رواية أنت تحلم الشابتر الثاني حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
رواية أنت تحلم الشابتر الثاني حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
بينما كنت أمشي مسرعاً أحاول ألا أتأخر عن عملي، تبعني فؤاد محاولاً مجاراتي في سرعة المشي. لكن قدميه القصيرتين لم تسمحا له سوى بالجري حتى يكون بمحاذاتي. جعلني ذلك أفكر: (بينما أبلغ من الطول 188 سنتيمترًا، كان هو أقصر حتى من بعض الفتيات معي في نفس الفصل. ربما يكون 160 أو 164. ولكن من يدري؟ الخلايا تنمو، وهو لا يزال في سن المراهقة. فربما يصير فؤاد أطول مني في أحد الأيام. ومن يدري أيضًا، ربما...).
وااا!
قاطع حواري الداخلي صوت شاحنة قد مرت على بعد سنتيمترات قليلة مني، ما جعل فؤاد يجرني بقوة من ردائي إلى الوراء حتى لا يقع ما لا يحمد عقباه. فسقطت على الأرض بقوة، ثم هرع يحاول أن يساعدني على النهوض، بينما ضحك علي خفية بعض الفتية الصغار المشاغبين الذين مروا بالمكان.
لم يكن الأمر مضحكًا. لقد تألمت بشدة لدرجة أني لم أستطع المشي باستقامة طول الطريق.
وصلنا أنا وفؤاد إلى محل العمل، ثم تردد قليلاً قبل أن يسألني:
–أتعمل في البناء؟
أجبته وأنا أحاول تسكين ألم ظهري:
–نعم، مع الأسف. هذه المهنة القاسية المرهقة هي كل ما أملكه حالياً.
ثم قال،والحماس متقد في عينيه:
–لا عليك، أخي. هذا اليوم يوم راحتك. سأعمل مكانك اليوم.
أجبته مستنكراً:
–هل أنت مجنون؟ بالطبع لن أقبل بأن تعمل مكاني! سيكون الأمر مرهقاً وصعباً عليك.
حركت ظهري بسرعة وعصبية، فإذا بي أشعر بألم مريع في عمودي الفقري، ألم جعلني أصرخ بأعلى صوتي
ارتبك فؤاد فحاول أن يجلسني على جذع شجرة مقطوع،ثم قال يحاورني:
–أنت خذ قسطاً من الراحة. أنا أعود إليك بعد العمل.
لم أجد بداً من قبول عرضه حينها، فظهري كان يؤلمني كأنه منكسر إلى قطع.
رأيته من بعيد يلقي التحية على زملائي. تخيلته في ذهني يخاطبهم بنبرة صوته التي قد تبدو خافتة وضعيفة، وخفت في نفسي أنهم سيتحدثون عنه بسوء أمام ناظريه، أو سيسألونه غالباً عن سبب غيابي. ثم سيأتي المشرف على عملية البناء عندها، وسيطرده من هناك. بعد ذلك بدأت أهدئ من أعصابي وأهمس لنفسي: لا تبالغ في صياغة الأحداث.
إلى أن تذكرت شيئاً... شيئاً قابعاً في عمق ذاكرتي الجليدية المتجمدة... ذكرى مغبرة من الطفولة... شيئاً يشبه فؤاد. أحسست بالزمن يتوقف، وتحولت رؤيتي إلى ضبابية، وصار صدري ضيقاً، ثم أصبح كل شيء ملوناً بالأحمر الدموي. احتقنت الدماء أعلى جبهتي، وقطرات العرق تصببت مني كالفيضان... من تكون يا فؤاد؟ كيف وصلت إلى هنا؟ شعرت أني أمر بعملية ولادة ذهنية لحياة جديدة كاملة، مختلفة كلياً عن واقعي المعاش.
كل شيء مر في ذهني كالبرق. كل تلك الذكريات المنسية. ثم... اختفت كلها كالسراب المنسي. لم أعد أستطيع الحصول على جواب. كلما أردت أن أتذكر، كان الجواب هو النسيان. حتى تدفقت العبرات الندية من على جفني، ومسحتها بأصبعي، وعلامات الاستغراب والصدمة لا تزالان تحاصرانني وأنا أحدق بتلك الدمعة. "وكأني بكيت تواً؟!"
عندها رأيته آتياً من بعيد. توجست من مجيئه، وراودني شعور بعدم الطمأنينة. فكلما اقترب، كلما أردت أن تنشق الأرض وتبتلعني. ولكن ما أسوأ ما قد يحدث إذا حاورته في الأمر!
قال، وفي ملامحه شيء من الحزن:
–أنا آسف جداً... لقد حاولت أن أساعدهم، ولكن المشرف على عملك لم يعجبه كوني أخذت مكانك في العمل. فرغم كل ما فعلته حتى أرضيه، إلا أنه كان مصراً على الإنقاص من أجرتك.
استطردت أنا قائلاً بنبرة صوت ساخطة، صارخاً في وجهه:
–دعك من هذا الهراء! أخبرني الآن، من أنت حقاً يا فؤاد؟
قرأت على ملامحه علامات الصدمة،وبينما هو يتلعثم، باغتته بأن أمسكته من كتفيه بيدي، وعلى عيني شرارة غضب:
–لا تحاول أن تدعي البراءة! أخبرني، من أين أتيت؟
وبينما أنا أشد على كتفيه بقوة، لمحت في عينيه لمعة قوية لم تكن تعني شيئاً سوى أنه على وشك البكاء. ولكن كبرياءه غلب العبرات المحتقنة في جفنيه، فقال لي بلهجة صارمة وثابتة:
ـ انا لا اريد الكلام في الموضوع!
ثم أضاف بعصبية:
–ابعد يدك عني، لو سمحت.
أبعدت يدي عنه، ولكني لم أنسَ ما حييت تلك النظرة الغاضبة التي ملؤها الكبرياء والأنفة. بعد ذلك، استأذنني أن يذهب، ومن يومها لم أجد له أثراً، ولم يعد لشقتي. وبقي عقلي يفكر فيه طوال الوقت. كنت أظن أني إذا سمحت له بالرحيل فسأخلص نفسي منه، ولكني كنت مخطئاً.
مرت الأيام والشهور، وزارتني الكوابيس المفزعة، وأرهقتني صورة فؤاد في كل مرة يخطر فيها على بالي.
كنت أتلقى مرةً في كل أسبوع نفس الحلم المزعج:
{أراه من بعيد وسط الضباب، مُديرًا ظهره إليَّ، وممسكًا بيده شيئًا أشبه برأس إنسان! والدماء تتقطر منه. ثم ناديته: "هل أنت فؤاد؟" اقتربت منه خطوةً خطوة، وكأنني لم أقترب أبدًا! فكلما اقتربت ابتعد هو، رغم أنه لا يتحرك من مكانه، كأنني في حلقة مفرغة أحاول الوصول إلى لا شيء. ثم ينتهي الحلم هكذا}.
استيقظت من النوم فزعًا، فاستقمت جالسًا فوق السرير، ضربت وجهي بيدي، وزفرت في يأس. وإحساس وحيد أشعر به، سميته "الإحساس الهوسي بفؤاد". كنت أعمل بجهد وأدرس دون توقف حتى لا أفكر فيه، فهو بمثابة الكابوس بالنسبة إليَّ. فكلما درست وكلما عملت، كلما ازداد إحساسي بضعف في جسدي وإرهاق يتملكني. وقفت من مجلسي، ثم اتجهت إلى دولاب ملابسي حيث دونت مسبقًا عدد الأيام منذ غياب فؤاد في ورقة فوق درج ملابسي، وها أنا أدون اليوم التاسع والثمانين منذ غياب فؤاد، ثم كتبت: ((أشعر أني غير قادر على التحمل أكثر)).
كنت أتمنى لو أعود إلى أهلي في البادية، ولكن كلما تذكرت صراخ والدي عليَّ بأن الدراسة شيء لا نفع منه، وأنني أضيع وقتي، تعاندت مع ظروفي القاسية أكثر فأكثر. فالأهم حقًا هو ألا يكون والدي محقًا!
لقد علمتني الحياة الكثير، وكان فؤاد هذا هو بداية النهاية بالنسبة لي. لم أتخيل يومًا أنني سأعيش فقط عند هذا العمر القصير، لم أنجز شيئًا في حياتي البائسة، لم أحقق طموحاتي. لقد أصبحت أضعف فأضعف يومًا بعد يوم، وشبح فؤاد الواقف أمامي يستهزئ بي ويستفزني.
اليوم 100 من غياب فؤاد.
جالس على الأريكة أدخن الحشيش، نعم لقد ساءت بي الأحوال في آخر إحدى عشرة يومًا، حتى إنني لجأت إلى كل الحلول حتى أخفف الألم الذهني الذي أصابني، وكانت تلك أول مرة لي أدخن فيها.
أحسست ببعض السلام لوهلة، تمددت على الفراش لأسترخي وأنام، فالأيام الأخيرة حملت كثيرًا من الشقاء معها، وأصبح الأرق يمسك زمام حياتي أكثر مني.
{حزن، ثم خوف من المجهول، ثم ضغينة، ثم كره، ثم غضب، ثم انتقام، ثم إنسان فارغ!!}
هكذا ترددت تلك الكلمات الجوفاء بصوت مؤلوف على مسمعي، إنه صوت فؤاد. وبينما أنا مسترخٍ بدأت أضحك وأنا أرى خياله وهو ينظر إليَّ، وظننت في بادئ الأمر أنه قد يكون تأثير المخدرات التي دخنتها، حتى اختفى فجأةً كدخان سيجارتي المتناثر، فأدركت أنه بالفعل كان تأثير المخدرات.
استيقظت من نومي ودخلت الحمام لأغسل وجهي، جهزت نفسي بعد غياب إحدى عشرة يومًا من الدراسة للذهاب إلى الثانوية مجددًا. كانت تجربة المخدرات مفيدةً بالفعل! هكذا ظننت في نفسي، وبالطبع هي لم تكن كذلك...
وأنا أتمشى في الرواق قابلتني فتاة تدعى سام، كانت تدرس معي في نفس الفصل، إلا أنها لا تحضر معظم الحصص وتتغيب عن الدروس دون سبب واضح. وفي الأغلب كانت في الخارج تحادث جماعةً من الفتيان والفتيات، أو ما شابه. كانت عندي معها بضع أحاديث جانبية، وعلمت منها أنها تعاني من بعض التشدد الأبوي، وكانت نوعي المفضل، فلاقت مني دعمًا إيجابيًا.
أوقفتني فجأةً في مكاني:
"هل لي أن أسألك؟"
فابتسمت لها وغَازَلْتُها قائلاً: "ما الأمر يا جميلة؟"
ابتسمت هي الأخرى ثم نطقت اسمي بصوت رقيق عذب، وذبت أنا في جمالها أحاول ألا أغرق، حتى أكملت قائلة:
"كنت أتساءل: لماذا غبت كل هذه المدة عن الثانوية؟"
"لماذا؟ إذاً تسألين؟ هل اشتقت إليَّ؟"
انزلقت كلمة "اشتقت إليَّ" من تفكيري إلى لساني بطريقة عفوية، ما جعلها ترفع شفتها العليا في تقزُّز واضح، ثم زفرت وقالت في سخرية لاذعة:
"نعم، اشتقت إليك يا محور الكون... على أي حال، أردت فقط أن أخبرك أن شابًا جديدًا انتقل حديثًا إلى فصلنا..."
سألتها ببلاهة:
"عن أي شاب تتحدثين؟"
أجابتني بينما تنظر إلى أظافرها الطويلة في انفعال:
"إنه صغير في السن، أظن اسمه فؤاد. لقد اجتاز اختبارًا في الدراسة ثم انتقل مباشرةً إلى مؤسستنا... على أية حال، هو لا يروقني."
توقف الزمن عند اسم فؤاد، فتذكرت مباشرةً كل ذلك العذاب والألم، وغطت على ملامحي الجدية.
{حزن، ثم خوف من المجهول، ثم ضغينة، ثم كره، ثم غضب، ثم انتقام، ثم إنسان فارغ!!}
لقد عشت هذه الكلمات كلمةً كلمةً. نظرت إليها مجددًا بعد أن أخذتني الصدمة إلى عالم آخر، وقلت لها:
"نعم، ولا يروقني أنا أيضًا."
همست بأذن سام بشيء، ثم دخلت أنا وسام باكرًا إلى الفصل.
كان فؤاد في مكان ما قريبًا من مدخل الفصل، وما أن أصبح أمام الباب حتى لحظت فيه رعبًا وريبةً، كما لو أنه يعلم ما يدور تحت رأسي. رأيته يخفض نظره إلى الأسفل، هل أصبح الأسد الجائع أرنبًا خائفًا فجأة؟ ومع ذلك، دخل من الباب نصف المفتوح والعرق يتصبب منه، ثم اعتذر من المدرسة بصوت قلق متهدج إثر تأخره لبضع دقائق. فخاطبته قائلة: "لا بأس، أدخل." ما لم يكن يعلمه أنها تذكرته نحو الجحيم. ففور دخوله، التقت عيناه بعينيَّ. الفرق الوحيد أنني كنت أنا الحاقد الكاره هذه المرة، وبنفس الملامح الغاضبة المؤلوفة. كنت أحدق فيه ممعنًا النظر، لم أحرك ناظري عنه، كنت أراقبه كأن لي معه حسابًا قديمًا. بقيت أتبعه بعيني حتى أخذ المقعد الثاني في الوسط أمامي مباشرةً... لأنه كان المقعد الوحيد الشاغر. كان يسمع خلفه ضحكًا عاليا... من الواضح أن سام وأصدقاءها كانوا ينفذون الخطة بأفضل ما يكون.
قلت في نفسي والغيظ يتملكني:
مئة يوم، يا أخي الأحمق، مئة يوم تركتني فيها أعاني! سأجعلك تخبرني بكل شيء أخفيته عني.
يتبع
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇
اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺


تعليقات
إرسال تعليق