القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية وصية حب الفصل الحادي والعشرون والثاني والعشرون والثالث والعشرون والرابع والعشرون بقلم نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili حصريه وجديده


رواية وصية حب الفصل الحادي والعشرون والثاني والعشرون والثالث والعشرون والرابع والعشرون بقلم نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili حصريه وجديده 



رواية وصية حب الفصل الحادي والعشرون والثاني والعشرون والثالث والعشرون والرابع والعشرون بقلم نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili حصريه وجديده 


الهدوء جوّه العناية كان غريب، صوت الأجهزة بيعدّ نبض، والضوء خافت، والهواء فيه ريحة دوا وتعقيم وخوف.

ياسر دخل بهدوء، قلبه بيخبط في صدره. قرب من السرير، لقاها فاتحة عينيها، أهدى شوية من المرة اللي فاتت، بس التعب لسه ساكن ملامحها.


إبتسمت إبتسامة صغيرة :

– إتأخرت ليه؟


صوته اتكسر وهو بيحاول يضحك :

– كنت برّه بادعي.

قرب، مسك إيدها بحنان :

– حمد الله على سلامتك يا سارة.


بصّت له بجدية غريبة، مش شبه سارة اللي بتضحك وتهزر :

– ياسر… أنا فايقة.

قالتها كأنها بتأكد له وللدنيا كلها :

– مش بخرف، ولا بقول كلام هري. أنا عارفة كل كلمة قلتها من شوية، وعارفة اللي ناوية أقوله دلوقتي.


إتشد من جوّه :

– يا سارة، الدكتور قال إنك تعبانة، وممكن تقولي كلام من اللاوعي يعني...


قطعت كلامه :

– لأ.

نطقتها بهدوء، بس فيها قَطع :

– أنا مش مهلوسة. أنا في آخر امتحان في حياتي، ومش عايزة أغلط فيه.


سكت، قلبه بيخبط.


هي كملت، وهي بتزيح الماسك شوية عشان تقدر تتكلم :

– ناديلها.


رمش :

– مين؟


– روان.

إسمها نزل تقيل في الهوا :

– عايزاها تدخل ولو خمس دقايق.


ياسر اتلخبط :

– الدكتور قال زيارة شخص واحد بس.


سارة ابتسمت ابتسامة متعبة :

– طيب قول للدكتور إني عايزة أشوف "أختي"، مش هيمانع.

نسرين بلعجيلي 


خرج ياسر، وبعد شوية رجع ومعاه الممرضة، ووراها روان، دخلت بحذر، قلبها في رجلها، عينيها مليانة خوف ودمع منحبس.


روان بصوت واطي :

– يا روح قلبي، خوفتينا.


سارة لمست هوا إيديها بإيدها الضعيفة :

– تعالوا جنبي.. إنتم الاثنين.

أشارت ليهم يقربوا.


ياسر وقف ناحية اليمين، روان ناحية الشمال، وهي في النص، نقلة قدر.


سارة بصّت ليهم واحد واحد، وبعدين قالت بهدوء غريب :

– أنا مش هلف ولا أدور… ولا عندي وقت أضيّعه. يا ياسر… يا روان… أنا عايزاكم تتجوزوا.


روان اتجمّدت في مكانها :

– إيه؟!

كلمة واحدة خرجت، بس كانت مليانة صدمة وقهر وخوف.


ياسر فتح بُقّه ومش عارف حتى يعترض :

– سارة.. إحنا اتفقنا ما نفتحش الكلام ده..


– لأ، أنا اللي باتفق.

ردّت بسرعة رغم تعب نفسها :

– دي حياتي… وملك… ومستقبلك إنت وهي.


روان هزّت راسها بعنف، دمعتها نزلت :

– إنتِ تعبانة، الكلام ده حرام يتقال وإنتِ في الحالة دي. أنا أتجوز جوزك؟! إزاي؟! إزاي أبص في عينيك بعد كده؟!


سارة ابتسمت ابتسامة موجوعة :

– عشان تبصي في عينين بنتي وتطمني إنها في بيت أمان. بصي يا روان… سلوى وأم ياسر مش هيسيبوه في حاله. سلوى واقفة من زمان، ومستنية الباب يتفتح. وأنا… مش هاقبل إن ملك تكبر في بيت وحدة مش بتحبني… ولا بتحبها… ولا هتشيلهم زيك.


ياسر اتكلم لأول مرة بجدية :

– يا سارة، كفاية.. أنا مش هتجوز حد، لا دلوقتي ولا بعدين. مش قادر أستوعب فكرة إنك… إنك تمشي أصلاً، عايزاني أفكر في جواز؟!


سارة بصّت له، عينها لمعت بدمعة ثقيلة :

– الجواز مش خيانة ليا يا ياسر.. الخيانة إنك تسيب بنتك لناس ما يرحموهاش. أنا مش باطلب منك تحب روان زيّي… ولا إني أسيب مكانها في قلبك. أنا باطلب ستر... وظهر… وبيت ما يتخرّبش.


روان قالت وهي بتبكي :

– بس أنا مقدرش، أنا بحبّك يا سارة، أكتر ست دخلت قلبي بعد أمي. إزاي ألبس فستان جواز على خرابة قلبك؟!


سارة ضحكت ضحكة قصيرة، مكسورة لكنها دافئة :

– والله يا بنتي… لو كنت بغير، ما كنت رشحتِك. أنا مش ست ضعيفة.. ولا واحدة هتسيب جوزها لأي حد. أنا اخترتك إنتِ… عشان أنا مطمنة إنك هتحبيه "ليَّ" قبل ما تحبيه "لنفسِك".


رجعت تبصّ لياسر :

– وانت… فاكر لما قلتلك زمان : "لو جرالي حاجة، ما تسيبش ملك لوحدها"؟ ساعتها ضحكت وقلتلي : "ده كلام مسلسلات". أهو إحنا عايشين في المسلسل دلوقتي… بس من غير مؤلّف… فيه أنا، وانت، وربنا.


سكتت لحظة تاخذ نفس، صدرها بيعلى وينزل بصعوبة. المونيتور جنبها بيعلن كل نبضة.


قالت بصوت أبطأ :

– أنا مش هطلّق… أنا هفضل على ذمّتك لحد آخر نَفَس. بس الشرع محلّل إنك تتجوز… وأنا اللي باطلب… إني أكون موجودة… وأنا باسلّم قلبك بإيدي لحد أمين.


روان شهقت :

– لااا… بالله عليكِ ما تقوليهاش كده، ما تقوليش "أسلّم قلبك"… قلبه ليكِ إنتِ.

Nisrine Bellaajili


سارة مدت إيدها بصعوبة ولمست خدّها :

– قلبه ليّا… وأمانه عندك. فيه فرق.


ثم قالت بجملة قطعت الليلة نصين :

– أنا عايزة المأذون ييجي هنا.. النهارده.


ياسر اتصدم :

– إيه؟! مأذون؟! في المستشفى وإنتِ على السرير كده؟!


– أيوه.

نطقتها بهدوء تام :

– عايزاه يشهد عليّ… وعلى وصيّتي… وعلى جوازكم… قدّامي.


روان قامت من مكانها خطوة لورا، لحد ما خبطت في الحيطة :

– لا… لا يا سارة، ده ظلم لنفسِك،وظلم ليا، وظلم ليه. إزاي يتكتب كتاب وإنتِ على جهاز أكسجين؟!


سارة بصّت لها نظرة ستّ وصلت لمرحلة ما عادش فيها غير الصدق :

– عشان لو نمت… أنام وأنا مطمّنة. مش عايزاكم تتجوزوا بعد ما أموت، عشان ما تقولوش: "استنينا موتها". عايزة كل حاجة تكون نور، ما فيهاش نقطة سواد. جوازكم قدّامي… هو براءتكم قدّام ربنا.. وقدّام نفسي.


ياسر قعد على الكرسي، مسك راسه :

– أنا… مش قادر. مش قادر أتصوّر نفسي واقف قدّام مأذون، وإنتِ نايمة على سرير عناية.


سارة همست :

– عشان كده… لازم تعملها. الحاجات الكبيرة ما بتتعملش وإحنا مرتاحين، بتتعمل وإحنا مرعوبين.. بس قلبنا راضي.


بصّت له بعينين مليانين حب :

– حلفتك بحبك ليا… وحبنا لملك... ما تكسرليش آخر طلب.


سكت…

الدموع نزلت غصب عنه.

روان قربت من السرير، مسكت إيد سارة، حطّتها على قلبها :

– ولو أنا اللي مش راضية؟ لو قلبي مش مستحمل الفكرة؟ لو عمري ما قدرت أبصّ في المراية بعد الجواز ده؟


سارة ردّت عليها بجملة واحدة :

– لو بتحبّيني… هترضيني.


سكتت لحظة، وبعدين ضحكت ضحكة صغيرة :

– وبعدين… إنتِ أكتر واحدة كنتِ بتقولي "الحب مش بس إحساس.. ده مسؤولية". أهو… مسؤوليتك جت أهي.


الهدوء نزل على الغرفة ثواني. ياسر مسح دموعه بعنف، وكأنه بيحارب نفسه :

– طيب، لو جبت المأذون وجوزني ليها، ووافقت على كلامك، هتسبيهالي "أمانة"؟ مش ذنب؟


سارة أومأت برأسها، بعينين مطمّنين بطريقة غريبة :

– أمانة… مش ذنب. ولو ربنا كتب لي عمر… هتبقى أول مرة في التاريخ واحدة تبقى مبسوطة إنها شريكة قلبها مع صاحبتها.


دمعة ضحك نزلت من روان وسط الدموع :

– يا رب على عقلك، حتى وإنت بتتكسّري، دماغك شغّالة سخرية.


سارة همست :

– حياتنا كانت بين الضحك والوجع… خلي نهايتي كده برضه.


بصّت لياسر ثاني :

– روح… كلم الشيخ اللي في جامعنا. هو مأذون برضه. وقوله : "سارة عايزاك تشهد على جواز، قبل ما تمشي."


ياسر واقف بين أكبر قرارين في حياته. بَصّ لروان… لقاها مرعوبة، بس واقفة ما هربتش.


روان مسحت دموعها، وقالت بصوت مبحوح :

– لو ربنا كتبلك عمر… هتفضلي إنتِ الأولى والأخيرة في قلبه. ولو مشيّتِ، هحاول أكون قدّ الكلام اللي قلتيه. بس ما تطلبيش مني أفرح.


سارة ابتسمت :

– مش عايزاكِ تفرحي… عايزاكِ ترضي.


سكتت لحظة، ثم همست :

– موافقة؟


روان بكت أكثر، بس هزّت راسها بنعم، نص رضا… نص انكسار… كله حب.


ياسر اتنفس نفس طويل جدًا كأنه أخذ أول قرار واعي من ساعة ما دخل المستشفى :

– هروح أكلمه.


خرج من الغرفة، وسارة فضلت لوحدها مع روان.

روان قعدت جنبها، خدها جنب خدها، وهمست :

– يا سارة، لو في يوم حسّيتي إني مش قدّ الأمانة، سامحيني.


سارة قالت بصوت ضعيف قوي، لكنه ثابت :

– أنا اخترتك عشان عمري ما هحتاج أسامحك... أنا اللي هافضل أدعيلك من هنا أو من هناك.


برّه…

صوت خطوات ياسر وهو بيجري في الممر يدور على الشيخ.


وجوّه العناية…

كانت في ستّ بتكتب آخر سطور في حكايتها بإيديها، وبتسلّم قلب راجل وبنت صغيرة، لوَصِيّة حب مش شبه أي حب.


ياسر خرج من غرفة العناية بعينين تايهين، إيده بتعرّق، وصدره بيطلع وينزل بسرعة مش طبعية.


الكلمة لسه بتلف في ودانه :


"جوزها… روان…"


وقف في نص الممر، مسك الموبايل بإيد مرتعشة، ودوّر على إسم الشيخ يحيى، الراجل اللي كتب كتابه على سارة من سنين. المكالمة فتحت بعد ثلاث رنّات.


ياسر بصوت مبحوح :

– يا شيخ يحيى، ماعلش سامحني على الوقت، بس سارة... سارة عايزة تشوفك دلوقتي.


الشيخ يحيى :

– خير يا ابني؟ صوتك مش طبيعي، مالِك؟


ياسر :

– بالله عليك ماتسألنيش دلوقتي، تعالى بس المستشفى، وتعالى بسرعة اوي.


صوت الشيخ اتغيّر فجأة، بقى جد :

– أنا في الطريق،  دقايق وهاكون عندك.


قفل الخط، حط إيده على راسه، وحسّ إن قلبه نزل تحت رجليه.


رجع للممر…

روان كانت واقفة مستنياه، وشها شاحب وعينيها حمراء من كتر البكا.


روان :

– كلّمت مين؟


ياسر :

– الشيخ يحيى، سارة عايزاه.


روان شهقت :

– دلوقتي؟!


هزّ راسه، وملامحه مكسورة بطريقة تخوّف :

– آه، قالت إسمه وقالت لازم ييجي.


روان حسّت رجليها بتتشلّ، عارفة معنى طلب زي ده، ده مش طلب حياة… ده طلب نهاية.


قعدوا هما الاثنين على الكراسي، وكل ثانية كانت أبطأ من اللي قبلها.


بعد دقايق قليلة…

ظهر الشيخ يحيى من آخر الممر. جاي بخطوات سريعة، ملامحه جد،

ورحمة في عينه.


قرب منهم :

– خير يا ياسر؟ إيه اللي حصل؟ سارة فين؟


ياسر ما عرفش يرد غير بجملة :

– هي… هي اللي طلبتك بنفسها.


الشيخ فهم من غير شرح، من غير تفاصيل.


هزّ راسه، وقال بهدوء :

– دخلني ليها.


داخل غرفة العناية، سارة كانت فايقة، مش فايقة بمعنى صحي، فايقة بمعنى الروح مسنودة في آخرها. عينها وقعت على الشيخ، إبتسامة ضعيفة طلعت، إبتسامة واحدة من اللي بيقولوا :

"كنت مستنياك…"


الشيخ قرب :

– الحمد لله إنك واعية يا بنتي، قوليلي.. وصّيتك إيه؟


ياسر واقف على يمينها، روان واقفة على شمال السرير، غصةفي حلقها.


سارة مدت إيدها المرتعشة، لمست دراع ياسر، وبعدين لمست صوابع روان، ولمست الهوا اللي بينهم. وقالت بصوت مكسور، لكن ثابت :

– يا شيخ يحيى… أنا بطلب…

تشهد… على جواز… روان…

من… من جوزي… ياسر.


الكلمة نزلت في الغرفة زي الصاعقة. روان شهقت، وشها اتفتح من الصدمة :

– لا… لا يا سارة، بلاش الكلام ده، إنتِ تعبانة.


سارة هزّت راسها بصعوبة :

– أنا… مش… بخرف. أنا… أمّ… قبل ما أكون زوجة. وملك… محتاجة قلب نظيف… يدخل بيتها… مش قلب غريب.


الشيخ قرب أكتر، وقال بصوت رسمي :

– قبل ما نبتدي، هاسألك يا سارة :

هل إنتِ موافقة بإرادتك؟ وبعقلك؟ ومش مكرهة، ولا مضغوطة؟


سارة أخذت نفس طويل، وطردته زي زفرة عمرها كله :

– موافقة… وعلى يقين… وبحب…  وروحي راضية.


روان حطت إيدها على بؤها تبكي :

– أنا… أنا مش قد الأمانة دي… أنا مش قدّ قلبك يا سارة…


سارة مدت لها إيدها، روان مسكتها وهي بتنهار :

– إنتِ... أكتر وحدة… كنتِ بتخافي على ملك… وأكتر وحدة… كنتِ بتدعيلي أنا وياسر. إنتِ… مش غريبة.. إنتِ… من قلبي.


ياسر كان واقف زي الحجر، دموعه بتنزل، وصوته مش طالع.


الشيخ قال :


– يا ياسر… إنت موافق؟ موافق تنفيذًا لوصيّتها؟ ولا شايف غير كده؟


ياسر رفع عينه لسارة، هي بصلته نظرة فيها قلبها كله :

– لو بتحبّني… سيبني أرتاح ونفّذ... آخر طلب ليا.


دموعه نزلت غصب عنه، وقال بصوت واطي :

– أقبل، عشانك إنتِ، مش عشان الدنيا.


الشيخ لف لروان :

– وإنتِ؟ موافقة؟ ومستعدة تشيلي أمانة بالحجم ده؟


روان رفعت راسها، دموع في كل اتجاه، وقالت :

– أقبل… عشانها. سارة أكبر منّنا كلنا.


الشيخ فتح الدفتر، وقال بصوت رسمي :

– باسم الله نبتدي…


“ولما الشيخ قال : «بارك الله لكما…»، سارة قفلت عينيها بهدوء، كأن القلب أخيرًا لقى السكينة اللي كان بيدوّر عليها. إتسندت روحها بين صوت الدعاء… وصمت النهاية.

وفي اللحظة دي… عرف ياسر إن الفصل ده مش ختام حكاية، ده بداية إمتحان … هيغيّر مصير ثلاثة قلوب إلى الأبد.”


وروح سارة ارتاحت… عينيها دمعت… وشفايفها ابتسمت إبتسامة صغيرة… إبتسامة وداع…

مش فراق.


مش عارفه اقولكم ايه ؟

حقكم عليا دموعكم غاليه عندي و زعلكم كمان 

انا كتبت الروايه وقولت عايزه حاجه مختلفه 

حاجه تدخل جوه الروح الإنسان تحرك المشاعر الدفينه جواه

و وصيه حب عملت كده 

احمدو ربنا على النعم اللي عندنا و اكثر نعمه هي نعمه الصحه 

شكرا لكل وحده قرأت الروايه بقلبها و مشاعرها قبل عنيها 

شكرا لكل كلمه طيبه 

بحبكم اوي اوي اوي 


*وصيّة حب*


بقلم نسرين بلعجيلي 

Nisrine Bellaajili 

الروايه حصريه لي صفحه روايات نسرين بلعجيلي 

و جروب 

نبض الحياه 


_الفصل الثاني والعشرون_


جُوّه العناية، كان فيه سكون مخيف، سكون مش صمت، سكون ما بعد آخر كلام.


سارة مسكت إيد روان وإيد ياسر مع بعض، وضمّتهم ناحية صدرها.

نظرتها هديت، بقت أغلى نظرة في حياتهم هما الاثنين.


همست بصوت بيقطع :

– روان… خلي بالك منهم… من ملك… ومن ياسر… ده… نصيبي... ووصيّتي…


إيدها ارتخت ببطء، رموشها نزلت. نَفَس طويل خرج… أطول من الطبيعي…

و…


سارة دخلت في غيبوبة كاملة. الجهاز دقّ إنذار، الممرضين جريوا، والدكتور دخل بسرعة.


روان صرخت :


– سارة... سارة فوقي بالله عليكِ.


بس جسم سارة كان ساكن، مستسلم زي وردة حدّ حطّها في مية ساقعة.


الدكتور بصّ لهم وقال بجديّة تقطع الروح :

– المريضة دخلت غيبوبة، غيبوبة عميقة. هنحاول نثبت التنفس، لكن محدّش يضمن هتفوق إمتى، أو هتفوق أصلًا.


روان وقعت على الكرسي، حطّت إيدها على وشّها وبكت زي اللي ظهره انكسر.


ياسر واقف مصدوم… مش قادر حتى يمدّ إيده عليها، مش قادر يبصّ في وشّها، ولا في وشّ روحه اللي نايمة على السرير.

وفجأة…

إفتكر جملة واحدة :

"أنا عايزاك تشهد… على جواز روان من ياسر."


رفع راسه لروان، وبصوت تايه قال :

– يعني… إحنا كده بقينا جوزين؟ وروحها دلوقتي.. معلّقة؟


روان مسحت دموعها بسرعة، وبنبضة خوف ووجع :

– ما تقولهاش كده، إحنا ما فرحناش، ما لبّسناش محابس، ما عاشناش حاجة، ده كان جواز… “وصيّة”.


ياسر قعد على كرسي، دفن وشّه في إيده، وقال بصوت مرعوب :

– ربنا يشهد… أنا ما كنتش مستعد لكده. مش للوجع ده، ولا للمسؤولية دي.


روان قامت وقفت قدّام الباب، وقالت بنبرة قوية لأول مرة من ساعة ما حصل كل ده :

– ياسر، أنا رايحة البيت، هبلغ ماما. لأن اللي حصل ده، هيغيّر حياتي وحياتكم.


مدّت إيدها تمسح دموعها :

– ولما تفوق سارة هي اللي هتحدّد إحنا نكمّل ولا لأ.


خرجت من المستشفى، وسابت وراها ممر طويل، وفي آخره راجل تايه.. وست نايمة.. ونصيب مكتوب.

نسرين بلعجيلي 


باب الشقة اتقفل وراء روان وهي داخلة، خطوتها تقيلة، وشّها باين عليه إنها شايلة جبل فوق ظهرها. 


أمها كانت في الصالة، وبمجرد ما شافت بنتها داخلة بتتمايل  وعيونها مبلولة، سألت بقلق :

– مالِك يا بنتي؟ سارة حصل لها إيه؟


روان ما قدرتش تتماسك، الدموع نزلت مرة واحدة :

– ماما… أنا… إتجوّزت.


الصمت نزل في البيت زي صوت قنبلة.


أمها اتجمدت مكانها، شَفّتها اتفتحت، وعينيها اتسعت :

– إنتِ عملتِ إيه؟؟


روان حاولت تتنفس :

– سارة… سارة طلبت وهي بتموت، وقالت لازم ... لازم أتجوز ياسر.


قبل ما تكمل، أمها صرخت :

– إخرسي!! إنتِ بتقولي إيه؟ إتجوّزتي جوز صاحبتك؟؟ روان!! إنتِ فقدتِ عقلك؟!!


روان هزّت راسها وهي بتبكي :

– ماما… كانت بتموت، أقسمت عليّا، قالت لي بالحرف "إرضيني"، كانت بتسلّمني ملك، وبتسلّمني البيت.


أمها قربت منها، وإيديها بترتعش من الصدمة :

– وإنتِ… صدّقتِ ده؟ صدّقتي إن الست اللي بين الحياة والموت، اللي مش واعية، كلامها يتحطّ على حياتك؟ روان، ده خراب… مش وصية.


روان بصوت متقطع :

– ماما، هي كانت فايقة وعارفة هي بتقول إيه.


أمها قطعتها بقسوة :

– فايقة؟ دي ست مفزوعة، شايفة روحها بتروح قدّام جوزها وبنتها، بتقول كلام عشان تطمّن قلبها، مش علشان تضيعي عمرك إنتِ.


قربت أكتر، وإيدها على راسها :

– يا بنتي إنتِ إزاي.. إزاي قِبلتِ تتكتبي على زوج صاحبتك؟! ده إسمه إيه قدّام الناس؟ قدّام ربنا؟ قدّام ضميرك؟


روان بدأت تهتز :

– ماما… بترجّعيني أندم أكثر، أنا كنت بين موتها.. وصوتها، خفت.. خفت لتروح وهي مش مرتاحة.


أمها صرخت :

– يعني ارتحتِ دلوقتي؟ ولا قوليلي، ياسر حبّك؟!


روان اتصدمت من السؤال، إتسمرت:

– لأ… لا طبعًا.


أمها رفعت إيدها على وشها وقالت باستهجان :

– يبقى اتجوزتيه ليه؟ علشان إيه؟ علشان وحدة على سرير عناية قالت كلمة وهي مش واعية؟ علشان الراجل اللي باين على وشّه إن روحه راحت مع مراته يبقى جوزِك إنتِ؟!


الكلمات كانت أقسى من الضرب. روان اتنهدت تنهيدة موجوعة :

– أنا… أنا ما فكرتش، ولا حسبتها.


أمها ردّت فورًا :

– بالظبط، ولا اعتبرتِ كرامتك، ولا سمعتك ولا كلام الناس. الناس هتقول إيه؟ هنبقى سيرة على كل لسان :

"روان جوزت نفسها لجوز صاحبتها وهي في المستشفى"؟!


روان حطّت إيدها على ودانها :

– أنا مش سارقة يا ماما، أنا ما خذتوش منها، ده طلبها.


أمها قربت، وبصوت أقل غضب، بس أعمق وجع :

– يا بنتي، الرجّالة مش عيال، مش هيتاخذوا وصية. ياسر بيحب مراته وبيموت فيها وشايفِك أمانة من مراته، مش حب. ولا واحدة ممكن تبقى في حضنه يوم. إنتِ فاهمة ده؟ فاهمة إنك دخلتِ معركة مش بتاعتك؟ ومش هتكسبك؟


روان انهارت :

– طب أعمل إيه؟ أسيبه؟ ولا ألوم نفسي؟ ولا ألومها؟ أنا تايهة…


أمها حضنتها أخيرًا، بس مش حضن طبطبة، حضن خوف على مصير بنتها :

– إسمعيني، من هنا ورايح خليكِ بعيدة، لحد ما ربنا يكتب لسارة تفوق، أو ربنا ياخذ أمانته. ساعتها، ياسر نفسه هو اللي هيحدد، مش إنتِ… ولا وصية.


وبصوت حاسم :

– بس لحد الوقت ده؟ ما تروحيش لبيته، ما تلمسيش بنته، وما تعتبرهوش جوزِك.


روان شدّت نفسها من حضن أمها، وقالت بصوت صغير.. مهزوم :

– وأنا أصلًا مش حاسة إنه جوزي. ولا هقدر أحس غير لما سارة تقوم وتتكلم وتقول بنفسها إنها راضية.


أمها قالت آخر جملة تقفل المشهد :

– لو كانت بتحبّك بجد، كانت هتوصّي عليك.. مش على جوزها.


سقطت الجملة على قلب روان زي حجر.


بعد خروج روان، رجع الممر هادي، لكن جوّه صدر ياسر كان فيه صراخ ما بيقفش.

مسك وشّه بإيديه وقعد دقيقة، وبعدين افتكر، ملك.. بنته.. روحه الصغيرة اللي كل اللي بيحصل ده هيحرقها لو ما عرفش يحميها.

قام بسرعة، وراح لبيت أمه علشان ياخذها. كان ماشي ومش شايف الطريق، كأنه شايل الدنيا فوق ظهره. لما دخل، لقى ملك قاعدة على الكنبة، ماسكة لعبتها وعينيها بتدوّر على أمّها. أول ما شافته جريت عليه :

– بابا! ماما لسه في المستشفى؟ هي كويسة؟ هترجع معانا إمتى؟


صوته اتخنق، إبتلع دموعه بالعافية :

– ماما تعبانة شوية يا روحي، بس هتبقى أحسن إن شاء الله.


ملك قربت منه، حضنته جامد :

– طب نروح لها نجيبها معانا؟ أنا عايزاها دلوقتي.


هنا.. قلبه وقع، ركع على ركبته قدّامها، مسك وشّها بين إيديه :

– ملك… إسمعيني يا حبيبتي، ماما نايمة دلوقتي، والدكتور قال لازم ترتاح.


ملك بصّت له بنظرة وجع :

– طب… هي بتحبني لسه؟ ولا زعلانة مني؟


هنا ياسر اتكسّر. دمعة نزلت غصب عنه :

– بتحبّك؟ ده إنتِ روحها يا ملك. ماما بتحبّك أكثر من الدنيا كلها.


ملك رفعت راسها، صوتها واطي وخايف :

– طب… هي هتموت؟


سؤال واحد هدّ بني آدم. حضنها بسرعة، شدّها على صدره :

– لأ… لا لا، ما تقوليش كده ثاني. ماما هترجع، ولو مش بكرة، يبقى بعده. ماما قوية، وأقوى من الدنيا كلها.


ملك دموعها غرّقت خدّها :

– طب أنا هنام عند مين النهارده؟ عند تيتا؟ ولا عندك؟ ولا عند ماما في المستشفى ولا عند طنط منى؟


ياسر اتلخبط، مش عارف يجاوب ولا يخبّي.


قال بصوت مكسور :

– هتنامي عندي علشان تبقي جنبي.


ملك مسكت إيده بخوف :

– بابا… إنت زعلان؟ ليه عينيك حمرا؟ كنت بتعيّط؟


مسح دموعه بسرعة، وحاول يرجّع صوته :

– لا… ده من التعب بس. تعالي نروح البيت ونعمل عشا سوا، ولما ماما تفوق، نقولّها إن ملك كانت شجاعة ومستنيّاها.


ملك هزّت راسها، بس الخوف لسه ماسكها. وقبل ما يمشوا، مسكت إيده وقالت :

– بابا… ما تتجوزش واحدة ثانية وماما في المستشفى، ما تعملش كده.

Nisrine Bellaajili


ياسر اتصدم والدم اتجمّد في عروقه. سكت وماعرفش ينطق.


ملك رفعت وشّها وقالت :

– ماما قالتلي قبل كده، إن لو بابا حبّ حد ثاني قلبها هيوجعها.


الجملة دخلت صدره زي السكين. وشّه وقع، إبتسامته اختفت، وصوته طلع مبحوح :

– ملك… بابا مش بيحب حد غير ماما، ولا هيحب حد غيرها. فاهمة يا روح بابا؟


ملك ابتسمت ببساطة الأطفال :

– آه… كنت متأكدة.


مسك إيدها وخرجوا من البيت.


وهو ماشي، كان سامع صوت واحد بس :

"بابا… ما تتجوزش واحدة تانية."


والكلمة دي كانت بتقطع قلب راجل لسه مش مستوعب إنه فيه ورقة جواز إتكتبت عليه من ساعات، وإن اللي جوّاه مش "زوج جديد"، ده راجل واقف بين :

قلبين… ووصيّة… وغيبوبة.


ثاني يوم.. 

بدري أوي، الشمس لسه ما طلعتش، والبيت ساكن، ياسر نايم على الكنبة، وملك نايمة فوق صدره، متعلقة فيه من الخوف اللي في قلبها.


طرق الباب فجأة، طرق تقيل، عنيد، زي الطرق اللي وراه مصيبة.


ياسر اتقلب، فتح عينيه بتعب، ملك اتنفضت من النوم :

– بابا… مين؟


مسح على شعرها :

– ولا حاجة يا روحي، أقعدي هنا.


فتح الباب…

ولقى أمه قدريّة واقفة، جنبها سلوى لابسة طرحه ومكمّمة شفايفها بابتسامة فاضية وقلة ذوق.


قدريّة أول ما شافته، دخلت من غير إذن :


– يا نهار أبيض، إنت لسه نايم؟ والبنت نايمة لوحدها؟! أمال مراتك فين و اخدت البنت امبارح ليه ؟


ياسر شد نفسه، رجّع الباب وراه، وقال بصوت واطي :

– ماما،  بلاش كلام، سارة دخلت غيبوبة.


قدريّة سكتت ربع ثانية بس. وبعدين بصوت أقرب للشماتة المتخفية :

– غيبوبة؟ يبقى ربنا يلطف، بس يا إبني ده معناه إن البيت ما ينفعش يفضل من غير ست، والبنت صغيرة، وإنت راجل بتشتغل ووراك دنيا.


سلوى قربت خطوة، وقالت بخبث ناعم :

– وأنا مش هسيب ملك لوحدها، أنا أقدر أشيل بيتك زي ما كنت دايمًا بقول.


ياسر بص لسلوى بنظرة تقطع النفس ورجع كلامه لأمه :

– ماما، أنا مش ناقص. سارة لسه عايشة وفي المستشفى.


قدريّة بصّت له باستنكار :

– عايشة إزاي؟ ما هي في غيبوبة، والغيبوبة يا ياسر، يا بتقوم، يا بتاخذ صاحبها.


ملك سمعت آخر جملة، جريت من جوّه وهي بتعيّط :

– ماما مش هتموت، سيبوها. إنتِ ستّ وحشة.


قدريّة اتصدمت، وسلوى اتكسفت وعضّت شفايفها.

ياسر أخذ ملك في حضنه بسرعة :

– ملك، أدخلي جوّه يا حبيبتي، بابا جاي.


رجعت ملك وهي بتبكي.

إلتفت ياسر لأمه، وشه اتصلّب، وصوته نزل قرار :


– ماما، لو سمحتِ، ولا كلمة زيادة عن موت سارة.


قدريّة اتكسرت ثواني وبعدين رجعت لطباعها :

– أنا جاية أكلمك في العِدل، البنت محتاجة حد، وسلوى قاعدة وجاهزة، وأنا هارجع البلد يومين وعايزة أطمن. إتجوزها، وتبقى ستّ البيت. خلاص، سارة خلاص نصيبها راح.


ياسر قرب منها، وملامحه اتغيّرت بشكل يخوّف :

– ماما، آخر مرة.. آخر مرة هقولها :

سارة مراتي، وحتفضل مراتي، سواء فاقت، أو نايمة، أو حتى لو راحت.


قدريّة اتنرفزت :

– ما تعاندش نصيبك يا ابني. البنت دي – سلوى – بتحبك، ومش هتقصّر مع ملك.


ياسر قال بحزم جامد :

– سلوى مش هتبقى أم لملك. ومش هتبقى مراتي. وإنتِ يا ماما، ما تجيش هنا تاني بالكلام ده، ولا قدّام ملك، ولا في غياب سارة.


قدريّة شهقت :

– ده بدل ما تسمع كلامي؟ ده أنا أمّك.


ياسر :

– أنا إبنِك، بس جوز سارة، ومش هخونها، مش وهي في غيبوبة، ومش بعدين.


سلوى اتدخلت بصوت متكسر :

– طب… طب لو ما فاقتش؟


بصّ لها بنظرة خلّتها ترجّع خطوة ورا :

– لما نوصل للحظة دي، أنا اللي هقرر، مش إنتِ، ولا ماما.


قدريّة اتنرفزت وزعقت :

– يبقى على الله يا ياسر، ربنا يهدي دماغك. بس لما تقع ما ترجعليش.


وأخذت سلوى من إيدها وخرجت. الباب اتقفل وراهم بقوة.


ياسر وقف في مكانه، صدره طالع نازل، ورأسه على الحيطة.

ملك خرجت، مسحت دموعها وقالت بخوف :

– بابا، هما عايزين ياخذوك من ماما؟


ياسر حضنها وقال :

– ولا حد في الدنيا ياخذ بابا من ماما، ولا ياخذ بابا منك.


وهو بيقولها... كان قلبه بيقرّص :

لأن الحقيقة الوحيدة اللي مش قادر يقولها، إن ورقة جواز جديدة... إتكتبت امبارح.*وصيّة حب*


*وصيّة حب* 


بقلم نسرين بلعجيلي 

Nisrine Bellaajili 


_الفصل الثالث والعشرين_


الليل كان نازل على المدينة بطريقة خانقة  هدوء غريب، لكن جوا قلبين، كانت فيه عاصفة.


ياسر قاعد في أوضة ملك، البنت نايمة جنبه، ماسكة إيده، كأنها لو سابته هتقع من العالم كله.

هو قاعد، عينيه على سقف الغرفة، وعقله واقف عند كلمة واحدة:

"لو بابا حبّ حد تاني، قلبي هيوجعني."


جملة طفلة، بس كانت سكين في قلب أبوها. وفي نص الوجع دا، رنّ الموبايل.

إسم "روان".

إتجمّد، ردّ بصوت منخفض عشان ما يصحّيش ملك :

– ألو؟ روان، في إيه؟


طلع صوت مش بكاء، صوت واحدة بتنهار من جوّا :

– ياسر…أنا مش قادرة أتنفّس.


وقف فورًا، خرج للممر على أطراف صوابعه :

– مالِك؟ حصلك حاجة؟ روان، إتكلمي.


صوتها كان بيرتعش :

– أنا.. باحس إني سرقتها، سرقت صاحبة عمري، سرقت جوزها، سرقت مكانها، سرقت حياتها. وأنا.. مش قادرة.. مش قادرة أعيش بالإحساس دا.


ياسر قعد على أقرب كرسي، إيده بترتعش :

– إهدي يا روان، ماحدّش سرق حد، دا كان طلبها.


صرخت :

– طلبها وهي بتموت يا ياسر!! وأنا.. صدّقت. كنت خايفة عليها، بس لما رجعت البيت بصّيت لنفسي في المراية، ما عرفتش البنت اللي واقفة قدّامي.


سكتت… والسكوت كان أخطر من الصراخ :

– أنا خايفة يا ياسر، من الناس، ومن نفسي، ومن اللحظة اللي سارة لو ماتت، الناس هتقولي إيه؟ "خطفتِ جوز صاحبتِك."

"إستنيتِها تموت."

"دي مكانتش صداقة."


الكلمات دي جرّحت صدره. قال بصوت مبحوح :

– ماحدّش يقدر يشكّ فيكِ ولا في قلبك، ولا في نيتِك.


قاطعتُه :

– ياسر، أنا مش بخاف من الناس بس، أنا بخاف إن سارة تفوق وتبصّ لي، وتحسّ إني خنتها، أو كنت مستنية تمشي علشان آخذ مكانها.


الجملة دي كسرت صوته.


قال بهدوء موجوع :

– روان، سارة ما تغلطش في إسمِك، ولا قالت حاجة إلا وهي قاصداها. ولو كانت حاسة إنك غلط، كانت سكتت، ما كانتش وصّت.


ردّت بنبرة بانكسار :

– ويمكن كانت خايفة، يمكن ما كانتش مركّزة، يمكن وصيّة أمّ.. مش زوجة. يمكن قالت إسمي غلط، يمكن كانت تقصد حد تاني. أنا نِفسي أصدّق إني ما ظلمتهاش.


ياسر قال بسرعة :

– إسمعيني، سارة صحيت واعية،

وبصّت في وشّك وقالت إسمِك وهي عارفة بتقول إيه.


سكتت، وبعدين قالت أقسى سؤال :

– طب لو… ماتت؟ هاعمل إيه؟ هعيش معاك إزاي؟ هربي ملك إزاي؟ هواجه ضميري إزاي؟ يا ياسر، أنا خايفة تكون نهاية سارة بداية ذنبي.

نسرين بلعجيلي 


ياسر اتجمّد. دي مش روان اللي كانت واقفة قوية جنب سرير العناية. دي روان الحقيقة، اللي بتحب، وبتخاف، وبتتكسّر.


قال بصوت منخفض :

– لا أنا ولا إنتِ هناخذ خطوة واحدة، غير لما سارة تفوق. ولو قالت قدّامنا إنها مش راضية، هنبعد، لو حتى هنموت من جوا. ولو قالت إنها راضية، هنشيل الأمانة سوا.


روان انفجرت ببكاء هادي، دموع إستسلام :

– أنا مش عايزة أفقدها، ولا أخسرك ولا أخسر نفسي.


قال جملة طلعت من أعمق نقطة في قلبه :

– وأنا مش عايز أخسر حدّ فيكم. مش عايز أفقد سارة، ولا أظلمك، ولا أضيّع ملك.


سكتوا…

والسكوت بينهم كان أصدق إعتراف حب ما اتقالش بصراحة.


قبل ما تقفل قالت :

– ياسر، لو سمحت، ما تسبنيش لوحدي النهارده، مش عايزة أنام والكوابيس ترجع.


غمض عينه، إتشقّ نصين :

– أنا معاكِ لو مش بجسمي، فبصوتي. إتكلمي لحد ما تنامي.


وبدأت روان تهدى، وأنفاسها تتنظم، لحد ما نامت.


أما هو؟ 

ما نامش. قعد طول الليل يسمع نفسين :

نَفَس روان المنهار، ونَفَس سارة على جهاز التنفس.

بين إثنين..

واحدة في غيبوبة، وواحدة خايفة تدخل غيبوبة من الذنب.

والاثنين، مش سايبين لياسر دقيقة راحة.


الساعة كانت ٣ الفجر. البيت هادي، بس قلب ياسر كان عامل دوشة لوحده. قعد في الصالة، سايب نور خافت شغّال، الموبايل جنبه، لسه عليه آخر نفس من روان قبل ما تنام.

حطّ إيده على دماغه وحسّ فجأة بثُقل في صدره، مش وجع، لا، نوع الوجع اللي ييجي من صراع بين إثنين :

الراجل… والإنسان.


وهو قاعد، سمع صوت خطوات صغيرة. ملك واقفة عند باب الأوضة، ماسكة لعبتها، شعرها منكوش :

– بابا، ليه ما نمتش؟ إنت خايف؟


ياسر فتح ذراعه لها :

– تعالي هنا يا روحي.


جريت عليه وقعدت على حجره، حطّت راسها على صدره :

– بابا، لو ماما مش هتموت، ليه بتعيّط بالليل؟


الجملة قطعت روحه نصين :

– بابا مش بيعيّط، بابا بس بيحاول يكون قوي.


ملك رفعت راسها :

– طب، أنا هبقى قوية معاك. ومش هنام لوحدي ثاني أبداً.


ضمّها أكثر، وكأن حضنها حل مؤقت لمصيبة طويلة.

بعد ثواني، ملك قالت :

– بابا، روان هتيجي بكرة؟ ولا ماما هتزعل؟


ياسر اتجمّد. دي أول مرة يسمع إسم روان من ملك. من غير قصد، ومن غير ما يبرر. ردّ بحذر :

– لأ يا ملك، روان مش جاية دلوقتي. لحد ما ماما تفوق، هي مش هتيجي البيت.


ملك هزّت راسها وهي مش فاهمة كل التفاصيل، بس حست إن فيه حاجة غلط :

– بابا، أنا خايفة.


– تعالي ننام سوا، وما تخافيش من أي حاجة.


نامت ملك، بس هو، لسه صاحي. قام وراح المطبخ، فتح الحنفية وشرب مية. دماغه تلفّت على كل كلمة حصلت خلال الـ ٢٤ ساعة اللي فاتوا.


وصية سارة.. الجواز.. غيبوبتها.. إنهيار روان.. خوف ملك.. ضغط أمه.. نظرة سلوى.. ورقة جواز إتكتبت غصب عنه.


حطّ إيده على الحيطة وحسّ إنه بيقع. وبصوت واطي جدًا قال :

– يا رب، لو كان ده اختبار، إدّيني قوّة. ولو كان عقاب، إغفر لي. ولو كان قدر، سهّل عليّ طريقه.

Nisrine Bellaajili 


رجع للصالة، وبصّ على الموبايل. رسالة من روان إتكتبت بعد ما نامت :

"لو صحيت ولقيتني مش موجودة، اعرف إني خايفة أكمّل، ومش قادرة أهرب."


ياسر مسك الموبايل، وحسّ إن القدر بيشدّه من طرفين.


وهو بين الطرفين…

سارة كانت جوّه المستشفى بتتنفّس بأنفاس مش ثابتة، وروحها معلّقة بين دقتين.


              ....... عدّى ٣ شهور.............


سارة لسه في غيبوبة. والهروب بقى أسلوب حياة. روان بتزور ملك لما ياسر مايكونش موجود. وياسر يروح المستشفى لما روان ترجع البيت. كأنهم بيلعبوا “أستغماية” من غير ما يتفقوا.


لكن في يوم، الدنيا لخّمتهم. الممر كان هادي، لحد ما الباب اتفتح، وروّان خرجت من الشقّة وهي شايلة شنطة ملك. لفّت، ولقت ياسر واقف قدّامها.

إتصدمت.. وهو كمان وقف ثابت، ملامحه مش غضب ولا لهفة، مجرد توثر رجل مسؤول شايل حاجة ثقيلة.

قال بصوت منخفض، بس واضح :

– روان، لحد إمتى؟


ما ردّتش.


– لحد إمتى هتفضّلي تهربي؟ مرّة أكون في المستشفى، مرّة في الشغل، مرّة نايم. وإنتِ تختاري وقت ما أشوفكيش؟


بلعت ريقها :

– أنا مش باهرب أنا بحافظ على كرامتي، وعلى سارة.


هزّ راسه ببطء، وطلعت على شفايفه إبتسامة مرّة :

– لا، إنتِ بتهربي. وإحنا الاثنين عارفين السبب.


سكت لحظة.. ثم قال بوضوح :

– فيه وصيّة.. وصيّة سارة. وإحنا لازم نلتزم بيها، مش نهرب منها.


روان توثرت :

– الوصيّة كانت وهي بتموت، مش وهي فايقة. أنا مش هعيش في بيتها، ولا آخذ مكانها.


قرب خطوة، مش تهديد، لكن كلام راجل واضح :

– ماحدّش قال هتاخذي مكانها. ولا أنا هسمح بده. ولا إنتِ أصلاً قادرة تفكّري فيه.


نزلت دمعتين منها ومسحتهم بسرعة :

– طب والحل؟ عايزني أنام في بيتها؟ أقعد في أوضتها؟ أسمع بنتها تقولّي "ماما"؟


هز راسه :

– لأ، ومش هيحصل، ولا أنا طالب ده،ولا ده غرض الجواز أصلاً.


قالت بصوت خافت :

– طب غرضه إيه؟


رفع عينه ليها، وقال بثبات :

– سارة قالتلك: "خلي بالك من ملك… ومن ياسر". وجواز الوصيّة كان علشان ملك، مش علشاني. وإنتِ عارفة ده.


سكت.. وبعدين زوّد الجملة اللي كسرتها :

– وإنتِ في أمان عندي، مش هقرب منك، ولا هتسمعي مني كلمة تضايقك. لو قعدتِ في البيت، تبقي أم لملك مؤقّتًا، مش زوجة ليا.


عضّت شفايفها،ودموعها نزلت غصب عنها :

– ولو… لو سارة فاقت؟


ردّ قبل ما تكمل :

– هطلّقِك في ساعتها من غير نقاش، ومن غير ما تشيلي ذنب.


رفعت راسها فجأة :

– وإنت هتبقى كويس؟ مش هتتأذّى؟


إتنهد، وقال بصوت راجل شايل جبل :


– أنا اتكسرت من يوم ما دخلت الغيبوبة. اللي بعده، مش فارق. المهم ملك ما تتبهدلش، ولا تعيش لوحدها.


قرب منها خطوة صغيرة، خطوة كلام، مش قرب جسد :

– ملك بتتوه وبتبات لوحدها كتير، وإنتِ تهربي. ده مش عدل، لا ليها، ولا ليكِ.


اتجمّدت روان، مش قادرة ترد، بتتنفّس بسرعة، ملامحها كلها صدق وخوف.

وهو قال الجملة الأخيرة وهي واقفة مش لاقية كلمة :

– يا روان، إحنا الاثنين عارفين إن الجواز ده مش جواز، ده أمان. ولو مش قادرة تكوني في البيت، قوليلي دلوقتي عشان ألغي الورقة، ولما سارة تفوق، أحكيلها كل حاجة بنفسي.


رفعت عينيها بسرعة، مرعوبة :

– لا!!! لا يا ياسر، ما تعملش كده. سارة مش هتستحمل.


سكت لحظة، ورجع نفسه خطوة لورا :

– يبقى خلّصي الهروب، وقدّمي خطوة، ولو صغيرة.


هي ما ردّتش، ولا مشيت، ولا وافقت. وقفت، مكسورة، تايهة، بس موجودة.

وفي اللحظة دي، هو فهم إنها، لسه ما وافقتش، لكن كمان، لسه ما هربتش.

روان دخلت البيت بهدوء، هدوء يخضّ.

منى كانت في المطبخ، أول ما سمعت الباب اتفتح نادت بصوت عادي :

– جيتي يا بنتي؟ عاملة إيه؟


روان وقفت في الصالة شايلة شنطة ملك بإيد، وقلبها بالإيد الثانية.


منى لمّا شافتها، وشّها اتغيّر :

– في إيه؟ إنتِ وشّك أصفر كده ليه؟


روان قعدت قدّامها، عينيها حمرا، بس ماسكة نفسها.

قالت بصوت هادي.. هادي لدرجة تخوّف :

– ماما، ياسر قال لي لازم أنقل البيت.


منى مسكت طرف الطاولة، وشّها شدّ :

– تنقلي إيه؟؟ رايحة تعيشي هناك؟ في بيت صاحبتِك؟! مع راجلها؟!

نسرين بلعجيلي 


روان هزّت راسها بسرعة :

– أنا ما قلتش إني موافقة، ولا ناوية، بس هو قال لازم، علشان ملك.


منى ضمّت دراعها على صدرها :

– ملك مالها؟ هاتيها تعيش هنا، وإنتِ اللي تروحي وتجيبيها من المدرسة. هنا بيتك، وأنا موجودة، وماحدّش يقدر يملي عليكِ تعيشي فين.


روان عضّت شفايفها، وبعدين قالت الجملة اللي رخّمت على قلبها :

– ما ينفعش يا ماما. ملك متعلقة بأوضتها وبسريرها، وبحبّة لعب في الشباك، وبطريق المدرسة، لو خذتها من عالمها هتتكسّر أكثر ما هي مكسورة.


منى قربت منها، وشّها غضب وخوف :

– يعني تروّحي بيت راجل مش جوزِك؟ راجل قلبه مربوط بمراته، وإنتِ مكانِك فين؟ في الصالة؟ في أوضة الضيوف؟ قاعدة عاملة مربية؟!


روان اتنفست بعمق :

– يا ماما، ياسر قالها بصراحة :

"مش هقرب منك. مش هسمح لنفسي حتى أفكّر. وجودك للوصيّة، مش للزواج."


منى ضربت كفّها ببعض :

– وأنا مالي بيه هو، أنا بنتي مش رايحة تتحبس في بيت واحدة صاحبتها نايمة فيه، إنتِ مش وصيّة حد، إنتِ إنسانة ليكِ كرامة.


روان قربت منها وعينها مغروسة في الأرض :

– وأنا مش رايحة زوجة، ولا رايحة حدّ. أنا رايحة لملك. البنت بتبات لوحدها، ولما تصحى بالليل بتعيّط. والراجل ده، واقف ما بين الموت والحياة. وأنا…


سكتت لحظة، والجملة طلعت بصوت مش مسموع، لكن موجوع :

– وأنا ما ينفعش أسيبهم كده.


منى قربت منها، ومسكت خدّ روان بين إيديها :

– يا بنتي، أنا خايفة عليك، خايفة عليك من الناس، ومن نفسك، ومن بيت مش بتاعِك، ومن راجل مش جوزك، ومن موقف مالوش آخر.


روان دمعة نزلت من عينيها بس مسحتها :

– ماشي يا ماما، بس أنا مش هسيب ملك.


منى نفخت غصب عنها وقعدت :


– طيب، ولما سارة تفوق؟ هتقول لها إيه؟

"آسفة… كنت ساكنة مكانك"؟!


روان وقفت، وبصوت ثابت جدًا قالت :

– لو قامت، هقف قدّامها وأقول لها : "كنتِ وصيّتك… مش خيانتك."


منى مسكت رأسها :

– طب ولو ما قامتش؟


روان سكتت. ولأول مرة ما كانش عندها إجابة.


منى قالت آخر جملة، مش قاسية، لكن حقيقية :

– روان، إنتِ بتلعبي بالنار، ونفسِك أنظف من اللعبة دي. بس لو هتروحي، روحي بعقلك، مش بقلبك.


روان أخذت نفسها، وقربت من الباب. وقفت ثواني :

– ماما، أنا لسه ما خذتش قرار، بس هروّح بكرة أشوف ملك، مش البيت.


منى مسكتها من دراعها :

– إوعي.. إوعي تنقلي قبل ما تفوق سارة. إوعي يا روان.


روان هزّت راسها، بس جواها ولا كلمة كانت مؤكدة.


خرجت، وباب الشقة اتقفل وراها، والمرة دي.. اللي اتقفل مش الباب، اللي اتقفل.. طريق الرجوع.


مين شايف إن روان مظلومه ؟؟

وايه موقف ياسر من كل ده ؟؟ 


*وصيّة حب*


بقلم نسرين بلعجيلي 

Nisrine Bellaajili 


_الفصل الرابع والعشرون_


الإنتقال.....


روان وقفت قدّام باب شقّة ياسر، أول مرة تخبط الباب وهي مش ضيفة.. ولا صديقة.. ولا زوجة.. حاجة في النص، حاجة مالهـاش إسم.

إيدها كانت بتتهز، مش من البرد، من الغُربة. اتفتح  الباب، لقت ياسر واقف، ملامحه لا فيها زعَل ولا راحة، مجرد صمت طويل، صمت راجل مش فاهم هو بيبدأ حياة، ولا بيكمّل واجب.


ملك جريت على روان أول ما شافتها :

– روواان! تعالي شوفي السرير اللي عملتهولِك.


حضنتها ملك، بس روان وهي بترد الحضن حسّت بالبنت بتتعلّق بيها، والبيت كله بيبعد عنها خطوة، خطوة.


ياسر قال بهدوء :

– دخّلي الشنط، الأوضة جاهزة.


دخلت، أول خطوة في البيت كانت ثقيلة، زي اللي واقفة على أرض مش بتاعتها.

أوضة سارة مقفولة، مفتاحها على الكومودينو ماحدّش لمسها.

روان بصّت لها ثانيتين، قلبها وجعها. كملت طريقها. دخلت الأوضة اللي ياسر جهّزها، الأوضة بسيطة، سرير، كومودينو، ترابيزة صغيرة. مكان “محايد”، لا هو أمان، ولا هو بيت.


حطّت الشنطة، وقالت بصوت خافت :

– شكراً يا ياسر.


هزّ راسه من غير ما يرد.


ملك كانت بتتنطط :

– هتنامي هنا كل يوم؟ وهافطر معاكِ؟ وهاتودينى المدرسة؟


روان إبتسمت بس جُواها حاجة اتقطمت :

– أيوه يا حبيبتي، كل يوم.


ملك جريت تجيب لعبتها. فضلت روان واقفة في النص، في نص الأوضة، في نص البيت، في نص حياتين، مش قادرة تنتمي لأي واحدة.


ياسر قرب خطوة، لا هو قريب أوي، ولا بعيد. وقال بصوت منخفض :

– لو في حاجة ناقصة قوليلي. الأوضة، تقدري تغيّري فيها براحتِك.


هزّت راسها. عينها في الأرض.


هو حاسس.. حاسس إن وجودها “مش راكب”، زي قميص مقاسه غلط، زي كلمة طالعة من غير إحساس.

بعد لحظة سألها :

– إنتِ، مرتاحة؟


ردّت أسرع من اللازم :

– آه.. آه طبعًا.


جملة، واضح إنّها كذب. هو ماعلّقش، بس عينه قالت كل حاجة :

هي مش مرتاحة، وأنا مش مرتاح، والبيت نفسه حاسس بالغربة.


نسرين بلعجيلي 


بعد دقايق، ملك صاحت :

– تعالوا نتعشّا.


ياسر قال لها :

– إنتِ أقعدي، أنا هعمل عشا.


روان ارتبكت :

– لا… لا… أنا هساعد.


هزّ راسه :

– مش لازم، إنتِ لسه داخلة.


دخل المطبخ، وهي وقفت وراه من بعيد، بتتفرّج على ظهره.. مش ظهر زوج، ده ظهر راجل شايل مصيبة، ومش عارف يشيل غُربتها فوقها.


كانت عايزة تقول له : أنا خايفة، بس لسانها مربّط.


وكان عايز يقول لها : أنا مش مستوعب، بس كبرياءه شدّه.


البيت كان مليان ثلاث أنفاس :

نَفَس ياسر، نَفَس روان، ونَفَس ملك اللي بتحاول تجمعهم.

بينما سارة لسه معلّقة بين الحياة والغيبوبة.

وفي أول ليلة ليها في البيت، روان نامت، بس نامت “غريبة”.


وهو.. قعد برّا يبصّ في الباب، وحاسس إن البيت اتغيّر.

الصبح دخل على البيت من غير ما يستأذن، دافئ شوية عن امبارح، لكن جوا البيت، كان فيه برد… برد نفسي.


روان صحيت بدري، مش عارفة تنام قوي، ولا تصحى قوي. الأوضة غريبة عليها، الحيطان غريبة، حتى السرير، رغم إنه مريح، كان بيقول لها إنها مش من هنا.

لبست ، وطلعت من الأوضة بهدوء. ياسر كان واقف في المطبخ، لابس تيشيرت رمادي وبنطلون ترينينج، بيحضّر ساندويتش لملك.

صوت الكوبايات كان خافت، وكأن البيت بيمشي على أطراف صوابعه معاهم.

لمحها، وقف، حركة بسيطة، لكنها قالت كثير.


– صباح الخير.

قالها من غير ما يبصّ عليها.


روان ردّت :

– صباح النور.


وسكتوا.


ملك دخلت بعد ثواني، شعرها منكوش وبتفرك عينيها :

– روواان! صباح الخير.


جريت عليها وحضنتها. الحضن ده كان الوحيد اللي حسّس روان إنها موجودة بجد.


ياسر قال :

– أقعدوا هفطرّكم.


روان بسرعة :

– لا، أنا هعمل الأكل.


بصلّها، نظرة قصيرة، بس ثقيلة :

– مش لازم، أنا متعود.


الجملة دي جرحتها من غير ما يقصد. عاش ٣ شهور لوحده هو وملك.. والغياب.


قعدوا يفطروا. ملك كانت بتتكلم، روان بتحاول ترد، بس هي وياسر بينهم صمت.. صمت مش عادي، صمت ناس مش عارفة تقرّب ولا تبعد.


بعد الفطار، ملك راحت تلبس، روان وقفت تساعدها، وبعدما خلّصت، لقت ياسر واقف عند باب الأوضة مستني.


قال لها :

– أنا هروح المستشفى بعد ما أودّي ملك. لو احتجتِ حاجة، إبعتيلي.


روان بصوت هادي :

– تمام.


كان ماشي وبعدين وقف. رجع وبصّ عليها لأول مرة من غير ما يهرب بعينه :

– روان.. لو مش مرتاحة، قولي.


جملتها طلعت أسرع من المتوقع :

– أنا.. غريبة.


هزّ راسه وقال :

– وأنا كمان.


الكلمتين دول كانوا أول اعتراف حقيقي بينهم.

مش حب، ولا قرب، اعتراف إن الاثنين مش عارفين يعيشوا في نفس البيت، ولا يعرفوا يبقوا بعيد.

Nisrine Bellaajili 


بعد ما خرج البيت رجع هادي، بس كان هدوء من النوع اللي يخوّف، النوع اللي قبل التغيّر، النوع اللي بيقول إنه فيه حاجة جاية.


بعد خروج ياسر من البيت كان ساكت ساكن زيادة عن اللزوم. روان حاولت ترتّب الأوضة، تمسح الترابيزة، تطوي هدوم، لكن كل حركة كانت بتحسّسها إنها "بتلمس حياة مش بتاعتها".


بعد شوية، دخلت أوضة سارة. الأوضة المقفولة بقالها ٣ شهور. فتحت الباب بحرص، زي حد داخل مكان مُقدّس.


الريحة القديمة، ريحة عطر سارة كانت لسه موجودة. كل حاجة مكانها :

الإسورة، الشنطة، السكارف، كتاب مفتوح على الصفحة 17، وكأنها هترجع دلوقتي تكمل السطر اللي وقف عنده.


روان لمست طرف السرير، حطّت إيدها عليه ببطء، وحسّت بقشعريرة تمشي في جسمها.


همست لنفسها :

– يا سارة، أنا مش جاية آخذ مكانك، ولا جاية أعيش حياتك، أنا جاية أحافظ على اللي بتحبيه، بس والله.

الغُربة بتوجّع. قعدت على الكرسي اللي جنب السرير، بالظبط في نفس المكان اللي كانت قاعدة فيه يوم الغيبوبة. نفس وضع الإيد، نفس الدعاء، بس المرة دي الدعاء اتغيّر :

– يا رب.. رجّعها. أرجوك رجّعها. أنا مش قادرة أشيل البيت ده لوحدي.


دمعتين نزلوا، مسحتهم بسرعة، وخرجت قبل ما تنهار.


رجوع ياسر…


الساعة كانت ١٢ الظهر. الباب اتفتح بهدوء، ياسر داخل تعبان، عينيه حمرا من قلة النوم. كان راجع من المستشفى وحاسس إن الغُصّة اللي في صدره بتكبر. شاف روان واقفة في الصالة مش لابسة خروجة ولا متزينة، بس ملامحها هادية بطريقة تخوّف.


قال :

– عاملة إيه؟


ردّت ببساطة :

– كويسة.


سكت لحظة وبعدين رمى الجملة اللي وقّفتها مكانها :

– دخلتِ أوضتها؟


إتجمّدت، قلبها وقع، مش من الخوف، من الذنب. قالت بصوت واطي :

– آه.. كنت باطمّن.


هزّ راسه، لا زعلان ولا مرتاح، مجرد صوت راجل موجوع :

– الأوضة دي ما يدخلهاش حدّ غير لما ترجع.


روان كتمت نَفَسها وقالت :

– حقك. أنا آسفة.


قرب خطوة، خطوة محسوبة، وقال بصوت أقل حدّة :

– أنا مش قصدي أجرحِك، بس المكان ده لسه ريحتها فيه.


روان نزلت راسها، قالت بهدوء :

– وأنا، لسه مش لاقية ريحتي في البيت.


الجملة خبطت صدره. طلعت من غير قصد، بس خلت قلبه يضيق.


حاول يغيّر الموضوع :

– ملك كانت أحسن النهارده. سألت عليك في الطريق.


روان ابتسمت إبتسامة صغيرة :

– وأنا كمان كنت مستنياها ترجع.


ياسر وقف، بصّ لها بتركيز لأول مرة، وشافها بجدّ. مش الزوجة اللي على الورق، ومش الغريبة اللي نايمة في أوضة لوحدها، شاف واحدة جايّة تشيل حمل مش بتاعها، ومش بتشتكي.


قال بحذر :

– روان، لو حسّيتِ في أي لحظة إن وجودك هنا بيجرحك، قولي.


رفعت عينها عليه، نظرة قصيرة، لكن صادقة :

– كل حاجة هنا بتوجّع يا ياسر. بس ملك تستاهل.


سكت.. وبصوت شبه مسموع قال :

– وإنتِ كمان تستاهلي حدّ يحس بيكِ.


إتجمّدت، هي وهو، إتصدموا من الجملة، كأنها خرجت من غير ما يفكر.

الهوى في البيت اتغيّر. قبل ما اللحظة تكبر دخلت ملك من وراهم :

– بابا، روان، تعالوا نلعب.


واتقطعت اللحظة.. بس، إتساب أثر. أول شرخ صغير في الغُربة، أول خيط رفيع بينهم، خيط هادي، لكنه حقيقي.


وأول مرة من أول الغيبوبة، البيت حَسّ إن فيه روح جديدة بتحاول تعيش.

    


عدّت أيام، وبعدين أسابيع، وبعدين شهور صغيرة، والبيت بدأ ياخذ شكل جديد، مش شكل "بيت"، ولا شكل "حياة"، لكن شكل هدنة، هدنة بين إثنين كل خطوة بينهم محسوبة.


ياسر بدأ يتعوّد يشوف روان بتصحى بدري، تحضّر فطار بسيط، تسرّح شعر ملك، وتضحّكها قبل المدرسة، ومن غير ما يقصد، حسّ إن البيت بدأ يتنفّس.


وروان…

بدأت تاخذ بالها من حاجات بسيطة :

مكان فوط ياسر، الكوباية اللي بيشرب فيها الشاي، القميص اللي دايمًا بيعلقه غلط، وتعدّله من غير ما ياخذ باله.

مافيش كلام كثير، مافيش قرب، بس وجودها بقى هادي، وجود يشيل، ما يتقلش.


وفي يوم…

اليوم اللي حصل فيه أول "قرب من غير قصد".


الصبح — الساعة 7:15


روان كانت في المطبخ بتحضّر سندوتش لملك. ملك كانت بتدوّر على الشنطة. ياسر دخل تعبان من ليلة صعبة في المستشفى، عيينه مقفلة، وكتفه واجعه، وواضح إنه ما نامش ولا ساعة.


حاول يفتح كباية المربّى، بس الغطا كان ناشف ومتنشن. لفّ الغطا، لف ثاني، لف ثالث، ما اتفتحش.


روان من غير ما تبصّ فيه، قالت :

– إدّيني.


هو اتفاجئ، إزاي هي واخذة بالها من غير ما تلتفت؟ قدّم لها البرطمان، روان مسكته، مسحت الغطا بإيدها، لفته لفة خفيفة جدًا، و"طَقّ"، إتفتح.


سلّمتهوله من غير ما تبصّ :

– الغطا ده بيحتاج حركة يمين بسيطة مش بقوة.


ساعتها، لأول مرة من شهور، ياسر إبتسم إبتسامة صغيرة، بس طالعة من مكان موجوع.


قال :

– واضح إني كنت بحاول غلط.


ردّت ببساطة :

– عادي، بتحصل.


عينه وقعت على إيديها، أول مرة ياخذ باله إن صوابعها فيها خدوش صغيرة من الشغل في البيت، ومن ترتيب أوضة ملك، ومن وجودها اللي بيتعب وما بيشتكيش.


هي حطّت البرطمان وكملت تجهيز السندوتش كأن ما حصلش حاجة.


هو فضل واقف ثواني، مش عارف ليه اللحظة الصغيرة دي وجعته، ولا ليه ريّحته. كإن البيت، ولأول مرة قال :

"إثنين.. بيشيلوا سوا."


اللمسة اللي ما كانتش مقصودة...


ملك فجأة صرخت :

– روان! الشراب بتاعي مش لاقياه.


جريت روان بسرعة، إتزحلقت على السجادة الصغيرة اللي عند باب الأوضة. ياسر مدّ إيده بسرعة، مسكها من دراعها قبل ما تقع.


ثانية واحدة بس، إيده على دراعها. عنيهم في بعض. هي اتلبّخت، وهو اتوتر.

سابها بسرعة ولفّ وشه :

– خلي بالك، السجادة دي بتتزحلق.


قالتها هي وهي مكسوفة :

– حاضر.

بس قلبها كان بيخبط، مش من لمس الإيد، من إنها أول مرة يحسّها موجودة، مش مجرد “وصيّة”.


وهو، عمل نفسه بيعدّل في شنطة ملك، بس الحقيقة إنه كان بياخذ نَفَس عميق، يحاول يهدّي حاجة إتحركت جواه من غير إذنه.


آخر النهار..

ملك نامت، البيت هادي، روان قاعدة في الصالة، تقلب في قناة عشوائية، مكسوفة تقعد في أوضتها بدري.


ياسر عدّى، شافها، إتردّد ثانيتين، وبعدين قال :

– الشاي…؟ تشربي؟


إتصدمت، هو عمره ما عرض عليها حاجة من يوم ما دخلت البيت.


قالت بخفوت :

– آه، لو مش هاكدب عليك كان نفسي في كوبايه شاي .


ردّ عليها وهو بيحاول يخبي الابتسامة :

– ما إنتِ أصلًا بتكدبي عليّا من ساعة ما دخلتِ.


رفعت راسها مصدومة:

– إزاي؟


– بتقولي "أنا كويسة"، وإحنا الاثنين عارفين إننا لسه غُرب.


جملة بسيطة، لكنها أول جملة صادقة بينهم من غير خوف.

هو دخل يعمل الشاي. وهي قلقانة، بس دافيانــة لأول مرة من شهور.


وأول تقرّب غير مباشر.. حصل من غير كلمة حب، ولا نظرة غلط، مجرد لحظات إنسانية.


لحظات بتقول :

"إحنا لسه تايهين، بس مش لوحدنا."


*وصيّة حب*


يتبع .



بداية الرواية من هنا



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحصريه



اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحديثه



❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺



تعليقات

التنقل السريع
    close