نوفيلا صدفة لم تكن عابرة للكاتبة شمس محمد الفصل التاسع والعاشر حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
نوفيلا صدفة لم تكن عابرة للكاتبة شمس محمد البارت التاسع والعاشر حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
نوفيلا صدفة لم تكن عابرة للكاتبة شمس محمد الجزء التاسع والعاشر حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
نوفيلا صدفة لم تكن عابرة للكاتبة شمس محمد الحلقه التاسع والعاشر حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
![]() |
نوفيلا صدفة لم تكن عابرة للكاتبة شمس محمد الفصل التاسع والعاشر حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
جميلة قوية عنيدة ورغم كل دا لسه عني بعيدة
أوشك مصعب على الخروج من غرفته فأوقفه صوت هاتفه، حينها عاد يأخذه من جوار الفراش وهو يقول بسخريةٍ:
بتقفلي في وشي يا نعامة؟ تصدقي يا بت صدق اللي سماكي نعامة فعلًا، تدفسي راسك في الرمل، أخس عليكي.
تنهدت بضجرٍ ثم قالت بلهفةٍ: يابني اسكت بقى! خليني اقولك الكلمتين قبل ما بابا يقفش عليا، اليوم دا أنا شوفت ماجد اللي كان خاطب أختك واقف عند عربيته مع فكري ابن عم رائف، وطبعًا أنا عارفة فكري بما أنه كان صاحب أخويا، بس مش غريبة يعني؟ وبعدين تفتكر دي صدفة يعني انهم يكونوا سوا وبعدها المحل يولع؟
نظر مصعب أمامه بشرودٍ فيما نطقت هي اسمه عدة مرات تلفت انتباهه لكن دون جدوى حيث تحولت نظراته إلى أخرى عدائية.
يا مُصعب، يابني!
صرخت بها عبر الهاتف حينما طال صمته، بينما هو انتبه لها وخرج من دوامة شروده يقول بنبرةٍ حروفها ضائعة:
أنا، أنا معاكِ أهو يا إنعام
تنهدت بضجرٍ ثم قالت بتوترٍ طغى على حروف كلماتها: مش عارفة يا مُصعب بس مش عاوزة أكون ظالمة، الفكرة كلها إن، إن لو فكري دا فعلًا عمل كدا تبقى كارثة
رفع كفه يمسح وجهه ثم أعاد خصلاته للخلف بعدما شدد مَسكته على فروة رأسه، ثم سألها بلهفةٍ يتطلب منها التأكيد:.
إنعام! الحاجات دي مش فيها هزار، متأكدة أنه كان فكري مع ماجد؟ ولا تهيؤات!
ردت عليه بتأكيدٍ تخالطه المعاتبة و اللوم: وأنا هكدب عليك ليه يا مصعب ولا هتبلى عليهم ليه؟ الفكرة كلها إني شوفتهم فعلًا ودا اللي لفت نظري، ولو مش واثق فيا ممكن تسأل مودي
عقد ما بين حاجبيه ثم قال مُندفعًا بنبرةٍ أوشكت على نفاذ الصبر بها:.
أكيد واثق فيكي طبعًا، بس أنا بتكلم إن دي جناية كدا، وعلشان مش عاوز نظلم حد، بس طالما كدا يبقى رائف لازم يعرف، على الأقل ياخد احتياطه
سألته بلهفةٍ تحذره، بعدما ظنت أنه قد يتهور ويذكر اسمها: مُصعب! مش هوصيك بلاش اسمي يتذكر أنتَ عارف بابا صعب ازاي، علشان محد،.
أوقفها عن الاسترسال بنفاذ صبرٍ ثم أضاف مُستطردًا: أنا مش عاوز غباء منك! إزاي يعني هقول اسمك واحطك في مشكلة! متقلقيش الموضوع بعيد عنك تمامًا، أكيد يعني مش هسمح يعني إن سيرتك تيجي، يلا سلام وخلي بالك من نفسك
سألته باندفاعٍ دون ذرة تعقل في الحديث: يا سلام! أنا قاعدة في البيت أخلي بالي من إيه؟
كور قبضته بغيظٍ منها ثم قال من بين أسنانه يحاول كظم غيظه:.
من الدبش! خلي بالك من الطوب اللي بيتحدف علينا من بوقك دا
ضحكت بصوتٍ عالٍ بينما هو ازداد غيظه منها لذلك أغلق الهاتف في وجهها، ثم تحرك من الغرفة وهو يُغمغم بكلماتٍ مُبهمة يُخرج بها غيظه منها.
جلست منة في غرفتها بعدما وضعته في قائمة الحظر و أوصدت في وجهه كل سُبل الوصال، تحاشت النظر لهاتفها حتى لا يزداد ضعفها و تضطر آسفةً إلى إعادته كما كانا من قبل، تنهدت بعمقٍ ولاح على شفتيها ظل ابتسامة أوشكت على الظهور وهي تتذكر مقلبه السخيف مثله، لكن للحق لم تنكر أنه يملك من روح الدعابة كثيرًا تتميز به شخصيته.
تنهدت وهي تبتسم بهيامٍ ثم قالت بنبرةٍ ضاحكة:
عسل، والله العظيم عسل.
في شقة رائف كان يجلس بجوار والدته و في يده الملعقة يأكل من الحلويات التي طلب منها أن تُعدها له، وبعدما قامت بِصُنعها بات يأكل بنهمٍ و شهيةٍ واسعة.
كانت كريمة ترمقه بحيرةٍ من لامبالاته وخصيصًا وهو يأكل بدون انتباه، حيث فقط تعلقت نظراته بالفيلم الانجليزي المُذاع على الشاشة أمامه، و الطبق الثاني في يده، بعدما أنهى الأول.
دون أن ينتبه لما يفعله ولازال في شروده كما هو ترك الطبق الفارغ وحينما امتد كفه نحو الطبق الثالث أمسكت كريمة كفه تردع حركته ورافق حركتها تلك قولها بجمودٍ:
لأ بقى! فيه إيه يالا أنتَ؟ ما تعبرني و قولي حصل إيه، عمال تاكل تاكل وسايبني أكل في نفسي، معندكش ريحة الدم
رد عليها بسخريةٍ: وتاكلي في نفسك ليه؟ كلي من أم على اللي أنتِ عملاها دي حلوة اوي و هتعجبك.
ضربت فخذيها بتحسرٍ على بروده وعلى نمط شخصيته الغريب، بينما هو تنهد بعمقٍ ثم أغلق الشاشة و التفت لها يقول بقلة حيلة:.
ما قولتلك الحمد لله ربنا كرمني و شركة التأمين هتتكفل بكل حاجة، التجديد و التلاجات اللي باظت بالبضاعة بتاعتها كمان، و زي ما أنا بدفع الأقساط بتاعة التأمين، يعني هي هي و كأن اللي حصل دا محصلش أصلًا، غير إن فيه مبلغ هيتصرف ليا أنا علشان التأمين على الحياة، ودا برة الحِسبة أصلًا بس علشان خاطر رامز هيصرفولي المبلغ دا، يعني كرم بزيادة
زفرت بارتياحٍ ثم قالت بوجهٍ مبتسمٍ:.
علشان طول عمرك ابن حلال واللي في إيدك مش ليك أبدًا، فاكر أبوك كان بيقولك إيه يا رائف؟ طول ما النية خير يبقى أكيد هتلاقي الخير، الحمد لله على كرمه و رحمته بيك والحمد لله أنه عوضك بسرعة كدا، شكل هنية رضيت عليك من قلبها بجد
انتبه لجملتها الأخيرة عند ذِكر مَن هي مِن المُفترض أن تكون حماته لذلك ردد خلفها مُستنكرًا:
هنية! مالها؟ و إيه علاقتها.
طفق الحماس على وجهها و ابتسامتها اتسعت شيئًا فَشيئًا، ثم أضافت بلهفةٍ وكأنها تخبره عن موعد تلاقيهم مع الفرحة وليس مجرد موقفٍ عابر من تلك المرأة.
قامت بسرد الموقف و قصت عليه حديثها و عرضها للمبلغ المالي لمساعدته، وحينما انتهت من السرد سألها مُستنكرًا:
يعني هنية جت هنا تعمل كدا! حَِكم والله، طلعت قلبها طري زي أم على كدا؟ كسبنا رضاها عقبال رضا بنتها علينا.
ردت عليه والدته بقلة حيلة: تقول إيه بقى؟ ومش بس كدا دي كمان عاوزاك إنك تشد حيلك شوية علشان تصالح بنتها
ابتسم بسخريةٍ حينما تذكر ما حدث منذ قليل، ثم أطلق زفيرًا قويًا يعبر مدى استياءه، ثم تبعه بقوله:.
عارفة مشكلة هنية إيه؟ عاملة زي التاجر اللي عنده بضاعة حلوة ومن كتر ماهو عارف إنها حلوة أوي عمال يعرض فيها للناس علشان عارف إنها كدا كدا هتتاخد، ميهموش بقى اللي هياخدها هيحافظ عليها ولا لأ، بس اللي همه إن بضاعته تتاخد علشان ميتقالش في حقها حاجة لما تتركن شوية، لحد ما ييجي واحد عامل نفسه بيفهم ياخدها وبعدما بمفيش يرجعهاله تاني، ساعتها يقوله العيب فيك ويفضل كل واحد فيهم يرمي العيب على التاني، هي بقى مش مقدرة قيمة اللي معاها.
ابتسمت هنية على تشبيهه الغريب بينما هو أضاف مُكملًا حديثه:
من أهم الحاجات اللي خدتها في التسويق إن مهما كان المنتج اللي عندك أوعى تقلل من قيمته و تعرضه للكل و ترخصه، لازم تعززه و تعمله قيمة، حتى لو محدش هياخده خالص أو هيفضل معاك بس متبيعهوش رخيص أو ترخص قيمته، هنية مش فاهمة كدا، خلت منة تقلل من نفسها قصاده، لحد ما أفتكر إنها متاحة في كل وقت، رغم أنها غالية و عزيزة و اللي يعرف قيمتها يشيلها في عنيه.
وضعت كريمة كفها أسفل ذقنه وقالت بحبٍ له:
لما بشوف كلامك عنها بفتكر أبوك الله يرحمه، عيشت معاه عمر كامل عمره ما زعلني، وعمره ما ضايقني، ولما اهلي رغم وحاشتهم احتاجوه وقف معاهم، فيك منه كتير يا رائف، ربنا يكتبلك راحة البال يابني
وضع رأسه على فخذها يتنهد بعمقٍ فيما رفعت كريمة كفها تربت على رأسه ثم مسدت على خصلاته وهي تسأله بنبرةٍ ظهر بها أثر ضحكتها المكتومة:
صالحتها يا واد ولا لسه؟
أصدر صوتًا من حلقه يدل على النفي ثم تنهد بثقلٍ واضاف بنبرةٍ ناعمة:
حاولت بس هي اتقفلت مني، رزعتني بلوكات من كل حتة جابت أجلي
شهقت كريمة بفزعٍ فيما أضاف هو بإصرارٍ ولازال كما هو على قدم والدته:
بس مش هيأس أنا عرفت هعمل معاها إيه، فهمت دماغها هيتيجي ازاي
توقف كفها عن السير في رأسه ثم سألته بترددٍ من قولها الآتي:
طب، مش يمكن يعني بعدما سيبتها و طردتها من هنا هي شالت منك و كرهتك؟ كلامك معاها كان رخم أوي.
تنهد بضجرٍ ثم رفع رأسه يقول بثباتٍ و إصرارٍ:
أنا قولتلها كدا من غُلبي يا ماما، بس عينها مقالتش إنها كرهاني، بالعكس باين خوفها عليا وباين إنها عاوزاني، بس أنا اللي غبي
تنهدت كريمة بيأسٍ و قلة حيلة، بينما هو طلب منها بلهفةٍ: بقولك إيه يا ماما؟ ما تجيبي موبايلك كدا عاوزه ثواني
سألته بتعجبٍ: ليه؟ هتعمل بيه إن شاء الله؟
رد عليها بلهفةٍ: عاوزه بس يا ستي متقلقيش.
سحبته من المقعد المجاور لها ثم مدت يدها له وهي تتشدق بنذقٍ:
اتفضل
سحبه منها ثم دلف غرفته يهرب من أمامها، ثم أغلق الغرفة على نفسه وقد جلس على الفراش و نظرات التسلية تلمع في مقلتيه.
أخرج هاتفها ثم أرسل لها صورة طقمين باللون الأسود يناسبها كليهما تقريبًا ثم كتب اسفل الصور مُتصنعًا للحزن:
اختاري الطقم اللي هتيجي تعزيني فيه، شايف إن اللي فوق أحلى.
فتحت الرسالة وقد تعجبت من ظهور رقم والدته بينما هو ازداد العبث في نظراته خاصةً حينما وجدها تكتب له، انتظر لمدة ثوانٍ مرت سنون حتى وصلته رسالتها فوجد بها الآتي:
البقاء لله يا سيدي، برضه مليش لازمة علشان احضر العزا، خليه بقى لبنت الحلال اللي هتليق بيك، أنا مش نفعاك خلاص
تنهد بثقلٍ ثم أرسل لها بسرعةٍ: مين ابن الكداب اللي قال كدا، أنا مش نافعني غيرك أنتِ.
قرأت رسالته وقد ارتسمت البسمة الهادئة على وجهها، بينما هو اختتم رسالته بمقطع موسيقيِّ ثم أرسل لها كتابةً:
اسمعيه قبل ما تعمليلي بلوك
رافق رسالته تلك رمزًا تعبيريًا يدل على الغضب وكأنه يأمرها، بينما انتظرت هي تحميل المقطع الصوتي ثم أضافت رقم والدته لقائمة الحظر لكي تعانده فقط.
فتحت المقطع ظنًا منها أنه رومانسيًا يعبر به عن حبه لها، لتتفاجأ بالمقطع كلماته:.
قاسي قاسي قاسي وجرح احساسي، راح اسيبه يقاسي وراح ابكي عنيه، ناسي ناسي ناسي حبي واخلاصي،
شهقت منة بقوةٍ فور استماعها لتلك الكلمات ثم قالت بتوعدٍ:
أنا قاسي! أقسم بالله قولت توكسيك محدش صدقني، ماشي، ماشي يا رائف، يا توكسيك
صرخت بها في الهاتف وكأنه أمامها، بينما والدتها دلفت الغرفة بعدما طرقت طرقات خفيفة، فتركت منة الهاتف ثم قالت بأدبٍ:
تعالي يا ماما خير فيه حاجة؟
جلست على الفراش مقابلةً لها ثم سألتها وهي مبتسمة الوجه:
آه، عاوزة اتكلم معاكِ ممكن؟
حركت رأسها موافقةً ثم اعتدلت في جلستها تجمع ساقيها أسفل جسدها، بينما هنية استجمعت شجاعتها ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
أنا ملاحظة إنك حابة رائف يا منة، صح؟ خدت بالي إنك حباه و إنك عاوزاه، صح؟
أخفضت رأسها تهرب من استجواب والدتها بل تتحاشى الجواب، لذلك رفعت هنية رأسها حتى تتواجه نظراتهما، فقالت هنية بنبرةٍ هادئة:.
حباه يا منة، أنتِ حابة رائف وباين في عينيكِ، لو كدا ربنا يكرمك يابنتي أنتِ وهو وخدوا خطوة مع بعض
تنهدت منة ثم قالت بنبرةٍ مختنقة:.
مصيبتي أني حبيته، أو جايز كنت بحبه أصلًا، رائف معايا بتلقائيته، وأنا معاه كنت على طبيعتي، حسيت أني مش خايفة، وحسيت أني مبسوطة، طول ما أنا مع ماجد بفكر في كل حاجة، بخاف حتى من الكلمة اللي بقولها، بس رائف مش كدا، هو غبي و متهور بس كفاية أن هو بيطمني، في فرق بينهم يا ماما، يوم واحد بس مع رائف بكل الأيام اللي مع ماجد، لو هختار بينهم يبقى نار رائف ولا جنة ماجد.
ابتسمت هنية لها ثم قبلت قمة رأسها وقالت بنبرةٍ هادئة:
لما شوفتك فرحانة بسبب رائف و ضحكتك منورة و لما شوفت خوفك وقوفك قدام ماجد علشانه عرفت إنك حباه من قلبك و عاوزاه، ساعتها بس خدت بالي إن منة دي غير منة دي، لو عليا عاوزة اللي كانت مع رائف علطول
ابتسمت منة ثم سألتها بحماسٍ:
يعني أنتِ راضية عنه؟ موافقة أني أكون معاه خلاص؟
ابتسمت لها ثم قالت بقلة حيلة: موافقة ياختي، عقبالك لما توافقي أنتِ كمان.
احتضنتها منة بحماسٍ تبتسم بسعادةٍ بالغة وكأنها طفلة صغيرة حازت على موافقة والدتها في نزهة بعيدة عن البيت، بينما هنية ربتت على ظهرها ثم قالت بتمني:
ربنا يسعدك يا بنتي وإن كان من نصيبك ربنا يكرمك بيه إن شاء الله، و يكتبلك الفرح معاه هو
يا رب يا ماما، يا رب.
حل الليل و أسدل ستائره على الجميع لتغطي عتمته الدروب و ظهرت بها النجوم، وقف رائف في الشرفة يستند بكفيه على درابزون الشُرفة يستنشق الهواء الطلق ويدخله مباشرةً داخل رئتيه، بينما منة خرجت تقف في الشرفة بعدما زارها الأرق من كثرة التفكير في شتى الأمور المُختلفة و قد حاز رائف و الصغير مالك جزءًا كبيرًا من تفكيرها.
لاحظها رائف من شرفته فابتسم بمرحٍ ثم حمحم بخشونةٍ وقال:
بِس بِس، عندكم مَشابيك؟
رفعت رأسها تطالعه بفزعٍ وحينما وجدته مُبتسمًا زفرت بقوةٍ ثم دلفت و أغلقت الباب بعنفٍ حتى وصله الصوت فضحك رغمًا عنه وهو يقول بسخريةٍ:
عنيفة منة دي، شكلها كدا عاوزة الشبابيك و الأبواب الوميتال.
في غرفة مُصعب بعد عودته من الأسفل ظل يتقلب على الفراش في حيرةٍ كونه غير قادرًا على إخبار رائف بما علمهُ هو، أخرج زفيرًا قويًا ثم رفع جسده على الفراش يقول بضجرٍ:
خلاص أقوله وهو يتصرف، ماهو ممكن حد منهم يأذيه على الأقل ياخد أحتياطه منهم
أخذ قراره ثم أغلق الضوء و ألقى جسده على الفراش بعدما قرر الاستسلام أخيرًا لتلك الفكرة يُسكت بها عقله.
في صباح اليوم التالي المُثير من حيث القادم و الأحداث، نزل مُصعب لعمله مُقررًا التحدث مع رائف بعد عودته من العمل، و كذلك ذهبت منة لعملها كعادتها لكن ذلك اليوم اعتلى الضيق و الحزن ملامحها حزنًا على الصغير كونه أكثر الطلاب قُربًا منها.
كانت في الفصل الدراسي بعدما أنهت الشرح للصغار وقد شارف وقت تناول الطعام، فجلست على المقعد وقبل أن تخبرهم بتناول الطعام، دلفت المساعدة التي تعمل بالمكان وهي تقول بنبرةٍ هادئة و أدبٍ:
ميس منة، فيه واحد برة عاوز حضرتك بيقول الموضوع حياة أو موت
عقدت حاجبيها وبدا التعجب واضحًا على معالم وجهها وهي تسأل باستنكارٍ:
واحد! غريبة يعني، علطول اللي بتيجي هنا بتكون واحدة.
ابتسمت الفتاة بخفةٍ فيما تحركت منة تترك المقعد ثم قالت للفتاة:
خلي بالك منهم يا جنى معلش
حركت الفتاة رأسها موافقةً فخرجت منة من الروضة فوجدته أمامها يبتسم باستفزازٍ، شهقت بقوةٍ ثم اقتربت منه تسأله بهمسٍ حانقةً على تواجده:
أنتَ بتعمل إيه هنا! خير
رد عليه بمشاكسىةٍ:
جاي أطل على النجوم
زفرت بقوةٍ ثم عضت شفتها بغيظٍ منه، بينما هو رمقها باستخفافٍ يقلل منها ثم قال بتهكمٍ:.
بعدين ازاي متجيش العزا! إيه قلة الأصل دي؟ علشان تعرفي أني أجدع منك ومن عيلتك كلها
رفعت حاجبها فزفر هو ثم رفع كفيه بحقيبتين بلاستيكيتين فسألته بتعجبٍ:
إيه دا؟ بتوع مين دول؟
رد عليها مُفسرًا بملامح ساخرةً:
دا باتيه
إيه؟
نطقتها باستنكارٍ فابتسم هو لها ثم أضاف بنبرةٍ ضاحكة:
مش هقولك ألعب بليه بقى وشغل العيال الصغيرة اللي زيك كدا، بس بِ لغة أمك هنية دا كرواسون
تبدلت نظرتها إلى التوعد، فأضاف هو مفسرًا ببراءةٍ:.
دا باتيه رحمة ونور على روح المرحوم اللي أنتِ السبب في موته
لم تستطع الصمود أمامه أكثر من ذلك، حتى اختفت نظرة الجدية و القسوة التي حاولت الاتصاف بها، وما إن أوشكت على الابتسام له بل و الضحك أيضًا التفتت على الفور تُخفي نفسها عنه، ليصلها صوته من خلفها يقول بمرحٍ:
يا سلام! هو دا الكلام
لقد ازداد الأمر سوءًا و ارتفع صوت ضحكاتها و افتضح أمرها، حينها التفت يقف أمامها يهتف بصدق:.
عارف إنك زعلانة و عارف أني عكيت الدنيا و يعتبر اتخليت عنك، بس والله كان من غُلبي، كل اللي عاوزه فرصه منك يا منة، ممكن؟
استطاع بصدق حديثه أن يلفت قلبها نحوه فلم تقوى على تصنع الجمود أكثر من ذلك، بينما هو مد يديه لها بالحقائب وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
امسكي بقى دول خلي العيال تاكل و تتبسط
عاد عنادها لها من جديد وقالت بإصرار:
لأ شكرًا مش عاوزة منك حاجة، اتفضل كفي نفسك بقى.
ضيق جفونه ثم سألها مُغيرًا مجرى الحديث من الأساس:
ثانية واحدة! فُكي البلوك
حركت رأسها نفيًا فأضاف بتأكيدٍ:
فكي البلوك بقولك أحسنلك
حركت رأسها نفيًا بإصرارٍ ثم أضافت بنبرةٍ ثابتة:
مش بمزاجك، بمزاجي أنا، صحيح هديلك فرصة بس مش دلوقتي لما احدد
تحولت نظراته و نبرته إلى الهمس الحانق وهو يقول:.
أقسملك بالله لو ما فكيتي البلوك لأدخل للعيال الصغيرة اللي جوة دي أقولهم إنك كنتي ماشية معايا و دلوقتي عاوزة تخلعي مني، تحبي تجربي حظك؟
اتسعت عينيها بهلعٍ بينما انتظر هو أن تقوم بأية رد لفعله، وحينما طال صمتها تقدم بجسده خطوةً واحدة لكي يدخل للداخل، حينها تحركت هي بجسدها تمنع دخوله وهي تقول بلهفةٍ:
خلاص خلاص هفكه أهو.
أخرجت هاتفها لكي تنفذ ما أراده هو وقبل أن تفعل ذلك هتفت كاذبةً: مش معايا نت، الباقة خلصت
تحولت نظرته إلى الخبث المُغلف بالغموض وهو يطالعها: بسيطة هفتحلك أنا hot spot مجيتيش في جمل يعني
حاولت التحكم في نفسها ألا تنفجر في وجهه ثم قامت بتنفيذ ما أراد هو وصدر من قِبله ثم أدارت الهاتف في وجهه وهي تقول بضجرٍ:
اتفضل أهو فكيته.
أسبل عيناه نحو الهاتف ثم ابتسم بظفرٍ ما إن تأكد من تنفيذ ما أرادته، لذلك مد يده لها بالحقائب وهو يتشدق بنذقٍ:
يا شيخة تعبتيني، امسكي بقى الباتيه دا علشان شكله بايت باين كدا وأنا مش هقدر آكل كل دا
ضحكت رغمًا عنها من طريقته وسخريته، بينما أشار في وجهها بسبابته يحذرها بقوله:
أكلي العيال بطلي طفاسة أنتِ.
ازدادت ضحكتها أكثر بينما التفت يغادر المكان وقبل أن يفعل ذلك أوقفته بقولها المُتلهف حينما خطرت ببالها فكرةٌ:
رائف! ينفع تيجي معايا نتطمن على مالك ابن باسل قريبك بعدما أخلص؟ وقبل ما ترد عليا دا طفل صغير ملهوش علاقة بأي خلافات بينكم، غير كدا أنا وهو صحاب أوي و يعتبر من أقرب الاطفال هنا ليا، ممكن؟
تنهد رائف بضجرٍ وحينما لاحظت تردده قالت بثباتٍ:.
دا أول طلب أطلبه منك يا رائف، ممكن تيجي معايا وافتكر أنه عيل صغير!
أخرج زفيرًا قويًا ثم أضاف: بس خلي بالك! دي أول مرة أخلف عهد وارجع في كلمتي، لأني قطعت عهد أني مدخلش ليهم بيت، بس هعمل كدا علشانك أنتِ وعلشان متكونيش هناك لوحدك.
ابتسمت له بينما هو ترك المكان وخرج بعدما ابتسم لها، فنظرت في أثره بحبٍ وهي تفكر في إصراره ومحاولاته للوصول لها و الحصول عليها وهي من اعتادت دومًا أن تكون في محله، وتصر لأجل الأخرين، لكن تلك المرة هو يصر ويحارب لأجلها.
أنهت منة عملها بعد رحيله ثم نزلت من الروضة فوجدته أمامها ينتظرها في الأسفل وقد بدل ثيابه بأخرى عبارة عن سترة قطنية تيشيرت باللون الاسود نصف ذراع كُم ظهرت من أسفله عضلات جسده الطبيعية التي لم تكن مبالغًا بها، واسفلها البنطال باللون الزيتي و الحذاء باللون الابيض به خطوط من نفس لون البنطال.
ابتسمت حينما رأته أمامها بتلك الهيئة فاقتربت منه تسأله بتعجبٍ:
إيه الشياكة دي أومال فين الطقم التاني؟
رد عليها بزهوٍ في نفسه: أنا راجل نزيه بحب أدلع نفسي، عندك اعتراض يا ست؟
حركت رأسها نفيًا فأشار لها أن تتقدمه في السير وقد سار بجانبها بعدما تحركت هي، فسألته باهتمامٍ بعدما لاحظت صمته:
مالك ساكت ليه؟
حرك كتفيه ببساطةٍ ثم أضاف: عادي مش حابب فكرة أني أروح عند باسل وخايف تقولي أني قلبي جامد، بس لما فكرت قولت على رأيك يعني دا عيل صغير ملهوش دعوة بحاجة، ربنا يشفيه هو واللي زيه وكل مريض.
ابتسمت بعد حديثه ثم قالت: طب ما أنتَ هادي أهو و عاقل أومال مصدرلي الجنان ليه طيب؟
ابتسم رغمًا عنه بينما استمر السير بينهما في صمتٍ حتى وصلا إلى أسفل بيت باسل فتنهد بضجرٍ يعبر عن مدى استياءه، فقالت له بنبرةٍ هادئة تحثه على الاستكمال:
علشان خاطري شوية و هننزل.
حرك رأسه موافقًا ثم صعد معها نحو الأعلى بعدما قد سبق وسألت هي حارس العقار عن رقم الشقة، وقفت هي أمام الباب تطرقه وهو بجوارها وقبل أن يُفتح الباب قال هو بنبرةٍ هامسة:
لو هو مش جوة مش هينفع أدخل، هتطمن عليه من على الباب و أمشي تاني.
حركت رأسها موافقةً وقد فُتِح لهما الباب و طَلَّ منه فكري الذي نظر لهما بدهشةٍ حتى بدا وقوفهما أمامه ماهو إلا حُلمًا، ولكن في وجود رائف بالطبع هو أبشع كابوس قد يواجهه على الإطلاق.
حينما رآه رائف تقدم بجسده يخفيها خلفه ثم قال باستفزازٍ:
باسل موجود!
زاغ بصر فكري عليها ثم عليه هو وحينما لاحظ نظرات رائف أشار لهما بالدخول وهو يقول:
آه اتفضلوا،.
دلف رائف أولًا وهي خلفه تُخفض رأسها باستحياءٍ فقد انتظر رائف حتى جاورته فأشار لها أن تتقدمه، ثم التفت يحذر الأخر بقوله:
لو عينك اترفعت فيها، هقفلهالك
تحرك بعد جملته حيث غرفة الصغير الذي رقد على الفراش وما إن طلت عليه منة شهق الصغير بفرحةٍ وهو يقول بغير تصديق:
ميس منة!
ابتسمت له ثم قالت التحية للجميع ناطقةً بتهذيبٍ:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ردوا عليها التحية جميعهم و كذلك جد الصغير و جدته أيضًا، فيما اقتربت هي تقبل رأسه ثم قالت محاولةً اخفاء تأثرها:
ايوا ميس منة، شوفت غلاوتك عندي بقى خلتني أجيلك هنا و أنتَ عارف إن دا معاد نومي، بس يلا أبسط كسرت القاعدة علشانك.
ابتسم الصغير لها ثم فارق ذراعيه عن بعضهما لكي يحتضنها، وقد وصل رائف في تلك اللحظة ليبتسم على علاقتها بذلك الصغير، لاحظوا البقية وقوفه وهو الغير متوقع على الإطلاق بل من العجائب أن يقف رائف هنا، لكنه قال بنبرةٍ هادئة:
السلام عليكم
لاحظه مالك فكرر ما فعله مع منة وهو يقول مستنكرًا تواجده هنا:
عمو رائف! أنتَ جيت علشاني
ابتسم له رائف ثم تحاشى النظر في أوجه البقية و اقترب منه يقبل كفه ثم قال له:.
ولو مجيتش علشانك هاجي علشان مين يعني؟ بذمتك حد من الأشكال دي ينفع أجيله؟
ظهرت الهمهمات المُضجرة من قوله من فكري و كرم والده، بينما باسل ابتسم رغمًا عنه حتى تفاجأ بقول صغيره يقول ببراءةٍ:
آه، ميس منة تستاهل، هو أنتَ جاي معاها إزاي؟ هي بقت صاحبتك أنتَ كمان زيي؟
ابتسموا على برائته، فيما قال رائف يشاكسه: لأ المصاحبة دي للعيال الصغيرة اللي زيك كدا، إنما أنا هتجوزها عقبالك كدا لما تكبر وتحب و تتجوز اللي عاوزها وهي كمان عاوزاك
كان يرسل بكلماته رسالةً ذات مغزى يريد هو إيصالها لهم حتى يتأكدوا من اختيارهما لبعضهما.
تحدث الصغير موجهًا حديثه لها: ميس منة الواجب خلصته خدوا حاجة جديدة النهاردة؟
حركت رأسها نفيًا ثم جاوبته مبتسمة:.
لأ متخافش راجعت على القديم لحد ما ترجع تاني يا بطل وتنور الحضانة، كلهم هناك مستنينك على فكرة
ابتسم لها ثم قال بفرحةٍ: ماما وخالتو ميادة قالولي إن الدكتور هيخليني انام و مش هحس بحاجة خالص، صح!
حركت رأسها موافقةً، فاقترب منه رائف يضع في يده ظرفًا وهو يقول بهدوء:
دي علشان تجيب حاجة حلوة ليك، لحد ما إن شاء الله أفتح المحل تاني و اجيبلك منه حاجة حلوة
رد عليه الصغير بمرحٍ:.
جدو كرم برضه اداني فلوس أجيب حاجة حلوة، هحطهم مع دول
نظر رائف بسخريةٍ لخاله ثم نظر للصغير يقول بتهكمٍ:
حبيبي! جدو كرم اسمه وصفاته زي الرز بلبن والملح كدا ملهمش علاقة ببعض، علشان متتعشمش بس لا سمح الله
زفر كرم ثم قال تشدق بنذقٍ:
اللهم طولك يا روح، الصبر يارب
تحدث باسل مُلطفًا للأجواء: بس نورتنا يا رائف، نورتي يا آنسة منة، تسلم رجليكم.
رد عليه رائف بهدوء: متقولش كدا يا باسل، ربنا يقومه بالسلامة إن شاء الله و يحوش عنه، عن اذنكم بقى، يلا يا منة
حركت رأسها موافقةً ثم فتحت حقيبتها تخرج منها كراسة ألوان خاصة بالصغار تقدمها له وهي تقول بوجهٍ مبتسمٍ:
دي علشانك، ولما تقوم تاني عاوزاك تجيبهالي كلها متلونة، هستناها منك يا مالك
حرك رأسه موافقًا ثم أرسل لها قبلةً هوائية، فربتت على خصلاته ثم قالت:
ألف سلامة عليك يا رب.
تحركت بعدما تحدثت مع الصغير نحو دنيا والدته ثم ربتت على كفها وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
ربنا يطمن قلبك عليه و يخرج بألف سلامة إن شاء الله، بإذن الله ربنا هيشيل عنه التعب
حركت دنيا رأسها ثم قالت بصوتٍ مختنقٍ تحاول منع البكاء:
يارب يا منة، يارب ادعيله بالله عليك
خرجت نحو الخارج فوجدت رائف ينتظرها وبجواره باسل فقال الأخير ممتنًا له:
ألف شكر يا رائف، ربنا يكرمك يارب و نجيلك في الفرح إن شاء الله.
رد عليه رائف بثباتٍ: لا شكر على واجب، مالك ابن اخويا حتى لو أبوه مش عاوز كدا، ربنا يشفيه إن شاء الله
سأله باسل بأسى: عملت إيه في المحل يا رائف؟ ربنا يعوض عليك إن شاء الله
حرك كتفيه ثم قال: أهو اللي فيه الخير يقدمه ربنا
ربت على كتفه وهو يقول: إن شاء الله خير يا رائف، ربنا يعوضك إن شاء الله، لو عاوز الفلوس اللي قولتلك عليها ممكن اسحبهم من السوق، بس تقوم من تاني.
حديثه ونبرته الصادقة جعلت رائف يباغته بقوله مندفعًا:
باسل! بالله عليك أنتَ معملتش كدا فيا؟ مش أنتَ اللي عملتها
وقفت منة مصدومة تتابع حديثه مع قريبه، بينما باسل تنهد بعمقٍ ثم قال:
عارف إنك حقك تفكر كدا ومش هلوم عليك يا رائف علشان اللي عملته يخليك تفكر فيا كدا، بس اتطمن حتى لو عملت كدا حقك وصل وابني أهو بيضيع مني
اقتربت منة تقول بأسفٍ:.
رائف مش قصده كدا يا أستاذ باسل، هو بس مصدوم و اللي حصل كان صعب ومش صدفة خالص، ربنا يقوملك مالك بالسلامة إن شاء الله
قبل أن يرد عليها باسل أو حتى ينطق رائف صدح صوت الهاتف الموضوع على الطاولة العالية حاوية الأحذية بجوار باب الشقة فوقع بصر رائف على اسم المتصل دون قصد فوجده مُسجلًا باسم ماجد، حينها وزع بصره بين الهاتف وبين باسل الذي نظر له بتعجبٍ من نظرته الغريبة تلك.
10=نوفيلا صدفة لم تكن عابرة للكاتبة شمس محمد الفصل العاشر
طَلتها دومًا كما شروق الشمس لبائسٍ عاش حياته في الظلام كئيبًا.
وقع بصر رائف على اسم المتصل بدون قصد أو تعمد منه لذلك وقد رآى الاسم مُسجلًا ب ماجد رفع حاجبه وهو ينظر في وجه باسل الذي بدا مُتعجبًا من صمته و نظراته وفي تلك اللحظة أتى فكري من الداخل بخطوات أقرب للركض حتى اصطدم في منة التي كانت تقف في توازي مع مقدمة الرواق، بينما هو لم ينتبه أنه اصطدم بها وأكمل سيره نحو الهاتف يخطتفه من على الطاولة، فتحدث رائف بطريقته الفَظة دومًا حينما انتبه لاصطدام الأخر بها:.
هتفضل طول عمرك جاموسة كدا؟ تور بينطح وخلاص، ما تفتح ياعم!
رد عليه فكري بلهفةٍ وهو يطالع الهاتف و يحاول غلقه بعدما رآى اسم المتصل:
معلش، أصل دا تليفون مهم في مصلحة تبع الشغل، لامؤاخذة، معلش يا آنسة
حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم بارتباكٍ، بينما رائف راقبه حتى انسحب من أمامهم ودلف مُجددًا، فتنهد باسل بضجرٍ ثم قال محاولًا اصلاح ما يمكن إصلاحه:.
معلش يا رائف، بس هو طبعه غريب شوية كدا، معلش هو مرتبط بمالك و متوتر علشانه
حرك رأسه موافقًا بقلة حيلة ثم قال:
كدا كدا هو مش فارق معايا أصلًا، ربنا يتمم شفا ابنك على خير يا رب و يرجعلك بالسلامة، يلا يا منة
حركت رأسها موافقةً ثم اقتربت منه وقبل أن تخرج من الشقة قالت بأدبٍ لذلك الواقف خلفها:
عن اذنك يا أستاذ باسل، ربنا يتمم شفاه على خير و تفرح بيه إن شاء الله.
ابتسم لها بمجاملةٍ فيما فتح رائف الباب و خرج من الشقة و هي خلفه، وقد نظر باسل في أثرهما بوجهٍ مبتسمٍ ثم دلف الشقة بعدما ودعهما و أغلق الباب وتأكد من ركوبهما المصعد.
دلف باسل وعلامات الراحة تبدو على وجهه، فسأله كرم بتهكمٍ: يا سلام؟ مبسوط أوي يا أخويا إن ابن كريمة جالك؟ وشك نور اوي وفرحان؟
تنهد باسل بقلة حيلة ثم تحدث مؤكدًا حديث والده بثباتٍ: آه مبسوط عارف ليه؟ علشان هو جه هنا يشرفنا، و أظن لو هو وحش مكانش هييجي هنا بعد كل المشاكل دي، بطلوا بقى عقدتكم منه علشان أنا خلاص صفيتله وربنا يكرمه إن شاء الله
رمقه فكري بغيظٍ منه ثم لوح بذراعه في الهواء وهو يقول مُحتجًا على تصرف ابنه الأهوج من وجهة نظره: خليك أنا مالي، أنتَ الخسران كدا كدا أنا مش عاوز حاجة أنتَ و المحروس اللي عاوزين.
انفعل باسل من طريقة والده، لذلك تحدث منفعلًا دون أن يضبط نفسه: مش عاوز حاجة غير إن ابني يقوملي بالسلامة و يرجع البيت ينور تاني بلعبه فيه، أظن دا اختبار من ربنا وأنا لحد كدا اتعشت معايا، ربنا يكرم رائف ويعوض عليه إن شاء الله و يقوم محله من تاني، طلعوه من دماغكم بقى.
كان فكري يقف مُرتبكًا خصيصًا وهاتفه يصدح بنفس الرقم، فسأله باسل بنفاذ صبرٍ: ماترد بقى على الزفت دا ولا اكتمه خالص، جابلي صداع، مين اللي بيرغي كدا؟
تصنع الثبات رغم جبينه المُتندي بالعرق و توتر أعصابه البائن للعيان وهو يقول بفتورٍ: لأ متشغيلش بالك دا واحد عاوزني في مصلحة كدا، بصراحة هحاول اقضيها بس حوار مالك دا لخفني.
تحدث مالك بنبرةٍ طفولية: متزعلش يا عمو فكري، أنا هبقى كويس، طلبت من ربنا أني أخف زي ما ميس منة قالتلي قبل كدا، متزعلش نفسك
لمعت العبرات في مقلتي فكري تأثرًا بحديث الصغير و براءة قلبه الذي لم تدنسه الأيام بعد، ثم اقترب منه يُربت على خصلاته وهو يقول مُتمنيًا ذلك من كل قلبه:
إن شاء الله يا مالك، ربنا يقومك بالسلامة علشان نلعب سوا تاني، و ترجع معايا علشان نروح الجنينة سوا، هتقوم إن شاء الله.
حرك الصغير رأسه موافقًا يبتسم له، بينما باسل تتبع بنظره أخيه و حالته وتوتره الذي بدا واضحًا وخاصةً وهو يهرب بنظراته من الجميع، حينها فقط تأكد باسل أن أخيه يخفي عليه سرًا.
كانا يسيران بجانب بعضهما وكان هو صامتًا عن الحديث تمامًا يُفكر فيما رآهُ، لاحظت هي صمته، فمالت برأسها نحوه قليلًا تقول بنبرةٍ مرحة:
تبسم لأجلنا يا أخينا
ابتسم رغمًا عنه ثم نظر لها يقول بمشاكسىةٍ وهو يقول:
بس كدا؟ و نضحك لأجل عيونِك كمان.
ابتسمت إثر جملته تلك بينما هو لَمَح ببصره محلًا على مقدمة الطريق فزاد الانتعاش لديه خاصةً مع تحول الشمس إلى اللون البرتقالي، فأشار لها نحو المحل وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
طب تعالي اشربك حاجة طيب، أنا مش بخيل يعني، تعالي
حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم له، بينما هو تحرك بجوارها حتر مر كليهما من بين السيارات على الطريق، فسألته بنبرةٍ ضاحكة:
هنشرب إيه؟ اختار أنتَ
رد عليها بزهوٍ مشيرًا على نفسه بالحديث:.
هضحي و أشربك كوكتيل، اي خدمة دا بيطلع للحبايب بس، عاوزة حاجة معينة؟
حركت رأسها نفيًا ثم جلست حيث أشار هو ثم سحب مقعدًا وجلس مقابلًا لها، ثم أطلق زفيرًا قويًا فسألته باهتمامٍ:
مالك يا رائف؟ فيه حاجة مزعلاك؟ شكلك متضايق رغم إن باسل و مالك رحبوا بينا ومقابلتهم كانت حلوة أوي
رفع عيناه نحوها ثم قال بتخبطٍ و تشوشٍ ظهر في حديثه:.
متضايق يا منة، حاسس أني متلخبط و خايف أكون بظلم حد، واحساس تاني بيقولي متسيبش حقك ليهم، مش عارف ومش فاهم
اقترب العامل بالمكان يأخذ الطلبات منهما ثم تحرك من المكان بعدها، سألته هي بلهفةٍ أعربت عن مدى اهتمامها به:
مين طيب اللي زعلتك؟ لو أنا فأنا كنت برد على الفعل بتاعك لما تخليت عني، حسيت إنك مش عاوزني وأنك مع أول مشكلة بتسيب أيدي وأنا كنت قررت أني اثق فيك
زفر مُستسلمًا ثم قال بنبرةٍ ضائعة:.
مش منك يا منة، أنا معرفتش ازعل منك و أنتِ مش عاوزاني، بس دماغي مسوحاني وخايف في الأخر أندم، خايف اسيب حقي وابقى اختارت أنا أخسر حقي، وخايف أمشي ورا دماغي تطلع دي كلها هلاوس وابقى ظلمت حد
انتبهت لحديثه فسألته: هو أنتَ شاكك في حاجة يا رائف؟ فيه حاجة مخلياك تشك في حد؟، آه علشان كدا كلمت باسل وقولتله كدا؟
قالت جملتها الأخيرة وكأنها انتبهت لتوها عن حديثه مع قريبه، فيما تنهد هو بعمقٍ ثم قال بترددٍ:.
كنت شاكك فيه، بس حاليًا شاكك في حد تاني ولو طلع هو الله في سماه ما هعتق حد فيهم
ضيقت جفونها تطالعه باهتمامٍ تحاول سبر اغواره ومعرفة ما يُخيم على تفكيره، وقبل أن تسأله وصل العامل يضع امامهما المشروبات، فتنهد بعمقٍ ثم أشار لها برأسه وهو يقول:
اشربي العصير و سيبك من أي حاجة، دي لحظة تاريخية هسجلها في التاريخ، قاعد مع منة كدا عادي
ضحكت رغمًا عنها وهي تقول: يا سلام؟ مالها منة يعني؟ بنت زي أي بنت يا رائف.
ثبت عيناه عليها وهو يهتف بصدقٍ كما نطقت به نظراته: يمكن من وجهة نظرك إنك زي أي بنت، بس بالنسبة ليا مفيش ليكِ زي ولا شبيه
أخفضت رأسها في خجلٍ منه ومن حديثه الهاديء، بينما هو تحدث يقول بمشاكسىةٍ:
يا سلام! هو دا الكلام
تحولت بسمتها الخجولة إلى ضحكة خافتة نجحت في كتمها قدر المستطاع بينما هو أخرج هاتفه يقول بنبرةٍ ضاحكة:.
يلا نتصور بقى سوا بدل صورة قراية الفاتحة اللي أخوكِ بيذلني بيها دي، موافقة ولا مش عاجبك؟
ردت عليه بنبرةٍ ضاحكة: لأ عاجبني يا سيدي، بس ربنا يهديك عليا لحد ما ناخد خطوة بقى
ضحكت عينيه وهو ينظر لها، بينما هي سحبت منه الهاتف تحاول مداراة خجلها فزادت ضحكاته عليها ولم ينكر سعادته بها معه، لطالما كانت كما النجوم عنه بعيدة، والآن أصبحت مجرته بكافة المدارات بل كوكبه وعالمه أيضًا.
وصل سويًا أسفل البيت مع بعضهما، فوقف هو أمام المحل فسألته بتعجبٍ:
وقفت ليه هنا؟ مش هتطلع
رد عليها مُبتسمًا بفرحةٍ تشبه فرحة الأطفال الصِغار وهو يقول:
الناس هتيجي دلوقتي علشان يبدأوا توضيب المحل، وشك وشك خير طول عمرك عليا
ابتسمت هي الأخرى بحماسٍ وهي تسأله بلهفةٍ: بجد؟ طب الحمدلله ربنا يكرمك إن شاء الله ويرجع أحسن من الأول يا رب، ربنا يعوضك بالخير يا رائف.
اقترب منها خطوةً وهو يقول بنبرةٍ هامسة بعدما تشكل العبث على ملامح وجهه:
طالل على النجوم و واقفة معايا وشاربين كوكتيل سوا، تفتكري فيه عوض أكتر من كدا؟ مأظنش فيه أحلى من إنك تكوني ليا
ضحكت رغمًا عنها بينما هو سألها بمشاكسىةٍ كعادته منذ أول لقاءٍ لهما:
يا سلام! هو دا الكلام.
تنهدت بعمقٍ ثم قالت بحماسٍ: عن اذنك بقى هطلع علشان اتأخرت أوي عليهم و بابا ميعرفش أني كل دا هكون معاك، أبقى طمني عملت إيه مع العُمال
حرك رأسه موافقًا ثم قال بمرحٍ يشاكسها:
آه ما أنتِ فكيتي البلوك بقى
رمقته بيأسٍ تحاول كتم ضحكتها ثم لوحت له تودعه وصعدت إلى البيت، بينما هو تشكلت الراحة على مُحياه وهو يراقب أثرها حتى أتاه صوتٌ من خلفه يقول بنبرةٍ هادئة:
مساء الخير يا أستاذ رائف، اتأخرت عليك؟
التفت ينظر لصاحب الصوت ثم قال مُبتسمًا بتفهمٍ وبنبرةٍ ودودة: لأ أبدًا يا أستاذ معاذ، في وقتك مظبوط بالتمام، بتعبك معايا معلش بقى
رد عليه معاذ بدون تكليف: يا باشا متقولش كدا اعتبرني أخوك، دا أنتَ أول عميل أحس كدا إنه زيي ابن بلد
ابتسم له رائف وهو يقول ممازحًا له:
طالما يا باشا بقى، يبقى اقعد كدا يا معلم و ريح اطلبلك حاجة تشربها، شكلك كدا ابن بلد مجدع زيي.
جلس معاذ على المقعد حيث أشار رائف بينما الأخر سحب مقعدًا من المحل المجاور له وهو يستأذن صاحبه بقوله:
لامؤاخذة ياعم محمد عاوز الكرسي في كلمتين على انفراد
ابتسم له صاحب المحل فيما تحرك رائف وجلس على المقعد بجوار معاذ الذي أشار للعمال ثم قال بنبرةٍ هادئة:
يلا يا رجالة أبدأوا، ورونا الهِمة
سأله رائف بتعجبٍ: هو حضرتك جاي علشاني ولا دا علشان شغلك يعني؟
ابتسم له معاذ ثم قال بنبرةٍ ضاحكة: لأ طالما مش لابس بدلة يبقى كدا برة معاد الشغل، اديك شايف لابس قميص جينز أهو يبقى كدا جايلك بشكل ودي
ابتسم رائف ثم سأله: ودا علشاني يعني؟
حرك كتفيه ثم قال بقلة حيلة: معرفش ارتحتلك كدا بصراحة و شايفك ابن حلال قولت موجعش دماغك مع الصنايعية
ربت على فخذه وهو يقول بامتنانٍ له: تسلم يا أستاذ معاذ، موقفك دا جميل في رقبتي
رد عليه الأخر بطلفٍ: معاذ، معاذ بس يا رائف.
“بعد مرور عدة ساعات“
رحل معاذ بعد جلوسه مع رائف و إشرافه على العُمال بالمكان و تسجيل كل ما يقومون به، حتى أغلق رائف المحل حينما أسدل الليل ستائره المُعتمة.
أنهى إغلاق المحل و قبل أن يتحرك كُليًا من أمامه وقف مُصعب خلفه يحمحم يُجلي حنجرته ثم قال بنبرةٍ هادئة:
ازيك يا رائف، عامل إيه؟
التفت له رائف وسرعان ما ابتسم وهو يقول مُرحبًا به:.
يا مراحب يا مراحب، بخير الحمد لله يا أبو نسب إن شاء الله، تعالى اقعد معايا شوية قبل ما أطلع أنام، لأحسن أنا هلكان
ازدرد مُصعب لُعابه بتوترٍ ثم قال بنبرةٍ مهتزة وكأنه يخشى التحدث فيما هو قادم، لكن على كل حالٍ لا مفر من الحديث، لذلك سحب نفسًا عميقًا ثم قال بسرعةٍ:
رائف أنا عاوزك في حاجة مهمة ومش عارف المفروض اقول حاجة زي دي ولا لأ، بس أنا هقول وخلاص.
طريقته و نبرته و لهفة حديثه جعلت رائف يُمعن له بكامل حواسه و تركيزه، فيما أضاف الأخر مُتصنعًا الثبات الذي خالف توتره و خوفه من حديثه المُقبل:
فيه واحد صاحبي من هنا في المنطقة قبل خطوبتي بكام يوم كدا شاف ماجد اللي كان خاطب منة مع فكري ابن خالك، معرفش صدفة ولا هما عارفين بعض أصلًا بس مأظنش أنها صدفة أبدًا يا رائف، يعني يقابلوا بعض وبعدها بكام يوم محلك يحصله كدا؟
أظلمت عينيه باللون القاتم و برزت العروق الحمراء تكسو حول العدستين، بينما مُصعب أضاف مسرعًا حينما رآى تبدل ملامحه:
صدقني أنا مش بقوم الدنيا أنا بس بحذرك تخلي بالك أكتر من كدا، ربنا يسامحني إن كنت ظالمهم بس برضه الحرص واجب، خلي بالك من نفسك يا صاحبي.
ضغط رائف على جفونه بشدة يعتصر مُقلتيه أسفل تلك الجفون التي احكمها كما الأصفاد الحديدية، و كور كفيه بقبضتين قويتين يحاول جاهدًا التحكم في غضبه، فسأله مُصعب وهو يراقب ملامحه و غضبه المكتوم ببالغ الاهتمام:
رائف! روحت فين؟ أنتَ كويس؟
فتح عيناه بسرعةٍ وقد زادت قتامتها و الاحمرار حولها وفقط نطق جُملةً واحدةً بصوتٍ جَهوريًا أوشك على التحشرج و التهدج معًا قائلًا:
أطلع يا مُصعب، أطلع.
راقبه مُصعب بملامح وجه ضائعة، فيما كرر كلمته بنبرةٍ أعلى:
أطلع بقولك
حاول مصعب الاقتراب منه فأوقفه بقوله:
اقسملك بربي لو ما طلعت لا تكون بنهاية كل حاجة بيننا، أطلع و سيبني أحسن، علشان الدنيا ضلمت في وشي.
قرر مُصعب الإنسحاب من أمامه حتى لا يصلا سويًا لنقطة ظلامٍ لا يستطيعا العودةِ منها، لذلك انسحب متقهقرًا بإذعانٍ تام، فيما وقف رائف بعينين مُتسعتين ينظر في اللاشيء أمامه دون أن يحدد إلى أين يصل ببصره أو حتى ما يستقر بذهنه.
في الأعلى صعد مُصعب بتيهٍ وقد تبدل حاله كثيرًا بعدما أخبره لدرجة أنه لام نفسه كثيرًا على تسرعه في إخبار رائف بما حدث، ارتمى على مقعد الانتريه بشرودٍ يفكر في كيفية ملاحقة الأخر، وقد أتت منة من الداخل بسعادةٍ تركض نحوه وهي تقول بحماسٍ:
مكلمتنيش ليه كنت عاوزة منك حاجات من تحت، قابلت رائف النهاردة و قعدنا سوا، بجد كنت مبسوطة أوي.
نظر لها مُصعب باهتمامٍ فتنهدت بفرحةٍ كبرى ثم استرسلت في الحديث دون تعقل أو خجلٍ:.
فاكر كل مرة جيت من برة مخنوقة فيها من ماجد؟ أنسى بقى كل دا علشان الوضع اتغير خالص، كل مرة بشوف رائف فيها أو نتكلم سوا بحس أني طايرة، رغم إن كلامه عادي مش متذوق ومش مبالغ فيه، بس عارفة أكون براحتي معاه، فاكر لما قولتلك عاوزة واحد زيك أكون معاه على راحتي؟ لقيت دا في رائف يا مصعب، لقيت اللي يخليني أحب نفسي وأحب اللي جاي من غير خوف.
ابتسم رغمًا عنه وبدا مُتأثرًا من حديثها و طريقتها التي تمنى أن يراها عليها ذات يومٍ بينما هي ارتمت عليه تطوقه بذراعيها وهي تمازحه بقولها:
خلاص كدا مش هحسد البت إنعام أنها خدتك مني، رائف موجود بس برضه مُصعب الأساس
ضحك بيأسٍ ثم ربت على رأسها وحرك رأسه يقبل جبينها ثم قال بنبرةٍ حاول إخفاء حالته المضطربة بها:
ربنا يسعد قلبك و يكرمك باللي يكون ليكِ النص التاني يا منة.
شددت عناقها له وهي تبتسم بسعادةٍ بالغة لم تتوقع أن يتسبب بها ذات يومٍ ذلك ال رائف، ف آهٍ لو يرأف بحالها لو قليلًا بعدما أصبحت فتاةً أخرى لم تتوقع أن تكن عليها يومٍ ما، لكن لكل مقام مقال، و ها قد نال رائف في القلب أعلى و أرقى مقام.
كان كرم جالسًا بجوار زوجته يشاهدان التلفاز سويًا باندماجٍ حتى صدح صوت جرس الباب عاليًا و يرافقه طُرقاتٍ عنيفة على الباب، حتى انتفض كليهما بفزعٍ، فقالت زوجته بهلعٍ من صوت الطرقات:
استر يا رب، خير مين اللي جاي الساعة دي، فيه إيه يا كرم؟
ركض نحو الباب وخلفه زوجته تضع حجاب رأسها وهي تُغمغم:
استر يا رب، استر يا رب.
فتح كرم الباب فتفاجأ بدفعةٍ باغتته على غفلة يلتصق على إثرها في العمود الخلفي له و رائف يقف أمامه يسأله بنبرةٍ جامدة:
ابنك فين؟
لم يقو كرم على التحدث أمامه في حالته تلك، بينما حاول ازدراد لُعابه فكرر رائف حديثه بنبرةٍ أعلى ولو لم يكن مبالغًا في الحديث، لكانت انشقت الجدران إثر تلك النبرة و ضربه على الحائط المجاور لِخاله:
أنطق! إبنك فين! فكري فين!
اقتربت زوجة خاله تقف خلفه تقول بخوفٍ و نبرةٍ أقرب للبكاء:
وحد الله يا بني، مالك بس وماله، أهدا يا حبيبي، أهدا
حديثها لم يكن في محله في حالته تلك، فبدلًا من أن يقوم بتهدئته، ازداد غضبه أكثر، وقرر هو كشف ما يريد دون أن يكلف نفسه عناء الاهتام بذلك العجوزين، لذلك دلف بخطواتٍ واسعة نحو الداخل حيث غرفة فكري.
فتح بابها كما الإعصار يقتلع الأشجار من جذورها، فوجد فكري يمسك الهاتف بكفيه يحاول الضغط على لوحة المفاتيح ولكن كان للتوتر رأيًا أخر حيث سقط الهاتف من يده فور رؤيته ل رائف في حالته تلك، فيما نطق رائف بنبرةٍ جامدة ممتزجة بالتهكم:
إيه؟ بتكلمه علشان يلحقك؟ وربنا المعبود ما حد هيلحقك مني يا تربية الزرايب أنتَ
ابتلع فكري ريقه ثم تحدث بخوفٍ و صوتٍ حروفه مُتقطعة:.
ث، ثانية بس يا رائف، أنتَ، أنتَ فاهم غلط، استنى
اقترب رائف منه ينقض عليه يُكبل عنقه وهو يهزه في يده بعنفٍ تزامنًا مع قوله بنبرةٍ أعربت عن جَمَّ وجعه و انكسار روحه:
ليه؟ ليه يا فكري تحرق قلبي كدا؟ ليه تحط ايدك في أيد الغريب علشان تكسر أخوك؟ ليه يا جدع؟ دا أنا كنت بشيلها من بوقي و أديهالك، عملت أيه ليك استاهل تعاقبني عليه كدا؟ طب، طب مفكرتش في عمتك و قلبها اللي هيتوجع من الزعل؟ ليه؟
حاول فكري التحدث وقد وصل والديه على أعتاب الغرفة، وهو يقول بصعوبةٍ بالغة إثر كفي رائف اللذان يكبلان عنقه:
والله، كان غصب عني، ضعفت قصاده يا رائف، بعدها ندمت والله، لولا الفلوس اللي هدفعها في عملية مالك، كان زماني رجعتهاله بعدما عرفت اللي حصلك
لقد احتلت الصدمة ملامح أبويه فيما هزه رائف في يده وهو يقول بنفس الطريقة المحتدة:
ولا! اتفقت معاه على إيه تاني؟ انطق بدل ما أطلع روح اللي خلفوك في أيدي، انطق!
رد عليه بخوفٍ: لما عرف إنك رجعتلها تاني النهاردة، قال هيحاول يتدخل هو و يتصرف و يرجعها تاني ليه، والله العظيم معرفش ناوي يعمل إيه، أنا خلعت أيدي من الموضوع كله، والله العظيم أخري معاه كان اتفاق حرق المحل، سامحني يا رائف
ابتسم رائف بتهكمٍ ثم قالت بسخريةٍ مريرة لاذعة:
اللي بيسامح العباد ربنا يا فكري زي ما برضه اللي بياخد العباد ربنا، بس أنا مبعرفش أنام وحقي بايت برة.
نظر له فكري بخوفٍ فيما شدد رائف مسكته لفروة رأسه ثم سحبه خلفه كما الماشية حتى ثبته على الحائط ثم صفعه على وجهه بغلٍ و تبع تلك الصفعة بأخرى و أخرى حتى وصل عددهم إلى خمس صفعات تقريبًا، وسط صرخات والدته و محاولة كرم للتدخل في فصلهما عن بعضهما، فالتفت له رائف بعينين مُشتعلتين يقول مُهددً له وهو يشير له بسبابته:.
لو فكرت تقرب هجيبك مكانه، وهنسى إنك خالي أو إنك كبير في السن، كفاية تربيتك الناقصة، ابعد بقولك
ارتد كرم للخلف بخوفٍ من رائف الذي بدا وكأنه ممسوسًا، فيما عاد رائف لذلك الذي ارتخى جسده كما الرخويات المائية، فأمسكه رائف كما سبق يهزه في يده وهو يقول بصوتٍ جهوريًا:
ولا! اللي أقوله تنفذه بدل ما أموتك في أيدي، وعزة وجلالة الله لو ما سمعت الكلام أو فكرت حتى تلاوع معايا لأكون ساحب روحك بايدي دي، مفهوم!
حرك رأسه موافقًا بخوفٍ ثم قال بنبرةٍ أقرب للبكاء:
هعمل كل حاجة علشانك يا رائف، بس سامحني، أنا هعملك كل حاجة عاوزها، ومعاك لحد ما ترجع حقك
ألقاه رائف على الفراش ثم التفت يغادر الغرفة وقبل ذلك رفع اصبعه في وجه كرم يقول مهددًا له:
أقسم بالله لو فكرت تلعب بديلك أنتَ ولا هو حتى، هقطعه ليكم، اللهم بلغت! كفاية إنك معرفتش تربي، بس وماله أنا موجود.
تحرك من أمامهم بغضبٍ و ثباتٍ بجسدٍ مشدود من فرط تشنج أعصابه، النيران المُشتعلة بجوفه يريد اطفائها لكن كيف لزجاجة مياه أن تُطفيء شلالات النيران الملتهبة بداخله، فبالرغم مما فعله به إلا أن ذلك لم يكفيه بل زادت رغبته في الانتقام أكثر.
وصل رائف لبيته بحالٍ يُرثى له، لم يؤلمه الحريق ولم تؤلمه النيران بقدر ما ألمه معرفة من تسبب في ذلك، الأمر يشبه أن اليد التي من المُفترض أن تمتد نحو جرحك تُهديء نيرانه، هي نفسها التي امتدت تضغط على ذلك الجرح تُزيد من وجعه و ترفع ألمه، لم يشعر بنفسه سوى وهو يقف على بابها يطرقه دون أن يعي لذلك، فُتِحَ له الباب لتطل هي منه ترتدي حجابها، وحينما وجدته أمامها سألته بدهشةٍ من وقوفه أمامه بتلك الهيئة، ملامحه التي ظهر عليها الانكسار، وعينيه الحمراوتين بعدما كانت ترى فيهما الصفاء و براءةٌ تُشبه براءة الأطفال، فقالت بنبرةٍ غلفها الخوف:.
مالك يا رائف؟ أنتَ عامل كدا ليه؟ مش كنت كويس؟
ضغط على جفونه حتى لا يبكي أو يظهر ضعفه أمامها ثم فتح عيناه يقول بصوتٍ متحشرجٍ:
موافقة نكتب الكتاب بعد بكرة؟
اتسعت عينيها ببلاهةٍ زفرغ فاهها، فأضاف هو بغلبٍ وصوتٍ منكسر:
أنا عاوزك يا منة، محتاجك معايا، عاوز أقوى بيكِ أنتِ، موافقة؟
لم تتوقع عرضه عليها في ذلك الوقت بتلك الطريقة، نعم هي تحبه وهو أيضًا يحبها، لكن تصل الأمور لعقد قران بتلك السرعة؟ دون أن يعرفان بعضهما جيدًا؟ بماذا تنطق وماذا تقول؟ بينما هو حينما طال صمتها ابتسم بوجعٍ ثم قال:
كنت متأكد إن دا ردك عليا، تصبحي على خير يا منة.
قال حديثه بمرارة الخذلان الذي تذوقه بل تجرعه أيضًا، بينما هي وقفت كمن سُكب عليها دلو المياه الباردة في ليالي قارصة البرودة، ولكن هل الخذلان الذي تذوقه هو و صدمتها من حديثه في كفتين متساويتين أم أن هناك منهما من خسر الأخر بسبب طريقته؟
ارتمى فكري على الفراش يبكي بحسرةٍ على ما آلت إليه نفسه، فكيف يُسلم نفسه لشيطانه بتلك الطريقة؟ كيف يؤلم قريبه و الذي يعتبر أخيه؟
رفع كفيه يضعهما فوق رأسه بخيبة أملٍ، بينما هاتفه ظل في يد كرم حتى صدح صوته برقم ماجد من جديد فضغط على زر الايجاب يقول منفعلًا بنبرةٍ جامدة:
اسمع يا جدع أنتَ! متتصلش هنا تاني وسيب ابني في حاله كفاية رائف كان هيموتوا في أيده، ابعد عن ابني وروح ربنا يسهلك بعيد عننا.
صُعقَ ماجد على الجهةِ الأخرى وكرر خلفه مُستنكرًا:
إيه رائف؟ هو عرف؟
أغلق كرم في وجهه ما إن أدرك خطئه و تسرعه في الحديث، بينما ماجد أظلمت نظراته بتوعدٍ مُقررًا الانتقام قبل أن يبدأ الأخر في ذلك.
يتبع
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم


تعليقات
إرسال تعليق