القائمة الرئيسية

الصفحات

سكريبت أنقر هنا لترجمة العشق بقلم سلمي جاد حصريه وجديده وكامله جميع الفصول

 

سكريبت أنقر هنا لترجمة العشق بقلم سلمي جاد حصريه وجديده وكامله جميع الفصول 


في أحد شركات الاستثمار وخصوصا شركة تسمي "النمر الاسود للاستيراد والتصدير"

بنت رقيقة واقفه عند الباب لابسة فستان ابيض وعليه زهور وردي، خمارها وردي، وشنطتها الصغيرة البيضا ماسكاها بإيدها وبتضغط عليها شوية من التوتر.


لفتت وشّها يمين وشمال، عيونها بتدور على أي إشارة تدلها تروح فين، لحد ما وقعت عنيها على مكتب الاستقبال.


قربت… والسكرتيرة بصتلها من فوق لنضارتها وقالت بابتسامة بشوشة : أهلا وسهلا أقدر أساعدك بحاجه 


البنت بلعت ريقها، وبصوت هادي قالت:


أنا جاية بخصوص الإعلان اللي نزل عن وظيفة الترجمة… اسمي فرح رشدي


قبل ما السكرتيرة ترد، خرجت من أوضة قريبة واحدة باين عليها الإرهاق، شعرها مربوط


أول ما شافت فرح، وشها نور:

يافرج اللّه أخيرا مترجمة جديدة ،إذيك أنا سالي المترجمة السابقة 

فرح بابتسامة : أهلا وسهلا 


سالي بحزن :بس انتي شكلك عسول خالص مش  هتستحملي النمر الاسود اللي قاعد جوه ده 


فرح استغربت :مش فاهمه 



سالي اقصد مستر نوح مدير الشركة أصله خلقه صعب اوي وغضبه وحش وكمان بما إنك هتشتغلي مترجمة فانتي هتتعاملي معاه بشكل مباشر وتقريبا هتشوفيه كل شوية  


فرح بدأت تقلق ولكن سالي اتكلمت بسرعه :


بس هو مكانش كده والله لكن بعد الحادثة اللي حصلتله من سنة وهو بقي عصبي بالشكل ده خصوصا انه مبقاش يشو


في اللحظة دي السكرتيرة قاطعتها بسرعه ووجهت كلامها لفرح: سيبك منها هي بتبالغ شوية دلوقتي ادخلي لمستر نوح مكتبه عشان يعملك انترڤيو


فرح استغربت طيب مش هتدخلي تعرفيه 


السكرتيرة بسرعة : لا اصل الصراحه هو لسه مهزقني من شوية ولو دخلتله تاني ممكن يمو.تني فيها  ادخلي انتي لوحدك 


فرح ابتلعت توترها، ومشيت ناحية الباب الكبير.


دخلت…


ووراها سالي بتودعها بعنيها وبتقول بحزن :


الله يرحمك يابنتي كنت طيبه والله 


في المكتب اللي كان واسع، كله أسود، بس مش كئيب، أنيق جدًا، شكله غالي ومرتب، وكأنه متفصل على ذوق صاحبه.


فرح بتبص حواليها، بتتامل المكان بإعجاب عمرها ما شافت مكتب بالحجم ده كإنه جناح مش مكتب ،لفت نظرها باب على اليمين…


ثواني والباب اتفتح، وخرج منه شاب طويل، صدره عاري، حوالين وسطه فوطة بيضا، وفوطة تانية صغيرة بينشف بيها شعره اللي كان مبلول ونازل على جبينه.


مشى خطوتين، وبعدين وقف فجأة… وقال بنبرة جامدة:


مين هنا ؟


فرح اتجمدت في مكانها.

كان قريب منها، بس مش باصص ناحيتها، باصص كأنه شايف الفراغ.

عيونه مش مستقرة عليها… ساعتها قلبها دق أسرع، وشكها اتغير.

"هو مش شايفني؟!"


نوح كرر سؤاله بنبرة ظهر فيها الغضب ومازالت عينه باصه للفراغ :مين 


فرح لمعت فكرة في دماغها ،خدت خطوة لورى وقررت تخرج … لكن فجأة، وهي بتحاول تفتح الباب بحذر، لقت إيدين مسكت الباب من فوقها وحاوطتها.


كان واقف وراها، قريب جدًا… عيونه مضيقة، نفسه عالي، شعره لسه مبلول، ووشه فيه غضب غامض.


قلبها وقع حرفيًا…

أما هو حس بأنفاسها العالية من التوتر، شامم  ريحة الفانيليا اللي كانت طالعة منها


ــ "مين؟!"

قالها بنبرة غاضبة لكن بهدوء مخيف.


ــ "أنا… أنا فرح… المترجمة الجديدة."


ــ "وازاي تدخلي من غير استئذان؟! وفين السكرتيرة؟!"


ــ "هي اللي قالتلي أدخل عشان تعملي الإنترفيو… ولو سمحت، ابعد… ميصحّش كده!"


حاولت تبعده بخجل وهي بتدفعه في صدره بشنطتها من غير ما تلمس جلده.


هو ساب الباب، وخطا خطوتين لورا، وقال بحدة:


ــ "اقعدي… واستنيني هنا."


دخل أوضة تانية في المكتب، وسابها قاعدة على الكرسي، قلبها لسه بيدق… مش قادرة تهضم اللي حصل.


بعد دقايق، خرج لابس قميص كحلي وبنطلون اسود ، شعره متسرح لورا ،وريحة البيرفيوم بتاعه ملت المكان.،قعد ورا مكتبه، خد الـCV من على الطاولة


فرح كانت بتراقبه بعيونها… "هيقراه إزاي؟"


هو ببساطة حط السي ڤي تحت لوح إلكتروني، وركب سماعات في ودنه… والجهاز بدأ يقرأ المكتوب.


ابتسمت فرح بخفة… أخيرًا فهمت.


ــ "معاكي 4 لغات… إنجليزي، ألماني، فرنسي وكوري؟!"


ــ "أيوه… من وأنا في الكلية بحب اللغات وكنت بشتغل على نفسي طول الوقت."


سكت لحظة، وبعدين قال:


ــ "انتي مقبولة في الشغل."


فرحتها ظهرت، بس كتمتها بسرعة.


ــ "مكتبك هيكون جوه هنا، زي المترجمة اللي قبلك… بس فيه فاصل إزاز.

أنا بحتاج مترجمة معايا عشان الاجتماعات والإيميلات…

بفهم إنجليزي وألماني كويس، بس الفرنسي ضعيف… ومعظم العملاء للأسف فرنسيين."


بص فيها للمرة الأولى ، اه عيونه مش في عيونها ولكن ميمنعش إنها اتوترت من نظراته 


اتكلم بنبرة صوته بقت هادية أكتر:


ــ "تقدري تبدأي من بكرة… وتقدري تمشي دلوقتي."


قامت، وبصت له قبل ما تخرج، ولسه جوا قلبها ألف سؤال…

بس اللي متأكدة منه، إن اليوم ده… مش عادي.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تاني يوم في الشركة


الساعة لسه ٨ الصبح… الجو في هادي، والشمس خفيفة بتتزحلق على الزجاج اللامع بتاع الشركة.


فرح دخلت من البوابة بخطوات واثقة، لابسة دريس نبيتي هادي بيلمع لمعة خفيفة تحت الضوء، وخمار أبيض ملفوف برقة حوالين وشّها، وشايلة شنطة اللابتوب على كتفها ، بس المرة دي كان في حاجة مختلفة في عينيها…

ارتياح بسيط، كأنها خلاص خدت خطوة صغيرة في مكان جديد.


طلعت على الدور اللي فيه مكتب نوح، وقبل ما تخبط، بصّت للسكرتيرة بابتسامة:


ــ "صباح الخير."


السكرتيرة ردّت بهزّة راس خفيفة، وعينيها بتلمح تفاصيل شكل فرح… وكأنها لأول مرة تلاحظ إنها مختلفة.


فرح خبطت خبطتين، وبصوت رقيق قالت:


ــ "أدخل؟"


من جوه، سمعته بيقول:


ــ "ادخل."


دخلت… لقت نوح قاعد على مكتبه، لابس قميص أبيض مكوي بدقة، وجاكتة البدلة مرمية على ضهر الكرسي ورا ضهره.


رفعت عينيها وقالت بحماس بسيط:


ــ "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته."


هو كان بيبص في اللابتوب وفي ودنه سماعات، موصلة بتطبيق للمكفوفين بيقرا اللي في شاشه اللابتوب 


ووقف لحظة…

زي ما الجملة خبطت في ودنه بشكل مش متوقع…

رفع وشّه ليها وقال:


ــ "وعليكم السلام…"


نبرته كان فيها استغراب خفيف…

زي اللي مش متعود يسمع السلام ده هنا.


كمل بعدها بجمود مهني:


ــ "هبعتلك إيميل دلوقتي… ترجميه وابعتيله الرد بصيغة محترفة."


فرح هزّت راسها بتفهم:


ــ "تمام."


راحت لمكتبها اللي في نفس الغرفة… بس مفصول بزجاج شفاف.


قعدت، وفتحت شنطتها…

طلعت برواز صغير فيه صورتها وهي بتضحك جنب وردة توليب.

جنب البرواز، مجسم لطيف على شكل نفس الوردة، التوليب اللي بتحبها من زمان…

وأخيرًا، مصباح صغير إضاءته دافية صفرا، فتحته وسبته ينور جنب اللابتوب.


في ثواني، المكتب اللي كان كئيب وناشف، اتحوّل لركن دافي…

فيه حياة، وفيه روح.


نوح كان قاعد بيبص في الشاشة، لكن ودنه كانت سامعة كل حاجة…

صوت البرواز وهو بيتحط، صوت زرار المصباح، صوت خفيف للمجسم لما لمس المكتب…


سحب حاجبه باستغراب، وهمس لنفسه:


ــ "هي بتعمل إيه؟!


بعد ساعة – داخل مكتب نوح


نوح كان لسه قاعد على مكتبه، مركز في شغله، وبيشرب قهوته السادة .

سمع صوت خبط خفيف على الإزاز، فرح كانت واقفة ورا الباب الداخلي


ــ "ادخلي."


دخلت، ماسكة ورقة الإيميل اللي ترجمته… حطتها قصاده على المكتب بابتسامة فخورة.


ــ "خلصت الترجمة."


خد الورقة، كان هيفتحها، بس مدّهالها وقال فجأة:


ــ "اقريه بصوتك."


فرح اتفاجئت شوية، بس قالت بثقة:


ــ "حاضر…"


بصت في الورقة وبدأت تقرأ بصوت واضح:


"السادة شركة النمر الأسود، بعد التحية… إحنا مبسوطين إن في تعاون ما بينا أخيرًا، ولو الصفقة دي تمت على خير، هنبقى نحلي بقكم بحاجة حلوة كده، لأن إحنا شايفين إنكم شُطّار وجادعين ومكسب بصراحة.

بالنسبة للتفاصيل المالية، مرفق عرض الأسعار هنبقي نناقشه في إجتماع، ومستنيين ردكم علشان نبدأ نشتغل رسمي.

خالص تحياتنا، شركة بُومْبُونْ فْرَانْسْ – باريس."


سكتت وهي رافعة عينيها، فخورة بإنها خلّت الإيميل عربي مصري صميم .


نوح كان باصص لها… مبهوت.


ــ "إيه… ده؟"


قالها بنبرة بين الصدمة والضحك اللي مش طالع.


فرح بصّت له ببساطة:


ــ "الإيميل."


ــ "الإيميل؟! الشركة الفرنسية هتقول: (هنحلّي بقكم)؟!

هي دي الترجمة المحترفة اللي طلبتها منك؟!"


فرح ضحكت بخفة، وقالت ببراءة:


ـ "بص... أنا شغلي مش حرفي في الكلمات، بس مهمتي إن المعنى يوصل! يعني إنت عايزهم يقولوا إيه؟


« Nous sommes ravis d’entamer une collaboration fructueuse avec votre estimée organisation… »


وهو أنت كده فهمت حاجة؟

أنا قلت أخلّي الكلام داخل القلب على طول!"


نوح لف الكرسي، وحط إيده على وشه، وقال بخنقة ضحك:


ــ "يعني الشركة الفرنسية تشتغل بومبون، وإحنا نرد عليهم بعسلية؟"


فرح ابتسمت:


ــ "هى دي الدبلوماسية… بس بالروح المصرية."


سكت، المرة دي في عينه حاجة جديدة…

مكنتش عن الشغل، كان بداية شعور مجهول وغريب اتولد جواه وحرك حاجة كان فاكر إنها مبقتش موجودة جواه من وقت الحادثة 


عدى شوية وقت، والدنيا سكتت…

فرح رجعت مكتبها، وهو رجع لللابتوب… لكن ودنه بدأت تلتقط صوت خفيف.


كان صوتها…

كانت بتصلي.


في الأول افتكرها بتتكلم في التليفون، بس الصوت كان ثابت… هادي… وهمسات متتابعة.


"الله أكبر"

الجملة دي بالتحديد… خبطت فيه.

مش لأنه بيسمعها لأول مرة، لا…

لأنه حاسس إنه عمره ما سمعها كده.


وقف مكانه، مش قادر يركّز… الصوت لامس حاجة جوا قلبه متخزنة من زمان، بس متغطية بطبقات كتير ،حياة سريعة وشغل وناس…


محدش علّمه يعني إيه "الله أكبر"،

مسلم على الورق، بس عمره ما عرف يعني إيه يكون مسلم بجد.


بس دلوقتي…

صوت فرح وهي بتهمس بالدعاء،

وهدوءها، وسكينة الموقف،

كل ده كان كأن حد بيقوله من جوه:


"فوق."


فضل واقف يسمع، مش قادر يكمل شغله…

ولا فاهم هو بيحس بإيه بالظبط.


بس الأكيد…


إن اللحظة دي، كانت بداية حاجة.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


بعد أسابيع من بداية الشغل


الأيام بتعدي…

وفرح بقت جزء من المكتب، ومن المكان، ومن روتين نوح نفسه…

بس الأهم، إنها بقت جزء من يومه من غير ما هو يحس.


كان دايمًا فاكر إن بعد الحادثة اللي حصلت من سنة وفقد فيها بصره، عمره ما هيحس بحاجة تاني…

لكن وجود فرح، بهدوئها، بضحكتها الخفيفة، بصوتها وهي بتقرأ الإيميلات، بصبرها، بأسئلتها العفوية…

كل ده كان بيحيي فيه حاجات كان حاسس إنها ماتت.


في يوم، كانوا قاعدين سوا في ركن الاجتماعات الصغير اللي جوه مكتب نوح.

اجتماع مع عميل فرنسي خلص أخيرًا، وفرح كانت قاعدة بتلم الورق، وبطنها بتزق عليها شوية.


قالت فجأة:


ــ "أنا جعانة جدًا."


نوح ضحك بخفة:


ــ "أنا تقريبًا نسيت يعني إيه جوع."


ــ "طيب… تيجي ناكل؟"


حول عينه ناحيتها، مستغرب إنه يوافق، بس قال:


ــ "ماشي…"


هو أصلاً شبه مش بياكل.

عايش على القهوة، ولو أكل، تبقى وجبة واحدة من برّه…

بس وجود فرح فتح نفسه لحاجات كان قافلها زمان.


فرح وهي بتفتح موبايلها قالت بحماس:


ــ "إيه رأيك ناكل أكل بيتي؟"


رفع حاجبه:


ــ "أكل بيتي؟! ده أنا ناسي طعمه من أيام ما كنت طفل."


ــ "طب ما تيجي نفتكره… فيه ستات ربات بيوت بيعملوا أكل في بيوتهم وبيبيعوه أونلاين."


ميل راسه بهزار :"عن جد؟!"


اتكلمت بمرح مماثل"عن جد جدًا… سيبها عليا."


وبعد شوية…


رنة على الباب.

الديليفري وصل.


فرح فتحت، وشالت شنطة الأكل الكبيرة اللي كانت مليانة ريحة تخبط في القلب قبل الأنف.


شدت ترابيزة قدامه، وبدأت تفتح علب الأكل واحدة واحدة، والريحة بتنتشر في المكان.


نوح أخد نفس طويل وقال:


ــ "اممم… شمّيت ريحة محشي ورق عنب؟"


فرح ضحكت:


ــ "جرب كمان."


ــ "فيه ملوخية… وبط متحمر… ولمون معصفر؟"


فرح بصّت له بدهشة:


ــ "متأكد إنك مش بتشوف؟!"


ابتسم بهدوء، وقال:


ــ "أنا من ساعة الحادثة، بقيت أعتمد على سمعي وشمي بدرجة مش طبيعية…

كل حاجة بقيت أعرفها من صوتها أو ريحتها."


سكتت لحظة، وبعدين قامت تاخد طبقها.


ــ "طيب أنا هدخل آكل في مكتبي… سيبك على راحتك."


دخلت فرح مكتبها، وسابت الباب مفتوح نص فتحة.


ومن وقت للتاني، كانت تبص عليه…

تشوفه وهو بياكل بشهية غريبة، كأن الطفل اللي جواه صحي فجأة.


إيديه كانت بتتحرك بدقة، بيمسك العلبة، يلمس الأكل، يعرف إيه فين، وبيستخدم المعلقة وكأنه شايف.

مكانش محتاج مساعدة…

مكانش حتى متوتر.


هي اتفاجئت من مهارته، ومن ازاي قدر يتأقلم مع وضع صعب زيه،

بس أكتر حاجة فاجأتها… إنه لأول مرة، بياكل بنهم، وبهدوء، وكأنه بيستمتع بجد.


سابت نظرها عليه شوية، وبعدين بصّت في طبقها…

ضحكت بينها وبين نفسها وقالت همس:


ــ "مين كان يصدق إن النمر الأسود… يحب البط المتحمر؟


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


المكتب كان ساكن، والهدوء حوالين فرح كان بيخلي صوت تقليب الورق مسموع كأنه صدى.

نوح قاعد في الجنب التاني، مركز في شغله، هادي كعادته.

رغم إن وجوده دايمًا مريح... بس في حتة غريبة كده عمرها ما فهمتها فيه.


فرح وقفت، كانت بتدور على ملف قديم في الرف اللي وراها.

وبينما إيدها بتتحرك ناحية الرف،


فجأة كتاب ضخم اتزحلق من فوق، وكان هيقع على راسها من غير أي مقدمات.

صرخة صغيرة طلعت منها،

ولكن قبل ما تحاول تبعد ،إيد نوح سبقتهاواللي كانت ممدودة... مسك الكتاب قبل ما يوصل لها بلحظة.


الوقت وقف،فرح فضلت واقفة متجمدة، مش مصدقة اللي حصل.


بصّت له، وعينيها مليانة دهشة.

إزاي اتحرك بسرعة كده؟!


فرح باستغراب : عرفت إزاي ان الكتاب هيقع


قال بنبرة هادية جدًا، وهو بيحط الكتاب على المكتب


"سمعت الصوت، فمديت إيدي."


فرح قالت بصوت واطي، شبه همسة :


"بس إزاي عرفت هو فين بالظبط؟"


ابتسم نوح، بس الابتسامة ماوصلتش لعينيه :


"حاسة سمعي قوية شوية."


سكتت...

بس عقلها ما سكتش.


"فيه حاجة مش طبيعية... حاجة مستخبية جوا نوح، وفرح أصرت تعرفها....


فيما سبق ))

ثواني والباب اتفتح، وخرج منه شاب طويل، صدره عاري، حوالين وسطه فوطة بيضا، وفوطة تانية صغيرة بينشف بيها شعره اللي كان مبلول ونازل على جبينه.


مشى خطوتين، وبعدين وقف فجأة... وقال بنبرة جامدة:


مين هنا ؟


فرح اتجمدت في مكانها.

كان قريب منها، بس مش باصص ناحيتها، باصص كأنه شايف الفراغ.

عيونه مش مستقرة عليها... ساعتها قلبها دق أسرع، وشكها اتغير.

"هو مش شايفني؟!"


نوح كرر سؤاله بنبرة ظهر فيها الغضب ومازالت عينه باصه للفراغ :مين 


فرح لمعت فكرة في دماغها ،خدت خطوة لورى وقررت تخرج ... لكن فجأة، وهي بتحاول تفتح الباب بحذر، لقت إيدين مسكت الباب من فوقها وحاوطتها.


كان واقف وراها، قريب جدًا... عيونه مضيقة، نفسه عالي، شعره لسه مبلول، ووشه فيه غضب غامض.


قلبها وقع حرفيًا...

أما هو حس بأنفاسها العالية من التوتر، شامم ريحة الفانيليا اللي كانت طالعة منها


ــ "مين؟!"

قالها بنبرة غاضبة لكن بهدوء مخيف.


ــ "أنا... أنا فرح... المترجمة الجديدة."


ــ "وازاي تدخلي من غير استئذان؟! وفين السكرتيرة؟!"


ــ "هي اللي قالتلي أدخل عشان تعملي الإنترفيو... ولو سمحت، ابعد... ميصحّش كده!"


حاولت تبعده بخجل وهي بتدفعه في صدره بشنطتها من غير ما تلمس جلده.


هو ساب الباب، وخطا خطوتين لورا، وقال بحدة:


ــ "اقعدي... واستنيني هنا."


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


البارت التاني))


في صباح يوم جديد، خبطت فرح على باب مكتب نوح ودخلت وهي شايلة كيس الفطار.

ابتسمت له وهي بتحط الكيس على مكتبه:

– "صباح الخير، جبتلك فطار."


مد إيده فتح الكيس، ومن غير حتى ما يشوف الأكل، ابتسم وقال:

– " فطير مشلتت صح؟"


ضحكت فرح:

– "صح وجبنة قديمه كمان، بعدين هو حضرتك شمّام رسمي ولا إيه؟"


ابتسم نوح وقال بهدوء:

– "لو هتفطريني فطير، معنديش مشكله في نحلي بوقكم بتاعت الشركة الفرنسية."


ابتسمت من كلامه وقالت 

ــ"طيب أنا هروح أفطر في مكتبي بقا "


فرح مسكت علبة الأكل بتاعتها ودخلت مكتبها الصغير اللي جوا مكتبه، وقعدت تراقبه من ورا الإزاز وهو بياكل.


عدى دقايق نوح كان بياكل فيهم بهدوء والاستماع باين على ملامح وشه ولكن فجأة وقف أكل كإنه بيتأكد من حاجه 


ثواني وكان واقف مكانه، بيحسس حواليه بإيده كأنه بيدوّر على حاجة.

وشه بدأ يحمر، وحركته بقت أسرع.


فرح كانت قاصدة تحطله شطة في الجبنة عشان تشوف هيغلط ولا لأ، وهل بيمثل العمى ولا مش بيشوف فعلا ، بس لما شافته بيتخبط ووشه بيحمر، قلبها وجعها.


قامت بسرعة، خرجت من مكتبها وهي شايلة كوب مية، ومدته له:

– "اتفضل ."


أخد المية وشرب، وهي واقفة قدامه حاسة بندم كبير جواها إنها حتى فكرت تشك فيه.


نوح مسك الكوب بإيده، شرب منه على مهَل، وبعدين حطه على المكتب.

مسح بقية المية اللي على شفايفه بمنديل، ورفع راسه ناحيتها وقال بنبرة هادية بس وراها حاجة:

– "غريبة… الطعم ده مش جبنة قديمة بس، في حاجة زيادة."


فرح قلبها دق، ابتسمت محاولة تهزر:

– "يمكن مش متعود تاكل جبنه تكون مشطشطة كده وكمان الفطير كان سخن قوي."


ضحك ضحكة قصيرة وقال:

– "باين كده ."

سكت لحظة، وبعدين مال برقبته :

– "كنتِ بتتفرجي عليا من ورا إزاز مكتبك، مش كده؟"


اتسمرت في مكانها، حسّت إن صوتها اتلخبط:

– "أنا… كنت بتطمن إنك بتحب الفطير."


ابتسم، وفي عينه لمعة رغم إنها ما بتشوفهاش:

– "أنتي بتختبريني يا فرح؟"


سكتت، وبصت للأرض:

– "مكنتش قصدي أأذيك… بس كنت محتاجة أتأكد.. انا آسفه"


وهربت من قصاده على مكتبها بدون أي كلام زيادة ،أما نوح فقعد على مكتبة وفي عنيه نظرة غريبه مش مفهومه .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


اليوم عدى بهدوء، من غير أحداث تذكر، ولحسن حظ فرح مكنش فيه شغل محتاج ترجمة أو بمعنى أصح محتاج تعامل مباشر بينها وبين نوح.

فضل كل واحد منهم في حاله، وهي من جواها فرحانة إن اليوم بيخلص من غير احتكاك.


مع آخر النهار، فرح لمّت حاجتها، وقامت من مكتبها.

عشان مكتبها جوا مكتب نوح، اضطرت تعدي عليه، وقفت عند الباب وقالت بتوتر:

– "أنا خلصت… لو محتاج حاجة قبل ما أمشي."


نوح بدون ما يرفع وشه من اللابتوب قال ببرود:

– "لا، مش محتاج."


الشمس كانت بدأت تميل، والشارع الجانبي جنب الشركة شبه فاضي، إلا من شوية عربيات واقفة على الجنب.

فرح ماشية وبإيدها شنطتين صغيرين من السوبر ماركت، ذهنها مشغول بيومها في الشركة.


وفجأة، سمعت صوت كبح فرامل قوي، قلبها دق وهي تبص في اتجاه الصوت.

ولد صغير، يمكن 10 سنين، كان بيجري وسط الشارع، وعربية سوداء وقفت قبل ما تخبطه بلحظة.

الباب الأمامي اتفتح، والسواق نزل وهو بيزعق:

– "أنت أهبل يا واد؟ هتموت نفسك!"


الولد واقف مكانه، ملامحه مرتبكة وخايفة.

قبل ما السواق يكمل، الباب الخلفي للعربية اتفتح… ونزل منه نوح.

البدلة الغامقة، الملامح الجادة، والخطوات الواثقة، لكن صوته كان هادي وحازم:

– "خلاص يا عم حسين، سيبه."


السواق اتنفس بحدة، لكنه سكت ورجع ناحية العربية.

نوح قرب من الولد، انحنى شوية لحد ما بقى في مستواه، ومد إيده على شعره ومسح عليه بحنية، وصوته ناعم بشكل غريب:

– "إنت كويس يا بطل؟ خدت بالك تمشي في الشارع إزاي المرة الجاية؟"


الولد هز راسه بخجل، ونوح ابتسم ابتسامة صغيرة نادرة الظهور.

مد إيده في جيبه، وطلّع ورقة فلوس، حطها في يد الولد وقال:

– "هات حاجة حلوة تاكلها، وخلي بالك من نفسك."


الولد خد الفلوس وجري، ولسه ابتسامة صغيرة على وشه.

نوح وقف مكانه لحظة، وبعدين رجع يركب العربية بهدوء، كأنه ولا حاجة حصلت.


أما فرح، فكانت واقفة على بعد أمتار، نصها مصدوم ونصها منبهر.

ده مش نوح اللي بتشوفه كل يوم في الشركة…

حتي لو بيعاملها كويس لكن مع الباقي بيكون صارم ،  لكن دلوقتي هو دافي حنون، وكأن جواه سر كبير هي أول مرة تلمسه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تاني يوم، فرح دخلت الشركة بدري عن المعتاد، بس وهي في طريقها لمكتبها، عينها راحت على نوح اللي كان قاعد بيشرب قهوته بهدوء كأن مفيش حاجة حصلت امبارح.

وقفت لحظة، بتتردد إذا تفتح الموضوع ولا تسكت، لكن فضولها كان أقوى.


دخلت مكتبها، وبصت له من ورا الإزاز، وبعدين خرجت بخطوتين سريعتين لمكتبه.

– "أنا شفتك امبارح."


نوح رفع حاجبه باهتمام:

– "شفتيني فين؟"


– "في الشارع الجانبي جنب الشركة… كنت مع الولد الصغير."


ابتسم ابتسامة خفيفة وهو بيقلب ورق على مكتبه:

– "آه، هو ده اللي عاملك قلق؟"


– "مش قلق… بس استغربت. أنت دايمًا جاد، و… فجأة شوفتك بطريقة مختلفة."


نوح ساب الورق وبص ناحيتها، صوته بقى أهدى وأعمق:

– "مش كل حاجة بنحب نوريها للناس، يا فرح. في حاجات بنحتفظ بيها لينا."


وقفت قدامه، حاسة إنها مش عارفة ترد، لكن جواها إحساس غريب… خليط بين احترام وإعجاب، ويمكن شوية فضول أكتر.


نوح رجع يشتغل، وكأنه قفل الموضوع، لكن هي عرفت إن فيه جانب من شخصيته… قررت إنها هتكتشفه واحدة واحدة.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


المكتب كان هادي جدًا، والليل دخل والشركة شبه فاضية.

فرح قاعدة قدام اللابتوب، بتكتب إيميل، والنور الأصفر الخافت مدي إحساس غريب بالهدوء.

فجأة، الباب اتفتح بعنف لدرجة خلتها تنتفض مكانها.


دخل راجل طويل، ملامحه حادة، وعينيه مليانة غضب، خطوته تقيلة كأنه جاي شايل جبل.

– "فين نوح؟"


صوته كان خشن وهجومي، خلّى فرح تبص له بقلق:

– "حضرتك مين؟"


ابتسم ابتسامة كلها مرارة:

– "أنا مالك نص الشركه… وأخو الشخص اللي البيه كان السبب في إنهاء حياته."


جملة تقيلة سقطت في الجو.

من جوه أوضه في المكتب، الباب اتفتح، وخرج بخطوات هادية لكنها مش خالية من التوتر.

– "مالكش حق تدخل هنا بالطريقة دي."


الراجل ضحك ضحكة قصيرة ساخرة:

– "حق؟ انت آخر واحد في الدنيا يتكلم عن الحق."


فرح بصّت بينهم، عينيها رايحة جاية، ومش فاهمة… لكن كلمة "إنهاء حياته" كانت بتدور في دماغها زي جرس إنذار.


نوح شد نفسه وقال بنبرة قاطعة:

– "اطلع برّه قبل ما أخلّي الأمن يطلعك."


الراجل مشي ببطء ناحية الباب، لكنه وقف لحظة، وبص لفرح بعينين فيها غموض:

– "اسأليه… هو عمل إيه من سنة."


خرج، والباب اتقفل وراه، لكن الجو المليان توتر فضل معلق.

فرح حسّت إن فيه حاجة أكبر بكتير من مجرد خلاف شغل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


بعد ساعات… في مكان مختلف

شارع جانبي بعيد عن الشركة، ظلامه مكسور بنور عمود واحد.

الراجل واقف مستني جنب عربيته السودا، بيده سيجارة بيولّعها، وصوته واطي وهو بيكلم شخص على الموبايل:

– "أنا لسه خارج من عنده… آه، شوفته… ولسه زي ما هو، فاكر نفسه فوق الكل."


وقف لحظة، دخن نفس طويل من السيجارة، وبص للفراغ قدامه:

– "بس أوعدك… المرة دي هعرف أحر.ق قلبه زي ما هو عمل."


قفل الموبايل، ورمى السيجارة على الأرض، وركب عربيته وهو ملامحه متحجرة، كأن اللي جاي مش هيكون بسيط.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


اليوم التالي

فرح كانت طول الليل مش قادرة تشيل كلام الراجل من دماغها.

"اسأليه… هو عمل إيه من سنة."

الجملة دي كانت بتتكرر في ودانها وهي قاعدة في مكتبها.


مع نهاية اليوم، لما معظم الموظفين مشوا، وقفت قدام مكتب نوح، بتتردد.

– "ممكن أسألك سؤال؟"


نوح كان بيكتب حاجة، رفع راسه وقال ببرود:

– "اتفضلي."


– "الراجل اللي جه امبارح… كان يقصد إيه لما قال إنك أنهيت حياة أخوه؟"


وش نوح اتغير للحظة، بس رجع يخفي ملامحه بسرعة:

– "مش موضوعك، يا فرح."


– "يمكن مش موضوعي… بس أنا شغالة معاك، ومش بحب أشتغل مع حد مش فاهمة قصته."


– "مش كل القصص لازم تتقال."


سكتت لحظة، وبعدين قالت بإصرار:

– "حتى لو القصة دي ممكن تغيّر كل حاجة؟"


نوح قام من مكتبه، وراح يقف عند الشباك، كأنه بيحاول يهرب من السؤال:

– "فرح… في حاجات لو عرفتيها مش هتقدري تنسيها."


– "أنا مش خايفة أعرف."


فضل واقف ساكت، صوت تنفسه بس هو اللي بيملى الجو.

وأخيرًا، قال بصوت واطي، فيه مرارة:

– "كان ليَّ صاحب… اسمه عَدِي. كنا أقرب من إخوات.

في يوم، كنا راكبين عربية سوا… هو كان بيسوق بتهور، وأنا كنت جنبه.

صوت ضحكنا كلن عالي… كأن الدنيا كلها ملكنا، لحد ما فجأة… العربية اتقلبت."


صوته اتقطع لحظة، كأنه بيجمع شجاعته يكمل:

– "عدي مات… وأنا… لما فوقت، كنت في المستشفى… والدنيا كلها ظلام. عينيّ خلاص… مش بتشوف."


فرح اتسمرت مكانها، مش عارفة تقول إيه.

نوح رجع يقعد على مكتبه، وبص للأرض:

– "دي القصة اللي ما بحبش أحكيها… واللي خليتني الشخص اللي إنتِ شايفاه قدامك دلوقتي."


السكوت سيطر على الأوضة، لكن جوا فرح إحساس تقيل من الحزن… ومن الفهم الجديد لشخصية نوح.


ــ "اعملي حسابك إننا كمان يومين هنسافر الجونة، عشان هنستقبل وفد جاي من فرنسا، ومحتاجك عشان تترجمي كلامي معاهم."


فتحت عيونها بذهول ممزوج بفرحة:

"هنسافر الجونة… عند الأستاذ أبو ويسرا؟"


ضم حواجبه باستغراب:

"أبو ويسرا مين؟"


"إزاي متعرفهمش؟ دول بتوع تلات دقات."

وبعدين بدأت تغني بصوت نشاز…


"لما شوفتها قلبي دق تلات دقات، والطبلة دخلت، عملت جوا دماغي حاجات

لما الرق دخل رق وحنين، طب أعمل إيه؟ قمت أنا حنيت."


وكملت باندماج، مش واخدة بالها من نوح اللي غمض عينه بازعاج من صوتها:


"إمتااااااا الحب طاااال قلبي ولا في الخيال…"


قاطعها نوح، وهو حاطط راسه بين إيديه:

"أبوس إيديكي، كفاية… خلاص افتكرتها."


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


بعد يومين جه معاد السفرية. فرح وصلت المطار بدري، وشافت نوح جاي من بعيد. المره دي كان ماسك عصاية إرشاد للمشي. فرح وقفت مصدومة لحظة، لأنها أول مرة تشوفه خارج حدود المكتب، وأول مرة تلاحظ إنه فعلاً بيعتمد عليها.


بعد ما خلصوا كل ورق السفر، ركبوا الطيارة المتجهة للجونة.


أول ما الطيارة بدأت تتحرك، فرح مسكت الكرسي جامد وقالت بصوت واطي:

ـ "يا ساتر... دي بترج ليه كده؟ إحنا طايرين ولا بننط على ترمبولين؟"


نوح ضحك وقال بهدوء:

ـ "إهدي يا ست... إحنا لسه على الأرض... ده الطيار بيجرب المطبات كده عشان ما نزهقش."


فرح بصت له بقلق:

ـ "بتتكلم جد؟"


ـ "لا طبعًا، أنا بهزر... ركزي في النفس، وسيبي الكرسي في حاله قبل ما يرفع علينا قضية تحر.ش!"


الرحلة عدت وسط هزار ومحاولات نوح إنه يطمنها. وبعد كام ساعة وصلوا الفندق.


نوح راح على الريسبشن عشان يحجز غرفتين جنب بعض، لكن الموظف قال له بابتسامة آسفة:

ـ "آسف يا فندم، مفيش غير جناح واحد فاضي، كل الغرف محجوزة عشان المعرض الكبير اللي بيبدأ النهاردة."


نوح بضيق: طيب وبعدين ايه الحل .


الموظف بتفكير: حضراتكم ممكن تحلوا المشكلة بإنكوا تقسموا الجناح، احنا عندنا في الفندق مساحة الجناح بتكون كبيرة جدا .


فرح فتحت عينها بصدمه:لا طبعا انت بتقول ايه


الموظف بأسف : للأسف ده الحل الوحيد وعشان تروحوا فندق تاني هيكون بعيد جدا عن هنا


نوح بعد تفكير:

ـ "بصي... نقسم الجناح نصين. كل واحد يقعد في نصه، وكده كده إحنا أغلب الوقت برا. ثلاث أيام وهنكون نايمين بس."


فرح فكرت... وبصراحة حسّت إن نوح مش بيشوف، فالموضوع أمان. قالت وهي مترددة:

ـ "ماشي... بس بالنص يعني بالنص!"


الجناح طلع كبير أوي، وفيه حمامين. نوح أخد شاور وغيّر هدومه، وكمان فرح عملت نفس الشيء. التعب غلبهم فناموا لحد العصر.


صحوا واتجهزوا. فرح لبست فستان صيفي أبيض مع خمار لونه لافندر، ونوح لبس تيشيرت زيتي مع بنطلون جينز أبيض، وشعره الكثيف مسرحه لورا.


نوح قال وهو بيشد بطنه:

ـ "أنا جعان من الصبح، لو إنتي مش جعانة... أنا جعان بالنيابة عنك."


نزلوا وأكلوا، وبعدين قابلوا الوفد. الجو كان رسمي، لكن بوجود فرح الجو بقي مليان مرح وبهجة خصوصا بسبب ترجمتها.


وأثناء الاجتماع، واحد من الوفد الفرنسي قال بجديّة:

ـ "L'importation doit respecter les normes internationales."


فرح، بثقة مفرطة، ترجمتها:

ـ "بيقولك الاستيراد لازم يبقى على مقاس الناس الكبيرة… مش أي حد يستورد وخلاص!"


القعدة وقفت لحظة نوح كتم ضحكته بالعافيةوهز راسه باستسلام.


نوح همس لها:

ـ "يا فرح… هو بيقول لازم الاستيراد يلتزم بالمعايير الدولية


فرح همستله بثقة :


ما انا عارفه أنا بس بختبرك انت بتفهم فرنساوي ولا لا .


رد بثقه مماثله :انا قولتلك أنا مش قد كده فيه بس مش معناه إني مش بفهمه خالص


اليوم خلص ورجعوا الفندق. نوح كان شكله تعبان أوي، وظاهر عليه علامات سخونيه وبرد، لكنه حاول يكابر.


لكن في نص الليل، فرح صحيت عشان تشرب شوية مية. وهي ماشية سمعت همسات طالعة من الجزء اللي قاعد فيه نوح. قلبها دق، وقربت بخطوات حذرة، تحاول تلتقط الكلمات.


ولما عدّت الفاصل اللي في نص الجناح… اتجمّدت.


نوح كان جسمه متشنج، قطرات العرق مغطياه، إيده ماسكة أطراف السرير بقوة


فرح وقفت كام ثانية مش مصدقة المنظر… قلبها بيخبط في صدرها. مدّت إيديها بتردد، وقربت منه خطوة خطوة، لحد ما وقفت قدامه.


بهدوء وحذر، لمست جبينه…


اتصدمت. حرارته مولعة، كأنه نار. سحبت إيدها بسرعة، وبصت له بقلق:

ـ "نوح… إنت سامعني؟"


هو ما ردش، نفسه كان متقطع، وبيهمس بكلمات مش مفهومه


فرح، بعد ما شافت حالته، اتصلت بالريسبشن وهي بتهمس:

ـ "لو سمحتوا، ممكن تبعت خافض للحرارة ودوا برد بسرعة؟ أيوه، جناح 305… شكراً


فرح بدأت تعمله كمادات، وتمسح جبينه ورقبته. كانت إيديها بتهتز من القلق، وهو لسه جسمه متشنج وكلامه متقطع.


بعد شوية، جرس الباب رن… العلاج وصل أخيرًا. فرح أخدت الأدوية وخافض الحرارة، ورجعت له.

ـ "نوح… لازم تاخد الدوا دلوقتي."


هو كان شبه غايب عن الوعي، فاضطرت ترفعه بإيديها شوية وتحط الحباية في بقه، وتلحّ عليه يشرب المية. أخيرًا بلعها بصعوبة، ورجع يغمض عينه.


فرح فضلت طول الليل جنبه، تبدّل الكمادات كل شوية، وتتحسس حرارته، لحد ما حسّت نفسه بدأ يهدى شوية، وملامحه بقت أهدى من الأول


وسط الهلوسة، نوح بص في عينيها بعمق وابتسم بحب، وبعدين غمض عينه. فرح قلبها دق، لكنها هزت دماغها:

ـ "أكيد بيتهيألي..."


فضلت جنبه لحد الصبح.


النهار بدأ يتسرّب من شقوق الستارة، ونوح حس بدفا الشمس على وشه. بلع ريقه ببطء، جفونه تقيلة… لكنه فجأة فتح عينيه.

كانت حركة عادية… لكن فيها حاجة غلط.


عينيه اتحركت ببطء في الأوضة، وكأنه بيتأكد من حاجة. وقف نظره على الدولاب، بعدين المكتب، وبعدين… المراية اللي قصاد السرير.

انعكاسه كان واضح، ومعاه انعكاس فرح وهي نايمة على الأرض، راسها محطوطة على طرف السرير. ابتسامة صغيرة لمعت في عينيه قبل ما يخفيها.


همس لنفسه:

ـ "لسه… مش دلوقتي."


قرب منها، مد إيده ناحيتها، لكنه سحبها لما حس إنها بدأت تتحرك.

فرح فتحت عينيها، ملامح مرهقة لكن ابتسامة دافية طلعت على وشها وهي شايفاه باصص للفراغ كعادته.

فرح بفرحة: "إنت كويس؟"


نوح بتمثيل الاستغراب: "فرح! إنتِ ليه هنا؟"


فرح بهدوء وابتسامة صغيرة: "إنت تعبت امبارح… حرارتك عليت أوي، وأنا سهرت طول الليل أعملك كمّادات لحد ما العلاج وصل… وبعدها فضلت جمبك."


نوح، وصوته واطي وفيه شكر حقيقي: "شكرًا يا فرح…."

قالها بابتسامة دافية، وبعدين:

ـ "أنا هانزل عندي ميتينج... هاطلب لك فطار، كمّلي نومك."


فرح:

ـ "طب هتعرف تروح إزاي؟"


نوح:

ـ "معايا العصاية، وأسأل أي حد يوصلني."


هي هزت راسها بنعاس، وكملت نومها، مش واخدة بالها إنه من شوية كان بيتحرك زي أي حد شايف.


نوح خرج من الجناح بعد ما ارتدى هدومه، في إيده العصاية البيضاء. خطواته هادئة، محسوبة زي ما هو متعود. أول ما بعد عن باب الجناح، مسك العصاية بإيده ورماها على كتفه بخفة، كأنه بيلعب جولف، وابتسامة واثقة على وشه. مفيش أي حد واخد باله… لأنه ما ادّاش لحد فرصة يشك فيه.


راح الميتنج، واشتغل عادي وكأنه ما فيش حاجة مختلفة.


عدّى اليومين، والأوضاع ما تغيرتش… إلا إن في تاني يوم أوضة فضيت في الفندق، فنوح سلّم جناحه لفرح ونقل حاجته للأوضة الجديدة .


بعد ما خلص آخر ميتينج في الجونة، نوح قفل اللابتوب ووقف من الكرسي، ووجه كلامه لفرح بابتسامة جانبية:

نوح: "إيه رأيك قبل ما نسيب الجونة، نتغدى سوا في مطعم كده على البحر؟"


فرح رفعت حاجبها بدهشة بسيطة: "هممم، فكرة حلوة… بس هتعزمني على إيه؟"


نوح عمل نفسه بيفكر بجدية، وبص للسقف كأنه بيحسبها: "بصي… قدامي خيارين: يا إما سندوتشات فول من عربية عم سيد اللي عند المحطة… يا إما طاجن جمبري من أفخم مطعم هنا."


فرح قعدت تضحك: "يا سلام! والفول ده داخل المنافسة إزاي بالظبط؟"


نوح ضحك هو كمان وقال: "مش عارف بس جات معايا كده " .


فرح هزت راسها وهي بتضحك: "وأنا بقى هسيب الجمبري وأختار الفول عشان أثبتلك إيه بالظبط؟ طبعاً جمبري ."


ضحكوا الاتنين، وبخطوة خفيفة خرجوا من القاعة، متجهين ناحية المطعم وسط نسيم البحر اللي كان بيحمل معاهم ريحة الملح وصوت الموج.


الجو كان مريح، وضحكتها كانت طالعة بسهولة، وهو بيتكلم عن خطط الشغل الجاية. فجأة، موبايله رن.

بص للشاشة، لقاه رقم غريب. قام من مكانه، وابتعد خطوات عن الطاولة وهو بيرد.


صوت غريب خشن جه من السماعة:

ـ "أنا هولّع قلبك… وهخليك تدوق اللي ما تتوقعوش."


نوح وقف مكانه، صوته نزل واطي جدًا:

ـ "إنت مين؟"

لكن الخط اتقفل، وبمجرد ما لف عينه ناحية الطاولة… لقى الكرسي بتاع فرح فاضي.


كانت قدامه طول الوقت، وهو بيتكلم… اختفت إزاي؟!

...........


المشهد بيرجع شوية لورا:

فرح كانت قاعدة بتاكل بهدوء وقت ما جت المكالمة. حاجه صغيرة من الأكل وقعت على بلوزتها، قامت تتجه للحمام عشان تنظفها. وهي خارجة، لمحت بنت واقفة في ركن هادي، وشها بشوش، بتمد إيدها بزجاجة بيرفيوم.

البنت بابتسامة ودودة: "ممكن آخد رأيك في الريحة دي؟"


فرح ضحكت بخفة، ومدت وشها تشم، وهي مش واخدة بالها من النظرة الخبيثة في عين البنت.

فجأة، الدنيا لفت حواليها… الإضاءة بهتت…


وآخر حاجة شافتها قبل ما تغيب عن الوعي… رجل ضخم بيظهر من وراها، بيشيلها كأنها لعبة صغيرة، ويختفي بيها في ممر جانبي، بعيد عن عيون الكل.


وقفنا المره اللي فاتت لما فرح اتخطفت ونوح كان لسه واقف في المطعم، عينه بتجري في كل الاتجاهات، قلبه بيخبط كأنه هيكسر ضلوعه. اتصل بفرح مرة ورا التانية… الموبايل مقفول.


موبايله رن فجأة. نفس الرقم المجهول. رد بسرعة:

ـ "فرح فين يا عزمي؟! عملت فيها إيه؟"


عزمي بصوت خشن ، بس المرة دي كان مليان شر :

ـ "وفّر مجهودك يا نوح… متتعبش نفسك وتدور. هي معايا."


نوح شد نفسه:

ـ "لو لمستها…"


عزمي قاطعه بسخرية:

ـ "لمستها؟! دي كلمة صغيرة أوي على اللي ممكن يحصل. اسمع الكلام، وتعالى بكرة ومعاك ورق التنازل عن الشركة… غير كده؟ هتودّع حبيبة قلبك.."


الخط اتقفل، ونوح واقف، صوته اتحشر في حلقه، بس ملامحه اتغيرت لجمود قاتل.


________________________________


عند فرح:


صحيت من غيبوبة خفيفة. دماغها تقيلة، كل عضلة فيها بتوجعها. رفعت راسها تلاقي نفسها في أوضة ريحتها وحشة، الحيطان متقشرة، نور خافت جاي من لمبة صفرا بتترعش.


حاولت تقوم، رجليها مش شايلاها آثار المخدر لسه في جسمها ، لكن حاولت تقوم بكل قوتها. اتجهت ناحية الباب، تهز في الكالون وتخبط بكل قوتها:

ـ "حد هناااااا؟! افتحوااااا!"


وفجأة، الباب اتفتح بعنف. راجل ضخم دخل وزقها على الأرض. وقعت على ضهرها، صرخة ألم خرجت غصب عنها:

ـ "آآااه!"


هو بص لها بنظرة غليظة:

ـ " عامله دوشة ليه يا سنيورة . لو سمعت صوتك تاني… هتندمي."


فرح دموعها نزلت، قلبها بيرتعش، لكنها أول ما شافت ملامحه اتصدمت. همست:

ـ "ده… ده نفس الراجل اللي جه الشركة قبل كده وهدد نوح…"


الراجل ضحك بسخرية، وقرب منها:

ـ "أيوه… اللي بتفكري فيه صح أنا عزمي اللي شوفتيه في الشركه، والمرادي هوضحلك كل حاجة. إنتي بالنسبالي مجرد كارت ألعب بيه. نوح هيتنازلي عن الشركة… وبعدها؟ هخلص عليه… زي ما قتل أخويا وحرمني منه."


فرح شهقت بخوف على نوح وعزمي كمل كلامه 


ـ "هو فهّمك طبعا ان أخويا اللي كان سايق…  بس لأ، الحقيقة نوح هو اللي كان سايق. هو السبب… هو اللي عاش… وأخويا أنا مات."


فرح دموعها غرقت خدودها:

ـ "بس نوح اتأذى! فقد بصره!"


عزمي انفجر في ضحكته:

ـ "فقد إيه؟! يا بنتي ده ضحك عليكي. نوح بيشوف زي الفل! وأنا هثبتلك دلوقتي."


مد إيده على ريموت وضغط زر. شاشة كبيرة في ركن الأوضة ولعت. صورة أوضة تحت ظهرت فيها كرسي وطاولة… وكاميرا مجهزة.

بص لها بنظرة مليانة خبث:

ـ "لما نوح ييجي، هتفتحي عينك وتشوفي الحقيقة… بعينك. وهتعرفي إنك كنتي عايشة مع أوهام."


بعدها لف وخرج، قافل الباب وراه بقفل تقيل.


_____________________________


المشهد ينتقل:


مكان قديم… مخزن واسع مهجور. بوابة حديد صدئة اتفتحت، ودخل نوح بخطوات ثابتة. لابس نضارة سودا، وماسك عصاية الإرشاد في إيده.


اتفتش كويس عند الباب، وخدوه لجوه.

نوح واقف في نص المكان، وعزمي قدامه بابتسامة مستفزة:

ـ "أهلا نوح باشا… ها جهزت ورق التنازل؟"


نوح:

ـ "هات فرح الأول."


عزمي :

ـ "لأ… الأول تتنازلي عن الشركة، ده حق أخويا عدي اللي انت موته.


نوح صوته اتشد:

ـ "كفاية لعب! انت عارف ان عدى اللي كان سايق يومها ! يمكن انت اللي اخترعت القصة دي عشان تفضل تنتقم مني ، عشان طول عمرك بتكرهني حتي من قبل ما عدي الله يرحمه يتوفي وانت كنت بتحقد عليا وأنا وافقت أشاركك من من الأول عشان عدي اللي طلب مني."


عزمي قرب من نوح وعنيه مليانه شر وضربة لكمه في وشه خلت نوح يرجع لورا والنضاره اللي لابسها على عنيه وقعت على الأرض ..


فرح وهي متسمّرة قدام الشاشة، اتسعت عينيها وهي شايفة نوح…

اتصدمت من نظرته اللي واضحة وصريحة، نظرته اللي عمرها ما كانت بتاعة أعمى.


إيدها اتجمدت وهي حاطاها على بقها:

ـ "مستحيل…!"


عزمي ضحك ضحكة حقودة وهو بيلف حوالين نوح ببطء:

ـ "شايفة يا عروسة؟ كنتي فاكرة حبيبك أعمى؟ لأ… ده بيمثّل عليكم كلكم. وخصوصًا إنتي."


نوح ثابت مكانه، ملامحه فيها برود بس عينه بتتفرس في عزمي من غير خوف.


عزمي قرّب أكتر وهو بيزق نوح بزراعه:

ـ "قولها يا نوح… قولها إنت شايف من الأول! ولا سايبها تعيش الوهم عشان تستغلها وتخليها تحس إنها بطلة في قصة حب عميان؟"


نوح ضغط على أسنانه، صوته كان واطي لكنه مليان غضب:

ـ "إنت متعرفش أنا عملت كده ليه… ومش هتفهم."


لكن فرح… قلبها اتكسر.

دموعها نزلت من غير ما تحس، وهي متسمرة قدام الشاشة، اتمنت تكون غلطانه ومتهيألها إنه بيشوق ، ضحكت بسخرية وهي بتفتكر كل المواقف اللي كانت بتأكد إنه بيشوف لكن هي كانت مغفله... مش مصدقة إن كل كلمة، كل لحظة تعاطف، كانت مبنية على كدبة.


عزمي فجأة شد سلاحه، وصوته خرج مليان تهديد:

ـ "إنت فاكر نفسك جامد يا نوح؟ من غير شركتك إنت ولا حاجة."


نوح وقف ثابت، صوته هادي لكنه تقيل:

ـ "أنا عمري ما كنت محتاج شركة… لكن إنت طول عمرك محتاج تخاف مني."


الكلمة دي أشعلت عزمي، أشار لرجالته يهجموا.

المكان اتقلبت ساحة خناقة،

نوح بيضرب ببرود وذكاء، خطواته محسوبة رغم إنه لواحده…

كل ضربة من رجالة عزمي كان بيرد عليها بسرعة، بس الخطر بيزيد.


وفجأة… أصوات صفارات عالية من برة،

رجالة البوليس اقتحموا المكان بالسلاح.

رجالة عزمي اتشتتوا، وابتدوا يقعوا واحد ورا التاني.


نوح استغل اللحظة، جري على السلم الخشبي القديم، قلبه مشغول بحاجة واحدة: "فرح."


طلع بسرعة وهو بيترنح من الضرب اللي أخده.

وصل للدور اللي فوق، ولما فتح الباب…

لقاها.


فرح قاعدة في الركن مقيده، بس في نظرة عينيها كانت أقوى من أي قيد .

بصلها… ونظراته كانت كلها رجاء.

لكن هي… بصتله بعتاب صامت، ودمعة وقعت على خدها.


نوح قرب منها ونزل لمستواها ، مد إيده يحاول يفك قيدها.


ملامحه متوتره:

ـ "فرح… اسمعيني، أنا كنت مضطر".


فرح دموعها نزلت من غير ما تتكلم.عينيها كلها عتاب.

ـ "إزاي تكذب عليا كده؟! كل الوقت ده… وأنا فاكرة إنك محتاجني… فاكرة إني سند ليك…"


نوح مد إيده ليها:

ـ "استني، الموضوع أكبر من كده… أنا عملت كده لحماية نفسي… ولحماية الشركة."


لكنها زقته بكل قوتها، صوتها مكسور:

ـ "لا… إنت عملت كده عشان نفسك وبس! حتى مش قادر تواجهني بالحقيقة."


هي شدت نفسها بعيد عنه… وزقته بكل قوتها.

قامت واقفة، خطوتين لورا، صوتها كان مهزوز لكنه مليان وجع:

ـ "كفاية كدب يا نوح."


وسابته… ومشيت بخطوات تقيلة ناحية الباب،

بينما هو واقف متجمد مكانه، عاجز إنه يبرر أو يشرح…

وصوت قلبه بيتكسر جواه.


**البارت الأخير الجزء الأول**

الشركة كلها بقت عارفة إن نوح مش أعمى زي ما كانوا فاكرين، ونوح مش مهتم بكلامهم. كل اللي شاغل باله فرح، اللي اختفت تمامًا من يوم ما عرفت إنه مش أعمى.


عدّت أيام، يمكن أسابيع… المكتب بقى ناقص حاجة. صوتها، ضحكتها، حتى وجودها العادي اللي كان بيخفف أي توتر… اختفى.


نوح كان بيحاول يركز في شغله، يدفن نفسه وسط الملفات والاجتماعات. بس الحقيقة كانت بتضغط عليه كل يوم: فرح مش موجودة.


في يوم، وهو قاعد في مكتبه، السكرتيرة دخلت ومعاها ظرف بني:

ـ "أستاذ نوح… الظرف ده وصل النهارده باسم حضرتك."


مد إيده أخده، فتحه بسرعة.

جواه ورقة مطوية… مكتوب فيها بخط إيد فرح:


"أنا بقدّم استقالتي من الشركة… القرار ده نهائي.

شكراً على كل حاجة، لكن خلاص… الطريق مش واحد."


نوح قرأ الجملة أكتر من مرة. قلبه اتقبض، إيده ارتعشت، الورقة وقعت على المكتب.


قام من مكانه فجأة، لف في المكتب كأنه مش قادر يستوعب.

ـ "استقالة؟! إزاي؟ليه ما قالتليش؟!"


دماغه بدأ يجيب مشاهدها… ضحكتها وهي بتقوله ملاحظاتها، ترجمتها العجيبة اللي عمره ما شاف زيها ،نظرتها وهي بتدعمه، العتاب اللي في عينيها آخر مرة شافته.


قعد على الكرسي، إيده على راسه، نفس عميق كأنه بيخنقه وهو بيقرأ الاستقالة للمره الخمسين وكل مره بيحس بخنجر بيغر.ز في قلبه 


لأول مرة يحس إن اللعبة خرجت من إيده… وإنه مش فاقد موظفة، هو فاقد اللي كانت أقربله من نفسه.


نوح خلص شغله في المكتب بالعافية، ولا كان مركز في أي حاجة.

كل ثانية بتعدي كان بيبص على الساعة، مستني اللحظة اللي يخرج فيها.

أول ما اليوم خلص، أخد جاكيتُه وطلع بسرعة، ولا كأنه عايز يهرب من جدران المكان اللي بقى خالي من وجودها.


ركب عربيته، قفل الباب بشدة، وبص قدامه من غير ما يشغل الموتور لحظات…

السماء كانت مكشرة، المطر بينزل تقيل على الإزاز كأنه بيوصف اللي جواه.

زفير طويل خرج من صدره، وبعدها مد إيده وشغّل الكاسيت.


نوح ضغط على زر الكاسيت، وبدأ صوت عمرو دياب يملأ العربية:


"خليك فاكرني

يا اللي بجمالك وبعيونك دول أسرني"

"خليك فاكرني

وإن حس قلبك يوم بقلبي إبقى زورني"

"دا إنت في عينيا، كل اللي ليا

فرحة شبابي، والدنيا ديا"

"دا إنت في عينيا، كل اللي ليا

فرحة شبابي، والدنيا ديا"


سند راسه على الكرسي، وإيده التانية ماسكة الدريكسيون، وصوته طالع واطي يردّد ورا الأغنية من غير ما يقصد.


المطر كان بينزل بغزارة، والإزاز كله غرقان نقط مية بتتزاحم زي دموعه اللي محبوسة.

عينيه سابِتة على الطريق، بس دماغه ما بتشوفش غير فرح… ضحكتها، كلامها، وحتى سكوتها.


كل كلمة في الأغنية كانت بتزيده يقين إنه مش قادر يعيش من غيرها، وإنه مهما حاول يهرب من الإحساس… الطريق هيفضل يرجعه ليها.


شد نفسه نفس طويل، والعربية فضلت ماشية ببطء في الشوارع الفاضية.

وفي لحظة قرر:

ـ "لازم ألاقيها… حتى لو الدنيا كلها وقفت قصادي.


وفعلاً مكدبش خبر وبعد ثواني كان ماسك موبايله وبيضغط على شوية ارقام:


ـ "ألوو… عايز أعرف عنوان بيت فرح. ضروري."


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تاني يوم… كان الجمعة.

الشوارع هادية، والجو لسه مبلول من مطر امبارح.

نوح وقف قدام بيت فرح، قلبه بيدق بطريقة غريبة.

مد إيده وجرس الباب رن.


دقايق وسمع صوت خطوات، والباب اتفتح.

فرح واقفة، لابسة الإسدال، ملامحها حزينة، عينيها لسه متورمة من البكا.

اتجمدت وهي شايفاه واقف قدامها.


ـ "نوح؟! إنت بتعمل إيه هنا؟!"


ابتلع ريقه وقال بنبرة متلخبطة:

ـ "جيت عشان أفهمك… وعشان تسمعيني."


رفعت حاجبها بسخرية:

ـ "لسه في إيه يتقال؟! إنت كنت بتمثل عليّ طول الوقت!"


ـ "فرح… والله ما كان تمثيل. أنا كنت لازم أعمل كده… كنت لازم أبين إني كفيف.

الموضوع مش هزار، فيه ناس في الشغل بتترصدلي، الشركة كان عليها تهديدات. لو عرفوا نقطة ضعفي أو كل تفصيلة عن حياتي، كانوا هيستغلوها.

وأنا… كنت مستني اللحظة الصح أقولك، مش عشان أخدعك… بس عشان أحميكي معايا."


صمتت لحظة، قلبها بيتلخبط بين غضب ووجع واشتياق.

ـ "طب وليه ما صرحتنيش؟ ليه خليتني أكتشف بنفسي ".


نوح قرب منها خطوة صوته هادي وعيونه مليانه حب: 


" عشان أحميكي يا فرح ، عشان أنا ... أنا 


في اللحظة دي، صوت جاي من جوه:

ـ "مين يا فرح؟"


والدها ظهر. رجل وقور، شعره أبيض وملامحه فيها حزم.

نوح وقف بسرعة وسلّم عليه:

ـ "أنا نوح… مدير فرح."


الأب رحّب بيه باحترام:

ـ "أهلاً وسهلاً، اتفضل."


دخل نوح الصالون وقعد معاهم، وفرح قامت بتحضر شاي وهي لسه مش مستوعبة اللي بيحصل.

في غيابها، نوح أخد نفس عميق وقال للأب بصوت واضح:

ـ "أنا مش جاي بس عشان أرجّع فرح الشغل… مع إنها ضرورية عندي.

أنا جاي أطلب إيدها من حضرتك."


الأب اتفاجئ:

ـ "إيدها؟! وفرح عارفة؟"


ـ "لسه… وده طلبي من حضرتك. ما تقولهاش دلوقتي.

فرح عنيدة، ولو حست إن ده السبب اللي جاي بسببه ترفض بالعند.


أنا عايز أطلبها منها بنفسي بعد إذن حضرتك طبعا… بس بعد ما ترجع علاقتنا زي الأول، وبعد ما الأمور تهدى."


الأب فضّل ساكت ثواني، بصلُه بعين فاحصة، وبعدها ابتسم ابتسامة خفيفة:

ـ "واضح إنك صادق… وأنا عارف بنتي، مش هتقبل بسهولة. بس لو إنت قد كلامك… أنا موافق."


نوح حس براحة غريبة لأول مرة من شهور.

وفي اللحظة دي فرح دخلت بالصينية:

ـ "اتفضلوا الشاي."


واستغربت لما لمحت نظرات ابوها السعيده وابتسامه نوح الخبيثة ...


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السبت الصبح…

فرح دخلت الشركة بخطوات مترددة. قلبها بيخبط من أول ما شافت باب المكتب، نفس المكان اللي ودّعت فيه كل حاجة من أيام.

العيون كلها اتجهت عليها، في موظفين اتفاجئوا، في ناس ابتسموا… وهي ما ردتش على حد، طلعت على مكتبها بسرعة.


نوح كان في مكتبه، ولما سمع صوت دقات على باب مكتبه، اتأكد إنها فرح، حتى خبطها على الباب حافظه عن ظهر قلب.


حمحم بخشونة بيحاول يستعيد توازنه:

ـ "ادخلي."


دخلت فرح بخطوات متوترة،وهي شايفاه مراقبها بعنيه ونظراته اللي بدأت توترها من ساعت ما اكتشفت إنه بقا يشوف 


دخلت على مكتبها بدون أي كلام أما نوح فتنهد بضيق ورفع حاجبه بابتسامة نصها جد ونصها لعب:

ـ "ماشي يا فرح… كملّي كده، وأنا هوريكي آخرتها إيه".


بعد ساعات من الصمت المشحون، بعثلها رسالة على موبايلها :

"اجتماع قصير بعد الغدا. ضروري."

وجنبه إيموجي مكشر  (ده 😠)


فرح قرأت الرسالة وابتسامه خفيفه على وشها، بس ردت ببرود:

"تمام."


بعد الغدا، المكتب كان فاضي.

فرح دخلت عند نوح، واقفة قصاده من غير ما تقعد.

ـ "خير؟"

ابتسم ابتسامة صغيرة:

ـ "إقعدي يا فرح ."


فرح مسكت الملف، قلبها بيتقلب، بس صوتها طلع ثابت:

ـ "أنا رجعت للشغل عشان مهنتي… مش عشانك."


ابتسم نوح، وهو واثق إنها مش قادرة تخبي مشاعرها للأبد وقال من جواه:

ـ "يكفيني إنك رجعتي… والباقي عليا."


لكنه رد عليها باستفزاز :


"أنا طلبك عشان فيه ميتنج مع وفد كوري كمان ساعه يعني شغل مش اللي في دماغك خالص ".


فرح فتحت عينيها بإحراج وبلعت ريقها وهي شايفة نظرات الجدية على وشه، وهي اللي كانت فاكرة إنه هيتكلم في اللي حصل، بس الظاهر إنه هو اللي بيعاملها برسمية وجدية.

خفضت عينيها على الأرض بإحراج، من غير ما تاخد بالها من ابتسامة الخبث اللي ظهرت على وش نوح وهو شايفها اتحرجت من كلامه.


بعد ساعة، الوفد وصل وقعدوا في قاعة الاجتماعات. الجو كان رسمي والكل قاعد قدام بعض.

أحد أفراد الوفد الكوري بدأ يتكلم، ونوح بص لفرح وقال لها بنبرة هادية :

ـ "فرح، ترجمي كلامه."


فرح ما ردتش عليه، عينيها كانت متعلقة بالراجل الكوري بابتسامة إعجاب طفولي، وقالت باندهاش خفيف:

ـ "يا نهار أبيض… ده شبه جونغكوك من فرقة BTS اللي في كوريا."


نوح شد نفسه في الكرسي، وعينيه ضاقوا من الغيرة وهو يرد بسرعة:


ـ "جونغكوك مين؟ كلهم شبه بعض… عيونهم ضيقة وخلاص، إنتي مش مركزة في شغلك."


طول الاجتماع، نوح كان بيحاول يركز في الكلام اللي بيتقال، لكن عينه كل شوية تروح على فرح.

هي بقى، ولا كإنها حاسة بيه… عينيها معلقة بالراجل الكوري، وكل ما يتكلم تبتسم ابتسامة صغيرة كأنها منبهرة بيه.


نوح فضل يطرقع صوابعه من تحت الترابيزة، وصوته مكتوم من الغيظ، بس ملامحه لسه محافظة على الرسمية قدام الوفد.


فرح فجأة وجهت كلامها للراجل الكوري بابتسامة أكبر وقالت له جمله بالكوري


نوح رفع راسه بحدة، بص لها باستغراب وغضب وهو يهمس من بين أسنانه:

ـ "إنتي قلتي له إيه يا فرح؟! بتتكلمي في إيه؟"


فرح لسه متجهلاه، عينيها على الراجل، متجاهلة غليان نوح اللي قاعد على الكرسي جنبه كأنه هيقوم يجرها برا القاعة.


الاجتماع أخيرًا خلص، وأعضاء الوفد بدأوا يقوموا ويسلموا.

نوح كان ماسك نفسه بالعافية، كل ثانية بيقول لنفسه: استحمل… عشان شكلك قصاد الناس .


لكن اللي ولّع قلبه أكتر، إن فرح وهي واقفة بتودّعهم، لوّحت بإيدها للراجل الكوري بابتسامة عريضة وقالت بصوت مسموع:

ـ " مش هنساك يا جونغكوك "


نوح قرب من فرح واتكلم بغضب شديد: ايه اللي انتي عملتيه ده في الإجتماع 


فرح ببراءة واستفزاز: ايه انا عملت ايه 


نوح :

ـ "والله مش عارف إنتي عملتي إيه يا فرح! تجاهلك ليا طول الاجتماع، وتركيزك كله مع الواد الكوري… من إمتى أصلاً وانتي تبصي على راجل بالشكل ده؟!"


فرح لفت تبصله بنظرة حالمة، وكأنها مش واخدة غضبه بجد، بالعكس متعمدة تزوده. قالت بنبرة رقيقة مستفزة:

ـ "قصدك تقول جونغكوك… شوفت شعره كان ناعم إزاي؟ ."


نوح بغيرة ونبرة غاضبه : والله أنا مش شايف فيه حاجه حلوة كفاية البيرسينج اللي حاطه في شفايفه بياكل إزاي أصلا ؟


فرح ردت بحيرة وتمثيل الجدية :مش عارفه بس تفتكر عنده وشم على دراعه زي جونغكوك ؟ أصله كان لابس بكم فمعرفتش أشوف كويس 


نوح شهق من كتر الغيظ، مسك راسه بإيده وكأنها جابت آخره، وقال بصوت مبحوح من الغيرة:

ـ "فرح… كفاية، بجد كفاية! إنتي عايزة تجننيني؟!"


فرح قهقهت بخفة وقالت:

ـ "إيه يا نوح؟ غيران منه ولا إيه؟"


نوح وقف مكانه، قرب منها بخطوة وصوته هادي لكنه مخيف:

ـ "أنا مش غيران يا فرح… أنا مولع نار. ولولا إني ماسك نفسي، كنت ورّيتك دلوقتي معنى الغيرة الحقيقية."


فرح ابتسمت بخفه وسابته ومشيت على مكتبها 

نوح قعد على الكرسي بتعب وقال : يا ترى هتعملي فيا ايه تاني فرح .....


هو كان يبان بارد… وهي تبان عنيدة، لكن الحقيقة إن كل نظرة بينهم كانت معركة خسرانها الاتنين، لأن القلب كان دايمًا بيبوح قبل اللسان


عدّى أسبوع كامل مليان شد وجذب بين نوح وفرح، أسبوع كل كلمة فيه كانت شرارة،مرة هي تستفزه، ومرة هو يتعمد يضايقها، لحد ما بقى التوتر بينهم واضح لأي حد يشوفهم.


في يوم، نوح دخل مكتبها وقال بنبرة عملية:

ـ "يلا يا فرح، عندنا مقابلة مهمة... لازم نخرج نمضي عقد مع الشركة. الاجتماع هيكون في مطعم."


فرح رفعت عينيها من الأوراق باستغراب:

ـ "في مطعم؟ مش في مكتب؟"

نوح بابتسامة غامضة:

ـ "هما اللي اختاروا كده... يلا بقى."


خرجوا من الشركة، ونوح مسك المفاتيح وهو ماشي جنبها لحد العربية. ركبوا، وبدأ يسوق بهدوء، الجو بينهم هادي أكتر من الأيام اللي فاتت.

دار بينهم حوار عادي عن الشغل، التفاصيل الصغيرة، من غير مشادات كبيرة كالعادة.


نوح مد إيده وشغّل الكاسيت، وبدأت تطلع أغنية "تملي معاك" لعمرو دياب :


تملي معاك

ولو حتى بعيد عني في قلبي هواك

تملي معاك

تملي في بالي وفي قلبي ولا بنساك

تملي واحشني لو حتى بكون وياك


نوح خطف نظرات لفرح اللي كانت باصّه للطريق، ملامحها هديت وهي مركزة في كلمات الأغنية، وعينيها فيها لمعة خفيفة.عينيها متابعه الطريق لكن تركيزها مع كلمات الاغنية اللي بتوصف حالها وحال قلبها


تملي حبيبي بشتاقلك

تملي عنيا تندهلك

ولو حواليا كل الكون

بكون يا حبيبي محتاجلك 


تملي معاك

معاك قلبي معاك روحي يا أغلى حبيب

ومهما تكون بعيد عني لقلبي قريب

يا عمري الجاي والحاضر يا أحلى نصيب ....


نوح كان كل شوية يخطف نظرة عليها، يشوف ملامحها وهي سايبة روحها للكلمات. ابتسامة صغيرة ظهرت على وشه، لكن بسرعة رجع يخلي نفسه متماسك كأنه مركز في السواقة بس.


الرحلة عدّت في مزيج من صمت وكلمات الأغنية اللي بتغلف الجو حوالين الاتنين.

وأخيرًا وصلوا المطعم، دخلوا سوا، واستقبلهم المسؤولين بابتسامة وترحاب، واتجهوا للطاولة المحجوزة للمقابلة.


المقابلة بدأت بشكل رسمي، كلام عن الشغل، تفاصيل العقد، تبادل أوراق. الجو في المطعم هادي، إضاءة دافية وموسيقى خفيفة في الخلفية.

بعد شوية، الجرسون جه وسألهم عن الأكل، وكل واحد طلب طبقه.


فرح وهي بتاكل ، شرقت وبدأ تكع بعنف ، كتمت كحتها بإيدها، لكن وشها بدأ يحمر بسرعة .


نوح اتخض ومد إيده فورًا، فضل يخبط على ضهرها بلطف وهو بيقول بصوت واطي:

ـ "هدي نفسك... اشربي ميه تاني."


فرح رفعت عينيها له بامتنان وهي لسه بتحاول تسيطر على نفسها.

واحد من اللي قاعدين ضحك بخفة وقال بالإنجليزي: "You two look like a lovely couple!" (انتو الاتنين شكلوكم كابل كده عسل!)


الطاولة سكتت لحظة، والضحكة الصغيرة دي كأنها فجّرت الجو.

فرح اتوترت، وشها احمر أكتر من الإحراج اللي كانت فيه أصلاً.

أما نوح، فابتسامة جانبية طلعت على وشه من غير ما يقصد، قال بهدوء:

ـ "She's my colleague... but she always gives me a hard time." (دي زميلتي... بس منكده عليا عيشتي).


ضحكوا الناس، والجو رجع يكمل عادي، لكن فرح فضلت طول القاعدة مش قادرة تبص في عينيه، والحرارة لسه ماسكة وشها.

أما نوح، فكل شوية كان يرمقها بنظرة فيها خبث ورضا، كأنه بيقول: شوفتي؟ حتى الناس شايفين اللي بينا.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد يوم طويل ومرهق، فرح كانت قاعدة في مكتبها اللي في نفس مكتب نوح. عينها سرحت غصب عنها ناحية مكتبه.


نوح كان مندمج جدًا في شغله، قاعد على الكرسي قدام اللابتوب، لابس قميص أسود بسيط، وجاكتة البدلة متعلقة ورا الكرسي. شعره اللي في العادة بيبقى مترتب على الآخر كان المرة دي متناثر على جبينه بشكل عشوائي، زوّد وسامته بطريقة غريبة. النضارة اللي بقى عادة يلبسها من يوم ما اتكشفت حقيقته، مدياله مظهر جاد… ومثير.


فرح فضلت تراقبه، معتقدة إنه واخد باله من نظراتها… بس فجأة، النور قطع.


هي قامت من على الكرسي بسرعة، قلبها وقع:

ـ "نوح!.. نوح!"


صوتها ارتد في المكان، بس مفيش رد. هدوء غريب مسيطر على الغرفة، والظلمة بتخلي نفسها يتقطع.


خرجت تتحسس الطريق لغاية مكتب نوح. خطواتها مترددة، ونَفَسها بدأ يضيق من القلق.


لكن فجأة… أنوار هادية دافية نورت الأوضة، ورد متناثر على الأرض، ورائحة عطرة مالية المكان.


نوح كان واقف قصادها، مبتسم ابتسامة كلها دفء.


ـ "إيه ده يا نوح؟! إيه اللي بيحصل؟" قالتها بارتباك، مش فاهمة حاجة.


هو قرب منها بخطوة، عينه مليانة حنان وعِتاب:

ـ "إنتي فاكرة إني هرجعك الشغل وأصالحك وبس كده؟"


فرح اتلخبطت، بغيظ ممزوج بخجل:

ـ "أيوه… ما هو ده اللي كنت متوقعة! يعني عادي تقول كلمتين وتصفّي؟!"


نوح ضحك بخفة، وبهدوء قال:

ـ " فرح ..أنا طلبت إيدك من والدك لما رُحت عندكم. وده كان السبب الحقيقي لزيارتي."


فرح فتحت عينيها بصدمة:

ـ "إيه؟!.. يعني إنت…!"


قاطعها نوح وهو بيقرب أكتر، صوته واطي لكنه مليان حسم:

ـ " ايوة مكتتش جاي أرجعك الشغل ، كنت أقدر أرجعك من غير ما اجيلك البيت ".


فرح سكتت وهي بتفرك ايديها بخجل ،موقف جديد عليها مش عارفه تعمل ايه أو تقول ايه .


نوح حس بارتباكها اللي مكانش أقل منه واتكلم بعد تنهيدة:  


"فيه كلام كتير جوايا نفسي أقولهولِك… بس هستنى، وهقوله بعد كتب الكتاب."


ـ "كتب الكتاب؟!" صوتها اتلخبط بين الذهول والفرحة.


نوح هز راسه بابتسامة أوسع:

ـ "الكتاب هيكون الأسبوع الجاي… 


وكمل بجدية ونفاذ صبر :

"بالكتييير يعني ."


فرح فضلت واقفة مصدومة، ملامحها متلخبطة بين الفرحة والدموع اللي لمعت في عينيها. اللحظة اتغطّت بهدوء حلو، كأن الدنيا كلها اتسكت عشان تسمع دقّات قلوبهم اللي اتجمعت أخيرًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


عدّى الأسبوع بسرعة، وفرح ماجتش الشغل طول الأيام دي بأمر من والدها، والقرار ده ولّد جوة نوح غضب مكتوم.


وجيـه يوم كتب الكتاب.


فرح قضت يومها في التجهيز، ماسكات وضحك مع صحابها، ميكب بسيط يبرز ملامحها الرقيقة. البيت كان متزيّن بزينة بسيطة جدًا لكن دافية.


خرجت من أوضتها مع والدها، لابسة فستان أبيض بسيط لكنه أنيق، خمارها ملفوف بنعومة، ووشها منور من أثر الفرح.


نوح كان واقف وسط الناس، وعينيه ماقدرتش تتحول عنها، بيتأملها بنظرات كلها عشق وانتصار.

فرح قعدت بخجل، ما رفعتش عينيها من على الأرض طول ما المأذون بيقرأ، واللحظة اتحفرت في روح نوح، اللي عيونه كانت مزيج حب وفخر وانتصار.


تمّت الإجراءات، والبيت اتملأ بالزغاريط والتهاني.

نوح اتقدّم بخطوات واثقة ناحية فرح، وقف قدامها وانحنى ببطء وباس جبينها. كان باين عليه إنه بيحاول يمسك نفسه بالعافية عشان ما يشدهاش في حضنه ويختفي عن العيون.


اكتفى بقبلة دافية على جبينها، وقرب من ودنها بصوت واطي، نبرته مليانة فرحة:

ـ "مبروك… يا فرحتي."


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


بعد شهر.


فرح ونوح في محل كبير للأثاث والمستلزمات المنزلية، بيلفّوا ما بين الأركان يختاروا حاجات بيتهم. بعد وقت طويل من اللفّ والاختيارات، خلّصوا تقريبًا.


فرح وقفت قدام مراية ضخمة في نص المكان وقالت بخفة:

ـ "تعالى نصوّر سيلفي هنا، عشان نفتكر اليوم ده."


نوح وقف وراها، وهي رفعت الموبايل عشان تجهّز الكاميرا. في اللحظة دي… اتصنمت مكانها لما نوح فجأة باسها من خدها، وفي نفس الثانية ضغط على زر التصوير.


اتحرجت وقالت بخجل وهي بتبصله من المراية:

ـ "إنت عملت إيه؟!"


نوح رد ببراءة طفولية:

ـ "بوستك."


فرح عضّت شفايفها، عينيها بتلمع:

ـ "أنا عارفة… قصدي عملت كده قدام الناس ليه؟"


نوح ضحك بخفة واقترب أكتر:

ـ "إنتي مراتي، وحدش له عندي حاجة."


سكت نوح لحظة، وبعدين عينه فضلت معلّقة بانعكاسها في المرايا، صوته خرج عميق وهادي كأنه بيحكي سر عمره:

ـ "إنتي فرحتي… وإنتي الحلم اللي استنيته سنين. من يوم ما شوفتك أول مرة في مكتبي ، وأنا حاسس إن في حاجة بتشدني ليكي، حاجة أكبر من إني أفسرها بكلام. إنتي مش بس مراتي… إنتي بيتي، أماني، والحتة اللي ناقصاني واتملت بيكي."


قرب خطوة لحد ما بقى صوته كأنه همس جوة قلبها:

ـ "أنا عمري ما كنت بصدق إن في يوم هلاقي اللي يخليني أبص للحياة وأقول… كفاية، أنا كده كامل ... بس لقيتك إنتي."


عينيه اتحركت بين انعكاسهم في المرايا وبين وشها الحقيقي، وابتسامته كانت خليط من حب وامتنان:

ـ "مهما حصل، ومهما اتغيرت الدنيا حوالينا… إنتي هتفضلي دايمًا فرحتي اللي ملياني."


فرح حسّت قلبها بيرقص من الكلام، والابتسامة اتسرّبت غصب عنها، وسط عيونها اللي بقت كلها حب.


والمشهد بينتهي على انعكاس صورتهم في المراية… اتنين نصهم التاني اكتمل ...


تمت بحمد الله 🤎 

دمتم سالمين وأشوفكم على خير 🤎



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 

تابعووووووني 



أدخلوا واعملوا متابعة لصفحتي عليها كل الروايات بمنتهي السهوله بدون لينكات من هنا 👇 ❤️ 👇 


صفحة روايات ومعلومات ووصفات




تعليقات

التنقل السريع
    close