القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية أحكي يا شهرزاد بقلم مي محسن عامر الفصل الأول حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

 رواية أحكي يا شهرزاد بقلم مي محسن عامر الفصل الأول حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 



رواية أحكي يا شهرزاد بقلم مي محسن عامر الفصل الأول حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات


احكي يا شهرزاد...

حاضر.

احكي لشهريار...

حاضر.

واشغلي له ليله لطلوع النهار...


استنى بس يا حاج كده حبة... أحكيله ليه؟ معلش... هاه؟ رد عليّ...

لطلوع النهار... لطلوع النهار...


أحكيله حدوته عشان يسيبني أعيش؟ طب ما أنا زهقانه أصلًا وعايزة أُقتل عادي.

غيري له حاله، واشغلي له باله، وخلي عقله دايمًا في حالة انبهار... احكي يا شهرزاد... احكي يا شهرزاد...


طيب طيب، يووه زهقتني، الله يسامحك...


زفرت بضيق شديد لتخرج أنفاسها الساخنة المحتقنة بصدرها، ترسم على وجهها بسمة ساخرة وتقول:


كان يا ما كان في قديم الزمان، كان هناك فتاة جميلة دومًا ما ترتدي معطفًا أحمر، وتذهب بسلة الغداء لجدتها في وسط الغابة.


شهريار: استنى، ذات الرداء الأحمر! عارفها... العبي غيرها.

شهرزاد: العب غيرها؟! أنت متأكد إنك شهريار؟!

شهريار: آه، متأكد...

تزفر بحنق شديد.


شهريار: بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد أن هناك ثعلبًا تئن بطنه من الجوع، بحث طويلًا بالغابة حتى وجد بيتًا صغيرًا، نظر من نافذته فوجد به ثلاثة خراف صغيرة. ابتسم بخبث، وربّت على بطنه، وطرق الباب. فرد عليه أحد الخراف من خلف الباب وسأله دون أن يفتحه... فغضب الثعلب وصرخ به ليفتح! ارتعب الصغير خوفًا، فركض أخوه الآخر إلى النافذة فرأى ذيلًا كثيف الشعر، فأدرك أنه الثعلب الذي حذرتهم والدتهم منه قبل أن تخرج لجلب الطعام.


شهريار: إيه يا شهرزاد؟! هو حد قالك إني طفل وعايز أسمع حدوته قبل النوم؟ احكي حاجة تبهرني، مش قصة قديمة!

شهرزاد: أنا جعانة وزهقانه... متعصبنيش!


غضب شهريار وصرخ بمسرور كي يأتي إليه.

شهريار: خدها، علّقها في قفص الأسود!


ارتعبت شهرزاد، جحظت عيناها، بلعت لعابها، وتلعثمت وهي تقول:

شهرزاد: أسود إيه؟! مش كان قطع رقبة على طول؟!


ضحك شهريار بخبث.

شهريار: ده كان زمان، كانت موتة رحيمة. الزمن اتغير دلوقتي... فيه ستة أسود، وطبعًا بنت واحدة كل يوم مش هتشبع الستة! فتخيلي كده، أول ما يشوفوا حد معاهم في القفص هيعملوا إيه؟! علشان كل واحد يلحق ياكل أكبر قدر... يمكن يشبع.


ترتجف شهرزاد، وتصطك أسنانها من الرعب، بينما هو ومسرور يضحكان عليها.

شهرزاد: إنت بتهزر، صح؟!

شهريار: لا... إنتِ بقالك كام يوم ماشفتيش جنازة؟


شهرزاد: كتير... والكل بيقول إنهم عايشين، وإنت اتعودت تتجوز كل يوم، وكل واحد مستني بنته ترجع له أو يعرف عنها أي خبر.


صفق شهريار بحرارة.

شهريار: كده خطتي نجحت! الأسود بتاكلهم، والأهل عايشين على أمل رجوعهم. ها، هتكمّلي ولا مسرور يشوف شغله؟


مصعوقة، مصدومة من كلماته، تميد الأرض أسفلها. لا تعلم هل ذلك رحمة للأهالي أم عذاب للفتيات، فهي تعلم أن العيش بلا أمل ومع عذاب فراق الفتيات يُهلك الأهالي.


حاولت التماسك، اعتدلت في جلستها، ورسمت على وجهها ضحكة تُخفي خلفها الخوف المتجلّي في عينيها.


شهرزاد: بين طيّات السحب يجلس، وعيونه كالصقر، يراقب كل ذرّة رمل... كيف، ومتى، وأين تتحرك؟ السفن التي تجاهد لتهزم أمواج المحيط المتلاحقة، اللون الأخضر يفترش الأرض، تُبارز الأشجار الرياح وتقف شامخة أمامها، وجذورها متشبثة بالأرض، لا يقدر على انتزاعها شيء.

يُحيد ببصره إلى الجانب الآخر، يتأمل الهضاب والجبال، ويُمعن النظر في كهوفها، لعلّ أحد الحيوانات يخرج يبحث عن طعام أسفل تلك الأشعة الحارقة التي تتعمد الشمس نشرها على الأرض. لا يُطيل النظر إليها، فهو يعلم أن انتظاره من ذلك الجانب بلا طائل.

التفّ خلفه وتأمل تلك المنازل المكدّسة بالبشر، وقد عزم أن يزورها الليلة.


التحفت السماء بالسواد بعد أن استتر القمر خلف الغيوم الرمادية، فردّ جناحيه، ودفع السحاب بقدميه الثقيلتين، وانطلق هابطًا بسرعة البرق.

كخلايا نحل متلاحمة، هكذا بُنيت منازل القرية. على جانبها سور يحاوط مساحة كبيرة من الأرض الخضراء، بباب ضخم مقسّم إلى أقسام كبيرة، وكل قسم يحتوي على نوع واحد من حيوانات وأغنام أهل القرية.

السماء ملتحفة بظلامٍ مُقبض، وعلى مَدّ البصر سواد، وفي وسطه بؤرتان منيرتان بالأصفر، النظر إليهما يقبض الروح.


شقّ سيف النور ثوب الليل الحالك، وبدأ ينشر نوره في الأرجاء، ومعه بدأت النساء في الاستيقاظ، ثم بدأن يتوافدن على المزرعة، يدخلن دقائق ويخرجن بصحون مملوءة بالحليب الطازج.

من كل البيوت تتصاعد رائحة الحطب المحترق، ومعها أصوات الصغار وهم يصرخون ويلعبون.


أنجدوني! راح فين حصاني؟!


يصيح الرجل بفزع وهو يبحث بين الخيول عن جواده ولم يجده. عاونه الجميع في البحث داخل المزرعة وخارجها وخلف المنازل ولم يجدوه. امتطى كل رجل حصانه وبحثوا في كل مكان، حتى خارج حدود مدينتهم، وعلى مدار اليوم، ولم يجده أحد.


أكيد إنت ماقفلتش الباب وراه، فهرب.


يتجمعون حوله ويحاولون إيجاد مبرر لاختفائه وتكهّن مكانه، بينما بعقل الرجل جمرة نار تحرقه، ويفكر: أين ذهب؟ وكيف سيباشر عمله دون جواده؟ وكيف سيتدبّر أمر واحدٍ جديد؟


تتحدث الألسنة بكلمات القلق والخوف، وقد كسا ملامحَ البشر بعد تكرار اختفاء الخيول والماشية لعدة أيامٍ متتالية، ولا يعلم أحد كيف تخرج ولا إلى أين تذهب!

أصبحوا يتناوبون على حراسة المزرعة، لكن الليل الحالك وسكون القرية لم يتغيرا؛ ليلةً خلف أخرى، وكل صباح هناك حيوان مختفٍ.


تجاهد شهرزاد لتفتح مقلتيها وتكمل سردها للحكاية.

شهرزاد: تعبت يا شهروري... سيبني أنام عشان أقدر أكمل.

شهريار: لا، كمّلي...


أرهقت شهرزاد ولم تعد تستطيع الإكمال، ففاتتها سِكْتةٌ نوميّة.


شهريار: شهرزاد، اصحي أحسن لك!


لم ترد، لأن عقلها قد نام ولا يستجيب لأيّ مؤثر خارجي. فما كان من شهريار إلا أن نام هو الآخر.


القصر ساكن كالقبور، لا يتجرأ أحد من الخدم على إصدار صوت حتى لا يزعجوا نوم شهريار، فيكون مصيرهم أسفل مقصلة مسرور.


كزهرة ربيعٍ تفتّحت أوراقها وانتشر عبيرها يُبهج المحيطين، هكذا رآها شهريار وهي تجلس في حديقة القصر مع الجواري. شيءٌ ما يجذبه للتقدّم إليها والتحديق في وجهها. حين رأته شهرزاد قادمًا نحوها، وقفت لتحيّيه، ثم جلست بعد أن أمرها بذلك.


شهرزاد: أنا قطفت المانجو دي بإيدي، خد دوقها كده.


أخذ من الصحن قطعة واحدة ووضعها في فمه، وبينما يلوك المانجو بين أسنانه، كانت عيون شهرزاد تتفحص ملامح وجهه وتعابيره، والبسمة مُحتلّة وجهها.


شهريار: طبعًا تحفة ولذيذة، عشان مافيش أي ثمرة تقدر تطلع في جنينة شهريار وحشة.


بينما هي كانت تنتظر ثناؤه، ألقى دعابة سخيفة وضحك عليها بقوة، مما جعلها تميّز من الغيظ.


شهرزاد: ليه؟ موقف عسكري مهددها بالسلاح؟ يا تطلع ثمار حلوة يا يقطعها؟!


لم يضحك على سخريتها كما لم تضحك هي على دعابته المغرورة.


دلف عليهم أحد الجنود ليخبر شهريار أن كبير الوزراء يريده في أمر عاجل. تهللت أسارير شهرزاد حين سمعت أن والدها بالخارج، فطلبت من شهريار أن تراه، لكنه رفض بشدة.


عاد الوزير إلى بيته حزينًا، منكسر الرأس، وما إن رأته زوجته هكذا حتى قبض قلبها، فهرولت إليه وسألت عن ابنتها.


الوزير: ما شفتهاش، بس الجارية قالت لي إنها عايشة.


انتحبت من فرط سعادتها، لكن شبح الفقد لا يزال يحوم حول قلبها، فهي أمّ لا يتحمّل قلبها مجرد التفكير في فقد إحدى بناتها.


أقبل الليل، ومعه أقبل شهريار على غرفته بفضولٍ جمّ ليسمع باقي الحكاية.

انزعج حين دلف الغرفة فوجدها خاوية، فسأل الجارية، فأخبرته أن زوجته في الشرفة. تعجب حين وجدها تنظر إلى السماء.


شهريار: بتعملي إيه هنا؟!


فزعت من صوته، ارتمت بين ذراعيه، وجسدها يرتجف كما لو كانت محمومة.


شهرزاد: خايفة قوي... التنين الأسود يوصل المملكة!


فزع من الفكرة، ونظر إلى السماء، لكنه نفض الخوف سريعًا وضحك عليها، فهي مجرد قصة، وإن كانت حقيقة فستكون من زمنٍ فات.

أدخلها الغرفة، وجلسا على منضدة العشاء الصغيرة التي فرشتها شهرزاد بكل ما لذ وطاب من طعام.


شهرزاد: أنا اللي أمرت الطباخ إنه يعمل كل اللي بتحبه.


احتل السرور قلبه من اهتمامها به. بعد أن تناولا العشاء، اقترحت عليه أن يدلف المغطس، فقد ملأته بالماء الساخن وأوراق الزهور العطرية.

غرق الإرهاق والتعب في مغطسه، وقفز الانتعاش والاسترخاء فاحتل عضلاته. أغلق عينيه فهاجم النعاس أهدابه، لكنه لم يستسلم له؛ استلقى بجوار شهرزاد يستمع لصوتها الهادئ وهي تروي أحداث اليوم.


شهرزاد: يدبّ الرعب في قلوب الجميع، يتلفتون يمينًا ويسارًا، ويهرولون هنا وهناك، يصرخون باسم ذلك الطفل الذي اختفى في الصباح، بينما والدته تفترش الأرض أمام بيتها وتصرخ بقوة، وقلبها يتمزق على طفلها، وتلوم نفسها لأنها سمحت له بالذهاب إلى والده في الحقل. لم يصل لوالده ولم يعد لها... آه منهم الأطفال! لا يطيعون أمهاتهم ويدّعون الفتوة وهم نبتة خضراء. يتجمع حولها النسوة يواسينها ويحاولن طمأنتها ويبثثن فيها أملَ عودته.


بين السحب، مختفٍ، يلوك آخر قطعة من وجبته الخفيفة.

أول مرة تذوّق فيها لحم البشر كان رجلًا مسنًّا مخيّمًا بالغابة. تابعه من الصباح وهو مستتر بين الأشجار ليصطاد أحد الغزلان وفشل، وما إن هلّ الليل، أشعل بعض الحطب وتمدد بجوارها ليتدفأ ويُبعد عنه مفترسي الليل، ولم يتبادر لذهنه أنه فريسة محتّمة لمتربّصٍ له منذ الصباح.


توقف لسان شهرزاد عن رواية حكايتها بعد أن تأكدت من نوم شهريار. تأملت ملامحه الهادئة، وقلبها يقفز فرحًا من وجودهما معًا. صلبٌ قويّ لا يقدر على زعزعته أحد، هكذا يظهر شهريار أمام الجميع، بينما هي ترى ذلك الطفل الحزين القابع بداخله ولا يستطيع الخروج.

إنها تشعر بقلبه النابض بالحب والحنان، لكن جرح الخيانة الذي تعرض له هو ما حوّله لذلك الجبار.

لم تتزوجه عبثًا أو رغبة في إزهاق حياتها بيديه، بل دخلت حياته لتغيّرها وتُطيب جراحه، ولتغيّر أحوال أهل المملكة المكلومين في بناتهم.


شيء بداخلها دفعها لوضع أناملها بين خصلات شعره، وحركتها ببطء وحنان منسابٍ من قلبها إلى رأسه.


تسللت أشعة الشمس إلى الغرفة حتى احتلتها، داعب نور النهار عينيه وحرارة الشمس وجنتيه؛ أحرقت النوم وأيقظت عقل شهريار. تعجب، بل سعد حين فتح عينيه ووجد شهرزاد تنام بجواره بعمق، كبياض الثلج بشرتها، وشعرها كخيوطٍ فرت من الشمس واحتلت رأسها، وجنتاها سرقتا حمرة ثمار تفاح القرية كلها، أناملها الناعمة تتوغل في خصلات شعره، تبث في نفسه الراحة والسكون وتزرع الحب في قلبه.


مع توسط الشمس كبد السماء، وقف أمامه رئيس الجنود.


شهريار: زوّد عدد حراس المناوبات الليلية، وحطّ أفضل رُماة السهام والرماح فوق البيوت، وأمرهم يراقبوا السماء كويس، ليكون في أي طيرٍ مفترس مستخبي في سواد الليل والغيوم.


رئيس الجنود: الأفضل نبني أبراج مراقبة جديدة في أماكن كتير، ومتوزعة بمساحات كبيرة.

شهريار: موافق، ولتجعلها شاهقة الارتفاع.

رئيس الجنود: لازم أعرف مين بيهددنا.

شهريار: مش شغلك! إنت تقول حاضر وتنفّذ بس.


عاد شهريار الغاضب مرة أخرى، فوجل قلب الوزير، وانصرف قبل أن تطير رقبته أمام أقدام شهريار.


صحون ممتلئة بالأرز واللحوم والحساء موضوعة على منضدة كبيرة حولها اثنا عشر كرسيًا فارغين.

جلس شهريار على رأس المنضدة وهو يصيح بالجارية بعد أن نظر للمائدة ولم يجد دورق العصير.

خيم الصمت على قاعة الطعام ما إن ولجت شهرزاد وهي تحمل الدورق. وقف شهريار من مكانه مصدومًا من وجود شهرزاد.


شهرزاد: أنا اللي طلبت منها تقف وتستنانى أعصره وأقدمه لك بنفسي.


ما إن دنت إليه لتصب العصير في كوبه، ملأ عطرها الهادئ الرقيق رئتيه فاختلت مشاعره. لجمت المفاجأة لسانه، لم يعرف ماذا يقول لها.

جلس على كرسيه وبدأ يشرب العصير، فقفزت على شفتيه بسمة سعادة، فذلك أطيب عصير ذاقه طوال عمره.


جلست شهرزاد على الكرسي المجاور له وهي تتابع تعابير وجهه في صمت. أخذت تقدم له الطعام وتسعد حين يستصيغ نوعًا أعدّته بنفسها.

رياح السعادة تحلّق بقلبيهما؛ هو لأن شهرزاد هي الوحيدة التي اهتمت به وقدّمت له ما لم تقدمه له أنثى أخرى، وهي سعيدة بتلك السعادة المرسومة على وجهه.


لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



الفصل الثاني من هنا




تعليقات

التنقل السريع
    close