القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية أرض الدوم الفصل الرابع بقلم الكاتبه رحمه نبيل حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج

رواية أرض الدوم الفصل الرابع بقلم الكاتبه رحمه نبيل حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 



رواية أرض الدوم الفصل الرابع بقلم الكاتبه رحمه نبيل حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 


 الفصل الرابع [ فروشكا] 

"إنَّما نحنُ أحياءٌ بالآمالِ وإن كانَت باطِلة.. وسُعداءُ بالأماني وإن كانَت كاذِبة".


- المنفَلُوطي.


صلوا على نبي الرحمة .


تفاعل باللايك على الفصل قبل القراءة رجاء.


ــــــــــــــــــــــــــ


لا تعلم السبب الذي جعلها تتحرك من بين الجموع وتهرول خلفهم بسرعة قبل أن تفقد أثرهم.


فضول ؟! ربما 

انبهار ؟! حتمًا.


بالله عليكم هذا الرجل كسر يد عز الدين بقبضة يده فقط، سبب كافي لتنجدب لذلك الضوء الذي يلوح من بين ثيابه السوداء ونظراته المرعبة .


ابتسمت وهي تراقبهم من بعيد وقد أعادت غطاء وجهها تخفي به ما ظهر منها عدا عيونها، تسمع أصوات الصيحات في الساحة خلفها وقد أدركت أن منزلها سيكون عامرًا اليوم بالحشود وأن القادم سيكون جحيمًا على القبيلة بأكملها، جيد إذن سيجد القوم شيء 


توقفت حينما ابصرتهم يقتربون من منزل تعلمه تمام العلم، كيف لا وهو كان في وقتٍ من الأوقات ملجئها الذي تختبأ به من والدها حينما تخفق، وتختبأ به من الجميع حينما تضيق بها الحياة، قبل أن يعلم عز الدين المكان لتغيره مخافة أن يستغل وجودها به وحدها يومًا ويتجرأ عليها .


توقفت على بُعد صغير أمام المنزل تتابع الجميع بأعين فضولية حتى توقفت عليه ..


ملامح شرسة، خصلات طويلة مبعثرة، وعضلات تكاد تقسم أن ذراعه فقط اضخم من فخذ عز الدين النحيف، ابتسمت على الفكرة وشعور عامر بالانتشاء ينتشر داخلها، ليس لوجود رجال غرباء وسيمين في قريتها، بل لأن هناك ما يكدر صفو القرية _ وتحديدًا عز الدين _غيرها .


فجأة وبينما كانت شاردة في ذلك الرجل، اختفى دون أثر وكأنه لم يكن، وارتفع صوت اصطدام رصاصة بالشجرة أمامها، وقبل تحريك عيونها لتستوعب ما يحدث، وجدت فجأة جسدها يُسحب من خلف الشجرة بشكل مرعب، حتى أنها أطلقت صرخة لا تدري كيف خرجت منها حتى .


ولم تكد تدرك ما حدث لها، حتى شعرت بشيء معدني بارد على رأسها ويد تلتف حول رقبتها .


اتسعت عيونها بسرعة تحركها صوب تلك الذراع، نفسها الذراع التي كانت تشكرها منذ ثواني لكسر يد عز الدين، الآن تلتف حول رقبتها تحاول أن تخنقها  .


ومسلم الذي تفاجئ من أن المتسلل كان امرأة، اتسعت عيونه ولم يكد يبعد يده عنها، حتى انطلقت صرخة متفاجئة منه أكثر منها متوجعة وهو يشعر بأسنان حادة تغزر في ذراعه .


_ يابنت الــ ...


ولم يكد يستوعب الوجع الذي امتد على طول ذراعه، حتى استغلت هي الوضع، تبعتد عنه بسرعة تخرج في ثواني سكين صغير توجهه لصدره مباشرة .


وهو اتسعت عيونه وصوت حاتم خلفه يصدح وهو يراقب بأعين متسعة واستمتاع غير محدود :


_ يا لطيـــــف يا الله .


أصبح الوضع كالتالي، هو ينظر لها مصدومًا وما زال سلاحه مرفوعًا عليها دون شعور، وهي ترفع سكين تجاه صدره .


تهمس بصوت منخفض :


_ نزل سلاحك .


مال مسلم برأسه مبتسمًا بسمة غريبة، جعلتها تتوتر لثواني لا تدرك مغزى تلك البسمة حتى .


والجميع في الخلف يتابعون بانتباه شديد ما يحدث، ولم يحرك أحدهم إصبعًا حتى، ولا يدركون كيف يتصرفون في هذا الموقف .


_ الله ينجدنا منها، هالبنت ما حدا بقدَر عليها غير ربّنا.


كانت جملة صغيرة نطق بها حاتم قبل أن يهتف أحمد بصوت منخفض :


_ المفروض نتدخل ؟!


_ نتدخل ايه يا حبيبي واحد بمسدس وواحدة بمطوة، هنتدخل بينهم نعمل ايه ؟! ولا نتدخل بايه ؟! بالجدعنة ؟! 


كانت جملة يحيى التي نطقها بسخرية وهو يشير صوب الحرب الباردة التي كانت تمارس في هذه اللحظة، لكن عيسى ابتسم بسعادة وهو ينظر صوب رايانا :


_ أنا عامة هشجع القمر دي، لو قتلت اخوكم هتجوزها فدية .


مال يحيى يجذب رأس عيسى صوبه يقبلها بهدوء ومن ثم ربت عليه بلطف وكأنه يتعامل مع طفل :


_ بس يا حبيبي ربنا يهديك .


اعتدل في وقفته بضيق ثم همس بصوت خافت :


_ أنا الكبير، أنا اللي هتجوزها .


عند مسلم كان أول من انزل سلاحه وهو ينظر لها بأعين هادئة يرفع حاجبه بضيق من وقوفها بهذا الشكل أمامه دون حتى أن تتراجع أو تخجل، استفزته بجرأتها التي تلتمع في عيونها .


وفي الحقيقة كانت تلك الجرأة تقبع خلفها فتاة مرتعشة من الخوف والندم لما فعلته الآن.


_ متقوليش إن رجالة قريتك خافوا يواجهوا بنفسهم وبعتوا بنت ؟! 


لكن رايانا على عكسه لم تخفض سلاحها، بل ضغطت أكثر على صدره وكأنها على وشك ثقبه بسكينها الصغير مبتسمة بسمة صغيرة  :


_ رجالة قريتي ؟؟


كانت جملة ساخرة وودت لو تضحك على كلمته فهي في الواقع لم تبصر رجلًا في قريتها من قبل، هذا إن استثنت وجودهم .


لكن كلماتها لم تكن ساخرة لمسلم بل شعر بها تتحداه بها، لذا رفع حاجبه بترقب :


_ أنتِ نفس البنت اللي كانت الصبح عند البحيرة مش كدة ؟!


حسنًا حتى مسلم نفسه تفاجئ من تغير مسار الحديث فجأة، لم يدرك حتى كيف انزلقت الكلمات من فمه، لكن رؤية عيونها مرة ثانية ذكرته بما حدث صباحًا، وكيف نزعت حبل الجسر واسقطته .


وهي بمجرد أن سمعت كلمته لمع موقف الصباح في عقلها وتراجعت بحذر، وهي تنظر حولها للجميع بتردد .


كانت لحظة فقط شردت بها عن مسلم ليرفع الأخير يده بسرعة ينتزع منها السكين يلقيه بعيدًا في ثواني، وهي نظرت له بصدمة ليبتسم لها بسمة صغيرة وهو يميل قليلًا حتى أصبح في طولها تقريبًا يهمس بصوت خافت ببحة غريبة وقد شعر بالحنق منها ومن قومها : 


_ لا يليق بالنساء حمل الأسلحة آنستي، وبالطبع لا يليق بهن أن يكن بمثل وقاحتك في الوقوف هكذا مع خمسة رجال غرباء، صحيح ؟!


رمشت رايانا بعدم فهم مما قال، كلمات قليلة ربما هي ما استطاعت التقاطها، لكنها فقط شردت به ثواني، ملامحه عن قرب، وصوته الذي أصابها برعشة، رعشة خوف وقد شعرت لأول مرة بأن أحدهم قد يؤذيها بسهولة، ابتلعت ريقها وهي ترفع عيونها له تحدق فيه ثواني وقد شردت في نظراته، تبصر عيونه التي بدأت تضيق أكثر.


وهو أدرك فجأة أن كلماته خرجت بلغة ربما لا تفهمها، لذا ردد بهدوء وبصوت خرج منه محذرًا وهو يضغط على حروفه :


_ معتقدش أنه وجودك هنا بين خمس رجالة شيء صح، ولا أنتِ شايفة ايه؟! 


نظرت له وهي ما تزال شاردة بوجهه لا تفهم ما تفعل ولا سبب صمتها، لكن فجأة انتفض جسدها انتفاضة شبه محسوسة وهي تسمع صوته يهتف بنبرة شرسة :


_ اتحركي من هنا، ومتقربيش من البيت ده تاني  .


نظرت رايانا حولها للرجال الذي كانوا يتابعون باهتمام ما يحدث، ولم تكد تفتح فمها بكلمة حتى هتف مسلم بصوت قوي :


_ اتحـــــــــــــركي .


انتفضت للخلف وهي تنظر له بصدمة سرعان ما تحولت لغضب شديد من صراخه، ورغم ذلك لم تتحدث بكلمة، تستدير بسرعة تتحرك من المكان ركضًا وهي ترفع غطاء وجهها الذي سقط في غفلة عنها .


تاركة مسلم يراقبها بجسد مشدود لا يفهم ما بها هذه الفتاة المريبة، تنفس يحاول إبعادها عن تفكيره، وهو يستدير صوب الجميع ليبصر نظراتهم الغريبة صوبه، وفي الواقع نظراتهم تلك كانت السبب الرئيسي في صرفها بهذه الطريقة .


عيسى يرمقه بضيق وحنق، وأحمد بتعجب، ويحيى بتفاجئ، وحاتم بريبة من هيئته ليصرخ بهم مسلم :


_ فيه ايه أنتم كمان ؟؟ 


انتفض الجميع وهم يتحركون داخل المنزل بسرعة يتجنبون مسلم في هذه الحالة، بينما مسلم تنفس بعنف بمسح وجهه، يبعد يده عن عيونه ليبصر نظرات حاتم له .


_ ماذا ؟؟


_ لا أنا فقط مازلت متعجبًا لما حدث .


_ وما الذي حدث يا ترى سيد حاتم ؟!


ابتسم له حاتم بسمة مستفزة وهو يهز رأسه:


_ تحدثت مع امرأة أكثر من كلمة واحدة، شيء يُحسب لها.


ختم حديثه يدخل من الباب ومسلم ظل واقفًا في مكانه يتابعه بأعين باردة، وداخله جملة حاتم ما تزال تتردد، استدار ببطء صوب الخلف ينظر للطريق الذي سارت به هذه المرأة، قبل أن يبعدها عن رأسه ويتحرك للداخل بسرعة وكأنه يمنع نفسه حتى من الانشغال بالتفكير في شيء غير ما جاء لأجله .


هو هنا لهدف سيحققه ويرحل.....

ـــــــــــــــــــــــــــــ


_ شايف إن ده حل ؟!


رفع والدها عيونه لها وقد كان يشعر بالعجز في هذه اللحظة، منقسم لنصفين، نصف يشعر بالعار لما هو مقدم عليه بشأن ابنته، ونصف آخر يشجعه ليقطع ألسنة من يتحدث بالسوء عنها .


_ كارا يا بنتي، أنا بحاول اعمل كده عشان اساعدك، أنتِ شوفتي بعيونك اللي القبيلة بتقوله عنك بعد طلاقك من عز الدين .


ابتسمت كارا بحقد وغيظ شديد، وهي تتذكر الشجار الذي نشب في عقد قرانه قبل فترة من الزمن حينما دمر حياتها وركض ليتزوج برايانا، رايانا التي كان لها الفضل بعد الله في حصولها على الطلاق .


هي لم تخبر والدها ولم تخبر أحدهم، لكنها هي من أرسلت رسالة لرايانا تنبأها فيها برغبة عز الدين في الزواج بها، وتوسلتها أن تحررها منه وقد كان، لكن ما لم تدركه أن والدته لم تكن لتسمح لها بعيش حياة هانئة لتغدو في القرية تردد على مسامع الجميع أنها امرأة لا تنجب، وحسنًا كادت تصدق الأمر، لولا رسالة من مجهول تخبرها ما حدث ومكيدة زوجها .


مجهول تعرفه هي والجميع في الواقع.


_ شايف زواجي من راجل اكبر مني ب ١٦ سنة، حل يا بابا ؟!


بلل محفوظ شفتيه بعجز، وهو يحاول التفكير في حل لابنته، فرغم ما فعلته في الزواج لم يتوقف الجميع عن ترديد تلك الإشاعات ولا مجال لدرئها سوى بالزواج وإحضار صغار يكذبون احاديث عز الدين ووللدته، ولا رجل يقبل الزواج بها بعد ما حدث .


_ كارا أنا....


_ لا يا بابا أنا مش هكرر غلط زمان، عز الدين كان نور مبهر جذبني ليه من غير ما احس وفجأة لقيته نار، مش هرمي نفسي مرة تانية في شيء اسوء .


_ بس أنا... أنا بالفعل قولت للراجل كلمة يا كارا وخلاص هما هيكونوا هنا بعد أيام عشان نتفق.


انتفض جسد كارا من مكانها بغضب تصرخ في وجه والدها دون أن تتحكم في نفسها :


_ دي حياتي ازاي تاخد قرار بالنيابة عني ؟! أنت مستوعب المصايب اللي عمال تحطني فيها كل شوية ؟! 


انتفض جسد والدها وقد اكتفي من تدليلها يصرخ بالمقابل في غضب شديد :


_ خلصنا يا كارا اللي قولته هو اللي هيحصل، الظاهر إني دلعتك زيادة، لكن خلاص انتهينا، اجهزي العريس هيكون هنا بعد أيام قليلة .


ختم حديثه يرحل بسرعة من أمامها قبل أن يضعف بسبب نظراتها، يقنع نفسه أن كل ذلك لأجلها، أن كل ما يفعله الآن كي ينقذها من نفسها، من وحدتها، من نبذ قريتهم لها، لا ينقصه أن تكون ابنته رايانا أخرى .


وكارا فقط ظلت واقفة بأعين دامعة، تشعر بجسدها يرتجف من شدة الغضب والنقم على كل ما يحدث، كل هذا بسببه، بسبب ذلك الحقير عز الدين الذي لم يكتفي بتدمير حياتها سابقًا، ليجعلها دمارًا بعدما خرج منها .


ضربت الطاولة بغضب حتى شعرت بوجع مريع ينتشر من أصابعها لباقي قدمها وهي تكتم بكائها صارخة :


_ الله ياخذك يا عز الدين .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


وصلت للمنزل تتحرك بسرعة صوب الجهة الخلفية تنظر صوب النافذة الخاصة بها، ومن ثم حركت عيونها في المكان حولها تقفز بسرعة على الشجرة الصغيرة التي تجاور المنزل ولم تكد تتسلق للغرفة، حتى سمعت صوتًا يأتي من نافذة قريبة في الطابق الارضي، صوت تعلمه جيدًا .


عز الدين .


ابتسمت وهي تترك الشجرة وتتحرك بسرعة صوب النافذة، تحاول ألا تحدث صوتًا وهي تبصر في الداخل جميع الرجال يجلسون في اجتماع ورائحة الغضب تفوح من المكان، لكن كل ذلك لم تهتم به وهي بالفعل تعلم أن هذا سيحدث .


كل ما اهتمت به هو صرخات عز الدين المرتفعة والحكيم أمامه يحاول أن يحرك يده .


صرخاته تهز الجدران كطفل صغير سقط للتو .


_ ما تخف ايدك شوية .


زفر الحكيم بسخرية من أفعال عز الدين :


_ ده مجرد التواء عايز يترد.


_ وأنت كل ده لسه مردتوش، خلصني وغور .


كبتت رايانا ضحكتها بصعوبة ولم تكد تتحرك مبتسمة لتنام قريرة العين للمرة الأولى حتى سمعت صوت عز الدين وهو يصرخ بصوت مرتفع قائلًا :


_ احنا هنعمل ايه يا بارو ؟؟ أنت بجد هتسيبهم في البيت ده ؟؟ أنت كده بتديهم الفرصة يقعدوا بينا وشوية شوية هياخدوا الأرض اللي حوالين البيت .


رفع والدها عيونه ينظر لعز الدين وقد بدا أن تلك لم تكن افكار ومخاوف عز الدين فقط، بل شاركه بها كل من بالغرفة، لذا ابتسم والدها بسمة لم تطمئن لها :


_ ومين قال إني هسيبهم يتهنوا بيه ؟! كل شبر في الأرض دي بما فيهم بيت المريدي ملكنا، أنا بس بدي نفسي فرصة افكر ليهم في حل .


ارتفع حاجب رايانا وهي تمنح كامل انتباهها لوالدها تحاول إدراك ما يفكر به في هذه اللحظة، ورغم رفضها لفكرة أن أحدهم قد يخرجها من منزلها، إلا أنها كانت تكره أن يتعامل والدها وكأنه رئيس عصابة .


_  الشباب دول مش هيطولوا كتير في أرضنا، في خلال أيام هكون متصرف ومخرجهم منها .


تحدث أحدهم يطرح مخاوفه علنية أمام الجميع :


_ لكن يا بارو أنت شوفت الشاب اللي معاهم، شكلهم مش سهل و...


_ واحنا من امتى كان بيهمنا شكلهم ولا مش شكلهم يا راضي، الأرض دي ارضنا اللي ورثناها، سواء عجبهم أو لا، ومش معنى إني سكتّهم واخدوا بيت المريدي يبقى هسمحلهم يطولوا في الضيافة دي .


رفعت رايانا حاجبها ولم تهتم كثيرًا، تدرك ما يفعله الجميع هنا، فهم يفعلون ما يرغبون به دون وضع اعتبارات لأي شيء، تنهدت بصوت مرتفع، تتحرك حتى تدخل المنزل من الباب الامامي بعدما أدركت أن والدها في خضم اجتماع ولن يشعر بشيء، لكن ما كادت تتحرك خطوة واحدة حتى سمعت صوت عز الدين يردد بفحيح وصل لها :


_ سيب الموضوع ده عليا يا عمي، واعتقد ده ممكن يكون افضل مهر أقدمه لبنت عمي ولا ايه رأيك ؟!


توقفت ضربات قلب رايانا من الكلمات التي سمعتها، تنتظر سماع صوت والدها، أي اعتراض، لكن كل ما وصل لها هي همهمة وموافقة صامتة من طرف والدها، تنفست بعنف وهي تتحرك بسرعة راكضة صوب غرفتها، تشعر بطنين الغضب يعلو داخل رأسها واللون الأحمر يلوح في الأفق .


_ على جثتي يا عز الدين ....أو على جثتك ....  


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تحركوا داخل المنزل حيث كان الظلام يملئ اركانه، عيسى يتمسك بثوب يحيى الذي كان يدفعه بغيظ وهو يحاول أن يتخلص من قبضته المحكمة :


- يا حبيبي سيبني مش عارف امشي بسببك مكلبش فيا كده ليه ؟؟


نظر عيسى حوله، كان المكان مظلم حتى لموضع قدم، لذا زاد من التصاقه بيحيى الذي نفخ وهو يدفعه بغضب أكثر وقد بدأت أصواتهم تعلو .


ومسلم يتحسس الجدار بحثًا عن أي زر للأضواء، وبمجرد أن وجده ضغط عليه، على أمل أن يكون نظام الإضاءة ما يزال يعمل حتى الآن.


لكن بمجرد أن ضغط عليه انتفجر المصباح الذي يعلو رأس حاتم ليطلق حاتم صرخة مرتفعة وهو يقفز ليتمسك بأقرب شخص له والذي كان يحيى :


_ يا لطيــــف يا الله .


وبهذا الشكل أصبح كلًا من حاتم وعيسى يتمسكان بيحيى الذي مده يديه يضمهما كأم تضم صغارها يردد وهو يربت عليهم بسخرية، يحدق في ظهر مسلم الذي بالكاد يبصره :


_ كده برضو يا خويا خوفت الولاد، اسم الله عليكم يا حبايبي .


تحدث أحمد وهو يتحسس طريقه بصعوبة :


_ البيت شكله متفتحش من وقت ما جدك سابه، أعتقد مش هنعرف نبات هنا انهاردة .


زفر يحيى وهو يبعد عنه عيسى وخاتم بغيظ :


- اوعى يا عم أنت وهو، آمال يعني هنقعد فين ؟!


تنفس مسلم بصوت مرتفع وهو ينقر على بعض الأزرار في هاتفه بسرعة كبيرة ومن ثم هتف بجدية :


- هنفرش أي حاجة قدام البيت لغاية ما الدنيا تتظبط، ونخلص اللي جينا عشانه. 


تحدث أحمد بجدية وهو يقترب من أحد النوافذ يحاول فتحها، وفشل بعد عدة محاولات : 


_ واحنا هنعمل كده ازاي يا مسلم أنت مقولتش لينا أي حاجة تفهمنا اللي بتفكر فيه .


رفع مسلم عيونه لهم وهو ينظر حوله ثواني قبل أن يهتف بجدية مشيرًا للمنزل حولهم والذي كان مكون من ثلاث طوابق :


_ هقولكم بس نركز شوية والموضوع هيخلص اسرع مما تتخيلوا .


نظر له الجميع بعدم فهم، لكنه تحرك صوب النافذة يجذب المقبض بقوة ليفشل، لذا ضربه بقدمه بغيظ شديد ليحطمه، ثم دفع بقايا النافذة للخارج يتنفس براحة مبتسمًا وقد أضاءت أعمدة الإنارة في الخارج المنزل والجميع خلفه متسعي الأعين من تصرفاته عدا حاتم الذي اقترب من النافذة يجلس جوارها .


أما عن مسلم اغمض عيونه يتنفس براحة شديدة واخيرًا:


_ لو اللي في دماغي تم زي ما أنا عايز هيخلص الحوار كله في يومين بالكتير .


ولم يستوعب الجميع ما يقول، بينما حاتم ابتسم بسمة واسعة وهو يدرك ما يفكر به مسلم .


_ هنقتحم بيت البارو الليلة .....


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


هدوء الليل، كتابك المفضل على ضوء خافت في الغرفة، وسهرة مميزة مع بطلك المفضل في اللحظة الأشد قربًا لقلبك، لهي الحياة التي تود أن تُسجن بها مدى الحياة .


تنهدت بصوت مرتفع حين وصلت لذلك الجزء الذي تطمح له حين قراءتها الرواية، وحسنًا هذه المرة ليست إستثناءً، ورغم أنها تقريبًا حفظت كلمات الكتاب بأكمله كلمة كلمة عن ظهر قلب، فقد كان هو كل ما تمتلكه من القصص العاطفية والذي اهدته لها سافا قديمًا في مراهقتها فكانت تعيده مرات ومرات ولم تمل ولن تفعل، فمن هي لتمل وجود الرجل الوحيد في حياتها والذي للسخرية كان بطلًا في رواية يراها والدها سخيفة .


وحينما وصلت للحظة الحاسمة تركت الكتاب بسرعة كبيرة وكأنه جمرة مشتعلة وهرولت ببسمة واسعة صوب المطبخ تجمع في رأسها ما ستحضره لأجل سهرة اليوم، البعض الحلوى وربما القليل من الفاكهة، ولن يضيرها بعض من بقايا طعام العشاء المتبقي .


حسبت الوقت الذي تحتاجه بعيدًا عن أحضان كتابها لتحصل على ما تريد، دخلت المطبخ بسرعة. أخذت تتحرك في كل مكان تحضر ما تريد .


انتهت تقريبًا مما تريد وتبقى شيء وحيد للحصول عليه .


استدارت صوب خزانة المطبخ تصل الجزء المفضل لها والحلوى المفضلة لها على الإطلاق تلتقط منها الكثير، وحينما انتهت نظرت للغنيمة بسعادة تتوسطهم حلواها المفضلة " الفَروشكا"¹، التقطت واحدة تلقيها في فمها ولم تكد تمضغها حتى سمعت ضوضاء تأتي من النافذة الواسعة التي تقبع خلفها .


رمشت بتوتر وهي تحرك يدها بتوتر على الطاولة أسفلها تبحث عن شيء تدافع به عن نفسها، وفمها مغلق بقطعة كبيرة من حلوة الفَروشكا.


حسنًا على الأقل ستموت ميتة حلوة بطعم الفَروشكا.


* الفَروشكا¹ ( حلوى تُصنع من السميد والعسل وبعض المكسرات وتُشكل على هيئة كرات، تقدم في العادة في المناسبات السعيدة كالأفراح ) 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


كانت الساعة المنتظرة وهم يتحركون جميعهم صوب المنزل الذي عرفوه يخص البارو .


_ طب افرضوا مطلعش بيته ؟؟ ايه اللي يخلينا متأكدين إن البيت ده بتاعه ؟!


كانت كلمات عيسى الذي كان مترددًا في اللحاق بهم، وفي الواقع كان سببه الوحيد في الذهاب معهم لمثل هذه المهمة الانتحارية هو أنه لم يرغب في البقاء وحده في ذلك البيت المرعب الذي كان يخص جده .


توقف مسلم ونظر حوله لجميع المنازل والتي كانت عادية تقريبًا تتكون من طابق أو إثنان ربما، عدا منزل واحد يتوسط القرية يتكون من أربعة طوابق ذو شرفات كبيرة وبناء فخم وساحة أمامية كبيرة، ومن ثم نظر لعيسى وهو يضع يده على فمه يدعي التفكير :


_ تصدق صح ؟؟ يا ترى ليه متأكدين كده إن البيت الوحيد الكبير والفخم في القرية يبقى بيت زعيمهم، شيء غريب والله، ايه رأيك نخبط عليهم ونسأل ؟!


_ هيكون احسن بدل ما ندخل على حد بالغلط .


مسح مسلم وجهه وهو يكتم صرخة كادت تفلت منه، بينما يحيى قال بسرعة وهو يشير صوب عيسى :


_ اهو شوفت عشان ابوك بيقولي اني بظلمه وباجي عليه من غير سبب .


صمت قبل أن يقول بعد تفكير قصير :


_ أنا كده فعلًا، بس هو برضو مستفز، سواق توكتوك على الفاضي، لا معاه مطوة ولا مدرّج شعره ولا عنده قطع في حاجبه ومش صايع وبيتعلم عليه من كل سواقين التكاتك اللي في المنطقة، عيل مستفز.


نظر له عيسى بغيظ شديد وفتح فمه ليصرخ في وجهه، لولا مسلم الذي جذبه بسرعة صوب صدره يكتم صوته وهو ينظر بتحذير ليحيى :


- يا بني اخرس بقى الولد اطول منك اساسا، اتلم شوية مش هسيب اللي جاي عشانه وافضل افصل بينكم كل شوية .


نظر عيسى صوب مسلم يشكو له بضيق تصرفات يحيى :


- شوفت اخوك اللي مترباش ؟؟


قبل مسلم رأسه وهو يراضيه:


_ حقك عليا يا عيسى محدش فينا أتربى والله غير أحمد، حتى حاتم ناقص رباية برضو، لو كان محترم كان ضربني رصاصة لما اقترحت ننزل مصر .


اتسعت عيون حاتم والذي كان يلتزم الصمت تاركًا لهم الفرصة لحل مشاكلهم سويًا :


_ ايـــه، شو دخّل حاتم بينكم هسّا؟ إنتو عيلة مش متربية! وشو دخلني فيكم ؟؟


نظر له مسلم بغضب، ومن ثم نظر صوب أحمد الذي كان صامتًا بملل وقد اعتاد كل هذه الحوارات منذ فترة طويلة، تحديدًا منذ قررت والدتها أن تختار عائلة المريدي لتولد بها .


_ هندخل ونخلص ولا والله اروح أنام أنا مش متعود على السهر ده .


كانت تلك جملة أحمد الحانقة والغاضبة منهم، ليرميه مسلم بضيق :


_ اتفضلوا حتى المتربي نطق بسببكم، اتنيلوا اتحركوا معايا خلينا نتحرك .


تحدث عيسى بتفكير وهو يعرض عليهم أي سبب للتراجع :


_ طب احنا بندور على ايه ؟! مش يمكن ولعوا في عقود الملكية اساسا ؟! أصل ليه يخلوا معاهم دليل على سرقتهم؟!


_ أي ورق ملكية نثبت أنه مزور أو ممكن يكونوا متخلفين ومعاهم عقود ملكية جدك، أي حاجة تنفعنا يا عيسى مش هنقعد نتفرج عليهم .


هز عيسى رأسه ولم يقتنع بعد بالأمر لكنه لحق بهم على أية حال، ومسلم يتحدث بجدية :


_ هندخل من شباك المطبخ .


نظر له الجميع بعدم فهم وهم يتبعونه بعيدًا عن مقدمة المنزل يتحركون لنقطة عمياء بعيدة كذلك عن أعين الناس حولهم .


وأول سؤال تردد على لسان احمد:


_ شباك المطبخ ؟؟ وأنت عرفته منين ده ؟؟


ابتسم مسلم وهو يتوقف أمام الجزء الخلفي للمنزل، ينظر له ببسمة واسعة وقد صدقت كلماته بوجود شرفة كبيرة في المطبخ، فرصة جميلة لكل لص أراد اقتحام المنزل، والشكر لله بالطبع، ثم للمهندس العبقري الذي صمم هذا المنزل .


_ كان فيه صحفي جه قبل كده للقرية هنا وصور فيها فيديوهات قبل ما يحب واحدة من الستات هنا ويهرب بيها من عيلتها.


كان يتحدث وهو يفتح النافذة بهدوء حريصًا ألا يصدر أي صوت قد يجلب الإنتباه لهم، والجميع _ عدا حاتم_ براقبونه بصدمة لحصوله على تلك المعلومة .


_ لا معلش فيديوهات ايه ؟؟ أنا بحثت قبل كده وملقتش أي فيديو عن القرية دي وحتى جوجل لما كتبت عليه اسمها طلعلي في البحث ( أرض الحاج برعي وأولاده لزراعة الدوم ) .


ضحك مسلم ضحكة صغيرة ولم يجب وهو ينتهي واخيرًا من فتح النافذة وهذا يذكره بالبحث عن مصمم المنزل وتوجيه شكر له بعدما ينتهي كل هذا.


تولى حاتم شرح الأمر ببساطة للجميع :


_ فيه صحفي حكى بمقال إنه زار القرية وكل البيوت فيها، وأخوك دخل على المقال، جاب اسمه، وبعدين فتّش عنه وسحب كل الداتا تبعته.


نظر الجميع بانبهار لمسلم، فنعم لم يكن خبرته بالتكنولوجيا شيء جديد عليهم وقد كانت هذه هواياته منذ صغره حتى التحق بكلية الهندسة مجال التكنولوجيا، لكنه لم يكن من قبل بهذه الاحترافية .


_ أنت بس لو تسمع كلامي وتفتح سايبر² والله لتكسب فلوس اكتر من تمن الأرض اللي هتموتوا بعض عليها .


وكان ذلك الاقتراح الذي لا ينفك عيسى يقترحه على شقيقه بعدما أبصر ما يستطيع فعله على أزرار الحاسوب غير كتابة اسمه وتغيير خلفية الحاسوب لورود صفراء.


_ شكرًا يا عيسى لما أفكر اتقاعد واريح دماغي هفتح سايبر واوقفك فيه، ودلوقتي اهدوا وركزوا معايا عشان مش عايز غلط ومش عايز أي جذب انتباه ولا أي حركة غبية واحدة سامعين ؟؟


كان يتحدث بنبرة شديدة اللهجة وهو يمرر عيونه على الجميع، والكل يستمع لكلماته باهتمام شديد حتى أمرهم بصوت خافت أن يتبعوه للداخل .


كان هو أول من يدفع باب النافذة، ويتحرك داخل المطبخ ببطء وحذر شديد يستكشف لهم المكان قبل اعطائهم إشارة الدخول .


وفي أثناء بحثه عن أي خطر قد يبصرونه خلال رحلة إحضار صك الملكية، أو أي أوراق، أبصرها ...


تقف أمامه بأعين متسعة وفم ممتلئ بالطعام وقد جمعت شعرها بشكل غريب فوق رأسها وقد بدى مبعثرًا أكثر، ترتدي عباءة طويلة واسعة، ملونة وسخيفة .


ولحظة صمت طويلة، أطول مما يجب مرت على الاثنين وهما يحدقان ببعضها البعض دون أن يتجرأ أحدهما على قول كلمة .


شعر مسلم أنه لأول مرة عاجز عن التصرف وقد توقف عقله في ثواني، وقد تلاشت كل أفكاره في هذه اللحظة حول خطته التي وضعها في حالة أبصر أحدهم في طريقه .


نظر حوله وهي فقط تراقبه بأعين متسعة وما دار بعقلها في هذه اللحظة أكثر شيء سخيف قد يطرأ على رأس امرأة وهي تقف في مطبخ منزلها بعد منتصف الليل أمام مقتحم " هذا الرجل يشبه بشكل غريب بطل روايتها المفضل " .


ابتلعت الحلوى بسرعة وهي تحاول الحديث بكلمة أو الصراخ، ويبدو أن مسلم أدرك نيتها في ذلك ليرفع إصبعه أمام فمه يشير لها محذرًا أن تتحدث بكلمة، وهي لم تكن تهتم حتى بتحذيره، كل ما كان يمنعها من الصراخ هو الطعام في فمها، لذا مضغت قطعة الفَروشكا بسرعة وفتحت فمها للصراخ لولا مسلم الذي اندفع لها وكان أول ما طرأ في رأسه ليصمتها هو حشر قطعة أخرى من الحلوى جوارها في فمها .


اتسعت عيون رايانا بصدمة من فعلته واستدارت بسرعة تبحث بعيونها عن السكين، لكن لم تكد تتحرك خطوة حتى أمسك مسلم بها وهو يجذبها صوبه يكتم فمها يميل عليها من الخلف محذرًا بصوت مرعب :


_ صدقيني لو مكانك مكنتش هعمل الحركة الغبية دي .


حاولت رايانا ابعاد يده لتبتلع الحلوى وتتحدث، لكنه رفض وهو يهمس بصوت خافت :


_ اسمك ايه ؟!


لم يكن سؤالًا حضّر له في الواقع، لكنه أول ما فكر له بمجرد أن رآها للمرة الثالثة، أو ربما كانت الرابعة، ولا يدري السبب لكن بشكل أو بآخر هو بيصرها في كل مكان في هذه القرية تقريبًا .


وهذا لا يعجبه البتة .


حاولت رايانا دفعه بعيدًا عنها والغضب كان يغلي داخلها بقوة، مشهد كهذا كانت لتحبه إن كان بكتاب وليس بالواقع، هي كل ما تفكر فيه في هذه اللحظة هو الاستدارة وغرز أظافرها في أعينه .


همس لها مسلم بصوت مسموع لها فقط :


_ هشيل ايدي براحة ومش هتنطقي بكلمة، اتفقنا ؟!


وهي أومأت بطاعة ترغب فقط في إبعاد يده عنها، وحينما فعل ذلك ابتلعت بسرعة الحلوى ومن ثم نظرت له بغضب شديد ورفعت يدها على حين غرة تمسك أحد الأطباق جوارها، لكن مسلم كان متيقظ على حركاتها وأمسك بسرعة يدها وهو ينظر للطبق بسخرية :


_ صدقيني دي حركة غبية مبرجحش تستخدميها قصاد أي حد، في الوقت اللي لفيتي فيه تدوري على حاجة تضربيني بيها، كان ممكن تغافليني وتضربيني في رجلي مثلا توقعيني وبعدين تجري تنادي حد .


هل يعلمها الآن اسلوب الدفاع عن النفس ...ضده ؟!


وهو قرأ أفكارها فابتسم بسمة صغيرة لا تعلم سببها، لكن في لحظة شعرت رايانا أن هذه كانت أكثر بسمة صادقة لطيفة وُجهت لها يومًا، هذا إن لم تحتسب بسمات جدتها لها .


_ أكيد مش ضدي يا ....


صمت يكرر نفس سؤاله المطروح :


_ اسمك ايه ؟! 


نظرت له بعدائية ولم تتحدث باسمها، بل همست له بنبرة غاضبة بعدما أبعدت ذلك الإعجاب السخيف والذي بالطبع نابع من عقلها الوردي الذي يحلم بقصة تشبه روايتها ربما :


_ معتقدش اسمي يخصك في حاجة، وامشي من هنا بدل ما اصرخ وألم الكل عليك دلوقتي .


_ ومعملتيش كده ليه من الأول ؟؟ 


كان سؤالًا جادًا بعدما اعتدل في وقفته أمامها وقد على الجمود ملامحه مجددًا، ليتعجب بسمتها الصغيرة والغريبة :


_ اعتبره رد جميل على كسر ايد عز الدين .


اتسعت عيونه من كلماتها ولم يكد يتحدث بكلمة لفهم ما تقصد، حتى سمع الإثنان صوت يتحرك في طرقات المنزل لينظر مسلم صوب الباب بسرعة وفي ثواني وقبل التحرك أو قول كلمة وجد طبق يُدفع لصدره ليتمسك به بسرعة بدون وعي، ومن ثم شعر بيد الفتاة تجذبه بسرعة صوب الشرفة تشير له بالرحيل .


وهو ما يزال يحمل طبق الحلوى الذي كانت تحمله منذ ثواني لضربه، أشارت له وهي تهمس بتوتر :


_ امشي من هنا، امشي قبل ما حد يشوفك بسرعة .


نظر لها مسلم ثواني يبصر في عيونها خوفًا غريبًا، بالتأكيد ليس خوفًا عليه، لكنه رغم ذلك أمسك الطبق بقوة دون شعور وتحدث بلهفة وانتباه قبل المغادرة :


_ أنتِ خايفة ليه كده ؟! 


ورايانا التي كانت تنظر صوب الباب برعب، استدارت له فجأة بأعين مصدومة من كلماته، شعور غريب ملئ جسدها في هذه اللحظة وهي تراه وقد التقط خوفها، ومهلًا هل كانت نبرته حمائية في هذه اللحظة !!


هل يحاول أن يحتل مكانة بطل روايتها الشهم في قلبها ؟! 


ابتلعت ريقها وهي تدفعه بسرعة صوب النافذة وهي تهمس بصوت منخفض :


_ اعتبره رد جميل زي ما قولت، المرة الجاية مش هيكون فيه جميل ارده، امشي من هنا عشان دول مش هيسموا عليكم .


ختمت كلماتها وهي تتتحرك صوب باب المطبخ لتوقف أيًا كان القادم عن اكتشاف وجوده قبل رحيله .


أما عن مسلم فقد ظل واقفًا في مكانه يحدق في أثرها بفضول شديد، يحاول معرفة أو فهم ما حدث منذ ثواني .


لكنه في النهاية خرج من المكان يحمل داخله حيرة، ومشاعر حمائية غريبة، وطبق حلوى ....


ــــــــــــــــــــــــــــــــ


تحركت داخل غرفتها بخطوات مرتجفة لا تدري ما يحدث، غادرتها للحصول على بعض الطعام يدفئ برد معدتها حينما يغمرها بطل الرواية هي والبطلة بمشاعر جارفة، لتعود بلا طعام وبدفء فاق دفء البطل الذي كانت تطمح به .


رفعت عيونها للكتاب الذي كان موجودًا على الفراش ولا تدري هل كان الأمر بسبب ما مرت به، أم أن بطل الرواية في هذه اللحظة أصبح باهتًا ؟!


هزت رأسها تطرد تلك الأفكار وتطرد معها نظرة ذلك الرجل، وصوته وهو يسألها إن كان هناك ما تخافه.


لكنها لم تستطع طرد بسمتها التي رُسمت بلا شعور على فمها وهي تفكر أن هذا أول شخص في الحياة يسألها إن كانت خائفة، ارتجف صدرها من شعور الأمان الذي غمرها به في ثواني وهو المقتحم الذي جاء ينتوي سوءًا لهم .


يا السخرية !


وقعت عيونها على نفسها في المرآة لتتسع عيونها بصدمة من مظهرها، هل كانت تقف أمام الرجل بهذا الشكل، اقتربت بسرعة من المرآة وهي تتحسس خصلاتها التي جمعتها بشكل فوضوي فوق رأسها وعباءة جدتها التي تحب النوم بها بسبب قماشتها الرقيقة والقطنية.


_ ايه المنظر ده ؟!


شعرت برغبة عارمة في ضرب المرآة وتحطيم رأسها من هذا المظهر، لكن توقفت فجأة وهي تفكر أن لا بأس أن يراها هكذا، فهي لا تطمح لنيل إعجابه على أية حال صحيح ؟!


تحركت صوب النافذة تزفر بضيق شديد، تنهي الليلة في هذه المحطة، ستنام و....


توقفت عن الحديث وهي تبصر " منزل المريدي " يلوح بعيدًا في الأفق، أخذت تنظر له طويلًا لا تعلم السبب، قبل أن تغلق النافذة وتتحرك صوب الفراش تغلق هذا الجزء من أفكارها، تخفي جسدها بين الأغطية تغمض عيونها محاولة النوم، لكن فجأة شعرت باهتزاز هاتفها الذي تخفيه تحت الوسادة .


ضيقت عيونها فلا أحد يعلم رقمها هذا سوى القليل فقط، ومن سوء حظها كان هو من القليل .


عز الدين ...


" شكلك بلبس جدتي جميل، بس في المستقبل مش هحب زوجتي تلبس ليا اللبس ده لما تكون معايا فاقترح تتعودي على لبس تاني بحبه اكتر"


انتفضت من مكانها بسرعة وهي تنظر للرسالة بأعين متقدة ووجه أحمر خجل حينما تدفقت العديد من الصور التي يتحدث عنها لرأسها، واشتعل رأسها بغضب لجرأة الحديث الذي يخوضه معها بلا وجه حق كأنها إحدى جواري الحرملك الخاص به، تنتظر منه إشارة لتشرف جناحه .


غلي الدم في عروقها وهي تكتب بأحرف مشتعلة ردها قبل أن ترسلها وتلقي الهاتف بعيدًا عن يدها، ثم سحبت الغطاء فوق رأسها وهي تهمس بغضب :


_ اليوم اللي هكون فيه زوجتك يا عز الدين هيبقى يوم  جنازتي .


ربما كانت قديمًا حمقاء لتعتقد أن عز الدين هو سبيل نجاتها من أقاويل قبيلتها، لكنها الآن يمكنها العيش منبوذة بينهم، على أن تحيا مُبجلة مع ذلك الرجل .


أغمضت عيونها وهي تغطي في نومة تدعو ربها ألا يلوثها وجهه في أحلامها..


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


أما عند عز الدين كان يجلس في باحة المنزل ينظر لنافذتها وهو يدخن بشراهة مبتسمًا بسمة واسعة حينما أبصرها شاردة، ولم يقاوم أن يرسل لها رسالة ليبصر ردة فعلها والتي لم تروقه البتة وهو يبصر ردها بكلمات شعر فيها بغضبها " لو بتحبهم كده وصي مرات عمي تشتري لمراتك، بلاش تحرم نفسك من شيء، ولو يا سيدي عايز البسهم أنت ولو ملقيتش مقاسك فجدتي عندها عبايات تانية ممكن تيجي على مقاسك " 


ضغط على الهاتف بقوة وبسمة سوداء ارتسمت على وجهه، وإن كانت تظن أن ردها ذلك سيمنعه عنها فقد اخطأت، هذه المرأة له منذ ولادتها، ألقى السيجارة ارضًا بقوة يطحنها لاعنًا حظه الذي جعله يفقدها في لحظة طيش منه .


رايانا " جميلة جميلات الدوم " ، المرأة الأشد جمالًا والاتعس حظًا، وهو ....


لم يهتم لما يقال عنها، بل بشكلٍ أو بآخر ساهم به كي يبعد عنها كل من يفكر في الاقتراب منها ويجعل فرص اقترانها بأخر مستحيلة .


اغمض عيونه وهو يعود لسنوات مراهقتها، حينما كانت حلوة لينة بين أصابعه...


دخلت رايانا المنزل بوجه أحمر وعيون باكية وهي تبحث في الجوار عن وجه والدها تستنجد به، لكن لم تبصر من الجميع سواه هو .


تقدم عز الدين صوبها بسرعة يهتف بصدمة حينما رأى الجرح الذي كان يعلو جبهتها :


- راي مالك ؟!


نزلت دموع راي وهي تهرول صوبه تختبأ به ممن كان يطاردها باكية بصوت متقطع :


- عز الدين، فيه عيال برة ضربوني بحجارة في راسي، أنا ....معملتش ليهم حاجة والله، هما ...


صمتت وهي تنظر له لعيون باكية تشير للباب بأمل تحتمي به :


_ هما لسه برة اطلع ليهم، أنا مش عارفة فين بابا، أطلع أنت ليهم قبل ما يهربوا .


رفع عز الدين حاجبه من كلماتها وهو يقترب منها أكثر بشكل جعلها تتراجع للخلف، لكن أوقفها يتحسس جبينها بحنان :


_ عملتي ايه يا راي عشان العيال تعملك كده ؟! 


نفت رايانا برأسها وهي تحاول الحديث من بين دموعها أنها لم تخطأ، لكن هو لم يمنحها الفرصة لذلك وهو يجذبها لأحضانه بحنان يربت عليها :


_ خلاص متخافيش محدش منهم هيقدر يأذيكِ هنا، بس حاولي متستفزيش حد بـ


دفعته رايانا بقوة وهي تصرخ بصوت مرتجف مشيرة للخارج وقد خرج صوتها متقطع لشدة البكاء والانفعال الواضح علبها :


_ هما ...بقولك .... أنا....عز الدين هما اللي ضربوني من غير سبب ...من غير سبب بقولك لسه برة ...أنا معملتش حاجة والله العظيم ما عملت حاجة .


_ أكيد مش هيضربوكي من غير سبب يا راي.


سقطت دموع رايانا أكثر وهي تتمسك بكم ثوبه تجذبه صوب الباب تستنجد به لأخذ حقها، تود أن تحتمي بأي كان ولو كان جدار متداعٍ كعز الدين :


_  والله يا عز ما عملت ليهم حاجة، تعالى قبل ما يمشوا أنا عرفت هما مين تعالى الله يكرمك ...


قاطع شهقاتها وهو يزفر بملل يبعد أناملها عن ثوبه، ومن ثم تحدث بجدية موبخًا :


_ رايانا اكبري شوية محدش هيأذيكِ من غير سبب، أي كان اللي عملتيه عشان تستفزيهم بطليه ومحدش هيجي جنبك تاني.


ختم حديثه وهو يقترب منها مجددّا يخرج منديلًا كي يجفف الدماء التي تسيل من جبينها، لكن بمجرد أن لمس جبينها ضربت يده بقوة وهي تصرخ في وجهه منفجرة في بكاء حاد :


_ أنا معملتش ليهم حاجة، أنا معملتش حاجة لحد، مش بأذي حد، ومش عايزة منك حاجة لما بابا يجي أنا هقوله .


ختمت حديثها تهرول بسرعة صوب غرفة جدتها وهي تنفجر في بكاء حاد بين أحضانها تنتظر أن يعود والدها لينتقم لها، وليته لم يعد فعودته كانت كغيابه، ورده كان كعز الدين، بل اسوء.


نهض عز الدين من باحة منزله ينفض ثوبه وينفض ذكرياته القديمة، يعض الأنامل ندمًا، كانت رايانا قديمًا فتاة مطيعة لو كان فقط أظهر لها للحظة واحدة أنه يهتم لها وسينتقم ممن جرحها، لكانت تنام هذه الليلة بين ذراعيه بدل أن يتقلب على فراشه البارد، مع زوجة لا يرغبها يتلمس وجودها بالأخرى..


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


طال انتظار الجميع بعيدًا عن النافذة ينتظرون الإشارة بالتحرك صوب المنزل، لكن لا شيء وصل لهم فقط صمت، وحركة غريبة من النافذة، حتى أن يحيى بدأ يلاعب أحمد لعبة الصراع باليد لتسلية الوقت .


وفجأة انتفض الجميع بعد مرور دقائق طويلة وهم يبصرون مسلم يخرج من النافذة بسرعة كبيرة يضم بين يديه شيئًا .


اتسعت بسمة عيسى وهو يراقب يد مسلم الذي بدا كما لو أنه يحمل شيئًا، والآن فقط أصبح تأخره منطقيًا لهم:


- ده شكلها عملها ولا ايه ؟! مسلم كان رجولة وخلص المصلحة لوحدة وجاب ورق الملكية ولا ايه ؟!


نظر الجميع باهتمام صوب مسلم الذي اقترب منهم ببسمة ناعسة بسيطة حتى توقف أمامهم وهو ينظر لهم بأعين ملتمعة غريبة يضم بين يديه ما حسبوه صك الملكية، لكنه كان ...طبق حلوى ؟!


مدّ يحيى يده يلتقط كرة من كرات الفَروشكا، يحركها بين يديه قبل أن يقربها من عيونه متحدثًا بترقب :


_ ايه ده ؟؟ زلابية ؟؟ هو جدك كان كاتب عقود الملكية على ورق زبدة ؟؟ 


ختم حديثه وهو يلقي الحلوى داخل فمه يشعر بها تذوب، يهز رأسه استحسانًا، بينما عيسى اقترب بسرعة يختطف قطعتين يتناولهم بنهم ومسلم يتحدث بجدية :


- مش هنعرف ننفذ الخطة انهاردة، فيه ناس صاحية في البيت دلوقتي ومش هنقدر نعمل حاجة .


التقط أحمد قطعة حلوى يتناولها بفضول بعدما أبصر تلذذ عيسى بها، يمضغها باستمتاع لا يفهم ما حدث في الداخل لينتهي الأمر بمسلم يحمل طبق حلوى أمامهم :


_ أنت لو كنت بتقتحم قويدر³ مكنتش خرجت لينا بطبق حلويات، بسبوسة دي ؟!


مد حاتم يده بفضول وهو يتناول قطعة متلذذًا وقد بدا أن طبق الحلوى كان تعويضًا مناسبًا للجميع بعدما فسدت الليلة.


_ شو اسم هالحلو اللي جبته؟ بتقدر تفوت تجيبلنا كمان؟


مد يده يلتقط واحدة ثانية لولا يد مسلم الذي تصرف عكس طبيعته وهو يضرب يده بغضب يلتقط آخر قطعتين يدفعهما في فمه دفعة واحدة يتذوقهما بتلذذ :


_ مش بيت امي هو هدخل اجيب ليكم تاني، خلينا نمشي من هنا الأول.


_ أيوة بس أنا مش فاهم ايه اللي حصل عشان تخرج بطبق حلويات، يعني استخسرت تخرج بايدك فاضية ولا ايه ؟؟


كان صوت أحمد الذي لم يفهم حتى هذه اللحظة ما حدث، لكن مسلم جذبه من ثيابه وهو يتحرك به بعيدًا عن المكان يتجاهل التحدث في كيف وصل طبق الحلوى ليده، هو لن يخبره أن فتاة ذات ثوب غريب منحته ذلك الطبق وهي تدفع منه النافذة بعيدًا عن الأعين.


وعند هذه الفكرة ضحك ضحكة صغيرة يخفيها عن الأعين، ومازال الطبق فارغًا في يده، حسنًا على الأقل لم يخرجوا من المكان خاليين الوفاض ...


قويدر³ ( اسم محل حلوى شهير  ) 

ـــــــــــــــــــ


_ جدة صباح الخير .


انتفض جسد الجدة والتي كانت تجلس جوار النافذة منذ الصباح تستقبل أشعة الشمس ببسمة صغيرة، قبل أن تسمع صوت رايانا جوارها .


ابتسمت بسمة صغيرة وهي تشير لها :


_ قربي يا بنيتي، عسى اشراقتك تدوم، بس مين السبب في الإشراقة الصباحية دي ؟؟


ورايانا والتي لم تكن تشعر حتى أنها مبتسمة، أو سعيدة إلا عندما أخبرتها جدتها، ضيقت عيونها تقترب منها بعدم فهم :


_ عادي يا جدة، بس اليوم صباح جميل وكنت بفكر اروح البحيرة اقرأ كتاب هناك .


ابتسمت لها الجدة وهي تربت على كتفها بحب شديد وعيونها تنظر لوجهها كما لو أنها تنظر لاعماق روحها :


_ حسيت كأنه شمسك طلعت يا بنيتي .


بهت وجه رايانا من كلمات جدتها، ولم تفهم مقصدها، لكن وقبل أن تستفسر عن معنى كلماتها سمعت صوتًا في الخارج جعل ملامحها تتغضن، التوى ثغرها بضيق وهي تهمس بصوت منخفض :


_ طيب يا جدة هبلغ شيما تجهزلك الفطار وأنا هشوف سافا، وعلى الضهرية همر عليكِ عشان اساعدك في الحمام، تمام ؟؟


ابتسمت لها الجدة تربت على يدها بحنان شديد، قبل أن تحرك رأسها وتشير لها بالذهاب :


_ روحي يا رايانا، اعملي اللي بتحبيه يا بنتي وانا هستناكِ .


اتسعت بسمة رايانا تميل مقبلة وجنتها، ثم خرجت بسرعة من الغرفة تتحرك للمطبخ دون الالتفات مخافة أن تبصره بالخطأ، لكنها لم تكد تهرب صوب المطبخ حتى سمعت صوته وهو يوقفها :


_ رايانا ...


توقفت أقدامها تزفر بغضب شديد، ولم تتعب نفسها بالاستدارة، فقط لفت رأسها تنظر له ببرود :


_ صباح الخير يا عز الدين، خير حلمان بينا، من الصبح ناطط لينا كده ليه ؟؟


وتجاهل عز الدين وقاحتها مبتسمًا :


_ من ناحية حلمان فأنا فعلا طول الليل مش بحلم غير بيكِ يا رايانا .


كان صوته منخفضًا وعيونه تدور عليها بحب واضح، لتبتسم هي له بسخرية :


_ ابقى نام على وضوء واستعيذ بالله قبل النوم يا عز، لأن صدقني أنا لو فعلًا هيكون ليا الاختيار أظهر ليك في حلم مش هيكون سعيد ابدًا .


ختمت حديثها وكادت تتحرك لولا يد عز الدين الذي جذب مرفقها بسرعة، يتحرك بها أسفل الدرج بسرعة بعيدًا عن الأعين وهو يضغطها للجدار كاتمًا أنفاسها بشكل جعل صدمة قوية تصيبها وهي تراقبه بأعين متسعة :


_ أنا جبت أخري منك يا رايانا، كل شوية اقول هتعقل وهتسكت، لكن بتزيدي في أفعالك، اعقلي واعرفي أنه مهما حصل اخرتك هتكون معايا، فنوفر على بعض .


حاولت رايانا مقاومته، لكن أنّى لها المقاومة وهو يضغط على جسدها للجدار بقوة حتى شعرت بعظامها تأن أسفل ضغطه، قاومت دموع العجز تحاول الحديث وهو فقط يكبت كلماتها .


ارتجافة مرتعبة وموجة غثيان هاجمتها فجأة، تحاول الصراخ، وصدمة جرأته عليها في وضح النهار وفي منزلها ترعبها من بساطة اذيته لها دون شعور أحدهم.


مال يستند على جبينها بخاصته وهو يتكلم بصوت خافت وعيونه تلتمع بعشق كبير لها :


_ وفري كل الوجع ده علينا يا رايانا لأني مش هسيبك لغيري، مش بعد كل السنوات اللي صبرت نفسي فيها وانا شايفك بتكبري كل يوم قدامي .


ارتجف جسد رايانا من وعوده، وحاولت أن تفلت منه، أن تمسك بالمزهرية التي تقبع على بعد صغير منها، لكن عجزت عن تحريك يدها، ولا تدرك السبب لكن فجأة سمعت صوتًا يتردد في أذنها، صوت قريب للغاية .


ونبرة رخيمة تهمس لها "  صدقيني دي حركة غبية مبرجحش تستخدميها قصاد أي حد، في الوقت اللي لفيتي فيه تدوري على حاجة تضربيني بيها، كان ممكن في الوقت ده تغافليني وتضربيني في رجلي مثلا توقعيني وبعدين تجري تنادي حد ."


وفي ثواني وكأن جسدها اتبع تعليماته رفعت قدمها تضرب عز الدين في قدمه بقوة جعلت الأخير يطلق صرخة مرتفعة رنت في المنزل بأكمله، لكنها لم تنتظر لتبصر بعيونها ما فعلت وهي تهرول بسرعة خارج المنزل وقد كادت تسقط عدة مرات تبحث بعيونها عن والدها باكية، لكن فجأة ذكريات قديمة لها وهي تهرول لوالدها باكية طرأت على رأسها لتدرك أن والدها لم يكن ليحرك ساكنًا ضد عز الدين، توقفت في ساحة المنزل بيأس وهي تتنفس بتعب ولم تكد تتمالك نفسها حتى شعرت بيد عز الدين تمسك مرفقها بقوة صارخًا :


_ أنتِ اتجننتي يا ....


ومجددًا ضربة في نفس المكان، وهذه المرة ركضت بالكامل من المنزل، ركضت بعيدًا عنه خوفًا أن يكون خلفها، وفي ثواني شعرت أن لا ملجأ لها لتتحرك دون شعور صوب المكان الوحيد الذي كانت متأكدة أن عز الدين لن يتبعها له، ولم تفكر في أية عواقب، كل ما أدركته أنها هناك ستحتمي ..


كانت تهرول حتى وصلت واخيرًا لمنزل المريدي وهي تتنفس بصوت مرتفع، وكانت أول ما تبصر عيونها، هو جسد عضلي ضخم معلق بالشجرة يمارس تمارين بسرعة كبيرة يرفع جسده معتمدًا على ذراعيه، لا عجب أن تلك الذراع كادت تحطم يد عز البارحة.


وحسنًا كان الأمر سخيفًا، لكنها نست أنها كانت تبكي حتى وهي تشرد به غير واعية لشيء حولها .


أما عن مسلم فقد استيقظ منذ الصباح وترك الجميع نائمين ينتظر وصول ما طلبه البارحة لأجل إعادة إعمار المنزل، وقرر أن ينتظر وصول الطرد في الخارج ريثما يمارس بعض التمارين الصباحية .


بدأ يتصبب عرقًا في اللحظة التي بدأ يتسرب له من بين شباب ذكرياته صورة ظنها خيال لثواني، لكن وحينما طال وجود الخيال ترك فرع الشجرة العتيقة وهو يتوقف على الأرض أمامها ينظر لها بعدم فهم .


بينما هي مسحت دموعها بسرعة وبشكل جذب انتباهه ليضيق ما بين حاجبه، وهو يحدق بها ولا يعلم ما عليه فعله في هذه اللحظة، لكن طريقتها وهي تقف هناك تفرك يديها وهي تنظر خلفها كل ثانية أثارت ريبته .


_ فيه ايه ؟! حد بيجري وراكِ ؟!


كان سؤالًا ربما يبدو غبيًا، فمن سيركض خلفها في وضح النهار بين اهلها وعشيرتها، لكن النظرة التي تبعت سؤاله جعلت جسده يشتد كوتر بتحفز كبير يقترب منها خطوات قليلة بشك .


وهي فقط واقفة مكانه لا يدرك سبب قدومها لمكانه، لكن ارتجافة جسدها ورائحة الخوف التي  تنبعث من جسدها جعلت شعور غريب يندفع بين أوردته .


وما تلى ذلك ارعبه، حينما انفجرت في بكاء حار مرتعب وهي تقف مرتجفة مكانها .


تقدم منها بسرعة وصدمة ولم يكد يصل لها حتى وجد جسدها يشتد بشكل مرعب حين صدح صوت رجولي في المكان، صوت جعل جسدها يتجمد وعيونها تتسع برعب وهي تهتف بشحوب.


_ البــــــارو ......


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


وربما نظرة أمان بكل مشاعر الحب التي تغني بها الشعراء يومًا .


دمتم سالمين .

رحمة نبيل .



بداية الرواية من هنا



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحصريه



اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحديثه



❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺




تعليقات

التنقل السريع
    close