان دمعتها وقعت على الأرض :

– ومافيش مستحيل على ربنا. ما ندفنش سارة وهي عايشة.


سكتوا…

نسرين بلعجيلي 


والممر كان بيترعش من الصمت. وبعدين، باب العناية اتفتح فجأة.


والممرضة قالت بصوت عالي :

– المريضة محتاجة نقل دم بسرعة، الضغط بينهار.


صرخوا الاثنين في نفس اللحظة :


– يااااارب.


ياسر جري، وروَان جريت وراه، والممر كله جري.

والقدَر كان واقف في النص، مجهز سيفه، ومستني ياخذ أول إسم. صوت العجلات اللي بتتزق على الأرض كان بيخبط في قلب ياسر قبل ودانه. الممرضة بتجري، والدكتور وراها، ووراهم جهاز الضغط بيتحرّك بسرعة.


روان واقفة على جنب الممر، صدرها بيعلى وينزل بسرعة، مش عارفة تمدّ إيدها ولا تتراجع، واقفة بين خوفين :

خوف على سارة، وخوف من الكلمة اللي قلبت حياتها : “روان… جوزها.”


أما ياسر، فكان ماشي ورا النقالة زي شبح. عينيه على وشّ سارة اللي باين منه نصه بس، شفتين باهتين، وجهاز الأكسجين بيطلع بخار خفيف حوالين الماسك.


دخلوا غرفة الطوارئ الخاصة بالعناية، والممرض قفل الباب في وشّه :

– إستنى برا يا أستاذ من فضلك.


الباب اتقفل بقسوة، والحياة اتقفلت معاه.


ياسر اتكعبل وهو بيرجع خطوة، مسك الحيطة بإيده، وحسّ إن الدنيا لفت.


روان قربت بسرعة، مسكت دراعه قبل ما يقع :

– ياسر، بالله عليك إوعى تقع. خليك واقف، هي محتاجاك واقف.


ما بصّش ليها، صوته طلع واطي جدًا، زي حد بيتكلم مع نفسه :

– لو… لو جرالها حاجة، أنا خلصت، أنا مش هاعرف أربي ملك، ولا هاعرف أعيش. هي كانت روحي، كانت السبب إني راجل. أنا… أنا هضيع.


دمعة نزلت من روان، ومدّت إيديها ومسكت وشّه بين كفيها لأول مرة من يوم ما عرفته :

– لأ. إسمعني كويس، سارة عايشة لأنك جنبها. وربنا كبير. واللي بيحبّك بالشكل ده، مش هيسيبك لوحدك.


رفع عينه لها، ولأول مرة من أول الليلة، عينيه استقرت على وشّها بجد. كانت لحظة صدق، ولحظة وجع، ولحظة إعتراف بين سطور مكسورة.


لكن الباب اتفتح فجأة. ممرضة خرجت بسرعة وقالت :

– مين منكم فصيلة دمه O- ؟


ياسر قال بسرعة :

– أنا، أنا فصيلتي O-.


الممرضة هزّت راسها بسرعة :

– تمام، إلحقني محتاجين أكياس دم فوري.


جري معاها، وروَان رجعت خطوتين لورا، قلبها بيتقطع وهي شايفة الراجل اللي بتحبه سارة، واللي عمرها ما سمحت لقلبها ينظر له نظرة زيادة، داخل يديها حياته.


سندت ظهرها على الحيطة وشهقت شهقة مكتومة.


همست لنفسها وهي بتبكي :

– يا رب.. يا رب.. ما تاخذهاش.. ما تاخدهاش يا رب.


بعد نص ساعة…

ياسر خرج من غرفة التبرع، وشّه شاحب، إيده فيها قطن، بس قلبه مش في جسمه.


روان جريت نحوه :

– عملت التبرع؟ إدّيت الدم؟


ياسر هزّ راسه، واتكعبل في كرسي وقعد.

روان قعدت جنبه، وبصوت كله خوف قالت :

– طيب، قالولك حاجة؟ الدكتور قال إيه؟


هو لفّ وشه ناحيتها، عينه حمرا، وقال بصوت ضعيف :

– قالوا إن الدم لحقها قبل ما الضغط يختفي خالص. بس لسه،

لسه حياتها على السطر.


روان حطّت إيديها على وشها وبكت بدموع ساخنة :

– سارة قوية، سارة هترجع، سارة مش هتسيب ملك ولا هتسيبك،

ولا هتسيبني.


ياسر لفّ لها ببطء كأنه أول مرة ياخذ باله إنها مكسورة :

– إنتِ … إنتِ بتحبيها قدّي؟


روان ببكاء مكتوم :

– أكثر .. أكتر من نفسي.


الاتنين سكتوا…

ودقيقة ورا دقيقة الباب اتفتح.


الدكتور خرج وشه مرهق وفيه نظرة ما يعلمهاش غير اللي اتعامل مع الموت مليون مرة.


ياسر وقف بسرعة :

– يا دكتور!! سارة عاملة إيه؟!


الدكتور أخذ نفس طويل وبعدين قال :

– المريضة فاقت.


روان شهقت :

– فاقت؟! بجد؟!


الدكتور رفع إيده يهدّيهم :

– فاقت، لكن وعيها مش كامل. هتدخل حالة تشتت وهتقول كلام من اللاوعي. ممنوع نضغط عليها. وممنوع أي حد يسألها أسئلة مؤذية أو متعبة.


بَصّ لياسر تحديدًا :

– لو دخلت، خليك ثابت. وما تجيبش سيرة وصايا ولا خوف ولا موت.


ياسر بلع ريقه، وقلبه وقع.


الدكتور بصّ على روان :

– وإنتِ، مش هينفع تدخلي دلوقتي. هي محتاجة تشوف جوزها بس..ده الطبيعي في حالات الصدمة.


روان حسّت إن كلمة "جوزها"

لسعت قلبها زي نار. هزّت راسها وقالت :

– حاضر.

نسرين بلعجيلي 


ياسر قرب من الباب، إيده بترتعش، ورجليه تقيلة، لكن قبل ما يدخل، روان نادته بصوت واطي، صوت بيترعش :

– ياسر…


لفّ لها.


روان قالت بخوف حقيقي :


– لو.. لو قالت حاجة ثانية، لو قالت إسمي ثاني، لو اتكلمت عن اللي قالته قبل ما تقع...


بصّت له بعمق :

– ما تصدّقش،فما تاخذش قرار وهي بين الموت والحياة. إستنى لحد ما تبقى سارة، مش ظلّ سارة.


ياسر إتنفس وشّه في تراب الدنيا وقال :

– أنا مش داخل أدور على وصية،

أنا داخل أدور على مراتي.


ودخل. وروَان، أول ما الباب اتقفل، حطّت إيديها على قلبها وقالت:

– يا رب إقبض الوجع من قلبي، بس ما تقبضش روحها.


ايه رأيكم بي الاحداث المثوثره دي ؟؟؟


يتبع .... 

بقلم نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili



بداية الرواية من هنا



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحصريه



اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحديثه



❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺



تعليقات

التنقل السريع
    close