رواية أحكي ياشهر زاد الفصل الثاني حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
رواية أحكي ياشهر زاد الفصل الثاني حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
يختلس شهريار النظر إليها، وفي عقله ألف جملة وسؤال، لا يعلم ما الذي يصيب قلبه حين ينظر في عينيها؟ ولا لماذا تتدفق السعادة إلى روحه وهو بجوارها.
يحل المساء ويسكن شهريار وشهرزاد حجرتهما، وتبدأ شهرزاد في سرد حكايتها، بينما الجواري يتسامرن عليهما.
الجارية: تفتكري سحرت له عند مين عشان يسيبها عايشة؟!
الحارس: بيقول في ساحر كبير في الهند راحت له، وهو اللي ربط بينهم ولجم غضب شهريار عنها.
الجارية: آه لو أملك تمنه كنت رحت له وبقيت أنا ملكة القصر.
ضحك الحارس ساخرًا منها.
ذلك الحديث لا يختلف كثيرًا عما يدور ببعض منازل أهل المملكة، فالكل متعجب من توقف حراس المملكة عن أخذ فتيات المملكة عرائس لشهريار.
تاج: تفتكر بنت الوزير عملت له إيه عشان ما يتجوزش بعدها؟
علي يار: عشان بنت كبير الوزراء سابها عايشة...
جعفر: واحدة من الجواري قالت لي إنها سحرته...
الحديث والضجيج في كل مكان، إلا في غرفة شهريار، لا صوت يعلو فوق صوت شهرزاد.
شهرزاد:
الثلج كسا قمم الجبال، وباتت الحيوانات في جحورها وكهوفها، حتى هو سكن ليلًا، ليس هربًا من الرياح، لكن الملل يصيب روحه، فهو لا يحب ذلك الهدوء المميت. وفي الصباح يضرب بجناحيه الهواء ويبحث عن مكان فيه بعض النشاط والدفء والطعام.
واهمةٌ الأسماكُ التي تسبح باطمئنان أسفل نصف متر من الثلج، أطلق لهيب أنفاسه بقوة فأذاب جزءًا من طبقات الجليد عن الماء، وضع رأسه، تدفق بفمه الماء والأسماك الصغيرة، ابتلعها ولم يشبع. عيناه الصفراوان تُرعبان الأسماك فتهرب بعيدًا عنه. ماذا يفعل ذلك الحوت؟ عابثًا يضرب بذيله الهواء. أنيابه الحادة وفمه المفتوح على مصراعيه لم يجعلاه يجد الماء الذي يعيش فيه، أو تصل إلى مخالب ذلك التنين الجبار الذي أحكم قبضته عليه وحمله وانطلق به إلى السماء.
لم يكن شهريار يستمع لحكايتها، بل كان مستمعًا لدقات قلبه السعيدة بمجالستها وقربها منه. صوتها نغمات نايٍ تطرب أذنه، يعشق النظر لوجهها البضّ النابض بحمرة الحياة، يحب قوتها وعدم خوفها من سيف مسرور أو من غضبه، ويذوب عشقًا في هدوئها وتلك البسمة المحتلة وجهها دومًا، أما عيناها الكحيلتان فبحر يسبح فيه حتى الغرق.
أنقذها صياح الديك من ذلك الجهد الذي تبذله كل ليلة.
شهرزاد: ممكن تسيبني أنام بقى؟
راق له توسلها المستتر خلف كبريائها، وأشفق على جسدها الذي تجهده بالنهار في إعداد الطعام له، وفي المساء تجالسه تسامره وتروي له الحكايات.
استلقى بجوارها يتأمل ملامحها وهي نائمة، وقلبه وروحه تصرخ به وتطلب منه أن يبوح لها بكل ما يدور بعقله وقلبه تجاهها.
النهار مكدس بالأعمال، وأمور المملكة لا تنتهي، والملك مشغول عقله بحكاية التنين الأسود.
فاحت رائحة الياسمين بالقاعة، قلبه يخبره أنها هي، لكن عينيه وخلو القاعة كذباه. أنهى الاجتماع، ومع نهوضه من مجلسه رآها تدلف إليه.
تتهادى في مشيتها، والبسمة تعلو وجهها، عيناها تضيئان الكون حبًا وسعادة، فستانها يظهر نحافة خصرها، وأكمامه القصيرة تكشف ذراعيها.
شهريار: إنتِ اتجننتِ؟! إزاي تنزلي هنا؟!
ثورٌ غاضب كاد يغرس قرنيه بها.
شهريار: فين الجواري والحرس؟!!! مسرور... اقطع رأس كل الجواري والحرس!
مُحيت البسمة عن وجه شهرزاد، وطرق الخوف باب قلبها، كما سيطر الرعب على قلوب كل الجواري والحرس المرافقين لها.
شهرزاد: لا يا شهريار، ما تظلمهمش، أنا اللي أمرتهم، وما قدروش يوقفوني....
راق له قوتها معهم وخوفها على حياتهم، زفر غضبه وسألها: ماذا تريدين؟
شهرزاد: مش عايزة حاجة، أنا بس كنت حاسة بالملل، فِكرت أجي أقعد معاك شوية.
وقع أقدامها يرنّ في أرجاء القصر، فهي أول من تجرأت على التجول به، لم تدع غرفة أو مكانًا إلا ودلفت إليه تشاهده وتجلس بأركانه. يتعجب....
الجواري مندهشات من تحوّل شهريار إلى ذلك الهادئ، وهو يسير بجوارها يتجاذب معها أطراف الحديث.
يومٌ خلف يوم، وهي تتودد إليه وتروي تلك الفسيلة التي زرعتها بقلبه تجاهها، وشعورها بتغيره يومًا بعد يوم يغمرها بسعادة قوية.
اشتدت الرياح، وصار الهواء أكثر برودة، واحتل القمر السماء باكرًا ليعلن قدوم فصل الشتاء، ومعه يسكن الناس منازلهم هاربين من البرد الذي يتخلل أجسادهم ويضرب عظامهم.
في المملكة انتقل الحديث الدائر بين الجواري عن شهرزاد، وما قد تكون فعلته في قلب الجبار شهريار، وهل سيظل الوضع هكذا؟
شمس: أنا برضو خايفة على بناتي.
حليمة: أيوه، شهريار ده مش مضمون، تلاقيه سايبها وفجأة يطلع لنا بكارثة أكبر.
شمس: أنا كل يوم بحط إيدي على قلبي وأدعي إن الحال يتبدل لمصلحة ولادنا.
كل أم تتضرع إلى الله أن يحمي أبناءها وبناتها وتظل معهم أبد الدهر.
انخلع قلب شهريار حين وجد شهرزاد تجلس على الأريكة بجوار النافذة، وعيونها تنهمر منها الدموع كشلال ماء هادر، وجهها ملطخ بالألوان إثر بكائها.
جلس بجوارها، يربّت على ظهرها، وسألها عمّا بها. لم يفهم كلماتها المتلعثمة، لكن شيئًا بداخله تحرك تجاهها، ولأول مرة يحزن من أجل امرأة.
ربّت عليها بحنوٍّ بالغ، وعقله يدور في فلك عدة أسباب لبكائها.
شهرزاد: ماما وحشِتني.
لا يدري كيف استطاع كبح غضبه وإيقاف يده عن صفعها، كل ذلك النحيب من أجل رؤية والدتها فقط!
شهريار: ما ينفعش تخرجي من القصر.
رده القاسي آلمها، وفجّر غضبها، وقفت، وعيونها تحمل شراسة ذئب جائع.
شهرزاد: طب هاتها لي هنا!
تخبّط شهريار بين قراراته الصارمة وبين دموع شهرزاد، لا يطيعه لسانه في قرار الخلاص منها.
بكاؤها قطرات نار تنهال على صدره، فهدأها.
شهريار: هفكر... لو باقي القصة عجبني.
شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد الحنون طيب القلب، أن القرية بلغت من الخوف أشدَّه، فلم يعد يخرج أحد من بيته ليلًا، ويعودون من أعمالهم قبل غروب الشمس، والأطفال يبكون من حبس أمهاتهم لهم بالبيت خوفًا عليهم، حتى حيواناتهم أصبحوا يبيتون في أماكن مُحصَّنة، ولا مجال لدخول أو خروج أي كائن منها، وذلك جعله يقترب من المنازل أكثر، يشاهد من نوافذ البيوت الأسر وهي متجمعة حول مائدة الطعام أو بجوار المدفأة.
بدر إلى ذهنها سؤال يجب أن تعرف إجابة شهريار عنه.
شهرزاد: تفتكر مخلوق زي ده بيفكر في إيه؟
شهريار: ده غبي، كائن في حجمه وقوته المفروض يضرب البيوت بمخالبه وياخد اللي عايزه.
شهرزاد: كل مخلوق على وجه الأرض بيتحرّك بغريزته، وهو محتاج للسكن، والوليفة، ودفء الأسرة.
رجّت ضحكته حوائط الغرفة، ضحك حتى دمعت عيناه.
شهريار: ده حيوان ما عندوش عقل يفكر ويغيّر من شوية بشر، ده عايش بغريزة القتل والأكل بس.
شهرزاد: لا طبعًا، هما آه ما عندهمش عقل يفكر زي البني آدمين، بس كل المخلوقات موجودة بغريزة البقاء والتكاثر، ده احتياج زي الأكل بالظبط.
شهريار: ناقص تقولي يبني بيت ويكلم الخاطبة تشوف له عروسة!
لم ترق لها سخريته، لكنها لم تدخل معه في جدال؛ ككل يومٍ تريد أن تناقشه في موضوع فيلاقي رأيها بغطرسة تغضبها.
تحلت بالصبر، وأخذت تتناقش معه بهدوء، فهي مؤمنة أن تغيّر الأفكار وآراء الناس يأتي من النقاش والتوضيح لجميع النقاط والتقارب بين الأطراف.
يتبع
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم


تعليقات
إرسال تعليق