القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية قلب في الهوا البارت الأول بقلم الكاتبه أميره جابر حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج

 رواية قلب في الهوا البارت الأول بقلم الكاتبه أميره جابر حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 



رواية قلب في الهوا البارت الأول بقلم الكاتبه أميره جابر حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 


في زحام المدينة الذي لا يهدأ، وعلى أعتاب مبنى الشركة الزجاجي الكبير الذي يعكس ضوء الشمس بألوان متلألئة، وقفت سلمى تتأمل برهة. كان الجو يميل إلى برودة لطيفة، وحفيف أوراق الأشجار القريبة من المدخل يرقص مع نسيم الصباح. كان هذا هو اليوم الثالث من عملها في المشروع الجديد، مشروع تطمح أن يكون بداية جديدة في حياتها المهنية. 


سلمى، تلك الفتاة التي اعتاد الجميع أن يسموها بـ"ملكة التصميم" داخل الشركة، لم تكن مجرد مصممة أزياء عادية. لم تكن تصنع ملابس فحسب، بل كانت تصنع أحلامًا، تخلق لوحات فنية تتحرك على أجساد الناس. لكن وراء هذا النجاح الكبير، كان هناك عالم آخر لا يعرفه أحد عنها، عالم مليء بالقلق والخوف من التقارب العاطفي، خوف من الفشل في العلاقات التي لم تعرفها قط. 


كانت سلمى تسير بخطوات واثقة، ولكن بداخلها كان هناك تردد غريب، أشبه بنغمة خافتة في خلفية صوتها. لم تكن تفهم سبب هذا التوتر حين يطلب منها الاجتماع مع فريق العمل الجديد، خاصة عندما علمت أن شريكها في هذا المشروع سيكون شخص مختلف تمامًا عنها. 


دخلت إلى غرفة الاجتماعات، حيث اجتمع الجميع بالفعل، وجدت وجهًا خجولًا ينظر إليها من خلف شاشة اللابتوب. كان شابًا هادئًا، يرتدي نظارات سميكة ويحاول بشدة أن لا يلتفت إليها، لكن عينيه لم تفارقاها للحظة. 


هذا كان عادل، المبرمج الذي لا يحب الضوضاء، الذي يفضل أن تظل الكلمات قليلة والأصوات منخفضة. كان عادل يعيش في عالمه الرقمي الخاص، حيث الأوامر البرمجية واضحة والمشكلات تُحل بكود محدد، بعكس عالم سلمى الذي كان مليئًا بالألوان والتغيرات والمفاجآت. 


قالت سلمى بابتسامة خفيفة، حاولت أن تخفي ارتباكها:

"مرحبًا، يبدو أننا سنقضي وقتًا طويلًا معًا." 


رد عليها عادل بهدوء:

"نعم، المشروع يتطلب تعاونًا مكثفًا، و... أعتقد أننا سنحتاج إلى الكثير من الصبر." 


ابتسمت سلمى، على الرغم من تحفظه، قررت أن تبدأ شيئًا جديدًا. كان لديها دائماً رغبة في فهم الناس والتقرب منهم، حتى لو لم تكن موهوبة في ذلك. 


بدأ اليوم يتلوى بينهما، ببطء ولكن بثبات. في كل مرة كانا يجلسان لمناقشة تفاصيل المشروع، كان هناك صمت طويل يعم الغرفة، صمت يملأه الخجل والارتباك. 


ذات يوم، قررت سلمى أن تخرج عن المألوف.

"ما رأيك لو نغير روتين الاجتماعات؟" قالت بحماس طفولي.

نظر إليها عادل باستغراب، ثم أجاب:

"كيف تقصدين؟" 


"نحن نعمل طوال الوقت، لكننا لا نعرف عن بعضنا شيء! ماذا لو نخصص خمس دقائق قبل كل اجتماع نتحدث فيها عن شيء غير العمل؟ مثل... هواياتنا؟" 


ابتسم عادل قليلاً، رغم تردده، وقال:

"حسنًا، يمكنني تجربة ذلك." 


وهكذا بدأا أولى خطوات صداقة غريبة، صداقة بدأت بين خطوط البرمجة وألوان التصميم. 


بدأت سلمى تخبره عن عشقها للرسم، وعن تفاصيل التصميم التي تراها في أبسط الأشياء حولها. 


وعادل، رغم خجله، بدأ يبوح بحبه للألعاب الإلكترونية والبرمجيات التي يخترعها، حيث يشعر أن كل شيء فيه قابل للتحكم والوضوح. 


وفي كل جلسة، كانت هذه اللحظات القصيرة تتحول إلى مساحات صغيرة من الضحك، وغالبًا إلى مواقف محرجة عندما يحاول أحدهما التحدث خارج منطقة راحته. 


سلمى، التي لم تكن تعرف كيف تعبر عن مشاعرها، وجدت نفسها تحاول أن تفهم عادل أكثر، وفي المقابل، عادل الذي كان يهرب من العلاقات الاجتماعية، بدأ يشعر بشيء غريب في صدره حين كانت سلمى تبتسم له. 


ومع مرور الأيام، كان كل منهما يخطو بحذر نحو عالم الآخر، عالم كان غريبًا في بدايته، لكنه بدأ يزدهر مع كل كلمة، مع كل نظرة، مع كل موقف غير متوقع. 


لكن لم تكن الأمور بهذه السهولة، فالمواقف الكوميدية والغريبة كانت تحاصرهم من كل جانب. مثل ذلك اليوم الذي قررت فيه سلمى أن تعلم عادل كيف يتصرف في مناسبة اجتماعية، فقط ليجد نفسه يقف مشدوهًا وسط حفلة، غير قادر على الكلام، فيما كانت سلمى تضحك بشدة من حركاته العفوية. 


وأيضًا، عندما حاول عادل تعليم سلمى بعض قواعد التواصل البرمجي، فحاولت فهم لغة الحاسوب، لكنها انتهت بخلط كبير جعلهما يضحكان حتى البكاء. 


كل هذه اللحظات صنعت قصة مختلفة، قصة قلبين يحاولان التعايش مع العالم الحقيقي ومع أنفسهما، قصة ليست مثالية، لكنها حقيقية، مليئة بالتجارب والخجل، بالنضج وبالبساطة. 


ومع كل خطوة، كان القلب ينبض بقوة، ينبض في الهوا، في انتظار أن تتفتح زهور مشاعر لم يعهداها من قبل.


مرت الأيام، وكأن الوقت يتهادى بين يدي سلمى وعادل، كل لحظة تجمعهما تفتح بابًا جديدًا من الفهم والتقارب، ورغم الصمت الذي كثيرًا ما يحيط بهما، كانت هناك لغة غير مرئية تنمو بينهما، لغة تحمل بين طياتها شعورًا مختلفًا، شعورًا ينبض بالخجل والفضول في آن معًا. 


في أحد الأيام، وبينما كانت سلمى منشغلة بتصميم نموذج جديد لمجموعة الربيع، طرق عادل باب مكتبها بخجل.

"عادل؟ ماذا تريد؟" قالت بابتسامة دافئة، محاولة أن تخفي حماستها التي لا تعرف سببها. 


"هل... هل تودين المساعدة في اختيار ألوان العرض التقديمي؟" سألها بصوت منخفض، كأنه يخشى أن يزعجها. 


ابتسمت له بحرارة، وقالت:

"بالطبع، أنتظر هذه اللحظة." 


جلسا معًا أمام شاشة الكمبيوتر، تتنقل الألوان وتتناقش الأفكار. لم يكن الحديث عن العمل فقط، بل بدأ الحديث يتحول إلى تفاصيل الحياة اليومية، إلى أحلام بسيطة، إلى ذكريات الطفولة. 


قالت سلمى:

"دائمًا ما أحلم بأن أزور باريس، المكان الذي يتنفس الأناقة والفن. ماذا عنك؟ هل لديك حلم؟" 


فكر عادل قليلاً، ثم قال:

"ربما حلمي بسيط... أريد فقط أن أجد طريقة لأشعر بأنني لست وحيدًا في هذا العالم الكبير." 


كانت هذه الكلمات كالصاعقة الصغيرة في قلب سلمى، فأمسكت بيده برقة، لتطمئن نفسها قبل أن تطمئن عادل. 


لم تكن عادل معتادًا على هذا القرب، لكن شيئًا بداخله كان يردد أن هذه اللحظة قد تكون بداية جديدة. 


مرت الأيام وتحولت الاجتماعات القصيرة إلى جلسات ممتدة، مليئة بالضحكات والتحديات. 


ذات مساء، قررت سلمى أن تدعو عادل إلى مقهى قريب بعد انتهاء دوام العمل، محاولة منها كسر جدار الصمت الذي يحيط به. 


جلسا هناك، بين رائحة القهوة الدافئة وصوت الموسيقى الخافت، تحدثا عن كل شيء، من الموسيقى إلى الأفلام، من الكتب إلى الطموحات. 


شعرت سلمى أن هناك شيئًا يزهر في قلبها، ليس فقط كصديقة أو زميلة عمل، بل كشيء أعمق وأجمل. 


أما عادل، فقد وجد في تلك اللحظات متنفسًا لروحه، شيئًا يخرج عن عالم البرمجة الذي كان يخفي فيه مشاعره وأفكاره. 


لكن، كما في كل قصة حب، لم تكن كل الأمور سهلة. 


ففي صباح اليوم التالي، وبينما كانا يستعدان لمناقشة مشروع مهم، وقع سوء تفاهم بسيط حول تقسيم المهام، مما أثار حدة الكلام بينهما لأول مرة. 


سلمى، التي لم تعتد أن تُتحدى أو تُنتقد بهذا الشكل، شعرت بالألم والحرج، وعادل، الذي لم يعرف كيف يعبر عن إحباطه بطريقة أخرى، تراجع بسرعة إلى صمته المعتاد. 


كانا بحاجة إلى وقت لإعادة ترتيب مشاعرهما، لفهم أن الاختلافات ليست دائمًا عقبة، بل قد تكون فرصة للتقارب أكثر. 


في نهاية ذلك اليوم، جلستا معًا على مقعد الحديقة خارج الشركة، تحت ضوء القمر الخافت. 


تنهدت سلمى وقالت بصوت مرتعش:

"أعتقد أننا نحتاج أن نتعلم كيف نسمع بعضنا أكثر... ليس فقط الكلمات، بل ما وراءها." 


ابتسم عادل، وهو يشعر بأن هذه الكلمات هي بالضبط ما كان يود قوله:

"وأنا مستعد لأن أتعلم، طالما أنكِ بجانبي." 


انحنى رأسه قليلًا نحو يدها التي مدتها بحنان، ولم يكن هناك من كلمات في تلك اللحظة، فقط نبضات قلبين ينبضان في الهوا... 


يتبع..

تعليقات

التنقل السريع
    close