رواية قلوب خلف الستار البارت الثاني بقلم الكاتبه بشري إياد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
رواية قلوب خلف الستار البارت الثاني بقلم الكاتبه بشري إياد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
دخلت "رُبى" المنزل بخطى مترددة، كأنها تمشي فوق حقول من الأشواك، عيناها تبحثان عن شيء... ربما رحمة، أو ربما غفران تأخر كثيرًا.
صوت الباب وهو يُغلق خلفها بدا وكأنه أغلق معها صفحة طويلة من الماضي، وفتح على الجميع بابًا جديدًا للمجهول.
**
سُهاد جلست بصمت، عيناها لا تفارق المرأة التي كانت يومًا سببًا في انكسارها، وحين تكلّمت، كانت كلماتها تقطر برودة:
— "ما سألتك ليه جيتي… بس ما سكتِليش لِما أنا طلبت الرحمة.
شو اللي خلاكِ تشوفي اليوم الوجع اللي خبّيتيه عني سنين؟"
رُبى وضعت الحقيبة على الأرض، وجثت على ركبتيها أمامها، ثم قالت بصوت متهدّج:
— "ما كنت بفهمك… ولا صدقتك. كنت مفكرة إنك بتمثّلي، وإنك بدك تشوّهي أخي.
بس يوم اللي دفنته، ووقفت لوحدي، ونفس الناس اللي كانوا يمدحوه صاروا يتهامسوا عليّ، فهمت كل شي.
فهمت معنى الوحدة، والغدر… والعين اللي بتتفرّج عليكي كإنك غلطة."
**
تدخلت نهى، تنفث دخان سيجارتها برتابة:
— "الوجع بيعلم… بس أوقات بيجي بعد ما يضيع كل شي."
قالت سلمى بصوت ناعم، وهي تمسح على طرف فنجانها الفارغ:
— "خلّوها تضل… حتى البيوت الحزينة بدها ناس جديدة تكمّل الحكاية."
نظرت إليهم سُهاد طويلًا، ثم قالت بجمود:
— "تفضلي… الغرفة اللي تحت الدرج، كانت فاضية."
**
هشام راقب المشهد من بعيد، كان يجلس على الدرج الخشبي، يسمع دون أن يُقاطع، يشعر أن هناك شيئًا مكسورًا في هذه المرأة الجديدة لا يختلف عن كسورهن… لكن ملامحها كانت تقول شيئًا آخر.
**
مرت الأيام ببطء، وكان حضور رُبى غريبًا…
هادئة، مسالمة، لكن دائمًا ما تستيقظ فجأة في منتصف الليل، تهمس باسمٍ غير مسموع، ثم تمشي في الصالة كأنها تبحث عن شيء ضائع.
**
وفي ليلة عاصفة…
كانت سُهاد تنظّف الصالة حين وجدت ورقة صغيرة بين وسائد الكنبة التي تنام عليها رُبى.
ورقة صفراء، مكتوب عليها بخط يدٍ مألوف:
"إذا عرفوا إني هنا، حيقتلوني… أنا ما هربت من أهل زوجي، أنا هربت من شي أعظم بكتير. من سرّ، لو انكشف، رح يدمّر الكل."
تجمّدت يد سُهاد…
ثم نظرت حولها ببطء، كأنها تشعر للمرة الأولى أن البيت أصبح هدفًا… أن هذا الملجأ الصغير الذي جمعهن، لم يعد آمنًا.
**
في اليوم التالي، وبينما كانت سلمى تسقي النباتات في الحديقة، اقترب هشام منها وسألها:
— "إنتي بتحسي إنه في شي غريب في الضيفة الجديدة؟"
سلمى رفعت عينيها ببطء وقالت:
— "كلنا أغراب يا هشام… بس هي؟ هي جايبة الغربة معاها."
**
ليلًا، اجتمعت النساء حول المدفأة المطفأة، الصمت بينهم أعمق من الكلام.
رفعت سُهاد عينيها نحو رُبى وسألتها دون مقدمات:
— "شو السر اللي هربانة منه؟"
شهقت رُبى… لم تتوقّع أن يُفتح الباب بهذه السرعة.
— "أنا… أنا كنت شاهدة على جريمة… جريمة قتل زوجي لأخوه."
نظرت إليهم، ثم أكملت بصوت مرتجف:
— "هو قتل أخوه لأنه عرف إنه بيغتصب بنات القاصرات اللي كانوا بيشتغلوا عنا… ولما واجهه، قتله. وخلّاني أقول إنه مات بحادث سيارة.
بس لما حكيت بالحقيقة، حاولوا يقتلوني… وهربت."
**
وقفت نهى من الصدمة، وضربت الطاولة بكفّها:
— "وإنتي فاكرة إنك تجيبي وراكي مصيبة بحجم جريمة، وتستخبي عنا كأننا قبو للهروب؟!"
سلمى، التي دوّختها الدموع، قالت بصوت خافت:
— "كلنا منّا شايلين شي ثقيل… بس اللي بيهدّ البيت، مو الوجع، هو الكذب."
**
هشام نزل فجأة، نظر إلى الوجوه المذهولة وقال:
— "إذا كان في حدا بدو يئذيها… لازم نعرف مين. وأنا رح أساعد."
سُهاد نظرت إليه، لأول مرة بنظرة مختلفة…
وكأنها بدأت تصدق أن وجود رجل هنا، ما كان نقمة… بل بداية لتغييرٍ حقيقي.
**
سُهاد أغلقت الستائر بحذر، ونظرت إلى "رُبى" نظرة لم تكن خالية من الشفقة، بل ممتلئة بالحيرة والخوف:
— "مين اللي ممكن يوصلك لهون؟ كيف عرفوا إنك هون أصلاً؟"
رُبى هزّت رأسها بيأس:
— "ما بعرف… بس من يومين، حسّيت إن في حدا بيتبعني، وكنت مفكرة إنها مجرد أوهام، بس اللي شفته اليوم الصبح أكّدلي إني تحت المراقبة."
نهى صاحت، وهي تضرب يدها على حافة الطاولة:
— "كنتي ناوية تطوري الكل بوجعك؟ لو عرفوا عنوان هالبيت، نحنا مين بيحمينا؟ نحنا النسوان اللي دفنونا أحياء… ما ضل فينا نفس نتحمّل نكبة جديدة."
سلمى قالت بصوت هادئ، لكنه متوتر:
— "يعني بدنا نطردها؟ بعد ما عرفت بيتنا شو معناه؟ بعد ما صار إلها مكان بينا؟"
سُهاد سكتت للحظات، ثم تمتمت:
— "ما بنطرد حد… بس من هاللحظة، كل شي بيتغيّر. الباب ما عاد مفتوح، التليفونات لازم تنحط عندي، وما في حدا بيطلع لحاله من البيت."
**
في تلك الليلة، لم ينم أحد.
هشام جلس قرب الشباك، يراقب الخارج بعينين يقظتين. كان يشعر أن خطرًا كبيرًا يقترب، لكن لم يعرف من أي جهة سيأتي.
ورغم أنه كان غريبًا عن هذا البيت، إلا أن إحساسه بالمسؤولية تضاعف. لم يعد فقط مستأجرًا… بل أصبح شاهدًا، وحرّاسًا لبيتٍ مشقوق بالحزن.
**
في الساعة الثالثة فجرًا، استيقظت سُهاد على صوت خشخشة أمام الباب.
أخذت أنفاسًا باردة، واتجهت ببطء نحو المدخل، وفتحت الباب قليلاً...
لا أحد.
لكن على العتبة، وُضعت ورقة مطوية، عليها كلمة واحدة فقط:
"عارفة وينك"
**
ارتعشت يدها، وأغلقت الباب بسرعة.
ركضت نحو رُبى، التي كانت جالسة في ركن الغرفة، لم تنم.
— "شوفي!" قالت سُهاد، وهي ترمي الورقة في حضنها.
رُبى قرأت، ثم شهقت بقوة:
— "هالخط… هاد خط أخو زوجي.
هو اللي قتل أخوه… هو اللي هددني…
وإذا وصل لهون… ما رح يرحمني، ولا يرحمكم."
**
نهى دخلت الغرفة على الصراخ، وخلفها سلمى.
الجميع اجتمع.
والبيت… لم يعد صامتًا كما اعتاد.
**
سألت نهى وهي ترتجف:
— "شو ناوية تعملي؟"
ردّت رُبى بصوت متكسّر:
— "أهرب… أهرب قبل ما يجيني."
هشام قال بحدة:
— "لا، مش رح تهربي.
لو هربتي اليوم، رح تظلي تهربي طول عمرك.
لازم نواجه، ونحط نقطة آخر السطر."
سُهاد نظرت له بعمق…
وقالت:
— "وكيف؟ نحنا ما إلنا ظهر، ولا قوة، ولا رجال تحمينا."
اقترب هشام، وقال بصوت هادئ وواثق:
— "بس أنا هون.
ورح أكون الظهر… للكل."
**
في صباح اليوم التالي، استيقظ الجميع على مشهد صادم:
باب المنزل مفتوح، والعتبة مُلطخة ببقع حمراء كأنها دم.
وورقة أخرى وُضعت عند الباب:
"البيت مكشوف… والعدّ التنازلي بلّش."
**
هنا، فهمت النساء أن الحرب بدأت…
وأن الصمت، لم يعد خيارًا.
يتبع


تعليقات
إرسال تعليق