رواية ست الدكتوره والخيال بقلم ولاء عمر حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
رواية ست الدكتوره والخيال بقلم ولاء عمر حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
أنتِ طالق.
كان باقي على فرحنا شهر وأول لما عرف إن عندي مشكلة في الرحم وهتأثر فيما بعد على الخلفة قرر ينسحب، والحقيقة إنه إتقلب عليا قلبة لا توصف هو وأمه وأخته.
مش قاردة أتخيل إن كل حاجة كانت جاهزة، ياريتنا ما كنا كتبنا الكتاب من قبلها.
نظرة العيلة، نظرة الناس اللي حواليا ليا بمجرد إقتران اسمي بلقب "مطلقة“ نظرة مُمِيته، كفيلة تهد الحيل.
ــ ماما أنا هسافر شغل.
ــ يعني إيه تسافري، لاء طبعاً أبوكي إستحالة يرضى دا غير إنك لسة متطلقة مكملتيش شهر الناس تقول علينا إيه؟!
ــ آه صح أنا المفروض أوقف حياتي علشان بقيت مطلقة من قبل الفرح بتاعي، ماما إفهميني علشان خاطري. أنا محتاجة أفصل وأبعد عن المكان كله حبة حلوين، كفاية إني هتلهي في الشغل.
اتنهدت وقالت:
ــ اللي تشوفيه يا بنتي واللي يريحك، وأنا هحاول ألين دماغ أبوكي.
بعد زن ومحاولات الحمدلله بابا وافق بالعافية.
ــ لسة برضوا منشفة دماغك ومُصرة يا عاليا ؟
ــ آه يا ستي، كفاية إني هبعد.
ــ ياربي عليكي، الناس في وقت زعلها بتكون محتاجة اللي يقف جنبها مش إنها تسيب وتمشي.
ــ عادي والله كله محصل بعضه، وبعدين مين هيقف جنبي؟ ومين فيما بعد هيقبل بواحدة عندها مشاكل في الرحم كفيلة تخليها مش بتخلف، طالما كدا بايظة وكدا بايظة يبقى خليني أنتبه لمستقبلي وأثبت نفسي في مكان.
في اللحظة اللي بتحس فيها إنك خلاص أحلامك إتهدت وتتعرض لصدمة وقتها مش بتكون محتاج تعمل حاجة غير إنك تهرب.
تجري وتسيب كل حاجة، نفسك، بيتك، أهلك، أصحابك، أي حد تعرفه، محتاج تروح مكان جديد لا أنت تعرف فيه حد ولا حد يعرفك فيه، ناس مقابلتهمش في حياتك قبل كدا.
كانت واقفة صاحبتي بتودعني عند القطر، سحبت الشنطة ودخلت، حطيتها في المكان بتاعها وقعدت جنب الشباك بتفرج على المنظر.
قعدت أفكر إني مش زعلانة من إنه سابني، بالعكس حاسة كإن كان في حبل خانقني على رقبتي ودلوقتي إتحررت وعرفت أتنفس، من الأول وأنا مكنتش مرتاحة وأهلي كانوا مُصرين عليه، اللي مزعلني نظرتهم ليا، نظرة أهل المكان اللي أنا منه ليا.
حتى لو بينت إنه عادي، حتى لو مكنتش الشخص اللي بيسعى علشان يكسب حب الناس بس كان كفاية احترامهم ليا، لكن بعد المحنة دي شوفت كمية شماتة وفرحة فيا لا توصف... حسيت إن لازم أبعد علشان فعلاً لا المكان شبهي ولا الناس شبهي، عبثت بديارٍا لست بأهلها.
بنت من قرية بسيطة جداً حلمت حلم والحمدلله حققته، كتير إستكتر عليها إنها لامست حلمها وكتير إستهيفوه وضحك عليها، كنت بحلم أبقى دكتور بيطرية، أقدر أكون سبب في علاج كائن حي لما يتعب مش بيعرف يعبر عن ألمه.
وصلت وكنت واقفة في المحطة، رنيت على رقم صاحب الشغل.
ــ أستاذ سليم، ممكن حضرتك تبعت العربية زي ما قولت توصلني للمكان اللي هشتغل فيه لأني دلوقتي وصلت.
ــ أنا هنا في المحافظة نفسها هعدي على المحطة عشر دقايق بالكتير وأكون عندك.
قعدت مكاني مستنياه يوصل، قعدت أشوف وشوش الناس حواليا وأنا بقول في عقل بالي إن كل واحد منهم وراه قصة أغرب من غيره، إفتكرت إنها دنيا وإنها مكان إبتلائنا وإختباراتنا فسكت في بالي لحظة وقولت " الحمدلله أنها دنيا وستقضى".
دخل وكان لابس جلابيته الصعيدي ولافف شاله وكان بيتلفت حواليه، وقفت من مكاني وأنا بنادي عليه.
ــ حضرتك ... أنا الدكتورة عاليا.
ــ آه ألف حمد لله على يا دكتورة.
ــ الله يسلمك.
ــ تعالي ورايا العربية راكنها برا، البلد نورت .
ــ منورة بناسها أكيد يا سليم بيه.
ــ هاتي عنك الشنطة يا دكتورة.
ــ ممتعبش نفسك أنا هقدر أجرها عادي.
ــ معلش بقى ما أنتِ ضيفتنا وإحنا معروف عننا كرم الضيافة.
سحب الشنطة مني وحطها في العربية وركبنا.
إنك تروح مكان جديد، متعرفش فيه حد، تبني نفسك من جديد، معناه إنك بتبدأ اولى خطواتك لتشكيل حياتك الجديدة.
بعد ساعة كنا دخلنا على القرية.
المكان مبهر بشكل!وخصوصاً إن جزء كبير من القرية مطل على النيل.
ــ هي دي قرية ولا جزيزة؟
ــ قرية وجزيرة.
ــ بلدكم حلوة قوي، كإنها طالعة من الخيال.
ــ دا من ذوقك يا ست الدكتورة.
سكتنا وبعدها قال:
ــ حابة تروحي ترتاحي الأول وتشوفيهم بكرا ولا تروحي دلوقت؟
ــ عادي مفيش مشاكل لو روحنا دلوقتي.
وصلنا للإسطبل بتاع الخيل اللي هكون مسئولة عن رعايته وصحته .
لو كان للحرية صوت فهيكون صوت الخيل، ودا شوفته وحسيته وسمعته أول ما رجلي خطت الإسطبل.
ــ شوفي يا ست الدكتورة، إحنا كل سنة بتحصل عندنا مسابقة المرماح بتاع خيل في مولد ودا بيكون موسم الخيل في البيع وأنا تاجر وأحب خيلي يطلع أحسن حاجة، فقدامنا اربع شهور، في خلال الأربع شهور دول يكونوا بصحتهم، وأنا بأخد بالي منهم وبدربهم، بس محتاج صحتهم تكون أحسن حاجة، خصوصاً إن في مجموعة جديدة حالتهم مش أحسن حاجة ومحتاج يكونوا عال العال خلال فترة قصيرة.
جذبني اسم المسابقة فسألته عنها فقال وفي صوته نبرة فخر إنه بيحكي عن تاريخه:
ــ دي مسابقة تاريخية من التراث العربي ومعروف بيها صعيد مصر خصوصاً أسيوط وقنا و سوهاج بعض المناطق فيهم، في المسابقة دي كل واحد بيعرض قوة الخيل بتاعه دا غير إنها فرصة للتجار لعرض الخيول بتاعتهم لأن دا المكان اللي بيجتمع فيه محبين الخيل والفروسية علشان كدا دورك هنا يا دكتورة إن الخيل دا يبقى في أحسن حال لحد معاد المسابقة.
وصلني لأوضة جنب الإسطبل ودخل فيها الشنطة.
ــ دا المكان بتاعك من النهاردة عندك مطبخ وحمام والاوضة اللي هتقعدي فيها ومن ورا في قعدة بتطل على النيل، استأذنك أنا هروح ومعادنا بكرا إن شاء الله في الإسطبل الساعة سبعة الصبح وكمان شوية هنية هتيجي لك بالوكل.
مشي وأنا قفلت الباب وراه، غيرت وبدأت أرتب الهدوم في الدولاب الصغير اللي موجود وبعدها قومت أستكشف في المكان، طلعت المكان اللي هو قال عليه ورا. المكان أقل ما يقال عنه إنه تحفة" سبحان الخالق المبدع" منظر النيل مع الزرع جميل بطريقة لا توصف.
جات ست يمكن في حدود الخمسة وأربعين من عمرها خبطت وفتحت لها وكان معاها الأكل.
ــ الوكل دا باعته سليم بيه.
ــ شكراً.
أخدته منها ودخلت.
الحقيقة إن أنا فصلت، رفعت قناع اللامبالاة ورجعت عاليا اللي شايلة جواها حزن، فنفسي إتسدت عن الأكل .
خدت خمار كبير كنت جايباه معايا لبسته على البيجامة وطلعت قعدت ورا .
الشيء اللي بيخلي الواحد مننا يحب إنه يفضل باصص للمية وميملش، لاء وكمان يسرح معاها إنها شبه الإنسان من برا صافية كدا وشكلها حلو؛ بس محدش مننا عارف اللي جواها.
دخلت كلت حاجة بسيطة علشان عارفة إني لو تعبت فمفيش حد يأخد باله مني وبعدها صليت ونمت.
صحيت على أذان الفجر فقومت اتوضيت وصليت وطلعت زي ما أنا بالاسدال. نص ساعة وكان الباب بيخبط.
ــ صباح الخير يا ست الدكتورة أم سليم بيه عاوزاكي.
ــ خير كفا الله الشر يا عمة؟
ــ خير فعلاً يا بنيتي متخافيش غيّري وأنا هستناكي .
غيبت عشر دقايق كنت لبست فستان بيبي بلو معاه طرحة لونها أبيض وطلعت لها.
ــ بسم الله ماشاءالله كيف القمر يا ست الدكتورة.
ــ شكراً يا خالة الله يكرمك.
اتمشيت معاها قرابة الخمس دقايق ووصلنا لبيت أو نقول سرايا، وأنا اللي كنت بتريق على المسلسلات الصعيدي وأقول إيه الأوڤر دا! دا أنا بشوفه بعيني دلوقتي.
بس بجد البيت ماشاءالله تبارك الله شكله من برا يشرح القلب كدا .
ــ عمة هو دا البيت؟
ــ إيوة هو .
كان في ست في حدود الخمسينات أو داخلة على الخمسينات تملك من الهيبة والوقار اللي يخليها تستحق لقب هانم وبجدارة_ بداية من وقفتها وعبايتها المطرزة القيمة ولفة طرحتها وعقدها الدهب نهايةً بالغوايش و الخواتم _ واقفة على سلم البيت، طلعت خطوتين على السلم وصلت ليها وسلمت عليها باستحياء.
ــ نورتي يا بتي، أنا قولت أشوف أول دكتورة تيجي للخيل بتاعنا، أصلها أول مرة تحصل، آخر دكتور جابه سليم منفعش وكان زي قلته.
ــ أتمنى دا.
ــ إن شاء الله، أستأذن حضرتك أنا .
ــ كيف يعني ميصحش تعالي إفطري ويانا.
ــ لاء شكراً لحضرتك.
كفاية الـ positive energy اللي خدتها على الصبح هفطر كمان؟ طب والله لأفطر.
مشيت وروحت الأوضة اللي مستقرة فيها، مفيش خمس دقايق وعمة هنية جابت لي الفطار.
شكرتها وأخدته ودخلت كلته في الإستراحة المطلة على النيل، طب والله تستحق مسمى الإستراحة.
خلصت وغسلت إيدي وخدت الصينية وكنت رايحة أطلع أديها للعمة هنية لكن قابلت سليم بيه.
ــ صباح الخير يا دكتورة جاهزة ؟
ــ صباح النور يا سليم بيه، آه جاهزة هودي بس الصينية للعمة هنية وأروح على الإسطبل.
ــ حطيها على الترابيزة دي وحد من الرجالة هيأخدها يوديها ويلا إحنا .
ركنتها بالفعل ومشيت معاه للإسطبل.
كان في حصان صغير واضح على حالته التعب والضعف، قعدت جنبه وأنا بملس عليه، كان بيئِن بضعف، قييت درجة حرارته ونبضه وشوفت تنفسه، درجة حرارته كان عالية عن المعتاد فكتبت له على خافض للحرارة.
ــ ماله يا دكتورة؟
ــ ماله يا دكتورة؟
ــ هو عنده قد إيه الأول ؟
ــ عنده أربع شهور.
ــ درجة حرارته عالية محتاج خافض للحرارة، غير إني محتاجة أعمل له تحليل دم فهأخد عينة وتتبعت لمعمل بيطري، غير إنه محتاج يرضع كويس.
ــ أمه إتوفت بعد ما إتولد بشهرين.
ــ كان بيرضع إزاي خلال الشهرين اللي فاتوا؟
ــ عندنا خيل كتير زي ما أنتِ شايفة ففي كذا مهرة هنا والدة برضوا.
ــ تمام بس من الواضح إن الأنيميا عنده نازلة خالص علشان كدا محتاجين نعمل له التحليل.
خدت منه العينة و طلبت إنها تروح للمعمل وكملت فحص للباقين.
بعد تلات ساعات كنت فحصت منهم أغلبهم وعرفت حالتهم وكتبت على علاجات كتيرة ليهم.
رن موبايلي فـ رديت وكانت ماما.
ــ طمنيني عنك يا عاليا وكلك مليح؟ مرتاحة يا حبيبتي ؟ الدينا ماشية معاكي كويس ؟ معرفتش أنام من خوفي عليكي وخوفت أرن في الليل أقلق منامك.
ــ الحمدلله يا حبيبتي بخير والله، وبعدين أنا لسة سيباكي من كام ساعة يا حاجة، متخافيش مش هيأكلوني والله.
ــ قلبي متوغوش عليكي مش متعودة تبعدي عني.
بعدت سِنة وأنا برد عليها بهزار:
ــ إيه يا ماما أومال لو كنت كملت كان زماني سيباكم وذهاب بلا عودة مع الوحش المتوحش!
ــ ربنا يعوضك يا حبيبتي.
اتنهدت وأنا برد عليها بهدوء:
ــ يارب يا أمي يارب.
قفلت معاها ورجعت للإسطبل .
ينقضي يوم والتاني على نفس الوتيرة والروتين.
لحد قرابة الـ١٥ يوم وفي يوم كنت حاسة فيه تعب رهيب فـ رنيت على سليم بيه أقوله إني مش هقدر أطلع النهاردة.
مفيش وقت بسيط وكانت عمة هنية بتخبط فسمحت لها تدخل .
التعب كفيل يخليني أحسن إني شبه مغيبة عن العالم ودا من شدة الألم .
فهمت لما شافتني.
ــ مالك يا دكتورة، أعمل لك حاجة سخنة تشربيها طيب؟
هزيت رأسي بضعف بـ رفض وقولت :
ــ ممكن بس ورقة وقلم هديكي اسم إبرة تخلي حد يجيبها لي.
لافتني وكتبت لها وحاولت أديها الفلوس لكنها رفضت، فطلبت منها هي اللي تجيبها.
أول ما طلعت جريت على الباسكت أستفرغ أي حاجة في بطني حتى لو مفيش حاجة في معدتي حاجة، مع ألم شديد في بطني وضهري وجنابي ومعدتي بدون أدني مبالغة.
أقل طرق تعبيري عن تعبي هي إني حرفياً بكون بخبط في الحيطة بإيدي وبعيط.
خبطت ودخلت ومعاها الإبرة.
ــ مين هيديها لك يا بتي؟
ــ أنا هديها لنفسي.
ــ يا قلبي عليكي، سليم بيه أخته دكتورة أخليها تيجي لك؟
ــ لاء بالله عليكي يا عمة، مبحبش حد يشوفني تعبانة.
ــ طب أقولك أنا بعرف بس على قدي إتعلمتها من وأنا صغيرة لما كانت الحاجة الكبيرة الله يرحمها تعبانة وكنت بـ أعولها ــ بأخد بالي منها_ إيه رأيك انا أديها لك لأحسن هتكون صعبة إنك أنتِ تديها لنفسك.
قولت بضعف من كتر التعب وأنا بمد إيدي:
ــ أمري لله يا عمة إديهالي .
مشت وكانت بتغيب وتطمن لحد الليل.
ــ سليم بيه برا بيسأل عليكي ست الدكتورة.
ــ عمة أنتِ قولتي له تعبانة مالي؟ يخربيت الإحراج!
ــ قولت إن جسمك سخن وبتخرفي وحرارتك عالية علشان كدا أنا جنبك.
ــ الله يخليكي يا عمة ويبارك لك.
كنت أحسن فلبست الإسدال وطلعت.
ــ عاملة إيه دلوقتي يا دكتورة؟
ــ الحمدلله أحسن يا سليم بيه شكراً لسؤالك.
ــ مفيش شكراً ولا حاجة يا دكتورة أنتِ ضيفتنا في الأول والآخر.
بعد ما دخلت كانت العمة هنية جهزت ليا كوباية النعناع " مشروبي المفضل“وقعدنا في الحتة اللي ورا المطلة على النيل.
ــ أنتِ بتشتغلي هنا من ميتا يا عمة؟
خَدِت بوق من الشاي بتاعها وقالت:
ــ من زمان قوي يا بتي، من وأنا عندي ييجي اربعتاشِر سنة وأنا دلوقتي عندي خمسة وخمسين سنة.
ــ واو يا عمة مش باين عليكي، أنا توقعت إنك في الأربعينات خصوصاً إن شكلك يدي أصغر من سنك ملامحك بجد جميلة بطريقة كإن ليكي عرق أجنبي.
ضحكت وهي بتقولي:
ــ الله يسعدك يا ست الدكتورة ويفرحك .
هي فعلاً ملامحها بدون مبالغة بهية وجميلة قوي، وشها بشوش وبيضحك، مدور وحلو وخدودها حمرة وحاجة آخر عسل.
ــ عندك ولاد بقى يا عمة ؟
ــ ياه دا أنا عيالي عندهم عيال.
ــ فينهم بقى؟
مسكت كوباية الشاي بتاعتها وعينها لمعت بحزن وقالت:
ــ معايا تلات ولاد وتلات بنات، يعني عزوة الحمدلله بس أهو زي ما انتِ شايفة ربيتهم وكبرتهم وعلمتهم من بعد موت أبوهم وهما صغيرين وكل واحد إتلهي في بيته وحياته وهملوني وحدي، وأنا مبحبش القعدة يا بتي خدت على الحركة لو قعدت أتعب ومهلاقيش اللي يعولني، هما كلهم مستقرين في مصر ــ القاهرة ــ وبييجوا في المناسبات والأعياد.
ابتسمت بحزن وقولت:
ــ ربنا يباركلك فيهم ويبارك في صحتك يا عمة.
ــ سيبك أنتِ مني وخلينا فيكي، إيه رأيك في سليم بيه؟
ــ من ناحية إيه يا عمة؟
ــ يعني من ناحية كله، خصوصاً إنه شاب ماشاءالله عليه راجل ملو هدومه.
ــ عادي يا عمة مجرد الشخص اللي بشتغل عنده، هتخلص مهلتي وكل حي وهيروح لحاله.
ــ مبينوش الكلام دِه واصل، حساه عينه منك.
ــ بعيدة قوي دي!
ــ ليه بقى ما أنتِ أها متعلمة ومتنورة وألف مين يتمناكي؟!
ــ شوفي ياعمة أنا واحدة روحت ولا جيب من عيلة وناس عاديين جنب الناس دول، دول عاليين قوي، شبه القصص اللي كنت بسمع عنها، يعني متوقعتش ولا جه في بالي مرة إني ممكن أشوف ناس كدا زي اللي في المسلسلات.
ــ عارفة يا بتي، سليم بيه دا أحن واحد في إخواته والبيت دا مفتوح على حسه من بعد أمه وأبوه، حنين على إخواته البنات حنية متتوصفش، وعلى عيالهم، هنيالها اللي تبقى من نصيبه والله.
ــ ربنا يكتب له الخير حيث كان.
ــ عارفة إخواته الرجالة الإتنين مسافرين وهو مرضيش يسافر زيهم وقال هيأخد باله من تجارة عيلته اللي ورثها عن أبوه وجده ومنها يكون جنب إخواته البنات ويأخدوا بحسه.
ــ تفتكري ليه الهانم أمه قالت لي إني كل دكتور كان بييجي مكانش بيكمل ويمشي ؟
ــ سليم بيه بيحب يكون في أمانة بينه وبين اللي شغالين معاه، وجاب تلاتة وكانوا زي قلتهم، بييجوا يناموا ويأكلوا ويشربوا فمكانوش بيكملوا ويمشيهم، إنما أنتِ صلاة النبي عليكي حاجة تشرح القلب، شاطرة وبتأخدي بالك وبت أصول.
ــ الله يكرم أصلك يا عمة.
تاني يوم صحيت حسيت إني أحسن فقومت وروحت على الإسطبل أطمئن على الخيل .
ــ خبر إيه بس دا أنا قولت مش هتقومي النهاردة وإجازة!
ــ معلش بقى يا سليم بيه الشغل شغل وبعدين قعدة السرير دي بتتعب أكتر من إنها تشفي.
بعد أسبوع
خلصت شغل على بعد الضهر وروحت دخلت غيرت علشان هروح المحافظة نفسها.
ــ على فين الساعة دي يا دكتورة؟
ــ كنت محتاجة أروح المحافظة عايزة أجيب حاجة معينة، وأنا هنا معرفش حد ولا حاجة، ومتفقة مع صاحبتي إني هقابلها في.... عندكم هنا في المحافظة وأنا معرفش المكان.
ابتسم وقال:
ــ حظك من السما والله، لأن أنا كمان نازل أخلص كام مصلحة هناك، ممكن تروحي وتيجي معاي أسهل لأنك متعرفيش حاجة هنا.
قولت بتردد:
ــ لأحسن أتعبك ولا أتقل عليك يا سليم بيه؛ أنا ممكن أروح مواصلات عادي.
ــ قولت لك إنك ضيفتنا، وإحنا ضيفنا بنشيله على رأسنا.
ــ الله يكرم أصلك يا سليم بيه.
ــ يلا طيب للوقت يسرقنا.
جيت أركب ورا فقال:
ــ تعالي قدام يا ست الدكتورة منيش السواق.
حمحمت بإحراج وفتحت الباب اللي قدام وقعدت بتوتر، فقال بضحك:
ــ والله يا دكتورة أنا ما بأكل الناس يعني علشان كل الخوف دا.
ــ أنت ممكن تعملها؟
ــ أنت ممكن تعملها؟
ضحك، لأول مرة من ساعة ما جيت أشوف ضحكته، لأول مرة أخد بالي من قد إيه ملامحه بجد جميلة ودافية قوي، كإن لايق يتقال عليها " وطن" .
الجلابية هتنطق عليه، مش الجلابية اللي محليه بل هو اللي محليها، تسريحة شعره اللي متظبطة بالمللي، برفانه اللي كفيل يعلن عن وجوده من قبل ما يوصل المكان بخطوات كتير.
فوقت وأنا بقول لنفسي" أنا لحقت أخد بالي من كل دا إمتى؟" بقى هو دا اللي هقفل على قلبي.
موبايلي رن فرديت على صاحبتي:
ــ أنا في الطريق.
سألته قدامنا قد إيه وهي قالت على المكان اللي مستنياني فيه فقولت له على العنوان.
ــ نص ساعة بالكتير ونكون هناك.
موبايله رن .
ــ يا هلا بالكبيرة... الحمدلله بخير.... مش كدا بلاش الدخلة دي يا هانم عشان مبحبش كدا، وكام مرة أقول بلاش جو إنكم تحطوني قدام الأمر الواقع دا عشان مش عايز اتجوز دلوقتي، لما أنا اللي اختارها، أخد واحدة أنا اللي مشاور عليها إنما الجو دا لاه، روحي إعمليه في واحد من عيالك.
قفلت وهو واضح عليه العصبية، أنا مالي بجد، يعني أنا بترعش ليه؟
وصلني للمكان وكانت صاحبتي واقفة وإستقبلتني وهو مشي.
بعد ما خلصت قعدتي معاها سألتها عن مكان دكتورة نساء تكون كويسة ومعروفة هنا.
ــ أروح معاكي طيب؟ انتِ كويسة؟
ــ يا ستي الحمد لله بخير إطمني، أنا بس حاسة بشوية تعب ومحتاجة أطمن، روحي أنتِ عشان متتأخريش وأنا مش هتأخر إن شاء الله.
بعد ما حجزت وقعدت مستنيه حوالي ساعة إلا ربع سليم بيه رن وقال إنه مستنيني في نفس المكان اللي سابني فيه، سيبت العيادة ونزلت، مش حابة أي حد يعرف عني أي حاجة.
دقايق وكنت وصلت لمكان ما هو واقف.
ــ خلصتي ؟
ــ أيوا.
ــ تعالي أفرجك على بلدنا، بس نبدأها بعصير قصب.
ــ أحم مش بشربه.
ــ في حد جذوره مصرية أصيلة ميشريش القصب؟!
ــ للأسف آه أنا.
ــ خلاص هعزمك على مانجا في أشهر محل عصير عندنا.
روحنا بالفعل وجاب العصير وبعدها وبعدها طلع على الكورنيش.
ركن العربية ونزلنا نتمشى.
كنا ساكتين لحد ما سألته:
ــ بتشتغل في تجارة الخيل حبًا في الخيل ولا مجرد تجارة ورثتها من عيلتك؟
اتنهد وبص على النيل وهو بيقول:
ــ من صغري وأنا طالع وسط الخيل، إتربيت وسطهم وعرفت صفاتهم، كل ما كنت أكبر كل ما يزيد جوايا حبي ليها، الخيل بتحس، من المخلوقات الحساسة اللي نفسها عزيزة عليها قوي، وبتحس باللي بيأخد باله منها كويس قوي، ودي من الحاجات اللي خلتني متعلق بالخيل والشغل الخاص بيهم.
كملت مشي وأنا بقول:
ــ من صغرك وأنت بتشارك في سباق المرماح؟
ــ من وأنا عندي عشر سنين، اللي قدامك من أمهر الخيّالين يا ست الدكتورة أو زي ما العرب بيقولوا فارس.
محبتش إننا نطول فخلصنا ومشينا على طول، لكن فضولي خلاني أتكلم كتير ونخلص من الموضوع ندخل في دا ومن دا لدا لحد ما وصلنا.
أول ما وصلنا كانت والدته واقفة على سلم السرايا وبتبص ليا بنظرات مريبة وجنبها واقفة واحدة شبهها أو كإنها نسختها المصغرة.
طلع هو وسلم عليها وخدها بالحضن ففهمت إن دي أخته، خدت بعضي ومشيت من سكات لأن لا المكان يخصني ولا حتى أعرفهم علشان أقف.
وصلت لحد الإستراحة اللي أنا مقيمة فيها ولقيت ورايا العمة هنية.
ــ مالك بتجري كدا ليه بس يا عمة؟
ــ إسكتي دا سليم بيه راجع وقالبها حريقة مع أمه وأخته الكبيرة.
قولت بهدوء:
ــ هي نفسها اللي اسمها هانم؟
ــ وأنتِ تعرفيها؟
هزيت رأسي بلاء وحكيت لها عشان تعرف أنا عرفت ازاي.
ــ سليم بيه مش عايزهم يرجعوا يعملوا معاه زي ما عملوا معاه زمان.
ــ عملوا إيه ؟
ــ تعالي بس نقعد جوا .
دخلنا وقعدنا ورا وبدأت تحكي:
ــ من حوالي سبع سنين عملوا نفس الشيء وهو عشان بيحبهم محبش لا يزعلهم ولا يصغرهن قدام الناس وإتجوز وكان فرح تحمي وتتحاكي بيه البلاد، وبعدين طلقها لأنها مش شبهه ولا زيّه، ومن يومتها يا حبة عيني وهو معاهم في مشاكل علشان مش عايز يعيد نفس اللي عملوه زمان ويدمر حياته وقال هيتبهي لشغله، دق قلبه كان بها مدقش هيفضل قافل عليه .
هزيت رأسي وسكتت فهي قالت:
ــ قلبي بيقولي إن قلبه إتدق بابه يا دكتورة.
قالتها وهي مبتسمة وباصة لي فقولت لها:
ــ خليه ميقولكيش يا عمة علشان مش هينفع.
مر شهرين وباقي شهر أو أقل قرابة العشرين يوم على المسابقة .
مع كامل الأسف والأسى إن قلبي مال ليه، فضلت ابني مسافات عشان ما اتعلقش وكنت معقدة وخلاص، فليه أميل ؟ يموت عقلي في العلاقات المستحيلة.
ــ ماشاء الله الخيل بقي حاجة تفرح وتشرح القلب، خصوصاً عزيز الصغير أول حالة شوفتيها يا ست الدكتورة .
بصيت عليه وأنا فخورة بنفسي وبحمد ربنا إنه إداني العلم وأنعم عليا بيه عشان أقدر أعالجهم وأهتم بيهم.
مريت على الباقيين وإتطمن على صحتهم واحد واحد، وأكدت على أكلهم وكل حاجة ناقصاهم، دا غير إنهم مش متعودين على الوقفة كدا بل بيجروا كل يوم وكل يوم يمتطيهم حد وفي ناس وعائلات ممكن تستأجر منهم البعض.
خصوصاً إن المكان مشهور وفي ناس كتير بتيجي له.
ــ ماشاء الله عليكي يا دكتورة تستحقي كنتي إن د. نعيم يرشحك وبجدارة كمان، ودا واضح على شطارتك في الشغل.
ــ شكراً يا سليم بيه دي شهادة أعتز بيها.
ــ والله ولو عايزة شهادة ضمان معنديش مانع.
ــ ضمان يا أستاذ ؟ تلاجة أنا ولا غسالة؟
ضحك على عصبيتي وقال:
ــ أقصد شهادة خبرة يا ست الدكتورة بس بهزر.
قولت بإحراج:
ــ أحم معلش أنا تلقائية.
بعدها قولت بحماس:
ــ بدأتوا في تجهيز المكان اللي هيكون فيه المسابقة؟
ــ أيوا ونصبوا الخيم وهنبدأ كمان تلات أسابيع نأخد الخيل لهناك.
بالليل وبعد ما خلصت كل حاجة وكنت خلاص داخلة أنام وقفتني أم سليم بيه.
ــ أنتِ إستني عندك.
ــ مساء الخير إزاي حضرتك ؟ إن شاء الله تكوني بخير.
قالت بتهكم واضح على وشها:
ــ أنا الحمدلله بخير، و السنيورة حالها بخير وهي لازقة في سليم بيه في الرايحة والجاية؟
رديت بمدافعة وعصبية:
ــ لزقة إيه حضرتك أنا هنا جاية شغل وعارفة حدودي كويس قوي، وما اعتقدش إنك لمحتيني في مرة بتمايع مع ابن حضرتك ولا لازقة له، أنا كل اللي بيني وبينه شغل وبس، أتمنى حضرتك تفهمي كدا!
ــ تكونيش مفكرة إني مش واخدة بالي إنك عتلفي عليه وطمعانة في العز دا كله وطمعانة فيه؟ لاه بس أنا هنا وأقف لك وأوقفك عند حدك، ولو مفكرة إنك هتميلي كدا ولا تتسهوكي كيف البنات يبقى برا ومن غير مطرود .
ـــ أولاً يا ست هانم أنا واحدة جاية شبعانة وعيني مليانة من بيت أبوي حتى لو كان فيه أقل القليل، بس الحمد لله لا عمري عيني راعت حاجة مش بتاعتي ولا تخصني ولا فكرت أخون ثقة أهلي اللي أنا في مكان وهما في مكان، ولو على الشغل فـ سلام عليكم أنا همشي دلوقتي عشان مضيقش عليكي وعشان أنا لما بروح مكان فأنا أخلاقي سبقاني وكرامتي، وقطعة للشغل اللي ممكن يذل الواحد .
ــ مع السلامة يا حبيبتي المركب اللي تودي .
ابتسمت ببرود وسكت كام ثانية وبعدها قولت:
ــ أولاً يا حضرة يا صاحبة المكان مش أنا اللي محتاجاكم، ابنك وشغله هما اللي محتاجيني، ولو على المشي فأنا كدا كدا ماشية أصل أنا قيمتي زي الأماس، أهلي علموني إني غالية وقوي كمان، يعني مش أنا اللي ألف على واحد، تؤ دا أنا يتفات لي بلاد وبلاد.
دخلت لميت شنطة هدومي وأي حاجة تخصني وطلعت وكانت هي مشت.
طلعت بيها وكنت ماشية لحد ما شوفته ووقفني:
ــ على فين الساعة دي يا دكتورة.
ــ شوف يا سليم بيه أنا كنت جاية شغل، يعني لا جيت إتلزقت فيك ولا جيت طمعانة في أي حاجة هنا لأني الحمد لله عيني مليانة ومتربية وعارفة حدودي كويس قوي و....
ـــ حيلك يا دكتورة فيه إيه لكل دا؟ ومين اللي قال الكلام دا؟
ـــ اقفي عندك دقيقة وراجع لك.
دخل بخطوات سريعة السرايا وهو بينادي على أمه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ ليه تمسخيها كدا معاها؟ وليه تسمعيها كلام زي ضرب الرصاص، ما كان على يدك إني جيبت دكتور وتلاتة ومحدش منهم عرف يتعامل مع الخيل ويفيدني بعد ربنا كدها؛ وحتى لو عوزت اخطبها فيما بعد محدش ليه دعوة بحاجة تخصني ولا بحاجة في حياتي، أعتقد إني كبير كفاية عشان أخد قراراتي، منيش عيل إصغير .
ــ ويوم ما تبوص تبوص لدي؟
ــ ويوم ما تبوص تبوص لدي؟
ــ ومالها؟ مالها دي؟ أصل لو هتقارنيها بالقديمة فـ الدكتورة ضوفهرها برقبة القديمة.
كملت بعصبية:
ـــ ومن غير سلام، علشان مش هسمح إن حياتي من كل الجوانب تبوظ علشان مجرد عادات متخلفة.
طلعت من السرايا وكانت بتسحب شنطتها.
ــ حيلك يا دكتورة، حقك عليا وعلى رأسي.
ــ شكراً يا سليم بيه بس أنا كدا كدا شغلي خلص، واحدة كنت جاية أشتغل مش اتمايع وحضرتك أكيد عارف كدا كويس.
للأسف أصرت ومقدرتش عليها ولا قدرت أغير رأيها.
طلعت العمة هنية وجريت عليها.
ــ كدا يا بتي هتهملينا؟ طب دا أنتِ كنتي واخدة بحسي!
عينها دمعت وحضنتها وهي بتقولها:
ــ شغلي هنا خلص يا عمة، هقعد تاني أعمل إيه؟ وبعدين أنا كدا كدا كان باقي لي أيام وأمشي، فمفرقتش كتير.
تدخلت في الكلام وقولت:
ــ أقنعيها يا عمة هنية تقعد والصباح رباح وأنا بنفسي اللي هحجز لها التذكرة وهأخدها أوصلها مينفعش تروح في الليل كدا.
سحبت الشنطة منها وهي مشت ورايا هي والعمة.
بعد زن مني ومن العمة.
لو بس يبطلوا يتدخلوا في حياتي بس أنا مش هسمح لهم يتدخلوا تاني من هنا ورايح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ أدينا وصلنا يا بتي إيه اللي حصل لكل دِه؟
طلعت كل الدموع اللي كتماها وكل الوجع فجأة إتحد مع بعضه وقعدت على الكنبة ودموعي رافضة إنها تقف.
ــ الهانم الكبيرة بتقول عليا إني بلف على سليم بيه، وقالت إني جاية طمعانة، وهزقتني، وأنا ما استحملتش ودخلت لميت هدومي وكنت ماشية ولسة برضوا عايزة أمشي مش عايزة أقعد دقيقة واحدة والله.
ــ هي كدا هتفضل كدا لحد ما يطير آخر واحن واحد من حواليها طمعاً في إنها تفضل دايماً كبيرة البيت ومحدش يأخد مكانها، عيالها مسافرين وليهم شغلهم هناك بسبب مشاكلها مع مراتاتهم ، هدي نفسك أنتِ يا بتي وإقعدي ومتديش لكلامها أي معنى ولا تعبريه واصل.
ــ لاه يا عمة أنا اتطردت ولولا إني مهينفعش أروح دلوقتي وأدخل البلد وحدي في الليل كنت فعلاً روحت.
ــ روقي بالك يا بتي.
ــ ولو يا عمة دي هزقتني، بس أنا قولت إن مش أنا اللي ألِف على واحد وأتلزق فيه، لاه دا أنا يتفات لي بلاد.
من جوايا بنكر دا وإني إتسابت من أول مطب بس مش هاين عليا حد يشوف وجعي، ولا تتشاف كسرتي من تاني في المكان اللي كنت مفكرة إني هبني نفسي فيه، ويظل السؤال المحير" ليه الناس مؤذية كدا؟"
ويحدث أن تبكي من كثرة جروحك، كلما تحسس جرحه وجده ينزف.. مسكين ظن أنه تعافي!...
قضيت ليلي كله بعيط، وكإنها كانت القشة اللي قطمت ضهري؛ فخلتني أنهار أكتر وأكتر.
ما أنكرش إن قلبي مال له، بس أنا من دنيا وهو من دنيا، مكنش ينفع قلبي يميل وأنا نفسي منفعش، وأنا في نظر مجتمعي ومحيطي معيوبة.
أطول ليلة تعدي عليا، أوجع ليلة تعدي وتدوس عليا.
صليت الفجر وقعدت سرحانة وباصة للنيل.
ليه الدينا قاسية كدا؟!
سمعت خبط عـ الباب فطلعت فتحت له وأنا مفكرة إن معاه التذاكر لكن كان باين على وشه الخضة.
ــ في واحدة من الأحصنة يا دكتورة بتولد.
إتلافيت الشنطة بتاعة الأدوات والبالطو وطلعت وراه بسرعة.
كانت ولادتها متعسرة وفضلنا لحد الساعة عشرة الصبح معاها.
ــ سليم بيه في حصان وقع وهو بيجري ومش قادر يقوم.
قالها له واحد من الرجالة فطلعنا معاهم جري.
مش معقول بجد! المصائب لا تأتي فُرادى، كله ورا بعضه لاء وإيه في اليوم اللي المفروض أمشي فيه.
كشفت عليها وللأسف كان كسر.
ــ سليم بيه دا كسر، خلي باقي الرجالة يمسكوها كويس.
خلصت معاها بعد ساعة وكنت خلاص فصلت وجبت آخري.
فقعدت على أقرب دِكة مسنودة وعندها ضِل.
ــ بقى عايزة تمشي وتهملي كل دا يا ست الدكتورة ؟!
ــ لولا إن قلبي مش هيطاوعني أسيبهم بيتألموا كدا كنت مشيت.
ــ تحس إن هما إتحدوا وقالوا والله ما أنتِ ماشية.
قال بابتسامة:
ــ طب والله ببفهموا.
جات العمة هنية وهي شايلة صينية الأكل.
ــ برضك عايزة تسيبي وكل العمة مكنش العشم واصل يا ست الدكتورة!
ــ دا إحنا عينّا للعمة.
ــ يخليكي لينا يا قلب العمة، هاه نويتي على إيه ؟
ــ على إني أخلص النهاردة مع الأحصنة وأمشي.
قلب وشه وقال وهو بيحاول يخليني أقعد تاني:
ــ يا دكتورة حقك عليا وعلى رأسي بس والله ما ينفع، أنا بعتذر لك بالنيابة عن أمي.
قالت العمة بعده:
ــ أنا لو منك أقعد، دا سليم بيه بنفسه اعتذر لك، ومحقوق لك، وبعدين حرام تعب شهور يضيع ومش باقي على المسابقة غير أيام.
ــ بس مش هينفع، طيب والتذاكر اللي اتحجزت.
رد سليم بيه:
ــ عادي يأخدها صاحب نصيبها بقى .
بعد زن منهم وعِند مني مع الأسف زنهم كسب على عِندي.
دخلت أطمئن على المهرة اللي ولدت وكتبت علاج ليها طلبت منهم يجيبوه وقعدت جنبها.
فضلت أملس على رأسها لأن يا حبة عيني كان واضح عليها مدى التعب، من نعمة ربنا عليا إنه أنعم عليا بالعلم دا بجد .
قربت منها الحصان الصغير اللي قعدت تمسح عليه بلسانها وساعدته يرضع منها.
ــ نفسي قوي ياعمة أركب خيل.
ــ أنتِ بتعرفي يا بتي؟
ــ أوه بقى دا أنا من عشاق الخيل، وكنت بركب الخيل من أيام الكلية وإتعلمت وإتدربت على ركوبه، دا أنا خيّالة شاطرة.
ــ ومجربتيش ليه طول الفترة اللي أنتِ كنتي فيها هنا؟
ــ اتسحلت في الشغل، وفجأة كدا نسيت ودلوقتي لما شوفت شوية صحاب مع بعض بتسابقوا حبيت أرجع أعيش اللحظة.
جه سليم بيه وكان قريب منها فالعمة قالت له إن نفسي أركب خيل وهو قال نتسابق.
وأنا واقفة وعلى وشي ملامح clown من الإحراج اللي هو يا جماعة إنتو لو قاصدين تثبتوا كلام الحاجة أمه مش هتعملوا فيا كدا وحياة ربنا.
رفضت وعديت الموضوع.
رنت ماما عليا:
ــ إيه يا ست عاليا! من يوم ما سافرتي وأنتِ لو مرنيتش متفكريش ترني؟
ــ حقك عليا يا أمي، ضغط الشغل صدقيني .
ــ ماشي يا ستي، ما علينا خلينا في المهم؛ خطوبة بت عمك الأسبوع الجاي، وأنتِ وهي صحاب من وأنتم صغيرين وطالعين مع بعض، فـ لازم تبقي موجودة.
ــ أنتِ عارفة إنها مش بتطيقني ولا بتحبني، وبعدين دي من اللي كانوا شمتانين فيا يوم ما حصل اللي حصل، أنتِ متخيلة يا أمي إنها بتستكتر عليا أي حاجة! كنا زمان يا أمي، إنما دلوقتي بتعتبرني عدوتها مع إني يعلم ما ربنا ما أذيتهاش قبل كده.
ــ ولو يا عاليا، دا واجب عليكي إنك تيجي، خصوصاً إن بقالك كذا شهر مجيتيش، دا غير إنك كدا هتسيبي فرصة ليهم إنك يمسكوا عليكي حاجة يجيبوا في سيرتك بيها.
قولت باتعراض:
ــ بس أنا مش عايزة أجي، ولا مستعدة حتى إني أتعامل مع أي حد هيبص ليا من فوق لتحت ويضحك ضحكة صفرة ولا يشمت ولا حتى يتقالي كلمة توجعني؛ أنا عايزة أبطل أتعامل معاهم.
ــ الهروب عمره ما كان، في حاجات بتحتاج مننا إننا نواجهها ونقف في وشها، لو موقفناش في وش الريح هنعيش عمرنا كله كل ما تقابلنا نسمة هوا نهرب منها علشان خايفين ييجي بعدها ريح، تعالي واللي يكلمك تقدري تردي بدل الكلمة عشرة، متسيبيش حد يدوس على طرف ليكي، اللي يدوس لك على طرف دوسي عليه كله.
عنيا دمعت وسكتت.
كملت كلامها:
ــ عيطي يا عاليا متكتميش جواكي، تعالي وواجهي كمان، من حقنا نعيش زعلنا ونعيش فرحتنا، بس منمسكش في الزعل ونتبِّت فيه، أنا لما سيبتك تسافري قولت عشان تفصلي وتتلهي في الشغل شوية وترجعي تقدري تواجهي.
قولت وأنا بعيط:
ــ حاضر يا أمي.
ــ حضر لك الخير يا حبيبتي، سلام بقى، معاكي خمس تيام _ أيام_ يا عاليا هتيجي قبل الخطوبة بيومين.
قفلت معاها وروحت دخلت الإستراحة.
دفنت وشي في المخدة وإنهارت من العياط، لما تنهزم، تتوجع، تتكسر، تتنبذ بسبب تفكير متخلف، لما اللي حواليك يستكتروا عليك نعمة بس لمجرد إنهم شايفين اللي ظاهر ليهم بس يبقى قمة الأسى والله.
محدش كان يعرف عن تعبي ومرضي، ويوم ما واحدة منهم شافتني بتألم ومش قادرة أقوم من السرير من التعب اللي من كتره كنت شِبه مغيبة ضحكت ضحكة صفرة وقالت، تعبت نفس تعبك اللي كلنا بنتعبه كـ بنات ومعملتش ربع اللي عملتيه، وأنتِ كلهم عرفوا مالك بسبب الجو دا، ما تنشفي شوية.
مسحت دموعي لما سمعت صوت خبط عـلى الباب فغسلت وشي وطلعت، كان واحد من الرجالة اللي شغالين في الإسطبل بيقول إن المهرة اللي ولدت شكلها مش طبيعي.
خدت الشنطة والبالطو وطلعت كشفت عليها وكان سليم بيه قاعد مع حد وأنا طالعه طلبت منه أتكلم معاه لحظة.
ــ خير يا دكتورة؟
ــ كنت محتاجة أنزل أسبوع إجازة كمان كام يوم.
ــ حصلت حاجة خلتك عايزة تمشي طيب؟
ــ لاء بس عندنا مناسبة في العيلة والمفروض أنزل وكدا، بس كمان أربع خمس أيام كدا.
ــ المشكلة يا دكتورة إن إننا هنكون محتاجين إنك تكوني موجودة بالذات الفترة دي صعب قوي إنك متكونيش موجودة، لأن المسابقة خلاص ، وبعدين أنتِ قررتي تمشي من هنا والخيل من زعله حصله زي ما أنتِ شايفة كده.
ابتسمت على آخر جملة وقولت:
ــ خلاص هنزل تلات أيام بس وبعدها أرجع، يا سليم بيه مش باقي غير أيام والمسابقة تنتهي ووجودي ينتهي هنا معاها.
ــ مين قال الكلام ده ؟
ــ ودا بناءًا على إيه ؟ وكمان من غير رأيي!
ــ لاه طبعاً مين يقدر يعمل كده بس يا ست الدكتورة، أنا بس هرتب كام حاجة وبعدها نشوف موضوع إنك تكملي هنا، أستأذن أنا .
كنت داخلة الإسطبل وقابلت والدته.
قلبت وشها أول ما شافتني وعدت من سكات.
عديت الكام يوم من سكات، لميت شنطتي كلها بعد ما عزمت أمري وخدت قراري النهائي وهو إني مينفعش أقعد هنا اكتر من كدا حتى لو فيها روحي.
ــ أعتقد مفيش أسهل من إن الواحد يروح مواصلات ومع نفسه.
ــ أنا مستنيكي وهوصلك.
قولت بعِند:
ــ شكراً يا سليم بيه أنا كبيرة كفاية وهعرف أوصل نفسي، وحتى لو معرفتش فـ اللي يسأل ميتوهش.
سحب مني الشنطة بعصبية وحطها في شنطة عربيته.
ــ أنت يا حضرة ملكش أي حق تعمل كدا، لو سمحت بكل ذوق رجع لي الشنطة.
دوّر العربية وكان هيتحرك فركبت بسرعة علشان أكمل خناق ويدوبك قعدت وكان إتحرك.
ــ أنت يا بني آدم وقف، مينفعش كده، أنا قولت هتزفت أروح وحدي.
رد ببرود وهو مركز في الطريق:
_ إهدي يا ست الدكتورة.
ــ منيش هادية خالص بالزفت البرود بتاعك دا.
ــ وأنا مش فاهم أنتِ عاملة كل دا ليه؟ مش كنا حلينا كل حاجة والدنيا حلوة؟
خدت نفس، شهيق زفير بحاول أكتم دموعي، بس نبرة صوتي مهزوزة:
ـــ لاء مفيش حاجة حلوة ولا عِدلة تمام؟ وأتمنى أكون الفترة اللي قعدتها تمت وأديت فيها واجبي بكل مقدرتي وقوتي، تمام يا سليم بيه ؟
ـــ مش تمام خالص يا أستاذة، مش تمام خالص يا ست الدكتورة!
سكتت وبصيت على الطريق من الشباك اللي جنبي، دموعي نزلت، أنا الغلطانة، مكانش المفروض أقبل أقعد في مكان إتهانت فيه.
اليومين اللي فاتوا كانوا تقال عليا قوي خصوصاً إني رضيت لأن مهانش عليا أسيب الخيل كدا، بس مكانش ينفع أقعد أكتر من كدا.
أن تغادر مكان خطته قدمك منذ مدة على أمل التعافي ثم يضيف جرحاً بجانب جروح لم تتعافى منها.
ـــ أنت رايح فين ؟
ــ محتاج أتكلم معاكي فهروح كافيه جنب المحطة نقعد لسة باقي ساعة ونص على ما القطر ييجي، كربانة_ مستعجلة _ليه؟!
ـــ في الشغل؟ أنا ممكن اخلي الدكتور في الوحدة يرشح لك حد كويس، لأني فعلاً مش هعرف أجي الفترة الجاية.
بص ليا وهو بيقعد ويشاور لي أقعد وقال:
ــ إقعدي واسمعي أنا هقول إيه.
بدأ يتكلم بعد ما طلب حاجة نشربها.
ــ أنا عايز اجي وأطلب إيدك من أهلك.
تنحت ليه حبة حلوين وبعدها رديت:
ــ ءءانت واعي يا سليم بيه أنت بتقول إيه ؟
ــ في كامل وعيِّي.
ــ أمك مش موافقة عليا وطرداني، وامبارح أكدت على كلامها اللي قالته من كام يوم وأنت بكل بساطة بتقولي أنا طالب إيدك.. دا إزاي يعني؟!
ــ هي كلمتك تاني بعد آخر مرة؟
هزيت رأسي بـ آه فقال بهدوء:
ـــ أولاً يا ست الدكتورة أنا اللي أخد القرار مش هي لأني كبير كفاية إني أعرف أختار، أما بالنسبة لكلامها فصدقيني أنا آسف لك على اللي هي عملته.
ــ ولا مش آسف، أنا من دنيا وأنت من دينا، روح دور على واحدة شبهك، أنا منفعكش، ودا مش تقليل منك والله يا سليم بيه أنت تتشال على الرأس، بس أنا بالذات منفعكش.
قال باعتراض:
ــ ودا ليه دا إن شاء الله ؟
حسيت إن أنفاسي تقيلة وصعب عليا أتنفس بس على كلٍ قولت :
ــ سليم بيه أنا إتطلقت قبل فرحي بشهر علشان عندي مشكلة في الرحم بنسبة كبيرة هتأثر عليا فيما بعد وحتى دلوقتي مأثرة عليا وضاغطة عليا وتعباني سواء جسدياً أو نفسياً.
ــ يعني ملهاش علاج خالص يا دكتورة؟ الطب كل يوم بيبتكر علاج ، معقول مفيش علاج ليكي خالص؟!
دموعي نزلت وأنا بقول:
ــ بطانة الرحم المهاجرة زي السرطان كأنه ورم بس هو حميد، متعبة بشكل لا يوصف وبقالي سنين بعاني منها، أنا مبقدرش أقف كتير، ضهري على طول واجعني، على طول مسكنات، تعب مميت وكأن بطني بتكون بتتقطع، حتى لو فيما بعد حملت دا هيأثر عليا وهيتعبني أكتر ، أنا إتسابت عشان حاجة مش بإيدي، إيه يضمن لي إنك متسبنيش؟
ــ أنا كفيل أثبت لك يا عاليا صدقيني.
لأول مرة أسمع منه اسمي على طول بيقول الدكتورة .
قولت بهدوء المرة دي :
ــ بيقولوا إن البعد بيغير الناس
وإن ممكن يخلي واحد من الإتنين يراجع نفسه .. ويكتشف إن شعوره ناحية التاني مش حب.
ــ مش حب؟ هيكون إيه ؟
ــ جايز صداقة.. أُلفة..ويمكن عِشرة، أنا هبعد يا سليم بيه، أياً كان قد إيه الوقت، بس وقت ما تتأكد من مشاعرك ومتكونش مجرد بس إنك حاسس إنك معجب وخلاص واحدة مناسبة وبس، دا غير إني محتاجة وقت علشان أتعافى من كل جروحي دي، وأنت ركز في حياتك .
ـــ إدينا فرصة.
ــ أنا لسة خارجة من تجربة دمرتني، كسرت جوايا حاجة اناغاللي لازم أصلحها، مكنش زعل على الشخص لأنه بأف ميستاهلش الصراحة والحمد لله إنه غار، بس اللي شوفته في شهرين خلاني محتاجة يمكن عشر أضعافهم علشان أحس إني أحسن.
بص في الساعة وقال:
ــ يلا علشان اوصلك، القطر خلاص باقي عليه أقل من نص ساعة.
قومت ودخلنا بالفعل المحطة، قعدت على مقعد من اللي موجودين وهو قال هيروح يجيب حاجة وييجي.
راح وإشترى لي أكل وشيبسي وبيبس وشوكلت كتير.
ــ يا الله يا سليم بيه، ليه تكلف نفسك وتجيب كل دا؟ المسافة صدقني كلها حوالي تلات ساعات ولا أربعة.
ــ بدال ما تقولي شكراً يا سليم، من يد ما نعدمها يا سليم!
قولت باستحياء:
ــ والله شكراً جداً بس أنا مش حابة أكلفك أنا كدا كدا لسة واكلة.
ــ معلش بقى، ضيفتنا.
أول ما القطر وصل وقف معايا لحد ما حطيت شنطتي في مكانها ونزل،وقف يودعني، شاورلي، شاورت له وأنا بابتسم.
اصارح نفسي وأقول إني خدت على وجوده، أقول إني وقعت في حد طريقنا لبعض صعب! معرفش بعد ما عرف هيعمل إيه أصلاً بس دي لو كانت حاجة اتعافيت منها كان هيكون كان بها، إنما دا مرض مزمن .
فضلت عمالة أفكر لحد ما وقعت عيني على ورقة جوة الشنطة اللي جابها لي سليم بيه.
طلعتها فكان كاتب فيها
" أُذكُريني كلَّما الفجرُ بَدَا
واذْكُري الأيّام ليلَ السَهَرِ
أُذكُريني كُلَّما الطيرُ شَدَا
وحَكَى للغابِ ضوءُ القَمَرِ
أذكريني واذكري عهدَ الهَنا
أتُرى أشدو إذا لم تَذكُري
نحن جَمَّعنا من الليلِ الغِنا
وحِكَاياتِ الجمالِ المُزهِرِ“
إنها من سليم الذي قرر ألا يُسَلِم ذاته للريح مرة أخرى، عادت إليه روحه فلن يفرط فيها حتى ولو اعترض الجميع، فسيأخذ ما يريد رُغمًا عن أنف الجميع.
إلى اللقاء وليس الوداع لأني أَعِدُكِ بأن لنا لقاء لذا كتبت لكِ تلك الأبيات التي تغنت بها فيروز في ترجٍ وتمنٍ بالأ تنسيني وأن أظل ملازمًا لذكراكِ الفترة القادمة حتى يحن لنا أن نلتقِ.
لحق يكتبها إمتى معرفش بس أنا ماسكة الورقة وحاسة إني طايرة في السما ما اشبهش شيء غير الفراشة، حاسة إني خلفتها في اللحظة دي.
قررت إني مش هقولهم إني جاية وهخليها مفاجأة.
ما بين قلق من مواجهة اللي مستنيني وفرحتي بكلامه ليا التفكير خدني وكنت وصلت قريتنا، يمكن الإنسان مش مغرم بيها بس بحب بساطتها، كل طريق ليه ذكرى، كل مكان بيحكي عني وعن طفولتي وعن الطفلة الصغيرة اللي جوايا اللي كانت زمان بتحب الفرك، الزرع والجبل، حتى الترعة صاحبة الريحة الغريبة.
لكن هل أنا عايشة لوحدي عشان ما أقابلش حد يعني ؟
ــ إزيك يا دكتورة حمد لله على السلامة، سمعت إنك كنتي مسافرة شغل بعد يا حبة عيني ما إتطلقتي قبل...
قاطعت كلامها وأنا بقول:
ــ الحمدلله ، آه كنت مسافرة، و والله يعني حالتي مش صعبة لدرجة الصعبانيات اللي تستدعي إن حد يتكلم معايا بشفقة، مرحلة وعدت وبكرا ربنا يعوضني إن شاء الله، يلا سلام عليكم علشان مستنيِّني في البيت.
كانت واحدة من ستات البلد وكنت ملاحظة إنها بتتصنع الشفقة فرديت عليها ومشيت، وقيسوا على الموقف دا تلاتة تاني قبل ما أوصل بيتنا.
كعادة بيوتنا في القرى دايماً باب البيت مفتوح.
دخلت بهدوء عليهم وهما قاعدين.
ــ مش معقول يا جماعة موحشتكمش؟
قاموا كلهم، قربت من أمي وأبويا وحضنتهم.
ــ جماعة وحشتوني قوي قوي قوي، تخيلوا محدش بيقولي عاليا اسمي وحشني.
ــ وأنتِ كمان وحشتينا ووحشنا عبطك.
ــ مش بتتقال كدا يا ماما،مش بتتقال كدا يا أمي يا ست الحبايب جدا!!
ــ المهم طمنيني شافوا انهو وش من عاليا؟
قولت بفخر وأنا بعدل لياقة هدومي:
ــ شافوا الدكتورة العاقلة الشاطرة الأمينة المجتهدة.
قال أخويا:
ــ أيوا يا أخويا يا جامد.
قربت وحضنته:
ــ حبيبي حبيبي أنت خد قلبي.
سألني أبوي:
ــ أنتِ مش كنتي هتيجي بكرا؟
ــ لاه ما أنا قولت أفاجئكم يا حاج.
ــ كنت رحت أنا ولا أخوكي نستناكي بدل ما جيتي وحدك.
ــ متخافش يا حاج مش هيأكلوني.
ــ لو تخفي لماضة.
ــ الحياة هتبقى مملة صدقني.
خلصت قعدتي معاهم وطلعت أوضتي عشان أريح.
الموبايل رن وكان هو.
ــ عملتي إيه وصلتي ؟
ــ آه الحمدلله.
ــ طيب الحمد لله قولت اطمن بس إنك وصلتي.
ــ فيك الخير يا سليم بيه، عندي طلب ممكن؟
ــ طبعاً يا دكتورة.
ــ وصل سلامي للعمة هنية.
ــ يوصل، يلا استأذن أنا سلام.
ــ سلام.
ـــــــــــــــــــــــــ
قفلت معاها ودخلت البيت.
ــ أهلا بالبيه اللي بقى متغير وقالب عليا عشان واحدة لا راحت ولا جات.
سكت ومشيت وأنا بستغفر.
فقالت:
ــ بقى عايز تكسر كلامي يا سليم ؟ عايز تفكر وتأخد دي؟ طيب سيبني أجمع ست ستها.
طبطبت عليها وأنا بقول:
ــ دي حياتي، سيبتكم مرة زمان تعملوها علشان كنت غبي وطنشت نفسي وحطيت حاجات كتير أولوية قبلها، إنما دلوقتي أعلى ما في خيلكم إركبوه يا أمي أنتِ وهنية، إنما أنا كدا كدا هعمل اللي عايزه واللي في دماغي ومحدش هيقدر يمشي عليا كملة.
ــ هتقسيك على أمك من قبل حتى ما تأخد خطوة من ناحيتها؟ طب أنا مموافقاشي يا سليم وأبقى عاق بأمك بقى.
ضحكت فهي إتعصبت وقالت:
ــ وعتضحك على كلامي كمان! ما ده اللي ناقص!
ــ يا أمي إني أكون بار بيكي فده معناه إني أعمل لك تعوزيه من ناحيتك بس مش معناه إنك تتحكمي في حياتي ولا في اختياراتي، معناه إني أرعاكي وأعاملك كويس وبما يرضي الله، كفاية بالله عليكي عليا، مش هتبقي أنتِ والزمن، أنا عمري ما كنت و.حش معاكي يا أمي علشان أشوف منك كدا.
سببتها ورجعت طلعت روحت الإسطبل ورنيت على مهران صاحبي.
ــ أهلا بسليم بيه اللي ناسينا.
ــ خف يا دكتور دا أنت حتى دكتور كبير ومعروف وخليني في اللي عايزه منك.
ــ وه وه وه، سليم بيه بنفسه قاصدني في خدمة؟ دا عنينا ليك إكده.
ــ أنا عايز أعرف كل حاجة عن بطانة الرحم المهاجرة.
قولتها بدون مقدمات فسكت هو لحظة وبعدها قال:
ــ دا ليه؟
ــ أكيد مش بجمع المعلومات ليا، عايز أعرف وبس يا مهران ، أي وكل معلومة عندك حتى ولو صغيرة.
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇
اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺


تعليقات
إرسال تعليق