رواية خائنه خلف جدران الحب بقلم الكاتبه صفاء حسني حصريه وجديده
يا رهف آنتى يا بنتى اتفضلي طول اليوم فى الشارع اطلع يا بنتى انتى مش صغيره
كانت رهف واقفة في الشارع ، عينيها بتلمع وهي ماسكة العجلة من دراعها، وبتبص لمامتها
برجاء:
رهف
يا ماما بالله عليكي.. عاوزة أركب العجلة، بس شوية.. دوري والله، كل الولاد لعبوا وأنا لسه!
الأم (بحزم وهي بتنشر الغسيل على البلكونة)
يا رهف، إنتي طول النهار في الشارع! اطلعي بقى، إنتي مش صغيرة!
رهف (بتنهد وتتأفف وهي طالعة على السلم)
حاضر يا ماما..
الأم (بصوت أعلى وبتسيب الغسيل من إيدها)
بطلي جدال! أقول لأبوك؟! أقسم بالله!
رهف (بتوقف في السلم وبتبص لها بحزن)
طيب أعمل إيه؟ مفيش بنات في سني ألعب معاهم..
سكتت الأم شوية، وبعدين ابتسمت وهي بتبص للبلكونة اللي جنبهم.
الأم
شايفة البنت اللي جنبنا؟ واقفة بتنشر مع أمها.. أنا بفكر نعمل كيكه حلوة وندق عليهم الباب ونعزمهم.. تتعرفوا على بعض، إيه رأيك؟
رهف (عيونها بتلمع فجأة)
فكرة حلوة يا ماما! يلا بينا!
الفصل الأول
![]() |
دخلت (المطبخ – رهف ومامتها بيجهزوا الكيكة، ضحك خفيف، ريحة فانيليا مالية المكان)
بعد ساعة، وقفوا عند باب الجيران، رهف شايلة الطبق، ومامتها بتخبط على الباب بخفة.
من جوه، يطلع صوت ست متوترة شوية:
السيدة
مين؟ مين بيخبط؟
الأم (بابتسامة دافية وصوت حنون)
أنا منى.. جارتكم اللي فوق، يا قلبي.. حبيت أتعرف عليكي وعلى بنتك.. لو تسمحي طبعًا.
(البيت – إضاءة خفيفة، الستارة مقفولة، وإيمان قاعدة في أوضة ضلمة، ساكتة ومطوية على نفسها)
الأم كانت واقفة جنب الباب، قلبها خايف من التوتر، ووشها شاحب وهي بتبص لوش بنتها اللي ظهر عليه آثار ضرب.
الأم (بصوت واطي مليان قلق)
يا إيمان.. في ناس بيخبطوا على الباب.. نعمل إيه يا بنتي؟
إيمان (بتتنهد بخوف، وصوتها بيرتعش)
لو ما فتحناش.. هيبقى عيب.
ولو فتحنا.. ممكن بابا ييجي في لحظة! وانتي عارفة إنه مانعنا نكلم أي حد.
الأم (بتنفخ بحرقة، وهي بتبص للباب كأنه عدو)
شغل أبوكي مع الجماعة هو السبب...
بيخاف حد يكشفه.. عشان كده قافل علينا زى السجن.
فاكرة لما لمحك واقفة في الشباك؟ عمل إيه؟!
إيمان (نزلت دمعة من عينها وهي تبص لإيدها المضروبة)
ضربني قدامك، وما رضيتيش حتى تقولي حاجة..
الأم (بكتم غيظها)
لو اتكلمت، كان زماني ميّتة..
(داخل الشقة – رهبة ساكنة، صوت الباب بيخبط خبطات خفيفة، وإيمان بتبص لمامتها بخوف ولهفة)
إيمان (بهمس)
افتحي يا ماما.. ونحكي ليهم، يمكن حد يساعدني!
الأم (هزت راسها بتردد)
ولو محدش عرف.. هنعمل إيه يا بنتي؟!
إيمان (قربت منها، وإيدها بتترجف)
نجرب يا ماما.. نجرب بس.
بعد لحظة صمت، الأم قربت من الباب وفتحت بإيد بتتهز، وعيونها مليانة قلق.
الأم (بصوت واطي)
أهلاً بحضرتك...
منى (ابتسامة حنونة وهي شايفة الخوف في وش الست)
أهلاً بيكي.. أنا قلت نتعرف على بعض، إنتِ عندك بنت، وبنتي بتكون مالي وبتحب تلعب. إيه رأيك؟
الأم (بخجل وصوت مهزوز)
الصراحة.. أبوها مانعنا نتكلم مع حد، وعنيف جدًا معانا..
ولو عرف إني فتحت الباب.. ده ممكن يكون آخر يوم في حياتي.
منى (شهقت ومدت إيدها بتلقائية)
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
لا يا حبيبتي، أنا متمنيش الأذى ليكي أبداً.
رهف (دخلت بسرعة عند البنت اللي ورا مامتها)
إسمك إيه؟ أنا اسمي رهف.
إيمان (ابتسمت لأول مرة)
أنا اسمي إيمان.
رهف
عندك كام سنة؟
إيمان
طالعة سادسة ابتدائي.
رهف (ضحكت بانبهار)
بجد؟ وأنا كمان! طيب مدرستك إيه؟
إيمان
الأزهر الشريف.
رهف (استغربت وشدت حواجبها)
مش فاهمة.. أول مرة أسمع اسم المدرسة ده!
إيمان (ضحكت بخفة)
إنتي مش عارفة شيخ الأزهر؟
رهف
آه.. اللي بيظهر في التلفزيون وقت العيد ورمضان؟
إيمان
أيوه، في بقى مدارس أزهرية، بندرس فيها قرآن وحديث ودين، بس مش كل الناس بتدخل أولادها الأزهر.
رهف (هزت راسها بتفكير)
طيب.. أنا عايزة أتكلم معاكي ونلعب.
بس سمعت مامتك بتقول إن أبوكي شديد جدًا..
بس بصراحة أنا حبيتك، وعندي فكرة!
رهف جريت فجأة، وخرجت من الشقة، وبعد لحظات رجعت وهي شايلة حبل طويل، ودخلت أوضة إيمان بعينين بتلمع حماس.
رهف
بصي.. الحبل ده هيبقى "المرسال" بتاعنا.
أكتبلك رسالة وأشد الحبل، إنتي تسحبيه وتقريها.. وتردي عليا بنفس الطريقة.
إيمان (عينيها وسعت بدهشة، وابتسامة بريئة طلعت على وشها لأول مرة من سنين)
ماشي.. بس ما تقوليش لماما.. ولا لأي حد.
(بعد ما خرجت منى ورهف – البيت هادي، الست رجعت تبص لإيمان بخوف، لكن إيمان مازالت واقفة عند الباب بتبص للمكان اللي راحت فيه رهف)
ثواني وسمعوا صوت المفاتيح بتتلف…
الباب اتفتح بعنف.
دخل الأب، بجسمه الطويل وصوته العالي، ووشه اللي دايمًا عابس.
الأب (بصوت زاعق)
كم مرة قلت ممنوع الشباك يتفتح؟
ممنوع حد ييجي هنا!
إحنا مستخبّيين الفترة دي، لحد ما نتم المهمة.. وبعد كده نتنقل.
إيمان (بصوت واطي، وعنيها مليانة خوف)
مهمة إيه يا بابا؟
وقف الأب قدامها، عينه بتلمع بنظرة غريبة، وقال وهو بيقرب منها:
الأب
رغم إنك ملكيش حق تسألي..
بس لازم تعرفي، عشان إنتي بنتي، وهتبقي "بنت المنظمة".
المهمة هي نقتل نائب عام ساكن في المنطقة، حكم على إخوات لينا في التنظيم بالحبس.. ومعاه كمان قاضي.
الكاتبة صفاء حسنى
إيمان (شهقت ووشها قلب أبيض من الرعب، ودخلت أوضتها تجري، تقفل الباب وراها بسرعة)
قلبها كان بيرف كأنه طير محبوس، وإيدها على صدرها من الخضة.
سكتت لحظة…
حسّت بحركة خفيفة على الستارة، بصّت بسرعة…
الحبل بيتشد.
في رسالة متعلقة عليه.
سحبت الحبل بسرعة، وفكت الورقة بإيدين بتترجف.
رسالة رهف:
"إيه الأخبار؟ باباكي حاس بحاجة؟"
خدت نفس طويل، وكتبت على ورقة صغيرة، خطها مهزوز:
رد إيمان:
"لا.. بس بقولك، هو في نائب وقاضي ساكنين في المنطقة؟"
شدت الحبل ونزلت الرسالة بهدوء من الشباك.
رهف (قريتها، ورفعت حاجبها باستغراب)
"آه.. أولادهم معايا في المدرسة! ليه؟ خير؟"
بسرعة، كتبت إيمان من غير تفكير:
رسالة إيمان:
"نبهيهم بأي طريقة، في ناس شريرة عاوزة تقتلهم.
بس بالله عليكي.. سيرتي متجيش في أي كلام!"
نزلت الحبل، ودموعها بدأت تنزل لأول مرة من خوف حقيقي على ناس ماتعرفهمش..
بس أكيد مش هتسكت وهي في إيديها تعمل حاجة.
(رهف في أوضتها، ماشية رايحة جاية، بتعض صوابعها من التوتر، عينها على الشباك والحبل.. والرسالة الأخيرة لسه بتزن في دماغها)
رهف (في سرّها)
"إيمان وصّتني.. ده أمانة. بس أعمل إيه؟! لو بلغتها.. ممكن تحصل مصيبة، بس لو سكت.. هيموتوا ناس!"
خدت نفس عميق، وقررت.
نزلت بهدوء من البيت، وعيونها بتدور في كل الاتجاهات.
قلبها بيدق بسرعة، بس رجليها ماشية بسرعة أكبر.
وصلت قدام بيت النائب محمد محسن، ومدّت إيدها تدق على الباب بخفة.
ثواني وفتح الباب.. كان النائب نفسه، بشوش، ووشه دايمًا مطمن.
النائب (بابتسامة طيبة)
إزيك يا رهف؟ أخبارك إيه؟
رهف (هزت راسها بخوف، وعينيها في الأرض)
ممكن أقولك حاجة.. يا عمو؟ لو سمحت انزل معايا لحظة.
النائب (بقلق طفيف)
خير يا بنتي؟ هو مؤمن زعّلك في حاجة؟
رهف (هزت راسها بسرعة)
لا والله..
أنا كنت بلعب.. ولقيت الورقة دي، راجل رماها لحد، وأنا شفتها ووقعت.
لما قريتها، قولت لازم أبلغك.
مدّ أيده وخد منها الورقة، وقراها بعينه اللي وسعت من الصدمة.
الرسالة:
"يتم قتل النائب محمد محسن والقاضي بدر الدين إيهاب."
النائب (بشهقة ولهفة)
يا بنتي.. شفتي الرسالة دي فين؟!
رهف افتكرت بسرعة كلام إيمان، وسحبت نفسها من السؤال:
رهف (بثقة طفلة ذكية)
كنت بلعب عند شارع النخيل.. اللي بعد المخبز القديم، في واحد هناك رماها لحد، وأنا ما فهمتش هو مين، بس الورقة وقعت وأنا أخدتها.
سكت النائب لحظة، وبص في عيني رهف كأنه بيحاول يعرف صدقها..
بس نبرة صوتها البريئة وارتجاف إيديها، قالتله كل حاجة.
---
الكاتبة صفاء حسنى
(ليل – شارع الحارة، أضواء زرقا بتفجّ الشوارع، صوت صفارات الشرطة والناس بتبص من الشبابيك بخوف)
الشرطة منتشرة في كل مكان، عربيات بتمسح الشوارع، كمائن متفرقة، وكل واحد داخل أو خارج بيتفتّش بعناية.
الضباط بينادوا في الميكروفونات:
"الرجاء التعاون، في تحقيق أمني جاري حالياً، يُرجى الالتزام في البيوت."
فلاش لمشهد تاني
(في مكان مظلم على أطراف المدينة، راجل ضخم لابس جلابية مايل عليها التراب – هو الأب، راجع من اجتماع سري للمنظمة)
وقف فجأة وهو داخل الزقاق، عينه وقعت على عساكر الشرطة قدام مدخل الحارة، وتفتيش شغال على الكل، حتى العيال الصغيرين!
الأب (في سرّه وهو بيعض شفايفه)
"العملية تسربت… مستحيل تكون صدفة! ده حد بلّغ!"
لف بسرعة، ودخل من حارة تانية جانبية، متعود عليها من زمان.
طلع السلم بخطوات تقيلة، قلبه بيدق وعرقه بينزل على قفاه، فتح الباب ولاقى مراته قاعدة قدام التلفزيون وعينيها مش شايفاه من الرعب.
الأب (بصوت واطي وخشن)
حد سأل عليا؟
قالوا إيه؟
الزوجة (بصوت مرتعش)
الشرطة بتلف، بيفتشوا البيوت.. بيقولوا في خلية إرهابية كانت ناوية تنفّذ عملية قتل كبيرة!
سكت الأب، دخل أوضته، قفل الباب عليه، وبدأ يتنفس بسرعة.
كان واقف بعيد عن صحابه، ماسك سندوتش في إيده، بس مش قادر يبلع لقمة.
عينه مش ثابتة… بتلف تدور على حد.
مش أي حد…
عيونها.
(في سره، وصوته الداخلي هادي وحزين):
"أنا معرفش اسمها…
بس فاكر عيونها كويس…
كانت خايفة، ساكتة، وبتشكرني بصوت واطي كأنها مش مسموحلها تتكلم."
لف وشه على المدرسة الأزهرية اللي جمبهم… فاضية.
(بتنهيدة):
"كان نفسي أشوفها تاني…
بس شكلها اختفت، زي ما طلعت فجأة… راحت فجأة."
سكت لحظة، وبص حواليه، ولما لقاهم بيضحكوا ويزعقوا، رجع يسرح تاني:
(بصوت داخلي):
"عيونها مش عادية…
كان فيها حاجة بتشدني…
كأنها عاوزه تقول حاجة ومش قادرة."
قرب من سور المدرسة، ووقف يبص على البوابة الجديدة اللي سمع إن فيه بنات ا
متكلم بصوت واطي):
"يا ترى… هي هنا؟
ولا راحت ومش هتيجي تاني؟"
خائنة خلف جدران الحب
الفصل التاني الكاتبة صفاء حسنى
فلاش باك
الأب طلع على البيت.وهو يتجنن
الشارع اتقلب لجبهة تفتيش.
كل أفراد المجموعة اللي كانت هتنفذ العملية، اتمسكوا واحد ورا التاني.
بس هو لا …
كان لسه في البيت، ساكت، مرعوب، وبيفكر.
العمارة اتقلبت على دماغها، عربيات شرطة في الشارع، ضباط بيخبطوا على كل باب)
إيمان واقفة جوه الأوضة، مرعوبة، وصوت أمها بينده عليها:
الأم:
إيمان! الشرطة جاية تفتش! بسرعه دخلت ايمان !
جريت عند رهف اللي كانت واقفة بترعش، وقالتلها:
إيمان (بصوت متوتر):
الورق.. لازم نخبّيه! لازم!
رهف (بسرعة وهي بتجري على أوضتها):
تعالي ورايا!
فتحت ظهر عروسة قماش كبيرة، وبدأوا يخبوا جواها كل الرسائل اللي بينهم.
رهف (بهمس):
محدش هيلاقيهم هنا.
في الوقت ده، كان الضابط واقف في الصالة، بيفتش، وبص في عيون الأم بحدة:
الضابط:
جوزك شغال إيه يا مدام؟
الأم (بثبات):
بشمهندس في شركة بترول.
الضابط خد بطاقتها، وبص فيها.
الضابط:
هنتحرّى عليه.. وهنرجعلكوا.
إحنا بناخد بيانات كل سكان العمارة والمجاورين.
تم التحقيق مع الكل والكل طلع ورقه سليم
بعد اسبوع
(مقر سري – تحت الأرض، إضاءة خفيفة – رجال بيحطوا ورق على الترابيزة، وكل واحد لابس لبس مدني بسيط)
اتعقد الاجتماع بعد ما انتهت تحريات الشرطة، واتكلم الراجل الكبير في المنظمة وهو بيبص في عين الأب:
القائد:
الوضع هادي… بس لسه الشرطة حاطة عينها.
علشان كده، لازم ترجع تعيش حياة طبيعية.
الأب:
تقصد إيه؟
القائد:
يعني بنتك تروح المدرسة… ومراتك تروح السوق.
تفتحوا الشباك… تسلم على الجيران.
تضحك.
تعمل دورك… عشان محدش يشك.
يرجع الاب ويبلغهم بالقرار الا انطلب منهم
(في أوضة إيمان، ماسكة الحبل في إيديها، والرسالة الأخيرة من رهف مكتوب فيها):
"كل حاجة عدت، مش عارفه اشكرك ازاي "
كانت إيمان قاعدة على طرف السرير، ضهرها للشباك وبإيديها الصغيرة ماسكة الحبل اللي رابطها بعالم تاني…
بعالم فيه نور، وحب، وأمل اسمه رهف.
سحبت البَكَرَة، ولقت رسالة جديدة ملفوفة كويس، بخط رهف اللي بقى حافظاه:
رسالة رهف:
"كل حاجة عدّت… مش عارفة أشكرك إزاي!
أنتِ عارفة عمّو بدر الدين إيهاب وعمّو محمد محسن؟
شكروني كتير… وقالولي إني بطلة!
وواحد فيهم قالي: لما تكبري ممكن تشتغلي في الشرطة، علشان إنتِ كنتِ مركّزة في كل تفصيلة."
إيمان ابتسمت والدموع في عينيها…
مسحت طرف عينها، ومسكت القلم، وكتبت على نفس الورقة:
رسالة إيمان:
"وليه لأ؟!
تشتغلي في الشرطة… وتحمي ناس كتير.
بس وقتها لازم تحميني أنا كمان…
وتنقذيني من السجن اللي أنا فيه!"
سكتت لحظة، وكتبت بخط أصغر تحتها:
"على فكرة…
بسبب اللي حصل،
بابا وافق أروح المدرسة…
كأن باب السجن اتفتح شوية."
سحبت البكرة ورجّعتها على الحبل،
وقعدت تبص من الشباك لبكرة الخشب وهي بتتحرك بهدوء مع الهوا…
وحسّت إنها مش لوحدها في الدنيا دي.
📍 بداية اليوم الدراسي – جو الصبح باين عليه عادي… لكن البيت فيه توتر خفي
إيمان كانت واقفة عند باب الشقة، شنطتها متعلقة على ضهرها، ومامتها واقفة جنبها بتعدل الخمار.
الأب خارج من الأوضة، صوته عالي وخطواته تقيلة، ولما شافهم واقفين كده...
وقف قصادهم، عينه في وش بنته.
الأب (بغل وصوت غليظ):
بصوا بقى…
متفتكروش إنكم هتفضلوا في "الحرية" دي كتير!
ده بس لحد ما الشرطة تهدى وتنام.
إيمان (نزلت عينيها فورًا، وإيديها شدت على طرف الشنطة)
الأب (قرب منها، وكلامه بيخرّ نار):
وبعدين… قلبي مش مرتاح.
المنظمة كلها بتشك إن فيه خاين وسطنا!
وأنا مش عايز يكون الخاين ده من أهل بيتي!!
الزوجة (بصوت مخنوق):
حرام عليك يا راجل… دي بنتك.
الأب (بحدة):
بنتي ولا مش بنتي… اللي هيقرب من ظهرنا يتكسر!
إيمان (في سرّها وهي خارجة من الباب):
"كل نفس بتتنفسه… ممكن يكون الأخير."
إيمان نازلة من العمارة، لابسة جلباب نظيف وخمار طويل، وشنطة المدرسة على ضهرها.
خطواتها بطيئة، لكن وشها فيه ابتسامة بسيطة جدًا… كأنها بتتذوّق الحرية لأول مرة من شهور.
إيمان (بصوت داخلي وهي ماشية):
"الحمد لله يا رب… أخيرًا اتنفّست."
في طريقها للمدرسة
ماشيه على رصيف ضيق، الشمس لسه طالعة، بس هي مش شايفة غير ظِل كبير بيجري وراها في خيالها… ظل أبوها.
كل خطوة تقرب من المدرسة، كأنها خطوة هروب من عالم مهدد.
(الصبح – شارع جانبي فاضي نسبيًا، الجو برد خفيف، وإيمان ماشية بحذر)
كانت إيمان لابسة جلباب واسع لونه كحلي، وخمار طويل مغطي شعرها ونصف جسدها … ماسكة شنطة المدرسة بإيدها، وخطاها بطيئة وهي بتبص حوالينها.
بتتلفت يمين وشمال، كأنها مستنية حاجة تحصل… أو خايفة من حاجة تحصل.
كل خطوة بتقرب بيها من المدرسة، كانت بتحس قلبها يدق أسرع.
وفجأة...
خبطت في حد!
وقعت شنطتها واتبعترت الكتب والكشاكيل على الأرض.
إيمان (بصوت مخضوض):
آسفة! آسفة والله!
رفع رأسه، ولد طويل، باين عليه في الصف الإعدادي، أكبر منها بكام سنة.
عينيه واسعة، وعنده كاريزما غريبة، ساعدها يلم الكتب.
الولد (بابتسامة خفيفة):
مش مشكلة، خدي بالك وإنتي ماشية.
إيمان (بخجل وهي بتاخد كتاب من إيده):
شكرًا… ربنا يكرمك.
عينيهم اتقابلوا لحظة…
كانت لحظة صغيرة، لكنها سابت أثر.
إيمان مشيت بسرعة، بس جواها كان في دوشة مش مفهومة، وكل ما تبعد خطوة كانت بتفتكر اللي حصل من أسبوعين…
إيمان قربت من باب المدرسة، ولسه حاسة قلبها مش ثابت.
رفعت إيدها، مسحت عرق خفيف على جبينها، وقالت في سرّها:
"كل حاجة ممكن تنكشف في أي لحظة."
خائنة خلف جدران الحب
الكاتبة صفاء حسنى
الفصل الثاني
📍 الخائنة خلف جدران الحب
في المدرسة المقابلة – في ساحة أولاد
صديقه يساله
مالك يا مومن مش على بعضك
مؤمن محمد محسن يقف الواقفة ده
سال صاحبه وهو بيبص باندهاش للمدرسة اللي جنبهم.
مؤمن:
أنا مكنتش أعرف إن فيه مدرسة بنات جنبنا!
صاحبه (ضحك):
ما هو أنت عندك حق…
دي مدرسة أزهري، والبنات اللي فيها كلهم لابسين جلابيب وخُمُر طويلة.
شكلهم متدينين أوي… عشان كده مش بيلفتوا نظر حد.
مؤمن (ابتسم بخفة):
واضح إني هبدأ أركز أكتر بقى…
– رهف كانت،متابعة بتسمع
عينها على مؤمن… ووشها شد.
رهف (في سرّها):
"لا… مش هاسمح لها تتقابل معاه تاني."
تمر الأيام…
والرسايل ما بين رهف وإيمان ما وقفتش.
الكاتبة صفاء حسنى
بَكَرَة الخشب ملفوف عليها منديل، متعلقة بحبل ما بين بلكونة رهف وبلكونة إيمان.
كل واحدة تشد، تقرأ، ترد.
وفي المقابل، إيمان بتساعدها في المذاكرة، وتحل لها الواجبات، وخلّتها من الأوائل.
بس… العين لسه مترصّدة العمارة.
وفي مرة، أحد الجيران بلغ إن في حركة غريبة حوالين المدرسة الأزهرية، وإن في شخص ممكن يكون بيستخبى وراها.
الكاتبة صفاء حسنى
(رهف في أوضتها، قاعدة على السرير، جنبها الورق اللي بتوصله من إيمان، وقلمها في إيدها)
كانت بتبص على كل كلمة مكتوبة من إيمان…
بس عنيها مش ثابتة، تفكيرها مش في الجواب…
تفكيرها كان في مؤمن.
رهف (في سرّها):
"بيسأل عليها كل يوم… بيدوّر عليها زي المجنون.
ما ينفعش يقرب منها… إيمان طيبة بس مش هتفهمه زيه."
مسكت ورقة فاضية وبدأت تكتب:
"معلومات مريبة داخل مدرسة البنات الأزهرية،
ورق بيتنقل بين الطالبات بشكل متكرر،
فيه بنات بيبدّلوا رسايل في الحصص،
المدرسة مش آمنة."
طوت الورقة، وخلّتها توصَل لمؤمن عن طريق البريد السري اللي بينهم.
في المدرسة – بعد كام يوم
الشرطة دخلت المدرسة الأزهرية.
أبواب اتقفلت، تفتيش في الشنط، وصرخات بنات بتسأل: "في إيه؟!"
إيمان كانت مرعوبة…
بس رهف كانت واقفة فى مدرستها من بعيد بعينين ما فيهمش دمعة.
رهف (في سرها):
"أنا آسفة يا إيمان… بس أبوكي لازم يخاف.
لازم يعزلك عن هنا وتتنقل من المدرسه ده مش اقدر اخبيك عن مومن كتير …"
الكاتبة صفاء حسنى
ريس المنظمة واقف قدام الأب، عينه محمرة من الغضب، وصوته بيرجّع في المكان:
ريس المنظمة (بحدة):
إنت لازم تنقل بنتك من المدرسة فورًا!
واضح إنها بتتكلم مع بنت من البنات هناك.
وكده عرفتني مين الخاين اللي كان بيهرّب المعلومات…
بنتك!
الأب (صُدم، صوته نزل):
بنتي؟!!
يعني… إيمان هي اللي…
ريس المنظمة (بصرخة):
آه!
بنتك السبب في كل ده!
لكن عقابها… مش دلوقتي.
لازم نخرج من المأزق الأول… الشرطة لسه مترصدة، ولازم نخلّيهم يهدوا.
الأب (مرتبك وهو بيقرب):
طيب أنقلها فين؟
أعمل إيه؟
أنا عايز بنتي تتربى على أصول الدين مش تروح مدرسة عامة مشتركة!
ريس المنظمة (بضحكة مستفزة):
الدين؟!
بنتك خرجت عن السطر!
دلوقتي هنحطها وسط ولاد القاضي والنائب…
ونشوف هي وصلت ليهم إزاي!
الأب (خبط إيده على الترابيزة):
طب وانا أتصرف إزاي؟!
ريس المنظمة (ببرود مرعب):
اسأل جارك… عن المدارس اللي ينقلوا فيها البنت.
اظهر بدور الأب الضحية.
قول إنك خايف عليها من أجواء المدرسة، وإنك عايز تنقلها لمكان أفضل.
سيب الباقي علينا.
المشهد ينتقل – الأب راجع البيت
كان ماشي في الشارع زي الضحية… ووشه مرسوم عليه حزن كاذب.
قابل الجار اللي ساعده قبل كده وقاله:
الأب (بصوت مخنوق):
أنا تعبان من اللي بيحصل…
المدرسة هناك مش مناسبة، فيها بنات مش كويسين.
أديني بس اسم مدرسة كويسة، تكون قريبة، محترمة، دينية، وتكون بنتي فيها بأمان.
الجار:
عندك مدرسة بنتي… فيها بنتى اسمها رهف، مؤدبة، وفيه ولد ابن القاضي كمان… المدرسة كويسة.
الأب (بصوت داخلي):
"هي دي… المكان اللي المنظمة عايزه ترميها فيه."
الجار والد رهف (قال للأب):
أنا شايف إنك تنقل بنتك للمدرسة التانية…
مع بنتى هناك، أأمن.
المدرسة دي مشكوك فيها!
هز راسه الاب عندك حق شكرا جدا
دخل
الأب البيت مولّع!
ضرب الباب برجله، ووشه أحمر من الغضب.
الأب (بيصرخ):
مين سمحلك تتقربي من حد؟!
قلت ميت مرة ممنوع ترفعي عينيكي!
ممنوع كلام! ممنوع صداقات!
أنا عارف إنك ورا اللي بيحصل!
إيمان (بتترعش ودموعها بتنزل):
أنا ما عملتش حاجة… والله العظيم يا بابا ما عملتش…
بس صوته كان أعلى من دموعها… وإيده كانت أقسى من خوفها.
جهزي نفسك عشان تروحي حفلة تخرج المدرسه مش قولت ان اصحابك متجمعين يا إيمان؟"
.قالتها الأم بصوت فيه شوية أمل… رغم إنها كانت متأكدة إن إيمان هترفض
شهقت إيمان، وعينيها بتلمع بدموع مكتومة، وقالت بصوت بيترجف:
"مش هينفع يا ماما… إنتِ عارفة بابا، لو عرف… هيقتـلني!"
حاولت الأم تطمنها، تنهدت وقالت:
"متخافيش يا حبيبتي… أبوكي سافر، هيرجع بليل.
روحي، بس متتأخريش… بسرعة، روحي شوية عشان متزعليش صاحبتك."
إيمان بصّت لها بتردد:
"مفيش عندي لبس جديد، غير صديقتى ملك استغلت، فرصه التخرج وهتعمل شبكتها فى المدرسه غير علاقتي بيهم عادي يعني وجودى وعدمه عادي …
📍 خائنة خلف جدران الحب
الفصل 3
✍️ الكاتبة صفاء حسني
حضنتها الأم بحنان، ومسحت على شعرها وقالت بحزم طيب:
"… إنتِ محجبة ولبسك جميل.
روحي، مش لازم تبقي شبه حد لازم تكون نفسك
في كل حاجة."
لبست إيمان فستان نبيتي بسيط، وحجاب أسود طويل مغطي جسمها بالكامل.
نزلت بخوف، رجليها بتهتز من التوتر…
لكنها كانت بتحاول تمشي، بس تمشي بكرامة.
في المدرسه الكل متجمع مدرسين وموجهين
، كانت منى أول من شافها…
جريت عليها وحضنتها بكل فرح:
"الملكة إيمان اتنازلت!
أنا كنت فاكرة إنك مستحيل تيجي!
فرحانة بيكي أوي!"
ابتسمت إيمان ابتسامة خفيفة، وقالت:
"أمي اللي أقنعتني…
بس مش هقعد كتير. لازم أرجع قبل ما بابا يوصل."
قربوا ناحية ، ملك، اللي كانت مبتسمة وفرحانة بيها جدًا:
"إيمان حبيبتي! شكرًا إنك جيتي!
مفيش كلام يوصف فرحتي."
رغم بساطة لبسها، كان في وش إيمان نور وهدوء مختلف…
بس عينيها على الساعة، وقلبها بيحسب كل ثانية.
بعد ما خلّصوا الصور والتهاني، إيمان قررت تمشي.
ملك (بحزن):
"بالله عليكي، خليكي شوية…
عاوزة تغنلي فاكرة زمان اول ما جيت المدرسه وكنت بتغنى فى إذاعة المدرسه والحفلات !"
إيمان ابتسمت بهدوء وقالت:
" وإحنا صغيرين كنت بغنى عشان مدرستكم كانت بالنسبة ليا طوق النجاة الحرية …
لكن لم كبرت عرفت إن الغُنا حرام.
ولو غنيت، هغني حاجة دينية… ينفع يبقى مناسبة روحانية خطوبتك ؟"
طارق ، خطيب ملك، يدخّل وقال بابتسامة دافئة:
"مفيش حد يكره الإنشاد…
المهم حضورك، وجودك لوحده فرحة."
…
دخلت رهف.
وقفت في آخر المكان، ووشها اتجمّد وهي بتشوف إيمان قدامها
كان فيه سر تقيل… غيرة… وخيانة ناعمة.
رهف (في سرّها):
من يوم ما دخلت المدرسه ده بفضلي ، ودخلت قلوب كل الموجودين،، الكل حبك من مدرسين ل طالبة
"منكرش إني استغليت قربي منك علشان أكون متفوقة…
ومش هكدب، خوّفت عم محمد على ابنه،
وقلتله إن في ناس عاوزة تخطفه…
وفعلاً، مومن اتنقل من المدرسة داخلي …
ووقتها ، أنا ضربت عصفورين بحجر."
وهو خد الثانوى من مدرسه تانى
أنا عارفة إنك آخر يوم ليك في مصر،
عشان عقابك طلع … إنك هتتجوزي واحد من التنظيم."
"أنا خنتك؟ آه،
بس محدش قرب من مومن غيري.
ومع ذلك…
هو لسه بيدوّر عليك!
بس هو مبيشوفش غير عيونك.
هو مش بيحبك…
ده بيطاردك، زي الظابط اللي بيدور على المتهم."
رهف (بصت على الساعة، وقالت في سرّها):
"أنا لازم أخلّيها تمشي… قبل ما مومن ييجي…
قبل ما يشوفها."
داخل الفرح – بعد لحظات من دخول رهف
رهف قربت من إيمان، عينيها فيها نظرة مش مفهومة…
خليط بين الشوق… والحساب!
رهف (بصوت مِزاح، بتحاول تخبي غيرتها):
يا خاينة!
مش كنتِ قولتلي مش هتيجي؟
كنت عدّيت عليكي مخصوص…
وحشتيني يا إيمان.
إيمان (بلهفة حقيقية وهي بتضمها):
رهف حبيبتي!
وحشتيني أكتر…
من بعد ما عزلتوا من سنة ونص، وأنا مش بشوفك.
أخبارك إيه؟ عاملين إيه؟
رهف (ابتسامة اصطناعية على وشها):
بخير…
وإنتِ؟ أخبارك إيه؟
إزاي "ولدِك" سمحلك تيجي من غير رقيب النهارده؟
إيمان (بلعت ريقها، بصت للأرض شوية):
ميعرفش…
ماما اللي أقنعتني.
جيت عشان أحضر الحفلة … وأودّعكم.
رهف (صوتها اتغير للحظة، واتفتحت عينيها):
تودّعينا؟!
يعني إيه؟!
داخل ساحة الاحتفال – زينة بسيطة، صوت ضحك، ناس بتتصور، مزيكا خفيفة
كانت الأجواء جميلة…
كل البنات حوالين إيمان، بيشجعوها، بيزنّوا عليها، بعيونهم اللامعة:
منى (بحماس):
إيمان! لازم تغني!
أنتِ وعدتينا من زمان، ومفيش مناسبة أحلى من النهارده!
ملك (بتضحك وهي ماسكة إيدها):
دي ليلة ووداع وتخرج!وكمان شبكتها
لو مغنتيش النهارده… هتزعلينا العمر كله.
إيمان (بصوت هادي ومرعوب شوية):
بس… مش متعودة، و…
كلهم:
غني!!
---
في نفس اللحظة – عند بوابة المدرسة، كان مومن داخل مع صاحبه هيثم
هيثم (بيبتسم لمّا شافهم بيتجمعوا):
ياااه! مش مصدق إننا كلنا اتجمعنا تاني…
كأن الزمن رجع بينا!
مومن (بصوت ساكت شوية):
الجو غريب…
بس حلو.
هيثم (بصّله وهو بيهرّج):
أنا مش عارف أشكرك إزاي إنك جيت تحضر الاحتفال ده،
المدرسة عاملة حفلة تخرج دفعتنا…
وملك وطارق استغلوا الفرصة وعملوا الشبكة كمان جوّه المدرسة!
مومن (ابتسم بخفة):
يعني تخرج وشبكة… ناقص بس أغنية رومانسية.
---
والمفاجأة؟
في اللحظة دي، صوت إيمان بدأ يخرج وسط الهدوء،
صوتها هادي، ناعم، فيه ارتجافة خفيفة من التوتر…
بس الكلمات طالعة من قلبها:
حنيني دائمٌ و القلبُ شاكٍ عليلُ .. يا إله العالمين .. حنيني دائمٌ .. حنيني دائمٌ و القلبُ شاكٍ عليلُ .. سال دمعي يا إلهي .. سال دمعي يا إلهي و لولا غربتي ما كان دمعي يسيلُ .. غربتي نجوى .. و نيرانُ شوقٍ .. و أسىً باكٍ .. و ليلٌ طويلُ .. غربتي نجوى .. و نيرانُ شوقٍ .. و أسىً باكٍ .. و ليلٌ طويلُ و إذا ضاقت .. فنجوى فؤادي .. و إذا ضاقت .. فنجوى فؤادي .. حسبي الله .. حسبي الله .. حسبي الله و نعم الوكيلُ .. الصلاةُ و السلامُ عليك .. يا من عليك صلى الله .
وبعد كده قالت
النهارده هبتقى ذكرى في قلبي ومش هنسي اجمل ٦ سنين عشتهم وسطكم …"
مومن وقف مكانه… قلبه دق، وشه اتغير، وعينه اتسعت.كان بيدور على الصوت ومكان الحفلة
خائنة خلف جدران الحب – الفصل 3
✍️ الكاتبة صفاء حسني
كان الجو بقى ليل… والدنيا هديت شوية، إلا قلب إيمان…
كان بيخبط كأنه بيعدّ الثواني.
وهي لسه وسط البنات، رنّ تليفونها، شافت اسم "ماما" وافتكرت الخوف اللي كانت ناسيه لدقايق.
إيمان (بترد بسرعة ووشها قلب):
"ألو؟"
الأم (بصوت متوتر):
"يا بنتي، أبوكي اتصل من الطريق…
سأل عليكي، قولتله نايمة.
عندكى فرصه يا بنتى اهربي يا إيمان… اهربي بسرعة!"اوعى ترجع
رفضت إيمان ما فكّرتش…
شدّت شنطتها، نادت على منى:
"أنا لازم أمشي حالًا!"
وجريت… حرفيًا جريت من وسط الناس.
في نفس الوقت، عند باب المدرسة…
مومن كان بيدور على
"مش شايف وعايز اروح عند الصوت."
وفي لحظة…
خبطت فيه بنت !
وقعت قدامه، شنطتها اتفتحت، كانت بتنهج، ووشها مش باين كويس من الخمار.
مومن (بصوت قلق وهو بيسندها):
"خلي بالك يا آنسة…"
سكت.
وسكتت هي.
عيونهم اتقابلت.
نفس العيون اللي شافها من سنين …
بس الملامح اتغيّرت.
إيمان (بخجل):
"شكراً… شكراً جدًا."
قامت بسرعة، ولسه بترتب هدومها…
فجأة دبوس الحجاب اتشبك في زرار قميصه.
الدبوس وقع في كم قميصه…
والزرار وقع جوه شنطتها وهي بترفعها بسرعة وبتجري.
رهف كانت شايفة من بعيد.
وشافتها بتجري، وشافت مومن واقف محتار.
عينها لمعت… وكان عايز يلحقها لكن وقفه صديقه انت فين يا ابنى تعال
بعد دقائق، كانت إيمان خارجة من المدرسة، ورهف مستنياها قدام الباب.
رهف (بسرعة):
"يلا! مامتك كلّمتني وقالت إن أبوكي جاي، وأنا وقّفت تاكسي مستنيكي!"
إيمان (بتحضنها بقوة):
"مش عارفة أشكرك إزاي… والله العظيم عمري ما هنسى وقفتك دي."
ركبوا التاكسي…
وفي الطريق، كانت إيمان سكتة، بس عينيها فيها ألف وداع. وبتتكلم ما بين نفسها مينفعش اهرب يا امى لازم ارجع ل قدري
ولما وصلوا قدام بيتهم…
رهف سكتت شوية وبصّت لها والدموع في عنيها:
رهف (بصوت خفيض):
"يعني هتسافري… ومش هشوفك تاني؟
طب ممكن آخد منك حاجة؟
أي حاجة… آخر لبس لبستيه… عشان أفتكرك بيه؟"
إيمان (ابتسمت والدموع في عنيها):
"أكيد…"
دخلت بسرعة، غيرت هدومها، لبست لبس البيت، وطلعت شنطتها.
حطّت فيها اللبس، وادّته لرهف، ومعاه ورقة مكتوب فيها رقمها:
إيمان:
"لو اتحاتلي فرصة…
هكلمك."
رهف خدت الشنطة، حضنتها للمرة الأخيرة،
وبصّت لها وهي بتنزل:
"
رهف تلبس لبس إيمان
ترجع المدرسة
تقعد في مكان مومن ممكن يشوفها فيه
وتشغّل تسجيل بصوت إيمان!
📍 خائنة خلف جدران الحب –
✍️ الكاتبة صفاء حسني
الليل لسه ساكن…
بس دماغ رهف كانت بتغلي.
كانت قاعدة ورا في التاكسي،
لابسة نفس لبس إيمان…
الفستان النبيتي… الحجاب الأسود الطويل…
نفس العطر، نفس الهدوء…
لكن العيون مش نفسها.
رهف (في سرّها):
"مومن…
عاوز تشوفها؟
خلاص، شوفني."
رجعت المدرسة تاني،
عدّت من بوابة جانبية،
قعدت في مكان هادي، ورا الأشجار،
بس باين… باين جدًا من مكان وقوف مومن وصاحبه.
في إيدها موبايل…
شغّلت تسجيل صوتي كانت إيمان باعتاه زمان،
تسجيل بسيط، صوتها بيغنى وجانبها بنتين من اصاحبها متفقة معهم رهف
ماشي بنور الله ,, بدعي وأقول يارب
يارب
تبقى ل حصن وجاه
زدني في حبك حب
يارب
وباركلي في عيالي
وف صحتي ومالي
وف كل أعمالي
أسعى لما ترضاه
ماشي ,, ماشي
ماشي في نور الله
ماشي بنور الله ,, بدعي وأقول يارب
ماشي بنور الله ,, بدعي وأقول يارب
منك يارب الهدى
والمعصيه مني
يارب
ولا ليا عنك غنى
وإنت ف غني عني
يارب
نورك لروحي دليل
والحب ليا سبيل
ولا عمري شمسو تميل
اللى قصد مولاه
ماشي ,, ماشي
ماشي في نور الله
بدعي لربي اتوب
عن كل عصياني
يارب
ياما رحمت قلوب
يارب ترعاني
يارب
في رحمتك آيه
ومحبه وهدايه
وفي كل شئ آيه
بتقول تعالى الله
ماشي ,, ماشي
ماشي في نور الله
ر
فعت الصوت شوية،
وفتحت الموبايل على ركبتها، وكأنها بتتكلّم…
كأنها "إيمان".
مومن كان لسه واقف بعيد، بيتكلم مع هيثم،
وفجأة…
سَمِع صوت
مومن (وقف):
"استنى…
الصوت ده… صوتها!"
بص ناحية الصوت،
شاف "حد" لابس نفس لبس البنت اللي خبط فيها،
قاعد بعيد، وشه مش باين…
مومن (بهمس):
"هي؟
هي لسه هنا؟"
قلبه دق،
رجليه اتشدت ناحيتها،
📍 خائنة خلف جدران الحب
✍️ الكاتبة صفاء حسني
رهف كانت قاعدة في الجنينة الخلفية للمدرسة، مع أصحابها البنات، لابسة لبس إيمان اللي احتفظت بيه كذكرى…
أمل، صاحبتها، بصتلها وقالت:
"رهف… غني لنا بقى!
إنتي صوتك حلو، وهدي الجو شوية."
بنات تانية شجعوها:
"يلا بقى، إنتي وعدتينا من كام يوم!
غنيلنا نفس الإنشاد اللي كنتي بتقولي عليه زمان!"
رهف (بابتسامة صغيرة):
"طب لو قلتوا بالله… هغني."
وشغلت التليفون
"مولاي إني ببابك قد بسطتُ يدي…
من لي ألوذ به إلاك يا سندي…"
الصوت كان طالع من القلب،
وراه طيف إيمان، وذكرى قديمة، وخوف مخلوط بأمل.
في نفس الوقت، مومن كان لسه في المدرسة…
بيتمشى، لحد ما سمع الصوت.
وقف.
وشه اتغير.
مومن (بهمس):
"هو… نفس الإنشاد!
نفس الإحساس."
اتبع الصوت، لحد ما وصل للجنينة…
وشاف مجموعة بنات قاعدين، في وسطهم رهف.
هيثم كان معاه، قربوا سوا.
مومن (بهدوء):
"السلام عليكم."
البنات سكتوا لحظة، وبعدين ردوا التحية.
رهف (وشها اتشد، لكن حاولت تسيطر على نفسها):
"وعليكم السلام…"
هيثم (لرهف وصاحبتها):
"أنا هيثم… وده صاحبي مومن.
كنا في دفعة تانية… بس واضح إنكم صوتكم ما يتنسيش."
مومن (ابتسم بخفة وهو بيبص لرهف):
"غنائك حلو… وهادي.
تحفة بجد."
رهف (بصوت واطي):
"الحمد لله… ده من ربنا."
✍️ *الكاتبة صفاء حسني*
**البيت ساكت… أكتر من اللازم.**
وبعد شوية سمعت ايمان دموع أمها
خرجت من باب الغرفة بخطوات حذرة،
خطت خطوة تانية، سمعت همسات جاية من جوه.
قلبها دق.
**فتحت باب الصالة… وشهقت!**
**المأذون قاعد.** راجل غريب واقف جنبه، لابس بدلة. أبوها واقف مبتسم، ووشه مليان رضا كأن حلم حياته بيتحقق.
**الأب (ببرود قاتل):** "أهو العريس… وجبت المأذون زي ما اتفقنا."
**إيمان (بصوت مخنوق، ووشها شاحب):** "إيه… ده؟ إيه اللي بيحصل هنا؟!"
**الأب (بحزم):** "هتتجوزي يا إيمان. ده مش قرارك… ده أمر."
**عين إيمان دمعت فورًا، جسمها اتشل…** **بصت للمأذون… وبصت للعريس… بس ولا شافتهم.**
كانت بتدور بعينيها على **باب للهروب**… بس الدنيا كانت قافلة.
دخلت إيمان الأوضة وهي بتدور على أمها…
لكن فجأة…
وقفت. اتصدمت.
شافِت:
شاب بلحية وسيم بعد الشي وقاعد
راجل كبير ماسك دفتر (المأذون)
أبوها… وريس المنظمة
وأمها، واقفة في الركن… مكسورة العين
أبوها بصّ لها وقال ببرود:
"تعالي يا إيمان، عشان نكتب الكتاب."
إيمان (بصوت متلجلج، لكن عينيها قوية):
"إيه؟!إنت بتقول إيه
رد الاب بغضب
زى ما سمعتي كتب كتابك النهاردة
تنهدت ايمان وبلعت ريقها
ينفع يتكتب كتابي من غير إذني؟
من غير حتى ما أتكلم مع العريس؟"
📍 خائنة خلف جدران الحب – الفصل 4
✍️ الكاتبة صفاء حسني
ريس المنظمة (بصوت غاضب):
"ملكيش حق في حاجة!
أنتي خرجتي عن طريقنا."
إيمان (ابتسمت بسخرية):
"عن طريقكم؟
وهو إمتى كنت ماشية في طريقكم أصلًا؟"
بصت للشاب وقالت:
"ممكن أتكلم معاك؟
ده أضعف الإيمان على الأقل."
ريس المنظمة (بيصرخ):
"بنتك دي اتحولت لعلمانية…
بتتكلم بنفس لسانهم!"
الأب قرب منها… و"طخ!"
ضربها بالقلم.
الأب (بغل):
"هتوافقي غصب عنك!"
إيمان (وهي بتدمع):
"بأي دين؟
هو ده الدين اللي عايزين تمشوا بيه البلد؟
ده دين قتل وقهر؟
ولا دين الجاهلية أللى ربنا قال ليهم :
{وإذا الموءودة سئلت بأي ذنبٍ قُتلت}
عارفين معناها؟"
الشاب (بهدوء):
"بس إحنا مش بنقتل البنات الاطفال أو بندفنهم بالحياة يا آنسة."
إيمان (بمرارة):
"لا طبعا بتموتوهم بالحياة!
أنا نفسي ألبس فستان فرح زَي البنات،
أتكلم مع الإنسان اللي هيكون جوزي…
مش أكون سلعة بيتفذ فيها الحكم."
الشاب (بهدوء):
"ممكن يا ريس أتكلم معاها؟
هي محتاجة حد يسمعها… مش يفرض عليها."
الأب وافق بعد ضغط… خرجوا للقعدة في الصالة.
الشاب (بابتسامة خفيفة):
"اسمك إيه؟"
إيمان (بثقة):
"إيمان.
وإنت إسمك إيه و عملك ايه ؟"
الشاب :
"عبد الرحمن.
أنا طبيب… ؟"
إيمان (نظرت له بسخرية):
"وانت شايف اللي بيحصل ده شرعي؟
بيسموك عريس، بس الحقيقة…
إنت عقابي."
عبد الرحمن (اتنهد):
"أنا مش داخل أعاقبك…
بس يمكن أكون نصيبك،
لو انتي اخترتي."
إيمان (بهدوء):
"طيب… عندي شرطين:
أول شرط: أكمل تعليمي بعد الجواز…
عاوزة أكون طبيبة ذيك ."
عبد الرحمن (هز راسه):
"موافق."
إيمان:
"تاني شرط:
المكان اللي هنروحه…
أنت هتكون طبيب، مش قاتل."
عبد الرحمن (ابتسم بغموض):
"ولو اضطريت؟"
إيمان:
"ساعتها ابعد عني…"
سكتت لحظة، وبصت له تاني:
"في شرط كمان."
عبد الرحمن:
"إيه هو؟"
إيمان (بحزن):
"
أنت عقاب ليا لمخالفتى ل اومرهم لكن اعتبر هدية ليك على حاجه هتعملها أو عملتها ما المقابل الذى سوف تقوم بيه لكى تتزوج بي
عبد الرحمن استغرب:
ليه تسأل السؤال وعارفه الإجابة
هزت راسها بحيرة:
عملية انتحريى يعني تكتب كتابك وتروح تموت كافر وتاخد أروح ناس غلابة
حاول يقنعها عبد الرحمن:
مش غلابة يا آنسة ايمان ،هما السبب في موت شباب على خلق ودين ، ومنهم صديق لي اتحكم عليه ب الإعدام بدون سبب، وشفوت وجع امه وابوها عليها ولازم القاضي محمد يعيش هذا الوجع.
هزت راسها ايمان
هتوجع قلبه لكن أقدم عيونه لازم يشوف ابنه أقدم منه مش من وراها
استغرب عبد الرحمن
وسالها ازى
إيمان اتنهدت، وبدأت تشرح له الخطة اللي اكتشفتها…
والسر اللي مخبيه عن الكل.
(داخل فناء المدرسة – بعد انتهاء الحفلة، في جو هادي، والناس بدأت تمشي)
مومن كان قاعد على دكة خشب بسيطة، بيشرب عصير وبيبص على ،
رهف عدت من جنبه… لحظة عابرة، لكنها قررت تقف.
مومن (بص ليها وابتسم):
"صوتك مميز جدًا…
مفيش بنات كتير بتغني إنشاد بالشكل ده."
رهف:
"ده ذوقك… بس أنا بحب الكلام اللي فيه معنى."
مومن (بفضول):
"اسمك إيه؟"
رهف:
"رهف."
مومن (كرر الاسم وهو بيفكر):
"رهف… اسم رقيق زي صوته."
رهف (اتكسفت شوية، وقالت):
"وأنت؟"
مومن:
"مومن… مومن محمد ."
رهف (بهزار بسيط):
"اسمك تقيل كده ليه؟"
مومن (ضحك):
"ما أنا ابن قاضي… لازم الاسم يكون له هيبة شوية."
ضحكوا هما الاتنين بهدوء، وبعدين سألها:
مومن:
"أنتي متحجبة من إمتى؟"
رهف (بثقة):
"من وأنا في أولى إعدادي.
أمي كانت دايمًا تقولي: ‘الحجاب مش لبس، ده احترام بينك وبين ربك’…
فاخترته من نفسي."
مومن (بإعجاب):
"واضح إنك واثقة من نفسك…
ده نادر اليومين دول."
رهف (بصوت واطي):
"الثقة بتيجي لما تحس إنك عايش صح، حتى لو في نظر غيرك غريب."
مومن (ابتسم):
"وإيه حلمك يا رهف؟"
رهف (بعد لحظة تفكير):
"حلمي أبقى صوت لحد مش قادر يتكلم…
أساعد ناس تتسمع، مش تتسكت."
مومن (بص ليها باهتمام حقيقي):
"حلو…
واضح إن عندك حاجة تقولّيها، بس مش بتقوليها كلها."
رهف (بهدوء):
"كل حاجة في وقتها يا مومن."
---
---
✍️ من رواية خائنة خلف جدران الحب – الفصل 4
الكاتبة صفاء حسنى
خرجت إيمان من الكوافير… فستان أبيض واسع مغطيها لحد أطرافها،
طرحِتها متسبتة بدبوس بس قلبها مش ثابت…
عينها على الشارع…
والشاب معاها واقف مستني.
في لحظة سرح فيها، قربت من شباك صغير في جانب الأتيليه،
طلعت ورقة كانت كاتباها بخط صغير ورقيق،
رسالة كلها أسرار وأسماء…
من هدومها طوتها بسرعة،
وحطتها في جيب الفستان،
وخرجت من الباب بهدوء.
اتصلت برهف، وصوتها بيترعش:
إيمان:
"رهف، قولي بسرعة عنوان بيت القاضي محمد محسن! مفيش وقت!"
رهف (شهقت واتنفضت):
"يا نهار أبيض! ليه؟ طمنيني؟"
إيمان (بصوت فيه خوف وتوتر):
"ابنه فى خطر
أنا رايحة أبلغه بنفسى… يمكن آخر مرة أعرف أساعدهم ."
سألتها رهف بخوف
المرة ده يموتهم ازى
تنهدت ايمان
العربية فيها قنابل
شهقت رهف (بصوت متقطع):
"العنوان… ١٤ شارع الكرمة – الدور الثالث.
خدي بالك من نفسك… بالله عليكي!"
في نفس اللحظة، كانت رهف بتتحرك ناحية مومن وهي بتتصنّع الهدوء:
رهف:
"ممكن توصلني؟ أصحابي مشيوا… والدنيا بقت ليل ومخيفة شوية."
مومن (بابتسامة خفيفة):
"أكيد، تعالي."
رهف لا مش بعربيتك هنخرج من الباب الثاني ونركب تاكسي
استغرب مومن اشمعنا
بررت رهف وقالت
انا بنت لو ركبت مع شاب عربيته هتكون عيب لكن لو إنت جيت معايا في تاكسي هتكون حماية ليا
...
إيمان وصلت أمام باب بيت القاضي… فستانها الأبيض بيجر على الأرض، قلبها بيجري أسرع.
سابت الورقة على باب ، ورنّت الجرس…
جرت بسرعة ووقفت ناحية الحيطة، مستخبية.
الخادمة فتحت الباب، بصّت يمين وشمال…
مفيش حد.
هتقفل الباب…
لكن إيمان طلعت من وراها، وقالت بسرعة:
"حضرت القاضي موجود؟ لازم يشوف الورقة دي حالًا!"
الخادمة اتفاجئت، وقبل ما تتكلم، دخلت إيمان وهي بتنهج.
دخلت الصالون الكبير…
كان القاضي محمد قاعد بيقرا أوراق قضية،
ورفع عينه… وشاف قدّامه بنت بفستان فرح، وحجابها أبيض ناصع.
ابتسم باستغراب وقال:
"إنتِ… ملاك؟ ولا حُلم؟"
إيمان (بهدوء وبصوت واجع):
"ممكن أكون كده…
بس الحقيقة إني خاينة…
عندهم أنا خاينة."
مدّت الورقة ليه وقالت:
"اقراها بسرعة…
ومتحاولش تسألني إزاي وليه.
كل اللي يهمني… إن ابنك يعيش، حتى لو أنا هموت.
لو عرفت أنقذ حياة حد، يبقى يمكن ربنا ينقذني."
وصدقينى معرفش أن كنت زى ما قالوا لي انت مجرم او ظالم العلم عند الله لكن مينفعش الأبناء ياخدوا ذنب الآباء ،احكم ضميرك فى كل حكم عشان كل بريئة بيتعدم ليه إبن أو بنت هيجوا فى يوم عشان ياخدوا حقهم منك
قلبت وشها، وخرجت وهي بتجري…
سيبت القاضي قاعد مشدوه، ماسك الورقة،
وبيقرأ تفاصيل المؤامرة…
وكل كلمة فيها زي السكينة في قلبه.
وفي عيون إيمان… كانت الدموع سايحة:
"أنا خائنة… بس يمكن خيانتي تبقى أصدق من ولائهم."
---
الكاتبة صفاء حسنى
---
📍
بعد ما قرا القاضي الرسالة…
اتجمد في مكانه، قلبه كان هيوقف فاق علي نفسه :
"ابني في خطر... دلوقتي!"
مسك الموبايل واتصل فورًا بالشرطة،
وبصوت مهزوز قال:
"أنا محمد محسن، القاضي …
في مخطط لقتل ابني…
دلوقتي حالًا… المدرسة الخاصة، مبنى الأنشطة!"
قفل الموبايل وطلع جري على العربية.
ماحسش بنفسه غير وهو بيجري في المدرسة،
كان نفسه يصرخ: "يا رب أوصل في الوقت!"
...
وصل قبل الشرطة،
كل اللي في دماغه مشهد واحد… ابنه واقع… غرقان في دم!
لكن أول ما دخل ساحة المدرسة…
كان مومن طالع من المبنى،
والدنيا باين عليها هادية…
رهف من بعيد شافت شاب غريب ،
وفي لحظة، شافت شاب خارج من جنب سور المدرسة
وبيوجّه الم*س*د*س ناحيته.
رهف جرت بأقصى سرعة…
صرخت:
"موووومن!!"
وقف مومن، بص ليها…
وفجأة –
طاخ!!!
رص*اص*ة تخترق كتف رهف…
تقع قدامه!
مومن مذهول، بص ليها وصرخ:
"رهف!!!"
ولسه بيجري عليها…
طاخ!!
رص*اص*ة تانية تخترق رجله…
ويقع على الأرض جنبها.
في اللحظة دي،
الشرطة دخلت بعربيات مدرعة،
أصوات صفارات الإنذار مالية المكان،
صرخات، جري…
واتقبض على شاب كان بيحاول يهرب من ناحيـة تانية.
...
في نفس الوقت، عبد الرحمن كان بيجري مع إيمان،
خدها من إيدها، وجهه متوتر:
"لازم نروح دلوقتي… لو الشرطة وصلتلي، هينتهي كل شيء!"
إيمان كانت بتبص وراها، دموعها بتغرق عينيها،
وقالت بصوت مكسور:
"أنا السبب… رهف اتصابت عشاني…
ومومن…"
عبد الرحمن شده بعنف:
"اسكتي… دلوقتي لازم ننقذ نفسنا، مفيش وقت للندم."
ركبوا عربية سريعة واختفوا قبل الشرطة ما توصل ناحيتهم.
...
القاضي وصل لمومن، وحضنه وهو بيعيط:
"إنت كويس؟! إبني… إنت بخير؟!"
مومن (بأنفاس متقطعة):
"أنا بخير…
بس البنت دي…
أنقذتني."
بص لرهف وهي واقعة ودمها سايح، لكنها مبتسمة بخفة، وقالت:
"مكنتش هقدر أسيبه يموت…"
وأغمضت عينيها…
مكنتش هقدر أسيبه يموت..."
وأغمضت عينيها...
أصوات عربيات الإسعاف كانت بتملأ الشارع،
وصفاراتها تشق الهوا،
والدنيا كلها بقت في حالة طوارئ.
في عربية... مومن نايم ووشه باهت،
وفي العربية التانية... رهف، عينيها مغمضة، ووشها أبيض زي الورقة.
كان القاضي محمد محسن واقف بين العربيتين،
صوته مبحوح وهو بيزعق في رجال الأمن:
"أنا عايز دكتور فورًا...
ابني بينزف... والبنت دي أنقذته،
لازم تنقذوها بأي تمن!"
...
خائنة خلف جدران الحب
الفصل الخامس
الكاتبة صفاء حسنى
دخلوا على مستشفى الطوارئ،
والكل بيتحرك بسرعة،
طقم طبي كامل بيستقبل الحالتين:
ممرضات بيقيسوا الضغط.
دكتور بيصرخ: "جهزوا غرفة العمليات فورًا!"
دكتور تاني: "الفتاة عندها نزيف داخلي في الكتف، لازم جراحة عاجلة!"
"والشاب؟"
"فيه رصاصة مستقرة في عضلة الرجل، بس حالته مستقرة الحمد لله..."
القاضي كان بيحاول يتمالك نفسه،
لكن دموعه خانته...
شاف مومن بيتاخد جوه،
ورأسه متعلقة على المخدة،
وقال بصوت واطي:
"أنا آسف يا ابني... ماكنتش أعرف إن الشر هيقرب من باب بيتي."
...
في الممر، كانت أم رهف وصلت بعد ما بلغوها،
انهارت من البكاء أول ما شافت بنـتها على السرير،
كانت بتصرخ:
"بنتي مالها؟!
مين ضربها؟!!
كانت فين؟!!"
الدكتور قال بهدوء:
"ممنوع الكلام دلوقتي... البنت بطلة،
أنقذت حياة زميلها...
وإحنا هننقذ حياتها إن شاء الله."
...
االكاتبة صفاء حسنى
مرّ الوقت بصعوبة...
ثلاث ساعات عدّت،
وأي دقيقة كانت محسوبة على قلب القاضي... وعلى قلب أم رهف.
لحد ما خرج الدكتور من غرفة العمليات،
وكل العيون اتعلّقت بيه.
الدكتور قال بصوت مطمئن:
"العملية نجحت...
مومن حالته مستقرة وهيتعافى،
ورهف... قوية جدًا...
نجيناها من نزيف خطر،
بس محتاجة راحة تامة ومتابعة."
انهارت أم رهف من البكاء وهي بتقول:
"ربنا يخليها ليا...
كانت دايمًا بتقوللي: عاوزة أكون بطلة... وفعلاً بقت بطلة."
...
الكاتبة صفاء حسنى
.........
في أوضة بسيطة، مأذون قاعد،
وأوراقه مفتوحة،
والكلمات بتتقال كأنها طلقات رصاص بتخترق روح إيمان:
"تم بحمد الله... كتب كتاب الآنسة إيمان عبد الرازق على الدكتور عبد الرحمن، على سنة الله ورسوله."
الكل في المنظمة بيصفق،
نظرات الشماتة باينة في عيونهم...
ريّس التنظيم بيبتسم وهو بيقول:
"كده نكون دمرنا قلب القاضي... وسجّلنا نصر جديد."
لكن إيمان ما كانتش سامعة حاجة...
كل اللي في بالها: رهف...
صاحبتها اللي كانت بتحبها بصدق،
والشاب اللي اسمه ما نطقتهوش... لكن قلبها ناداه.
رجعت لليوم اللي طلبوا منها فيه تعرف اسم شاب في مدرسة الحرية،
ولما رفضت، اتضربت واتبهدلت...
وآخرها كانت قبل ما تبلغهم كانت تبعت تنبيه لكن حد مستهدف وتخبيها في شنطتهم وبفضلها كانت بتفشل أي عملية .
تفوق من شرودها على صوت عبد الرحمن
دلوقتي خلاص...
بقت زوجة عبد الرحمن، وعلى وشّ سفر،
لكن قلبها مش قادر يمشي وهي مش مطمنة على رهف.
طلبت من عبد الرحمن:
"أنا عاوزة أزور رهف...
لحظة واحدة بس، قبل ما نسافر، مش هطوّل."
عبد الرحمن اتفاجئ، لكنه وافق بصوت هادي:
"زي ما تحبي، بس متطوليش...
الطريق طويل، ولسه عندنا تعليمات."
...
الكاتبة صفاء حسنى
وصلت المستشفى،
طلبت تشوف رهف...
الممرضة بصت عليها بتردد،
لكن بعد ما عرفت إنها "صديقة قديمة"،
سمحت لها تدخل.
دخلت الأوضة...
رهف كانت نايمة، ووشها شاحب،
لكن ملامحها لسه بريئة.
إيمان وقفت عند السرير،
مدّت إيدها على إيد رهف،
قلبها بيتقطع من جواها،
وهمست بصوت مكسور:
"أنا آسفة...
أنا خائنة ل منظمة لكن مش ل بلدى ... بس مش بإيدي.
إنتي الوحيدة اللي كنتِ بتشوفي فيا الإنسان مش الجاسوس."
طلعت من شنطتها جواب صغير،
وحطته في كف رهف،
ولفته بالمنديل الأبيض اللي دايمًا رهف كانت بتحبه.
طلعت إيمان من الأوضة بهدوء...
ما بصّتش وراها،
كأنها سايبة جزء من روحها هناك،
وجزء تاني... لسه بيحتضر.
أصوات الكراسي المتحركة والنقالات كانت بتملأ الممر،
وإيمان ماشية ووشّها مغطي بالحجاب، عينيها في الأرض، لكن ودانها كانت مفتوحة على آخرها. سمعت
"الظابط مومن محمد محسن... خرج من العناية وهيتنقل على أوضة عادية."
صوت الممرضة قال الجملة، كأنه جرس إنذار ضرب في ودنها.
وقفت إيمان مكانها، إيدها تهزّت لا إرادي...
مش بس خوف... ده قلبها اللي اتشد، كأن في حاجة بتربطها بالمكان ده... بالشخص ده...
بدأت تمشي ببطء، بس عقلها رجّعها لورا، لزمان بعيد...
⏪ فلاش باك - الصف الرابع الابتدائي
في شارع هادئ، طفلة صغيرة كانت ماشية لوحدها، لابسة مريلة المدرسة،
عينها على الأرض وخطوتها متوترة،
وفجأة سمعت صفارة عربية شرطة،
تجمدت في مكانها، وركنت على الرصيف، قعدت على الأرض من الرعب.
عدّى ولد أكبر منها شوية، قرب منها وسألها بلُطف:
"مالك؟ بتعيّطي ليه؟"
رفعت عنيها بتردد وهمست بصوت بيرتعش:
"أنا بخاف من الظباط... بيحبسوا الناس وبيضربوا الأطفال...
أنا بكره الظباط."
الولد ابتسم ومسك إيدها الصغيرة بلُطف وقال:
"تعالي معايا... تعالى بس."
شدها بإيده، ووقف ينادي:
"يا عمو يا عمو الظابط!"
جسمها اتجمد، قلبها خبط في صدرها،
لفّت وشها، وشافت ظابط نازل من العربية،
اتجمدت، وركنت على الرصيف، وقعدت على الأرض من الرعب.
... لكن الظابط قرّب منها، وابتسم بلُطف:
"أيوه يا حبيبي... في حد مضايقك؟"
الولد قال:
"البنت دي خايفة منكم...
حد قالها إنكم أشرار.
ازاي نخليها تعرف إن الشرطة بتحمي البلد؟
وإن الأشرار هما اللي لازم يخافوا؟"
الظابط نزل على ركبته، وبص لإيمان في عينيها وقال:
"اللي بيخوفك مش هو الصح،
اللي بيظلم هو اللي لازم نخاف منه...
بس احنا شغلنا نحمي، مش نؤذي."
سألته إيمان الصغيرة، بصوتها البريء:
"بس ليه بتحبسوا الناس كلها؟"
اتسعت عيون الظابط، وقال بهدوء:
"مين قالك إننا بنحبس الناس كلها؟
بصي حواليك، الشارع مليان ناس ماشية وأمان...
إحنا في الكلية اتعلمنا يعني إيه نحب بلدنا،
تعرفي يعني إيه تحبي بلدك؟"
هزّت إيمان راسها بالنفي.
ابتسم الظابط وقال:
"يعني لو معاكي فلوس، وجه ولد سرقهم منك،
مش المفروض نقبض عليه؟
ولو في حد قتل حد بريء، مش لازم يتحاسب؟"
تنهدت إيمان:
"يعني أنتو مش بتقبضوا إلا على الناس اللي بتغلط؟
والبريء... اللي بيحب بلده، بتسيبوه؟
بس أنا سمعت الشيخ في الجامع بيقول إن الظباط والجيش وحشين،
وإن اللي بيحكموا البلد بيسرقوا فلوس الناس،
وأي حد يعترض، يتقبض عليه ويتسجن."
سألها الظابط، وعيونه فيها استغراب وحزن:
"فين الجامع ده؟
وإزاي الجامع اللي مفروض نصلّي فيه...
يتكلم بالشكل ده؟
الجامع مكان عبادة، مش مكان تحريض.
ولو بتحبي بلدك بجد،
ما تسكتيش على الغلط...
بس ما تكرهيش اللي بيحموا بلدك." وكل بنت وولد فى البلد أخوات مسلم وأقباط أخوات منسمحش حد يفرق ما بينكم
إيمان بلعت ريقها وقالت بصوت مكسور:
"أنا معنديش إخوات..."
ابتسم الظابط وقال:
"كل اللي عايشين في البلد دي... إخواتك.
البلد دي مذكورة في القرآن،
وربنا نزل فيها رسل وأنبياء،
ولو واحد غلط، ما ينفعش نحكم على الكل إنه وحش."
هزّت إيمان راسها وقالت بهدوء:
"آه... فهمت."
سألها الظابط بابتسامة:
"اسمك إيه؟"
ردت بخجل:
"إيمان."
بصّ الظابط للولد وسأله:
"وإنت اسمك إيه؟"
رد الولد وهو بيبتسم:
"مُؤمِن."
ضحك الظابط وقال:
"سبحان الله...
طول ما البلد فيها إيمان ومؤمنين...
أكيد هتفضل في حِمى ربنا."
إيمان رجعت للواقع، والدمعة غرقت عينها،
وهي شايفة النقالة اللي شايلة مومن بتعدي من قدامها...
وشه شاحب، لكن فيه نور... نور اللي بيحمي، مش بيؤذي.
همست لنفسها:
"ومن وقتها اتعلمت إني مش لازم أصدق كل اللي بيتقال...
واي ظابط بينجرح او يموت ... دفع تمن حماية البلد دي من ناس زي أبويّا."
لفت وشها نحية الناحية التانية...
مش عاوزة تشوفه أكتر، مش دلوقتي...
بس كانت متأكدة إنها هتقابله تاني.
📍االكاتبة صفاء حسنى
الممر كان هادي، صوت عجلة النقالة وهي بتتحرك على الأرض كان بيكسر الصمت،
لكن جوا إيمان... في حرب مشتعلة.
شافت النقالة اللي شايلة مومن،
وشافت وشّه... شاحب،
بس مش غريب عليها.
قربت... رجليها بتتزحلق، قلبها بيرجّ، وإيدها بتترعش،
مدّت صباعها بتردد... ولمسته.
لمست إيده... نفس الإيد اللي سندها زمان وهي بنت في ابتدائي،
نفس الإيد اللي حمت، واللي اتصابت وهي بتحمي.
وفجأة... صوت طالع من جواها، مش من الممر،
من أعماق الذاكرة...
"أنا لما أكبر... هبقى ظابط زيّك، يا حضرة الظابط."
كان صوت الولد اللي أنقذها زمان،
الولد اللي أخدها للظابط... واللي غيّر نظرتها.
وردّ الظابط في الذاكرة، صوته دافي:
"وانتي يا شاطرة؟... هتكوني إيه؟"
وصوتها الطفولي، البريء، بيرن جوا دماغها:
"هكون دكتورة...
وهعالج الظباط."
كانت إيمان ماشية في الممر، رجليها بتترعش، ودموعها متحبسة في عينيها...
كل خطوة تقربها من غرفته كانت تقطع حتة من قلبها.
دخلت بهدوء... لقت مومن على السرير الأبيض، مغمض عينيه،
بس ملامحه فيها وجع، فيها حرب خلّصها ولسه متألم.
قربت منه، بصت له...
مدت إيدها المرتعشة، لمست إيده بلُطف،
وبصوت مخنوق بالدموع، همست:
"سامحني...
مقدرتش أكمل وعدي...
هيبعتوني المعسكر بتاعهم،
بس قلبي هنا... عندك، وعند رهف...
ربنا يحميكم."
نزلت دموعها غصب عنها، وقعت على إيده،
وفجأة...
فتح مومن عينه ببطء، حس بالدمعة على إيده،
ومسك صوابعها بلُطف،
وصوته كان ضعيف... لكن قلبه كان بيصرخ:
"رهف...
عايز أشوف رهف."
ارتبكت إيمان، دموعها زادت، قربت منه أكتر،
لكن قلبها اتعصر... هي اللي أنقذته، بس مش تقدر تقوله... مش دلوقتي.
خرجت إيمان من باب المستشفى، خطواتها بطيئة، كأن كل خطوة بتفصلها عن حتة من قلبها.
رجليها كانت بتجرها جر، مش ماشية... خارجة من جوه نفسها.
كانت لسه عيونها فيها آثار الدموع، ولسه ريحة المستشفى في هدومها، ولسه نبض مومن في إيديها.
لكن الواقع ما استناهاش...
كان عبد الرحمن واقف عند العربية، مستنيها، وعينيه مرصودة على الباب.
لما شافها خارجة، فتح باب العربية من غير ما يتكلم...
ركبت وهي ساكتة، ملامحها منهارة، لكن مرفوعة الراس.
سندت راسها على الشباك... تبص في الطريق، وكأنها بتودّع شوارع بلدها، ذكرياتها، صوت رهف، عينين مومن، حضن أمها.
عبد الرحمن شغّل العربية، وسابها تمشي...
من شارع لشارع، ومن طريق لطريق...
من مدينة لمدينة، ومن مركب لمركب، الرحلة كانت طويلة...
بس أطول حاجة فيها كانت المسافة بين قلبها وبين كل اللي بتحبهم.
كانت كل ما يشاور لها على خريطة تقول بصوتها الواطي:
"هو ده الطريق؟"
وهو يومي براسه، من غير ما يجاوب بكلام...
لأن حتى هو مش متأكد إذا كان ده الطريق للنجاة... ولا للهلاك.
عدّت ساعات الرحلة زي سنين،
الميه حوالين المركب كانت سودة، والليل مغطي السما،
وهي قلبها مليان بأسئلة ما لهاش إجابة:
ليه أنا؟ ليه اتولدت في وسط كل ده؟
هو ربنا هيحسبني على حاجة مفروضة عليا؟
بس كل ما تحاول تبكي... تمسح دموعها بسرعة، كأنها مش عايزة تضعف.
وصلوا بلد جديدة...
وهي لابسة جلباب واسع، طرحتها مغطيه وشها...
بس عينيها كانت بتقول حكاية طويلة.
عبد الرحمن اتكلم أخيرًا:
"هنا هنعيش، وهنا هنبدأ من جديد.
محدش هيعرفنا... وإنتِ مش لوحدك."
نزلت إيمان من المركب، هدومها لسه بتحمل ريحة البحر والرحيل،
بس الأرض الجديدة ما كانتش وطن… كانت "ساحة معركة" بدون نار.
أول ما حطّت رجلها على الأرض، لقت عيون كتير مستنياها.
شباب بلُحى كثيفة، وبنات منقّبات،
وأصوات ولهجات متداخلة… من لبنان وسوريا، من العراق واليمن…
كلهم واقفين في صفوف،
كلهم بيرحبوا بـ "الوافدين الجُدد".
اتقدّم شاب من الشام، ابتسم وقال لعبد الرحمن:
> "أهلًا بيك… وبيها.
القيادة بلغتنا إنكم هتنضموا للمعسكر الخامس.
المجاهدين من كل البلاد هنا… قلوبهم واحدة."
الكاتبة صفاء حسنى
بصت إيمان حواليها،
شافت وشوش كتير، أغلبها صغير…
بس مليانة قناعة، إيمان مش مفهوم، واستعداد للقتل بلا تردّد.
مش قادرة تصدق إن حياة كاملة جديدة قدامها،
وفي نفس الوقت، جواها بنت صغيرة بتصرخ:
"أنا مش المفروض أكون هنا... أنا كنت عاوزة أكمّل دراستي... كنت عاوزة أفرح."
واحدة من البنات قربت منها، لبنانية، عينيها واسعة، لكن مشحونة:
> "أنتِ محظوظة… تكوني هنا.
ربنا اختارك تكوني من المجاهدات.
اللي برا في الدنيا نايمين… إحنا بس اللي فايقين."
اتخضّت إيمان من الثقة في الكلام…
حاولت تبتسم، لكن وشها اتشد.
سألت بهدوء:
> "هو… هو ربنا فعلًا طلب مننا نقتل؟"
رد شاب عراقي، كان واقف وراهم، بصوت تقيل:
> "اللي يرفض طريق الجهاد، يبقى ضدنا.
وإحنا ما بنقتلش، إحنا بندافع… حتى لو دفعنا تمن الدم."
خائنة خلف جدران الحب
الكاتبة صفاء حسنى
الفصل 6
سكتت إيمان…
حسّت كأنها وسط ناس حافظين النصوص… بس ناسيين الرحمة.
كل واحد شايف نفسه "وكيل ربنا"،
وكل من يعارضه… كافر، خائن، لازم يزول.
قلبها بدأ يدق بسرعة،
عارفة إنها دخلت في عمق الخطر…
بس الأمل الوحيد إنها تكمّل وتفهم أكتر، يمكن تقدر توقف المصيبة دي من جوه.
خائنة خلف جدران الحب
الكاتبة صفاء حسنى
في هدوء غرفة المستشفى،
فتحت رهف عينيها ببطء،
نور ضعيف كان داخل من شباك صغير،
وأنين الألم لسه في جسمها، بس قلبها اتقلّب لما حست بحاجة دافية وقعت من أيديها جانبها كانت ورقة
مكتوب عليها إيمان فتحتها
"رهف…
أنا آسفة، والله ما كنت أعرف إنك كنتي معاه.،أو هو اصلا فى المدرسة كل إلا اعرفه انه ملازم وعايزين يخلصوا عليه وأنا زمان وعد ظابط انى أكون دعم ل أي ظابط إن كان جيش أو شرطة أو قاضي لإنهم عمود من اعميد البلد ،ولو وقعوا البلد تنهار ،متصورتش انك بتحبي وممكن تضحي بحياتك عشانه، اه من اول يوم واحنا بنحميهم احنا الاتنين من خطرهم لكن، أنا عملت في نفسي كده عشان أهرب من سجن أكبر…
لكن متصورتش انك هتكون نسخة منى وتضحى بنفسك علشانه
سامحيني، ولو قدرتي… متنسيش إني دايمًا كنت شايفة فيك أخت مش مجرد صديقة.
أنا مسافرة... ومش عارفة رايحة على فين.
مش بإيدي... اتحكم عليا أسيب بلدي، أسيب جماعتى إلا لسه مقدمتش عليها ، أسيب أصحابي، أسيب كل حاجة حبيتها.
بس لو ربنا كتب لي النجاة…
إوعي تغيري رقمك، لأنك هتكوني أول شخص أرجع له.
ربنا يحميكي ويحمي قلبك."
"
"إحنا أخوات... وهنفضل أخوات."
حتى لو كتبوا كتابي، حتى لو سافرت ، حتى لو اتغيرت حياتي كلها...
أنا مش ناسية إنك كنتي أول حد شافني إنسانة، مش أداة.
عارفة؟
أنا مش محظوظة زيك...
إنتي اتولدتي وسط ناس بتحب البلد، ناس عادية...
وأنا اتولدت في وسط منظمة...
أمي وأبويّا اتولد فيهم عاشوا معهم ، واتربّيت على إن اللي يعصي أوامرهم، لازم يتعاقب. لكن ربنا بعتلي ولد زمان فهمنى ان الا بيعملوا غلط ،حاولت اكون انسانة كويسة بمساعدتك
لكن ده عقابي...
أروح برجلي على الموت...
يمكن أموت، يمكن لأ.
لو ما مُتّش...
أوعدك هكلمك، بس أوعي تغيّري رقمك.
حافظي عليه... زيه زيّ الذكرى.
يمكن يوم تفتحي الباب تلاقيني...
يمكن يوم تفتحي التليفون تسمعي صوتي...
بس لو مجاش اليوم ده...
افتكريني على طول...
مش خائنة زى ما هما بيقولو
لكن كبنت... ما عرفتش تختار، وما عرفتش تنقذ الكل."
عيني رهف دمعت وهي تقرا،
والكلمات دخلت جوّاها كأنها بتتقال بصوت إيمان.
تنهدت رهف،
مسحت دموعها بصعوبة وقالت بصوت خافت:
"بالعكس…
إنتي خدمتيني من غير ما تقصدي.
من النهارده… هكون قريبة من مومن، وهعيش على أمل إنه يحبني في يوم.
ربنا يعينك على الطريق اللي مشيتي فيه،
وأنا…
بشكرك، عشان بسببك…
قدرت أحمي حب عمري.
الحب اللي ابتدى من وأنا طفلة… ولسه مكمل."
وبصّت على الورقة… وضمتها لصدرها،
زي ما بتضم ذكرى غالية،
أو وداع ما تعرفش إذا كان له رجعة ولا لأ.
في ممر المستشفى،
كان مومن طلب يروح عند رهف وقاعد على الكرسي المتحرّك، بيشد في نفسه، وعينه ما بتتحرك ومشي يبحث عن غرفة رهف.
قال للممرضة بإصرار:
> "لو سمحتي، خديّني عندها…
لازم أطمن عليها."
الممرضة هزت راسها بتردد، لكن نظرة مومن كانت قوية… خدت الكرسي وبدأت تتحرك بيه ناحية الغرفة.
في الوقت ده، كانت رهف جوه الغرفة،
شايفة الباب بيتفتح…
وبسرعة خبت الجواب اللي فيه كلام إيمان تحت المخدة،
وقامت عملت نفسها نايمة.
دخلت الممرضة بهدوء وسألت زميلتها:
> "أخبارها إيه؟ الملازم مومن عايز يطمن عليها."
رهف سمعت إسمه من هنا …
بدت تفتح عيونها ببطء،
ولما شافها مومن، قرب منها بسرعة على الكرسي،
ومسك إيدها بإحساس غريب، زي خوف متخنق جواه.
قال بصوت مهزوز:
> "رهف…
انتي ؟
ليه عملتي كده؟
ليه وقفتي قدام الرصاصة؟
… انتي مش خايفة تموتي؟!"
خائنة خلف جدران الحب
تنهدت رهف، عيونها فيها ضعف وقوة في نفس الوقت،
نظرت له بنظرة طويلة وقالت:
> "إنت زمان…
حميتني من الأولاد اللي كانوا بيضربوني…
وكانوا كتير… واتجمعوا عليك
بس انت ما خفتش،
وقفتلهم لوحدك،
وعلمتني إن الجدعنة مش بتتقاس بالقوة،
بتتقاس بالقلب."
مومن اتلخبط… عينيه دارت كأنه بيدوّر على الذكرى،
مش فاكر الموقف أوي… لكنه حس بحاجة من كلامها،
سألها وهو بيبتسم بسخرية خفيفة:
> "يعني علشان ترديلي الجميل…
تموتي؟
ده مش ضرب أولاد يا مجنونة…
ده رصاص!"
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
رهف (بصوت واطي بيترعش شوية):
"ماكانش ينفع أسيبك…
مش إنت الحماية ليا… من وأنا طفلة…
وأنا…"
سكتت، وكأن الكلام وقف على طرف لسانها.
سألها مومن (بهدوء وهو بيقرب منها):
"بتحبيني؟"
رهف ماقدرتش تبص في عينيه، بس هزّت راسها بالإيجاب، والدمعة نزلت من طرف عينها.
رهف (بصوت مكسور وهمس):
"آه… من غير ما تحس.
كنت دايمًا أجي عندكم بحجة إني بلعب مع البنات… وأنا أصلاً كنت عايزة أشوفك."
سكتت لحظة، كأنها بتراجع سنين عمرها.
رهف (بتكمل والدموع في عيونها):
"زعلت أوي لم اتنقلت من مدرستنا، بس عرفت إنك رُحت مدرسة عسكرية… بتتدرب، وبيجهّزوك تدخل الشرطة.
فرحت بيك… وفضلت مستنية اليوم اللي تنزل فيه … بالبدلة…
وأنا واقفة من بعيد، أقول ده مومن… اللي كان بيحميني زمان، وبقى ضابط النهاردة."
مومن كان بيسمعها وهو مصدوم، قلبه بيتقلب جوّاه، مش مستوعب كل المشاعر دي كانت حواليه ولسه ما حسش.
رهف (بابتسامة ضعيفة):
"وبعد ما اتنقلت من المجمع ده للمجمع التاني…
أنا اللي اقترحت على بابا ننتقل… وفعلاً وافق، عشان نقدر نشوفك.
بابا نائب في البرلمان، وعنده سلطة، قدر ينقلنا بسهولة.
فرحت أوي… أوي… لما عرفت إنك هتحضر حفلة تخرجنا…
وكمان خطوبة طارق وملك…
كنت عايزة أشوفك… بس مش كنت متخيلة إن أول نظرة بينا تبقى قدام رصاصة."
مومن (تنهد تنهيدة طويلة، فيها ذهول، وفيها حيرة):
"كل ده؟
كل ده جواك؟
وانا… ولا حتى كنت واخد بالي."
سكت لحظة، وبص لها نظرة فيها حاجة مختلفة، كأن أول مرة يشوف ملامحها بوضوح.
مومن (بهمس):
"أنا آسف يا رهف… آسف إنك شيلتِ ده لوحدك…
ويمكن… يمكن كنت محتاج الرصاصة دي عشان أعرف…
إنك كنتي جنبي طول الوقت."
قبل ما يكمل، الباب اتفتح، ودخل والدها ووالدتها، وقلقهم سابقهم:
الأب:
"رهف! يا بنتي… إنتي كويسة؟ حد يقولنا إيه اللي حصل؟… ليه عملتي كده؟!"
الأم (بدموع):
"إزاي ترمي نفسك قدّام الرصاصة؟! ليه يا حبيبتي؟"
رهف ماردتش، عيونها بس كانت بتلمع، دمعة بتتزحلق في صمت، نظرتها معلقة على مومن.
مومن وقف ساكت، وطلب من الممرضة تحرك الكرسي المتحرك…
وهو طالع من الأوضة، قلبه بيتقلب، وكل ما يفتكر نظرتها، يحس بحاجة مش مفهومة بتتولد جواه.
مومن (في سره):
"العشق ده… إمتى ابتدى؟ وإزاي أنا ما خدتش بالي؟"
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء
📍في المعسكر – الجناح النسائي
تم فصل الشباب عن البنات، واتاخدت إيمان مع مجموعة من الفتيات، وكان عبد الرحمن في جناح تاني مع الشباب.
رغم إن قلبها مش مطمئن، لكن جوّاها فيه راحة صغيرة… يمكن عشان مكنتش عاوزة عبدالله يقرب منها
دخلت إيمان المكان، لقيت البنات قاعدين على بطاطين مفروشة، الكلام بينهم كان شغال، بس مش بالهدوء اللي كانت متوقعاه.
بنت من البنات (بتضحك):
"ها يا عروسة… إيه أخبارك؟ جاهزة للجواز؟"
إيمان (بخجل):
"أنا… أنا مش… مفكرتش في كده قبل كده…"
بنت تانية (بصوت هادي بس فيه فضول):
"يعني عمرك ما قرأتي حاجة عن الجواز؟ عن العلاقة؟"
إيمان (اتحرجت):
"كنت بقرأ قرآن وحاجات في الدين بس… الكلام ده مش كنت بفكر فيه خالص…"
ضحكت واحدة منهم، كانت أجرأهم:
البنت الجرئية:
"وفيها إيه؟ إحنا متدينين بس بشر… بنحب ونتجوز ونخلف!
والمهم نخلّف كتير… نبني عزوة ونكون أقوى… عايزين نبقى أكتر منهم، مش أقل."
إيمان فضلت ساكتة… الكلام غريب، مش شبه اللي تربت عليه.
رغم تحفظها، لكنها بدأت تفهم إن اللي جاي أصعب من اللي راح.
---
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
📍بعد أيام… من أماكن متفرقة
☀️ في مكان بعيد عن الوطن…
كانت إيمان بتساعد البنات في ترتيب الخيم، شعرها مربوط تحت الحجاب، ووشها عليه لمحة تعب… لكنها بتحاول تضحك.
بتقطع الخضار، وتحط البهارات، وكل شوية واحدة من البنات تسألها على حاجة، وهي ترد بهدوء.
المكان كان عبارة عن مخيمات، لكن فيه وجوه مش كلها طيبة… وفيه لهجات مختلفة: شامية، عراقية، لبنانية، مغربية… وكلهم بيجمعهم نفس الاعتقاد.
بنت لبنانية قالت لها بابتسامة:
"إنتِ بتعرفي تطبخي كتير طيب! شكلك كنتي ست بيت قبل ما توصلي لهون!"
ضحكت إيمان بخفة وقالت:
"ولا ست بيت ولا حاجه… ده بابا حتى مكنش يسيبني أدخل المطبخ!"
وفي الخلفية، كان فيه صوت البنادق بيتدربوا عليها الشباب، وعبد الله وسطهم، بيشاور لهم على الخريطة وبيقول تعليمات.
---
🌙 أما في القاهرة – المستشفى العسكري
كان مومن قاعد على سريره… رجله في الجبس، ونظراته معلقة في السقف.
دخل الدكتور وقال له بصوت هادي:
"الحمد لله الرصاصة خرجت من رجلك، لكن للأسف مش هتقدر ترجع تبقى ظابط ميداني."
سكت، بص لها وهو بيحاول يخبي الدمعة.
"يعني إيه مش هرجع؟ أنا… اتعلمت، وتحملت، وكان حلمي من وانا صغير… الشرطة مش وظيفة، دي كانت حياتي."
الدكتور بص له بتعاطف:
"بس لسه قدامك طريق… يمكن مش نفس الحلم، لكن ربنا هيفتحلك باب تاني… ويمكن تكون رسالتك أكبر."
اتنهد مومن تنهيدة فيها وجع…
كان حاسس إن عمره اللي تعب فيه طار،
لكن جوه قلبه، كان في صورة واحدة بتقرب…
بنت واقفة قدام الرصاصة… اسمها رهف.
---
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
---
كان مومن قاعد على الكرسي جنب الشباك، نظراته تايهة في الفراغ، ووشه شاحب شوية…
الملف الطبي على الترابيزة، وجنبه صورة الأشعة اللي أكدت إن رجله مش هتسمح له يرجع ميداني تاني.
دخلت رهف بهدوء، ومعاها ورد أبيض، ابتسمت وهي بتقرب منه وقالت:
"هو إنت درست حقوق جوه كلية الشرطة؟"
بص لها مومن، كأنه بيصحى من حلم:
"طبعًا… القانون مادة أساسية، بندرسها من أول سنة."
قعدت رهف جنبه، ومدت له وردة:
"طيب الحمد لله… أصل أنا جبت مجموع حقوق، وكنت محتارة أدخل ولا لأ، بس طالما إنت درستها، يبقى لازم أكمل."
ابتسم لأول مرة من يوم العملية:
"إنتِ بتفكري تدخلي حقوق بسببي؟"
هزت راسها وقالت ببراءة:
"جزء كبير، آه… وبعدين، هو ممكن أكون نائبة عامة عشان أعرف إن النائب العام شغلته مش بعيدة عن الشرطة… بيدور ورا الأدلة، بيحقق، بيقدم المجرم للمحكمة… برده بيحمي الناس بس من مكتب مش من شارع."
سكت لحظة، ورجع نظره لها وفهمى عاوزة تقول إيه :
"يعني شايفاني نائب عام؟"
ضحكت وقالت:
"شايفا إنك مش لازم تحبط… الظابط اللي فيك مش هيموت، هيغير بدلته بس."
كانت بتتكلم بعفوية، لكن كل كلمة قالتها كانت بتداوي جرح جوه قلبه.
مد إيده وخد الوردة منها، وقال بصوت واطي:
"يمكن ده الطريق اللي لازم أمشيه فعلاً… شكراً يا رهف."
"أنا جنبك دايمًا… حتى لو الطريق اتغير، أنا مش هبعد."
---
خاينة خلف جدران الحب
الدنيا كانت بتظلم، والهدوء مسيطر على المكان، بس قلب إيمان كان بيصرخ من الخوف.
من ساعة العصر وهم بيجهزوا ليها خيمة خاصة…
الخيمة اللي كان المفروض تبقى بداية "حياة جديدة"… لكنها شايفاها نهاية كل حاجة كانت بتحلم بيها.
كانت قاعدة على بطانية بسيطة، وشوية هدوم بيضة مرمية جنبها، وريحة البخور مالية المكان.
دخلت واحدة من البنات، ومعاها صحن فيه ميّة، وقالت بابتسامة مزيفة:
"يلا يا عروسة… لازم تغتسلي، عبد الله جاي بعد شوية، والشيخ هيجي يقرأ عليكم الفاتحة."
نظرات إيمان كانت مجمدة، وشعرها مقشعر، وهي بتهمس لنفسها:
"أنا ازاي أوصل لكده؟ أنا كنت بذاكر… كنت بكتب أحلامي في كشكول… كنت بحلم أبقى طبيبة… مش عروسة في معسكر!"
وقفت البنت تراقبها وهي بتتكلم:
"يا بنتي ده جهاد، وده جوزك اللي ربنا اختاره ليكي، إنتي هتبقي زوجة مجاهد، ده شرف كبير."
اتشنجت إيمان، وكأن الكلام بيخبط في قلبها:
"شرف؟! الشرف إن جسمي يتعري هنا؟ في خيمة؟ من واحد أنا معرفوش؟!
هو ده اللي سماه أبويا دين؟
فين الدين اللي بيرحم؟ اللي بيخلي الإنسان يختار؟!"
قربت منها البنت وقالت:
"إوعي تتكلمي كده، هيتقال عنك مرتدة!"
اتنفست إيمان بصعوبة… دموعها بتنزل بدون صوت، بس قلبها بينهار بصوت عالي:
"أنا اتحكم عليا أكون زوجة مش بإيدي…
أنا هفضل طول عمري أكره اللي عمله فيا أبويا…
بس مش هسكت… مش هسكت."
خاينة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
الفصل 7
---
⛺ داخل خيمة مظلمة – قبل القصف بساعات
كانت إيمان قاعدة على طرف فرشتها، عنيها معلقة في الأرض،
وإيدها بتتحرك بعصبية على طرف طرحتها،
لكن قلبها كان بيصرخ:
"أنا مش قادرة... مش قادرة أكمل كدة!"
دخلت الخيمة فجأة واحدة من نساء التنظيم،
ست في آخر الأربعينات، بوشها الجامد ونظرتها الباردة،
كانت بتتسمّى "أم بيان"…
وهي واحدة من أقرب المقربات لزعيم التنظيم.
قربت منها بخطوات ثابتة،
وقفت فوقها، وبصوت هادي لكن مليان سم:
"فاكرة إنك ممكن تلعبي علينا؟
فاكرة إنك لو سكتّي أو انسحبتي محدش هياخد باله؟"
رفعت إيمان عينيها، وعنيها مليانة دموع وارتباك:
"أنا… أنا مش..."
قاطعتها "أم بيان" وهي ترمي ورقة مطوية قدامها:
"دي صورة بيت أهلك الجديد…
عارفة ده فين؟
في قلب الواحات… في منطقة مقطوعة محدش يوصلها…
وإحنا اللي نقلناهم هناك... عشان نقدر نحميهم… أو نؤذيهم."
شهقت إيمان، وقلبها وقع في رجليها:
"يعني... نقلتوهم غصب عنهم؟!"
قربت منها أكتر، وقعدت على ركبها قدامها،
وهمست بصوت بارد:
"إحنا نقدر نعمل أي حاجة…
ولو خرجتِ عن طوع عبد الله،
أو رفضتي ليلة كتب الكتاب،
أو حتى حاولتِ تهربي تاني...
ساعتها، مامتك... وأخوك الصغير... هيموتوا،
واحد واحد، وإنتي السبب."
نزلت دمعة من عين إيمان، لكنها مسحتها بسرعة،
ونظرت لها بصدمة وصمت،
لسانها مش قادر ينطق،
لكن قلبها كان بيقول:
"أنا متكتفة، واللي بحبهم مربوطين برقابتي…
بس لسه فاضل شوية قوة... شوية إيمان... يمكن ألاقي مخرج."
قامت "أم بيان" وخرجت من الخيمة،
وهي ترمي وراها بكلمة:
"فاضل ساعات… جهزي نفسك."
⛺ داخل خيمة إيمان - قبل لحظات من إجبارها على الطاعة
إيمان كانت قاعدة على الأرض، عينها في الأرض، وإيدها بتترعش،
زوجة رئيس التنظيم واقفة قدامها، عنيها مليانة تهديد:
"لو رفضتي، مش بس هنعاقبك… إحنا نعرف نجيب أمك، ونخليها تدفع التمن عنك!"
كأن السكينة دخلت في قلب إيمان…
كل صوت جواها سكت، ماعدا نبضات قلبها اللي بتصرخ:
"يارب… نجّيني… أنا مغصوبة… مش بإيدي."
دخل عبد الله، ماسك إيدها بإجبار…
إيدها كانت ساقعة، وهو بيحاول يقرب منها،
همست بصوتها المكسور:
"أنا مش ليك… بس أنا تحت رحمتكم… سامحني يارب."
وفجأة…
💥💥💥
دوّي صوت مرعب في السماء… طيارة حربية بتكسر حاجز الصوت…
وصوت انفجار يهزّ المعسكر!
الكل خرج يجري… صرخات… تكبيرات… تراب مالي المكان…
صرخ شاب من التنظيم:
"إيه اللي بيحصل؟!"
رد عليه واحد وهو شايل سلاحه:
"بشار الأسد ضرب علينا قنابل… الروس مشاركين… لازم نهرب فوراً!"
ارتبكت الوجوه، والكل بدأ يجري من غير ترتيب…
صرخ صوت من بعيد:
"هنرجع تاني… ومش هنسيب حقنا!
كل طاغية قتل فينا مسلم، هنحاسبه!
إحنا هنفضل قوة، وهنكمل الجهاد في سبيل الله!"
في وسط الهلع ده، إيمان وقفت من بعيد…
بتتنفس بصعوبة، وبتبص للسماء المليانة دخان،
دموعها نازلة وهي بتهمس:
"شكراً يارب… إنت الوحيد اللي سمعتني…"
⛺الكاتبة صفاء حسنى
(في ممرات المستشفى، الصبح بدري، الجو هادي، صوت الكراسي المتحركة وموظفين بيندهوا على الحالات)
كان مومن قاعد على الكرسي المتحرك، لابس جاكيت خفيف فوق ملابس الخروج،
عيونه بتبص قدامه، لكن فكره سرحان…
رجله لسه بتوجعه، بس الوجع الحقيقي كان في قلبه.
الممرضة بتزقه بهدوء، وهو بيسأل:
"هي خرجت؟ رهف؟"
هزّت راسها وقالت بهدوء:
"أيوه… قبل شوية، أهلها جم وخدوها… بس طلبت تسيبلك ظرف."
استغرب مومن، وخد الظرف من الممرضة،
كان مكتوب عليه بخط ناعم: "مومن"
فتح الظرف، وقرأ:
> "كنت عايزة أودّعك بنفسي، بس خفت الدموع تفضحني…
مش هقول غير كلمة واحدة:
ماكانش ينفع أسيبك… حتى لو المقابل حياتي."
اتحرك مومن ببطء لحد ما خرج من باب المستشفى،
وهوا بيرجع براسه ورا كأنه لسه بيستنى تشوفه،
لكن كانت عربيتها اختفت.
في نفس اللحظة…
🚗 خارج المستشفى - سيارة بتتحرك ببطء
كانت رهف قاعدة في الكرسي الخلفي جنب الشباك،
وشها باين فيه إنها تعبانة،
لكن عنيها بتدور… بتدور عليه.
ولما مرّت العربية جنب باب المستشفى…
شافته!
مومن واقف بيتسند على عصاه،
مسك الظرف في إيده،
ورفع عينه… والعينين اتقابلوا!
ثواني من الصمت…
العربية عَدّت، لكنها كانت كافية تخلي القلبين يتلاقوا من غير كلام.
---
📍 تحت الأرض - مخبأ التنظيم - ليل
نزلت إيمان مع عبد الله والبنات في نفق طويل، الحيطان حجر، والجو خانق، ريحة البارود والموت معلّقة في الهوا…
العيون كلها مرعوبة، والمكان بيقفل عليهم كأنهم داخلين مقبرة مش ملجأ.
صوت رجل من التنظيم هتف:
"وصلتوا… استريحوا لحد ما نجهّز للتحرك على شرق سوريا، الوضع هناك بيحتاج دعم!"
شهقت واحدة من البنات، وقالت بصوت بيترجف:
"إحنا في سوريا وبشار الاسد قرار يموت شعبه ايه الحل ؟!"
سكت الكل، لكن كانت الصدمة بتتكتب على وشوشهم.
إيمان كانت ماسكة طرف طرحتها بإيدين بتترعش…
لفت لوجه عبد الله، وعنيها مليانة صدق وخوف ووجع:
"عبد الله… لو فعلاً بتحبني وعاوز نكمل… تعالى نخلّص من ده."
استغرب، قرب منها وهو بيقول:
**"نعمل إيه؟"
ردت بصوت واضح رغم الرجفة:**
"نهرب! المكان ده مش جهاد… ده مقبرة."
قربت منه أكتر، ودموعها كانت بتحاول تنزل وهي بتحبسها:
"عبد الله… الناس دي بتؤمن بالموت أكتر من الحياة.
شايف اللي بيحصل؟ الأبرياء بيموتوا…
والبلد بتتدمر… التنظيم بيستخدم الدين سلاح،
لكن مفيش دين بيحطك في طريق الرصاصة بإيدك!
العلاج… المفروض يكون حياة… مش أداة للموت!"
سكت عبد الله، وبدأ يتنفس بسرعة…
كلامها دخل قلبه، وبدأ يحس بالحقيقة اللى كان بيهرب منها طول الوقت.
فجأة… سمعوا صوت صراخ من فوق السطح…
وصوت رجالة بينادوا من فتحات التهوية:
**"الطيران رجع… جهّزوا نفسكم للتحرك فوراً!
هدفنا شرق سوريا…"
إيمان بصّت لعبد الله وقالت:
"إما نكمل في الطريق ده…
أو نكسر الدائرة… مع بعض."**
وسط الفوضى – بعد هجوم الطيارة بدقايق
إيمان كانت واقفة مكانها، جسمها بيرتعش من الخضة،
لكن جواها شعور واحد مسيطر عليها:
"لازم أهرب… دي فرصتي الوحيدة!"
الناس بتهرب يمين وشمال…
الصراخ مالي المكان، التراب مغطي كل حاجة،
والرجالة بينادوا:
"خدوا البنات! أسرعوا! هنرجع نتجمع بعد ساعة عند الوادي!"
استغلت إيمان الزحمة والدوشة، وسحبت طرحتها على وشها،
وبدأت تتحرك في عكس الاتجاه…
قلبها بيدق بسرعة…
كل خطوة كأنها ماشية على سكاكين، لكن خطواتها كانت سريعة ومدروسة.
قربت من خيمة فيها شنط وإمدادات،
فتحت شنطة كانت على جنب، لقت فيها عباءة قديمة وحجاب سميك،
لبستهم بسرعة، غيرت شكلها…
بقت شبه أي واحدة من أهالي القرية.
خرجت من ورا الخيم، ماشية على جنب،
عينها بتلف يمين وشمال…
حد شافني؟ حد لاحظني؟
لكن ربنا كان ساتر.
الكاتبة صفاء حسنى
فجأة لمحت عربية تويوتا صغيرة كانت بتوصل بعض المصابين
والسواق بيزعق:
"يلا اركبوا بسرعة! هننقل الجرحى للمستشفى الميداني!"
قربت إيمان بهدوء،
"أنا ممرضة… خدووني، أساعد في علاج الجرحى!"
بص لها بسرعة وقال:
"اطلعي ورا… بس خلي بالك!"
ركبت العربية، وشدت الطرحة أكتر على وشها…
ومع أول طلعة للعربية… كانت إيمان بتودّع أول خطوة في طريق الجحيم، وبتبدأ طريق النجاة.
📍بعد سنوات —
يظهر مومن ورهف
كانوا قاعدين على دكة فى حديقة بيتهم، الجو هادي بعد المغرب،
نسمة هوا خفيفة كانت بتحرك طرحة رهف القصيرة،
مومن لاحظ إنها غيرت طريقة لبسها…
البنطلون الجينز الضيق، والبلوزة القصيرة، والحجاب اللي بقى نص حجاب.
سكت شوية، وبص لها وقال بهدوء:
"إنتِ متغيرة يا رهف…"
استغربت كلامه:
"متغيرة إزاي؟"
قال وهو عينيه على الأرض:
"أنا متعود عليكي بفستان طويل وطرحة كبيرة…
حتى مشيتك كانت هادية، بتحسي إنك بتعزفي وأنا بتفرج… دلوقتي؟ حسيت إني بشوف حد تاني."
رهف عضت شفايفها، وقالت بتحدي:
"يعني علشان لبست بنطلون، خلاص بقيت وحشة؟!
أنا لابسة زي صحابي… مش ماشية غلط."
قرب منها شوية، وبص في عينيها:
"أنا مش بقول إنك وحشة…
أنا بقول إني خايف عليكِ، خايف من التغيير اللي مش جاي من جواكي…
جاي من ضغط حواليكي… من بنات بيقارنوا نفسهم بصور على السوشيال، مش بقيم حقيقية."
الكاتبة صفاء حسنى
رهف سكتت لحظة، وبعدين قالت:
"أنا طول عمري بلون أبيض وأسود… عايزة أكون رمادي، أكون زي البنات، ألبس فستان فرحي زي ما أنا بحب،
مش ضروري طرحة طويلة، نص طرحة كفاية،
أنا مش ملاك يا مؤمن… أنا بشر."
مومن تنهد، وصوته فيه وجع كأنه في حلم وصحي :
"بس أنا لما حبيتك… حبيتك زي ما انتي.
رهف اللي كانت بتضحك وهي مغطى شعرها من الهوا ومن عيون كل البشر …
مش رهف اللي مستنية فستان على الموضة عشان تحس إنها جميلة."
سكتوا الاتنين…
رهف دمعت عينيها وقالت بهمس:
"أنا مش بعدت عن ربنا… بس عايزة أحس إني مش مختلفة عنهم…
حتى لو ليلة فرحي، أختار أنا شكلي… مش المجتمع ولا حتى إنت."
مومن وقف وقال بهدوء:
"الاختلاف عمره ما كان عيب…
بس يا رهف… اللي بيحبك من قلبه مش هيبص على شكلك،
هيبص على نورك… نور قلبك.
بس برضه… القرار ليكي، أنا مش هفرض حاجة، بس حبيت أقولك… إن التغيير لو جاي من ضعف، عمره ما هيكملك… لكن لو من وعي، هيكبرك."
سابها ومشي، وهي فضلت قاعدة، وعنيها دمعت من كتر الحيرة.
---
بعد ما مشي مومن وسبها لوحدها على الدكة،
فضلت رهف قاعدة، وعيونها معلقة في نقطة وهمية في السما،
دمعة نزلت بهدوء من عينها، ومسحتها بسرعة، كأنها مش عايزة حتى الدموع تكشف ضعفها.
همست لنفسها بصوت مهزوز:
"لازم يشوفني أنا… يشوف رهف الحقيقة…
مش رهف اللي بتحاول تبقى نسخة من إيمان…
مش هقدر أعيش عمري كله بتمثّل عشان ياخد باله مني."
سكتت لحظة، وبصت لإيديها المرتجفة:
"كنت فاكرة لو قلّدت إيمان، هتشوفني…
كنت فاكرة لو لبست زيها، مشيت زيها، اتكلمت بهدوء زيها، هتحبني…
بس الحقيقة؟
أنا مش هي، ومش هكون هي."
تنهدت تنهيدة طويلة:
"أنا تعبت… تعبت من التمثيل…
تعبت أضحك وقلبي بيصرخ،
تعبت أخبي غيرتي انك بدور على ايمان إلا عمرك ما شوفتها …
بس إيمان راحت…
إيمان ماتت في سوريا، هي وعريسها، وهما بيجاهدوا في معركة كانوا مصدقين إنها لله…
بس انتهت… وانتهى وجودها في حياتنا."
نزلت دمعة تانية وهي بتهمس:
"لو هتحبني، لازم تحبني أنا… بطبيعتي، ببنطلوني، بحجابي القصير،
بأسئلتي الكتير، وبصوتي العالي أوقات…
لو هتحبني، يحبني زي ما أنا… مش كنسخة معدلة من إيمان."
قامت من مكانها، ومسحت وشها بسرعة،
وقالت بصلابة:
"خلاص يا مومن… أنا رهف،
لو عرفت تحبني كده… أهلاً بيك.
لو لا… يبقى مش مكتوبلنا."
دخل مومن يسلم على ام رهف وبعد الترحيب سألها :
"هو أنا ممكن أسأل حضرتك عن حاجة؟"
أم رهف بابتسامة هادية:
"طبعًا يا ابني… خير؟"
مومن
"ممكن أسأل حضرتك سؤال محرج شوية؟"
أم رهف
(بتبتسم وبتهز راسها):
"اسأل يا ابني، أنت مش غريب."
مومن
"رهف… لبسها اتغير الفترة اللي فاتت…
بقت تلبس بنطلونات وحجاب قصير وخلعت الحجاب الطويل،
وده خلاني أستغرب…
هي كانت كده دايمًا؟"
أم رهف (استغربت وضحكت بخفة):
"لا يا ابني، دي كانت فترة صغيرة جدًا…
رهف بطبعها بتحب اللبس ده ومش محتشم
بس وقتها كانت متأثرة بصاحبتها… اسمها إيمان،
بنت جارتنا القديمة."
مومن (بان عليه التوتر وهو بيكمل):
"يعني كانت بتقلد صاحبتها؟"
أم رهف (بنظرة فاهمة):
"مش بس كده… كانت بتحاول تبقى شبهها بالظبط،
وعرفت بعدين إنها كانت بتعمل كده علشان تلفت نظرك."
مومن اتجمد في مكانه…
كأن الكلام وقع على ودنه زي صدمة كهربا،
فتح بقه شوية، وسأل بصوت واطي:
مومن
"عشاني…؟"
أم رهف (بابتسامة حزينة):
"آه… من وهي صغيرة بتحبك،
حتى لم كنت تيجي تلعب عندنا، كانت بتستناك على السلم…
بس بعد ما إيمان ماتت،
رهف قررت تبقى نفسها تاني،
وقالتلي: (مش هينفع أفضل صورة من حد تاني،
لو هحب… لازم يتحبني زي ما أنا)."
مومن بص في الأرض،
مش قادر يصدق إن كل اللي حصل
كان بدافع حبها ليه.
سكت لحظة، مومن (بصوت متأثر):
"مين ايمان … وماتت ازى ؟"
أم رهف:
"آه… أهلها جبروها تسيب دراستها وتسافر،
وجوزوها غصب عنها…
وللأسف راحت في طريق محدش يعرف نهايته،
وماتت قبل ما تعيش شبابها."
مومن سكت شوية،
وهو بيحس إن الصورة بدأت تكتمل قدامه،
رهف بنت بتتلون…
بعد غياب أسابيع – طلب مومن يقابل رهف خارج المنزل في كافيه كانت فرحانه انها هتقابله
كان منتظر مومن فى كافية
الجو كان هادي، والأنوار خافتة حوالين الترابيزات،
مومن قاعد مستني، شايل هم المواجهة...
رهف وصلت، لابسة بنطلون جينز واسع وبلوزة طويلة،
وحجاب قصير بألوان هادية.
قعدت قدامه، سكتوا شوية…
بس هو كان واضح عليه التوتر والتصميم.
مومن (بص لها بنظرة ثابتة وصوت هادي بس حازم):
"بصّي يا رهف…
أنا ساكت بقالي كتير، وبحاول أفهم وأستوعب،
بس دلوقتي لازم أتكلم بصراحة."
رهف (بصوت قلق):
"اتكلم، أنا سامعاك."
مومن (نبرته جدّة):
"من أول يوم شفتك فيه، كنتي لابسة لبس محترم،
لبس بيعبّر عنك…
ووقتها حسيت إنك بنت مختلفة، عن كل البنت ،
بس لما بدأتِ تتغيري،
حسّيت إنك بتحاولي تبقي حد تاني…
وتبرريه بكلمة: (أنا عايزة أكون نفسي)."
رهف (رفعت حاجبها باستغراب):
"وأنا فعلاً عايزة أكون نفسي،
مش نسخة من حد،
أنا بصلي وبحب ربنا، بس اللبس مش هو الدين."
مومن (شد نفسه وبصلها بعين حاسمة):
"أنا مش بتكلم عن اللبس كلبس…
أنا بتكلم عن مبدأ، عن هوية، عن احترام ما ابتدينا عليه.
أنا نائب عام وبحقق بالعدل ، وأبقى مسئول قدام ربنا عنك.
لو هنكمل، يوم الفرح تلبسي زي ما عرفتك،
فستان محتشم، حجاب طويل،
ومافيش لف ولا دوران،
ولو مش عاجبك… يبقى كل واحد يروح لحاله."
رهف (نزلت عيونها، قلبها بيخبط، ودموع محبوسة):
أنا آه كنت بقلد صديقتي لكن لاقيت نفسي مش عارفه أكون زيها وكل ما البس لبسها افتكرها وانهار
مومن (بصوت أهدى لكنه جاد):
"أنا عايزك تلبسي زي رهف…
رهف اللي شفتها من الأول،ومادام عاوزة تكون نفسك معرفتنش عن نفسك من البدايه ليها وليه دلوقتي بعد ما كتبنا الكتاب عاوزة تصغيرني أقدم اهلك وأهلي
وفجاة قررت تتمرد وتغَيّر كل حاجة بعد ما ضمنت قلبي.
وده حقي لو دخلتي بيتي… يبقى تسمعي كلامي،
مش عشان أتحكم…
لكن عشان نعيش براحة واحترام."
رهف ما ردتش،
بس عنيها كانت بتقول حاجات كتير…
بين الضعف والحب والتمرد والخوف من الخسارة.
خرج مومن ورهف من الكافيه…
الهدوء بينهم كان زي سكوت بعد عاصفة.
ركبوا العربية،
ومافيش ولا كلمة اتقالت…
كل واحد غرق في تفكيره، وكأن الصمت بيحكي أكتر من الكلام.
الكاميرا تركز على ملامح مومن وهو سايق،
نظراته على الطريق، لكن باله معاها.
رهف بصه سريعة ليه،
وبعدين تنزل بعينيها على إيديها المرتعشة.
وصلوا قدام بيتها.
مدت إيدها تفتح الباب، لكن صوته قطع الصمت:
مومن (بهدوء وحزم):
"فكري في كلامي يا رهف…
مش بطلب حاجة ضدك،
بس اللي بينا لازم يكون فيه وضوح من البداية."
رهف هزّت راسها بخفة،
ما ردتش، بس عينيها كان فيها وجع وحيرة.
نزلت من العربية،
وقبل ما تقفل الباب، بصت له نظرة سريعة،
كأنها بتسأله: "لو كنت أنا… من غير تقليد… هتفضل تحبني؟"
مومن رجّع عنيه للطريق،
وشغل العربية ومشي،
يسيب وراه رهف واقفة تحت نور خافت قدام البيت،
شايلة في قلبها أسئلة كتير.
خاينة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
الفصل 8
رهف في الحمام،
ميّه سخنة نازلة من الشاور،
بتحاول تهدي نار التفكير اللي جواها.
صوتها الداخلي بيهمس:
رهف (من جوّا نفسها):
"هو بيحبني…
ولا بيحب الصورة اللي كنت بقلدها؟
وإزاي أعيش بنفسي وأنا خوفت أخسره؟
أنا مش عارفة أرجع زي زمان،
بس مش عايزة أكون غيري كمان…"
تنزل دمعة وسط الميّه،
وهي بتحط إيديها على وشها،
وبتتنهد تنهيدة وجع…
مش بس من كلامه،
من كلامها مع نفسها كمان.
تخرج رهف من الحمّام،
لابسة بيچاما قطن بسيطة بلون هادي،
وشعرها مبلول مربوط ورا،
ووشها عليه أثر البخار،
لكن عينيها هي اللي كانت باينه فيها الحرب الحقيقية.
تقف قدّام المراية…
تبص على نفسها،
وتتأمل ملامحها…
كأنها بتحاول تفتكر هي مين قبل ما تقلد أي حد.
تمد إيدها على درج التسريحة،
تفتح صندوق صغير فيه حاجات زمان:
خاتم صغير، دبوس حجاب طويل، صورة لها فى الشبكه مع مومن وهى بالحجاب المحتشم، وجواب كانت كتبته ايمان…
تمسك الصورة…
تبتسم ابتسامة شجن.
رهف (بصوت واطي وهي بتبص في الصورة):
"إيمان… حاولت اكون زيك عشان الفت نظره ،رغم اكتشفت إنك كنتِ قوية… وأنا ضعيفة .
قليدك زمان … لكن شكلي وأنا بقلدك عمره ما كنت أنا."
تقوم من قدام المراية،
تروح تقعد على السرير،
تجيب الموبايل،
تبص على رقم مومن،
وتحط الموبايل على صدرها وهي مغمضة عنيها.
رهف (من جوّا نفسها):
"أنا محتاجة أختار…
مش عشانه… عشاني.
أنا عايزة أكون حد لما يحبني، يحبني أنا… مش صورة حد تاني."
الإنارة تبقى هادية جدًا،
وتبان دمعة ساكنة على خدها،
مش دمعة حزن…
دمعة اعتراف.
خاينة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
وتكون قاعدة على طرف السرير، عينها سابحة في الفراغ،
وإيديها بتفرك بعض من التوتر…
صوت مومن بيرن في ودنها:
"لو هتدخلي بيتي، يبقى تسمعي كلامي…"
تحط إيديها على وشها وتتنهد:
رهف (لنفسها):
"أنا اتسرعت؟
يعني علشان حبيت أكون على طبيعتي… ممكن أخسره؟
بس برضو أنا مش عايزة أعيش في صورة مش بتاعتي."
قامت من على السرير، وقفت قدام المراية،
بصت لنفسها وهي لابسة البنطلون والحجاب القصير،
وبعد لحظة… فتحت الدولاب
وطلعت الطرحة الطويلة والفستان الواسع القديم.
رهف (بتهمس وهي بتلمسهم):
"هو ده أنا اللي هو حبني بيها ومن وقت ما قررت تاخد مكان ايمان فى حفلة التخرج وهو شافك كدة …
طب ليه اتغيرت فجأة؟
عشان شوية صحاب؟ ولا عشان أثبت إن ليّا شخصية؟"
سكتت شوية، ومسكت موبايلها
وبعتت له رسالة:
📩 "مومن،
أنا محتاجة وقت أراجع نفسي…
أنا مش ضدك، ولا ضد كلامك،
بس بحاول ألاقيني وسط كل الزحمة دي…
مش هلبس اللي يزعلك، ومش هغيّر كل حاجة دفعة واحدة…
بس كمان عايزة تحبني عشان أنا، مش عشان شكلي مهما كان هو طبعي .
أنا هغلب خوفي، وهحاول أكون أقرب ليك
من غير ما أخسر نفسي.
لو فعلاً بتحبني… استناني."
رمت الموبايل على السرير، ومسحت دمعة نزلت على خدها،
وقعدت تفكر:
"أنا لازم أرجّع رهف اللي كانت بتعرف توازن ما بين الحياء، والحرية…
اللي كانت بتعرف تحب من قلبها، من غير ما تتوه."
خاينة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
مومن قاعد لوحده، النور خافت،
ورايح جاي بعنيه على شاشة الموبايل،
والرسالة اللي جاية من "رهف" لسه مفتوحة…
كأن الكلام نزل على قلبه بحنين ووجع في نفس الوقت.
قرأ الجملة الأخيرة تاني:
"أنا هغلب خوفي، وهحاول أكون أقرب ليك
من غير ما أخسر نفسي.
لو فعلاً بتحبني… استناني."
شد نفس طويل، وراح سند ضهره للكرسي،
بص للسقف، وكأنه بيسترجع لحظات زمان…
لما شافها لأول مرة في الحفلة،
ولما كانت دايمًا بتضحك وهي لابسة واسع وحجاب طويل
وتحاول تقرب له بشوية خجل وحياء.
مومن (بصوت هادي):
"أنا حبيتك بالشكل ده…
بالبساطة دي… بالطيبة دي…
مش عايزك تكوني نسخة من حد…
بس برضو مش عايز أصحى في يوم،
وألاقي اللي في قلبي ضاع واتبدّل."
وقف من مكانه، ومسح وشه بإيده،
وفتح الموبايل وكتب الرد:
📩 "رهف…
أنا مش عايزك تلبسي حجاب طويل بالعافية،
ولا تتغيري بالعافية…
أنا عايزك تفتكري أنتِ كنتي مين،
وإزاي كنتي بتلمعي من غير ما تقلدي حد.
أنا مستنيك،
بس مستني رهف اللي عرفتها،
اللي حبتني بطريقتها، وخافت عليّا من غير ما تجرح كرامتها.
لو هترجعي لي… رجعي بنفس الروح،
مش بنفس اللبس…
لأن اللي في القلب… أكبر من كل حاجة."
قفل الموبايل، وتنهد براحة،
كأن قلبه رجع يهدى بعد ما قال اللي جواه.
تمام، نكمل بالمشهد التالي من تاني يوم، ونحافظ على التوتر الهادئ اللي بينهم:
🎬 مشهد داخلي – صباح اليوم التالي – غرفة رهف
رنة موبايل بتقطع الصمت…
رهف بتكون قاعدة على السرير، لابسة إسدال صلاة، ولسه عنيها فيها آثار السهر والتفكير.
ترد بتردد:
رهف:
"ألو؟"
مومن (بنبرة جادة لكن هادية):
"صباح الخير يا رهف…
جاهزة؟ هنروح نتفرّج على فساتين الفرح النهارده."
سكتت لحظة…
صوتها يخرج بنعومة متلخبطة:
رهف:
"آه… حاضر، هدخل أجهز وأنزل."
مومن:
"هعدّي عليكي خلال ساعة.
بس المرّة دي رايحين على أتليه محجبات.
قلت أكون واضح من الأول."
رهف ابتلعت ريقها، ماعلقتش…
لكن في قلبها حصل ارتباك خفيف ما بين الخوف والرضا.
رهف (بصوت خافت):
"ماشي… هستناكم."
قفل الخط.
🎬 مشهد خارجي – قدام بيت رهف – بعد ساعة
مومن مستني في عربيته، لابس قميص بسيط وبنطلون غامق، شكله مرتب وفيه جدية.
رهف تنزل…
لابسة عباية شيك، لونها سكري، وحجاب منسدل ببساطة، بدون مبالغة.
يركبلها الباب، تبتسم بخجل، وهو ما بيقولش ولا كلمة، لكن نظراته بترصد كل تفصيلة في شكلها.
مومن (بصوت هادي وهو بيسوق):
"شكلك هادي… شكلك شبه نفسك."
رهف (بهمس):
"دي أول مرة أبقى شبه نفسي بجد."
يسكتوا لحظة، قبل ما هو يقول:
مومن:
"الأتليه ده مختلف… مش بس عشان الفساتين،
أنا عايزك تشوفي إنك ممكن تفرحي… من غير ما تضحي بشخصيتك."
تبتسم رهف بخجل…
وتبص على الشباك وعينيها فيها أمل صغير، بيتولد من جديد.
يتركه مومن ويجوا أصدقاء رهف ملك قاعده فى اتيليه ومعها اصاحبها بتختار الفستان
رهف قاعدة على كرسي قدام المراية، لابسة فستان بروفة، لونه سكري ناعم، بس واضح عليها التوتر.
بتبص في المراية بنظرة مشوشة، تحاول تضحك… لكن عينيها فيها قلق كبير.
صوت البنات حواليها بيملأ المكان بحيوية:
ملك (بحماس):
"أنا شايفة فستان ستان منفوش، يا رهف! لازم تبقي ملكة بجد… مش هنتنازل!"
منار (وهي بتشاور على فستان بكم واسع وتطريز ناعم):
"أنا شايفة ده أحلى، هادي وبسيط… شبهك!"
رانيا (بضحكة دلع):
"أنا بقى عاجبني ده القصّة المودرن، قصير من قدام وطويل من ورا… جامد جدًا!"
رهف بتبتسم بخفة، لكن تحاول تخبي توترها:
رهف (بصوت واطي):
"مش عارفة… خايفة أختار حاجة وأندم…
عاوزة أفرح، بس من غير ما أخسر نفسي…"
ملك (وهي بتبص ليها من المراية):
"إنتي خايفة من إيه؟ مومن؟ ولا من نفسك؟"
سكتت رهف، ضمت إيديها على بعض، ونظرتها للمراية تغيرت…
رهف (بهمس وهي تبص على الفستان):
"أنا عملت حاجات كتير عشان أوصل له…
غيرت شكلي، غيرت طريقتي…
بس النهارده، أنا عايزة أفرح وأنا على طبيعتي.
مش حابة أكون نسخة من حد… حتى لو كان ده هيبعده عني."
البنات سكتوا شوية، نظراتهم فيها تقدير، بس في نفس الوقت حيرة.
منار (بلُطف):
"اللي بيحبك، هيقبلك زي ما إنتي…
بس خدي بالك، الفرحة يوم واحد… بس القرار باقي."
رانيا (بمزاح):
"وبعدين… مهما لبستي، لو قلبه معاكي… خلاص، كسبتي الجولة!"
رهف تضحك لأول مرة من قلبها، وتقوم تمشي بين الفساتين.
تقف قدام فستان كلاسيك محجّب، كم طويل، قماشه ناعم من الدانتيل، ومطرز بتطريز بسيط حوالين الوسط…
حجاب طويل نازل بنعومة على الأكتاف.
رهف (بابتسامة حقيقية):
"هقيس ده… حاسة إنه يشبهني دلوقتي."
يقطع شرودها
لما الموبايل رنّ بنغمة واتساب جديدة،
رقم مش مسجل… دولي… لكن له طابع غريب.
فتحت رهف الرسالة…
وفي لحظة، عيونها دمعت من غير ما تنطق بكلمة.
"يارب تكوني لسه فاكراني…
أنا إيمان."
سكت الزمن…
الموسيقي اتحولت لصمت…
والصوت الداخلي جواها بدأ يصرخ:
"معقول؟ بعد كل السنين؟"
"إيمان… عايشة؟!"
رجعت تتنفس بصعوبة، والبنات حواليها مش فاهمين دموعها المفاجئة.
مسحت بسرعة، وكتبت بإيديها المرتجفة:
"إيمان؟ إنتي؟ إنتي فين؟ إزاي؟!"
لكن مفيش رد…
كانت الرسالة دي كأنها فتحت باب من الذكريات…
الطفولة… الرصاص… فستان الزفاف… والوداع الأخير.
رفعت رهف عنيها للمراية،
وفي قلبها سؤال بيكويها:
"يا ترى إيمان بعدت الرسالة… عشان تهنيها؟
ولا عشان تطلب منها حاجة أخيرة؟
بعد دقايق كانها ساعات
وصلت 📱رسالة واتساب – من "إيمان" – بعد دقائق طويلة من الانتظار
"ربنا أنقذني من الموت بأعجوبة يا رهف…
ياااه، أنا كنت بموت كل يوم وأنا وسطهم…
من مخبأ لمخبأ، ومن بلد لبلد…
كل لحظة كانت كأنها نهاية،
وكل صوت رصاصة كنت بحسبها نهاية.
مش هكدب عليكي…
اتكسرت، اتعذبت، واتهدّيت من جوايا،
بس كنت بدعي ربنا كل يوم إنه ينجيني ويرجعني يوم أشوفك…
قدرت أهرب من سوريا عن طريق البحر،
رحلة مرعبة بس ربنا كان معايا،
ودلوقتي أنا في تركيا… بحاول أبدأ من جديد.
المهم… إنتي عاملة إيه؟
طمنيني عليكي… وعلى ابن القاضي انتم بخير … وعلى حياتك كل ما اسمع فى الاخبار المصري، ان ظابط استشهد بكون بتقطع جوي …
المهم وحشتيني أوي يا رهف،
أنا لسه مش مصدقة إن عرفت اكلمك كده بعد كل السنين دي…"
---
تنظر 📱رهف الى الرساله ومش مصدقة نفسها وردت :
"الحمد لله يا إيمان… دخلت كلية حقوق، وخلصت السنة دي.
أربع سنين كانوا تحدي، بس كنت ماشية ورا حلمي…
وورا حبّي.
كنت دايمًا بحس إنك معايا، دعم ليا، وصوتك بيشجعني في كل موقف صعب.
ابن القاضي بقي جوزى دلوقتي انكتب كتبنا وجوزك عامل ايه
كتبت الكلمه وهى بتختبر مشاعر ايمان
وصلت الرساله ل ايمان.
ابتسمت ايمان وفرحت ليها
الف مبروك ياقلبي الحمدلله انكم بخير
واتنهدت بوجع
لم هربت جوزى لحقنى لما اكتشفوا انى هربت فضلوا يدور عليا كتير، ولم وصل ليا شرط عليه نفضل فى تركي ونقطع علاقتنا بيهم لو عايزين او يطلقنى لكن هو كان مخنوق منى علشان اعتبرني صغرته اقدمهم
الكاتبة صفاء حسنى
سالتها رهف
لو عرفت ترجعى ارجع وسيبك من هناك
انا عرفت ان ولدك مات ومامتك واخوك الصغيره رجعوا عاشوا فى الشقة
هزت راسها ايمان
لاسف دخلت هجري غير شرعي ومعنديش اي اثبتت هواي ادعلي المهم الف مبروك
يارب تكون بخير
تنهدت رهف
حاسة ان مومن … اتغيّر، مش هو اللي كان زمان.
بقى متشدد…
اشترط عليّا ألبس فستان بكم وحجاب طويل…
محدش يصدق إنه كان ظابط شرطة،
دلوقتي بقى نائب في النائبة العامة ،لكن تحسي انه اصبح متشدد مش عايزين اكون على طبيعتى
---
ارسالة رساله 📱إيمان:
"وماله يا رهف؟
هو التدين حرام؟
في فرق كبير يا قلبي ما بين التديّن…
وبين التشدد أو الإرهاب.
الدين عمره ما كان ضغط أو فرض،
الدين حب، وستر، وحرية اختيار،
مش أوامر وتهديد.
عارفة؟
أنا دلوقتي بشتغل في تصميم أزياء المحجبات،
ومصممة فستان فرح جميل…
شيك، محتشم، وأنثوي جداً.
أبعتهولك لو عجبك…
خلي أي أتيليه يصممه ليكي،
وتكوني أجمل عروسة…
وأنا من بعيد هدعيلك من قلبي."*
---
الكاتبة صفاء حسنى
كان فستان أشبه بحلم أنيق ومحتشم…
اتصمم من قماش الحرير الكريب الناعم، لونه أوف وايت مائل للسكّر، بسيط في لونه لكن فخم في تفاصيله.
الكمّان كانوا طويلين ومنفوخين بنعومة، مزينين بخيوط تطريز يدوي على شكل ورود صغيرة بتلمع بلون فضي ناعم.
الصدر كان مغلق تمامًا، بخط طولي من أزرار مغطّاة بنفس القماش، وخصر الفستان اتحدد بـحزام رفيع مطرّز بخيوط فضية ناعمة، أبرز رشاقتها.
الجيبة كانت واسعة لكن ناعمة في حركتها، بتنزل بنعومة من الخصر لحد الأرض، ومع كل خطوة كانت بتتحرك زي موجة رقيقة.
الخمار كان طويل وشفاف بطبقة مزدوجة، بنفس لون الفستان، ومثبت بـبروش فضي على الجنب، بسيط لكنه لافت للنظر.
كل قطعة من الفستان كانت بتنطق برُقيّ أنثوي… بلمسة إيمان.
حجاب ساتان مطفي أوف وايت، ملمسه ناعم زي الحرير، ولفّته بسيطة راقية، مغطّي شعرها ورقبتها ونازل بانسيابية على كتفها، بدون مبالغة أو طبقات كتير…
لكن اللمسة الخاصة كانت بروش فضي صغير على شكل هلال مرصّع بحجر أبيض لامع، هدية قديمة من إيمان لبِستها يوم فرحها بكل فخر.
الطرحة كانت طبقتين من الشيفون الناعم، أول طبقة قصيرة لحد نص الظهر، والتانية طويلة لحد الأرض، خفيفة جدًا وكأنها ضباب بيلفها، فيها تطريز بسيط وردات صغيرة بتبرق لما ييجي عليها الضوء، تطريز متناسق مع فستانها من غير أي مبالغة.
الجزء المميز الحقيقي؟
إن فيه جزء من نفس الطرحة كان ملفوف برقة وأناقة حوالين منطقة الصدر، متثبت فوق الفستان بطريقة عبقرية، بيخفي تفاصيل الجسم بشكل محتشم لكن أنيق جدًا…
مش مجرد تغطية، ده تصميم ذكي، خلى الكل يشوف إن الحجاب مش ضد الجمال، بل هو الجمال بذاته.
والتاج؟
تاج رفيع من الكريستال، بسيط ولامع، زى خط نور مرسوم على جبينها، مخلّي الطرحة ثابتة وبيكمّل جمال الملامح الهادية اللي كانت بتلمع من الفرح والخجل في نفس الوقت.
---
كانت القاعة مزدحمة…
الكل بيضحك وبيتكلم… لحد ما النور خف شوية، واتفتحت الستارة بهدوء، ودخلت رهف.
الصمت نزل على المكان…
الكل اتشد.
مفيش ولا كلمة اتقال… بس العيون كلها قالت نفس الحاجة: "سبحان اللي جمّلها."
مومن كان واقف جنب المنصة… أول ما شافها، حس إن قلبه وقع من مكانه.
اللي قدامه مش بس عروسة…
دي رهف اللي وقفَت قدامه يوم الرصاصة،
اللي حبته من غير ما تقول…
واللي دلوقتي، قدام الناس كلها، بقت حلم اتحقق.
ملك قربت منها، حضنتها وهمست في ودنها:
"ده مش فستان بس يا بنتي… ده قصة حب لبستك."
---
الدقايق بتمشي ببطء، وصوت الموسيقى الهادية شغال في الخلفية، الكل مستني لحظة دخول العريس…
دخل مومن من باب القاعة، لابس بدلة سودة بتلمع تحت الأضواء، قميص أبيض، كرافت بسيطة، وحذاء جلد شيك،
بس اللي كان لافت أكتر من لبسه هو ملامحه الجديدة…
لحية خفيفة مرسومة بدقة، مدياله وقار وهيبة، وعينيه فيها نضج راجل شاف كتير، لكن جواه لسه في طفل بيحب أول حب في حياته.
كان بيبص قدامه بثبات… لحد ما شافها.
رهف…
واقفة على بُعد خطوات، ماسكة طرف فستانها، ضحكتها خفيفة، عيونها فيها فرحة خجولة…
الفستان بتصميمه المختلف، والحجاب اللي لافف صدرها برقة، والطرحة اللي بتنزل كأنها سحابة نور حوالين وجهها، خلّوه يتجمّد في مكانه ثواني.
شهق بدون ما يحس…
قلبه دق، كأنها أول مرة يشوفها،
اتقدّم ناحيتها ببطء، وهو لسه مدهوش، ولما قرب منها قال بصوت هادي وناعم:
"أنا… مش مصدق… إنتي أجمل مما كنت متخيّل…"
بص في عيونها بابتسامة راضية، ولمح تفاصيل الفستان الهادية،
قرب منها وهمس:
"شكرًا إنك استجبتي لطلبي… الفستان محتشم وجميل… بس الأجمل إنك انتِ اللي لابساه."
رهف خدت نفس طويل وهي بتحاول تمسك دموع الفرح، وردّت بخجل:
"أنا اللي بشكرك… كنت خايفة ما يعجبكش، بس كنت حابة أفرّحك زي ما دايمًا فرحتني بكلامك واهتمامك."
ابتسم مومن، ورفع إيدها بهدوء، وطبع قبلة خفيفة على ضوافرها:
"النهاردة أنا أسعد راجل في الدنيا… وربنا يعلم قد إيه كنت بحلم باليوم ده."
الفصل التاسع
خائنة خلف جدران الحب
بعد انتهاء الفرح والتصوير وفرحة اسرة رهف واسرة مومن ووصلوا لحد البيت و لسه داخلين، باب الشقة اتقفل وراهم بهدوء...
مومن وقف على الباب، بيبص حواليه... كل حاجة متجهّزة، بسيطة، بس مريحة.
رهف وقفت جنبه، إيديها ماسكة طرف فستانها، عينيها في الأرض وخدودها محمرة.
لحظة صمت مرت بينهم، صوت أنفاسهم بس هو اللي واضح.
مومن (بصوت هادي)
" أخيرًا بقينا تحت سقف واحد."
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
الفصل 9
رهف (بهمس مرتبك)
"كنت خايفة اليوم ده ما يجيش..."
مومن بص ليها، قرب منها بشويش، وحط إيده على كتفها:
مومن (بحنان):
"وأنا كنت بدعي يجي... كنت بستناكِ من سنين، حتى من قبل ما أعرفك صح."
رهف (بنظرة خجولة):
"وأنا... غيرت كتير في نفسي عشانك... بس دلوقتي نفسي أكون نفسي... وتحبني زَيّ ما أنا."
مومن قرب أكتر، لمس خدها بلطف:
مومن:
"أنا حبيتك في كل حالتك... وقت ما كنتي بتقلدي، ووقت ما رجعتي تكوني إنتِ.
أنا مش عايز غير قلبك... مش لبسك، ولا شكلك... بس قلبك."
رهف اتنهدت، دمعة نزلت على خدها، لكنها ابتسمت:
رهف (بصوت مهزوز):
"هو ليه أول لحظة معاك فيها وجع وفرحة مع بعض؟"
مومن (وهو يضمها):
"يمكن عشان إحنا اتعذبنا كتير... وقلوبنا اتربّت على الصبر."
حضنها حضن دافي... حضن أمان بعد خوف، وبعد ضياع سنين.
كانت لحظة حب مش بصوت عالي، لكن بنبض قلبين قرروا يبتدوا سوا.
دخلوا غرفة النوم كان النور الخافت من الأباجورة بينور وشها، وهي واقفة قدامه، قلبها بيرف من التوتر والفرحة والخجل.
قرب منها بلطف، عينيه بتلمع بالحب، ومد إيده بهدوء ولمس كفها، لمسة فيها كل الحنية والطمأنينة.
قال بصوت هادي:
"أنا مش مستعجل على حاجة... يكفيني إنك جنبي."
دمعت عينيها، وقالت وهي بتهمس:
"وأنا... عمري ما حسيت بالأمان كده قبل كده."
حضنها حضن طويل... حضن دافي زي حضن الوطن.
نسيت كل الخوف، كل الوجع، وكل اللي فات.
وفي لحظة صمت ناعم، كانت قلوبهم بتتكلم لغة ما يعرفهاش غير الحبيبة اللي لقوا بعض بعد سنين من الغربة والضياع.
الكاتبة صفاء حسنى
كان بين كل نفس ونفس، وعد صادق.
وبين كل لمسة، عهد جديد بالحب والرحمة.
خلع ليها الفستان وهى دايبة فى حضنه وبدأ يحرك أيده على جسمها وهو سعيد إنها ما بين احضانه ثم ملابسه
ورهف استسلمت له تماماً، غارقة في دفء أحضانه، شعرت بأن كل همومها تذوب مع كل لمسة لطيفة على جسدها. أغمضت عينيها مستمتعة بلحظة حميمية خاصة، بينما هو يقبلها بحنان ثم يهمس مومن
لها كلمات عذبة
بعشقك
كانت تُشعِرُها بأمانٍ لم تشعر به من قبل. بدأ يقبل عنقها ثم كتفيها، تَسَرَّبَتْ أَنْفَاسُهُ إلى شَعْرِهَا، مُنْغَمِساً في عِطْرِهَا الْفَوَّاح. كانت لحظة سحرية، خالية من أي قلق أو خوف، مليئة فقط بالحب والرقة.
ثمّ بدأ يُقبِّلُها بِشَغَفٍ مُتَزَايِدٍ، تَزَايَدَتْ مَعَهُ شِدَّةُ أَحْساسِهَا، تَغَمَّرَتْ بِاللَّذَّةِ وَالْهَيَامِ. انْسَابَتْ أَيْدِيَاهُ بِرَوَاقَةٍ عَلَى جَسَدِهَا، مُسْتَكْشِفاً كُلَّ زَاوِيَةٍ مِنْهُ، مُسْتَحْضِراً أَعْمَقَ مَشَاعِرِهَا. وَفِي ذَلِكَ الْعُنْقَانِ الْحَمِيمِيِّ، تَوَحَّدَا فِي وَحْدَةٍ لَا تُشْبِهُ إِلَّا حُبَّهُمَا الْخَالِصَ. وَكَأَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ تَوَقَّفَ عِنْدَ تِلْكَ اللَّحْظَةِ، لِيَشْهَدَ أَعْظَمَ مُظْهَرٍ لِلْحُبِّ وَالْهَيَامِ.
انغمسا في عالمهما الخاص، نسياناً لكل ما حولهما. لم يكن هناك سوى لمساتهما وأنفاسهما المتلاحقة، وكلمات الحب التي همستها شفتاهما. كانت لحظة من النقاء والانسجام، لحظة تُخلِّدُها الذكريات في أعماق قلوبهما. في صمتٍ عميقٍ، تَكَلَّمَ الحبُّ لُغَةً فَصِيحَةً، فَهَمَاها قُلُوبُهُمَا بِدُونِ حَاجَةٍ إلى كَلِمَاتٍ. وَفِي نِهَايَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ السَّاحِرَةِ، غَفَوَا بَعْضُهُمَا فِي أَحْضَانِ بَعْضٍ، مُتَحَابِّينَ بِشِدَّةٍ لَا تُوصَفُ.
في تلك اللحظة، شعر هو بقوة مشاعره تجاهها، غمرته سعادة لا توصف أمام جمالها وسحرها. لم يكن مجرد شهوة جسدية، بل حبٌّ عميقٌ يتجاوز الحدود، حبٌّ يُشْعِرُهُ بِالْكَمالِ وَالْإِكْمَالِ. كان يُحِسُّ بِقُرْبِهَا مِنْهُ كَأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهُ، وَكَأَنَّ قَلْبَهُ يَتَوَحَّدُ مَعَ قَلْبِهَا فِي إِيقَاعٍ وَاحِدٍ. أما هي، فكانت تَغْمُرُهَا مَشَاعِرٌ مُتَضَارِبَةٌ، مَزْجٌ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالْشَّهْوَةِ، بَيْنَ الرَّغْبَةِ وَالتَّرَدُّدِ. لَكِنَّ حُبَّهَا لَهُ كَانَ أَقْوَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَقَدْ أَذَابَ خُوفَهَا وَأَطْمَأَنَّ قَلْبَهَا. وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، تَجَاوَزَتْ خُطُوطَ التَّرَدُّدِ، وَاسْتَسْلَمَتْ لِحُبِّهَا بِكُلِّ قُوَّتِهَا. كَانَ حُبُّهُمَا مَلْحَمَةً تُحَاكِي أَعْمَقَ مَشَاعِرِ الْقَلْبِ الْبَشَرِيِّ.
---
الكاتبة صفاء حسنى
بعد ساعات من الحب وسط الأنوار هادية، نور خفيف جاي من الأباجورة على الكومود...
رهف قاعدة على طرف السرير، لابسة روب بسيط بلون وردي هادي، شعرها مبلول شوية من البخار، وخدودها وردي من الخجل...
مومن واقف على بعد خطوات، بيبصلها بنظرة مشبعّة بالدهشة كأنه لسه مش مصدق إنها بقت زوجته.
اقترب منها بهدوء... وقعد جنبها على السرير.
مومن (بصوت واطي):
"آنتى عارفة قد إيه اللحظة دي كنت بحلم بيها؟"
رهف (وهي تبص له بخجل وعيونها بتلمع):
"وأنا كمان... كنت بعد الأيام."
مد إيده، ومسح بكفّه على طرف خدها بلطافة...
مومن (بهمس):
"كل التعب، كل الزعل... راح دلوقتي. بقت رهف ليا، وكل الدنيا بقت أهدى فجأة."
رهف حطت إيدها على إيده، نظرتها كانت فيها خجل بس حب حقيقي:
رهف (بصوت متقطع):
"أنا... يمكن مش كاملة، يمكن لسه بتغير... بس أنا بحبك، وعاوزه أكون ستك، وبيتك، وكل حياتك."
قرب منها أكتر، وباس إيدها، وقال:
مومن:
"كفاية عليا إنك لسه رهف اللي قلبها لسه بينبضلي...
أنا مش عايز غير حضنك وقت ما الدنيا تزنّ عليا... ونظرتك دي، تفضل ليا أنا بس."
رهف بصّت له، عيونها لمعت بدموع الفرح، وقالت:
رهف:
"أنا مش هكون غير ليك... من النهاردة، ولآخر نفس."
ضمّها لحضنه، حضن هادي ودافي، وسكنوا في بعض...
الدنيا برا كانت ليل، لكن جوا القلوب دي كان فجر جديد بيبدأ.
عند ايمان كانت نايمه لكن زى كل يوم تحلم نفس الحلم نفس المشهد
الصورة تهتز... صوت أمواج... صوت ناس بتصرخ...
إيمان واقفة على مركب صغير مهزوز في نص البحر، الهوا بيضرب في وشها، والمية بتدخل من كل ناحية.
الدنيا ظلمة ومطر وبرق، والناس حواليها بتصرخ:
"الحقوا الطفل!"
"المركب بتغرق!"
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
صوت الستات بيعيّطوا، والرجالة بتحاول تمسك المركب...
وفي طفل صغير متعلق في إيد مامته، الموجة تاخده من إيدها!
إيمان تصرخ:
"لااااااااااااا!!"
تحاول تمد إيدها، لكن المركب يهتز تاني، وهي تقع على ركبتها...
وشها يتغرق ميه... نفسها يتقطع...
تفتح عيونها على طفل بيغرق في الميه أدامها...
طفل كان من يومين بيلعب وبيضحك في المخيم...
والنهاردة بيغرق وبيختفي من تحت عيونها.
صوت موج... صراخ...
صوت داخلي بيقول لها:
"هو ده الطريق اللي اخترتيه؟ الموت؟"
إيمان تبص حواليها، تلاقي ناس من المخيم بيغرقوا واحد ورا التاني...
ست حاضنة بنتها وبتبكي:
"قولت لك متروحيش... قولت لك..."
صوت السفينة بيصفر... المركب تقلب...
إيمان تصرخ في الحلم:
"حد ينقذهم... ... ياااااااارب!!!"
فجأة تصحى من الحلم...
إيمان تصحى بفزع، وهي بتنهج وبتمسك قلبها... العرق مغرق جسمها.
تبص حواليها... تتأكد إنها في الأوضة، في أمان، لكن عيونها مليانة دموع...
وتقول بصوت واطي وهي بتبص للسقف:
تقترب سيدة كبيرة من العمر تحضنها وهى وتتحدث معها
لسه الحلم يا إيمان انسي يا بنتى عارفه الموقف كان صعب عليك هجرتك من سوريا ل تركي وموت وغرق ناس كتير اقدمك
تنهدت ايمان
"كنت فاكرة الزمن هينسيني... بس الذكرى مرّت تاني كأنها لسه بتحصل."
فلاش باك
وسط الموج ، لكن الشاطئ مليان بأجساد مرمية، ناس بتصرخ، وناس بتعيّط، وناس ما بقيتش تتنفس...
وسط الزحام، كانت إيمان نايمة على جنب، هدومها مبلولة، جسمها بيترعش، عنيها نص مفتوحة، والدموع نازلة بدون وعي.
أطفال بيصرخوا، نساء بتتشبث بأي حاجة عايمة، وشاب بيغرق وهو ماسك بيد أخوه الصغير...
وإيمان بتعيّط:
"يا رب... نجيني بس... مش عايزة أموت كده..."
تفتح عينيها على صوت نسائي هادي.
سيدة كبيرة في العمر، ملفوفة بعباءة تركية، بتقرب منها وبتمد إيديها، تغطيها ببطنية، وتهمس لها وهي بتطبطب عليها:
"لسّه عايشة... الحمد لله."
إيمان بصعوبة بتهز راسها، وبتهمس بصوت ضعيف:
"أنا... أنا فين؟"
السيدة تقعد جنبها على الرمل، وتحاول تهديها:
"في تركيا يا بنتي... عديتي البحر، عديتي الموت... بس إنتي لسه بتتنفسي، وده كفاية."
تدمع عيون إيمان وهي بترد:
الحمد الله
السيدة تمسك إيديها وتسألها:
"اسمك إيه؟ وعندك كام سنة؟ وفين أهلك؟"
إيمان بصوت مبحوح:
"اسمي إيمان... عندي 18 سنة... وأهلي في مصر."
السيدة تندهش:
"مصرية؟! مش سورية؟"
هزّت إيمان راسها بالإيجاب، وقالت وهي بتحاول تقوم:
**"أنا مش لاجئة زي الباقي... أنا هربانة من تنظيم... من جحيم أكبر..."
وبدت تحكي قصتها... من لحظة التهديد، للجواز الإجباري، للمخيم، للهروب، للبحر من غير هوائية أو اوراق ... ولحد ما وصلت لهنا.
رجوع للزمن الحاضر - منزل السيدة - غرفة صغيرة
إيمان قاعدة على الأرض، والسيدة الكبيرة اللي بقت تُعتبر أمها التانية، بتحضنها بحنية:
"انسِ يا بنتي... ده كان كابوس، وعدّى."
تنهدت إيمان:
"بس لسه قلبي هناك... عند اللي راحوا، وعند اللي لسه عايشين في نفس الجحيم."
السيدة تمسك وشها وتقول:
"ربنا نجّاكي لحكمة... يمكن علشان تكوني نور لناس تانية، يمكن علشان تعيشي وتكبري وتحققي رسالتك... ويمكن علشان في حد مستنيك."
تقرب من الشباك... تبص للنجوم...
وتهمس:
"يارب، أنا لسه عايشة... ولسه ضميري صاحي...
بس امتى هرجع أعيش من غير خوف؟ امتى؟"
الكاتبة صفاء حسنى
بعد شهور من الجواز
شقة مومن - الساعة 6 المغرب
كان مومن راجع من شغله مرهق، شنطته على كتفه، بيخلع بدلته بسرعة، ووشه باين عليه الإرهاق والتعب.
مومن (بصوت عالى):
"رهف!!"
مافيش رد... يدخل المطبخ... فاضي... السفرة مافيهاش أكل...
يمسك موبايله ويتصل بيها، بيرن مرتين قبل ما ترد.
رهف (بصوت هادي وضحكة):
"أيوه يا حبيبي، وحشتني..."
مومن (بعصبية مكتومة):
"إنتي فين؟!"
رهف (بهدوء):
"أنا في النادي مع البنات، كنا بنتغد سوا... ماما هنا كمان، تحب أكلمها؟"
مومن (صوته بيعلو وبيغلي):
"يعني راجع من شغلي تعبان، ومفيش لقمة أكل، ولا حتى إنتي في البيت؟!
كل يوم كده يا رهف؟ النادي والنادي! أنا متجوز ولا عايش لوحدي؟!"
رهف (بتحاول تهدي الموقف):
"مومن حبيبي، والله كنت ناوية أرجع بدري، بس البنات مصممين نفضل شوية... وقلت طالما ماما موجودة..."
مومن (يقاطعها بصوت عالي):
"حرام عليكي... تعبت من دلعك بجد!
هو أنا متجوز ولا راجع لبيت فاضي كل يوم؟!
مش كل شوية النادي وماما وصحابي، المفروض فيه مسؤولية!
أنا مش بقولك اقعدي في البيت، بس على الأقل حسّي إني راجل تعبان راجع يلاقي بيت بيتحس فيه براحة!"
رهف (بصوت واطي متأثر):
"ماشي يا مومن... هارجع حالًا..."
مومن (بغضب وقفل المكالمة):
"ارجعي بسرعة قبل ما أنفجر!"
ينزل الموبايل من إيده وهو بيتنهد، باين عليه الزعل، مش بس من الموقف، من الخيبة... من الإحساس إنه مش لاقي الونس اللى كان فاكره.
---
🔴 - الليل
الإضاءة: خافتة، التوتر مالي الجو
مومن واقف، وإيده على خصره، باين عليه الغضب والانفجار جواه...
رهف داخلة متوترة، شنطتها في إيدها، ونظراتها على الأرض
رهف (بصوت منخفض):
"أنا آسفة يا مومن... معرفتش أرد عليك بسرعة... البنات..."
مومن (يقاطعها وهو بيرفع صوته):
"اسكتي بقى! اسكتي!
كل يوم نفس الكلام... كل يوم النادي والبنات!
إنتي فاكرة الجواز ده لعبة؟!"
رهف (بعصبية مكبوتة):
"أنا مش بلعب يا مومن... أنا بس... محتاجة وقت!
أنا لسه بتأقلم... ده جواز مش سجن!"
مومن (صوته بيرتعش من العصبية):
"سجن؟ سجن يا رهف؟
ده بيتك! بيتك!
أنا راجل شقيان طول اليوم، أرجع ألاقيكِ بتضحكي في النادي؟!"
رهف (بنبرة دفاع):
"وإنت طول الوقت بتعاملني كأني خدامة!
فين مومن اللي كنت بحبه؟ فين الحنية؟"
مومن (انفجر):
"مات! مات من كتر الهم!
أنا مش لاقي منك غير دلع وزهق وهروب... إنتي اتغيرتي يا رهف!
إنتي حتى لبسك اتغير... إيه اللي حصلك؟!"
رهف (بدأت تتوتر وتتنفس بسرعة):
"أنا اتغيرت عشانك! عشانك يا مومن!
بس أنت... أنت مش شايفني خالص... مش سامعني!"
مومن (بصوت عالي جدًا):
"لأ شايفك... شايفك جدًا...
شايف واحدة أنانية، مش فارق معاها غير راحتها!"
رهف (عينها دمعت، وبصوت متقطع):
"أنا... تعبت... مش قادرة أتحمل أكتر من كده..."
وفجأة - رعشة بتاخد جسمها، بتحط إيدها على بطنها، وتتراجع لورا...
مومن بيقرب منها، لكن مش قادر يمسكها، وهي بتترنح...
رهف (بهمس):
"مش قادرة..."
تقع على الأرض فجأة... مغمى عليها!
مومن بيصرخ:
"رهف!! رهف!!!"
يحاول يصحيها بسرعة، قلبه بيرجع يدق بسرعة، الخوف رجع له تاني زي يوم المستشفى
ينقلها بسرعة على السرير، ويتصل بالإسعاف...
---
بعد شوية - المستشفى
الدكتور بيخرج عليه، ومومن واقف متوتر وبيعض شفايفه من القلق
الدكتور:
"مبروك... مراتك حامل، والضغط كان عالي شوية من العصبية... لكن هي كويسة دلوقتي."
مومن (بصوت مبحوح):
"حامل...؟"
يقعد على الكرسي، عينيه مغرورقة، مابين الصدمة والندم...
تمر الأيام، والروتين مبيتحركش خطوة واحدة...
كل يوم نفس الحكاية:
رهف تصحى، تلبس، وتتصل بصاحبتها، وتنزل على النادي.
تتمشى، تضحك، وتقول إنها بتعمل رياضة حمل.
وترجع آخر النهار تعبانة، تشتكي:
رهف (وهي بتحط الشنطة وتدخل الأوضة):
"كنت عند الدكتور...
قال لي الحمل كويس بس لازم أتحرك كتير...
بس بجد مش قادرة... جسمي كله مكسر."
مومن بيبصلها وهو ساكت...
قاعد على الكرسي، العصاية جنب رجله، وأمه في المطبخ هي اللي عاملة الأكل، ومخلصة كل حاجة في البيت.
بيعدي اليوم التاني زي اللي قبله.
مفيش يوم رهف دخلت المطبخ...
مفيش يوم شافت طلبات البيت...
والحِمل كله على أم مومن اللي بدأت صحتها تضعف من كتر الشيل.
🎬 مشهد - قبل الولادة بساعات
الليل دخل، والبيت هادي...
مومن قاعد بيقرأ جريدة، وبيسمع صوت رهف من بعيد، وهي داخلة من الباب ومتكلمة في التليفون:
رهف:
"آه يا ستي كنت عند المدربة...
وقالتلي أنا بطلة، بس الحمل عامل شغل عالي..."
مومن سمعها، وسكت...
لكن في قلبه نار، وبيحاول يكتمها عشان الجنين اللي في بطنها.
عدّى على نفسه وقال:
"خلاص... فاضل كام يوم وربنا يفرجها."
🎬 مشهد - وجع الولادة
الساعة كانت بعد نص الليل...
البيت كله نايم...
فجأة صرخة عالية صحّت الكل!
رهف (بصوت عالي):
"آاااه... مومن... بطني... هيموتني..."
مومن نط من مكانه، وأمه خرجت تجري من أوضتها.
أم مومن:
"جالها الطلق! بسرعة يا مومن! لازم نلحقها على المستشفى!"
مومن مسك التليفون، وهو بيتصل بالإسعاف وبيزعق:
"الحقونا بسرعة... مراتي بتولد!"
أمه كانت بتلبّس رهف، وهي بتترعش من التعب، ورهف عرقانة ووشها شاحب.
رهف (بهمس وتعب):
"أنا مش قادرة... أنا بموت يا مومن..."
مومن شد على إيدها وهو بيبصلها بحنية وقلق:
"هتكوني بخير... وربنا هيقومك ليا وللولاد... اصبري بس."
المستشفى - غرفة الولادة
الجو: توتر وقلق، وفيه دموع فرحة وعيون بتراقب الساعة
مومن قاعد في الاستراحة، وشايل هم فوق هم... بيبص في الأرض، وإيده على عصايته، ودماغه مليانة أفكار.
صوت بكاء أطفال بييجي من بعيد... بتفتح الممرضة الباب
الممرضة بابتسامة:
"مبروك يا حضرة الملازم... جالك ولد وبنت... الأم كويسة والحمد لله!"
مومن وقف، وكأنه نسي الإصابة، بس تعب رجله رجّعه مكانه.
ابتسم ابتسامة باهتة وقال:
"الحمد لله..."
🎬 بعد شوية - داخل غرفة الولادة
رهف نايمة على السرير، عرقانة، ضعيفة، بس مبتسمة ابتسامة أم لأول مرة...
على صدرها طفلين صغيرين ملفوفين ف بطاطين بيضة.
رهف (بصوت تعبان):
"بص ليهم... دول إحنا يا مومن..."
مومن قرب منهم، لمس بإيده الصغيرة الضعيفة بتاعت بنته، وبص لولده، وابتسم رغم كل حاجة.
لكن رهف عينها خانتها ... ودمعة نزلت.
:
"بتعيط؟"
"أنا خايفة يا مومن ...
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
الفصل العاشر
سألها مومن وهو مستغرب
خايفة منى انا والا زعلانه انك بقيت أم
هزت راسها رهف بالنفي
مش منك... ولا من الأطفال ... من نفسي...
أنا حتى مش قادرة أخدم نفسي، إنت شايل همي... هعرفي ازى اشيلي هم اتنين كمان؟"
مد إيدها مومن، ومسكها بقوة رغم ضعفها:
"هتتعلمي وانا معاك وهصبر عليك و مع بعض يا رهف ...
إحنا الاتنين لسه بنبدأ الرحلة...
يمكن تكون خايفة دلوقتي، بس أنا عمري ما كنت أقوى غير وإنتي جنبي."
رهف بصت فيها... وسكتت ... وحضنها مومن بحنان وهو بيبص في وش أولاده
قال بهدوء:
"ربنا ما يحرمني منكم...
ويوصلني بيكم لآخر العمر."
قطع حديثهم دخول الدكتورة ، بعد ما طمنت الدكتورة مومن إن رهف بخير والتوأم بخير… دخل الأوضة وهو بيحاول يخبي دموع الفرحة اللي في عيونه، قرب منها بهدوء وهو شايفها مرهقة وتعبانة، بس عنيها بتلمع من الفرحة.
قعد جنبها، مسك إيدها بحنان، وبص للبيبيات اللي نايمين جنبها وقال بصوت واطي:
"إحنا لسه ماسمينهمش… عايزة تسميهم إيه يا رهف؟"
رهف ابتسمت بهدوء، عينيها دمعت، وافتكرت رسالة ايمان بعد ما عرفت إنها حامل،
فلاش باك
في مساء هادي، كانت رهف قاعدة في أوضتها، بتحط إيدها على بطنها وبتبتسم، لحد ما جالها تسجيل من إيمان…
ضغطت "تشغيل"، وسمعت صوتها باين عليه مكسور وتعبان:
فتحت الموبايل، سمعت رسالة صوتية جاية من إيمان بصوت كله شوق ولهفة:
"أخبارك إيه يا ماما رهف؟
طمنيني عليكي، قلبي معاكي كل لحظة."
ابتسمت رهف، رغم تعبها، وسجلت صوتها بهدوء:
"تعبانة أوي يا إيمان…
بس ماشية… ضريبة الأمومة بقى."
جالها رد بسرعة من إيمان، بصوت كله حنية:
"ألف سلامة عليكي يا قلبي…
ربنا يقومك بالسلامة يا أحلى أم…
طب قولتيلي، اختارتي أسماء؟ وعرفتي النوع؟"
ضحكت رهف بخفة وقالت في التسجيل:
"لسه والله…
أنا عاوزة تبقى مفاجأة، أحسن…"
ردت إيمان بضحكة دافية، فيها أمل وذكريات:
"في الحي اللي أنا ساكنة فيه… كل الأولاد والبنات أساميهم ليها معاني حلوة أوي…
لو بنت، سميها حياة، دي الحياة كلها،
ولو ولد، سميه ميرت…
ده اسم تركي، معناه الشجاع والصادق…
زيك كده يا رهف…
أنا نفسي ولادك يطلعوا شبهك… قلب نضيف وشخصية قوية."
رهف قعدت ساكتة شوية، صوت إيمان خلى دموعها تلمع، وبإيدها لمست بطنها، وقالت بصوت واطي:
"حياة… وميرت…
أسامي حلوة أوي يا إيمان…"
بعتت تسجيل آخر بخجل
"كنت عاوزة أطلب منك طلب يا رهف…
بالله عليكي، أنا عارفة إنك حامل ويمكن الموضوع صعب عليكي، بس والله ماليش غيرك…
أنا مشتاقة لماما جدًا، نفسي أسمع صوتها،
أنا عارفة إنك الوحيدة اللي تقدري توصلي لبيتنا…
عاوزاكي تروحي وتخليها تكلمني…
ادّيها الرقم ده وخليها تتصل،
أنا… مش هنسى المعروف ده طول عمري، يا رهف."
رهف قلبها وجعها من الكلام، ومشاعرها خدت وقتها، ردّت بتسجيل قصير فيه حنان وبساطة:
"عيب عليكي يا إيمان!
إحنا أخوات…
عيوني ليكي، هروح وأوصلهالك بنفسي، ومتقلقيش، هتكلميها… وعد."
بعد يومين…
شارع هادي، مليان شجر وعصافير بتزقزق، الجو كان فيه ريحة ذكريات…
رهف ماشية ببطء، إيدها على بطنها اللي بدأ يظهر فيها الحمل، ووشها فيه ابتسامة دافية.
بصّت حواليها، ولمحت سور المدرسة اللي كانت بتلعب قدامه زمان، ضحكت وقالت بصوت خافت:
"هنا كنا بنقف نعدي الكورة… كنت أنا والاطفال دايمًا فريق واحد، عمرنا ما خسرنا، حتى وإحنا ضد العيال."
عدت كام خطوة، ووقفت قدام عمارة قديمة نسبياً، فيها روح البيت…
لمست بطنها وقالت:
"بصوا يا حبايبي… ده بيت ماما القديم، وهنا كنت ساكنة، وده…"
بصت فوق، وقالت والدموع بتلمع في عينيها:
"دي كانت شقة طنط إيمان… صاحبة قلب من دهب، أمكم كانت بتحبها جدًا، وهى كانت الأخت اللى ربنا ما كتبهاش لي…"
قربت من باب الشقة وابتسمت وهي بتاخد نفس عميق:
"يلا بينا، هندخل نزور مامتها… لازم تعرف إن في قلوب لسه بتفتكر بنتها وبتدعي لها."
وبصوت حنين، وهمس للأيام:
"وحشتينا يا إيمان… بس وعد هساعدك ترجع ليهم "
رهف طلعت على السلم بتنهيدة، قلبها بيخبط بسرعة، مش قادرة توصف إحساسها…
وقفت قدام باب شقة أم إيمان، خبطت خبطتين بخفة، وبعدها الباب اتفتح بهدوء…
أم إيمان، ست كبيرة، شعرها فيه خصلات بيضا، ووشها طيب، فتحت الباب وهي مستغربة، ولما شافت رهف، اتجمدت لحظة.
رهف ابتسمت بخجل:
"أنا… رهف، كنت صاحبة إيمان… فاكراني؟"
عنينا الست دمعت فورًا، حضنتها بقوة وقالت بصوت مهزوز:
"رهف! يا بنتي! دي إنتي كنتي أكتر واحدة إيمان بتحبها… تعالي، تعالي يا حبيبتي."
دخلت رهف وعيونها بتلمع، قعدوا في الصالون، والست جابت عصير، لكن رهف قالت فجأة بصوت فيه رهبة ولهفة:
"هو ممكن تكلميها ؟… يعني، اتصلك بيها ؟
أم إيمان ما اتكلمتش، …
اتصلت رهف وحطت التليفون على ودن أم ايمان
رن مرة…
رن تانية…
و"ألو" بصوت ضعيف اتسمع.
"أيوه… معايا؟"
وصوت إيمان جالها، مهزوز من البكا، دافي وناشف في نفس الوقت:
"ماما…
أنا… إيمان."
الست شهقت، وقامت واقفة، قلبها وقع مكانه، الدموع غرقت عيونها، والموبايل وقع من إيدها، مسكته بسرعة وقالت بصوت بيرتعش:
"إيمان؟!
إيمان يا بنتي؟!
إنتي فين؟!
إنتي عايشة؟!
ليه سكتّي كل ده؟!
ليه سبتيني؟!"
إيمان حاولت تتماسك وقالت:
"ماما… سامحيني…
غصب عني… أقسم بالله غصب عني…
كنت مجبورة… كنت محبوسة جوّه ناس مش بترحم… بس قلبي معاكي كل لحظة."
الست قعدت على الأرض، وشها في الأرض، ودموعها نازلة بحرقة:
"كنت بموت كل يوم يا إيمان…
كل يوم بنده اسمك ومفيش رد…
كنت بحضن هدومك وأنام عليها…
ليه يا بنتي؟ ليه؟"منه لله أبوك أخدك منى
إيمان بدأت تنهار، وقالت بصوت مخنوق:
"أنا كمان كنت بموت كل يوم…
بس وِعد، مش هسكت تاني…
رهف جنبك دلوقتي، خليها تديكي الموبايل،
هتفتحه واتساب، وهبعَت لك منه كل يوم،
رسائل، صور، صوتي… أي حاجة تطمنك…
بس إوعي تقفلي الباب… إوعي تعتبري إني بعدت عنك بإرادتي."
الست خدت الموبايل من رهف وهي بتبكي:
"أنا مش هقفل…
أنا عمري ما قفلت…
أنا مستنياكي من سنين يا إيمان…
بس أوعي تتأخري تاني… قلبي كبر على الوجع."
رهف قعدت جنبها، ومسكت إيدها بهدوء:
"هي بتحبك… بس الظروف كانت أقسى من الخيال…
دلوقتي هي بتدور على حضنك، زي ما انتي كنتي بتدوري على صوتها."
---
الست مسحت دموعها وهي بتفتح الموبايل، قلبها بيرتعش، أصابعها مش ثابتة، كأنها أول مرة تمسك تليفون في حياتها. رهف قربت منها، وفتحت لها تطبيق الواتساب، وقالت لها بهدوء:
"هنا… هنا يا طنط، هتلاقي اسمها…
هتلاقي إيمان…
ابعتيلها أي حاجة، حتى نقطة، هي مستنياكي."
الست قربت وشها للموبايل، وشافت صورة بنتها…
وشها… عيونها… نفس الضحكة، بس فيها وجع أكتر.
أول رسالة كتبتها كانت بسيطة جدًا، لكنها هزت الدنيا في قلب إيمان:
"أنا مش قادرة أصدق إنك لسه عايشة…
قلبي بيرجع ينبض من تاني…
يا بنتي، وحشتيني أوي يا إيمان…
كل حاجة حواليّا كانت بتنده اسمك،
الحوائط، السرير، هدومك، حتى صمت البيت."
وبعد ثواني… جات الرسالة الصوتية من إيمان، بصوتها المبحوح والمرتجف:
"ماما…
أنا ببعت لك وأنا قلبي بيرتعش…
صوتك رجعني طفلة تانية…
كنت كل ليلة أحلم بحضنك،
كنت بمسك الأرض وأنام كأني نايمة في حضنك.
سامحيني على كل لحظة وجع،
أنا هرجع…
وهنعوض السنين… والله هنعوضها."
الست فضلت تسمع الرسالة مرة ورا التانية، ودموعها بتنزل من غير ما تحس،
وكل ما تنزل دمعة، كانت رهف تمسحها بإيدها، وكأنها بتخفف عن قلب الأم شوية من النار اللي شبت فيه.
في نفس اللحظة، كانت إيمان قاعدة في ركن صغير من بيتها المؤقت،
بتحضن التليفون كأنه وش أمها…
وقالت بصوت هامس:
"استنيني يا ماما…
أنا راجعة… ولو بروحي بس، هرجع لك."
---
رجعت رهف ببصّتها لمومن، وهمست بصوت ناعم:
"نسميهم… حياة وميرت."
مومن سكت لحظة، وعيونه كانت بتلمع وهو بيبص لوش التوأم… وبعدين بص لرهف بابتسامة كلها دفء ودهشة:
"حياة… اسم جميل، تنور دنيتنا بضحكتها…
ميرت؟ اسم جديد… معناه إيه؟"
ابتسمت رهف بحنان وهمست:
"ميرت اسم تركي… معناه الشجاع، الصادق، اللي قلبه نضيف… كنت عاوزة اسميه كده عشان يكون زيه."
ضحك مومن بخفة وقال وهو بيحضن إيدها:
"اللي هيكون سند حياة في كل خطوة… بس المشكلة إن بتاع الصحة افتكرني بألحن الاسم!
قاللي: ميرت إيه؟ إنت لدغ؟
فـ أحسن نسميه مراد، اسم عربي واضح، ومعناه القصد والنية… وده اللي إحنا عاوزينه لولدنا، يكون له نية طيبة وقلب قوي."
رهف ضحكت، وقالت وهي بتبص للتوأم:
"يبقى حياة ومراد… يا رب يكونوا من اسمهم نصيب."
مومن قرب منها، حضنها بحنان وقال:
"مبروك علينا يا رهف… مبروك على عيلتنا الصغيرة."
وفي اللحظة دي دخلت مامت إيمان، ووشها منور بالفرحة، وقالت وهي بتقرب من السرير:
"ألف حمد لله على سلامتك يا بنتي…
إيمان طلبت منّي أكون جمبك،
وأفضل معاكي لحد ما تقومي بألف سلامة."
رهف حضنتها… وفي عنيها كانت دمعة… مش دمعة وجع،
دي دمعة حب وامتنان وسكينة،
وكأن القدر بيعوضها بلحظة أمان ماكنتش بتحلم بيها.
قربت من رهف ومسكت إيدها بحنان:
مش عارفه أشكرك على معروفك ازى يا بنتى
"ألف حمد لله على سلامتك يا بنتي…
إيمان طلبت منّي أكون معاكي،
وأفضل جمبك في كل لحظة… لحد ما تقومي بالسلامة."
رهف حضنتها، ودمعة صغيرة نزلت من عيونها، دمعة امتنان ودفء وارتياح…
وكان في اللحظة دي، كل حاجة حوالين رهف بقت أهدى،
وكأن وجود أم إيمان كان طبطبة من السماء.
كان أول مرة يشوفها مومن …
وقف قدام باب الأوضة، وعيونه وقعت على السيدة الكبيرة اللي بتساعد رهف تهز الطفل الصغير، والتانية بتغير لحياة. قلبه دق لحظة، حسّ إنها مش غريبة… بس انسحب بهدوء من غير ما يسأل.
مش وقته يسأل، كفاية اللي في قلبه.
استمرت أيام رهف ما بين راحة ودلع، وعبء كبير واقع على كاهل الست الكبيرة، وأم إيمان اللي كان عندها إحساس غريب، كأنها بترد دين قديم لحد غالي.
رهف كانت بتصحى متأخر، وتسيب الولاد للستين، بحجة إنها تعبانة أو مش نايمة كفاية.
مومن كان بيرجع من شغله يلاقي البيت هادي، بس مش منظم… يلاقي حياة نايمة على صدر أم إيمان، ومراد بيعيط في حضن التانية، ورهف لسه بتجهز نفسها عشان تنزل النادي أو تقابل صاحبتها.
وفي كل مرة، بيكتم غضبه… ويعدي.
بس السؤال بيكبر جواه:
هل دي الأم اللي كان بيحلم إنها تشيل البيت والولاد معاه؟
ولا اتسرع لما صدق إن التغيير كان حقيقي؟
وكان في قلبه حاجة مش قادر يواجهها، كأنه بيهرب من لحظة الحقيقة… زي ما هرب من السؤال وقت ما شاف الست اللي شبه حد من ذكرياته.
في بيت مومن…
كانت الشقة مليانة دفء، صوت ضحك "حياة" وهي بتلعب مع جدتها، وصوت بكاء "مراد" وهو في حضن مامت رهف، الكل بيتحرك حوالين الأطفال بحنية، كأنهم أغلى ما في الدنيا.
دخل أبو مومن، وهو شايل معاها هدايا، ووشه مليان شوق.
قعد جنب ابنه، وبص على الأحفاد وهو بيضحك:
"سبحان الله… هما فعلاً واخدين منك كتير يا مومن."
ضحكت مامت مومن: "الحمد لله، ربنا يحفظهم… رهف وأهلها شايلين معاهم الحمل كله، وبنقضيها سوا."
كانت القعدة لسه فيها دفء، وضحك خفيف بيخرج من قلب الستات وهما بيحكوا عن أيام زمان.
مومن وقف بهدوء، وخبط خفيف على طرف الترابيزة:
مومن (بابتسامة مجاملة):
"عن إذنكم… عندي شغل الصبح بدري، ولازم أروح المكتب أرتب شوية حاجات."
والدته (بقلق بسيط):
"مش هتبات هنا؟ خلاص خلّيك يا ابني، البيت منور بيك."
مومن (بهدوء):
"هبات في المكتب، أريح دماغي شوية هناك… وبلاش تقلقي، هكلمك لما أوصل."
سلم عليهم واحد واحد، وبص لرهف نظرة سريعة… فيها ألف علامة استفهام، بس مخبيها ورا وش ثابت.
ركب عربيته، ومشي من غير كلام كتير.
دخل مومن مكتبه، شال البدلة ورماها على الكنبة، وفتح زرارين من قميصه.
الهدوء كان سيّد المكان.
فتح الشباك، سحب نفس طويل، وبعدين قفله تاني، وسحب الستارة…
راح ناحية الكرسي، قعد شوية، وبعدين قام، دخل الأوضة الداخلية اللي فيها السرير.
تمدد على السرير، وبص للسقف… وساب كل حاجة تسكت.
الأنوار خافتة، والمكتب ساكن… بس دماغه كانت صاخبة بأسئلة مش لاقي لها إجابة.
غمض عينه، وقال في سره:
"ليه كل ما أفتكر إن الحكاية خلصت… أكتشف إنها لسه بتبتدي؟"
وغط في نوم هادي… يمكن يلاقي إجابة في الحلم.
....
قربت مامت رهف من الراجل، وسلّمت عليه بحفاوة:
**"أهلاً وسهلاً بيكم أعرفكم … ده ، زى اختي في الله… ربنا جبر بخاطرنا ببناتنا."
سأل الأب بهدوء وهو بيبص في وش أم إيمان:
**"حضرتك حاسس انى شوفتك قبل كده ؟"
هزّت راسها بابتسامة فيها وجع:
**"أيوه… أنا كنت في الحي وبنتى اسمها ايمان كانت زميلة ل أولادكم فى المدرسة بس مشوفتش بنتي بقالي سنين… كانت بنتي الوحيدة، وخدوها مني… مرة واحدة لقيناهم نقلوها من مصر على سوريا، وبعدين على تركيا، وهناك… حبسوها، اتجوزت واحد منهم… ومن ساعتها معرفتش عنها حاجة، غير بس من رهف."
سكت الكل، لكن الراجل حس بشيء…
صوت الأم… الاسم… إيمان…
**"اسم بنتك إيمان؟ إيمان عبد السلام؟"
اتسمرت الست مكانها:
**"أيوه… تعرفها؟"
**
**بكت أم إيمان بحرقة:
"دي بنتي… دي إيمان… كانت تبعتلكم جوابات زمان ل فى شنطة أصدقاء ليها أو أقدم بيتك … ولما خدوها، كنت حاسة إنها مش ناسية بلدها ولا أهلها."
**مد إيده أبو مومن ومسح دمعتها:
"بنتك شريفة… اللي عملته واجب علينا نحافظ عليه.
وأنا لازم أرجّع حقها… وحقك."
تمام يا قلبي، جهزتلك مشهد قوي ومُصاغ دراميًا، يبيّن جدية الوضع وفضول مومن من غير ما يقتحم التفاصيل، وفي نفس الوقت يحطّ تمهيد جميل لتطور الأحداث:
بعد يومين – في مكتب مومن…
كان مومن بيقلب في الملفات، وبيحاول يركز في شغله الجديد، لكن عقله مشغول بكلام والدته عن الست الكبيرة اللي شافها، واسم "إيمان" اللي اتكرر أكتر من مرة.
دخل عليه أبوه "محمد" وهو باين عليه مهموم.
محمد (بجدية):
"مومن… محتاج منك خدمة، وعاوزك توصّلني بظابط أمن دولة… حد ثقة."
مومن (مستغرب):
"خير يا بابا؟ في حاجة؟"
محمد (بص له بحدة):
"من غير أسئلة يا مومن… لو بتحب أبوك وبتثق فيّ، اعملي اللي بقولك عليه، بس بسرعة."
سكت مومن لحظة، وبعدين قال:
**"حاضر… هكلم الأستاذ سامي، كان معايا في التدريب، واتنقل مؤخرًا على الجهاز."
في نفس اليوم – في مكتب أمن الدولة…
قعد "محمد محسن" قدام الضابط سامي، ووشه كله جدية وإصرار.
سامي (بهدوء):
"تشرفنا يا أستاذ محمد… مومن كلّم عنك كتير. خير؟"
محمد (بص في عينه):
"أنا جاي أتكلم عن بنت… أبوها كان فى تنظيم وباع بنته ، وغُسلوا دماغه ، واترمت في وسط تنظيمات إرهابية.
بس… البنت دي – من جواها – كانت بتنقذ البلد وهي وسطهم.
كانت بتبعتلي رسائل، على رقمي الشخصي…
تنهد وهو بيخرج موبايله القديم من جيبه، وفتح صورة رسالة قديمة وهو بيتكلم مع
" ظابط أمن دولة سابق، وبيبلغه جالي رسائل كتير من رقم مجهول. كل مرة بيحصل هجوم أو خطر… ألاقي رسالة قبلها بيوم أو ساعات.
وكل مرة كنت بقول… اللي بيبعتلي دي، إما ملاك… أو حد عنده قلب كبير قوي.
وفي مرة الرسالة كان فيها اسم الشهيد اللي هيتصاب… والمكان… والساعة.
مقدرتش أمنع العملية، بس أنقذت أرواح ناس تانية… وفي آخر رسالة، جات من تركيا، وبتقولي فيها:
أنا ماليش ذنب… بس عاوزة أخلّي البلد دي آمنة… مش عاوزة غير أمي تعرف إني عايشة.
ومن يومها الرسائل وقفت."
عايز أساعدها ممكن
خائنة خلف جدران الحب
الكاتبة صفاء حسنى
الفصل ١١
فى مكتب ظابط الأمن الوطني - إضاءة خافتة، وأوراق مبعثرة، والصمت مسيطر إلا من صوت أنفاسهم
محمد (والد مومن) قاعد قدّام الضابط، ماسك الموبايل القديم في إيده، وبيتكلم بصوت هادي لكنه مليان وجع:
محمد:
"تنهدت وأنا بفتح الرسالة الأخيرة... الرسالة دي مخرجتش من دماغي، ولا من قلبي... الرسالة الوحيدة اللي خلتني أبكي، رغم كل اللي شوفته."
الضابط - بيبص له باهتمام:
"رسالة من تركيا؟"
محمد - يومي برأسه وهو بيطلع الموبايل ويفتح صورة الرسالة:
"أيوه... شوف بنفسك. كانت بتقولي:
(أنا ماليش ذنب... بس عاوزة أخلّي البلد دي آمنة، مش عاوزة غير أمي تعرف إني عايشة.)
وفي الآخر كتبت:
(لو في يوم وصلتلك الرسالة دي، اعرف إني حاولت بكل طاقتي أنقذ أرواح، حتى لو محدش عرفني... حتى لو أمي افتكرتني مت."
الضابط - بعد لحظة صمت، بص له بتركيز وقال:
"وإنت شاكك في مين؟"
محمد - بصله بعين حزينة وقال:
"هي بنت... كانت بتوصل المعلومة، كل مرة، من غير ما تطلب حاجة... لا اسم، لا أمان، لا مقابل."
الضابط - بهدوء وبنبرة رسمية: "لو هي لسه عايشة، يبقى علينا نحميها مش نحاكمها.
إحنا مش ضد حد بيحب البلد... بالعكس، دي رسالة أمانة، ولازم توصل."
محمد - اتحشرج صوته وهو بيكمل:
"كل اللي عاوزه... أوصلها لأمها.
مش طالِب غير كده."
الضابط - وهو بيقوم من مكانه ويمد إيده:
"هات كل اللي عندك... الرسائل، الأرقام، والتواريخ.
وعد مني، هنوصلها... ونوصل أمها ليها."
مومن داخل الشقة، مرهق من الشغل، شايل شنط، يفتح الباب ويلاقي البيت هادي جدًا، بس مفيش أثر لرهف، ولا حتى ريحة أكل.
يحط الشنط، ويفتح التلاجة يلاقي كل حاجة بردة، يسحب موبايله ويتصل.
مومن (بحدة):
"إنتي فين؟"
رهف (بصوت عادي):
"في النادي... مع ماما والبنات، قلت أغير جو شويه."
مومن (نبرة فيها خيبة أمل وديقة):
"إنتي أم فاهمة؟ ولا مش فاهمة؟
كل يوم نادي... كل يوم خروج... والبيت فاضي!
وأنا راجع من شغلي ملاقيش حتى لقمة أكل؟!"
رهف (بتحاول تضحك وتخفف الجو):
"يا سيدي ماما كانت موجودة، ولما لاقتني متضايقة من ضغط العيال، قالتلي أخرج أغير جو... أنا مش بتهرب، بس فعلاً مبقدرش أتحمل لوحدي."
مومن (نفخ بضيق، وصوته بدأ يهدى بس فيه غُصة):
"وأولادك؟ سايبهم لمين؟
إنتي عايزة تعيشي نفس العيشة اللي عيشتها؟
اللي اتربى من غير ما يحس بحضن أمه؟
إنتي حتى حرمتِهم من لبنك، وحاطّاهم على الصناعي، وطول الوقت والدتك هي اللي بتراعيهم..."
رهف (بصوت منخفض لكن فيه غيظ):
"هو ده اللي مضايقك؟
أنا مش مقصّرة، والأكل هيتسخن في خمس دقايق..."
مومن (وقف، وبص لها بعيون مجروحة):
"لا... اللي مضايقني إنك مش شايفة!
بدأت أحس إني عايش لوحدي... حتى وإنتِ موجودة، بحس إنك مش هنا...
فاكرة لما وعدتيني تتغيري؟ تبقي شريكة حياة... مش ضيفة!"
رهف (ترد بخفوت):
"أنا بحاول يا مومن..."
مومن (قاطِعها وهو بيقوم واقف):
"إنتي بتحاولي تحافظي عليا...
بس مش علينا!
فيه فرق كبير...
وبينّا دلوقتي في مسافة...
مسافة بتكبر كل يوم، وكل يوم بحس إنك مش شايفاها، أو يمكن مش فارق معاكي."
رهف (عيونها لمعت بالدموع):
"يعني خلاص؟"
مومن (اتنهد، ومسك موبايله وهو بيتجه ناحية أوضته):
"أنا راجع أوضتي... مش قادر أتكلم أكتر من كده دلوقتي.
اتصلي بمامتك تجيب العيال...
أولادك بيضيعوا يا رهف،
وفي يوم هيسألوك:
كنتِ فين يا ماما...؟
ومش هيلاقوا إجابة."
يختفي مومن وراه باب الأوضة، ورهف تفضل واقفة في نص الشقة، مابين دموعها، وصوت بكاء التوأم اللي بيزيد من وجع قلبها.
رهف قاعدة على الكنبة، باين عليها الانهيار
ورهف مسكة موبايلها، بتتصل بمامتها
رهف (بصوت مكسور):
"ماما... هآتى حياة وميرت بسرعة ... مومن قفل على نفسه راضي يتكلم معايا وزعلان انى رجعت من غيرهم ..."
بعد شوية... يتفتح الباب، وتدخل الأم والأب، تبص الأم
صوت التوأم بيبكوا
رهف وتحتضنها وهي بتعيط، والأب واقف بيبص لها بعتاب
رهف (في حضن أمها):
"يا بابا... مومن بقى يكرهني...
بيتهمني إني مش أم!
وأنا والله بحاول..."
الأب بيقرب منها وبيمسك إيدها، وبيقعد قدامها على الكرسي:
الأب (بهدوء لكنه حاسم):
"محدش قال إنك مش أم يا رهف...
لكن كل اللي حواليك شايفين إنك مش جاهزة تبقي أم فعلاً...
البيت، والطفلين، والزواج، مش لعبة...
آه إحنا عارفين إن الحمل تقيل... وعارفين إن التوأم مش سهل... بس...
إنتي اتعودتي على إن المسؤلية مش عليكي،
كل ما تضغطي، تروحي النادي... تخرجي مع صحابك...
حتى بعد الجواز، مديتيش لنفسك فرصة تتعلمي، ولا تبقي ست بيت."
رهف (بدموع):
"أنا مش قصدي... بس أنا تعبت..."
الأب (بصوت فيه مرارة):
"التعب مش مبرر للتهرب يا بنتي...
أنا وأمك كنا كل يوم نقول: رهف هتكبر، رهف هتتعلم...
بس مفيش...
الدلع فضل يغلب...
وجيتِ الجواز، واستغليتي حب مومن ليكي...
وسبتي أمك تشيل الحمل..."
الأم (اتكسفت شوية):
"أنا كنت بساعدها يا حاج..."
الأب (بص لها):
"كنتي بتساعديها؟
ولا كنتي بتبرري لها الكسل؟
فاكرة لما كنت أعاتبك وأقولك علميها تطبخ وتقوم بشغل البيت؟
كنتِ تقولي إيه؟"
الأم (اتكسفت أكتر، بصوت واطي):
"كنت بقولك... هو نفس الأكل، بس بدل ما نعمله لاثنين، نعمله لأربعة..."
الأب (بحزم):
"وهو ده اللي خلى بنتنا النهاردة مش قادرة تبقى أم...
ولا زوجة...
ومومن، رغم كل حبه، وصل لمرحلة مش قادر يشيل لوحده."
رهف (برعشة دموع):
"أنا بحبه يا بابا... ومش عايزة أخسره."
الأب (بهدوء):
"لو عايزة تحافظي عليه... ابتدي بنفسك.
خدي خطوة حقيقية، مش وعود...
مفيش جواز بيكمل على الحب بس...
فيه جواز بيعيش بالمسؤولية، وبالوعي، وباللي يشيل مع اللي بيحبه مش فوقه."
الأم (حضنت رهف):
"هنفضل جنبك يا حبيبتي...
بس لازم تبقي قد بيتك...
عشان ولادك... وعشان نفسك."
رهف سكتت، وبصت في الأرض، وعينيها بدأت تلمع بنظرة ندم مختلفة... نظرة بداية جديدة.
---
مومن قاعد لوحده على كرسي بلاستيكي
يدخل أبو رهف، ويقعد جنبه، بعد ما يطمن على بنته
الأب (بهدوء وهو بيصبله كوباية شاي):
"تشرب يا بني؟ ولا لسه متضايق؟"
مومن (بيتنهّد):
"مش زعلان يا عمي... بس تعبت... حاسس إني بشيل لوحدي."
الأب (بيهز رأسه بتفهُّم):
"عارف يا مومن... وعارف كمان إن الحمل تقيل...
بس فاكر أول مرة جيت تطلب إيد رهف؟
فاكر أنا قلتلك إيه؟"
مومن (بص له بحذر):
"قلتلي استنوا شوية...
رهف لسه متدلعة ومتعتمد على أمها في كل حاجة، وده هيبقى ضغط عليك."
الأب (ابتسم بمرارة):
"بالضبط...
وإنت ساعتها وعدتني...
قلتلي: أنا قدها...
أنا اللي هعلمها تبقى زوجة...
وهستحمل لحد ما تكبر وتفهم."
مومن (بص في الأرض، وسكت شوية):
"كنت فاكِر إني هقدر... بس التعب كتر عليا."
الأب (بص له بنظرة أب مش بيعاتب، لكنه بيوجه):
"أنا مش بلومك يا مومن... بس الراجل الحقيقي...
مش اللي يشيل يوم ولا اتنين...
الراجل اللي يشيل ويعلّم، ويصبر، ويعيد من أول وجديد...
عارف إن رهف مدلعة...
بس دلع البنت بيتقوّم بالحب، مش بالصوت العالي."
مومن (بص له بنظرة فيها شجن):
"بس أنا حاسس إني لوحدي... هي حتى مبقتش تحاول."
الأب (بإصرار وحنية):
"بتحاول يا مومن... بس بطريقتها...
وبعدين، لو كل واحد فينا استنى شريك حياته يتغير لوحده، عمرها البيوت ما عمرت.
إنت مش واخد واحدة جاهزة...
إنت واخد بنتنا عشان تبني معاها...
ولازم ترجع تبص لها بعين الراجل اللي حبها من البداية، مش بعين الراجل اللي تعب."
مومن (بهمس):
"بس أنا فعلاً تعبت."
الأب (بيحط إيده على كتفه):
"واللي بيتعب، يرتاح شوية... بس مايسيبش المركب تغرق.
إنت رجل البيت...
ولما الراجل يستسلم، الست بتضيع، والولاد بيتوهوا."
مومن سكت، وبص في الشارع، وعينيه بدأت تدمع شوية، كأنه بيعيد حساباته...
---
بعد ما دخلت رهف غرفتها بعدت رساله ل إيمان، وحكيت كل حاجه حصلت
---
ارسلت رساله ايمان
"يا رهف...
أنا عارفة إن الدنيا دايرة بيكي، وحاسة إنك تايهة شوية...
بس عايزة أقولك حاجة من قلب واحدة بتحبك...
لو بتحبي مومن بجد، لازم تتعلمي تعيشي معاه... مش تعيشي جنبه.
كل واحد فينا عنده عيوب، بس الفرق إن اللي بيحب بيحاول، وبيتعلم، وبيتغير مش عشان حد بيجبره... لأ... عشان مش عايز يخسر اللي بيحبه.
وإنتِ يا رهف... جميلة، ونضيفة القلب، وكلنا عارفين إنك مدلعة شوية، بس ده مش عيب... العيب إنك تفضلي كده وما تحاوليش.
أنا معاك...
عايزة أطبخ؟ أصورلك كل خطوة...
مش عارفة تهتمي بالبيت؟ أقولك تعملي إيه يوم بيوم...
وإن شاء الله هرجع، وأكون معاكي، بس لحد ما ده يحصل...
كوني إنتي الست اللي مومن يستاهلها.
جميلك على راسي...
وواجب عليا أساعدك تبقي أحسن... مش بس علشانك...
علشان ولادك... علشان بيتك...
وعلشان الحب اللي بينكم مايضيعش."
---
الظابط محمود: مسؤول التحقيق في قضايا التنظيم
اللواء سالم: مسؤول كبير
محمد محسن: والد مومن
أحد المحققين
الضباط المكلفين بمتابعة خيوط القضية
الظابط محمود (بتركيز):
"كل الرسايل دي، من رقم مجهول واحد... من أكتر من سنتين، وبتسبق كل عملية إرهابية بيوم أو ساعات.
واللي أغرب... إن المعلومات كانت دقيقة، بالمكان والساعة، وحتى أسماء الشهداء أحيانًا.
دي مش مجرد تحذيرات، دي شغل استخباراتي نظيف."
اللواء سالم (بصوت حاسم):
"يعني متأكد إن المصدر دا كان من جوه التنظيم؟"
الظابط محمود:
"مش بس من جوه... دا كمان بيحاول يفككه من جواه. وبحسب تتبعنا... آخر رسالة جت من تركيا... وبعدين كل حاجة وقفت."
محمد محسن (وهو بيقلب في رسايل ورقية):
"أنا مشفتهاش... لكن حاسس إني عرفتها... في مرة جاتلي رسالة بتقولي:
أنا ماليش ذنب، بس نفسي البلد تكون آمنة... ونفسي أمي تعرف إني لسه عايشة.
من يومها... الرسائل وقفت."
اللواء سالم (ينظر له باهتمام):
"اسم البنت؟"
محمد (بصوت متردد):
"اسمها إيمان... وكانت قاصر لما غرروا بيها... بس كل الرسايل بتثبت إنها مش إرهابية، بالعكس... كانت بتحاول تنقذ البلد."
الظابط محمود:
"عملنا تقاطع لكل المعلومات اللي جت في رسايلها مع ملفات العمليات اللي حصلت... فعلاً أنقذت أرواح كتير. قبضنا على ٧٠٪ من قيادات التنظيم بفضل الرسايل دي."
اللواء سالم (بحسم):
"يبقى نفتح ملفها الرسمي... ونتأكد من هويتها المصرية... ونرجّع حقها."
الظابط محمود (بصوت منخفض):
"في مشكلة... إثبات جنسيتها خد وقت، مفيش أوراق رسمية معاها... لا بطاقة ولا جواز، لأنهم أخدوها وهي طفلة من أهلها وغسلو عقلها..."
محمد (بصوت فيه وجع):
"يعني هتفضل هناك؟"
الظابط محمود:
"لا... بس محتاجين نتحرك بسرعة... نرجّعها، مش بس كحق ليها، دا كمان للي قدمته للبلد. البنت دي لو كانت خافت... كانت ضاعت معاهم."
اللواء سالم:
"رجّعوها... وخلوا الدنيا كلها تعرف إن في بنت مصرية... أنقذت بلدها من بعيد، وهي في حضن عدوها."
---
بعد شهور من البحث والقبض على أعضاء التنظيم...
وصل لإيمان استدعاء رسمي من السفارة المصرية في أنقرة، مكتوب فيه:
> "برجاء التوجه فورًا إلى السفارة المصرية... للاستجواب والمتابعة الأمنية."
قلبها كان بيرفرف، إيدها بتتهز، وعينيها بتهرب من أي عين تقابلها...
كانت ماشية في الشوارع التركية بخوف، وبتفكر:
> "هو ده الطريق لنهايتي؟ ولا لبداية تانية؟
يعني بعد كل اللي عملته... هيتحاسبوني؟
ولا هيصدقوني إني كنت بحاول أحمي بلدي؟!"
---
داخل السفارة، في غرفة التحقيق:
ضابط الأمن المصري بصّ ليها بنظرة فاحصة، وفتح الملف الضخم اللي قدامه.
الضابط (بنبرة هادية بس حاسمة):
"إيمان محسن عبد الغفار؟
مصريّة، ٢٦ سنة، مقيمة في غازي عنتاب،
مشتبه في انتماء سابق لتنظيم إرهابي...
وفي نفس الوقت... في رسايل من رقمك أنقذت أرواح، وكشفت عمليات."
إيمان (بصوت مرعوب وواطي):
"أنا... أنا كنت مجبورة... بس عمري ما خنت مصر...
كل رسالة بعتها كانت وأنا قلبي بيتقطع...
أنا كنت واحدة منهم من برّا... بس من جوّا، كنت مصر كلها."
الضابط (بعد لحظة صمت):
"عايزين نسمع قصتك... كاملة.
من أول لحظة دخلتي فيها التنظيم... لحد آخر رسالة بعتّيها."
إيمان (وهي بتشد نفس عميق):
"هقولكم كل حاجة...
---
تغلق عيون إيمان وهي بتدمع، والضابط وبيقول:
> "
الضابط المصري (وهو بيبص في الملف):
"احكيلي يا إيمان... إزاي وصلتِ لده؟"
إيمان (بصوت مبحوح وعنيها بتلمع):
"أنا ما اخترتش أكون بنت أبويا...
هو كان في التنظيم، وأنا من صغري ماشية ورا أوامره...
كنت لسه مخلّصة الثانوية، فجأة قالولي اتجهزي...
اتجوزت دكتور، وكتبوا كتابي وسافرنا على سوريا... غصب عني."
الضابط (بيهز راسه ويفتح ورقة تانية):
"وفين جوزك الدكتور؟"
إيمان (بتتنهد بمرارة):
"سمعت إنه استُشهد هناك...
في معركة ضد جيش بشار...
بس ما شفتوش من يوم ما نزلنا المعسكر."
الضابط (بهدوء):
"ووالدك؟"
إيمان (هزت راسها بالنفي):
"مات... لما افتكر إني استُشهدت...
كان شايفني نقطة شرفه، ولما فقدها، فقد حياته."
الضابط (وهو بيقلب في ملف تاني):
"في تحليل البصمة أثبتتي إنك مصرية،
بس محتاجين دليل تاني...
عملتي كشف طبي في مصر؟"
إيمان (بثقة مهزوزة):
"آه... في المدرسة، وكمان كشف قبل الجواز...
كان فيه تحليل دم كامل."
الضابط (واقف وبيقرب منها):
"يعني انكتب كتابك في مصر؟"
إيمان (بإيماءة هادية):
"آه... قبل ما يسفروني، كتبوه بسرعة وخرجت...
من يومها وأنا بين نارين... مش عارفة أنقذ نفسي ولا أنقذ بلدي."
الضابط (وهو بيقفل الملف ويقوم):
"تمام... هنعمل تحاليل تكميلية،
ونراجع كل ورقك،
وإذا اتأكدنا...
هترجعي مصر."
باب شقة والدة إيمان بيخبط بخفة...
الست الكبيرة بتفتح وهي مش متوقعة أي زائر.
تلاقي بنتها واقفة قدامها...
وشها متغير... نحيف، لكن عينيها زي ما هي...
نفس العيون اللي كانت بتدعي تشوفها يوم واحد بس.
إيمان (بصوت مكسور):
"ماما... أنا رجعت."
الأم (بهمس، مش مصدقة):
"إيمان؟... إيمان؟!"
تترعش رجليها، وتحط إيدها على صدرها...
وتقع في حضن بنتها، ويغمى عليها من الفرحة.
إيمان (بفزع):
"مامااااا!!"
إيمان بتجري وهي بتسند والدتها على تروللي إسعاف، بتلهث ودموعها ما بتقفش.
الممرضين بياخدوها بسرعة على الطوارئ...
في نفس الوقت، في نفس المستشفى...
رهف كانت خارجة من غرفة التطعيم، شايلة حياة، ومومن شايل مراد ...
رهف (بتكلم الممرضة):
"الحقنة خفيفة؟ عشان مراد بيعيط."
الممرضة (بابتسامة):
"ما تخافيش، كل حاجة تمام."
وفجأة...
رهف تشوف من بعيد...
حد بيجري في الطرقة...
وشخصين على تروللي، واحدة شابة منهارة...
رهف بتضيق عينيها... ووشها بيتغير.
ترفع إيدها تحجب الضوء وتبص كويس...
"إيمان؟!!"
رهف بتتجمد في مكانها، وبعدها تبص لمومن اللي مش واخد باله،
وتهمس لنفسها بخوف:
"يا رب ما يشوفها..."
الحلقة 12 بدون لينك
اقتربت رهف من مومن وسلمته الطفلين وقالت
حبيبي معلش ممكن تسبقينى على العربية هسأل على حاجه
هرجع بسرعة،!"
يتفهم مومن وياخد أطفاله ويتجه إلى العربية ويضع الشنط إلا فيها الاطفال في الكرسي الخلفي
عند رهف تجري ناحيتهم، تلاقي ام ايمان فوق سرير في حالة مستقرة،
وإيمان قاعدة جنبها، ملامحها مرهقة، ووشها غرقان دموع.
الفصل 12
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
رهف (وهي داخلة بصوت باكي ومش مصدقة):
"إيمااااان!!!"
إيمان تقوم بسرعة، وعيونها تدمع من جديد، تحتضنها بقوة.
رهف (بأحضان ودموع):
"وحشتيني... أقسم بالله وحشتيني.
أنا آسفة، جوزي هنا، وإنتِ عارفة طبعه ومينفعش يشوفك فجأة.
بس والله... والله مشتقالك من قلبي."
إيمان (بهدوء وهي تهز رأسها):
"فاهمة يا رهف... كفاية إنك هنا... كفاية حضنك ده."
والدة إيمان (بصوت ضعيف وهي بتفتح عينيها):
"ده مش حلم؟ إنتي رجعتيلي بجد؟"
إيمان (بابتسامة دامعة):
"رجعتلك يا أمي... وربنا ما يحرمنا من بعض تاني."
رهف تمسح دموعها وتبوس إيد الست الكبيرة:
**"الحمد لله إنك بخير...
أنا هروح دلوقتي عند مومن قبل ما يقلق...
بس هرجعلكم تاني... ومش هسيبك يا إيمان."
رهف قاعدة جنب مومن في العربية، ماسكة شنطة فيها حاجات التوأم، وباين عليها متوترة شوية...
تتنحنح وهي بتحاول تفتح الكلام:
رهف (بهدوء):
"ممكن أطلب منك طلب؟"
مومن (وهو سايق، ومركز في الطريق):
"خير؟"
رهف (بصوت واطي):
"أنا كنت بفكر... التطعيم ممكن يعمل سخونية لحياة ومراد ...
وأنا مش هعرف أتعامل لوحدي، خصوصًا لو الاتنين تعبوا مع بعض."
مومن (بصوت عادي، من غير ما يبص لها):
"ماشي... يعني؟"
رهف (بتبص له في خجل):
"كنت بفكر أروح عند ماما... أقعد هناك النهاردة.
هي أكتر واحدة هتعرف تساعدني، ولو حد سخن أو تعب، هتبقى موجودة جنبي."
مومن (يتنهد بهدوء وهو بيعدل المراية):
"إعملي اللي يريحك، رهف."
رهف (بسرعة وهي بتحاول تمسك الفرصة):
"بجد؟ شكراً... أنا عارفة إنك تعبان، بس ربنا يجازيك خير."
الكاتبه صفاء حسنى
مومن (بصوت خافت):
"ربنا يجازينا كلنا..."
رهف (بتحاول تغيّر الجو، وتضحك ضحكة خفيفة):
"أوعدك لو تعبوا مش هصحيك، ماما هتسهر معايا."
مومن (بنظرة شبه مرهقة):
"أنا مش مزعلني السهر يا رهف... مزعلني إننا بقينا كل واحد في مكان."
سكتت رهف للحظة، وفضلت تبص من الشباك...
ما قدرتش ترد... لكنها حست بقلبها بيتكسر وهي شايفة قد إيه المسافة فعلاً كبرت ما بينهم.
---
العربية بتقف قدام بيت أهل رهف،
مومن ينزل يفتح الباب الخلفي وياخد شنطة الأطفال، ويسلمها لمامتها اللي كانت مستنياهم.
رهف نازلة وهي شايلة حياة، وميرت نايم في الكاري كوت.
تبص لمومن قبل ما يدخل العربية تاني:
رهف (بصوت ناعم):
"هكلمك أول ما يناموا."
مومن (بيومّي لها براسه):
"خلي بالك من نفسك... ومنهم."
يركب عربيته ويمشي، وهي واقفة تبص وراه،
وبين قلبها اللي بيضرب من خوف اللحظة...
وبين مشاعر ما بقتش عارفة توزنها.
---
الكاتبة صفاء حسنى
خاينة خلف جدران الحب
رهف قعدت على طرف السرير، بعد ما نام التوأم... قلبها مشغول، ومخها مش قادر يهدى من ساعة ما شافت إيمان.
مسكت موبايلها، وفتحت الواتساب، ودوس على اسم "إيمان"، وبدأت تسجّل بصوت فيه عتاب خفيف واشتياق:
رهف (بصوت منخفض، فيه زعل):
"إيمان... إزاي ترجعي ومتعرفينيش؟
أنا شفتك بالصدفة في المستشفى، تخيّلي!
ولا رسالة... ولا حتى تليفون؟"
تسكت لحظة، وتاخد نفس، وتكمل بنبرة حنينة شوية:
"أنا عارفة إنك أكيد مشغولة... بس والله اتصدمت...
اتصدمت إني شوفتك فجأة، ومش عارفة حتى إمتى رجعتي ولا إنتي فين دلوقتي؟
فينك يا إيمان؟"
تبعت التسجيل، وتفضل تبص للموبايل مستنية الرد... قلبها بيخبط، كأنها بتكلم أخت غايبة عنها بقالها سنين. وكمان خايفه لو مومن شافها إيه العمل يفتكرها وإلا
في اللحظة دي، تطرد كل أفكارها عينها تدمع شوية من الشوق، من إلا جاية وتحس قد إيه كانت محتاجة إيمان جنبها، خصوصاً الأيام دي لكن خايفة من بكرة .
---
خاينة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
---
🎧 تسجيل صوتي من إيمان لرهف:
"رهف...
ياااه، والله ما تتخيّلي قد إيه قلبي وجعني وأنا سمعت تسجيلك.
بس سامحيني... سامحيني يا أختي إني حطيتك في موقف زي ده...
أنا والله ما كان بإيدي."
(صوتها بدأ يرتجف شوية، تحاول تهدى وتكمل):
"أنا من يوم ما دخلت سفارة مصر في تركيا... وأنا من أمن لأمن، ومن تحقيق لتحقيق...
مرة مع الأتراك، ومرة مع المصريين، كل شوية ياخدوا تليفوني، ما كانش معايا وسيلة أكلم بيها حد.
حتى وأنا راجعة مصر، كنت على أعصابي... معرفتش أتنفس غير لما وصلت المطار."
(تسكت لحظة، كأنها بتلم نفسها):
"والله العظيم لسه راجعة من ساعة يا رهف، ساعة بس...
وحتى ماما لما شافتني، ما صدقتش...
وقعت من طولها، ضغطها عالي، وكان لازم أنقلها المستشفى فورًا."
(تتنهد بصوت خفيف):
"أنا آسفة، آسفة جدًا...
بس والله أول ما الدنيا تهدى شوية، هاجيلك...
وآخد حضن يشيل تعب السنين دي كلها.
وحشتيني أوي يا رهف... وحشتيني أوي."
---
بعدت تسجيل صوتي رهف لإيمان:
"يا قلبي إنتِ...
أنا اللى آسفة، والله، سامحيني إني زعلت انى كنت ف لحظة مجبورة اسيبك ...
تنهدت ايمان بقلق
عارفة كويس إنك عمرك ما هتغيبى عنى من غير سبب، وإنك دايمًا بتحملي الدنيا لوحدك.
بس يا رهف ... صوتك وجعني، حاسة بيك انك قلقان ..."
(نبرة صوت رهف ب قلق):
"طنط عاملة إيه دلوقتي؟ طمنيني عليها، ضغطها نزل؟
وانتوا لسه في المستشفى؟ ولا رجعتوا البيت؟
لو محتاجة أي حاجة، حتى لو تيجي تباتي هنا، قولّي، والله أجي لك فورًا."
شكرتها ايمان وقالت
لا يا قلبي متتعبيش نفسك كفاية عليك التوأم ربنا يعينك
(
"
الكاتبة صفاء حسنى
---
تتنهد رهف ):
وحشتيني يا إيمان، مش عارفة أقولك قد إيه...
أنا كنت محتاجة أشوفك من بدري، محتاجة حضنك،
"محتاجة صديقتي اللي عمري ما حسّيت بالأمان غير معاها...
قوليلي آنتِ فين وانا جاية فورًا... هسيب التوأم مع ماما وهاجى أطير ليكِ... مش قادرة أبعد أكتر من كده."
---
🎧 تسجيل صوتي من إيمان (بحنان وحزم):
"لااا يا بنتي، متتعبيش نفسك ولا تسيبي الولاد...
ماما بقيت أحسن والحمد لله، والدكاترة طمنونا...
وإحنا في طريقنا دلوقتي، وهعدي أنا وماما على طنط...
مش قادرة أتأخر أكتر، وحشتوني كلكم."
---
🎧 تسجيل صوتي من رهف (بضحكة دافئة):
"فكرة حلوة أوي...
منتظراكوا يا أغلى حد في حياتي...
هجهزلك الشاي اللي بتحبيه، وحضن كبير أوي مستنيكي..."
---
في مكتب مومن - الساعة قرّبت على العصر
كان مومن قاعد على مكتبه، سايب القلم من إيده، وعينيه تايهة في نقطة مش موجودة أصلًا... زهقان، ومش عارف هو زهقان من إيه.
عدى عليه زميله "نادر"، ومد إيده بكوباية قهوة:
نادر (بابتسامة):
"اتفضل... قول بقى، مالك؟ شايل هموم الدنيا على دماغك ليه؟"
مومن (ابتسم بفتور):
"مفيش هم... أنا تمام، والله."
نادر (بص له شوية وسحب الكرسي وقعد جنبه):
"عينك في عيني كده...
إنت يا ابني طفشان دايمًا من البيت... بتسهر هنا أكتر ما بتسهر مع مراتك!
أنا كنت زيك... مخنوق، خصوصًا بعد أول بيبي جالي.
الست كانت كل اهتمامها للبنت، وكنت حاسس إني بقيت ضيف في بيتي!"
مومن (استغرب وهو بيعدل قعدته):
"طب عملت إيه؟ يعني مش فاهم..."
نادر (ابتسم وهو بيرتشف من القهوة):
"عدّلت المسار يا صاحبي...
قلت بدل ما أسيب نفسي للزهق، أعمل حاجة لروحي...
رُحت اشتغلت شغل إضافي."
مومن (رفع حاجبه):
"استغفر الله العظيم... شغل إيه؟! إحنا نعصي ربنا يعني؟!"
نادر (ضحك):
"يا عم هو أنا كفرت؟
قصدي شغل محترم... إضافي فعلاً...
بقيت بدرس في كليات التعليم المفتوح.
الناس اللي بتكمل تعليمها متأخر... الكبار اللي نفسهم يدخلوا الجامعة، والطلبة اللي محتاجة دعم في الحقوق..."
مومن (نبرته اتغيرت واهتمامه زاد):
"بجد؟! يعني لسه في ناس بتبدأ تعليم في سن كبير؟"
نادر (بحماس):
"آه، وبتشوف الفرحة في عيونهم...
كبير صغير، كلهم بيجاهدوا عشان يتعلموا...
ولما بقعد معاهم بحس إني رجعت طالب تاني...
بفرح من قلبى...
وفرقت كتير معايا في علاقتي بمراتي وببيتي...
بقيت بهدى، وبطلت أدور على العيب فيهم.
لقيت نفسي بعيش وبتعلم وأفيد غيري."
مومن (بصله بإعجاب خفي):
"أول مرة أحس إن لزهقي ده حل... غير الزعيق أو البُعد.
شكلك فهمت اللعبة قبلنا بكتير يا نادر."
نادر (ضحك وضرب على كتف مومن):
"البيت مش حرب، والمرة مش خصم...
دي شريكة، بس أوقات الشراكة محتاجة صبر وتوازن.
ولو كل راجل فَضَّل يهرب بدل ما يفكر، محدش هيبني حاجة."
مومن (وهو بيضحك نص ضحكة):
"طيب خدني معاك...
أقدّم وراهم في الجامعة... يحطوني في أي تخصص حتى لو تنظيم المرور!"
نادر (انفجر ضحك):
"هههههه يا راجل!
لا متقلقش...
لسه ماوصلتش لمرحلة تنظيم المرور!
ده إنت عامل دراسات عليا وماجستير كمان، وفاكر كويس إنك كنت ناوي تدخل مجال النيابة زمان؟
يبقى ليك مكان مخصوص."
مومن (بص له بدهشة وفرحة خفيفة):
"يعني... ينفع؟"
نادر (بثقة):
"ينفع وبزيادة...
وبصراحة؟ هينور المكان بيك."
مومن (ضحك وهو بيقف):
"طب إيه رأيك...
تأخدني من دلوقتي؟
أنا عايز أبتدي الرحلة دي بجد... يمكن تخليني أرجع لروحي تاني."
نادر (قام جنبه وربت على ضهره):
"إوعى تكون فاكر إننا اتخلقنا نعيش نشتكي وبس...
الحياة فيها باب تاني دايمًا، وإنت دلوقتي بتفتحه."
مومن (اتنهد وهو بيلم ورقه):
"وأهو أهو يمكن كمان مراتي تفتكرني بقى... مش بس لما أولادنا يعيّوا!"
نادر (بضحكة واسعة):
"ادعي إنها كمان تراجع نفسها...
بس البداية منك.
وريني الهمة يا بطل!"
---
دخل مومن الشقة بهدوء...
حط المفتاح على الكومود، بص حواليه...
الصمت كان مالي المكان...
ولا صوت رهف، ولا ضحكة "حياة" أو بكاء "ميرت".
مومن (بنفسه، وهو بيقلع الجاكيت):
"آه... نسيت إني أنا اللي قلتلها تروح تقعد عند ماما النهاردة... التطعيم وكلامها إن التوأم بيتعبوا بعدها."
قعد على الكنبة، مد إيده على الطاولة، شال الكوباية، وبص فيها كأنه بيدور على حاجة تهوّن عليه.
مومن (بصوت هادي):
"الوحدة تقيلة أوي... حتى وأنا متجوز...
رجعت ألاقي البيت فاضي...
وأنا اللي كنت بفتكر الجواز يعني حضن دافي وصوت ضحك ولمة...
بس يمكن... يمكن أنا استعجلت."
سكت لحظة، وبص للسقف، كأنه بيحاور حد مش شايفه.
مومن:
"يمكن حمايا كان عنده حق...
كنا لسه صغيرين، لا هي كانت مستعدة تبقى أم، ولا أنا كنت جاهز أكون زوج وأب في نفس الوقت.
بس برضو... مش قادر أنسى اليوم ده...
يوم ما وقفت قدامي...
أدام الرصاصة...
مش قادرة أخرج المشهد ده من دماغي."
(اتنهد تنهيدة طويلة وهو بيقفل عينه):
"كانت ممكن تموت...
كانت ممكن الرصاصة تجيلي أنا...
بس هي اختارت تحميني...
يعني مينفعش أرمي تعبها كله عشان شوية دلع ولا غلطة."
قام ببطء، راح ناحية أوضة الأطفال، بص من فتحة الباب...
فاضيين السريرين.
مومن (بابتسامة باهتة):
"حتى العياط بتاعكم وحشني...
أنا فعلاً لازم أصبر...
محدش كامل...
وأنا كمان مش ملاك."
قفل باب الأوضة برفق، ورجع يقعد، مسك تليفونه وفتح صور لأول لحظة شاف فيها "حياة" و"ميرت"، وصورة تانية لرهف وهي بتضحك بكل طيبتها.
مومن (بصوت خافت):
"ربنا يديني طولة البال...
وأنتِ يا رهف...
ارجعي بكره، البيت ناقص من غيركم "
كانت قاعده رهف وإيمان فى البلكونه
النسيم كان بيهف على وشهم، والسكوت مالي اللحظة...
رهف قطعت الصمت وسألت بابتسامة خفيفة:
رهف:
"نويتي على إيه بقى يا ست إيمان؟ رجعتي خلاص... وهترجعي لحياتك؟"
إيمان بصت قدامها، والشجر مع لمعة الشمس، وتنهدت تنهيدة طويلة فيها وجع وراحة:
إيمان:
"هكمل تعليمي...
سمعت إن نظام الجامعة المفتوحة اتفتح للناس اللي معاهم شهادة الثانوية...
وأنا معايا... وقررت أقدم." وكمان اشتغل
رهف (باندهاش وفرحة):
"بجد؟! طب ده خبر يفرح! ياااه، انتى كنت من المتفوقين وهتنجح
إيمان (ضحكت ضحكة هادية):
"كنت لكن خايفة ل منجحش أنا عشت ظلم
وكنت محرومة من حاجات كتير، بس عمري ما حرمت نفسي من الحلم.
وسنين كتير كان كل أملي إني أرجع مصر... وأكمل.
دلوقتي الحلم بقى له رجلي يمشي بيها."
رهف (بصت لها بحب):
"وإنتِ هتمشي، وهتوصلي...
وأنا أول واحدة هصفقلك يوم ما تلبسي الروب وتتخرجي."
إيمان (نظرت لها بامتنان):
"وجودك جنبي يا رهف نعمة...
أنا مش بس هرجع أتعلم، أنا
إيمان (بابتسامة كلها دفء):
"وهرجع أعيش...
وكمان هساعدك ترجّعي جوزك ليكي... ويرجع الحب ما بينكم زي الأول وأحسن."
رهف (بصت لها بدهشة ودموع صغيرة فى عيونها):
"إزاي؟ تقدري؟ بعد كل اللي حصل؟"
إيمان (هزت راسها بثقة):
"طبعا...
أنا عارفة إنك بتحبيه... وعارفة إنك غلطتي بس مش عن قصد، دلعك زيادة شوية...
بس القلب لسه بينكم، وأنا هساعدك تفهميه وتحسي بيه...
هعلمك تهتمي بيه بطريقتك، وأعلمك تطبخي له اللي بيحبه، وتخلي البيت دافي وهادي، وتخليه يرجع يشتاق يرجعلك كل يوم..."
رهف (ابتسمت بحب):
"وهو فعلا بقى يبعد... وبقيت حاسة إني خسراه..."
إيمان (مسكت إيديها):
"ومش هتخسريه طول ما أنا جنبك...
هنتعلم سوا، ونكبر سوا، ونعيش سوا...
وبإذن الله مش هعدّي سنة إلا وانتي وهو بتضحكوا من قلبكم، وحياة وميرت حواليكم بيهزروا."
رهف (بحب ودموعها نزلت):
"ربنا ما يحرمنيش منك يا إيمان... انتي دايمًا أمان."
---
إيمان قاعدة جنبها في العربية، لمّة عليها شال خفيف، بتبص لرهف اللي بتعدل طرحها بسرعة.
إيمان (بابتسامة فيها تشجيع):
"أوعِى تتراجعي… دي لحظة رجوعك مش للبيت، لقلبه."
رهف (بتتنفس بعمق):
"يا رب… ساعدني."
إيمان (وهي بتلمس إيدها):
"قولي له وحشتني… زي ما كنتي بتقوليها زمان… بسيطة، بس بتدخل القلب."
[رهف تفتح باب البيت بهدوء]
البيت في هدوء تام، نور خافت، الساعة متأخرة.
تتسلل بخطوات ناعمة، تروح على أوضة التوأم، تنيمهم تبص عليهم وهما نايمين، وتغطيهم بحنان.
رهف واقفة قدام التسريحة، بتخلع حجابها ببطء، شعرها ناعم ومتسشور، ملموم من الطرف بستايل بسيط وأنثوي.
تلبس قميص نوم ناعم، لونه هادي، مش فاضح لكنه أنيق، وتبص لنفسها في المراية بتوتر بسيط… وبعدين تبتسم لنفسها بتشجيع.
[تدخل الأوضة، تلاقي مومن نايم على السرير، مستلقي على ظهره، عيونه نص مفتوحة من صوت الباب]
منطفأ الأنوار، تاركةً فقط ضوء القمر يخترق ستائر الشرفة. جلس مومن على الأريكة، وجهه شاحبٌ من التعب والإرهاق. اقتربت رهف منه بخطواتٍ هادئة، عيونها تحمل بحرًا من المشاعر. وضعت يدها بلطف على كتفه، ثمّ احتضنته بقوة، دافئةً إياه بحنانها.
ارتعشت جسد مومن بين ذراعيها، وكأنّ حضنها هو ملاذه الوحيد من عاصفةٍ عاتية. شهق شهقةً خفيفة، ثمّ غرس وجهه في شعرها، مستنشقًا عطرها الذي طالما اشتاق إليه. همست رهف في أذنه بكلماتٍ هادئةٍ حانية: "أنا هنا، لا تقلق".
رفع مومن رأسه، نظرتها في عينيه، رأى فيها كلّ ما يريده: الأمان، الحب، والأمل. مسح بيده على خدها بلطف، ثمّ قبلها قبلةً طويلةً رقيقة، كأنّها تعبر عن كلّ ما لم يستطع قوله. في تلك اللحظة، اختفت كلّ همومه، لم يبقَ إلاّ هو وهي، في عالمٍ خاصٍّ بهما، مُحاطٌ بحبٍّ عميقٍ لا يُوصف. جلسا معًا، متلاصقين، يشعران بدفءِ اللحظة، وهدوءِ الروح.
ابتسم مومن… وهو عينيه تلمع من المفاجأة،
ولما دخل الصالة، كانت السفرة متزينة بألوان الأكل…
حمام محشي، ملوخية، رز معمر بالحليب، وشمع بسيط مضوي بهدوء.
بصّ على رهف اللي كانت واقفة بتوتر وشوية خجل…
وعينيها بتلمع بتردد، قالت بصوت واطي:
رهف:
"السفرة دي… معمولة مخصوص ليك."
---
مومن قعد على السفرة، وهو بيشم ريحة الأكل اللي كانت مالية الشقة، ابتسم وقال وهو بياخد أول لقمة:
مومن (مستغرب ومبسوط):
"يا نهار أبيض! إيه ده؟ الأكل ده جاي منين؟ اسمه إيه المطعم ده؟! طعمه جامد جدًا بجد!"
رهف وقفت بعيد بتراقبه وهي بتضحك في سرها، قلبها بيرقص من الفرحة إنه عاجبه.
بس عقلها شغال:
"هو مصدقش إن ده أكلي؟! بس ماشي… ليه لأ؟ أفهمه إنه فعلاً شغلي، وأطلب من إيمان تساعدني وتطبخ كل يوم، هي محتاجة فلوس للجامعة، ومش هتقول لأ أكيد."
قربت منه بخطوات هادية وقالت له وهي بتحاول تكتم ضحكتها:
رهف:
"تعال يا سيدي شوف الحلل بعينك… يمكن تصدقني!
ولو مش مصدق، دوق بنفسك… وهتعرف تفرق،
ده مش أكل مطعم ولا أكل ماما…
أنا استعنت بالنت، وكل يوم كنت بجرب وأخترع،
لحد ما بدأت أتعلم بجد."
بص لها مومن، وابتسامته وسعت، وبعينه امتنان ما يتوصفش.
مد إيده، مسك إيدها بحنية، وقبلها بلطف وقال:
مومن (بصوت دافي):
"تسلم إيدك يا رهف… والله العظيم أكلك ده بيضرب في القلب."
---
تأنى يوم
في المطبخ، رهف واقفة عند الرخامة، عنيها حمرا ووشها باين عليه إنها كانت بتعيط. تسمع صوت جرس الباب، تروح تفتحه… تلاقي إيمان واقفة.
رهف (بصوت متهدج):
تعالي… تعالي يا إيمان، أنا مش قادرة... محتاجة مساعدتك أوي.
إيمان (قلقة):
خير يا حبيبتي؟ في إيه؟
رهف (بتمثل إنها متأثرة):
دلوقتي الأكل، عجب مومن أوي… وافتكر انى انا الا عاملة ولما حاولت اعمل زيك باظ منى الاكل وهو قال إنه أحلى من أكل المطاعم، و… وافتكر فى الأول ماما، لكن هو حافظ اكل مامته ومامتي
أنا مش عاوزة أضيّع اللحظة دي، مش عاوزاه يرجع ياكل يزعل منى تاني، بس… أنا مش هقدر أعمل ده لوحدي كل يوم.
إيمان (بهدوء):
يعني عاوزاني أساعدك في الطبيخ؟
رهف (بتاخد نفسها):
أنا فكرت… إنتي تشتغلي كإنك موظفة في مطعم، أنا هاخد الفلوس منه عادي، وأديهالك… بس من غير ما يعرف.
قوليلي، ينفع؟ أنا فعلاً محتاجة أكلك، ومومن محتاج يحس إنه في بيت… مش مجرد شقة وسكوت.
إيمان (ساكتة لحظة، وبعدين بنبرة حزينة):
وهو يعرف؟ يعرف إن الأكل من إيدي؟
رهف (بهدوء وهي بتمسح دموعها):
لا… وهيفضل يفتكرني أنا، بس أنا مش بضحك عليه، أنا بتعلم… وباخد منك كل حاجة حلوة.
انتي موهوبة… وأنا مش هخلي تعبك يضيع.
إيمان (بصوت فيه قهر):
أنا رجعت من تركيا مش لاقية حتى أشتغل في مجالي…
معاش أمي مش مكفّي، ومفيش مكان هيرضى بيا، حتى لو بريئة، اسمي اتحط في أمن الدولة… خلاص.
أنا فعلاً محتاجة شغلانة… بس أكيد مش بالشكل ده.
رهف (تمسك إيدها بحنية):
أنا عارفة… عارفة كل حاجة، وعارفة إني مديونة ليكي برجوعك، بس صدقيني، دي البداية… ومن هنا نقدر نعمل حاجة لينا إحنا الاتنين.
إيمان (تتنهد، ووشها مليان حزن وتعب):
خلاص… اتفقنا. أنا هساعدك، وهستلم الأكل كل يوم، بس… متنسيش إن فيه قلب بيتوجع عشان يفرح غيره.
رهف (بصوت واطي):
عمري ما هنسى… إنتي طوق نجاتي.
الكاتبة صفاء حسنى
الصبح، كانت رهف قاعدة في الصالة وعينيها باين فيها التعب، بتحاول تمثل إنها منهارة وعيانة، وفجأة دخلت إيمان وهي شايلة شنط الأكل.
رهف (بصوت مكسور):
"أنا مش قادرة أتحرك.. كنت عاوزة أطلب منك تساعديني، ب اهتمام ب حياة ومراد
إيمان بصّت لها، وفضلت ساكتة، مش عارفة ترد، بس قلبها حاسس إن في حاجة مش مظبوطة.
من اليوم ده، بقيت إيمان تروح كل يوم تستلم الشقة، وتجهّز الأكل، وأوقات كانت تهتم بالأطفال، خصوصًا التوأم، اللي ابتدوا ياكلوا كويس معاها، وارتاحوا لها، لحد ما بقت المسؤولة الأولى عن كل حاجة.
بقت تشتغل من بعد ما مومن يخرج من البيت، لحد الساعة ٥ أو لما رهف ترجع. ورغم إن رهف أوقات كانت في البيت، إلا إنها سابت كل حاجة على إيمان، واتفقت معاها على مرتب شهري ٥ آلاف.
مرت الأيام، ولما بدأت الدراسة بعد شهر ونص، رجعت إيمان الجامعة يوم الجمعة والسبت، واتفقت مع رهف إنها تجهّز الأكل قبلها بيوم، وكل اللي عليها إنها تسخنه.
ورغم إن كل حاجة كانت ماشية طبيعي، رهف بدأت تلاحظ إن مؤمن، في أيام الإجازة، بقى بيخرج لوحده. في البداية افتكرت أنه عمره ما سألت أو زهقان،
الكاتبة صفاء حسنى
في يوم الجمعة، دخلت إيمان الجامعة، لابسة فستان سادة طويل، وحجابها مغطيها بالكامل، وشايلة كتبها، ودخلت القاعة.
بعد شوية، دخل مومن، وبدأ يشرح. وطول ما هو بيتكلم، كان مركز مع الطلبة، لكن لما بدأ يسأل سؤال، ردت عليه إيمان بكل ثقة وذكاء.
مومن اتجه ناحية الصوت، وقرب منها، وبص فيها شوية... قلبه اتقلب.
كانت هي!
نفس البنت اللي شافها أول يوم ورجعت له في الحلم.. نفس النظرة، نفس الهدوء.
وقف للحظة، وساب السؤال، وبص لها بصّة أطول من اللازم... بس بسرعة رجع تاني يكمّل الشرح، وهو جواه ألف سؤال وسؤال.
أصبح بيحب يوم الجمعة والسبت.. دول أكتر يومين بيحس فيهم براحة نفسية غريبة، يمكن عشان بيبعد عن القواضي ، عن البيت، عن الزحمة النفسية كلها.
خائنة خلف جدران الحب
الكاتبة صفاء حسنى
الفصل 13
صباح جديد، الجو دافئ، والشمس طالع بنورها الهادي...
صحى مومن وهو حاسس براحة وسعادة بعد ليلة دافية كان مفتقدها من شهور طويلة. لف ووشّه على السرير وهو بيبتسم، بس ملاقاش رهف جنبه.
نهض من على السرير، دخل الحمام خد شاور سريع، وبدأ يلبس هدومه عشان يروح الجامعة.
وهو بيلبس، حس بفضول وقلق بسيط، خرج من الأوضة يدور عليها... لقاها في أوضة الأطفال.
كانت قاعدة على الأرض، ضهرها للحيط، وشعرها مفكوك وبينزل على كتفها، وعينيها مغمضة من التعب. شايلة "مراد" بإيد، و"حياة" نايمة على رجلها التانية. الاتنين بيزحفوا حواليها وهم بيضحكوا بصوت واطي، وهي مغمضة نص غمضة كأنها بتقاوم النوم.
وقف مومن بعيد وفضل يتأمل المشهد... قلبه اتقبض.
سند راسه على الحيطة، وقال بصوت واطي:
- "قد إيه بتتعب... وأنا اللي كنت شايف إنك مقصّرة!"
بهدوء خرج من الأوضة، وفتح موبايله، وبدأ يتصل بوالدتها. صوته كان باين عليه التقدير:
- "ماما، ممكن تيجي النهارده تقعدي مع رهف شوية؟... هي محتاجة حد يسندها."
رهف كانت سامعاه، دمعة خفيفة نزلت من عينيها، بس كانت دمعة فرح. ابتسمت وقالت لنفسها:
- "كويس... أخيرًا حاس بيا."
سمعت صوت الباب بيتقفل وخرج مومن، وساعتها بسرعة خدت موبايلها واتصلت بإيمان.
رهف:
- "إيمان، ممكن تيجي تساعديني شوية؟ الولاد صحيو وأنا تعبانة خالص."
إيمان ردت وهي بتجري في الطريق:
- "أنا في طريقي للجامعة هقدم الورق، بس هعدي عليكي بعدين فورًا... خليكِ قوية، أنا جنبك."
رهف بصّت للأطفال وهما بيضحكوا، وضمتهم لحضنها، وقالت بحنان:
- "طالما في ضهر بيسندني... هفضل واقفة."
إيمان كانت ماشية بخطوات مترددة وسط حرم الجامعة المفتوحة، لابسة عباءة بسيطة، وحاطة شنطة جلد صغيرة على ضهرها،من الإيشارب التركى الطويل اللي دايمًا ملفوف بنعومة حوالين جسمها .
وقفت قدام المبنى الإداري، وخرجت تنهيدة طويلة من صدرها، وكأنها بتستجمع شجاعتها كلها.
إيمان (في سرها):
"يا رب... يا رب بداية جديدة... بعد سنين وجري وهروب... آن الأوان أعيش ليّا."
دخلت المكتب، وابتسمت للموظفة اللي كانت قاعدة ورا الشباك.
إيمان (بهدوء):
"السلام عليكم... أنا جاية أقدّم في نظام التعليم المفتوح، معايا شهادة الثانوية."
الموظفة (بابتسامة رسمية):
"أهلاً وسهلاً... طيب اتفضلي يا أستاذة، هاتي الأوراق اللي معاكي."
طلعت إيمان من شنطتها شهادة الثانوية، وصورة البطاقة، وشهادة الميلاد، وكل الورق اللي جهّزته بصعوبة من يوم ما رجعت.
الموظفة (وهي بتراجع):
"تمام... التقديم مفتوح لتخصصات كتير، تحبي تدخلي قسم إيه؟"
إيمان (لحظة تفكير):
"حقوق... نفسي أدرس قانون، يمكن أقدر أساعد غيري في يوم."
الموظفة:
"حلو جدًا، حقوق متاحة.
هندخلك امتحان تحديد مستوى في العربي والإنجليزي، وبعد كده نكمل باقي الإجراءات.
وبالنسبة للمصاريف، بتكون حوالى ٥٠٠٠ جنيه في السنة، بتدفعي على ترمين، وفي تسهيلات كمان لو محتاجة."
إيمان (هزت راسها بتفهم، بس كانت بتحاول تخبي قلقها):
"تمام... ممكن أسأل عن الجدول والكتب؟"
الموظفة:
"أول ما تخلصي الإجراءات، هيتبعتلك الجدول على الموبايل... وهيبقى عندك محاضرات أونلاين وحضور في الأيام الجمعة والسبت
إيمان:
"يعني ممكن أذاكر من البيت؟"
الموظفة (بابتسامة مشجعة):
"بالضبط... وربنا يوفقك، واضح إنك جادة ونيتك حلوة."
طلعت إيمان من المكتب وقلبها مليان مشاعر... خوف من البداية... حنين لحلم قديم... وإصرار إنها تبني مستقبلها من تاني.
الكاتبة صفاء حسنى
وقفت على جنب في ساحة الجامعة، طلعت موبايلها، وبعتت تسجيل صوتي لرهف:
إيمان (بصوت فيه ابتسامة):
"قدّمت خلاص يا ستّي... رسميًا هبقى طالبة حقوق... نفسي ألبس الروب يوم وأرافع في المحكمة...
أنا بدأت المشوار... ودورك بقى ترجّعي الحب في بيتك... شدّي حيلك، وبلاش دلع بزيادة."
في نفس الوقت اللي كانت فيه إيمان خارجة من المبنى الإداري، بخطوات متفائلة ومليانة أمل...
كان مومن داخل من الباب التاني، لابس قميص كلاسيك وساعة جلدية شيك، شايل في إيده دوسيه كبير فيه كل أوراقه ومستنداته.
وقف قدام مكتب شؤون هيئة التدريس، ونفخ بهدوء كأنه بياخد قرار كبير.
موظف شؤون أعضاء هيئة التدريس (بيبتسم):
"اتفضل يا أستاذ... حضرتك جاى تقدم على وظيفة محاضر؟"
مومن (بثقة):
"آه، معايا ماچستير قانون جنائي، ودرّست قبل كده ضمن هيئة النيابة... حابب أكمّل كدكتور مساعد."
الموظف:
"حضرتك شخصيّة كبيرة أهو، الجامعة محتاجه ناس زيك.
اتفضل الأوراق دي هتملأها، ونحتاج منك خطة تدريس ونسخة من الرسالة. وهنبعت لحضرتك ميعاد مقابلة مبدأيّة."
مومن (وهو بيملأ الورق):
"أكتر حاجة نفسي فيها دلوقتي... إني أعلّم، وأعيد التوازن في حياتي."
كان قاعد على طاولة خشب جنب الشباك، والشمس داخله على وشه، باين عليه التعب بس في عينه إصرار.
في الخارج، على بعد أمتار... كانت إيمان لسه واقفة بتبعت تسجيل لرهف.
إيمان رفعت وشها للحظة، حست إن الجو حوالين الجامعة فيه طاقة غريبة... طاقة أمل.
إيمان (بصوت داخلي):
"يمكن الحياة فعلاً بتبدأ من هنا... من أول قرار ناخده بإيدنا، مش بظروفنا."
داخل، مومن بيقف، ويسلم الورق، ويتجه ناحيه المخرج...
في اللحظة اللي بيخرج فيها من الباب التاني...
إيمان بتعدي من الباب المقابل.
مسافة صغيرة جدًا...
بس محدش شاف التاني.
إيمان كانت طالعة من المبنى، ماسكة ورق التقديم، ووشها شاحب، دماغها مشوشة...
بتبص في ورقة المصاريف، والهمّ مالي ملامحها، وفجأة تشعر بدوخة...
الكاتبة صفاء حسنى
خطوتها اتلخبطت... رجليها خانتها...
كادت تقع على الأرض.
وفي اللحظة دي، إيد ثابتة تمسكها...
مومن، اللي كان معدّي من الناحية التانية، ومد إيده بسرعة من غير ما يشوف ملامحها كويس.
مومن (بقلق):
"خلي بالك يا انسه ... أنتي كويسة؟"
إيمان (بصوت واطي وهي بتحاول تقوم):
"آه... أنا آسفة... مش عارفه ازى فقط توازن ."
مومن يسمع صوته مش غريب عليه (بيبص لها، متأمل ملامحها):
"إنتي... وجهك مش غريب عليا."
إيمان (بتحاول تبتسم وتهرب من الموقف):
"مش بيقول يخلق من الشبه أربعين ."
مومن (بيفكر):
"ممكن... أنتي طالبة؟"
إيمان (بهدوء):
"لسه بقدم... تعليم مفتوح."
مومن (بإعجاب خفيف):
"حلو... الناس اللي بتبدأ من جديد بيكون عندها قوة مش عادية."
إيمان (بنبرة فيها حذر):
"فيه ناس مبتخترش الظروف... بس بتحاول تعيش من تاني."
مومن (بصوت هادي):
"كلنا بنحاول."
يسيبها تمشي، لكن نظراته بتفضل معلقة بيها...
هي تبعد بخطوات سريعة، وقلبها بيخبط في صدرها...
مش عارفة ليه حسّت بحاجة غريبة في صوته...
وهو واقف مكانه، حاسس إن البنت دي في ملامحها حاجة مألوفة...
بس لسه مش قادر يفتكر فين شافها.
وصلت إيمان عند رهف واقفة على الباب، شايلة شنطتها وورق تخرجها، ووشها كله فرحة، بتخبط بخفة وهي مبتسمة.
الكاتبة صفاء حسنى
رهف (وهي بتفتح الباب، ووشها بينور):
"ألف مبروك يا قلبى، اتقبلت ؟"
إيمان (بحماس طفلة):
"آآآه، الحمد لله! أنا رسمى بقيت طالبة ! ورجعتلك بقى، عندى طاقة الدنيا."
خالي بالك آنتى من مراد وحياة وانا اوطبلك المطبخ
أقعدت رهف الاطفال في عربيتهم ودخلت بيهم مع ايمان
الا داخلت المطبخ بسرعة، لبسة مريلة بسيطة، وبتلف شعرها، وبتبص حوالين المطبخ كأنها داخلة معركة.
رهف قاعدة على طرف الرخامة، بتضحك من حماسها.
إيمان (بحماس):
"بس قبل أى حاجة، لازم نعمله أكلة يفتح بيها قلبه. كفاية شكوى!"
رهف (بمزاح):
"هو إنتى داخلة عشانى ولا عشان تراضي جوزي؟"
إيمان (بضحكة بريئة):
"الاتنين. لو رجّعناهلك قلبه... إنتي كده رجعتي قلبك لنفسك."مش بيقول المثل أقرب ل قلب الرجل معدته
رهف (بصوت دافي):
"أنا محظوظة بوجودك."
[الكاتبة صفاء حسنى
في المطبخ الصغير...
كانت إيمان واقفة جنب رهف، بتساعدها في ترتيب الحاجات، ولقيت الفرصة إنها تديها نصيحة بسيطة بس فعّالة.
إيمان (بنبرة خفيفة):
"اتصلي بوالدة مومن يا رهف... واعرفي جوزك بيحب إيه، يمكن تعملي له حاجة يفرح بيها."
رهف ترددت لحظة، وبعدين خدت نفس واتشجعت، ومدّت إيدها على التليفون.
رهف (على التليفون بنبرة ودودة):
"إزي حضرتك يا طنط، أنا رهف... كنت بس عاوزة أسألك عن أكلة مومن المفضلة، عشان بنحضّره مفاجأة."
والدة مومن (بضحكة فيها شجن):
"هو بيحب الحمام المحشي، والملوخية... ولو لقيتوا رز معمر بالحليب، قلبه هيرجع طفل صغير!"
سكتت لحظة وبعدين قالت بلطافة:
"بس هتعرفي تعمليهم يا رهف؟"
إيمان كانت واقفة جنبها وسمعت الكلام، فردّت بسرعة:
إيمان (بحماس):
"متقلقيش يا طنط، أنا معاها."
والدة مومن (باستغراب):
"آنتي مين؟"
إيمان (بابتسامة):
"أنا إيمان... بنت صديقة طنط منى. مشكورة حضرتك وزوجك حضرة القاضي إنكم رجعتوني من تركي ، وأنا ناوية أساعد رهف وأعلمها كل حاجة."
والدة مومن (بابتسامة فيها رضا):
"أهو ده الكلام! ربنا يوفقك ويصلح حالهم يا بنتي."
[
إيمان بدأت تقطع الخضار، بتحشي الحمام، ورهف واقفة جنبها بتساعد، بتحاول تتعلم كل تفصيلة.
إيمان (وهي بترتب على الترابيزة):
"شوفي، السر مش في الأكل بس... السر في الاهتمام... في إنك تحسسيه إنك موجودة عشانه، بتفتكريه، بتفكري فيه."
رهف (بابتسامة ندم خفيف):
"وأنا كنت بفكر في نفسي بس..."
إيمان (وهي تلمس إيدها بلُطف):
"بس دلوقتي بتتعلمي... وأنا هنا عشان أساعدك."
السفرة جاهزة، والأكل شكله يفتح النفس، ورهف واقفة متوترة لكنها مبتسمة، .
إيمان (بهمس):
"أنا همشي قبل ما يجى البس هدوم حلوة ... وقولي له: السفرة دي معمولة مخصوص ليك."
---
الكاتبة صفاء حسنى
كانت رهف واقفة قدام المرآة، بتزبط شعرها وبتحاول تخبي توترها، لسه صوت إيمان بيرن في ودانها:
إيمان (بابتسامة خبيثة وهي بتلم هدومها):
"أنا همشي قبل ما ييجي، البسي هدوم حلوة... ولما يدخل قولي له: السفرة دي معمولة مخصوص ليك."
ضحكت رهف بخجل، وهزّت راسها بتوتر، وإيمان نزلت على السلالم وهي مبسوطة إنها قدرت تسيب لمستها.
في نفس اللحظة، كان مومن راكب الأسانسير التاني...
وهو طالع، شمّ ريحة أكل ماليه الدور كله...
ريحة حمام محشي، وملوخية سخنة، وقلبه بدأ يدق بسرعة من غير ما يعرف ليه.
كل ما يقرب من شقته، الريحة بتقوى أكتر وأكتر،
فتح الباب...
دخل بهدوء، وساب الشنطة على الكومود.
قبل ما ينادي على حد، جري عليه مراد وحياة بضحك بريء. وهما يذحفون
مراد (وهو ماسك إيده):
"باباااا...
حياة (بتشد هدومه):
"بابا
ابتسم مومن... وهو عينيه تلمع من المفاجأة،
ولما دخل الصالة، كانت السفرة متزينة بألوان الأكل...
حمام محشي، ملوخية، رز معمر بالحليب، وشمع بسيط مضوي بهدوء.
بصّ على رهف اللي كانت واقفة بتوتر وشوية خجل...
وعينيها بتلمع بتردد، قالت بصوت واطي:
رهف:
"السفرة دي... معمولة مخصوص ليك."
---
مومن قعد على السفرة، وهو بيشم ريحة الأكل اللي كانت مالية الشقة، ابتسم وقال وهو بياخد أول لقمة:
مومن (مستغرب ومبسوط):
"يا نهار أبيض! إيه ده؟ الأكل ده جاي منين؟ اسمه إيه المطعم ده؟! طعمه جامد جدًا بجد!"
رهف وقفت بعيد بتراقبه وهي بتضحك في سرها، قلبها بيرقص من الفرحة إنه عاجبه.
بس عقلها شغال:
"هو مصدقش إن ده أكلي؟! بس ماشي... ليه لأ؟ أفهمه إنه فعلاً شغلي، وأطلب من إيمان تساعدني وتطبخ كل يوم، هي محتاجة فلوس للجامعة، ومش هتقول لأ أكيد."
قربت منه بخطوات هادية وقالت له وهي بتحاول تكتم ضحكتها:
رهف:
"تعال يا سيدي شوف الحلل بعينك... يمكن تصدقني!
ولو مش مصدق، دوق بنفسك... وهتعرف تفرق،
ده مش أكل مطعم ولا أكل ماما...
أنا استعنت بالنت، وكل يوم كنت بجرب وأخترع،
لحد ما بدأت أتعلم بجد."
بص لها مومن، وابتسامته وسعت، وبعينه امتنان ما يتوصفش.
مد إيده، مسك إيدها بحنية، وقبلها بلطف وقال:
مومن (بصوت دافي):
"تسلم إيدك يا رهف... والله العظيم أكلك ده بيضرب في القلب."
---
تأنى يوم
في المطبخ، رهف واقفة عند الرخامة، عنيها حمرا ووشها باين عليه إنها كانت بتعيط. تسمع صوت جرس الباب، تروح تفتحه... تلاقي إيمان واقفة.
رهف (بصوت متهدج):
تعالي... تعالي يا إيمان، أنا مش قادرة... محتاجة مساعدتك أوي.
إيمان (قلقة):
خير يا حبيبتي؟ في إيه؟
رهف (بتمثل إنها متأثرة):
دلوقتي الأكل، عجب مومن أوي... وافتكر انى انا الا عاملة ولما حاولت اعمل زيك باظ منى الاكل وهو قال إنه أحلى من أكل المطاعم، و... وافتكر فى الأول ماما، لكن هو حافظ اكل مامته ومامتي
أنا مش عاوزة أضيّع اللحظة دي، مش عاوزاه يرجع ياكل يزعل منى تاني، بس... أنا مش هقدر أعمل ده لوحدي كل يوم.
إيمان (بهدوء):
يعني عاوزاني أساعدك في الطبيخ؟
رهف (بتاخد نفسها):
أنا فكرت... إنتي تشتغلي كإنك موظفة في مطعم، أنا هاخد الفلوس منه عادي، وأديهالك... بس من غير ما يعرف.
قوليلي، ينفع؟ أنا فعلاً محتاجة أكلك، ومومن محتاج يحس إنه في بيت... مش مجرد شقة وسكوت.
إيمان (ساكتة لحظة، وبعدين بنبرة حزينة):
وهو يعرف؟ يعرف إن الأكل من إيدي؟
رهف (بهدوء وهي بتمسح دموعها):
لا... وهيفضل يفتكرني أنا، بس أنا مش بضحك عليه، أنا بتعلم... وباخد منك كل حاجة حلوة.
انتي موهوبة... وأنا مش هخلي تعبك يضيع.
إيمان (بصوت فيه قهر):
أنا رجعت من تركيا مش لاقية حتى أشتغل في مجالي...
معاش أمي مش مكفّي، ومفيش مكان هيرضى بيا، حتى لو بريئة، اسمي اتحط في أمن الدولة... خلاص.
أنا فعلاً محتاجة شغلانة... بس أكيد مش بالشكل ده.
رهف (تمسك إيدها بحنية):
أنا عارفة... عارفة كل حاجة، وعارفة إني مديونة ليكي برجوعك، بس صدقيني، دي البداية... ومن هنا نقدر نعمل حاجة لينا إحنا الاتنين.
إيمان (تتنهد، ووشها مليان حزن وتعب):
خلاص... اتفقنا. أنا هساعدك، وهستلم الأكل كل يوم، بس... متنسيش إن فيه قلب بيتوجع عشان يفرح غيره.
رهف (بصوت واطي):
عمري ما هنسى... إنتي طوق نجاتي.
الكاتبة صفاء حسنى
الصبح، كانت رهف قاعدة في الصالة وعينيها باين فيها التعب، بتحاول تمثل إنها منهارة وعيانة، وفجأة دخلت إيمان وهي شايلة شنط الأكل.
رهف (بصوت مكسور):
"أنا مش قادرة أتحرك.. كنت عاوزة أطلب منك تساعديني، ب اهتمام ب حياة ومراد
إيمان بصّت لها، وفضلت ساكتة، مش عارفة ترد، بس قلبها حاسس إن في حاجة مش مظبوطة.
من اليوم ده، بقيت إيمان تروح كل يوم تستلم الشقة، وتجهّز الأكل، وأوقات كانت تهتم بالأطفال، خصوصًا التوأم، اللي ابتدوا ياكلوا كويس معاها، وارتاحوا لها، لحد ما بقت المسؤولة الأولى عن كل حاجة.
بقت تشتغل من بعد ما مومن يخرج من البيت، لحد الساعة ٥ أو لما رهف ترجع. ورغم إن رهف أوقات كانت في البيت، إلا إنها سابت كل حاجة على إيمان، واتفقت معاها على مرتب شهري ٥ آلاف.
مرت الأيام، ولما بدأت الدراسة بعد شهر ونص، رجعت إيمان الجامعة يوم الجمعة والسبت، واتفقت مع رهف إنها تجهّز الأكل قبلها بيوم، وكل اللي عليها إنها تسخنه.
ورغم إن كل حاجة كانت ماشية طبيعي، رهف بدأت تلاحظ إن مؤمن، في أيام الإجازة، بقى بيخرج لوحده. في البداية افتكرت أنه عمره ما سألت أو زهقان،
الكاتبة صفاء حسنى
في يوم الجمعة، دخلت إيمان الجامعة، لابسة فستان سادة طويل، وحجابها مغطيها بالكامل، وشايلة كتبها، ودخلت القاعة.
بعد شوية، دخل مومن، وبدأ يشرح. وطول ما هو بيتكلم، كان مركز مع الطلبة، لكن لما بدأ يسأل سؤال، ردت عليه إيمان بكل ثقة وذكاء.
مومن اتجه ناحية الصوت، وقرب منها، وبص فيها شوية... قلبه اتقلب.
كانت هي!
نفس البنت اللي شافها أول يوم ورجعت له في الحلم.. نفس النظرة، نفس الهدوء.
وقف للحظة، وساب السؤال، وبص لها بصّة أطول من اللازم... بس بسرعة رجع تاني يكمّل الشرح، وهو جواه ألف سؤال وسؤال.
فجأة...
بدون لينك خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى الفصل الرابع عشر
قطع شروده صوت واحد من آخر القاعة بيسأل بنبرة حادة:
– "هو القانون بيتطبق صح في بلدنا؟ ولا مجرد كلام بندرسه؟"يا دكتور
رفعت ايمان إيدها بهدوء وهي بتقول بثقة:
– "ممكن أجاوب أنا يا دكتور؟"
بص لها مومن باستغراب، وابتسامة صغيرة ارتسمت على وشه:
– "اتفضلي."
استقامت في جلستها، وبصوت ثابت مليان إيمان بكلامها، قالت:
– "القانون هو اللي بيحمي كل واحد في البلد. لولو القانون ما كانش بيتطبق، ما كانش يبقى لينا الحق نتعلم في أي سن أو أي وقت. القانون هو اللي وافق إن الجامعات المفتوحة تتأسس لكل الأعمار، عشان اللي ضاعت عليه فرصة يقدر يعوضها.
القانون داخل في كل حاجة في حياتنا، وكل بلد فيها الحلو وفيها الوحش… لكن أنا عندي يقين، بلدنا كبيرة وعظيمة، فوق أي بشر أو أي فاسد."
الكلمات خرجت من قلبها قبل ما تطلع من لسانها، وصوتها كان فيه قوة وإصرار يخلي أي حد يسمعها يصدقها.
مومن، من مكانه، حس بدهشة وإعجاب غريب… إزاي واحدة بالذكاء ده، والحضور ده، ما كملتش تعليمها من زمان؟ وإيه اللي رجعها بعد سنين للجامعة المفتوحة؟
كان مومن قاعد في المدرج، بيستمع لآراء الطلبة بعد ما طرح سؤال خارج المنهج:
مومن: "طيب… كل واحد فيكم يقول هو ليه قرر يكمل تعليمه في السن ده؟"
رفع شاب إيده وقال بصوت فيه شوية خجل:
شخص : "عشان أعرف أشتغل… أنا شغال دلوقتي بقدم شاي وقهوة في مكتب محامي، وفيه شباب أصغر مني متخرجين وشغالين معايا، حسيت إني لازم أعلي من نفسي… يمكن أقدر أغيّر مكاني."
ابتسم مومن بإعجاب، وبصّ لسيدة في الصف الأمامي، أشارت إنها حابة تتكلم:
السيدة: "أنا… بنتي دخلت كلية حقوق، وكنت دايمًا حاسة إني قليلة في نظرها ونظر أصحابها… حبيت أدرس معاها وأثبت لنفسي قبل أي حد إني أقدر."
مومن وهو بيكتب ملاحظات بسيطة على ورقته، رفع عينه ناحية إيمان… كان مستني منها الرد.
سكت شوية، لقاها بتاخد نفس عميق وكأنها بتحارب دمعة بتقاوم النزول.
إيمان: "أنا… في الأول وانا صغيرة، كان نفسي أكون دكتورة… بس الدنيا كانت قاسية عليا. جبرتني أكون مذلولة لكل الناس… سواء كان أبويا أو حتى أصحاب، عشان أعيش. ولما وقعت… كان لازم أقف على رجلي من تاني… عشان أقدر أشتغل شغل في شركة بدل ما أكون خدامة في البيوت."
سكتت لحظة… والهدوء سيطر على المدرج.
مومن وهو بيسمعها، حس بشيء غريب جواه… كان مستغرب إزاي واحدة بالذكاء ده، بالقوة دي، ماكملتش تعليمها زمان… وإزاي بعد السنين دي كلها اختارت تفتح كتاب من جديد في الجامعة المفتوحة.
ومن يومها… بدأ يلاحظها أكتر، أسلوبها في الكلام، تفكيرها المختلف، وطريقتها اللي فيها مزيج بين الحذر والقوة.
وكان بيحب يوم الجمعة والسبت أكتر من أي وقت… بيحس فيهم براحة نفسية. وفي آخر يوم فى السن الاولي ل ايمان فى الجامعة وكانت جايب تقدير امتياز وكلهم فرحانين إنهم اجتزوا أول سنه ، مومن وهو ماشي في الجامعة، سمع صوت مش غريب عليه… صوت حفظه من زمان. كان صوتها… وبتقول توشيح ديني عن محبة الرسول ﷺ… والكل حواليها بيصفق.
صوت ناعم دافي، مليان إحساس بيخترق الهوا:
"
مومن وقف، لف وشه ناحية مصدر الصوت.
كانت مجموعة طلبة واقفين تحت شجرة كبيرة فى ركن هادى من الجامعة، بيحضروا نشاط دينى تطوعى، والبنت اللى بتتكلم واقفة وسطة البنات، فستان واسع سادة، حجاب طويل لونه سماوي، ماسكة ورق فى إيدها، وبتتكلم وكأنها مش بتحكى.. لأ، دى عايشة اللى بتقوله.
مومن حس بصوتها بيخبط على حتة جوه قلبه.. صوت كان سامعه قبل كده؟
أيوه… أيوه هو ده الصوت اللى سمعه مرة فى البيت، يومها كانت بتقرا قرآن.. وهو كان راجع تعبان، والصوت ده هو اللى هداه.
قرب منها من بعيد، فضل واقف ساكت وبيسمع.
مولاي إني ببابك قد بسطت يدي من لي ألوذ به إلاك يا سندي
مولاي يا مولاي مولاي إني ببابك
مولاي إني ببابك مولاي إني ببابك
أقوم بالليل والأسحار ساجية أدعو وهمس دعائي
أدعو وهمس دعائي بالدموع ندى بنور وجهك إني عائد وجل
ومن يعذ بك لن يشقى إلى الأبد مهما لقيت من الدنيا وعارضها
فأنت لي شغل عما يرى جسدي تحلو مرارة عيش في رضاك
تحلو مرارة عيش في رضاك تحلو مرارة في رضاك
و ما أطيق سخطا على عيش من الرغد
من لي سواك ومن سواك ومن سواك يرى قلبي ويسمعه
كل الخلائق ظل في يد الصمد أدعوك يا رب أدعوك يا ربي
فاغفر زلتي كرما واجعل شفيع دعائي حسن مرتقبي
وانظر لحالي وانظر لحالي
في خوف في طمع هل يرحم العبد الله من أحد
قد بسطت يدي من لي ألوذ به إلاك يا سندي مولاي
الكل أعجب ب التوشيح بصوته وقال شخـص منهم
ف
علا آجمل احتفال ب التوشيح
ابتسمت إيمان تكمل:
"إحنا محتاجين نرجع نحب النبي زى ما الصحابة حبوه، مش بالكلام، بالسلوك.. بالرحمة، بالستر، بالحُسن، وبالصدق، لأن اللى بيحب حد، بيقلده."
الناس اللى حواليها كانوا بيبصولها بإعجاب، لكن مومن كان بيبصلها بدهشة.
جواه حوار صامت:
"إزاي؟ إزاي بنت بالوعي ده، بالثقة دى، كانت سايبة التعليم؟ وراجعة دلوقتي تكمل؟ إزاي قدرت تحافظ على نقاوتها وسط اللي شافته؟"
ماحسش بنفسه غير وهو بيقرب أكتر.. بس وقف بعيد، سايب مسافة محترمة، ومتردد يبين إنه بيراقب.
إيمان خلصت الكلام، وضحكت ببساطة وهي بتشكر الحاضرين، وهى ماشية لمحت عينه،
اتشدت للحظة.. بس كملت طريقها عادي.
وهو فضل واقف..
لأول مرة من سنين، حس إنه محتاج يسمع تاني..
مش صوتها بس..
لأ، محتاج يسمع الكلام ده..
يعيش جوه العالم ده.
مومن (لنفسه وهو بيهمس):
"جميلة فى هدوءها.. مفيش فيها حاجة ملفتة.. بس هى كلها ملفتة."
أصبح بيحب يوم الجمعة والسبت.. دول أكتر يومين بيحس فيهم براحة نفسية غريبة، يمكن عشان بيبعد عن القواضي ، عن البيت، عن الزحمة النفسية كلها.
الكاتبة صفاء حسنى
كان مومن ماشي في ممرات الجامعة بعد ما انتهى اليوم الدراسي. صوته الداخلي ما سكتش، وكان بيعاتب نفسه:
"إيه اللي بيحصلي؟… أنا جيت هنا عشان أشتغل وأحافظ على بيتي… عشان ميكونش عندي وقت أفكر في عيوب أو ألوم رهف… وكمان رهف بدأت تتغير فعلاً وتكون أحسن…"
شعر بوخزة في قلبه، إحساس ذنب ثقيل… واستغفر ربه بصوت منخفض، كأنه بيحاول يطرد أي فكرة مش لازم تكون موجودة.
قطع خطواته السريعة، وقرر يروح على البيت.
—
فى البيت
كانت رهف تتحدث (بهمس): "أنا محتاجة أي معلومة عن شخص اسمه عبدالله… كان زوج إيمان، وفقدته في سوريا. مش عارفة إذا كان حي ولا ميت… عايزة أساعدها تلاقيه… وبسرعة لو كان عايش."
جاءها صوت الرجل من الطرف التاني، غامض وثابت:
المجهول: "تمام… هيتم البحث… وأول ما نوصل لأي جديد، هتكوني أول واحدة تعرف."
ضغطت رهف على التليفون وأنهت المكالمة، وعيونها فيها خليط من الإصرار والتوتر… وكأنها داخلة على خطوة هتغير حاجات كتير.
رهف كانت قاعدة في أوضة المعيشة، بتقلب في تليفونها بملل، فجأة… إشعار واتساب من رقم غريب.
فتحت الرسالة، وقلبها وقع:
"أهلاً بالقاتلة المحترفة."
شهقت رهف، إيدها بردت فجأة، وكتبت بسرعة:
– "إنت مين؟! وإيه الكلام الفارغ ده؟"
الرد جه فورًا، بلهجة ساخرة:
"طبعًا هتعملي نفسك ملكة قطة سيام… وإنتِ عارفة كويس، اللي بيقرب منك أو بيحاول ياخد حبيب القلب، نهايته الموت أو الرحيل… صح؟"
اتنهدت رهف، الغضب بدأ يطغى على خوفها:
– "إنت مين وبتقول إيه؟ أنا أبلّغ عنك مباحث الإنترنت!"
جاءه الرد مع ضحكة مكتوبة:
"ياريت! عشان جوزك يعرف حقيقتك… ويعرف إنك السبب في شلل بنت خاله، بس عشان حسّيتي إنها بتحب مومن وأنتم صغيرين… فاكرة؟
أو مهتاب… أخت صديقه ، لما لمّحت إنها واقفة مع مومن وبيضحك معاها في الجامعة، أيام ما كنتوا لسه طلاب… وهو بيعمل درسات عليا
وقتها سلطتي عليها شوية شباب قذرين يشوهوا سمعتها بعد ما سرقتي صور شخصية ليها… فاكرة يا قلبك الأبيض؟"
رهف اتجمدت، عينيها تلمع بخوف، إيدها بترتعش… حاجات كانت فاكراها اندفنت زمان، دلوقتي بتطفو من جديد.
الرسالة الجاية كانت ضحكة طويلة:
"مصدومة صح؟ يوم الحساب قرب… يا رهف هانم."
رهف كتبت بخوف واضح:
– "عايز إيه؟… أو الأصح… عايز كام؟"
الرد جه أبرد من التلج:
"مش عايز فلوس… عايز أكشفك قدّام الكل.
إنتِ مهووسة بمومن، ومستعدة تقتل أي حد يقف بينك وبينه… هوسك مش طبيعي… وهوسك هو اللي هيكون سبب موتك."
حاولت رهف تسيطر على نفسها:
– "طيب… نتقابل في النادي، أديك المبلغ اللي إنت عايزه… أوكي؟ أبعَت لك العنوان."
الرد كان بضحكة مستفزة:
"أنا عارف كل تحركاتك… وعارف إن آخرك تلعبي دور القطة البريئة. لكن لو جوزك عرف، هقدر أخد ملايين… أو أقل حاجة، أكسب من وراها كتير."
رهف كتبت بسرعة:
– "تكسب من ورا إيه بالظبط؟"
آخر رسالة وقعت على قلبها زي الحجر:
"ورقة صغيرة تضيع من وسط أوراق… القضية الأخيرة اللي بيحقق فيها النائب. وكده… القضية تبقى لصالح موكلي.
فكرّي يا قطة سيام."
كانت رهف تحت ضغط التهديد والابتزاز والخوف من الماضي.
وصل مومن للبيت ، وهو جاي من الجامعة وعقله مشغول، بيحاول يهرب من مشاعره المتلخبطة ناحية إيمان بالعودة لحضن زوجته.
مفتاح في الباب… صوت القفل بيلف… رهف ارتبكت راحت علي المطبخ، واقفة قدام الحلة والبخار بيطلع، بس عقلها بعيد… بعيد قوي.
الرسائل، التهديد، الكلام عن الماضي اللي ظنت إنه انتهى، ابتسامات الشر من الشخص المجهول، وحقيقة إنها لو انكشف سرها… الكل هيتقلب عليها.
"مومن دلوقتي ملكي"، قالت لنفسها في صمت وهي بتحرك الملوخية… "حتى لو شاف إيمان يومًا، هتكون متزوجة، وهو مش هيفكر فيها أبدًا".
في الشقة، مومن فتح الباب ودخل، ماسك في إيده شوية ورق مهم جابهم معاه من الشغل، خايف عليهم ليضيعوا. رهف حسّت بيه ودخلت المطبخ على طول، بتجهّز الأكل وبتفكّر في اللي بيبتزّها وعارف كل حاجة عنها. خايفة أوي أهلها يعرفوا، ومؤمن كمان. كانت فاكرة إن الماضي ده خلاص اتقفل عليه، وإن مؤمن بقى بتاعها هي وبس، حتى لو إيمان ظهرت في حياتهم تاني، هو خلاص متجوّزها ومش هيفكر فيها.
خطوات تقرب… ودفء جسم بيجي من وراها فجأة.
مومن، بابتسامة هادئة، لف إيده حوالين خصرها.
حضنها من ضهرها، كأنه بيهرب من مشاعر غريبة جواه، مش عارف إيه سببها ولا ليه حسّ بيها، بس المهم إنه عايز يهرب من كل حاجة مضايقاه.
رهف اتخضّت ولفت ليه: "يا حبيبي خضّتني!"
قالت : "دقيقة والأكل يكون جاهز."
وبعدين سألها مومن : "الاولاد فين؟"
ابتسمت وقالت: "نايمين في أوضتهم."
ابتسم مومن وشدّها ليه: "أنا عايزك إنتي، مش عايز أكل ولا شرب."
رهف فرحت أوي إنه اختار حضنها هي، مش الأكل. أكل ايمان حضنته بكل حب وشوق ودخلت معاه الأوضة.
جوه الأوضة، مومن قفل الباب بالراحة،
وضع مومن الورق إلا فى أيده على المكتب، مش عايز يضيع أي لحظة دلوقتي ."
وبصّ لرهف وعينيه فيها لهفة كبيرة. قرّب منها بالراحة، مسك إيديها وحطّهم حوالين رقبته.
"رهف،" همس باسمها بحنية، "إنتي كل حاجة عندي."
رهف ابتسمت بخجل ورفعت إيديها تلمس وشه بحب. "وإنتَ دنيتي كلها يا حبيبي."
مومن باسها بوسة خفيفة على جبينها، وبعدين باس عينيها وخدودها، وفي الآخر باس شفايفها. كانت بوسة طويلة مليانة شوق وحب، بتعبّر عن كل المشاعر اللي في قلوبهم لبعض.
بعد شوية، مومن بعد عن شفايفها وبصّ في عينيها على طول. "بحبك يا رهف، بحبك أكتر من أي حاجة في الدنيا."
"وأنا بحبك أكتر يا مومن،" رهف ردّت بصدق وعينيها بتلمع بالدموع.
مومن حضنها جامد، وحسّوا إنهم روح واحدة في جسمين. مفيش حاجة في الدنيا أهم من الحب اللي بينهم.
مومن بدأ يبوس رقبتها بالراحة، وبعدين نزل على كتفها ودراعها. رهف كانت بتاخد نفسها بالعافية من كتر الإحساس، وإيديها ماسكة في ضهره جامد.
فجأة، مومن وقف وبصّ في عينيها بقلق. "إنتي كويسة يا حبيبتي؟"
"أيوة كويسة،" رهف ردّت بصوت واطي، "بس... خايفة."
"خايفة من إيه؟" مومن سألها بحنية.
"خايفة أخسرك، خايفة أي حاجة تفرّقنا."
مومن ابتسم وباسها على جبينها تاني. "مستحيل يحصل كده يا حبيبتي. أنا بتاعكِ للأبد."
وبعدين رجع باسها بشغف، وانطلقوا مع بعض في رحلة حب وعشق، مفيش فيها مكان للخوف ولا للقلق.
هدأت الأنفاس… الصمت غطى الغرفة.
مومن مستسلم للنوم، جسده العاري على السرير، والراحة باينة على ملامحه… راحة ما يعرفش إنها بالنسبة لرهف كانت مجرد هدنة.
رهف انسحبت من حضنه بهدوء، التفاف سريع بالملاءة على جسدها، وخطواتها متجهة برا الغرفة… في يدها هدف واضح.
على طاولة الصالة، وضعت كومة الملفات اللي جابها مومن.
إيدها بدأت تقلب، ورقة ورقة… ملف ملف… أنفاسها سريعة، وعيونها تتحرك بسرعة ما بين العناوين والأختام.
حتى… توقفت يدها فجأة.
ملف أزرق… عليه رقم قضية مألوف.
رهف فتحت الملف، قلبها بيدق، وابتسامة صغيرة انتصرت على ملامح التوتر.
رفعت الموبايل، وكتبت رسالة للشخص اللي بيبتزها:
– "الملف معايا. قول عايز ورقة إيه تضيع… بس ما تأثرش على شغل مومن. مفهوم؟"
الرد جه فورًا تقريبًا:
– "متخافيش… حتى لو ساب الشغل، هو دلوقتي شغال دكتور في الجامعة."
رهف اتسعت عينيها:
– "إنت بتقول إيه؟"
ابتسامة شريرة ظهرت في نص الرسالة الجديدة:
– "معلومة جديدة عليكِ، صح؟ جوزك بقاله سنة بيشتغل دكتور في جامعة القاهرة، ومع شغله في مكتب النائب يعني أكل عيشه مش هيتقطع.
القضية دي مش مهمة أوي… هي بس مفيدة لينا إحنا. يعني هتعدي.
كان ممكن نتصرف وإحنا في النائب، لكن بعد اللي حصل قبل كده لما خدنا ورق، بدأ يخاف وياخد كل حاجة البيت.
كنا بنحاول نتعامل مع حد عندكم… بندور على أي غلطة للخادمة… إيمان.
لكن وإحنا بنبحث… لقينا آنتي البوس.
أخطاءك كتيرة… وهتنفعني.
اسحبي ورقة رقم 6 من الملف، وكمان رقم 10، عشان نتحفظ بالقضية لعدم اكتمال الأوراق."
رهف قعدت متنحة، مش مستوعبة اللي بيحصل. يعني مؤمن طول الوقت ده شغال دكتور في الجامعة ومخبي عليها؟ وإزاي الشخص ده عارف كل حاجة عنها وعن مؤمن؟ الخوف بدأ يتملكها أكتر وأكتر.
بصت على الملف اللي في إيدها، مترددة تعمل اللي بيقول عليه. لو عملت كده، ممكن تضر مؤمن وتخليه يخسر قضيته. ولو معملتش، ممكن الشخص ده يفضحها ويكشف سرها قدام الكل.
دموعها بدأت تنزل على خدها، مش عارفة تتصرف إزاي. مسحت دموعها بسرعة وقامت وقفت، قررت إنها لازم تفكر بهدوء وتشوف هتعمل إيه.
دخلت الأوضة تاني بالراحة، بصت على مؤمن وهو نايم، شكله كان تعبان أوي. قربت منه وقعدت جنبه على السرير، فضلت باصة عليه شوية، وبعدين مسكت إيده وباستها.
"يا رب سامحني، أنا مش عارفة أعمل إيه،" همست بصوت واطي.
قامت من مكانها وراحت ناحية المكتبة، فتحت النور وبدأت تدور على الملف اللي الشخص ده عايزه. قلبّت في كل الملفات اللي موجودة، لحد ما لقت الملف المطلوب.
أخدت الملف وطلعت برة الأوضة تاني، قعدت على الكرسي وبدأت تقلب في الورق. دورت على ورقة رقم ستة ورقم عشرة، ولما لقتهم، بصت عليهم كويس أوي.
كانت الورقة رقم ستة عبارة عن شهادة شاهد مهم في القضية، والورقة رقم عشرة كانت عبارة عن دليل بيثبت تورط المتهم الرئيسي. لو الورقتين دول اختفوا، القضية هتضيع والمتهم هيخرج براءة.
رهف فضلت قاعدة تفكر، مش عارفة تعمل إيه. ضميرها بيأنبها، مش قادرة تضر مؤمن وتضيع تعبه ومجهوده. بس في نفس الوقت، خايفة من الشخص اللي بيهددها.
فجأة، جالها فكرة. ابتسمت بخبث وقامت وقفت، أخدت الورقتين وراحت ناحية المطبخ. فتحت البوتاجاز وولعت النار، وبعدين رميت الورقتين جوة النار.
"أنا مش هخليك تضر مؤمن، ومش هخليك تفضحني،" قالت بصوت عالي.
الورق بدأ يتحرق، ورهف واقفة باصة عليه لحد ما اتحول لرماد. ابتسمت بانتصار ورجعت قعدت على الكرسي تاني، مستنية رد فعل الشخص اللي بيهددها.
تتبع
إقتباس من الفصل 15
رهف قاعدة على سريرها، إيدها بتترعش وهي ماسكة الموبايل، قلبها بيدق بسرعة من التهديدات اللي وصلتها. بتاخد نفس عميق وتتصل برقم سرّي تابع لمكتب أبوها.
رهف:
"أيوه يا سامي... أنا رهف... اسمعني كويس، الموضوع مستعجل جدًا ومينفعش يتأخر."
صوت سامي بيجي هادي لكن فيه جدية:
"خير يا آنسة رهف؟"
رهف (بصوت منخفض وحازم):
"هبعَتلك دلوقتي رقم واحد بيهددني... عايزاك تعمل هكر على موبايله، تمسح أي رسايل قديمة عنده، وتبعت من موبايله رسايل تهديد لرقمي. وكمان... هبعتلك صورة ليا أنا ومؤمن، قصّها بطريقة تبان وحشة وتحطها في الرسايل."
سامي:
"تمام، وبعد كده؟"
رهف:
"بعدها افكّ الحظر من عندي عشان استقبل الرسايل، وأروح أقدّمها لمباحث الإنترنت. المهم تخلص الشغل بسرعة ومحدش يشك."
لقطة سريعة:
رهف تبعت رقم الشخص والصورة لسامي، أصابعها سريعة على الكيبورد.
بعد دقائق، تليفونها بيرن بنغمة الرسائل...
تفتح وتشوف رسايل التهديد ومعاها الصورة المشوّهة، عينيها بتلمع بنظرة انتصار صغيرة وسط خوفها.
رهف (بهمس لنفسها):
"كويس... كده الورق كله معايا."
تقوم بسرعة، تلم حاجتها، وتخرج من أوضتها متوجهة على مباحث الإنترنت، خطواتها ثابتة، وعينيها فيها لمعة إصرار.
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى الفصل 15
النار التهمت الورق... لون الرماد غطى الطاولة، ورائحة الحريق لسه بتملأ المكان.
رهف وقفت على بعد خطوة، تراقب الأوراق وهي تتحول لرماد، وكأنها بتحرق معاها التهديد نفسه.
رفعت موبايلها... صورت كومة الرماد، وبكل هدوء بعتت الصورة للشخص اللي بيبتزها.
ثواني... ورد الرد الغاضب:
- "آنتي مجنونة! رسمي أنا بتعامل مع مجنونة! أنا طلبت تجيبي الورق... مش تحرقيه!"
ابتسمت رهف بسخرية، وردت ببرود قاتل:
- "أنا نفذت اللي طلبته. قلت أخفي الورق... خفيته.
ولو حد فكر يقرب مني تاني، سواء إنت أو أي عدو، أنا بنت نائب رئيس الوزراء... فاهم يعني إيه؟
ولا أفهمك يعني ما بتهددش؟ ومفيش مع السلامة."
وأغلقت المحادثة بحظر كامل للرقم... مكالمات وواتساب.
في مكان آخر... الشخص ضغط الموبايل بعصبية، نفخة غاضبة خرجت منه:
- "إيه المصيبة اللي خليتني أتعامل معاها دي؟! حرقت الورق... أنا كنت عايز الورق عشان أديه للخصم، يقدر يعترض على الحكم... لكن المجنونة حرقت كل حاجة."
ضحك الشخص اللي كان جنبه، وهو بيشرب قهوته بهدوء:
- "ولولو... عادي. كده كده الملف ناقص. إحنا تأكدنا.
هنبلّغ عن التحقيق ونثبت إن الملف ناقص... وجوزها يروح في داهية.
هو أصلاً طلع نائب غبي... متجوز واحدة مريضة وما اكتشفهاش.
خليه يشرب."
؟
الكاتبة صفاء حسنى
رهف قاعدة على سريرها، إيدها بتترعش وهي ماسكة الموبايل، قلبها بيدق بسرعة من التهديدات اللي وصلتها. بتاخد نفس عميق وتتصل برقم سرّي تابع لمكتب أبوها.
رهف:
"أيوه يا سامي... أنا رهف... اسمعني كويس، الموضوع مستعجل جدًا ومينفعش يتأخر."
صوت سامي بيجي هادي لكن فيه جدية:
"خير يا آنسة رهف؟"
رهف (بصوت منخفض وحازم):
"هبعَتلك دلوقتي رقم واحد بيهددني... عايزاك تعمل هكر على موبايله، تمسح أي رسايل قديمة عنده، وتبعت من موبايله رسايل تهديد لرقمي. وكمان... هبعتلك صورة ليا أنا ومؤمن، قصّها بطريقة تبان وحشة وتحطها في الرسايل."
سامي:
"تمام، وبعد كده؟"
رهف:
"بعدها افكّ الحظر من عندي عشان استقبل الرسايل، وأروح أقدّمها لمباحث الإنترنت. المهم تخلص الشغل بسرعة ومحدش يشك."
لقطة سريعة:
رهف تبعت رقم الشخص والصورة لسامي، أصابعها سريعة على الكيبورد.
بعد دقائق، تليفونها بيرن بنغمة الرسائل...
تفتح وتشوف رسايل التهديد ومعاها الصورة المشوّهة، عينيها بتلمع بنظرة انتصار صغيرة وسط خوفها.
رهف (بهمس لنفسها):
"كويس... كده الورق كله معايا."
تقوم بسرعة، تلم حاجتها، وتخرج من أوضتها متوجهة على مباحث الإنترنت، خطواتها ثابتة، وعينيها فيها لمعة إصرار.
الصبح، شمس خفيفة بتدخل من شباك البيت، مومن لابس بدلة سودة وكرفته بسيطة، ماسك في إيده شنطة جلد صغيرة فيها الورق المهم. وشه متوتر لكن عينه فيها إصرار.
فتح باب البيت وطلع بسرعة، خطواته تقيلة بس قلبه بيخبط بقوة. ركب عربيته واتجه على المحكمة، طول الطريق دماغه شغالة بأفكار كتير.
وصل قدام المحكمة، السلم عالي والزحمة كبيرة، ناس طالعة وناس نازلة، كل واحد شايل همّه. دخل من البوابة بعد ما اتفتش، وراح على القاعة رقم ٤.
القاعة مليانة، القاضي قاعد على المنصة، وصوت الموظف بينادي على القضايا.
الموظف:
"القضية رقم ١٤٥... مومن عبد الهادي ضد..."
مومن وقف واتقدم، حط الشنطة على الترابيزة وفتحها، طلع الورق وسلمه للقاضي.
مومن (بصوت ثابت):
"سيادة القاضي، الأوراق دي بتثبت حقي وبتكشف كل حاجة."
القاضي بدأ يبص على الورق، لكن قبل ما يكمل، محامي الخصم قام واقف، ابتسامة خفيفة على وشه.
المحامي:
"مع احترامي، لكن الأوراق دي فيها خلل واضح... في توقيعات ناقصة، وفي صفحات مش مختومة."
مومن اتفاجئ، قلبه وقع، بص في الورق بسرعة.
مومن:
"إزاي؟! الورق كان كامل."
المحامي كمل بثقة:
"واضح إن فيه تلاعب، وممكن نطالب بإبطال المستندات."
همس الناس في القاعة بدأ يزيد، ومومن حس كأن الأرض بتتهز تحت رجليه.
والمحامى يبدأ يلمح ان أكيد حتى بيلعب فى اورق القضية
اللي كان المفروض يساعده، قاعد في الصفوف الخلفية بيبص للأرض، ملامحه مريبة.
في اللحظة دي، فهم مومن إن عاوزين يورطه
وإن اللعبة أكبر منه، وإن الورق اتلعب فيه قبل ما يوصل القاضي.
---
الكاتبة صفاء حسنى
---
فجأة، عيناه لمحت من بعيد رهف وهي داخلة القاعة. استغرب جدًا، قلبه دق بسرعة، وكأنه مش فاهم إيه اللي جابها في اللحظة دي.
اقتربت رهف بخطوات ثابتة، ملامحها جدّية، ووقفت قدام القاضي باحترام. قالت بصوت واثق:
ـ حضرتك... في شوية أوراق كانوا موجودين في ملف تاني لزوجي، لكن أنا عندي شكوى... إن فيه ابتزاز حصل من بعض المحامين المحترمين، ومباحث الإنترنت معايا، وواضح إنه كان فيه محاولة لتوريط زوجي.
مدّت إيدها وقدمت للقاضي باقي الأوراق ومعاهم ملف قضية مباحث الإنترنت. القاضي استلم الأوراق وهو بيرفع حاجبه باستغراب، وبدأ يقلب فيهم باهتمام، والقاعة كلها اتشدت لمعرفة إيه اللي هيحصل بعد كده.
الكاتبة صفاء حسنى
---
القاضي بعد ما قلب في الورق وبص لرهف بنظرة حازمة، قال:
"الكلام اللي بتقوليه ده خطير يا مدام، ولازم يتأكد. المحكمة هتحوّل الموضوع للنيابة العامة عشان تحقق فيه فورًا. ولو ثبت فعلاً إن فيه ابتزاز أو تلاعب بالأدلة... كل اللي شارك فيه هيتحاسب بالقانون، مهما كان منصبه."
ابتسمت رهف وهي تبصّ للمحامي بنظرة انتصار، وابتسامة صغيرة ارتسمت على وشها كأنها بتقول "اللعبة خلصت".
ضحكت بخفة وهي شايفة علامات الصدمة بتغزو ملامحه مع كل اتهام بيتوجه ضده، لحد ما القاضي نطق بقراره الحاسم:
القاضي (بصوت صارم):
"بعد ثبوت الاتهامات الموجهة للمحامي... تقرر المحكمة وقفه عن العمل فورًا، وإحالته للمحاكمة الجنائية."
المحامي وقف مذهول، عينيه بتتنقل بين القاضي ورهف، وهو مش قادر يستوعب إزاي الأمور اتقلبت عليه بالشكل ده، في حين إن رهف كانت واقفة ثابتة، وعينيها مليانة قوة ورضا بالنصر اللي حققته.
---
الكاتبة صفاء حسنى
---
ابتسمت رهف وهي بتبص للمحامي، ضحكت ضحكة انتصار كأنها بتقول من غير كلام: "أنا كسبت الجولة"، المحامي اتصدم وهو بيسمع كل الاتهامات اللي وُجهت له، لحد ما جاله القرار بوقفه عن العمل وتقديمه للمحاكمة.
مؤمن ما قدرش يمسك نفسه، اتجه ناحيتها وهو فخور بيها، لكن عينه كان فيها سؤال:
- ليه ما بلغتينش بكل اللي حصل؟
تنهدت رهف وهي بتبص له بحب، وقالت بنبرة صادقة:
- أنا وعدتك إني أحميك من أي خطر... أنا بعشقك يا مؤمن، ومحدش في الدنيا يقدر يضرك طول ما أنا موجودة.
---
قرب منها أكتر وسأل بقلق:
- "طب... فين حياة ومراد؟ سبتيهم مع مين؟"
ردت بسرعة وبثقة:
- "سبتهم مع أمي... كان لازم أكون أسرع من أي خطر ممكن يقرب منك."
---
"ورهف نجحت تقرّب منه، وطلبت منه يخرجوا يتغدوا بره. فعلًا خرجوا وحسّوا كأنهم رجعوا لأيام الخطوبة. بدأوا يتكلموا، وفي وسط الكلام سألته:
- حبيبي، بتروح فين جمعة وسبت؟ سمعت إنهم إجازتك.
ضحك مؤمن وقالها:
- مش دايمًا إجازة، بس هفهمك. أنا اشتغلت دكتور في الجامعة عشان كنت محتاج أهدّي الضغط النفسي اللي بشوفه في النيابة، وبحس براحة نفسية وأنا بعلّمهم.
ابتسمت رهف وهي مبسوطة وسألته:
- في كلية إيه؟
مؤمن خد رشفة من العصير، وابتسامة هادية ظهرت على وشه وهو بيرد:
- في كلية الحقوق... يمكن تستغربي، بس التدريس هناك بيفكرني أنا ليه دخلت المجال ده من الأول، وبيديني إحساس إني لسه بقدر أغيّر في حياة حد.
رهف ميلت راسها بخفة وهي بتحاول تخبي فضولها:
- كلية الحقوق... حلو... طب يا ترى بتدرّس لمين؟ لطلبة صغيرين ولا...
ضحك مؤمن وهو بيقطع كلامها:
- أغلبهم كبار في السن... وده أكتر سبب بيخليني أحب الموضوع، بحس إني قدامي ناس عايزة تتعلم بجد، مش بس عشان الشهادة.
في اللحظة دي، عين رهف لمعت وهي بتحاول تربط بين كلامه وبين اللي كانت سمعاه قبل كده... وفي دماغها بدأت تدور فكرة مش هتسيبها في حالها."
"بعد ما خلصوا الغدا، طلبت منه يوصلها على البيت ويروح يجيب هو حياة ومراد عشان هي حاسة بتعب.
وافقها واعتذر منها إنها اتعرضت لموقف زي ده بسبب شغله.
فعلًا وصلها ومشي على بيت أهله.
رهف اتصلت بإيمان وطلبت تقابلها فورًا.
وفعلًا إيمان قالتلها إنها فوق في شقتها.
طلعت رهف وهي كلها غضب، وفتحت الباب وبصت لإيمان وقالت:
- إنتي لازم تسيبي الكلية لو عايزة تكملي شغل معايا.
إيمان استغربت من كلامها:
- إنتي بتقولي إيه؟ يعني إيه أسيب كليتي؟ رهف فوقي على نفسك.
زعقت رهف:
- إنتي مديونة ليا، تسمعي كلامي. أنا اللي رجعتك لمصر وخرجتك من كل التهم، وبقولك سيبي الجامعة.
رفضت إيمان وقالت:
- أنا محدش يتحكم فيا. ولو على الشغل، عندك مش عايزة.
مسكتها رهف بعنف:
- رايحة فين؟
سحبت إيمان إيدها وقالت:
- رهف أنا مش عايزة أخسرك، بس إنتي واضح إنك فاكراني من ممتلكاتك، لا انسي.
جت تمشي ورهف مسكت فيها، وفجأة وقعت رهف واتخبطت في ترابيزة وأغمى عليها.
إيمان شهقت وشالت رهف ونزلت جري على الأسانسير ووقفت تاكسي وصرخت:
- على المستشفى بسرعة!"
-
في الطوارئ، دخلت إيمان وهي لاهثة، ووجهها شاحب من الصدمة، تصرخ:
- حد يلحق! هي وقعت على دماغها!
الممرضين أسرعوا ونقلوا رهف على النقالة، وإيمان تمشي جنبها وهي بتحاول تفسر للطبيب:
- كانت واقفة وبعدين وقعت فجأة... خبطت راسها في الترابيزة...
الطبيب دخل رهف فورًا على غرفة الفحص، وأغلق الباب، ووقفت إيمان في الممر، قلبها بيدق بسرعة، مش عارفة هي خايفة على رهف فعلاً ولا من اللي ممكن يحصل بعد كده.
بعد دقائق، خرج الطبيب وقال بلهجة جدية:
- محتاجين نعمل أشعة مقطعية فورًا، وفي احتمال إنها فقدت الوعي بسبب ارتجاج أو نزيف بسيط... هنحتاج نبلغ أهلها.
إيمان ابتلعت ريقها، و قررات. تتصل ب ولدة رهف
في بهو البيت، كان مومن واقف قدام أم رهف، بيحاول يلهي الأطفال وهو بيستعد ياخدهم. فجأة، رنّ موبايل الأم.
رفعت السماعة، صوت إيمان كان على الطرف التاني، متوتر وأنفاسها متقطعة:
"أنا آسفة إني بكلمك فجأة... بس رهف في المستشفى."
اتسمرت الأم مكانها، والدمعة نطّت من عينها قبل حتى ما تستوعب الكلام، شهقت شهقة قوية وصوتها اتكسر:
"رهـــــف؟!"
الأطفال انتبهوا لصوت جدتهم العالي، وابتدوا يبصوا حوالينهم بقلق. مومن اتجمد، قلبه بيخبط في ضلوعه، وهو بيحاول يفهم إيه اللي بيحصل.
مومن وقف مذهول... عيناه اتسعت
أم رهف تحس الدنيا اتشقّت تحت رجليها، تشهق شهقة قوية وصوتها يصرخ:
- رهف!
مؤمن، اللي كان واقف جنبه الباب، يتجمد في مكانه والدم ينشف في عروقه، عينه تتسع وهو بيبص في الأرض بصدمة.
ممرات المستشفى كانت مليانة أصوات خطوات ونداءات الأطباء، وريحة المطهرات مغرقة الجو.
مؤمن بيجري وهو لابس جاكيت مفتوح، أنفاسه متقطعة، وعينيه بتلف تدور في كل اتجاه.
مؤمن بصوت عالي وهو بيقرب من مكتب الاستقبال:
- لو سمحت! رهف... فين أوضة رهف؟!
الممرضة رفعت عينيها من الورق، مستغربة:
- مين حضرتك؟
مؤمن مش قادر يسيطر على صبره:
- أنا جوزها... رهف فين؟! حالتها إيه؟
في اللحظة دي، أم رهف ظهرت وهي ماسكة إيدين الأطفال اللي بيجروا وراها، ووشها شاحب، عينيها حمراء من البكا. أول ما شافته شهقت:
- مؤمن!
الأطفال سابوا إيدها وجروا على ايمان
-
ايمى ايمى
هى جريت عليهم ركعت في نص الممر، حضنتهم بسرعة، وحاست بإيدينهم الصغيرة بتترجف، وبصت في وش أم رهف الا بتسالها :
- إيه اللي حصل؟! فين هي؟!
بصت ايمان له بعيون كلها خوف ودموع:
- في العمليات......
مؤمن وقف متجمد، قلبه وقع في رجليه، وعقله رجع على طول لصورة الطالبة اللي بيشوفها في الجامعة... هي نفس الاسم... ونفس الملامح.
---
نظر لها مومن بعيون كلها غضب وملامحه مشدودة:
ـ إنتِ هنا ليه؟! ومالها مراتي؟ وتعرفيها منين؟
ابتدت إيمان توضح وهي بتحاول تهدي الموقف:
ـ حضرتك... أنا بكون صديقتي مدام رهف.
هز مومن راسه باستنكار، وصوته عالي وفيه شك واضح:
ـ أنا عارف كل أصحاب رهف، وعمرها ما قالت إن عندها صديقة زيك! واضح إنك من طرف الناس اللي عاوزين يأذوني، وروحتي عندها عشان تقتليها!
اتسعت عيون إيمان من الصدمة، ونزلت دموعها وهي بتهز راسها رافضة الاتهام:
ـ أقسم بالله... ما عملت حاجة! هي اللي وقعت لوحدها!
---
كانت إيمان تحاول التقاط أنفاسها بصعوبة، بينما مومن يشتعل غضبًا. اقترب منها خطوة، وكأنه وحش كاسر يستعد للانقضاض على فريسته.
مؤمن: "كفاية تمثيل! فاكرة إنك هتقدري تخدعيني بدموع التماسيح دي؟ أنا مش غبي، وشايف الكذب في عينيكي كويس أوي."
إيمان (بصوت مرتعش): "صدقني يا أستاذ مؤمن، أنا عمري ما أذيت حد. رهف صاحبتي، ومستحيل أفكر أعمل فيها كده."
مؤمن (بتهكم): "صاحبتك؟ يا سلام! وإيه اللي يثبت كلامك ده؟ وريني دليل واحد بس يخليني أصدقك."
نظرت إيمان حولها بيأس، تحاول أن تجد أي شيء يثبت براءتها. ثم تذكرت شيئًا في حقيبتها. أخرجت هاتفها المحمول بسرعة، وبدأت تبحث عن شيء ما.
إيمان: "استنى يا أستاذ مؤمن، ثواني بس. أنا معايا صور وفيديوهات لينا مع بعض، هتشوف بنفسك."
بينما كانت إيمان تحاول فتح الصور، خطف مؤمن الهاتف من يدها بعنف. بدأ يتصفح الصور والفيديوهات بسرعة، وعيناه تشتعلان بنيران الغضب والشك.
مؤمن (بعد أن شاهد الصور): "حتى لو كلامك ده صح، برضه مش هصدقك. ممكن تكوني اتعرفتي عليها قريب، أو بتخططي لحاجة أكبر. أنا مش هسمحلك تأذيها."
إيمان (بصراخ): "يا ربي! أعمل إيه عشان تصدقني؟ أنا مش قادرة أصدق إنك بتتهمني كده."
اندفع مؤمن إلى الداخل ليجد رهف ملقاة على الأرض فاقدة الوعي. ركض نحوها بفزع، يحاول إفاقتها دون جدوى.
مؤمن (بهلع): "رهف! رهف حبيبتي! ردي عليا!"
في هذه اللحظة، دخل طفل صغير وطفلة أكبر قليلًا إلى الغرفة.
حياة (بصوت قلق): "بابا! ماما مالها؟"
مراد (بخوف): "ماما نايمة؟"
تجاهل مؤمن سؤال الأطفال، وعيناه مثبتتان على رهف. ثم نظر إلى إيمان بغضب.
مؤمن (بصراخ): "إنتِ عملتي فيها إيه؟ إيه اللي حصلها؟"
إيمان (بصدمة): "أنا... أنا ما عملتش حاجة! هي فجأة وقعت قدامي!"
فجأة، تدخل مراد الصغير في الحديث.
مراد (ببراءة): "طنط إيمي هي اللي بتعمل لنا الأكل كل يوم. هي كويسة أوي."
ثم أضافت حياة الصغيرة:
حياة (بحب): "طنط إيمي بتحكي لنا قصص حلوة قبل ما ننام."
توقف مؤمن عن الصراخ، ونظر إلى الأطفال بذهول. ثم نظر إلى إيمان، وعيناه تحملان خليطًا من الغضب والارتباك والدهشة.
مؤمن (بصوت هامس): "إيه اللي بيحصل هنا؟ إيه طنط إيمي دي؟ وإنتوا مين؟"
نظرت إيمان إلى مؤمن بحزن، ثم نظرت إلى الأطفال بحب.
إيمان: "أنا إيمان، و... أنا اللي برعى أولادك في غياب رهف."
صمت مؤمن للحظات، وعيناه تتنقلان بين إيمان والأطفال في حالة من الذهول التام. لم يستطع استيعاب ما يسمعه.
مؤمن (بصدمة): "؟ من إمتى؟ وإزاي ما عرفش حاجة زي دي؟"
نزلت دموع إيمان رغماً عنها، وهي ترى نظرة الضياع في عيني مؤمن.
إيمان (بحزن): "من 3 شهور يا أستاذ مؤمن.
قطع حديثهم الدكتور وهو يقول
المدام عندها نزيف فى المخ وهنعمل لها
عميلة محتاجين موافقة
سقط مؤمن على ركبتيه، غير قادر على استيعاب حجم الصدمة
تتبع
إقتباس من الفصل 16
طيب أنا مش فاهم… رهف تعرفك من إمتى؟"
تنهدت إيمان وقالت:
ـ "من زمان… إحنا كنا جيران وأصدقاء في المرحلة الإعدادي والثانوي."
انصدم مؤمن وسألها:
ـ "إنتي كنتِ معانا في مدرسة فريدة الخاصة؟"
هزت إيمان رأسها بالنفي:
ـ "كنت في مدرسة فتيات مصر الجديدة الأزهر الشريف."
بصّ لها مؤمن باندهاش:
ـ "دي المدرسة اللي جنب مدرستنا!"
هزت إيمان رأسها:
ـ "آه… كنت الفترة الابتدائي والإعدادي هناك، وبعدين اتنقلت في الثانوية عند رهف."
هز مؤمن رأسه وكأنه بيتذكر:
ـ "آه… أنا وقتها كنت اتنقلت آخر سنة لمدرسة عسكرية عشان أتهيأ وأدخل الشرطة."
سألته إيمان بلهفة:
ـ "إزاي حضرتك ظابط وكمان دكتور؟"
تنهد مومن وتابع بنبرة عتاب:
موضوع كبير لكن
ـ "ليه رهف خبت عليا إنها جابتك تساعدها في أمور البيت؟ أنا عارفة إن العيال كانوا تعبنينها… ومكنتش هرفض."
إيمان ابتسمت ابتسامة خفيفة وهي بتحاول تدافع عن موقف رهف:
"ممكن عشان شغلك… وممكن كانت حاسة إنك هترفض إني أنا بالتحديد أشتغل عند حضرتك."
مؤمن استغرب وسألها باستفهام:
"مش فاهم… ليه؟ إنتِ عليك إيه بالظبط؟"
إيمان تنهدت بخجل وقالت بصوت واطي:
"حضرتك… أنا للأسف بنت واحد كان عضو في تنظيم."
مؤمن (بصوت عالٍ، ملامحه متصلبة): "تنظيم إيه بالظبط؟ يعني شكوكي كانت في محلها من البداية؟!"
الفصل بدون لينك
بينما كان مؤمن يحتضن حياة الصغيرة، دخل الطبيب إلى الغرفة بوجه متجهم.
#خائنة #خلف #جدران#الحب #الكاتبة #صفاء #حسنى
الفصل 16
الطبيب: "يا أستاذ مؤمن، المدام عندها نزيف في المخ، ولازم نعمل لها عملية حالا. محتاجين موافقتك."
رفع مؤمن رأسه ببطء، وعيناه ملؤهما الدموع واليأس.
مؤمن (بصوت مرتعش): "عملية؟ يعني... يعني في أمل إنها تخف؟"
الطبيب: "الوضع خطير، بس لازم نحاول. نوقف النزيف بيزيد، وكل دقيقة بتفرق. لو ما عملناش العملية، ممكن نخسرها."
نظر مؤمن إلى رهف الممددة على السرير، ثم نظر إلى حياة ومراد اللذين كانا ينظران إليه بخوف وقلق. لم يكن يعرف ماذا يفعل.
مؤمن (بتردد): "أنا... أنا موافق. اعملوا اللي لازم تعملوه. بس... بس أرجوكم، أنقذوها."
الطبيب: "تمام يا أستاذ مؤمن. هنبدأ نجهز للعملية فورا. بس محتاجينك تمضي على بعض الأوراق."
---
أتجه نحو الطبيب، ثم يعود ببصره إلى . يمد يده المرتعشة، يمسك بالقلم وينظر إلى أمها نظرة استغاثة صامتة. ثم يوقع، وكأن هذه اليد كانت توقع على قلبه قبل الورقة.
بعد التوقيع، يسلم مؤمن الورقة للطبيب، الذي يختفي مسرعًا في الممر. يعود مؤمن إلى مكانه، ينظر إلى إيمان وأم رهف، نظرة تجمع بين الحيرة والألم.
انتهى مومن من التوقيع وتم نقل رهف للعمليات كان الممر في المستشفى هادي نسبيًا، وفجأة ارتفع صوت أنين والدة رهف وهي بتحط إيدها على راسها وتتأوه.
أول ما تشوف بنتها داخله على العمليات
إيمان أول واحدة جريت عليها:
- "يا طنط... مالك؟! طنط!"
مومن كان واقف مش بعيد، لمح المشهد فاندفع بخوف:
- "امى ! إيه اللي بيحصلك؟!"
قبل ما حد يلحق يتكلم، والدة رهف وقعت على الأرض، عينيها مغمضة وأنفاسها متقطعة.
مومن بص لإيمان بعصبية وهو مرتبك:
- "نادي الممرضين بسرعة!"
إيمان جريت وهي بتصرخ:
- "حد يلحقنا! ممرضة! ممرضة!"
الممرضة وصلت ومعاها النقالة، بسرعة بدأوا يرفعوها عليها.
الممرضة وهي بتفحص النبض:
- "ضغطها عالي أوي... فيه اشتباه في جلطة، لازم نلحقها فورًا."
تم نقلها بسرعة لغرفة الطوارئ، وإيمان في إيدها الموبايل بتتصل بوالدتها وهي بتلهث:
- "ماما، تعالي المستشفى حالًا... وحكت الا حصل وكمان طنط منى وقعت ومحتاجينك عشان الأولاد."
بعد أقل من نص ساعة، والدة إيمان وصلت، عينيها فيها دموع حزينة وهي شايفة صديقتها في الحالة دي وبنتها فى العمليات.
أبو رهف كان واقف على جنب، وشه شاحب وبيحاول يتمالك نفسه بالعافية.
مومن قرب منه بهدوء وقال:
- "خليك قوي... إحنا محتاجينك، ورهف محتاجاك أكتر."
ثم بص للممرضة وقال:
- "من فضلك، خلي دكتور يراجع الضغط والسكر عنده... مش عايزين أي حاجة تحصل له."
الممرضة أومأت وهي بتكتب الملاحظات، وعيون الكل مليانة قلق وترقب.
---
الكاتبة صفاء حسنى
بعد ساعات من التوتر أومأ مؤمن برأسه، ونهض من مكانه بتثاقل. كان يشعر وكأن جبلًا قد انهار فوق رأسه. توجه بينما كانت إيمان تحاول تهدئة الأطفال.
إيمان (بحنان): "متخافوش يا حبايبي. ماما هتبقى كويسة. الدكتور هيخليها كويسة."
حياة (بدموع): "بس أنا عايزة ماما تصحى. أنا مش عايزة ماما تكون تعبانة."
ضمّت إيمان حياة ومراد إلى صدرها، وهي تحاول أن تخفي دموعها. كانت تعلم أن الوضع خطير، . لكنها كانت تحاول أن تزرع الأمل في قلوب الأطفال، وأن تمنحهم بعض الطمأنينة في هذا الوقت العصيب.
ذهب مومن إلى الأطفال وجلس بجوارهم. نظر إليهم بحب وحنان، ثم قال:
مؤمن (بصوت حزين): "أنا عارف إنكم خايفين، وأنا كمان خايف. بس لازم نكون أقوياء عشان ماما. لازم ندعي لها كتير عشان ربنا يشفيها وترجع لنا بالسلامة."
أومأ الأطفال برأسيهما، وبدأوا يدعون لرهف بالشفاء. نظر مؤمن إلى إيمان، وشعر بالامتنان تجاهها. كانت تقف بجانبه في أصعب الظروف، وتساعده في رعاية أطفاله.
مؤمن (بتقدير): "إيمان... أنا مش عارف إزاي أشكرك. إنتِ عملتي كتير عشانا. النهاردة أنا مش عارف كنت هعمل إيه من غيرك."
إيمان (بتواضع): "أنا ما عملتش حاجة يا أستاذ مؤمن. ده واجبي. أنا بعتبر حياة ومراد زي أولادي، ورهف زي أختي. ومستحيل أتخلى عنكم في وقت زي ده، وطنط منى امى التاني وللأسف الضغط علي عليها ونايمة كمان على السرير وهما جمايلهم مغرقينا وانا وامى مش هنسيبهم دقيقه ."
ابتسم مؤمن ابتسامة باهتة، ثم نظر إلى السماء ودعا من قلبه أن يشفي الله رهف، وأن يعينه على تحمل هذه المحنة.
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى الفصل
مؤمن قعد قدامها وهو باين عليه الحيرة، وسألها بنبرة جدية:
ـ "طيب أنا مش فاهم... رهف تعرفك من إمتى؟"
تنهدت إيمان وقالت:
ـ "من زمان... إحنا كنا جيران وأصدقاء في المرحلة الإعدادي والثانوي."
انصدم مؤمن وسألها:
ـ "إنتي كنتِ معانا في مدرسة فريدة الخاصة؟"
هزت إيمان رأسها بالنفي:
ـ "كنت في مدرسة فتيات مصر الجديدة الأزهر الشريف."
بصّ لها مؤمن باندهاش:
ـ "دي المدرسة اللي جنب مدرستنا!"
هزت إيمان رأسها:
ـ "آه... كنت الفترة الابتدائي والإعدادي هناك، وبعدين اتنقلت في الثانوية عند رهف."
هز مؤمن رأسه وكأنه بيتذكر:
ـ "آه... أنا وقتها كنت اتنقلت آخر سنة لمدرسة عسكرية عشان أتهيأ وأدخل الشرطة."
سألته إيمان بلهفة:
ـ "إزاي حضرتك ظابط وكمان دكتور؟"
تنهد مومن وتابع بنبرة عتاب:
موضوع كبير لكن
ـ "ليه رهف خبت عليا إنها جابتك تساعدها في أمور البيت؟ أنا عارفة إن العيال كانوا تعبنينها... ومكنتش هرفض."
إيمان ابتسمت ابتسامة خفيفة وهي بتحاول تدافع عن موقف رهف:
"ممكن عشان شغلك... وممكن كانت حاسة إنك هترفض إني أنا بالتحديد أشتغل عند حضرتك."
مؤمن استغرب وسألها باستفهام:
"مش فاهم... ليه؟ إنتِ عليك إيه بالظبط؟"
إيمان تنهدت بخجل وقالت بصوت واطي:
"حضرتك... أنا للأسف بنت واحد كان عضو في تنظيم."
مؤمن (بصوت عالٍ، ملامحه متصلبة): "تنظيم إيه بالظبط؟ يعني شكوكي كانت في محلها من البداية؟!"
إيمان (ترفع يديها بذعر، تحاول الدفاع عن نفسها): "لا يا أستاذ مؤمن، أرجوك تفهمني... أنا ماليش أي ذنب في أفعال والدي. كنت صغيرة جدًا وقتها، وكل حياتي وأنا بدفع ثمن أخطائه... أنا فقط كنت بساعدة رهف، لأنها كانت لطيفة معي."
أبو رهف (يتدخل بصوت حزين، يمسح دموعها بمنديل ورقي): "الحقيقة يا مؤمن، رهف هي إلا طلبت منها المساعدة. كانت خايفة أن تعرفك ، لتفتكر أنها غير قادرة على إدارة شؤون بيتها... كانت تقول دائمًا أنك لو عرفت هتزعل وهى صدقت إن علاقتكم اتحسنت
وأنا إلا كنت بدفع راتب ايمان
، ."
مؤمن ينظر إلى أبو رهف ، ثم يعود بنظره إلى إيمان، الشك والارتباك بادٍ على وجهه.
مؤمن (بصوت أخفض): "يعني كانت تحاول حمايتي علاقتنا ... ..."
مؤمن (بصوت مهموم): "مش عارف... مش عارف إيه الصح وإيه الغلط دلوقتي."
صمت للحظات، يقطعه صوت الطبيب الذي يظهر في الممر.
الطبيب (بنبرة مستعجلة وهو بيبص حوالين):
ـ يا جماعة، محتاجين دم فورًا... المريضة نزفت كتير!
مؤمن وايمان اتبادلوا نظرة سريعة، قلبهم وقع من القلق، ومن غير ما يترددوا ولا ثانية، قاموا واقفين واتجهوا بسرعة على غرفة التبرع، خطواتهم سريعة وصوت كعب رهف بيخبط في الأرض مع أنفاسها المتلاحقة، ومؤمن ماسك إيدها كأنه بيشدها عشان يوصلوا أسرع.
ممرات المستشفى كانت مليانة حركة وقلق، الأطباء والممرضات رايحين جايين قدام باب غرفة العمليات، أصوات خطواتهم تختلط بصوت الأجهزة والنداءات. ملامح التوتر باينة على وشوش الكل، والوقت بيعدي ببطء قاتل.
دخل مؤمن غرفة التبرع، الممرضة استقبلتهم بسرعة وهي ماسكة ورق الاختبار:
ـ اسمك إيه وفصيلة دمك إيه؟
مؤمن بص لها وقال:
ـ طب جربي أنا...
الممرضة أخدت منه العينة، وبعد دقايق رجعت تهز راسها هي كمان:
ـ لا... مش مطابقة.
طلبت ام ايمان تجرب
وفعلا أخدوا العينة منها
الممرضة هزت راسها بأسف:
ـ للأسف، مش هي الفصيلة المطلوبة.
قبل ما يحسوا بالإحباط، صوت هادي جه من وراهم:
ـ طب جربوا أنا...
التفتوا يلاقوا إيمان واقفة على باب الغرفة، ملامحها ثابتة لكن عينيها فيها قلق. الممرضة أخدت منها العينة بسرعة، وبعد لحظات طلعت النتيجة.
الممرضة بابتسامة ارتياح:
ـ الحمد لله... الفصيلة مطابقة تمام.
الطبيب دخل وقال بحماس:
ـ يلا بسرعة نبدأ التبرع، كل دقيقة بتفرق.
إيمان قعدت على الكرسي، شدوا على دراعها الرباط، والإبرة دخلت بهدوء، لكن قلبها كان بيدق بسرعة وهي حاسة إنها أخيرًا هتقدر تنقذ حياة صديقتها .
مؤمن وقف جنبها، بيبص لها بنظرة امتنان ممزوجة بدهشة، بينما كانت امها ماسكة إيدها وبتقول:
ـ ربنا يجزيكي خير يا إبنتى ...
في نفس اللحظة، كان خبر إصابة رهف وصل لأهل مؤمن، فاندفعوا بسرعة على المستشفى، القلق والخوف ماليين عيونهم.
كانت ايمان قاعدة في غرفة صغيرة بالمستشفى بعد التبرع شربة عصير وقاعدة هى وامها مع الأطفال، بيحاول يهديهم ويهتم بيهم، ووشها باين عليه الإرهاق والحزن. كانت ماسكة المصحف، تقرأ آيات بهدوء وصوتها يرتجف بالدعاء:
"اللهم اشفها شفاءً لا يغادر سقماً... اللهم احفظها لأولادها."
وبين كل دعوة والتانية، كانت تصلي ركعتين، دموعها تنزل وهي ساجدة، لحد ما الأطفال غلبهم النوم، وناموا في حضنها.
بهدوء، غطتهم بالبطاطين، وبصت لهم بحنية، ثم خرجت بهدوء وطلبت من أمه :
- "ممكن تفضلي معاهم دقايق؟ أنا رايحة أطمن على رهف يا امى والاطفال امانه معانا "
هزت راسها الام
أكيد يا بنتى
اتجهت بخطوات سريعة ناحية العناية المركزة، قلبها بيدق بقوة وهي شايلة هم الخبر. وفي نفس الوقت، كان والد مؤمن واقف جنبه، يقرب منه ويسأله بصوت مليان قلق:
- "يا مؤمن... إيه اللي حصل بالظبط؟"
مؤمن كان قاعد على الكرسي قدام باب العناية، عينه زائغة، إيده بتتحرك بعصبية، ووشه شاحب. أول ما سمع صوت والده، رفع عينه ببطء، وكأن الكلام تقيل على لسانه.
الوالد كرر السؤال، نبرته أعلى شوية:
- "بقولك إيه اللي حصل؟"
مؤمن بلع ريقه، حاول يتكلم، لكن صوته طلع مخنوق:
- "بابا... أنا مش عارف وبدأ يحكى الا حصل ..."
سكت، دموعه غرقت عينه، حاول يمسحها بسرعة عشان ما يبانش ضعيف.
الأب اتنهد بوجع، قعد جنبه وقال:
- "أنا مش جاي ألومك، أنا عايز أفهم... عايز أعرف مين عمل كده وليه."
في اللحظة دي، كانت إيمان قربت من المكان، وقفت بعيد، بتبص عليهم من وراء الزجاج اللي بيفصل بين ممر العناية المركزة ومكان انتظار الأهالي. قلبها اتقبض وهي شايفة رهف من بعيد، نايمة على السرير، وجهها شاحب، والأجهزة حواليها بتصدر أصوات متقطعة.
إيمان مسكت أطراف إحرام الصلاة اللي لسه على كتفها، وغمضت عينيها وهي بتتمتم:
- "يارب... قومها بالسلامة... ما تحرمش ولادها منها."
خطوات الممرضة على الأرضية جذبت انتباهها، قربت منها وقالت بهدوء:
- "حالها مستقر، بس محتاجين ندعيلها."
إيمان هزت راسها وهي بتكتم دموعها، وبصت ناحية مؤمن وأبوه، عارفة إن اللي جاي مش هيكون سهل على حد فيهم.
اقتربت إيمان من القاضي محمد، تنهدت وكأنها بتجمع شجاعتها وقالت بصوت هادي لكنه مليان رهبة:
- أنا هقولك كل اللي حصل يا فندم...
نظر لها القاضي محمد، وعينيه مليانة اندهاش وحنين قديم:
- إيمان! إنتِ رجعتي من تركيا يا بنتي؟ حمد الله على السلامة.
هزّت رأسها بابتسامة باهتة:
- حضرتك لسه فاكرني؟ أنا كنت فاكرة إن ملامحي اتغيّرت عليك.
كان مومن واقف جنبهم، بيتابع الحوار وعقله مش قادر يستوعب:
- ممكن أفهم؟ أنتم تعرفوا بعض من إمتى؟
تنهد القاضي محمد وهو بيبص لمومن وبعدين رجّع نظره لإيمان:
- إيمان دي بنت شجاعة جدًا... قدرت توقع شبكة تنظيم كبيرة، وزمان هي السبب إني أنقذتك من الموت... وهي نفسها أنقذتني من الموت.
اتجمّد مومن في مكانه، ووشه بدأ يتغير، عينيه بتلمع بين الصدمة والفخر، بينما دموع نزلت بهدوء على خد إيمان وهي تهمس:
- اللي عملته كان واجب... مش بطولة.
القاضي محمد حط إيده على كتفها بإحساس أبوي وقال:
- لا يا بنتي... اللي عملتيه مش أي حد يقدر يعمله.
وفي الخلفية، كانت أصوات الأجهزة في العناية المركزة بتدقّ بإيقاع ثابت، كأنها بتشارك في لحظة الاعتراف اللي قلبت الموازين.
نزلت دموع "إيمان" وهي بتحاول تمسحها بسرعة، وقالت بصوت مكسور:
- هو أنا مكنتش أعرف إن ابن حضرتك هو زوج "رهف"، وواضح دلوقتي فهمت ليه "رهف" طلبت مني أسيب الكلية بتاعتي وبدت تحكى إلا حصل ...
أخذت نفس عميق وكملت وهي دموعها بتنزل:
- أنا بحب "رهف" جدًا، لأنها كانت الأمل الوحيد ليا للعالم الخارجي... هي اللي كانت الحب اللي شعّ من خلف الجدران. هي كمان بطلة، ساعدتني كتير... وأول جواب بعدته لحضرتك، كانت هي المرسال. لولاها مكنتش عرفت أنقذ أي حد.
ابتلعت ريقها وكملت بصوت بيرتعش:
- أبويا كان مزروع في المنطقة دي مخصوص عشان يجمع معلومات عنكم... ولما فشلت خطط كتير، كانوا التنظيم بيجنّني... حد منهم طلب إني أتنقل مدرسة أولادكم عشان يجندوني وأعرف خطواتكم. كنت حاسة إني في مصيدة، وكل يوم كنت بخاف إن السر ينكشف أو إنكم تتأذوا بسببي...
القاضي "محمد" كان بيتأملها بعينين فيها صدمة وحزن، ومؤمن واقف جنبهم مش فاهم إزاي الدنيا لفت وربطت مصيرهم بالشكل ده.
استغرب مومن كل الكلام اللي بيتقال، وحاسس إنه فجأة في حالة غباء تام، كأن دماغه مش قادرة تستوعب.
قال وهو بيبص لها باندهاش:
- يعني رهف هتمنعك ليه عن الكلية؟
إيمان تنهدت بخجل، وبصت للأرض وهي بتحاول تجمع كلامها:
- أكيد عرفت إن حضرتك دكتور في الجامعة، وربطت إني بدرس هناك... خافت ل تعرف إني بشتغل في البيت عند حضرتك أو عند واحدة من صحابك... أكيد كان عندها سبب.
وبصوت متقطع من العياط قالت وهي رافعة إيدها:
- وأقسم بالله العظيم... أقسم بالله العظيم مرة تانية... أنا ما قربتش منها، هي اللي كانت ماسكة إيدي وبتمنعني أمشي. أنا سبت إيدها وروحت على الباب، فجأة سمعت صريخها...
صوتها اهتز وهي بتكمل:
- التفت، لاقيتها واقعة على الأرض وغايبة عن الوعي... قربت منها وبحاول أفوقها، لقيت دم على إيدي جاي من راسها...
---
قطع صوت صريخ مومن وهو بيهاجم إيمان ويتهمها بالكذب، ووشه كله غضب وشك.
لكن القاضي محمد حاول يهدي الوضع وقال لمومن:
- تعال معايا يا ابني، أعصابك تعبانة، وأنا هحكيلك كل حاجة.
بص القاضي محمد لإيمان بنبرة حانية وقال:
- خدي العيال وارجعي البيت يا بنتي... نومهم في المستشفى غلط، وكمان والدة رهف، وبكرة بإذن الله هتبقى بخير.
مومن كان بيعترض بعصبية، مسك إيد أبوه وقال بإصرار:
- تعالى معايا، اسمع كلامي.
لكن فجأة صرخ مومن وهو بيبعد إيده، وعيونه كلها شر متوجهة ناحية إيمان:
- إزاي تسمح لواحدة كانت عايزة تموت رهف إنها تاخد بالها من أولادي وتدخل بيتي؟
الفصل 17 بدون لينك
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
حاول أبوه محمد يشرح له بهدوء:
- مش أنا اللي سمحت يا ابني... رهف هي اللي عملت كده من زمان، وأولادك كانوا لسه شهور، وكبروا وهما شايفين إيمان أم تانية ليهم. ودلوقتي رهف لسه خارجة من العمليات... تعال معايا وهتفهم كل حاجة.
---
محمد (الأب) وهو بيبص لمومن بعين فيها إصرار:
ـ مش أنا اللي سمحت يا ابني... رهف هي اللي عملت كده من زمان. وأولادك كانوا لسه شهور، وكبروا وهما شايفين إيمان أم تانية ليهم. ودلوقتي رهف لسه خارجة من العمليات... تعال معايا وهتفهم كل حاجة.
مومن يتنهد بعصبية، صوته فيه انفعال:
ـ إنت ليه مصرّ تاخدني وإنت عارف إني سايب مراتي مريضة وكمان أولادي؟
محمد يهز راسه بجدية:
ـ هوريك حاجة وهترجع... إنت لازم تفهم اللي أنا فهمته عشان تعرف تتعامل.
- السيارة تتحرك وسط صمت مشحون]
مومن قاعد جنب أبوه، مش فاهم حاجة، بس إحساس جواه بيقوله يسمع كلامه.
بعد وقت وصل للبيت
[داخل بيتهم - مكتب الأب]
محمد بيفتح المكتب ويطلع رزمة أوراق ورسائل، ويحطها قدام مومن، وهو بيقوله:
ـ شوف يا مومن... ده تكملة الحكاية.
محمد يفتح طابعة رسائل موبايله، يعرض تسجيل لمكالمة قديمة من رقم إيمان، نفس يوم الحفلة اللي كانوا هيقتلوك فيها.
[ مشهد من فيديو الحفلة]
يطلب،مومن يوقف الفيديو عند وش إيمان، ويفرّز الصورة على لبسها وقتها، وصوت الإنشاد شغال في الخلفية.
محمد يكمل:
ـ وقتها... إنت دخلت الحفلة، وجيه اتصال من والد إيمان، بعد ما رهف كلّمت والدها. شوف نص المكالمة.
[صوت رهف في التسجيل]
ـ فاعل خير.
بنتك هى الا بتسرب كل مخططكم
وبتقفل الخط.
محمد يتنهد وهو بيقلب في الورق:
ـ نفس اليوم ده، إيمان ضحّت بنفسها واتجوزت شاب من التنظيم بعد ما هددوها، وعرفت منه إن مهمته يقتلك.
[كان مومن -فى حالة صدمة]
إيده بتتقلب في الورق، وعينيه مش قادرة تصدق:
ـ طب... مدام كانت عارفة إني في خطر، ليه ما بلغّتنيش؟
محمد يبص له بثبات، صوته واطي لكن تقيل:
ـ ده اللي كنت هتجنن أعرفه بعد التحقيقات... بس بعدين فهمت. رهف... مهووسة بيك. بتحبك لدرجة الجنون.
[داخل إحدى غرف المستشفى - الإضاءة هادئة، الجو ساكن، ورهف قاعدة على الكرسي جنب سرير، ملامحها هادئة وكأنها مفيش فيها أي تعب. جنبيها ست أكبر منها في السن - عمتها - قاعدة بتتفرج عليها.]
العمة (بهدوء وهي مائلة عليها):
طيب مدام كنتِ خايفة جوزك يعرف كل حاجة... ليه عملتي دراما إنك عندك نزيف وكمان خلّيتيهم يسحبوا دم منك؟
رهف (ابتسامة خبيثة وهي بتتكلم بثقة):
منكرش يا عمتي... كنت غبية شوية، بس متنسيش إنتِ اللي زمان غيّرتِ ما بيني وبين إيمان... وإنها البنت الحقيقية للنائب، وحطيتوها عند أهلها. دلوقتي بعد ما بنتهم ماتت، أنا أخدت مكانها... بس لسوء حظي، رجعت ظهرت تاني.
فلاش باك
العمة واقفة في نص الشارع الضيق، الشمس ضاربة على وشها، بتبص للبنت الصغيرة اللي قاعدة على الرصيف بتلعب بعروسة مقطوعة الإيد.
العمة بلهجة مترددة وهي بتمسح عرقها:
ـ "بُصي يا حبيبتي... أنا عمّتك... أخت أبوك."
البنت رفعت وشها ببراءة:
ـ "عَمّة؟! إنتي بتقولي إيه؟"
العمة خدت نفس طويل وكملت كلامها وهي بتبص بعيد، كأنها بتشوف حاجات قديمة:
ـ "للأسف... أخويا ومراته عملوا حادثة. أخويا مات... ومراته كانت حامل... ووقتها أنا كنت لسه ممرضة صغيرة ومش عارفة أتصرف. كان صعب أربيك... وأنا حتى معنديش بيت ثابت."
وقفت لحظة، وبصت للبنت بعينين فيها دموع:
ـ "وقتها جات في دماغي فكرة... فكرة أنا لحد النهاردة مش عارفة أقول إنها صح ولا غلط... كنت عايزاك تعيشي في بيت مستواهم كويس، تتربي زي الأميرات... ووقتها عرفت إن في زوجة شخص مهم بيشتغل في الوزارة كانت بتولد... أخدتك، وحطيتك مكان بنتها... وبنتها أنا خدتها ونزلت بيها على دور الناس البسيطة."
البنت ابتدت ملامحها تتغير، تمسك العروسة أكتر، كأنها بتدور على أمان وسط الكلام اللي بيهد الدنيا حواليها.
العمة بصوت واطي:
ـ "هناك... كانت في واحدة لسه والدة... بس للأسف طفلتها ماتت... حطيت بنت الرجل المهم مكان طفلتها اللي ماتت... ومن وقتها وأنا بتابعك من بعيد... بعرف أخبارك، بفرح لما بشوفك سعيدة... لكن اتصدمت لما البنت الحقيقية جات وسكنت قدامك... قربت من أهلها."
قربت خطوة من البنت، ونبرتها بقت جادة ومليانة تحذير:
ـ "أنا الأول افتكرت إن أهلها شاكّين، وإنهم بيعملوا كده عشان يبدّلوكم... عشان كده جيت أحكيلك. لو في يوم من الأيام اكتشفوا إنك مش بنتهم... هيعملوا إيه؟ هيرموك... وياخدوها مكانك."
الكاميرا تتثبت على وش البنت، عينيها بتلمع بخوف، وكأن كل لعبها وضحكها اللي فات ما كانش ليه أي معنى...
بلهجة مترددة وهي بتمسح عرقها:
ـ "بُصي يا حبيبتي... أنا عمّتك... أخت أبوك."
البنت رفعت وشها ببراءة:
ـ "عَمّة؟! إنتي بتقولي إيه؟"
العمة خدت نفس طويل وكملت كلامها وهي بتبص بعيد، كأنها بتشوف حاجات قديمة:
ـ "للأسف... أخويا ومراته عملوا حادثة. أخويا مات... ومراته كانت حامل... ووقتها أنا كنت لسه ممرضة صغيرة ومش عارفة أتصرف. كان صعب أربيك... وأنا حتى معنديش بيت ثابت."
وقفت لحظة، وبصت للبنت بعينين فيها دموع:
ـ "وقتها جات في دماغي فكرة... فكرة أنا لحد النهاردة مش عارفة أقول إنها صح ولا غلط... كنت عايزاك تعيشي في بيت مستواهم كويس، تتربي زي الأميرات... ووقتها عرفت إن في زوجة شخص مهم بيشتغل في الوزارة كانت بتولد... أخدتك، وحطيتك مكان بنتها... وبنتها أنا خدتها ونزلت بيها على دور الناس البسيطة."
البنت ابتدت ملامحها تتغير، تمسك العروسة أكتر، كأنها بتدور على أمان وسط الكلام اللي بيهد الدنيا حواليها.
العمة بصوت واطي:
ـ "هناك... كانت في واحدة لسه والدة... بس للأسف طفلتها ماتت... حطيت بنت الوزارة مكان طفلتها اللي ماتت... ومن وقتها وأنا بتابعك من بعيد... بعرف أخبارك، بفرح لما بشوفك سعيدة... لكن اتصدمت لما البنت الحقيقية جات وسكنت قدامك... قربت من أهلها."
قربت خطوة من البنت، ونبرتها بقت جادة ومليانة تحذير:
ـ "أنا الأول افتكرت إن أهلها شاكّين، وإنهم بيعملوا كده عشان يبدّلوكم... عشان كده جيت أحكيلك. لو في يوم من الأيام اكتشفوا إنك مش بنتهم... هيعملوا إيه؟ هيرموك... وياخدوها مكانك."
الكاميرا تتثبت على وش البنت، عينيها بتلمع بخوف، وكأن كل لعبها وضحكها اللي فات ما كانش ليه أي معنى...
اكملت رهف
ست سنين وأنا حاطة إيدي على قلبي... خصوصًا إني عارفة أمّي "منى" كانت بتحبها أوي، وكمان أبويا "عماد". فاكرة إنتِ اللي بلغتيني إنها هي، ووقتها لعبت في دماغها عشان تكشف أهلها إنهم في تنظيم... وتيجي الشرطة وتقبض عليهم وتمشي من هنا.
بس لما زهقت، أقنعت بابا إننا نعزل من المنطقة.
العمة (بضحكة خفيفة):
عارفة... بس هواسك وحبك لمؤمن كان ممكن يفضحني.
ابتسمت رهف
بالعكس انا اختارت الانسان الصح وهى ليه الفضل انى اقرب منه كنت لما بقلدها فى حاجه بعجب بي
العمة (نكست راسها بتفكير):
أنا مش عارفة حقيقتي اللي عملته في إيمان هيظهر واحدة واحدة... خصوصًا بعد ما حماك القاضي دخل اللعبة، وجمع معلومات كتير وقت رجوع إيمان.
رهف (تكمل بسرعة وكأنها بتدافع عن نفسها):
عشان كده خليتها تشتغل عندي... عشان لو حصل حاجة أعرف أتصرف. بس الصدمة الكبيرة... إن مؤمن طلع دكتور في الجامعة وشافها! ساعتها عقلي وقف.
ولما سحبت إيده ووقعت وهي ماشية... كنت لازم أتهمها إنها حاولت تقتلني. خبّطت راسي جامد في الترابيزة، وبعتلك رساله عشان تتصرفي بحكمة إنك ممرضة. والحمد لله عرفتي ابعت ليك رساله وبعت سواق اخدنا عل. المستشفى الا انتي شغالة فيها وجهزت الدكتور وطاقم التمريض... بس رجوع مؤمن مع أبوه على بيته يكشف نص الخطة. لكن فى الاخر مبرر كنت طفلة صغيرة كانت بتساعد صاحبتها... وشوية غيري عليه وحب .
العمة (تتنهد بقلق):
قلبي مش مرتاح... أنا نصحتك من البداية تبعدي عنها. كان لازم تساعديها وترجعيها.
رهف (بتصرخ بعصبية، عينيها فيها شر):
هو أنا اللي رجعتها؟! انا صدقت انها مشيت وبعت رساله ل أبوها انها خانت التنظيم بتاعهم وعقابها وسفرها وفرحت لم ماتت لكن بعد كده لم وصلت منها رسالة يوم فرحى كنت على أخري وكان لازم اتجوب معها واعرف بتعمل إيه وفعلا فضلت على كدة شهور
وعمري ما كنت أفكر أرجعها!
لكن يوم ولادتي ... اتجمعت أمها الحقيقية مع اللي ربتها، وأبوها اللي هما أصلاً فاكرين انى بنتهم ... وكمان أهل مؤمن. وطبعًا حمايا العزيز استلم الموضوع، خصوصًا إنه عارف إنها السبب في إنقاذ مؤمن.
رهف وهي بتعض على شفايفها من الغيظ، بصت في عين عمتها وقالت:
- يومها حسيت إن الدنيا كلها بتقفل عليا، كلهم كانوا حوالين بعض، وأنا اللي واقفة زي الغريبة... بس قلت مش هسيبها تكسبني، حتى لو كان لازم أخلص عليها للأبد. لكن انصدمت انها رجعت وكمان الهانم امى منى وقربت من أمها سماح إلا ربيتها بقوا سمن على العسل وأصدقاء وكل يوم يتجمعوا مع بعض قلت اشغلها وتيجي تخدمني
العمة قربت منها وهمست:
- رهف... إنتي مش فاهمة، وجودها هنا بيكشفنا واحدة واحدة، وحماكي مش سهل... الراجل ده شاطر، وبيجمع الخيوط من بدري.
رهف ابتسمت ابتسامة باردة:
- عارفة... وعشان كده أنا سبقتهم خطوة. خليت كل حاجة تبان إنها ذنبها، إشتغلت عندى وكمان فى نفس الجامعة الا فيها مومن ، وقتها يشك فيها انها عاوزة تسرق حياتنا
. وخليت الناس تشوفها وهى بتنقلنى على المستشفى بعد ما بعت ليك رساله تجيب تاكسي يوصلنا للمستشفى الا انتى شغال فيها سبحان الله نفس المستشفى الا اتولدت وانخطفت منها رجعت تاتى عليها ، لكن دلوقتي
ل اتهمها انها مجرمة وحاولت تقتلنى
... ولو الخطة مشت، هي هتخرج من حياتنا تاني زي المرة اللي فاتت.
العمة بصت لها بريبة:
- والخطوة الجاية؟
رهف قامت من مكانها ببطء، وقربت من الشباك وهي بتبص بره، وقالت بصوت واطي بس كله تحدي:
- الخطوة الجاية... هتسجن والا يسجنها هو أبوها وامها بيدهم ويكون ضدها... وضحكت ضحكة خبيثة.
مش حاولت تقتل بنتهم الا هى انا
حتى مومن نفسه. يسجنها، وساعتها هتنهار، ومش هتلاقي غير قضبان السجن
العمة هزت راسها وقالت:
- ربنا يستر، لأني حاسة إنك بتلعبي بالنار... والنار دي ممكن تولع فينا إحنا قبلها.
رهف رجعت تبص لها بعينين بتلمع خبث:
- وأنا طول عمري بحب اللعب بالنار يا عمتي... تلميذتك النار دي هي اللي بتحميني.
---
فكرت رهف وهي بتقرب من عمتها بنظرة مليانة مكر، قالت وهي بتضحك ضحكة خبيثة:
- هو مش ممكن نستغل إنها موجودة دلوقتي؟ نطلب منها دم تاني... مدام هي الوحيدة اللي ينفع تتبرع لي،
العمة بصوت فيه خبث:
ـ "إنتي صدقتي؟... إنتي ناسية إني متفقة مع البنات اللي بيسحبوا العينة يقولوا مفيش تطابق؟... كله عشان نجبر إيمان تتبرع."
رهف ضحكت ضحكة باردة، مفيهاش ذرة ندم، وقالت وهي تبص للعمة:
ـ "والحقنة اللي اتزرعت في جسمها ... كانت مستعملة، صح؟... عشان لو في أي عدوى، تسيب أثرها فيا."
العمة مالت قدام، عينيها فيها لمعة انتصار:
ـ "بالضبط... وده أضمن طريقة نخلي إيمان في الآخر ما مفيش مفر غير إنها تخسر حياتها عشانك."
ابتسمت رهف
خليهم يطلبوا منها دم تأنى المرة دي نسحب كتير... كتير قوي... لحد ما يغمى عليها.
وبعدها... خديها إنتِ، واعملي بيها أي حاجة... إنتِ شاطرة في الموضوع ده وخدى قرشين حلوين وابعت لي نصيبي .
العمة بصتلها بتركيز، وكأنها بتحاول تفهم إذا كانت بتهزر ولا بتتكلم جد.
رهف كملت وهي بتعدل خصلتها وابتسامتها بقت أوسع:
- أنا حاولت أرجع الزفت جوزها ليها... بس واضح إنه مات بجد.
العمة تنهدت وقالت وهي بتكتم انزعاجها:
- رهف... إنتي مش بس بتلعبي بالنار... إنتِ بتسكبي عليها بنزين.
رهف لمعت عينيها:
- وأهو... لما النار تولع، مش هتفرق تحرق مين الأول.
---
حسوا إن فى حد جاي
رجعت رهف مكانها و عاملة نفسها نايمة، عينيها مغمضة ركبت عمتها إلا هى الممرضة الا معها كل الاجهزه حوليها لكن ودانها شغالة كويس، بتحاول تلتقط أي حركة أو نفس.
كان المحامي اللي خسر قضيته واتشوهت سمعته، واقف خارج الغرفة وشه مليان غل، كان عايز يقتلها لكن لم سمع كلامها إيده ماسكة موبايله بيسجّل كل حاجة.
سألتها رهف
أخدت الدفتر من البيت
يجي صوت ارتباك واضح وبعدين صوت عمتها بيصرخ من بعيد:
"إنتي مجنونة؟! حد عاقل يفضح نفسه ويكتب كل حاجة زي دي؟"
رهف بنبرة مكسورة:
تنهدت رهف
"عاوزين أعمل إيه وأنا كنت صغيرة،،وجي تقول ليا كل ده ومكنتش أنفع أتكلم مع حد أو أفضفض... المهم،يا عمتي جبت الدفتر،
المهم، بعت حد يجيبه...
صوت العمة، بعد لحظة صمت مشحون:
"آه... ومعايا... في الأوضة بتاعتي."
المحامي يقفل التسجيل فجأة، يضغط أسنانه ويقوم واقف بسرعة، يفتح الشباك وياخد نفس عميق، وبعدين يبعت رسالة نصية على موبايله بسرعة لشخص مجهول:
"اسمع... هتروح فوراً تجيب الدفتر من أوضة الممرضة الا موجوده معها بسرعة ، ومعاك التسجيل ده. أي نسخة منه... كله. وتبعتهم على طول للقاضي محمد. لو حصل معايا حاجة، هو عارف يتصرف."وكمان الشرطة والنائب العام انا طلبت منه يعطيني موافقة على التسجيل وكمان الشرطة عندها علم لكن انت عارف واحدة زى ده ممكن تخرج منها فاضل أجيب اعترفها
المحامي يفضل واقف، ماسك الموبايل بإيد بتترعش، وعينه بتتحرك ناحية الباب وكأنه حاسس إن في حد بيراقبه...ويقترب منها
- "
فجأة، حسّت رهف بخطوات تقيلة بتقرب من سريرها، قلبها دق بسرعة، لكن فضلت ثابتة في تمثيلها.
ضحك ضحكة قصيرة خبيثة، وبص حواليه وهو بيكمل التسجيل.
ثم دخل عند رهف
فاكرة نفسك أذكى من الكل يا مدام رهف؟... أنا بقى جاي أسمع وأشوف بعيني كل اللي بتلعبيه."
رهف فتحت عينيها فجأة، ونظرت له ببرود:
- "إيه يا أستاذ... رجعت تدور عالشو تاني؟ ولا جاي تسترزق من ورايا؟"
هو ابتسم ابتسامة كلها تحدي:
- "أنا جاي آخد حقي... وحقي المرة دي هيبقى فوضى في حياتك، وأنتي بنفسك اللي هتفتحي الباب."
ساعتها رهف اتكأت على مخدتها، ووشها اتغير لنظرة مليانة استفزاز:
- "بس تعرف... الفوضى أنا بعرف أرقّصها على مزاجي."
المحامي قرب أكتر، وصوته بقى أوطى:
- "وأنا بعرف أستغلها لحد ما تقعك في حفرة ما تعرفيش تطلعي منها."
عيونهم اتثبتوا في بعض، والجو بينهم بقى كله حرب صامتة...
فى مكان تأنى
عند مومن - بيت رهف
مومن كان قاعد على طرف السرير، ماسك تليفون رهف، بيقلب في الرسائل بينها وبين إيمان. كل الكلام كان فيه مودة وأخوة، لكن في نص الكلام، عينه وقفت على تفاصيل صغيرة... إيمان بتحاول تفهّم رهف، تنصحها، تحذرها من الغلط.
مومن بدأ يحس إن الصورة مش كاملة... حس إن ورا الكلام ده حاجة تانية.
قام، وبدأ يفتّش في هدوم رهف. وسط الهدوم،
الكاتبة صفاء حسنى
📍 داخل غرفة المستشفى - الإضاءة بيضا وهادية بشكل مخادع
رهف قاعدة على السرير، ملامحها فيها خبث وهدوء متعمد، وبتبص للمحامي اللي واقف قدامها.
رهف (بابتسامة باردة):
"انت جيت للموت برجلك... مش لعبت قبل كده لعبة التهديد؟ فشلت... وجاي تاني تلعب نفس اللعبة؟ انت مش بتتعلم."
المحامي يتنهد وهو بيقرب خطوة:
"يعني أنا هددتك بصورة ليك يا مفترية."
رهف تضحك ضحكة قصيرة وساخرة:
"لا... انت هددتني إني عندي ضحايا كتير... بس الجديد بقى؟ إنك هتكون الضحية رقم خمسة."
رهف تومئ بعينيها ناحية الممرضة - عمتها - وكأنها بتقول كلمة السر:
"رزقك جيه برجله... اتصرفي."
العمة تبتسم ابتسامة شيطانية وهي بتعدل الجوانتي الطبي في إيدها.
في نفس اللحظة، يدخل اتنين دمرجية من ورا المحامي بدون صوت تقريباً... حركة سريعة، حقنة بتغرس في رقبته...
المحامي يحاول يتكلم لكن صوته بيختفي، إيده بتترعش، عينه بتتسع، وركبته بتخونه...
وفجأة... ---
الفصل بدون لينك
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
قبل الاخيرة
باب الغرفة بيتفتح بعنف، وصوت رجولي حاد:
"ولا حركة!"
كاميرات صغيرة على صدر اتنين رجال أمن بيسجلوا كل حاجة... والممرضة العمة بتتجمد مكانها، ورهف ملامحها بتتبدل من الثقة للصدمة.
الشرطة دخلت بخطوات سريعة وحاسمة، معاهم المحامي اللي كان بيجهز خطته من شهور عشان يكشف رهف.
رهف كانت فاكرة إن كل حاجة تحت سيطرتها... لكن المحامي كان ماشي بخطى ثابتة، وفي دماغه بيرجع يتذكر لحظة بداية الخطة.
فلاش باك - مكتب القاضي محمد
المحامي: "حضرتك أنا مظلوم... وبسبب مرات ابنك مستقبلي ضاع. اتوقفت عن ممارسة المحاماة بعد سنين تعب."
القاضي محمد - بعينين غاضبة: "يعني إنت مكنتش عايز تضيع مستقبل ابني، وطلبت منها تخفي ورق من القضية؟"
المحامي - بصوت منخفض: "منكرش... لكن كل اللي طلبته ورقة واحدة، ملهاش علاقة بالقضية. كنت بشيل اسم شاهدة... الست دي متجوزة وعندها بيت وأسرة، وكنت عايز أستر عليها لأنها كانت على علاقة بالمتهم. والله عمري ما فكرت أذي حد أو ابن حضرتك... لكن مرات ابنك مش سهلة، وشغلها مشبوه... وأنا كشفتها."
القاضي - صارخًا: "اخرس! ما تبليش زوجة ابني وهي بين الحياة والموت! جاي تقول الكلام ده دلوقتي؟"
المحامي - محاولًا يقنعه: "مرات ابنك سليمة... مفيهاش حاجة. اتفرج يا فندم..."
وفتح الموبايل... عرض فيديو لرهف وهي قاعدة في غرفة عمليات مزيفة، بتاكل وتشرب عادي... بينما برا، الكل فاكر إنها تحت مشرط الجراح.
القاضي محمد - مصدوم: "دي غرفة العمليات...؟"
المحامي - برأس مهزوز: "أيوه... أنا مش فاهم إيه هدفها إنها توجع قلب الكل عليها... وتخلي الطاقم الطبي يشاركها الخداع."
تنهد المحامي وقال: "تعال معايا... أنا هفهمك كل حاجة."
مكتب النائب العام
المحامي والقاضي محمد قدموا الأدلة... التسجيلات، الصور، وفيديوهات المراقبة.
تم إصدار إذن رسمي بالتسجيل والتصوير... ومن هنا بدأوا متابعة كل حركة، لحد ما وقعوا على التسجيل الصوتي الكامل لاعتراف رهف، وكمان دفتر أسرارها اللي فضح كل أفعالها.
عودة للحاضر - المستشفى
الشرطة اتحركت فجأة على غرفة رهف، فتحوا الباب بعنف... رهف انتفضت من على السرير، والعمة اتجمدت مكانها.
الضابط: "رهف عماد الخولي... إنتِ وعمتك متهمين بالاتجار في الأعضاء، والشروع في القتل، والتآمر."
رهف - بابتسامة باهتة: "إنتو فاكرين هتقدروا تلمسوني؟"
الضابط - ببرود: "اللي في إيدينا كفاية يجيبلك حكم مؤبد."
الكاتبة صفاء حسنى
إيمان ومنى وعماد كانوا في الممر، ووجوههم متجمدة من الصدمة... شايفين رهف وهي خارجة مكبلة، وعنيها مليانة كره وهي بتصرخ:رهف وهي خارجة، حاولت تبص لإيمان،
"مش هسيبك يا إيمان... والله ما هسيبك!"
لكن الضابط شدها بعنف،
الضابط بصوت حازم:
-إنتِ ليك عين تتكلمي يا "رهف، تهمة تهديد وسط تهم كتيرة آنتى متهمة رسمياً بالتلاعب، والخداع، والتسبب في إيذاء مرضى... "وتجارة اعضاء يلا معانا!
رهف اتجمدت مكانها، عينيها بتلمع بخوف وصدمه، واللممرضة اللي كانت معاها بتترعش وهي شايلة شنطتها الصغيرة.
الشرطي مسكهم هما الاتنين، وسحبهم ناحية الباب وسط نظرات كل اللي واقفين.
إيمان وقفت مذهولة، مش قادرة حتى تطلع صوت... منى وعماد واقفين جمبها، والصدمة مرسومة على ملامحهم، كأنهم مش مصدقين اللي بيحصل.
---
الكاتبة صفاء حسنى
إيمان وقفت قدام الشرطة، صوتها عالي وهي بتزعق:
- "رهف مريضة! واخدينها ليه؟! أنتم مين أصلاً؟!"
الضابط بصّ لها بابتسامة ساخرة وقال:
- "سبحان الله... إنتِ لسه بتدافعي عنها؟ رغم إنها سرقت كل حاجة منك!"
إيمان اتجمدت، قلبها دق بسرعة وهي مش فاهمة قصده:
- "حضرتك... بتقول إيه؟! أنا مش فاهمة حاجة!"
إيدها راحت تلقائيًا على الموبايل، واتصلت بمؤمن بسرعة، صوتها بيرتعش:
- "الحق يا دكتور مؤمن... واخدين رهف! ومحدش فاهم حاجة!"
على الطرف التاني، صوت مؤمن جه هادي لكن تقيل:
- "سيبيهم ياخدوها يا إيمان... وهات الأولاد، وعمّي عماد، وعمّتي منى، وتعالي لي... وأنا هفهمك كل حاجة."
إيمان اتسعت عينيها من الصدمة، وبصّت ناحية رهف اللي كانت محاطة بالشرطة، سألتها بنبرة فيها رجاء وخوف:
- "رهف... في إيه؟! إيه اللي بيحصل؟!"
رهف رفعت راسها، ونظرة حقد في عينيها، ابتسمت ابتسامة باردة وقالت بصوت واطي لكن مليان سم:
- "في إني... هموّتك يا إيمان. مش هسيبك... أقسم بالله... مش هسيبك."
الشرطي شدّها بعنف، وهي لسه عينيها معلقة بإيمان، وكأنها بتحفر آخر تهديد في قلبها قبل ما تتسحب برّه.
مؤمن قفل الخط مع إيمان بهدوء... لكن عنيه كانت بتلمع بقلق وغضب.
مد إيده تليفون كان تحت هدوم رهف ، وطلع منه تليفون أسود قديم... التليفون السري اللي كانت مخبيها عن كل الناس.
الكاتبة صفاء حسنى
ضغط زر التشغيل... وبدأ يفتح الرسائل المسجلة.
أول رسالة، صوت رهف وهي بتتكلم مع عمتها، نبرتها مليانة خبث:
رهف: "أي حد يقرب مني... بتسلميهولك. وانتِ عارفة تتصرفي... زي ما عملنا قبل كده."
رسالة تانية... كلام بيقشعر له البدن:
رهف: "إيمان لازم نخلص منها ... الخطة ماشيه كويس. كل اللي نحتاجه اول ما ادخل المستشفى . والدكتور اللي هيكشف عليا ... يخلي التقرير يقول نزيف في المخ... وبعدها نعمل مشكلة وسط العملية. ونمنع أي حد يتبرع ليا غير إيمان. والحقنة... لازم تكون مستعملة. لو كانت من مريض سرطان... يبقى برافو عليكِ."
مؤمن اتجمد مكانه، نفسه بدأ يتقطع، قلبه بيرجع يفتكر كل لحظة كان بيظن فيها إن رهف إنسانة ضعيفة أو محتاجة حماية.
ضغط على التسجيل اللي بعده...
رهف: "لازم نخلص منها قبل ما حد يعرف إنها بنت نائب رئيس مجلس الوزراء... عماد الخولي... ولدي العزيز."
مؤمن مسك رأسه بيده... إحساس الخيانة والاشمئزاز بيغلي جواه.
كل المشاهد اللي فاتت اتجمعت قدامه... رهف، ابتسامتها المصطنعة... دموعها اللي كانت بتطلع وقت ما تحتاجه... تمثيلها إنها ضحية.
لكن دلوقتي... هو عارف إنها مش بس خطيرة... دي كانت بتلعب بحياة الناس زي ما الطفل بيلعب بقطع الشطرنج.
القاضي محمد ماسك التسجيلات ودفتر كشف رهف، عينه بتتحرك بين الورق وبين الشخص اللي جابهوله، ووشه بيشد أكتر مع كل كلمة بيسمعها.
اقتربت إيمان من أهل رهف، ملامحها فيها قلق وحيرة، وقالت بصوت عالي شوية:
"أنا مش فاهمة حاجة... كل اللي قاله مومن إني آخد الأطفال ونروح عنده، وهو هيتصرف... بس لحد دلوقتي مش فاهمة إيه اللي بيحصل!"
منى كانت منهارة، عينيها حمرا من كتر البكا، وصوتها مبحوح وهي بتصرخ في وش عماد:
"أكيد حد بيكرهك ومتبلي على بنتي!... ده اللي أخدته من منصبك... بنتي قبضوا عليها، وسمعتنا هتبقى على كل لسان... هتبقى سيرة الناس في كل مكان يا عماد!"
عماد حاول يمسك أعصابه، لكن وشه كان متوتر، وإيده ماسكة التليفون بيكلم حد:
"استني يا منى، أنا بحاول أوصل لمعلومة أكيدة... لحد دلوقتي كل اللي عارفه إنهم بيقول إنها كانت متفقة مع ممرضة فى بيع أعضاء ... ده اللي مخلّي موقفها وحش أوي."
منى قربت منه خطوة، دموعها نازلة:
"موقفها وحش إزاي؟!... دي بنتك... بنتنا... إنت مش شايف إن لازم تتحرك أسرع؟! لو اتأخرنا، ميتلفق لها تهمة عمرها ما هتطلع منها!"
إيمان كانت واقفة بينهم، قلبها بيخبط، مش عارفة تدافع عن مين، ولا تعرف الحقيقة فين، بس إحساسها بيقول إن في حد ورا الموضوع ده... حد بيخطط من بدري.
---
الكاتبة صفاء حسنى
خارجة ايمان من باب المستشفى، ماسكة إيدين الأطفال بقوة، عينيها مليانة دموع لكنها بتحاول تخفيها قدامهم. وراها أمها، ومنى، وعماد اللي بيجري ناحيتهم وهو متوتر.
عماد (بلهفة):
استني ايمان ! أنا جاي معاكي...
ايمان مش بترد، بتسرّع خطواتها ناحية العربية. عماد يلف عشان يركب عربيته ويتبعهم، لكن فجأة يقف قصاده القاضي، واقف بجسمه يسد الطريق، وعربيه الشرطة واقفة على الجنب جنب باب المستشفى، وضباط جوه العربية بيراقبوا.
القاضي (بنظرة صارمة):
مش كل حاجة تمشي على مزاجك يا أستاذ عماد... النهارده مش إنت اللي هتقرر.
عماد (بعصبية):
إبعد عن طريقي...
القاضي (هادئ لكن حاد):
لو على طريقك... أنا واقف فيه. ولو على بنتك... بنتك اقدمك أهي ليها حق تعيش من غير خوف.
---
انصدم عماد، وشه قلب أحمر من الصدمة، وصوته طلع عالي وهو بيصرخ:
- "بنت مين؟! إلّا أقدّمي بنتي أخدوها دلوقتي على قسم الشرطة! وأنا لازم ألحقها! بدل ما تساعدني، واقف أقدّمي ومش عايز ألحقها!"
منى واقفة بتترعش، عينيها مليانة دموع، وبتبص على عماد بخوف وقلق.
محمد حاول يهدّي الموقف، مد إيده قدّامهم وقال بحزم:
- "تعالوا... انت ومدام منى ومدام سعاد، هنروح عند مؤمن، وهناك هتفهموا كل حاجة."
عماد مسك نفسه بالعافية، قلبه بيخبط من الغضب والخوف، وبص لمنى وقال:
- "أنا مش فاهم حاجة، بس لو فيه حاجة مستخبيّة عني... والله ما هسيب حد!"
منى دموعها نزلت، وصوتها واطي:
- "أنا كنت خايفة أقولك... كنت خايفة تخسرني... وخسرتك أكتر."
محمد قطع الكلام:
- "يلا بينا قبل ما الوقت يضيع."
الجو بقى مشحون، والكل ساكت، مفيش غير صوت خطواتهم وهما خارجين بسرعة... رايحين لمؤمن، ومستعدين يسمعوا الحقيقة اللي هتغير كل حاجة.
حياة ومراد كانوا واقفين بيتفرجوا على الموقف بعينيهم الواسعة، مش فاهمين حاجة من اللى بيحصل، نظراتهم رايحة جاية بين الكل، والدهشة مرسومة على وشوشهم.
إيمان مدت إيديها وضمّتهم لحضنها بكل قوتها، وكأنها بتحاول تحميهم من حاجة حتى هي نفسها مش فاهمها، عينيها بتلمع بدموع الخضة والحيرة.
من غير ما حد ينطق، اتحركوا كلهم بسرعة ناحية بيت مؤمن.
في البيت، مؤمن كان واقف كإنه حجر، عيناه بتلمع بصمت والصدمة مغرقاه. دماغه مليانة بصور وكلمات مش قادرة تترتب.
دخل الحمام بخطوات تقيلة، قلبه بيخبط في صدره، ووشه شاحب.
فتح البانيو، والمية نازلة بصوت ثابت، قعد فيه وهو لابس، وساب المية تغمره، بدأ يغطس وشه وجسمه كله تحت المية، وكأنه بيحاول يمحي كل حاجة شافها وسمعها من على جلده ومن جوه قلبه.
في البانيو، المية السخنة بتغرق وشه وجسمه، وأنفاسه بتتقطع وهو مغمض عينه...
دماغه رجعته لأول مرة شاف فيها إيمان، كانت واقفة قدامه بعينين مرتبكة وابتسامة صغيرة، قلبه وقتها دق دقة غريبة، كأنه شاف حاجة ناقصاه طول عمره.
افتكر المرة اللي شافها وهي بتضحك من قلبها وسط الناس، والضحكة دي دخلت جواه من غير ما يستأذن... والمرة اللي شاف دموعها وهي بتحاول تخبي ضعفها، واللي كسر قلبه أكتر من أي وجع.
افتكر اللحظة اللي كان بيقف جنبها، حاسس إنها قريبة منه لدرجة إنه سامع دقات قلبها، بس برضه بعيدة وكأن بينهم ألف حاجز.
المية غمرت وشه تاني، بس المرة دي دموعه نزلت وامتزجت بيها... قلبه كان بيصرخ جوا صدره:
"ليه كل حاجة حلوة في حياتي بتروح؟ وليه هي بالذات؟"
--
كان البخار لسه مالي الحمّام، والمية بتتزحلق على كتف وهو واقف قدام المراية بعد ما خرج من البانيو. مسح الضباب من على الإزاز، وبص لنفسه، كإنه بيحاول يقرأ ملامحه اللي اتغيّرت من سنين.
في اللحظة دي، عقله رجّعه لورا... كل مرة شاف فيها إيمان.
أول مرة شافها كانت واقفة في الشارع تحت المطر، بحجابها لم وقع منها كتبها فيها خوف وارتباك. المرة التانية لما شافها بتضحك مع رهف، ضحكة بريئة، بس كان فيها حاجة غريبة بتشد قلبه من غير ما يفهم ليه. وآخر مرة... كانت عينيها بتلمع بالدموع وهو بيحاول ما يبانش إنه متأثر.
صوت باب الشقة بيخبط بيتفتح فجأة
قطع شريط الذكريات، خلا قلبه يدق أسرع. مسك الفوطة يلفها حواليه وبدأ يغير هدومه بسرعة، يحاول يخفي أي ارتباك في ملامحه.
تمام، هنكمل المشهد بنفس أسلوبك الدرامي ونحافظ على الجو المشحون بالأحداث.
دخلت إيمان وأهل رهف وراهم، وعماد كان بيتكلم مع محمد، لكن محمد اختار الصمت لحد ما يوصلوا البيت عند ابنه، وكان فاكر إن ابنه مش عارف أي حاجة وعايز يفتح الكلام مرة واحدة.
حتى لما سعاد طلبت إنها تنسحب هي وبنتها وقالت:
سعاد:
"يلا يا إيمان نمشي، إحنا نايمين الأطفال وتعالي."
لكن محمد رفض وقال بصوت ثابت:
محمد:
"لا، استني يا ست سعاد... إنتي وإيمان، في موضوع مهم جدًا... لازم الكل يعرفه النهاردة قبل بكرة."
الجو اتوتر فجأة، كل العيون اتوجهت لمحمد، وعماد حس إن الموضوع مش هيعدي عادي، قلبه بدأ يدق أسرع، وإيمان واقفة مكانها متجمدة، مش عارفة تتوقع إيه.
محمد بصوت مليان حدة:
"أنا ساكت على ظلم حصل من ، لكن النهاردة مش هسكت... كل حاجة لازم تتقال... وكل واحد يتحاسب على عمله!"
بصت ايمان بقلق لوالدها، وسعاد ضمت بنتها في حضنها، بينما عماد حاول يسيطر على الموقف وقال بهدوء مصطنع:
"مش فاهم يا محمد، احنا عايزين نعرف مين وراء سجن رهف بنتى وازى ياخدوها من المستشفى...
لكن محمد رد بسرعة:
"... لأن اللي حصل النهاردة كفاية إنه يفتح كل الملفات القديمة والجديدة."
---
القاضي محمد كان قاعد قدامهم، صوته هادي لكن عينه بترقب كل حركة في وشوشهم.
قال وهو بيبص ل عماد :
ـ أنتم ولّدتوا بناتكم فين بالظبط؟
بص عماد له باستغراب:
ـ إيه السؤال ده يا محمد وايه علاقته بحبس بنتى رهف ؟
القاضي مال بجسمه لقدام، وكأنه بيغوص جواهم:
ـ أجاوبك ليه؟ لأن المكان اللي اتولدت فيه البنات، ومع التحقيقات بتأكد إن رهف متنكش بنتك
اتوترت منى ،
، القاضي كمل وهو مش شايل عينه عنهم:
ـ عشان كده لازم تحددوا ميعاد الولاده واسم المستشفى
اتجمد، عماد صوته اتلخبط:
ـ إنت بتقول إيه! التخريف ده
كان "القاضي محمد قاعد ، وشه جامد وميبشرش بالخير. بص للأمهات اللي قاعدين قدامه وقال بحزم:"
القاضي:
الأمهات ترد عليا الأول وبعدين أفهمكم في إيه.
"منى، ست في أواخر الأربعين ، متوترة وباين عليها القلق، ردت بسرعة:"
منى:
أنا خلفت بنتي في المستشفى الخاص اللي في... مدان الحجاز ].
"سعاد، اللي كانت واقفة جنبها، اتصدمت من كلامها ووشها جاب ألوان. قالت بصوت مهزوز:"
سعاد:
أنا كمان ولدت إيمان في نفس المستشفى، بس في قسم التأمين.
"القاضي بص لهم بتركيز، وبعدين بدأ يشرح لهم بعد ما طلب من كل واحدة تقول كانت بتعاني من إيه وقت الولادة، وكانت ولادة طبيعية ولا قيصري. منى اتكلمت وقالت:"
منى:
أنا خلفت بنتي قيصري، وطلبت من عماد إني أولد من غير وجع. حاولوا يولدوني طبيعي بس معرفوش، فعملوا لي قيصري.
"سعاد اتنهدت بحرقة وقالت:"
أنا كان عندي مشكلة عشان مكنتش بتابع مع دكاترة. في نص التامن حسيت إن نبض البنت ضعيف، روحت المستشفى حجزوني على طول وولّدوني وكشفوا على البنت.
"فجأة، مؤمن خرج من الأوضة اللي جنبهم، شكله متعصب ومضايق. قاطع كلام سعاد وقال:"
مؤمن:
يعني بنتكِ كان قلبها ضعيف، لكن إيمان قلبها سليم ومفيهوش أي حاجة. وده يثبت كلامهم .
"مؤمن طلع موبايله بسرعة وفتح تسجيل صوتي. سمّعهم تسجيل الممرضة ل رهف وهي بتتكلم بصوت واطي ومريب."
ضغط على زر التشغيل، وبدأ صوت عمة رهف يخرج واضح في الغرفة:
"أنا كنت عارفة إني مش هقدر أربيك، فبدلتك مع بنت عيلة تانية... خليتك مكان بنتهم، وخدت بنتهم مكانك... كل ده علشان تعيشي حياة أحسن من حياتي."
الصمت خيم على المكان، وكل العيون اتجهت ل ايمان
منى وضعت إيدها على فمها وهي مش مصدقة، ودموعها نزلت فجأة:
ـ يعني... إيمان بنتي؟!
بدون لينك
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
الفصل الاخير الخاتمه الأولى
سعاد اتراجعت للخلف، كأن الأرض بتتهز تحت رجليها، وإيمان نفسها وقفت مصدومة، مش عارفة تتحرك ولا تنطق.
القاضي محمد أضاف بهدوء قاتل:
ـ أهو الدليل أهو وإخراج تقرير ب والدة رهف واسم الام الحقيقة الذى كانت اخافتها العمة عن الجميع … وأظن بعد اللي سمعناه، مفيش شك إننا لازم نكمل التحقيق للآخر.
صرخت سعاد
انت بتقول انت بتكذب صح ايمان بنتى أنا
أكمل القاضي ب أسرار
أكيد "إيمان" بنتك آنتى إلا ربيتها لكن الحقيقة
انها بنتكم الحقيقية يا حضرة النائب …
القاضي محمد اعتدل في مكانه ونظر لتسجيل الصوت، وبعدين رفع عينه على منى وعماد :
ـ يبقى كده واضح إن في لعبة كبيرة اتلعبت عليكم... بس عايز أسمعها منكم. أنتم ولدتوا فين؟ في أي مستشفى؟
اتلخبط عماد وهو يبلع ريقه:
ـ فـ... في المستشفى الجامعي... يومها كان في زحمة رهيبة.
القاضي قرب ورق قدامه وقال بحدة:
ـ والممرضة اللي سلمتلكوا البنت... متأكدين إنها نفس الممرضة طول الوقت؟
منى بدموع وارتباك:
ـ لأ... يومها جات ممرضة غير اللي شوفناها قبل كده، قالتلنا إن دي بنتنا، وإحنا صدقنا... ما خطرش في بالنا لحظة إنها ممكن تكون مش بنتنا.
القاضي هز راسه وكأنه بيربط الخيوط:
ـ يعني اللي حصل إن عمة رهف بدلت البنات من أول لحظة... بنتكم اتخطفت من سريرها واتحط مكانها رهف.
كل الأنفاس اتحبست للحظة، وإيمان شهقت ودموعها غرقوا خدودها:
ـ يعني أنا طول عمري عايشة وسط ناس مش أهلي؟!
منى قامت من مكانها وجرّيت إيمان في حضنها بقوة، وهي بتبكي:
ـ لأ يا بنتي، أنتي دمي ولحمي... أنتي حياتي اللي ضاعت مني ورجعتلي دلوقتي.
حاتم بص لإيمان بعيون كلها صدمة وحزن، مد إيده يلمس وشها المرتعش:
ـ سامحيني يا بنتي... إحنا اتسرقنا منك ومن عمرنا معاك.
القاضي بص لهم بنبرة حاسمة:
ـ لسه في تفاصيل كتيرة لازم تنكشف... بس الحقيقة ظهرت. إيمان هي بنتكم، وكل اللي فات كان لعبة خطيرة من رهف وعمتها.
---
الكاتبه صفاء حسنى
---
قسم الشرطة – غرفة التحقيق الفرعية.
الجو مشحون، لمبة بيضا قوية نازلة فوق دماغهم، والجو كله توتر. رهف قاعدة على الكرسي قدام عمتها، ووشها شاحب من الصدمة. العمة متوترة، بتتحرك يمين وشمال، وصوت كعب جزمتها بيخبط في البلاط، كأنها مش قادرة تثبت في مكانها.
رهف ، وشها شاحب وعينيها منتفخة من كتر البكا. الباب اتفتح ودخلت السجانة عمتها ، عينيها كلها غضب ، لكن برضه فيها ندم .
رهف بصتلها بمرارة:
ـ ليه عملتِ كده فيا؟! ليه خلتيني أعيش كدبة كبيرة؟!
العمة حاولت تمسك إيدها، بس رهف سحبتها بعصبية:
ـ كنتِ فاكرة إنك بتحميني؟! إنتِ رميتيني في نار!
العمة بصوت مكسور:
ـ يا رهف... أنا كنت لوحدي، ماعرفتش أربيك ولا أحميك، قلت أديكي حياة أحسن... بس أنا غلَطت، غلطة عمري!
رهف صرخت:
ـ غلطة؟! الغلطة دي ضيّعت حياتي... ضيّعتني أنا
و بصوت مبحوح، وهي بتحاول تمسك دموعها:
ـ كرهتيني في إيمان، خليتيني حارباها من غير سبب، حولتيني من طفلة كل أحلامها العرايس واللعب... لبنت بتخطط وتدبّر! ليه عملتِ كده فيا؟
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
الفصل الاخير الخاتمه الأولى
سعاد اتراجعت للخلف، كأن الأرض بتتهز تحت رجليها، وإيمان نفسها وقفت مصدومة، مش عارفة تتحرك ولا تنطق.
القاضي محمد أضاف بهدوء قاتل:
ـ أهو الدليل أهو وإخراج تقرير ب والدة رهف واسم الام الحقيقة الذى كانت اخافتها العمة عن الجميع … وأظن بعد اللي سمعناه، مفيش شك إننا لازم نكمل التحقيق للآخر.
صرخت سعاد
انت بتقول انت بتكذب صح ايمان بنتى أنا
أكمل القاضي ب أسرار
أكيد "إيمان" بنتك آنتى إلا ربيتها لكن الحقيقة
انها بنتكم الحقيقية يا حضرة النائب …
القاضي محمد اعتدل في مكانه ونظر لتسجيل الصوت، وبعدين رفع عينه على منى وعماد :
ـ يبقى كده واضح إن في لعبة كبيرة اتلعبت عليكم... بس عايز أسمعها منكم. أنتم ولدتوا فين؟ في أي مستشفى؟
اتلخبط عماد وهو يبلع ريقه:
ـ فـ... في المستشفى الجامعي... يومها كان في زحمة رهيبة.
القاضي قرب ورق قدامه وقال بحدة:
ـ والممرضة اللي سلمتلكوا البنت... متأكدين إنها نفس الممرضة طول الوقت؟
منى بدموع وارتباك:
ـ لأ... يومها جات ممرضة غير اللي شوفناها قبل كده، قالتلنا إن دي بنتنا، وإحنا صدقنا... ما خطرش في بالنا لحظة إنها ممكن تكون مش بنتنا.
القاضي هز راسه وكأنه بيربط الخيوط:
ـ يعني اللي حصل إن عمة رهف بدلت البنات من أول لحظة... بنتكم اتخطفت من سريرها واتحط مكانها رهف.
كل الأنفاس اتحبست للحظة، وإيمان شهقت ودموعها غرقوا خدودها:
ـ يعني أنا طول عمري عايشة وسط ناس مش أهلي؟!
منى قامت من مكانها وجرّيت إيمان في حضنها بقوة، وهي بتبكي:
ـ لأ يا بنتي، أنتي دمي ولحمي... أنتي حياتي اللي ضاعت مني ورجعتلي دلوقتي.
حاتم بص لإيمان بعيون كلها صدمة وحزن، مد إيده يلمس وشها المرتعش:
ـ سامحيني يا بنتي... إحنا اتسرقنا منك ومن عمرنا معاك.
القاضي بص لهم بنبرة حاسمة:
ـ لسه في تفاصيل كتيرة لازم تنكشف... بس الحقيقة ظهرت. إيمان هي بنتكم، وكل اللي فات كان لعبة خطيرة من رهف وعمتها.
---
الكاتبه صفاء حسنى
---
قسم الشرطة – غرفة التحقيق الفرعية.
الجو مشحون، لمبة بيضا قوية نازلة فوق دماغهم، والجو كله توتر. رهف قاعدة على الكرسي قدام عمتها، ووشها شاحب من الصدمة. العمة متوترة، بتتحرك يمين وشمال، وصوت كعب جزمتها بيخبط في البلاط، كأنها مش قادرة تثبت في مكانها.
رهف ، وشها شاحب وعينيها منتفخة من كتر البكا. الباب اتفتح ودخلت السجانة عمتها ، عينيها كلها غضب ، لكن برضه فيها ندم .
رهف بصتلها بمرارة:
ـ ليه عملتِ كده فيا؟! ليه خلتيني أعيش كدبة كبيرة؟!
العمة حاولت تمسك إيدها، بس رهف سحبتها بعصبية:
ـ كنتِ فاكرة إنك بتحميني؟! إنتِ رميتيني في نار!
العمة بصوت مكسور:
ـ يا رهف... أنا كنت لوحدي، ماعرفتش أربيك ولا أحميك، قلت أديكي حياة أحسن... بس أنا غلَطت، غلطة عمري!
رهف صرخت:
ـ غلطة؟! الغلطة دي ضيّعت حياتي... ضيّعتني أنا
و بصوت مبحوح، وهي بتحاول تمسك دموعها:
ـ كرهتيني في إيمان، خليتيني حارباها من غير سبب، حولتيني من طفلة كل أحلامها العرايس واللعب... لبنت بتخطط وتدبّر! ليه عملتِ كده فيا؟
رهف بصتلها ببرود ممزوج بجرح عميق:
ـ مش هقدرة. اسامحك .. الجرح اللي عملتيه مش هيتداوى.أرجوكى يا عمتى خرجين منها قولي إنك إلا مدبر كل حاجه وانا مليش دعوه وضحية ليك
.......
عند ايمان
كانت مصدومة إيمان بدأت تحس بدوخة، إيديها بردت، عينيها دمعت وهي بتهمس:
ـ لأ… مش معقول… أنا طول عمري كنت غريبة… محدش كان عايزني… ولما لقيت مكان أحس فيه بأمان… واطلع فى الاخر إني بنت نائب وزير؟! سنين الغربة بعد ما ابوي بعنا للجماعة واستغربت ازى الاب يعمل كده وازى أنا مش متقبلة إلا بيعمله كنت مستغربه ازى وأنا طفلة لكن عقلي مخلين ارفض أي حاجه بيعملها
منى حاولت تهديها:
ـ إيمان، اهدي يا حبيبتي…
لكن فجأة، إيمان مسكت صدرها وحسّت بكتمة، لونها اصفر، وقع جسمها قدامهم على الأرض بلا وعي.
سعاد صرخت:
ـ إيييمااان!!
الكل جري عليها في لحظة. مومن دخل يجري وشافها مرمية على الأرض، قلبه وقع من مكانه. نزل بسرعة شالها بين إيديه وهو بيصرخ:
ـ بسرعة… لازم مستشفى حالًا!
الجميع جري وراه، والجو كله بقى دوشة وصريخ.
في المستشفى
مومن بيصرخ في وش الدكتور:
ـ عندها تسمم في الدم!!
الكل اتجمد مكانه، بصوا له بصدمة.
منى شهقت:
ـ إيه؟! إنت عرفت إزاي؟!
مومن تنهد ودموعه في عينيه:
ـ يوم ما أخدو منها عينة دم في التحقيق… حقنوها بحقنة ملوثة… كانوا عايزين ينهوا عليها من غير ما حد يعرف.
---
كانوا كلهم واقفين حوالين سرير إيمان، لونها شاحب، عرقها مغرقها وبتنهج بصعوبة. مومن ماسك إيدها ومش قادر يسيبها ولا ثانية، عينه مليانة دموع وهو بيصرخ في الدكتور:
مومن (بعصبية وهو بيترجى):
أغسل دمها بالله عليك، اعملها تحليل، واعرف الحقنة دي نقلتلها مرض إيه بسرعة!
الدكتور بصله باستغراب وهو رافع حاجبه:
الدكتور (ببرود):
حضرتك إحنا في مستشفى حكومي مش خاص، يعني مش أي حاجة تطلبها هنعملها. وبعدين إحنا عارفين شغلنا كويس، ماتملاش علينا تعليمات!
صوت مومن علي أكتر وهو بيترعش من الغضب:
مومن:
دي مش هزار… دي حياتها!
في اللحظة دي قام عماد واقف بغضب، صوته هز المكان:
عماد (صارخ):
إنت قصد الكلام ده؟! أوكي… هتشوف دلوقتي!
المكان اتوتر، الممرضات بصوا لبعض بخوف.
قربت ممرضة شابة بخطوات مترددة، وقالت بهدوء وهي بتحاول تفهمهم الحقيقة:
الممرضة:
حضرتك هو ماقصدش يضايقكم… بس المشكلة فعلاً إن الأجهزة هنا كلها مستهلكة، ومعظمها مش شغال. وكمان اللي شغال متحجز لمرضى تانيين… لو عايزين تلحقوا بنتكم، أنقلوها مستشفى مجهزة قبل ما الحالة تسوء أكتر.
سكتوا كلهم لحظة… قلبهم وقع.
إيمان بدأت تتنفس بصعوبة أكتر، ومؤشرات الأجهزة بتضعف.
عماد مسك تليفونه بسرعة، ووشه احمر من الغضب:
عماد (بعزم):
أنا مش هستنى!
اتصل بواحد من الوزراء، وصوته كان مليان حزم وهو بيأمر:
عماد:
عايز أجهزة غسيل دم فورًا… سرير مجهز… معدات كاملة… كل حاجة ممكن تنقذ حياة بنتي تتجاب على المستشفى الحكومي ده حالًا!
اللي واقفين اتصدموا من سلطته وسرعة رد فعله، ومومن كان ماسك إيد إيمان وبيهمس بدعاء وهو بيبكي:
مومن (بصوت مكسور):
استحمليني يا إيمان… هتلحقي… أوعدك هتلحقي.
---
المكان: مستشفى حكومي مزدحم، أصوات أجهزة وممرضات رايحة جاية.
إيمان نايمة على السرير، جسمها مرهق، وعماد واقف مش قادر يسيطر على أعصابه.
الدكتور بصوت ثابت:
– "إحنا عملنا التحليل وهيوصلنا النتيجة من المعمل بعد شوية… في الوقت ده هنبدأ نجهز لغسيل الدم وننقيه من أي تلوث."
الممرضة وهي بتدي ورق:
– "حضرتك لازم تمضي على الموافقة… الحالات دي محتاجة سرعة، وأي دقيقة بتفرق."
عماد وهو ماسك القلم بإيد مرتعشة:
– "أنا عندي استعداد أوفرلكم أي حاجة… أجهزة، أدوية، دم… حتى لو أجيب لكم مستشفى كاملة هنا، بس بنتي تعيش بالله عليكم."
الممرضة بصوت متأثر:
– "ما تقلقش يا دكتور عماد، التمريض كله متجهز، والأجهزة وصلت من الوزارة، هنبدأ فورًا."
الكاميرا تركز على فريق التمريض وهما بيلبسوا جوانتيات وبيجهزوا المحاليل والأنابيب، والدكاترة واقفين مركزين جدًا.
وفي نفس الوقت، في المعمل: جهاز التحليل بيطلع نتيجة تدريجيًا، والأخصائي بيراقب الشاشة بتركيز.
قطع المشهد على عماد وهو ماسك إيد إيمان وبيتمتم بدعاء، وصوته بيتهدج:
– "يا رب… يا رب ما تحرمنيش منها."
---
في المستشفى، الدنيا متوترة جدًا… أجهزة التحاليل شغالة والكل بيجري عشان ينقذوا إيمان، وهي على السرير عينيها نص مفتوحة وصوت جهاز ضربات القلب عامل رهبة.
الممرضة دخلت بخطوات سريعة، ماسكة ظرف مقفول بإيدها، وبتبص حواليها بتوتر. راحت للدكتور المناوب وسلمته الظرف:
"دكتور… ده جالي من وحدة في السجن قالت لازم يوصل لحضرتك فورًا."
الدكتور فتح الظرف بسرعة، لقى تقرير مكتوب بخط رسمي، جواه ورقة صغيرة مطوية زي رسالة شخصية. عينه وقعت على أول سطر في التقرير، قلبه وقع:
"في الحقنة… مادة سُمّية بتضرب الرئة مباشرة."
وقف مصدوم، وبعدين فتح الرسالة الصغيرة. كان مكتوب فيها بخط العمة:
"أنا الوحيدة اللي عندي المضاد. رهف بريئة… كانت مجرد أداة في إيدي. لو عاوزين البنت تعيش، لازم القاضي وعماد ومؤمن يوافقوا إن رهف تخرج من القضية وتكمل حياتها مع جوزها وولادها. القرار في إيديكم… حياتها قدامكم مرهونة بتوقيعكم."
الدكتور رفع وشه، عينه مليانة صدمة:
"الموضوع اتقلب ابتزاز واضح…!"
عماد وهو واقف قلبه بيتهز، مسك راسه بإيديه:
"يعني البنت دي… بتساومنا على حياة إيمان؟! بنتي بتموت وأنا مربوط بإيدها؟"
مؤمن شد نفسه لقدام، صوته متحشرج:
"الموضوع لازم يوصل للقاضي فورًا… ده مش طب ولا علاج… ده لعبة قذرة على حساب أرواح."
الجو في أوضة المستشفى بقى خانق، الأجهزة شغالة، صوت الأنابيب، وأنفاس إيمان المتقطعة، والكل بينهار بين خيارين: ينقذوا إيمان ويسيبوا رهف، ولا يخسروا الاتنين.
---
غرفة التحقيق الخاصة
القاضي محمد، عماد (نائب الوزير)، ومؤمن دخلوا الغرفة بخطوات سريعة، والعيون كلها مركزة على رهف وعمتها الجالسين وراء الطاولة. رهف في حالة انكسار واضح، دموعها محبوسة، والعمة عينيها مليانة تحدي غريب كأنها لسه ماسكة الخيوط.
جلس القاضي على الكرسي قدامهم، ضرب بيده على الطاولة وقال بسخرية:
"يعني إنتي بتهددي قاضي، ونائب وزير، وكمان نائب عام؟ إنتي هبلة ولا بتستعبطي؟ فاكرة تلوّي دراعنا بابتزاز رخيص؟"
ابتسمت العمة بثبات:
"لا سمح الله أتخطى حدودي مع ناس زيكم… لكن أنا السبب من البداية. دخلت رهف اللعبة، وكل تصرفاتها كانت نابعة من غسيل مخ أنا عملته، من تعليماتي. هي كانت مجرد أداة."
نظرت لعماد بعيون متحدية وقالت:
"والغلط مش بس فيا… الغلط فيكم كلكم. دلعتوها زيادة، عمر ما حد حسبها على غلطة، ما فكرتوش تودوها لدكتور نفسي وهي طفلة ولا تخلوها تعيش حياة سوية. ساعتها أنا مكنتش هقدر أقتحم حصونكم ولا ألعب في دماغها. رهف بريئة في نظري، مجرد عروسة لعبة بخيوط في إيدي. لكن دلوقتي؟ حرام تتسجن بذنب مالهاش علاقة بيه. كل جريمتها إنها عرفت الحقيقة وخبت."
ضرب مؤمن الطاولة بغضب وصوته اتغير:
"جريمتها الخيانة! خانت الكل، لعبت بمشاعر الكل، ومش بعيد حتى ضربة الرصاص اللي اتصابت بيها كانت تمثيلية… لعبة جديدة عشان تظهر نفسها ضحية. والنهاردة نفس اللعبة، ابتزاز بحياة إيمان مقابل حريتها."
العمة ابتسمت باستهزاء وهي ميلة لقدام:
"يبقى كده عرفت كل حاجة… بس في الآخر مفيش ورقة قانونية واحدة تدين رهف. أنا آه، عندكم عليا أدلة، لكن هي؟ مجرد ظلّ. واللي معايا يا إما يقتلوني يا إما يهربوني… ده نصيبي. بس أولادك يا سيادة النائب… إيه ذنبهم يعيشوا من غير أم؟"
وقفت العمة ونظرت مباشرة في عيني مؤمن:
"إنت طول عمرك فاكر نفسك ظابط شاطر، وبعدين نائب عام بارع، لكن ما عرفتش تفتح قلب زوجتك في سنتين، ولا تكون صديقها، ولا حبيبها الكافي اللي تخاف تخسره وتقولك كل حاجة. الفشل مش بس في رهف، الفشل جوا بيتكم."
مؤمن بصوت متحشرج:
"الدلائل عندنا… الدفتر، تسجيلات المكالمات، كل حاجة."
ضحكت الممرضة اللي كانت واقفة في الركن بصوت بارد:
"دلائل ولا مش دلائل، قلب الستات أضعف من قلوب الرجالة. نفس التهديد وصل لماما إيمان… الست اللي ربتها. والام الحقيقة منى وسلمونى الدفتر والتليفون كل حاجه مقابل حياة ايمان
القرار في إيدكم: تختاروا حياة إيمان… ولا عقاب رهف."
---
طلب مومن يدخل ل رهف وتكون ل وحده بعيد عن عمتها وبالفعل الظابط ساعده
في زنزانة صغيرة ملامحها باهتة من كتر البرد والظلمة، رهف قاعدة على الكرسي الحديدي وإيدها بتترعش. الباب اتفتح فجأة، دخل مومن بخطواته الهادية بس عينيه كلها قسوة
كانت رهف قاعدة على الكرسي، دموعها محبوسة في عيونها، وشعرها باين من تحت الحجاب، عينيها فيها خوف وغضب متداخل.
دخل مؤمن والغضب ظاهر على ملامحه.
رهف بصوت مكسور أول ما شافته:
"الأطفال… حياة ومراد… طمّني، عاملين إيه؟"
مؤمن وقف قدامها، ابتسم بخبث:
"إنتِ عايزة تفهميني إنك بتحبي أولادك أكتر من نفسك؟ أنا مش غبي يا رهف. أنا كاشفك من زمان. عارف إنك أنانية… بس ما كنتش متصور إنك توصلي تتفقّي مع عمتك وتستغلي حياة إيمان عشان تخرجي من هنا."
اقترب منها، صوته اتغيّر وبقى صرخة غاضبة:
"تسمم إيمان؟! … بس أقولك إيه… دين تدان!"
رهف شهقت وبدأت تدافع:
"أنا… أنا ما قصدتش…"
مؤمن قطع كلامها بصوت هادر:
"يعني كنتِ بتتعاملوا مع التنظيم! عرفتيهم مكاني… واخترتي رجلي بالذات عشان تكسري ظهري واطلعي من الشرطة. صح؟"
رهف رفعت راسها بشوية ثقة غريبة وقالت بدموع:
"عشان كل البنات كانوا بيجروا وراك… البدلة بتاكل منك حتة كل يوم البنات بيفضلوا يتكلموا عنك … بس إنت لي ، أنا الوحيدة اللي ليّا الحق فيك. محدش يمتلكك غيري!"
مؤمن ابتسم بسخرية جارحة:
"خلي جشعك يظهر كمان وكمان؟ حتى لما ايمان حذّرتك وقالتلك هات عنوان القاضي… عشان ابنه في خطر؟ إنتِ اللي بعت المكالمة للتنظيم بنفسك. عشان تتعاقب! كنتِ عارفة إنهم هيودوها سوريا… وعارفة إن هناك حرب… بس أنانيتك فاقت كل الحدود."
اقترب منها أكتر، عينه في عينها:
"ولما اتصلت بيك من تركيا وقالتلك إنها هناك… نفس الندالة! بلغتِ التنظيم وجوزها… عشان يوصلوا لها. بس خططك كلها طلعت في الهوا… لأن إيمان رب الكون حماها. واليوم اللي الرسالة اتلقطت فيه… كلهم وقعوا، واتمسكوا. والكارثة؟ إنهم عرفوا إنك اللي بعتيهم. سلّمتِهم في تركيا!"
رهف ابتلعت ريقها، جسدها بدأ يرجف.
مؤمن واصل بصوت مرعب:
"يعني حتى لو خرجتي من هنا… هما مش هيسيبوك. عقابهم جاي. أما جوز إيمان؟ باطل… زواج بلا دليل، ولا دخل بيها… إنتِ كنتِ عارفة ده، وبرضه بعتّي ناس تدور عليه عشان يرجع ياخدها. ولما وصلك خبر موته… اتوترتي… وبدأتي تقعي في الغلط ورى الغلط."
رهف انهارت… بكت بحرقة، أول مرة تبين انكسارها الحقيقي.
---
. وقف قدامها وقال بصوت بارد:
مومن:
هتخرجي يا رهف… بس بشروطي.
رهف (بانفعال):
شروط إيه تاني؟!
مومن (ابتسامة ساخره):
أول شرط… هتمضي على ورق التنازل عن أولادك.
رهف اتنفضت وحاولت تعترض، بس هو رفع إيده يوقفها وكمل بنفس البرود:
عندي ألف دليل أظهر بيهم إنك مش أم صالحة. الأولاد هيبقوا معايا… وتشوفيهم وقت ما أنا أسمحلك. يا تمضي… يا تفضلي في السجن.
رهف اتنهدت بضعف، عينيها مليانة دموع:
:
يعني ممكن تضحي بحياة إيمان وتسبني هنا؟
ضحك مومن ضحكة باردة وهو يرد:
إظهري على حقيقتك يا رهف… إيمان ربنا هو اللي حافظها، اتعرضت للموت مليون مرة ورغم كده رجعها ليا.
إنتي اللي محتاجة الديل ده… نكمل ولا أخرج وأسيبك؟
رهف هزت راسها باستسلام، لكنها همست بخوف:
رهف:
بس أنا… ممكن بعد ما أخرج آخدهم منك… إيه اللي يضمنلك؟
مومن ضحك بتهكم وهو يرد:
مومن:
ده شغلي بقى.
تاني حاجة… هتمضي على ورق طلاقنا. أنا معنديش استعداد أعيش ثانية مع واحدة مجنونة زيك.
رهف صرخت بجنون، صوتها رج الزنزانة:
رهف:
إنت ملكي أنا… كلك ملكي! لو مش ليا… مش هتكون لحد غيري!
مومن ابتسم بسخرية، وعينيه كلها تحدي:
مومن:
هترجعي تقتلي كل اللي يقرب مني زي زمان؟ جربي… وأول ما تعمليها هرجعك السجن.
من هنا ورايح… ما أشوفش وشك.
وقف لحظة وسكت، وبعدين بص لها ببرود وهو يديها الورق:
أهلك إلا ربوكى مهنوتش عليهم للأسف بعد كل ده فقررار
هيكون ليكي فلوس في حسابك… تعيشي بيهم.
لكن ممنوع سحب كاش… بس أكل وشرب.
الأولاد… أنا اللي هاجيبهم ليكي ساعة ما أحب.
وممنوع تنطقي كلمة زيادة مش عايز أولادى يطلعوا مرضي نفسينا زيك
تمام يا قلبي 🌹، خليني أرتبلك المشهد ده بشكل درامي متماسك ومنسق من غير ما أفقد أي تفصيلة:
مومن كان قاعد قدام رهف، فتح الأوراق قدامها وحط القلم في إيدها وهو بيقول ببرود:
ــ امضي هنا… إمضي وخلي الموضوع يخلص.
رهف إيديها كانت بترتعش، دمعها مغرق وشها، لكن مضت على ورق الطلاق والتنازل عن الأولاد.
وبمجرد ما خلصت الإمضاء، مومن رفع راسه وقال ببرود جارح:
ــ آه، نسيت أقولك حاجة…
شكراً إنك خليتي إيمان هي اللي تربي أولادي. شكراً إني كنت أناني، أفضل خروجي ونواديي على حساب ولادك. عارفة؟ ولادك دلوقتي بيسألوا على إيمان أكتر منك… حتى افتكروكي “طلعتِ عند ربنا”. وبيفضلوا ليل ونهار يدعوا إنها ما تروحش عند ربنا وتفضل معاهم.
كلماته نزلت عليها زي السهام، قطع قلبها قبل ما يسيبها ويمشي من غير ما يبص وراه.
رهف فضلت تصرخ وتلطم وتعيط لحد ما صوتها رجّ المكان كله. الشرطة دخلوا بسرعة، مسكوها وهي بتقاوم وودوها على زنزانة انفرادي.
مومن بعدها راح لعمة رهف، دخل عليها وقال وهو بيرمي الورق:
ــ خلاص، موافقين تخرج… ده إخلاء سبيلها.
وبالمناسبة، في حساب باسمها في البنك، لو عايزة تخلصي الورق وتطلعيها قبل ما تموت نفسها جوا.
العمة شهقت، وشها اتبدل:
ــ تموت نفسها؟! بتقول إيه يا مومن؟!
مومن ابتسم بسمة كلها خبث:
ــ عشان اطلقني. إنتي أكتر واحدة عارفة بنت أخوكي مجنونة بيا قد إيه… أول ما فكرت تبعد عني عقلها اتلخبط. يا تلحقيها… يا متلحقهاش.
العمة اتصدمت، لكن وهي مضطربة اضطرت تقول له على مكان العلاج من التسمم، همست له بكلمة سر ما بينه وبين الدكتور.
مومن طار على طول على عيادة في حارة ضيقة، دخل وقابل الدكتور اللي مستني الكلمة. أول ما قالها، الدكتور سلمه العلاج في علبة صغيرة.
لكن ما لحقش يخرج… الشرطة اللي كانت متتبعة خطواته اقتحمت المكان، وقبضوا على الدكتور.
ولما فتحوا غرفة جانبية في العيادة… كانت الصدمة.
تتبع
رهف بصتلها ببرود ممزوج بجرح عميق:
ـ مش هقدرة. اسامحك .. الجرح اللي عملتيه مش هيتداوى.أرجوكى يا عمتى خرجين منها قولي إنك إلا مدبر كل حاجه وانا مليش دعوه وضحية ليك
.......
عند ايمان
كانت مصدومة إيمان بدأت تحس بدوخة، إيديها بردت، عينيها دمعت وهي بتهمس:
ـ لأ… مش معقول… أنا طول عمري كنت غريبة… محدش كان عايزني… ولما لقيت مكان أحس فيه بأمان… واطلع فى الاخر إني بنت نائب وزير؟! سنين الغربة بعد ما ابوي بعنا للجماعة واستغربت ازى الاب يعمل كده وازى أنا مش متقبلة إلا بيعمله كنت مستغربه ازى وأنا طفلة لكن عقلي مخلين ارفض أي حاجه بيعملها
منى حاولت تهديها:
ـ إيمان، اهدي يا حبيبتي…
لكن فجأة، إيمان مسكت صدرها وحسّت بكتمة، لونها اصفر، وقع جسمها قدامهم على الأرض بلا وعي.
سعاد صرخت:
ـ إيييمااان!!
الكل جري عليها في لحظة. مومن دخل يجري وشافها مرمية على الأرض، قلبه وقع من مكانه. نزل بسرعة شالها بين إيديه وهو بيصرخ:
ـ بسرعة… لازم مستشفى حالًا!
الجميع جري وراه، والجو كله بقى دوشة وصريخ.
في المستشفى
مومن بيصرخ في وش الدكتور:
ـ عندها تسمم في الدم!!
الكل اتجمد مكانه، بصوا له بصدمة.
منى شهقت:
ـ إيه؟! إنت عرفت إزاي؟!
مومن تنهد ودموعه في عينيه:
ـ يوم ما أخدو منها عينة دم في التحقيق… حقنوها بحقنة ملوثة… كانوا عايزين ينهوا عليها من غير ما حد يعرف.
---
كانوا كلهم واقفين حوالين سرير إيمان، لونها شاحب، عرقها مغرقها وبتنهج بصعوبة. مومن ماسك إيدها ومش قادر يسيبها ولا ثانية، عينه مليانة دموع وهو بيصرخ في الدكتور:
مومن (بعصبية وهو بيترجى):
أغسل دمها بالله عليك، اعملها تحليل، واعرف الحقنة دي نقلتلها مرض إيه بسرعة!
الدكتور بصله باستغراب وهو رافع حاجبه:
الدكتور (ببرود):
حضرتك إحنا في مستشفى حكومي مش خاص، يعني مش أي حاجة تطلبها هنعملها. وبعدين إحنا عارفين شغلنا كويس، ماتملاش علينا تعليمات!
صوت مومن علي أكتر وهو بيترعش من الغضب:
مومن:
دي مش هزار… دي حياتها!
في اللحظة دي قام عماد واقف بغضب، صوته هز المكان:
عماد (صارخ):
إنت قصد الكلام ده؟! أوكي… هتشوف دلوقتي!
المكان اتوتر، الممرضات بصوا لبعض بخوف.
قربت ممرضة شابة بخطوات مترددة، وقالت بهدوء وهي بتحاول تفهمهم الحقيقة:
الممرضة:
حضرتك هو ماقصدش يضايقكم… بس المشكلة فعلاً إن الأجهزة هنا كلها مستهلكة، ومعظمها مش شغال. وكمان اللي شغال متحجز لمرضى تانيين… لو عايزين تلحقوا بنتكم، أنقلوها مستشفى مجهزة قبل ما الحالة تسوء أكتر.
سكتوا كلهم لحظة… قلبهم وقع.
إيمان بدأت تتنفس بصعوبة أكتر، ومؤشرات الأجهزة بتضعف.
عماد مسك تليفونه بسرعة، ووشه احمر من الغضب:
عماد (بعزم):
أنا مش هستنى!
اتصل بواحد من الوزراء، وصوته كان مليان حزم وهو بيأمر:
عماد:
عايز أجهزة غسيل دم فورًا… سرير مجهز… معدات كاملة… كل حاجة ممكن تنقذ حياة بنتي تتجاب على المستشفى الحكومي ده حالًا!
اللي واقفين اتصدموا من سلطته وسرعة رد فعله، ومومن كان ماسك إيد إيمان وبيهمس بدعاء وهو بيبكي:
مومن (بصوت مكسور):
استحمليني يا إيمان… هتلحقي… أوعدك هتلحقي.
---
المكان: مستشفى حكومي مزدحم، أصوات أجهزة وممرضات رايحة جاية.
إيمان نايمة على السرير، جسمها مرهق، وعماد واقف مش قادر يسيطر على أعصابه.
الدكتور بصوت ثابت:
– "إحنا عملنا التحليل وهيوصلنا النتيجة من المعمل بعد شوية… في الوقت ده هنبدأ نجهز لغسيل الدم وننقيه من أي تلوث."
الممرضة وهي بتدي ورق:
– "حضرتك لازم تمضي على الموافقة… الحالات دي محتاجة سرعة، وأي دقيقة بتفرق."
عماد وهو ماسك القلم بإيد مرتعشة:
– "أنا عندي استعداد أوفرلكم أي حاجة… أجهزة، أدوية، دم… حتى لو أجيب لكم مستشفى كاملة هنا، بس بنتي تعيش بالله عليكم."
الممرضة بصوت متأثر:
– "ما تقلقش يا دكتور عماد، التمريض كله متجهز، والأجهزة وصلت من الوزارة، هنبدأ فورًا."
الكاميرا تركز على فريق التمريض وهما بيلبسوا جوانتيات وبيجهزوا المحاليل والأنابيب، والدكاترة واقفين مركزين جدًا.
وفي نفس الوقت، في المعمل: جهاز التحليل بيطلع نتيجة تدريجيًا، والأخصائي بيراقب الشاشة بتركيز.
قطع المشهد على عماد وهو ماسك إيد إيمان وبيتمتم بدعاء، وصوته بيتهدج:
– "يا رب… يا رب ما تحرمنيش منها."
---
في المستشفى، الدنيا متوترة جدًا… أجهزة التحاليل شغالة والكل بيجري عشان ينقذوا إيمان، وهي على السرير عينيها نص مفتوحة وصوت جهاز ضربات القلب عامل رهبة.
الممرضة دخلت بخطوات سريعة، ماسكة ظرف مقفول بإيدها، وبتبص حواليها بتوتر. راحت للدكتور المناوب وسلمته الظرف:
"دكتور… ده جالي من وحدة في السجن قالت لازم يوصل لحضرتك فورًا."
الدكتور فتح الظرف بسرعة، لقى تقرير مكتوب بخط رسمي، جواه ورقة صغيرة مطوية زي رسالة شخصية. عينه وقعت على أول سطر في التقرير، قلبه وقع:
"في الحقنة… مادة سُمّية بتضرب الرئة مباشرة."
وقف مصدوم، وبعدين فتح الرسالة الصغيرة. كان مكتوب فيها بخط العمة:
"أنا الوحيدة اللي عندي المضاد. رهف بريئة… كانت مجرد أداة في إيدي. لو عاوزين البنت تعيش، لازم القاضي وعماد ومؤمن يوافقوا إن رهف تخرج من القضية وتكمل حياتها مع جوزها وولادها. القرار في إيديكم… حياتها قدامكم مرهونة بتوقيعكم."
الدكتور رفع وشه، عينه مليانة صدمة:
"الموضوع اتقلب ابتزاز واضح…!"
عماد وهو واقف قلبه بيتهز، مسك راسه بإيديه:
"يعني البنت دي… بتساومنا على حياة إيمان؟! بنتي بتموت وأنا مربوط بإيدها؟"
مؤمن شد نفسه لقدام، صوته متحشرج:
"الموضوع لازم يوصل للقاضي فورًا… ده مش طب ولا علاج… ده لعبة قذرة على حساب أرواح."
الجو في أوضة المستشفى بقى خانق، الأجهزة شغالة، صوت الأنابيب، وأنفاس إيمان المتقطعة، والكل بينهار بين خيارين: ينقذوا إيمان ويسيبوا رهف، ولا يخسروا الاتنين.
---
غرفة التحقيق الخاصة
القاضي محمد، عماد (نائب الوزير)، ومؤمن دخلوا الغرفة بخطوات سريعة، والعيون كلها مركزة على رهف وعمتها الجالسين وراء الطاولة. رهف في حالة انكسار واضح، دموعها محبوسة، والعمة عينيها مليانة تحدي غريب كأنها لسه ماسكة الخيوط.
جلس القاضي على الكرسي قدامهم، ضرب بيده على الطاولة وقال بسخرية:
"يعني إنتي بتهددي قاضي، ونائب وزير، وكمان نائب عام؟ إنتي هبلة ولا بتستعبطي؟ فاكرة تلوّي دراعنا بابتزاز رخيص؟"
ابتسمت العمة بثبات:
"لا سمح الله أتخطى حدودي مع ناس زيكم… لكن أنا السبب من البداية. دخلت رهف اللعبة، وكل تصرفاتها كانت نابعة من غسيل مخ أنا عملته، من تعليماتي. هي كانت مجرد أداة."
نظرت لعماد بعيون متحدية وقالت:
"والغلط مش بس فيا… الغلط فيكم كلكم. دلعتوها زيادة، عمر ما حد حسبها على غلطة، ما فكرتوش تودوها لدكتور نفسي وهي طفلة ولا تخلوها تعيش حياة سوية. ساعتها أنا مكنتش هقدر أقتحم حصونكم ولا ألعب في دماغها. رهف بريئة في نظري، مجرد عروسة لعبة بخيوط في إيدي. لكن دلوقتي؟ حرام تتسجن بذنب مالهاش علاقة بيه. كل جريمتها إنها عرفت الحقيقة وخبت."
ضرب مؤمن الطاولة بغضب وصوته اتغير:
"جريمتها الخيانة! خانت الكل، لعبت بمشاعر الكل، ومش بعيد حتى ضربة الرصاص اللي اتصابت بيها كانت تمثيلية… لعبة جديدة عشان تظهر نفسها ضحية. والنهاردة نفس اللعبة، ابتزاز بحياة إيمان مقابل حريتها."
العمة ابتسمت باستهزاء وهي ميلة لقدام:
"يبقى كده عرفت كل حاجة… بس في الآخر مفيش ورقة قانونية واحدة تدين رهف. أنا آه، عندكم عليا أدلة، لكن هي؟ مجرد ظلّ. واللي معايا يا إما يقتلوني يا إما يهربوني… ده نصيبي. بس أولادك يا سيادة النائب… إيه ذنبهم يعيشوا من غير أم؟"
وقفت العمة ونظرت مباشرة في عيني مؤمن:
"إنت طول عمرك فاكر نفسك ظابط شاطر، وبعدين نائب عام بارع، لكن ما عرفتش تفتح قلب زوجتك في سنتين، ولا تكون صديقها، ولا حبيبها الكافي اللي تخاف تخسره وتقولك كل حاجة. الفشل مش بس في رهف، الفشل جوا بيتكم."
مؤمن بصوت متحشرج:
"الدلائل عندنا… الدفتر، تسجيلات المكالمات، كل حاجة."
ضحكت الممرضة اللي كانت واقفة في الركن بصوت بارد:
"دلائل ولا مش دلائل، قلب الستات أضعف من قلوب الرجالة. نفس التهديد وصل لماما إيمان… الست اللي ربتها. والام الحقيقة منى وسلمونى الدفتر والتليفون كل حاجه مقابل حياة ايمان
القرار في إيدكم: تختاروا حياة إيمان… ولا عقاب رهف."
---
طلب مومن يدخل ل رهف وتكون ل وحده بعيد عن عمتها وبالفعل الظابط ساعده
في زنزانة صغيرة ملامحها باهتة من كتر البرد والظلمة، رهف قاعدة على الكرسي الحديدي وإيدها بتترعش. الباب اتفتح فجأة، دخل مومن بخطواته الهادية بس عينيه كلها قسوة
كانت رهف قاعدة على الكرسي، دموعها محبوسة في عيونها، وشعرها باين من تحت الحجاب، عينيها فيها خوف وغضب متداخل.
دخل مؤمن والغضب ظاهر على ملامحه.
رهف بصوت مكسور أول ما شافته:
"الأطفال… حياة ومراد… طمّني، عاملين إيه؟"
مؤمن وقف قدامها، ابتسم بخبث:
"إنتِ عايزة تفهميني إنك بتحبي أولادك أكتر من نفسك؟ أنا مش غبي يا رهف. أنا كاشفك من زمان. عارف إنك أنانية… بس ما كنتش متصور إنك توصلي تتفقّي مع عمتك وتستغلي حياة إيمان عشان تخرجي من هنا."
اقترب منها، صوته اتغيّر وبقى صرخة غاضبة:
"تسمم إيمان؟! … بس أقولك إيه… دين تدان!"
رهف شهقت وبدأت تدافع:
"أنا… أنا ما قصدتش…"
مؤمن قطع كلامها بصوت هادر:
"يعني كنتِ بتتعاملوا مع التنظيم! عرفتيهم مكاني… واخترتي رجلي بالذات عشان تكسري ظهري واطلعي من الشرطة. صح؟"
رهف رفعت راسها بشوية ثقة غريبة وقالت بدموع:
"عشان كل البنات كانوا بيجروا وراك… البدلة بتاكل منك حتة كل يوم البنات بيفضلوا يتكلموا عنك … بس إنت لي ، أنا الوحيدة اللي ليّا الحق فيك. محدش يمتلكك غيري!"
مؤمن ابتسم بسخرية جارحة:
"خلي جشعك يظهر كمان وكمان؟ حتى لما ايمان حذّرتك وقالتلك هات عنوان القاضي… عشان ابنه في خطر؟ إنتِ اللي بعت المكالمة للتنظيم بنفسك. عشان تتعاقب! كنتِ عارفة إنهم هيودوها سوريا… وعارفة إن هناك حرب… بس أنانيتك فاقت كل الحدود."
اقترب منها أكتر، عينه في عينها:
"ولما اتصلت بيك من تركيا وقالتلك إنها هناك… نفس الندالة! بلغتِ التنظيم وجوزها… عشان يوصلوا لها. بس خططك كلها طلعت في الهوا… لأن إيمان رب الكون حماها. واليوم اللي الرسالة اتلقطت فيه… كلهم وقعوا، واتمسكوا. والكارثة؟ إنهم عرفوا إنك اللي بعتيهم. سلّمتِهم في تركيا!"
رهف ابتلعت ريقها، جسدها بدأ يرجف.
مؤمن واصل بصوت مرعب:
"يعني حتى لو خرجتي من هنا… هما مش هيسيبوك. عقابهم جاي. أما جوز إيمان؟ باطل… زواج بلا دليل، ولا دخل بيها… إنتِ كنتِ عارفة ده، وبرضه بعتّي ناس تدور عليه عشان يرجع ياخدها. ولما وصلك خبر موته… اتوترتي… وبدأتي تقعي في الغلط ورى الغلط."
رهف انهارت… بكت بحرقة، أول مرة تبين انكسارها الحقيقي.
---
. وقف قدامها وقال بصوت بارد:
مومن:
هتخرجي يا رهف… بس بشروطي.
رهف (بانفعال):
شروط إيه تاني؟!
مومن (ابتسامة ساخره):
أول شرط… هتمضي على ورق التنازل عن أولادك.
رهف اتنفضت وحاولت تعترض، بس هو رفع إيده يوقفها وكمل بنفس البرود:
عندي ألف دليل أظهر بيهم إنك مش أم صالحة. الأولاد هيبقوا معايا… وتشوفيهم وقت ما أنا أسمحلك. يا تمضي… يا تفضلي في السجن.
رهف اتنهدت بضعف، عينيها مليانة دموع:
:
يعني ممكن تضحي بحياة إيمان وتسبني هنا؟
ضحك مومن ضحكة باردة وهو يرد:
إظهري على حقيقتك يا رهف… إيمان ربنا هو اللي حافظها، اتعرضت للموت مليون مرة ورغم كده رجعها ليا.
إنتي اللي محتاجة الديل ده… نكمل ولا أخرج وأسيبك؟
رهف هزت راسها باستسلام، لكنها همست بخوف:
رهف:
بس أنا… ممكن بعد ما أخرج آخدهم منك… إيه اللي يضمنلك؟
مومن ضحك بتهكم وهو يرد:
مومن:
ده شغلي بقى.
تاني حاجة… هتمضي على ورق طلاقنا. أنا معنديش استعداد أعيش ثانية مع واحدة مجنونة زيك.
رهف صرخت بجنون، صوتها رج الزنزانة:
رهف:
إنت ملكي أنا… كلك ملكي! لو مش ليا… مش هتكون لحد غيري!
مومن ابتسم بسخرية، وعينيه كلها تحدي:
مومن:
هترجعي تقتلي كل اللي يقرب مني زي زمان؟ جربي… وأول ما تعمليها هرجعك السجن.
من هنا ورايح… ما أشوفش وشك.
وقف لحظة وسكت، وبعدين بص لها ببرود وهو يديها الورق:
أهلك إلا ربوكى مهنوتش عليهم للأسف بعد كل ده فقررار
هيكون ليكي فلوس في حسابك… تعيشي بيهم.
لكن ممنوع سحب كاش… بس أكل وشرب.
الأولاد… أنا اللي هاجيبهم ليكي ساعة ما أحب.
وممنوع تنطقي كلمة زيادة مش عايز أولادى يطلعوا مرضي نفسينا زيك
تمام يا قلبي 🌹، خليني أرتبلك المشهد ده بشكل درامي متماسك ومنسق من غير ما أفقد أي تفصيلة:
مومن كان قاعد قدام رهف، فتح الأوراق قدامها وحط القلم في إيدها وهو بيقول ببرود:
ــ امضي هنا… إمضي وخلي الموضوع يخلص.
رهف إيديها كانت بترتعش، دمعها مغرق وشها، لكن مضت على ورق الطلاق والتنازل عن الأولاد.
وبمجرد ما خلصت الإمضاء، مومن رفع راسه وقال ببرود جارح:
ــ آه، نسيت أقولك حاجة…
شكراً إنك خليتي إيمان هي اللي تربي أولادي. شكراً إني كنت أناني، أفضل خروجي ونواديي على حساب ولادك. عارفة؟ ولادك دلوقتي بيسألوا على إيمان أكتر منك… حتى افتكروكي “طلعتِ عند ربنا”. وبيفضلوا ليل ونهار يدعوا إنها ما تروحش عند ربنا وتفضل معاهم.
كلماته نزلت عليها زي السهام، قطع قلبها قبل ما يسيبها ويمشي من غير ما يبص وراه.
رهف فضلت تصرخ وتلطم وتعيط لحد ما صوتها رجّ المكان كله. الشرطة دخلوا بسرعة، مسكوها وهي بتقاوم وودوها على زنزانة انفرادي.
مومن بعدها راح لعمة رهف، دخل عليها وقال وهو بيرمي الورق:
ــ خلاص، موافقين تخرج… ده إخلاء سبيلها.
وبالمناسبة، في حساب باسمها في البنك، لو عايزة تخلصي الورق وتطلعيها قبل ما تموت نفسها جوا.
العمة شهقت، وشها اتبدل:
ــ تموت نفسها؟! بتقول إيه يا مومن؟!
مومن ابتسم بسمة كلها خبث:
ــ عشان اطلقني. إنتي أكتر واحدة عارفة بنت أخوكي مجنونة بيا قد إيه… أول ما فكرت تبعد عني عقلها اتلخبط. يا تلحقيها… يا متلحقهاش.
العمة اتصدمت، لكن وهي مضطربة اضطرت تقول له على مكان العلاج من التسمم، همست له بكلمة سر ما بينه وبين الدكتور.
مومن طار على طول على عيادة في حارة ضيقة، دخل وقابل الدكتور اللي مستني الكلمة. أول ما قالها، الدكتور سلمه العلاج في علبة صغيرة.
لكن ما لحقش يخرج… الشرطة اللي كانت متتبعة خطواته اقتحمت المكان، وقبضوا على الدكتور.
ولما فتحوا غرفة جانبية في العيادة… كانت الصدمة.
خائنة خلف جدران الحب
الفصل الأخير الجزء الثاني
انصدم مومن لما شاف ثلاجات صف ورا بعض، وكل واحدة فيها أجزاء متقطعة من أجسام بني آدمين… مكتوب عليها أسماء، ومين المفروض يستلمها.
المنظر كان مرعب، مومن اتجمد مكانه والشرطة نفسهم اتصدموا.
---
اعترف الدكتور بعد القبض عليه وهو مرعوب:
ــ اللي كانت شغالة معايا من الأول هي العمة.
الكلمة دي قلبت الدنيا.
بدأت العمة في التحقيقات تنهار وتفضح أسماء تقيلة: مسؤولين، سماسرة، وحتى دكاترة كبار. اعترفت إنهم كانوا بيستغلوا الجثث اللي “ملهاش حد” أو المتشوهة، خصوصًا أيام المظاهرات… من 25 يناير لحد اعتصام رابعة. كانت بالنسبة لهم “سبوبة”.
كلامها كان صدمة… ناس كتير قلبها اتشحتف على أولادهم اللي اختفوا قسري، وناس تانية اتجننت من كتر الظلم. مومن كان واقف، قلبه بيتقطع وهو فاهم إن اللي قدامه مش مجرد جريمة فردية… دي شبكة كبيرة مربوطة بتنظيمات وعدو للبلد. الحقيقة ضاعت وسط الدم، ومحدش بقى عارف مين الصح ومين الغلط… والضحايا كانوا البسطاء اللي صدقوا الأمل، ودفعوا التمن غالي.
مومن ما فكرش في حاجة وقتها غير إيمان. بص للظابط وقال له:
ــ خليني أوصل العلاج… دي ل ايمان
الظابط هز راسه بابتسامة:
ــ روح يا صاحبي… وهفضل فخور إننا مسكنا قضية زي دي بسببك. اسمك مش هيتنسي.
جرى مومن بأقصى سرعة، وصل المستشفى، دخل عند الدكتور وسلمه العلاج.
تم حقن إيمان… والساعات اللي بعدها كانت كابوس. مابين الحياة والموت، نفسها بيتقطع، والأجهزة بتصرخ. لكن في الآخر… بدأت تسترد وعيها شوية بشوية.
مومن قعد جنبها، ماسك إيدها. أول ما فتحت عينيها شافت علبة صغيرة في إيده. فتحها… كان فيها خاتم.
ــ تتجوزيني يا إيمان؟
قبل ما تلحق ترد… حياة ومراد دخلوا جارين عليه، بصوت طفولي مليان براءة:
ــ يا طنط إيمان، إحنا بنحبك… ماما طلعت عند ربنا، وما لناش غيرك.
إيمان بصتلهم وهي مش فاهمة، لكن مومن غمز لها بمعنى “سيبي الباقي عليّ”.
في الوقت ده، كانت رهف خارجة من السجن، عربية خاصة واخداها على محافظة بعيدة. شقة مجهزة بكل حاجة وحراسة تحت البيت. لكن قلبها موجوع… فقدت مومن.
مومن اتفق مع الحراسة يراقبوها كويس.
كل يوم رهف كانت بتروح البحر، تقعد بالساعات تحكي مع خيال شايفاه:
ــ إنت سامحتني يا مومن؟ بتحبني؟
وكان الخيال يرد عليها:
ــ آه يا رهف… بحبك ومقدرش أعيش من غيرك.
كانت تبتسم وتصدق.
منى حسّت إن رهف لازم تتشاف. طلبت من مومن تزورها. راحت لها… لقت رهف قاعدة على الأرض ماسكة لعبة قديمة، بتكلمها كأنها طفلة:
ــ ماما منى… مومن معايا، ومراد وحياة معايا… رجعوا ليا. عايشين هنا معايا، بعيد عن إيمان والعمة وكل الناس الوحشة.
منى دموعها نزلت… حضنتها وقالت:
ــ سامحيني يا بنتي… معرفتش أكون الأم الصح ليكي. بس صدقيني، هتتعالجي، وهتبقي كويسة.
وفعلاً خدوها على مستشفى نفسي. هناك قابلت دكتور شاب بدأ يتكلم معاها ويدوي جراحها.
رهف لأول مرة حسّت إن في حد بيسمعها… بيديها اهتمام حقيقي.
شوية شوية، فهمت إن اللي كان عندها مش حب… كان هوس.
وإن الهوس عمره ما كان حب.
---
الكاتبه صفاء حسنى
---
كانت إيمان لسه مرمية ع السرير في المستشفى، وشها شاحب وعنيها باين فيها الإرهاق.. كل نفس بتاخده كأنه صراع بين الحياة والموت. ساعات بتسرح في اللحظة اللي كانت فيها خلاص هتفارق الدنيا، والدموع بتنزل من غير ما تحس.
دخل مومن عليها، واقف قدامها بابتسامة فيها خبث وقال:
"إيه يا إيمان؟ مش عايزة تفكري تراجعي نفسك؟ العرض لسه قائم، مكانك جنبي موجود."
بصت له إيمان بعنيها الضعيفة بس مليانة كرامة وقالت بصوت مهزوز:
"أنا ممكن أكون وقعت بين إيدك.. وممكن الموت نفسه كان أقربلي منك.. بس مستحيل أخون صاحبة عمري! رهف بالنسبالي مش مجرد صاحبة، دي أخت، وأي سبب في الدنيا مش هيخليني أخد مكانها."
ضحك مومن بسخرية، وقرب منها وهو يقول:
"هتفضلي مثالية كده لحد إمتى؟ الدنيا ما بترحمش يا إيمان، وأنا مش بلعب."
دمعة نزلت من عينها، مسحتها بسرعة وقالت بكل إصرار:
"حتى لو الدنيا كلها وقفت ضدي.. مش هكون أنا السبب في كسرة قلب رهف. أنا عشت لحظة الموت وشوفت قديه الحياة قصيرة.. ومش هقابل ربنا بعار الخيانة."
سكت مومن للحظة، نظر لها بنظرة غامضة وقال:
"يبقى استحملي اللي جاي يا إيمان.. لأنك اخترتِ الطريق الصعب."
إيمان أخدت نفس عميق، ورغم ضعفها حسّت جواها إن ربنا واقف معايا ، وإنه مهما حاول مومن يلعب، عمره ما هيقدر يبدّل الحق بالباطل.
---
رجعت إيمان من المستشفى، ملامحها لسه باهتة من التعب، بس عينيها مليانة وجع وقرار صعب.
سعاد كانت ماشية جنبها ماسكة إيديها بحنان الأم اللي عمرها ما سابتها لحظة.
وقفت قدام البيت، لقت منى وعماد مستنيينها. ملامحهم مشوشة ما بين فرحة إنها بخير، وحزن من رفضها الدائم ليهم.
منى بصوت متقطع وهي بتحاول تمسك إيدها:
– "تعالي معانا يا إيمان… بيتنا بيتك، انتي مش غريبة عننا… انتي بنتي، بنتي اللي شيلتك جوا بطني تسع شهور."
إيمان هزت راسها، والدموع مغرقة عينيها، صوتها مبحوح لكنه ثابت:
– "بس مربتنيش… مربتنيش يا طنط. أنا كبرت هنا… وسط الست اللي كانت بتضرب وتتبهدل عشان تسد جوعي… الست دي هي اللي ربّتني، هي اللي علمتني أكون إنسانة."
عماد حاول يقرب، صوته فيه رجاء:
– "إيمان… محدش فينا اختار الظروف دي، رهف نفسها ضاعت في النص، ليه تكملي في العناد ده؟ انتي ليكي حق علينا."
إيمان اتحولت ناحيته بغضب مكتوم:
– "حق؟! وشرع مين أو دين مين اللي يخليني آخد مكان رهف؟! هي اللي اتظلمت… هي اللي اتسرق عمرها عشان الحقيقة دي. إزاي عايزني أكون بديل؟!"
منى وقعت على كرسي قدامها ودموعها نازلة:
– "بس انتي مش بديل… انتي بنتنا الحقيقة."
إيمان عضت شفايفها من القهر، قلبها بيتقطع، لكنها مسكت إيد سعاد وضمتها ليها:
– "الحمد لله… لولاك يا ماما ما كنتش بقيت واقفة هنا. يمكن أنتي مش اللي جبتيني الدنيا… لكن أنتي اللي علمتيني أعيشها. أنتي أمي… ومش هتخليكي."
سعاد بصت لمُنى وعماد بعينين كلها وجع ودموع، وقالت بهدوء:
– "البنات مش بالدم… البنت باللي يربيها ويصونها. إيمان اختارت… ومحدش هيقدر يغير اختيارها."
وسابتهم ماشيين وهي ماسكة إيد سعاد، وقلبها بينزف، بس عقلها رافض يعيش على حساب جرح صاحبتها رهف.
بعد أيام من المحاولات من رفض قرب حد منها أن كان مومن أو عماد أو منى
رجعت إيمان الجامعة بعد ما صحتها ابتدت تتحسن شوية، بس لسه عايشة في دوامة تعب نفسي رهيب. كل الناس حواليها كانوا مستغربين قرارها؛ ليه رفضت ترجع مع منى وعماد أهلها الحقيقيين؟ وليه رافضة تقبل حب مومن؟ محدش قادر يجاوب… حتى رهف نفسها ابتدت تتعالج، يمكن عشان خلاص عرفت إن إيمان اختارت طريق غيرها.
إيمان كانت بتحاول تعيش عادي، تحضر محاضراتها، وتذاكر، وتثبت لنفسها إنها قادرة تقف على رجليها من تاني. بس كان فيه عينين بتطاردها في كل ركن بالجامعة… عينين مومن.
كان دايمًا بيراقبها من بعيد، وأوقات يضغط عليها بكلمة أو محاولة يقرب، بس هي دايمًا تبعد وتصد.
وده كان بيجننه: "ليه؟ أنا مغلطتش فيكي…"
وفي يوم، وهي واقفة في نص ساحة الجامعة، فجأة لقت مومن بيقف قدامها، كأنه سد الطريق عليها.
ملامحه مليانة وجع، وصوته متكسر وهو بيقول:
"إنتي ليه رافضاني؟ رغم إنك عارفة إني ضحية زيي زيك… لعبوا بينا وخدعونا. أنا حبيتك إنتي… والله دورت عليكي، بس رهف كانت بتخفي أي طريق يوصلني ليكي. يمكن مكنتش أعرف إسمك ولا حياتك فين… لكن ملامحك! ملامحك عمرها ما غابت عن عيني. ليه دايمًا حاسة إني باخد مكانها؟"
سكت لحظة، عينيه مليانة رجاء:
"إيمان… صدقيني، أنا دلوقتي مش بشوف غيرك."
إيمان اتجمدت مكانها، عينيها لمعت بالدموع، وفجأة انفجرت فيه بصوت عالي قدام كل اللي في الساحة:
"عشان دي الحقيقة يا مومن! إنت عايز مربية لأولادك مش أكتر… الحب مش بيتولد في يوم وليلة! إنت كنت بتحب رهف، كنت بتنام معاها وتوعدها بكلام كله حب. هتنكر ده؟! كنت بتعيط بالدموع عشانها، واتهِمتني أنا إني السبب إنها في الحالة دي دلوقتي. وفجأة كده اكتشفت إنك بتحبني؟!"
"إنت عاوز إيه مني يا مومن؟! عاوز واحدة تربي عيالك وخلاص؟! أنا مش هبقى مربية عندك. إنت نفسك معرّفتش تفهم زوجتك، ولا حتى تعرف عنها حاجة… وعاوزني أصدق إنك في لحظة حبيتني؟! لا، إنت بتضحك على نفسك… أو بتنافقني!"
الكلمة الأخيرة وقعت عليه زي الطعنة، قلبه اتشل، بس مومن ماعرفش يبين ضعفه… عض شفايفه من الغيظ، ورفع صوته فجأة:
مومن (بانفعال):
"أنا منافق؟! طيب إنتي إيه؟ مش عايشة في دور البريئة اللي ملهاش ذنب؟! مع إنك عارفة كويس إن أنا وإنتي الاتنين ضحايا رهف! عارفة إنها لعبت بينا… ومع كده بتتعاملي كإني أنا الجاني!"
سكت لحظة، وصوته بقى أخشن وهو بيخفي وجعه:
مومن:
"ما تلعبيش دور المظلومة عليا، إنتي اخترتي البُعد، وأنا اخترت فبرحتك لكن هتندم يا ايمان
كانت واقفة قدامه، عينيها مليانة غضب ووجع وهي بتقول:
إيمان (بحدة):
صوتها كان مليان كسرة وقهر، وهي بتبعد خطوتين، دموعها بتنزل وهي بتكمل بصوت أهدى بس جارح:
"أنا مش هقبل أبقى بديلة لحد، ولا هعيش في وهم اسمه حب… اللي بيتولد من جرح."
إيمان اتجمدت مكانها، دموعها وقفت في عينيها، بس فضّلت ساكتة…
نظر لها بغضب
اخر كلام ماشي يا ايمان لكن هتندم
أما هو، لف وخرج بسرعة، سايب وراه جرح أعمق من اللي حاول يخفيه.
إيمان كانت لسه خارجة من المكان ، قلبها مخنوق بعد ما سابت مؤمن بالكلام الجارح اللي تبادلوا فيه. حاولت تمسك نفسها قدام الناس،
وتتذكر فلاش باك
إيمان قاعدة على السرير، غرفة هادية بالمستشفى، ملامحها شاحبة من التعب، وعينيها متعلقة في السقف كأنها بتسأل الدنيا "ليه؟".
الباب اتفتح فجأة وبهدوء، دخلت شخصية ملثمة، لابسة أسود بالكامل، خطواته تقيلة ومرعبة. إيمان رفعت عينيها بارتباك، تحركت على السرير بخوف:
ـ إنت مين؟! عاوز إيه؟
الملثم ما اتكلمش ولا كلمة، مدّ إيده بورقة صغيرة وسبها على الترابيزة جنبها، وبنفس الهدوء خرج وسابها مرتبكة، قلبها بيدق بسرعة، عينيها مليانة رعب.
مدّت إيمان إيدها المرتعشة وخدت الورقة، فتحتها بسرعة، وقرايتها خلت الدم يتجمد في عروقها:
"إياكي ترجعي لأهلك... أو تقربي من مومن... وإلا هنقتلك، ونقتل أمك سعاد، ومش بعيد مومن وأهلك كلهم."
إيمان شهقت بخوف، الورقة وقعت من إيدها، إيدها مسكت صدرها من الرعب، دموعها نزلت من غير ما تحس. همست بصوت مكسور:
ـ حتى هنا... حتى في المستشفى؟!
وضغطت راسها في المخدة وهي بتحس إنها محاصرة من كل ناحية، وإن حياتها اتحولت لسجن مالوش مفر.
بس أول ما قعدت على كرسي في جنينة الجامعة، موبايلها رن برسالة جديدة.
بإيد مرتعشة فتحتها…
"برافو عليكي 👏 نفذتِ المطلوب. كده والدتك في أمان بعيد عن الخطر."
الكلمات وقعت عليها زي الصاعقة. عينيها غرقت بالدموع، والموبايل وقع من إيدها.
جلست على الأرض وسط الطلبة، من غير ما تحس بمكانها ولا بالناس اللي بدأت تبص عليها. دموعها كانت بتنزل غصب عنها، وصوتها اتكسر وهي تهمس:
ـ "أنا مالي… أنا مليش دعوة… أنا تعبت… نفسي أعيش بسلام بقى… تعبت من التهديدات والصراعات… عايزة أرتاح… كفاية."
حضنت ركبتيها وبقت تبكي كطفلة ضايعة، مش عارفة تروح لمين ولا تصدق مين… كل اللي حاسة بيه إنها اتسحبت في دوامة أكبر من قدرتها.
بعد أيام وشهور من محاولات مومن مع ايمان ومفيش امل
تمام ✨ خليني أرتبلك المشهد بأسلوب درامي مشوّق ومنسّق من غير ما أفقد المحتوى اللي كتبتيه:
بعد شهور طويلة من محاولات مومن المستمرة مع إيمان، وهو بيجري وراها في كل مكان، كلام واعتذارات ووعود، وحتى أولاده بقوا وسيلته الأخيرة… مفيش فايدة.
كان مؤمن قاعد في شقته، وسط هدوء قاتل، وهو باصص لأولاده وهما نايمين في حضنه. قلبه بيتقطع كل ما يشوف ملامحهم البريئة اللي مالهمش ذنب في أي حاجة.
اتنهد وقال لنفسه:
"يمكن السفر هو الحل... أبدأ من جديد، بعيد عن كل الوجع، بعيد عن كل الوجوه اللي بتفكرني باللي ضاع."
وبالفعل، قرر ياخد أولاده ويسافر. أهله وافقوا، وأبوه بنفسه اتدخل وساعده في نقله كـ وزير خارجية مصر في دولة أوروبية. الكل اعتبر ده انتصار له، لكنه من جواه كان شايفه هروب.
لكن في يوم عادي، وهو بيحزم شنطه، جاله صديق قديم من الداخلية. دخل عليه بابتسامة فيها جدية وقال:
"يا مؤمن... نسيت إنك كنت السبب إننا نمسك شبكة كبيرة؟ الداخلية قررت ترجعك الشرطة تاني. وجودك مهم... وإحنا مش هنسيبك تمشي."
:
وقف مؤمن مذهول وهو بيسمع صديقه، عينيه متسعة وصوته فيه رجفة:
إزااااي؟! أنا رجعت الشرطة؟! مش من زمان نفس الداخلية دي رفضتني وقالوا الحادثة عملالي إعاقة! دلوقتي فجأة بقوا شايفني صالح للخدمة؟
تنهد الصديق وهو باين عليه حرج:
اللي عرفته يا مؤمن… إن زوجتك رهف هي السبب. وقتها قدمت تقرير من المستشفى، كتبه الدكتور، وكان صحيح بنسبة معينة. لكن لما الرئيس عرف إنك السبب في القبض على الشبكة الكبيرة… استغرب جدًا. إزاي نخسر ضابط زيك؟
قرب منه خطوة وقال بجدية:
بعد التحريات الدقيقة لقوا إن كل التقارير اللي اتبعت للداخلية كانت مزورة. وإنك في الحقيقة كويس، لا عندك إعاقة ولا حاجة تمنعك من الخدمة.
فضل مؤمن واقف في صمت، صراع رهيب جواه… بين فرح خفي إنه رجع لبدلته اللي طول عمره عشقها، وبين ألم عميق وهو بيكتشف أن رهف اللي كانت السبب فى كل حاجة … وصوته خرج مبحوح
مؤمن وقف مذهول، قلبه اتخبط من جوه، وصوته خرج مبحوح:
رهف… انتى دمرتني رهف… انتى دمرتني
أنا تعبت! مش قادر أعيش نفس الدوامة من جديد. أنا خلاص خسرت كل حاجة... الحب، الأمان، حتى راحتي."
الصديق قرب منه، حط إيده على كتفه وقال:
"عارف وجعك... بس يمكن ربنا كاتبلك تبدأ بداية مختلفة، مش عشان نفسك بس... عشان البلد اللي محتاجاك. أوقات الألم بيكون الطريق للرسالة اللي ربنا عايز يوصلها مننا."
مؤمن سكت، عينه دمعت وهو بيبص لأولاده. حس إن قدره بيرجعه رغمًا عنه.
وقف قدام المراية، وشاف ملامحه اللي اتغيرت من كتر الجروح، وقال لنفسه:
"يمكن دي فرصتي الأخيرة... إني أكون أب وأكون ضابط في نفس الوقت. يمكن المرة دي أقدر أكتب نهاية مختلفة."
"صاحبه كمل كلامه وقال: "واحنا بنعمل التحريات، اكتشفنا حاجة غريبة حصلت."
مؤمن سأل بفضول: "إيه كمان؟ قلبي مبقاش مستحمل."
صاحبه ابتسم وقال: "ماتخافش."
"فيه ممرضة دخلت لإيمان قبل ما ترجع بالعلاج وهددتها، وقالت لها لو فكرت تقرب منك أو ترجع لأهلها هيقتلوا أمها اللي ربتها."
"
مومن كان واقف مدهوش من كلام صديقه، عينيه مليانة قلق وحيرة، صوته مهزوز وهو بيقول:
إيه اللي بتقوله ده؟! يعني كل اللي حصل لإيمان ورفضها ترجع مش من نفسها؟!
صديقه قرب منه، حاطط إيده على كتفه كأنه بيطبطب عليه وقال بنبرة جدية:
أيوه يا مومن، الممرضة اعترفت بعد ما اتقبض عليها. قالت إن في ناس من الشبكة اللي كنت بتطاردها وصلوا لإيمان وهددوها، قالوا لها لو رجعتلك أو حاولت تتكلم هيموتوا الست اللي ربتها.
مومن فتح عينيه على الآخر، قلبه اتقبض، حس كأن جبل نزل فوق صدره:
يعني كل ده، كل البُعد، وكل الدموع... عشان التهديد ده؟! يا رب سامحني أنا ظلمتها، فكرت إنها اختارت تبعد عني!
صديقه اتنهد وهو بيكمل:
عشان كده يا صاحبي الداخلية غيرت قرارها. عرفوا إنك كنت مظلوم، وإنك كنت ضحية لعبة كبيرة. الرئيس نفسه استغرب إزاي واحد زيك يتركن على جنب! دلوقتي عايزينك ترجع، لأنك أثبت إنك مش بس ضابط، إنت بطل حقيقي.
مومن سكت لحظة، ماسك راسه بإيده، صوته كله وجع:
طب وإيمان؟! إزاي هبص في وشها تاني بعد كل اللي حصل؟! أنا جرحتها بكلامي، وكنت فاكرها بتبيعني!
صديقه ابتسم ابتسامة خفيفة، لكن عينه كان فيها جدية:
إيمان لسه بتحبك يا مومن، وده باين في كل كلمة قالتها وقت التحقيق. بس هي اتكسرت من جوا. لازم ترجع لها، وتثبتلها إنك سندها، زي ما هي كانت دايمًا سندك.
مومن رفع عينه للسما، دمعة نزلت غصب عنه، وقال بصوت خافت:
والله ما هسيبها تاني... ولا هسيب حقي ولا حقها يضيع.
كان مومن واقف في شرفة مكتبه ، عينيه مليانة تفكير وحيرة، ماسك كباية الشاي اللي برد من كتر ما سرح.
دخلت منى وهي شايلة ورق، وقبل ما تسلّمه لاحظت علامات الشرود على وشه.
سالته منى:
"واضح إنك سرحان أوى يا مومن… في إيه؟"
مومن وهو بيرسم ابتسامة صغيرة:
"عايزك تعمليلي خدمة يا طنط منى."
سالته منى باستغراب:
"أمر… إيه هي؟"
مومن:
"اتصلي بإيمان… وقولي لها تيجي النادي. قوليلها إن حياة ومراد نفسهم يشوفوها… وإنهم مشتاقين ليها."
سكتت منى لحظة، رفعت عينيها له بتردد وقالت:
"مومن… انت عارف إنها مش هتوافق. إيمان رافضة أي حد يقرب منها بطريقة صعبة. أنا قلت لنفسي يمكن وقت… يمكن أيام… شهور… لكن دلوقتي قربنا نكمل سنة وهي على نفس الحال!"
ابتسم مومن ابتسامة فيها إصرار غريب وقال بهدوء:
"اسمعي كلامي يا طنط منى… وهتفهمي كل حاجة."
كانت ابتسامته دي مش مجرد ابتسامة عادية… كانت ابتسامة راجل شايف الصورة من بعيد، وواخد قرار إنه مايسيبش إيمان تغرق أكتر في وحدتها وخوفها.
في الليل
إيمان قاعدة في الصالة، لابسة تريننج بسيط، شعرها مربوط بسرعة، وإيديها مشغولة بترتيب أوراق على الطربيزة قدامها. فجأة موبايلها يرن، بتبص فيه بتنهيدة، اسم امى منى ظاهر.
إيمان (بضيق وهي بترد):
– ألو يا طنط منى… خير؟
حزنت منى (بنبرة دافية):
– طنط ازيك يا إيمان؟ وحشاني والله.
إيمان (بتحاول تبقى باردة):
– معلش مشغولة، قولي عاوزة إيه.
طلبت منى وهى (بتاخد نفس طويل):
– بصي… في ناس مشتاقينلك أوي، حياة ومراد، عمالين يسألوا عليك كل يوم. حياتي الصغيرة بتقول عاوزة أشوف طنط إيمان.
إيمان سكتت لحظة، صوتها اتغير خفيف كأنها بتحارب دمعة:
– منى… بلاش تفتحيلهم باب مش هيتقفل.
ردت منى (بلطف أكتر):
– مش باب يا إيمان… ده حضن ناقص. الأطفال محتاجين يشوفوكي، وأنتي كمان… محتاجة تشوفيهم. صدقيني مش هيجرالك حاجة، دي ساعة واحدة في النادي، مكان آمن وزحمة.
إيمان (بعصبية دفاعية):
– قلتلك قبل كده، أنا مش عايزة أي حد يقرب مني. الموضوع منتهي.
اتكلمت منى (بإصرار وبنبرة واثقة، كأنها بتنقل كلام مومن):
– طيب اسمعي… “
– إيمان… تعالي بس شوفيهم، ساعة واحدة. هتحسي إن قلبك رجع يدق من جديد.
إيمان قلبها ضعف للحظة… الحنين للأولاد غلبها، واشتاقت تشوفهم.
وافقت، تانى يوم رجليها ودّتها للنادي.
أول ما وصلت، موبيلها رن برسالة جديدة.
فتحتها… وكانت الصدمة: صورة حياة وهي بتلعب على الزحلقة، ووراها سيدة غريبة بتجهز تزقها بقوة.
والكلمات اللي تحت الصورة خنقت قلبها:
"واضح إنك مش خايفة على أمك… طيب إيه رأيك البنت دي تموت؟"
قلب إيمان وقع في رجلها، الدم اتسحب من وشها، وصرخت وهي بتجري بجنون ناحية الزحلقة:
ــ "حياااة… انزلي فوراً!"
الكل في النادي استغرب حالة الذعر اللي مسيطرة عليها، بس هي ما فكرتش في حد.
طلعت بسرعة وجذبت حياة بالعافية ونزلتها، وحضنتها بقوة كأنها هتطير من بين إيديها.
ولما حياة نزلت، صرخت فيها إيمان بعصبية مرتجفة:
ــ "أوعي تطلعي هنا تاني… مفهوم؟!"
حياة وقفت مرتبكة، خوفها بان في عينيها، وحتى مراد سكت من كتر ما اتخض.
وبسرعة انسحبوا ناحية منى.
منى انفجرت فيها بغضب:
ــ "إيه ده يا إيمان؟! إزاي تزعقي في حياة كده؟ دي طفلة!"
إيمان دموعها كانت محبوسة، قالت بصوت مكسور:
ــ "سكتي ليها . ما تقولي أنهم أحفادك… عشان دي الكلمة اللي كل مرة بتوجعني. أنا مش قادرة… إنتِ جايباني هنا ليه؟ عشان تفرجيني إنك معاهم؟! دول أولاد بنتك… وهتفضلوا طول العمر تقولوا الكلمة دي. أبعدوا عني… أبعدوا عني، ممكن؟"
إيمان قالت كلمتها وهي على وشك الانهيار، وصوتها بيرتعش بين الخوف والوجع. ووقعت على الارض وهى منهارة
في نفس اللحظة اللى وقعت فيها إيمان على الأرض، ودموعها مغرقة وشها، ظهر مؤمن بخطوات سريعة وعيونه متسمّرة عليها. وقف قدامها لحظة، شايف في رعشتها وصوتها المكسور خوف كبير بتحاول تخبيه ورا عصبيتها.
قرب منها فجأة، مد إيده وخطف التليفون من إيدها بالعافية.
.
إيمان تصرخ بصوت مجروح وهي بتحاول تسترجع التليفون:
ـ إنت بتعمل إيه؟! سيب تليفوني بقولك! بقولكم سبونى في حالي!
منى بعصبية وانفعال، صوتها عالي وفيه قهر:
ـ واضح إنك اتجننتي وعاوزة تروحي تتعلاجي! هو إيه اللي انتِ عايشاه ده؟!
إيمان عينيها دمعت وصوتها اتكسر وهي بتصرخ:
ـ آه! دخليني مستشفى.. دخّليني وخرج بنتك! سمعت إنها اتحسّنت وبقت حلوة.. رجّعيها لأحفادك.. ولحضرة الظابط!
سادت لحظة صمت تقيل في .. منى واقفة مذهولة من كلامها، وإيمان منهارة على الأرض، دموعها نازلة بغزارة وصوتها بيرتعش، كأنها فجرت كل القهر اللي جوّاها مرة واحدة.
مؤمن تجاهل صرخاتها، فتح الموبايل بسرعة، وعينه وقعت على الرسالة. وشه اتبدل، ملامحه شدّت وطلع التليفون من جيبه التاني واتصل بحد.
بصوت حازم:
ـ يا سيادة النقيب… في صورة مبعوت دلوقتي، ل ايمان عايزك تدور على الست دي حالاً… أوعى تهرب منك، مفهوم؟
قفل بسرعة، ورجع ركع قدام إيمان وهو ماسك كتفها، صوته فيه قوة وهدوء في نفس الوقت:
ـ إهدي يا إيمان… محدش هيقدر يقرب من أي حد فيهم، مامتك في أمان… وأولادي؟ أولادي تحت عيني، أقدّم حياتي ليهم. إنتي اتحمّلتي كتير لوحدك، بس من هنا ورايح مش هتفضلي لوحدك.
إيمان تبص له بعينين غرقانين دموع وصوتها بيرتعش:
ـ تعبت… نفسي أعيش في أمان.
مؤمن مسك إيد حياة الصغيرة اللي كانت متشبسة في هدوم منى ووشها كله خوف. قعد قدامها وقال لها بابتسامة هادية رغم القلق اللي جواه:
ـ متخافيش يا حياة… في ست شريرة كانت عاوزة تأذيكي… عشان كده طنط إيمان خدتِك بسرعة قبل ما تقرب منك. بس دلوقتي؟ ولا حد يقدر يلمسك طول ما أنا موجود.
وحياة تبص له بريئة، وهي تحاول تصدقه وتتمسك بإيده أكتر.
بدون لينك الجزء الثالث من الفصل الاخير
خاينة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
استغربت منى وبصّت لمؤمن وقالت باستغراب:
هو إيه الموضوع يا مؤمن؟ ممكن تفهّمني؟
تنهد مؤمن وهو باين عليه الحزن والتعب وقال:
إيمان بيوصلها تهديدات من زمان... من أيام ما كانت في المستشفى. الرسالة كانت واضحة: "ما تقربيش من حد، ولو قربتي هيموت حد من أهلك". عشان كده طول السنة دي وهي رافضاني.
إيمان بصّت له بدموع، وعينيها مليانة صدمة وقالت بصوت مبحوح:
إزاي...؟!
مؤمن مسك إيديها بحنان وقال:
مش مهم عرفتِ إزاي، المهم إني مش هسمح لحد يدمرك تاني. كفاية اللي حصل زمان... كفاية هي أخدت منك كل حاجة ولسه مصرّة تعيشي في حزن وهم.
شهقت منى، قلبها وقع من مكانه، وبصّت ناحية الأطفال وخافت تنطق الاسم، لكن صوتها خرج متقطع:
انت تقصد...؟! لا... مستحيل! هي السبب كمان؟ طب إزاي وهي في المصحّة؟
ضحك مؤمن بسخرية مُرة وقال:
طبعًا هي. وهي السبب في طردي من الشرطة. قدّمت ورق مزور إنّي غير صالح للخدمة، وفعلاً استغنوا عني. عارفة يا منى؟ أنا مش عارف أقولك إيه... إنتي للأسف معرفتيش تربيها ولا تزرعي فيها حاجة كويسة... وأنا بخاف لأولادي يفضلوا معاك، عشان اللي اتزرع في قلبها نبت شر.
---
، صوت مومن عالي ووشه متشنج،
كانت منى بتترعش من الغضب والدموع ماليه عينيها. الجو كله مشحون، وكل كلمة طالعة زي الرصاصة.
منى – بصوت مبحوح وبتدافع عن نفسها:
"إنت ليه دايمًا جاي عليّا يا مومن؟! آه هى نباتا شيطانة، بس مش أنا السبب… مش بسبب تربيتي! هى طالع لدم أهلها… وأنا عمري ما عرفت إن جواها الحقد ده والكره ده. أقسم بالله يا مومن، أيام كتير كنت بعلمها الصح والغلط، ولما اتحجبت فرحت… قولت خلاص، قلدت إيمان وهتبقى نسخة منها. لكن عمرى ما اتصورت إن كل ده كان تمثيل، وإنها بتعمل كده عشان توقعك فى حبها."
مومن – بيصرخ وصوته بيرجّ القعدة:
"بس متنسيش يا خالتو … هى استغلت سلطة جوزك وعلاقاته! وأنا كنت بستغرب ليه طول الوقت في النادي… مكنتش أعرف إنها بتكسب علاقات عشان تدمرني أنا! عشان توقعني في الفخ وتضحك علينا كلنا."
منى – بتضرب صدرها بيديها وبتبكي:
"أنا مالي يا مومن؟! والله ما كنت عارفه إن جواها سُم… أنا زيي زيكم، انخدعت فيها. أنا اللي كنت بقول هتبقى ست بيت صالحة وبتسمع الكلام، لكن للأسف طلعت وحش متخفي."
كانت إيمان بتسمعهم ومرعوبة وصرخت مرة واحدة ، وشها شاحب وإيديها بترتعش:
انا عاوزة اروح عند ماما سعاد هى فى خطر دلوقتي
قرب منها مومن يطمنها متخفش هى بخير بعت دوري شرطة عندها اول ما عرفت
عيونها دمعت وهي ماسكة راسها من كتر التوتر، كأنها خلاص مش قادرة تتحمل أكتر.
وبتصرخ، وشها شاحب وإيديها بترتعش:
ــ "أنا مش عارفة… هى ليه بتكرهنى كده؟! إيه اللى عملته عشان توصل للدرجة دى؟"
صوتها كان مليان قهر وخوف وهي بتبص حوالينها بقلق، تكمل بصوت متقطع:
ــ "ده وصلت لمرحلة ممكن تقتل حد من أولادها بس عشان تبعدني عنهم… أنا مش قادرة أصدق… أنا مش عارفة أتعامل معاها إزاى، بقت خطر علينا كلنا!"
عيونها دمعت وهي ماسكة راسها من كتر التوتر، كأنها خلاص مش قادرة تتحمل أكتر.
مؤمن قرب منها بسرعة، وحط إيده على كتفها يهديها، صوته كان مليان حزم لكن فيه خوف واضح:
ــ "اهدّي يا إيمان، متخليش الخوف يسيطر عليكي… أنا مش هسمح لحد يقرب منك ولا يؤذيكي، فاهمة؟"
منى كانت واقفة جنبهم، قلبها بيتقبض من حالة إيمان، عينيها دمعت وهي تقول بصوت متأثر:
ــ "يا رب استر… البنت دي فقدت عقلها بجد، أنا أول مرة أشوف إنسانة ممكن توصل للدرجة دي من الكره والحقد."
إيمان وقعت على الكرسي منهارة، والدموع سايحة على خدها، وهي تهمس بصوت مخنوق:
ــ "أنا مش قادرة أعيش كده… كل يوم بخاف إنها تعمل كارثة."
مومن يلبي طلب إيمان بسرعة، يمسك إيدها ويوصل معاها لبيت سعاد. منى تيجي معاهم هي والأطفال.
🚪 أول ما يوصلوا، يقفوا قدام باب الشقة، مومن يمد إيده ويدق الباب .
تفتح سعاد الباب بوشها الطيب، لسه مستغربة مين الطارق. فجأة إيمان تجري عليها وتحضنها بقوة، وهي بتبكي بحرقة:
إيمان (مترجفة):
"إنتي بخير يا ماما؟ إنتي كويسة؟"
سعاد تندهش من خوف بنتها وتمسح على شعرها:
سعاد (بحنان): "آه يا بنتي أنا بخير… مالك؟ تعالي جوه."
إيمان تدخل وهي ماسكة في إيد أمها كأنها خايفة تسيبها لحظة. لكن فجأة، أول ما عينيها تلمح رهف قاعدة في الصالة ومعاها شاب غريب، شهقت بقوة وصوتها اتكسر:
إيمان: "يا نهار… رهف!!"
بتنتفض رهف من مكانها والدموع تتجمع في عينيها.
الأطفال يجروا عليها باندفاع وعيونهم مليانة دهشة وبراءة:
حياة: "ماما رهف… إنتي رجعتي؟!"
مراد: "إنتي رجعتي من عند ربنا؟!"
الكلام ينزل على رهف كالصاعقة، إيدها ترتجف ووشها يتلون من الصدمة، ما بين الفرح والخوف.
لكن الصدمة الأكبر كانت على وشوش مومن ومنى، الاتنين اتجمدوا مكانهم، كأن الدنيا وقفت لحظة.
مومن يتنفس بصعوبة، قلبه يدق بعنف، فجأة يصرخ بصوت مرعوب، عينيه متوجهة ناحية الشاب اللي قاعد جنب رهف:
؟!"
الجو مشحون بالتوتر. الحوار حاد والعيون ترمق بعضها البعض.
مؤمن (بعصبية وصوت عال):
"إنتِ إيه يا بنادمة؟! معجونة شر وحقد لدرجة تهددي إيمان إن لو ما بعدتش عني هتقتلي ولادك ! وكنتِ ناوية تقتلي بنتك النهاردة؟!"
إيمان، بذعر، تجذب الأطفال إليها وتحيطهم بذراعيها، تحاول حماية أمها أيضًا. قلبها يخفق بعنف.
رهف (بصدمة):
"أنا؟! أُسَلّط حد يقتل أولادي؟! إنت بتقول إيه يا مؤمن؟!"
مؤمن (يصرخ):
"آه! وبعتّي تهديدات على رقم إيمان، من يوم ما كانت في المستشفى بتتعالج من السم اللي حقنتيها بيه، لحد النهاردة! تهديد ورا التاني، ومبترحمييش! كل ده عشان بتكرهيها… فاكرة إنها أخدت مكانك! بس الحقيقة… إنتي اللي أخدتيه من زمان! عارفة ليه؟ لإني وقعت في حبها من أول مرة شُفتها… وهي في إعدادي وأنا كنت في ثانوي. والدليل عندي… في مذكراتك اللي كتبتيها بخط إيدك. بس قوليلي بقى… إيه السبب اللي يخليكي عاوزة تقتلي بنتك؟!"
رهف تنهار في البكاء، دموعها تنهمر بغزارة وهي تصرخ هستيريًا:
"أقسم بالله ما أعرف حاجة من اللي إنت بتقول عليه ده! اسأل الدكتور مهاب… هو المسؤول عن حالتي، وحكيتله كل حاجة حصلت معايا!"
تقترب منى من رهف في حالة هياج، ترفع يدها بعصبية لتصفعها.
ولكن فجأة… مهاب يمسك بيدها بقوة، وعيناه تقدحان شررًا:
"مسمحش لحضرتك تمدي إيدك على مراتي… مفهوم؟!"
الكل كان واقفًا مذهولًا، الصمت سيطر عليهم والعيون كلها توجهت ناحية الدكتور مهاب.
مهاب، بسكينة واضحة، بدأ يشرح:
"رهف مكذبتش في ولا كلمة… أنا كنت المشرف على حالتها من أول يوم. هي حكتلي كل حاجة عملتها مع إيمان… وحكتلي قد إيه كانت ندمانة. سنين طويلة من العلاج النفسي والعقاقير… لحد ما اتحسنت من ستة شهور.
وقتها طلبت منها أكتب رسالة لأهلها عشان ييجوا يستلموها… بس ردها لسه محفور في دماغي:
قالتلي بالنص: هما مش أهلي، أهلي ماتوا من زمان… عمتي دي هي اللي ربتني وحطتني مكان بنتها. حرام أحرمها من حضنها وأرجع لناس عمرهم ما هيقبلوني. أنا خلاص ليا أهل، وهما مش عارفين بيا ولا عايزين يعرفوا.
ساعتها خرجتها على مسؤوليتي، وصدفة كنت مسافر مؤتمر في لبنان، أخدتها معايا… وهناك، حسيت بمشاعر مختلفة ناحيتها، وهي كمان. الموضوع اتطور… اتقدمت لها، وفرحت قوي… واتجوزنا. وإحنا لسه راجعين من لبنان، ودي أوراق القسيمة وباسبور السفر."
مد الدوسيه قدام الكل، إيده كانت ثابتة بس صوته متأثر.
مهاب كمل:
"رهف رجعت بيت إيمان مخصوص… عشان تعتذر لسعاد. كانت فاكرة إن إيمان اتجوزت مؤمن، وراحت تتوسط عندكم… كانت بتتمنى بس تشوف أولادها مرة كل أسبوع. مش عايزة تاخدهم منك يا إيمان، بالعكس… هي اعترفت إنك إنتي أمهم الحقيقية اللي ربت ورعت."
الصدمة كانت باينة على وجوه الحاضرين، صمت عميق سيطر، لحد ما كسرت سعاد التوتر وقالت بتنهيدة:
"فعلًا… هو ده بالظبط اللي قالته لي. ولسه كنت هقولها إن إيمان متجوزتش مؤمن."
الوجوه تبادلت نظرات بين الشك والارتباك، وكل واحد فيهم حس إن الأرض اتزلزلت تحت رجليه.
الكل كان لسه مذهول من الكلام…
مؤمن مسك دماغه بإيده وقال بصوت مبحوح:
"إنت بتقول إيه يا دكتور؟ يعني رهف كانت عندك طول السنة دي وإنت متجوزها وإنت ساكت؟!"
الدكتور مهاب بهدوء رغم التوتر:
"ما كنتش ينفع أتكلم قبل ما تبقى مستقرة، كانت حالتها خطر، وأي صدمة صغيرة كان ممكن ترجعها لورا وتضيع تعب اللي اتعمل."
سعاد بدموعها:
"يعني يا دكتور البنت فعلًا اتغيرت؟ مش هي نفس رهف القديمة؟"
مهاب بصدق:
"اتغيرت كتير… الندم كان واجعها أكتر من أي عقاب. طول الوقت كانت بتبكي على عيالها، وبتقول إنك يا إيمان كنتِ أم ليهم قبل ما تكوني أخت."
إيمان كانت قاعدة متجمدة، مش قادرة تنطق… دموعها نزلت على خدها غصب عنها.
مؤمن لمح دموعها، قلبه اتقبض وقال بعصبية:
"طب مين اللي بيبعت رسايل التهديد؟ مين اللي عمل حاجز ما بيني وبين إيمان لو مش رهف؟"
مهاب مد له ورق القسيمة وجواز السفر:
"أنا معنديش علم بكل اللي بتقوله. مش جاي أدافع عنها ولا أطلب غفران. أنا جاي أوضح إنها خلاص بقت في عهدة جديدة… بقت مراتي، وأنا مسؤول عنها. هي رجعت بس عشان تعتذر وتطلب تشوف ولادها، مش أكتر."
الكل سكت… الجو بقى مليان توتر وتقاطع نظرات ما بين مؤمن، إيمان، وسعاد ومنى.
إيمان بصوت مبحوح لأول مرة اتكلمت:
"أنا مش ضد إنها تشوف عيالها… بس خايفة عليهم. خايفة الجرح يتفتح تاني في قلوبهم."
مهاب بهدوء:
"أنا أوعدك إن ده هيكون بحساب… ساعة واحدة في الأسبوع، وسطينا كلنا، من غير ما تحسسوهم بخوف أو كره. هي عايزة بس تحس إنهم بخير."
سعاد قربت من إيمان، مسكت إيدها وقالت:
"سامحيها يا بنتي… سامحيها على الأقل عشان العيال يعرفوا أمهم من غير ما يشيلوا ذنبها في قلبهم."
إيمان بصت لمؤمن… مؤمن رجع بص لها، واضح عليه الحيرة الشديدة، قلبه بيتقطع بين الماضي اللي وجعه والحاضر اللي مش فاهم يتعامل معاه.
مومن مسك الورقة بإيد مرتعشة، وصوته فيه غضب مكتوم:
ـ يعني انتي بتقولي إن التنظيم هو اللي ورا كل ده؟ وإن التهديدات مش منك؟
رهف هزت راسها بوجع ودموعها بتنزل:
ـ والله يا مومن، أنا غلطت زمان آه، بس اتعلمت من غلطي، مش ممكن أأذي إيمان تاني. الرقم ده أنا عارفاه كويس، كانوا دايمًا يكلموني منه. وأكيد دلوقتي بيستغلوه عشان يهددوا إيمان ويكسروا نفسيتها.
إيمان بصتلها بعين مليانة شك وألم:
ـ بس إزاي نصدقك يا رهف؟ مش انتي اللي كنتي بتبيعينا وتبلغي عن خطواتنا زمان؟
رهف وقفت مرتبكة، وصوتها بيرتعش:
ـ عندك حق يا إيمان… أنا ما استاهلش ثقتك بسهولة. بس أقسم بالله أنا اتحررت من وساختهم، ودفعت تمن غلطي غالي. كل يوم بعيش بعذاب ضميري… مش كفاية إني خسرتكم كلكم؟
مومن بصّ لمراته منى وقال:
ـ لو الكلام ده صح يبقى في خطر كبير حوالينا… لازم نعرف مين اللي ماسك الخيوط دلوقتي.
منى شدّت نفس عميق وقالت:
ـ واللي واضح كمان إنهم لسه مش سايبين إيمان في حالها… ولازم نكون جنبها ونحميها قبل ما يتصرفوا بحاجة أخطر.
إيمان دموعها غلبتها وهي تبص في عيني رهف:
ـ أنا تعبت… مش قادرة أعيش في رعب كل يوم…
سعاد حطت إيدها على كتف بنتها وقالت بحزم:
ـ ما تخافيش يا بنتي، طول ما أنا موجودة مش هخلي حد يلمس شعرة منك.
مومن رجع بص على رهف وقال بنبرة حاسمة:
ـ تمام… لو بجد ناوية تكفري عن غلطك، هتساعدينا نوصل للي ورا التهديدات دي. وإلا… هتفضلي متهمة زي ما إنتِ.
رهف دموعها غرقت وشها، لكن لأول مرة كلامها كان واثق:
ـ أنا معاكم… وهساعدكم… يمكن ربنا يسامحني.
سأل مؤمن رهف:
"طيب، لو عاوزة تأكدي لي إنك فعلًا اتغيرتي، تتوقعي مين اللي بيبعت رسايل التهديد لإيمان؟ ومين الملثم اللي دخل غرفة إيمان وأخد الورقة دي؟"
ووراها الورقة وكمان الرسايل المبعوتة.
تنهدت رهف:
"أنا عشان كان عندي خبرة في الشر وكنت مشتركة معاهم… الرقم ده تابع للمنظمة، عشان كانوا دايمًا بيكلموني منه وقت ما كنت بقولهم عن خطط إيمان. فأكيد كده حد من التنظيم عايز ينتقم من إيمان أو يوصلها لحالة التعب النفسي. هما شاطرين في الحاجات دي، عشان لما رفضت أتعاون معاهم بعد كده، دايمًا يهددوا إنهم يفضحوا سري ويبلغوا عن عمتي. المحامي اللي كان عايز يوقعك تابع ليهم."
:
مومن مسك الورقة بإيد مرتعشة، وصوته فيه غضب مكتوم:
ـ يعني انتي بتقولي إن التنظيم هو اللي ورا كل ده؟ وإن التهديدات مش منك؟
رهف هزت راسها بوجع ودموعها بتنزل:
ـ والله يا مومن، أنا غلطت زمان آه، بس اتعلمت من غلطي، مش ممكن أأذي إيمان تاني. الرقم ده أنا عارفاه كويس، كانوا دايمًا يكلموني منه. وأكيد دلوقتي بيستغلوه عشان يهددوا إيمان ويكسروا نفسيتها.
إيمان بصتلها بعين مليانة شك وألم:
ـ بس إزاي نصدقك يا رهف؟ مش انتي اللي كنتي بتبيعينا وتبلغي عن خطواتنا زمان؟
رهف وقفت مرتبكة، وصوتها بيرتعش:
ـ عندك حق يا إيمان… أنا ما استاهلش ثقتك بسهولة. بس أقسم بالله أنا اتحررت من وساختهم، ودفعت تمن غلطي غالي. كل يوم بعيش بعذاب ضميري… مش كفاية إني خسرتكم كلكم؟
مومن بصّ لمنى وسالها وقال:
ده تربيتك إيه رأيك
ـ كلامها ده صح عشان يبقى في خطر كبير حوالينا… لازم نعرف مين اللي ماسك الخيوط دلوقتي.
منى شدّت نفس عميق وقالت:
ـ واللي واضح كمان إنهم لسه مش سايبين إيمان في حالها… ولازم نكون جنبها ونحميها قبل ما يتصرفوا بحاجة أخطر.
إيمان دموعها غلبتها وهي تبص في عيني رهف:
ـ أنا تعبت… مش قادرة أعيش في رعب كل يوم…
سعاد حطت إيدها على كتف بنتها وقالت بحزم:
ـ ما تخافيش يا بنتي، طول ما أنا موجودة مش هخلي حد يلمس شعرة منك.
مومن رجع بص على رهف وقال بنبرة حاسمة:
ـ تمام… لو بجد ناوية تكفري عن غلطك، هتساعدينا نوصل للي ورا التهديدات دي. وإلا… هتفضلي متهمة زي ما إنتِ.
رهف دموعها غرقت وشها، لكن لأول مرة كلامها كان واثق:
ـ أنا معاكم… وهساعدكم… يمكن ربنا يسامحني.
هز رأسه مومن تمام
" بس لازم نتأكد بنفسنا. من النهارده هنبدأ نتابع كل رسايل بتتبعت من الرقم ده."
رهف بخوف:
"بس هما خطر يا مومن… لو عرفوا إنك كشفت تهديدهم وهما فاكرينى انى فى مستشفى المجانين اتكلمت معاك ممكن يخلصوا عليا."
قرب منها مهاب وهو صوته مليان إصرار:
مش إسمها مجانين إسمها مستشفى لل أمراض الصحية والنفسيه
"متخافيش، أنا مش هسيبك.
واضح مومن
هنلعبها صح… هنخليهم يفتكروا إنهم لسه متحكمين، وفي نفس الوقت نراقب كل خطوة."
مدّ لها تليفونه وفتح الرسائل:
"بصي، كل مرة الرسايل دي بتتبعت في نفس الميعاد… بعد نص الليل. ده معناه إن في حد بيراقب إيمان كويس."
رهف عضّت شفايفها بتوتر:
"ده أسلوبهم… يستنوا اللحظة اللي الضحية بتكون فيها لوحدها عشان يسيطروا عليها بالخوف. أنا عارفه طريقتهم."
مومن خد نفس عميق وقال بحزم:
"يبقى الليلة دي هنستناهم. أي رسالة جديدة تيجي… هنقفشها ونشوف مصدرها. مش هسمح إنهم يدمروها زي ما حاولوا يدمروني."
رهف بصت له بعينين فيها خليط من خوف وأمل:
"يعني… هتسكتنيش المرة دي؟"
مومن بقوة:
"لأ، المرة دي هنواجههم مع بعض."
وبينما هو بيتكلم… موبايله رن فجأة، وظهر إشعار رسالة جديدة من نفس الرقم الغامض.
--- الرسالة الجديدة وصلت على موبايل مومن.
فتحها بعصبية، لقَى جملة مكتوبة بخبث:
"جمعتهم حواليك؟ فاكر كده مش هنقدر نموتهم؟ تبقى عبيط. ولسه كمان بتثق في رهف! مش هي دي اللي باعتك زمان؟ اشربى وبلغ حضرة الظابط… وقول لمومن: كان غيرك أشطر. حسابكم تقيل معانا."
مومن شد الرسالة والتليفون بغضب ، عينيه مولعة نار، وإيمان جسمها بيرتعش وهي متشبثة في طرف هدومه.
رهف وشها اتبدل بين خوف وحسرة، قلبها وقع لما عرفت إنهم عايزين يوقعوا بيها قدامه تاني.
مومن وهو بيعض على أسنانه قال:
– "اللعبة بقت واضحة… هما مش عايزين غير يدمروا نفسية إيمان ويشككونا في بعض. بس أنا مش هسيبهم يلعبوا بينا كده."
رهف بصوت مبحوح:
– "صدقني يا مومن، أنا ماليش يد المرة دي… عارفة إنهم بيستغلوا تاريخي معاهم."
إيمان وهي بتصرخ بخوف:
– "بس هما مش بيهددوا وبس… دول قادرين يعملوها."
وساعتها موبايل رن تاني… رسالة صوتية قصيرة، فيها صوت راجل غليظ:
"فاضل خطوة واحدة… وساعتها هتعرفوا إن اللعب معانا مش زي أي حد."
مومن شد نفسه وقال:
– "خلاص، من النهارده، أي رسالة تيجي… هنتتبعها واحدة واحدة. وهنوصل للي بيعمل كده."
---
كان هناك تتبع من جهاز أمن الدولة، ومحمد ونائب الوزير كانوا هناك بعد ما بلّغهم مؤمن بكل اللي حصل. بدأ التتبع لكل رسالة، وكانوا متوترين جدًا. أصبحوا يرسلون رسالة كل 5 دقايق من رقم مختلف عشان يشتتوا أي متابعة.
في غرفة المراقبة الخاصة بجهاز أمن الدولة، الجو كان مكهرب. أصوات الأجهزة بتقطع الصمت، والعيون كلها معلّقة على الشاشات. محمد كان واقف متوتر نائب الوزير واقف جنبه، عينيه حادة وبيقول بصرامة:
"الناس دي مش بتلعب… كل خمس دقايق بيغيروا الرقم، وبيجسّوا نبضنا. عايزين يشتتونا."
محمد أخد نفس عميق وقال:
"بس لحد دلوقتي قدرنا نربط بينهم… فيه خيط مشترك في الأبراج اللي بيبعتوا منها. بس محتاجين وقت أطول."
فجأة الجهاز رن بإشعار رسالة جديدة… الرسالة ظهرت قدامهم على الشاشة:
"العربية بتاعتك هتتفحم قدامك، ياريت إنت فيها… بس المرّة الجاية البيت اللي أنتم فيه هو اللي هيولّع كله."
ساعتها ضرب محمد المكتب بقبضة إيده وقال:
"لا… الموضوع كده خرج عن مجرد تهديدات. دول بيلعبوا بالنار."
نائب الوزير بص له بسرعة وقال:
"لازم ننقل الأسرة فوراً لمكان آمن، ونستخدم التهديد ده طُعم. هما فاكرين إننا مش قادرين نوصلهم… بس هنبين لهم إننا أقوى."
وفي اللحظة دي، اتبدّل التوتر في العيون بنوع من التصميم، كأنهم دخلوا مرحلة جديدة من المواجهة… مرحلة مفيهاش رجعة.
في اللحظة دي محمد كان قاعد قدام شاشات المراقبة في غرفة عمليات جهاز أمن الدولة، عينه مثبتة على الخريطة الرقمية اللي بتظهر كل إشارة جايالهم من أرقام التهديدات. النائب واقف ورا الكرسي، متوتر وبيتمتم:
"دول مش عاديين… دول محترفين جدًا، كل خمس دقايق بيرموا خط جديد، عايزين يشوشوا التتبع بأي تمن."
محمد رد بسرعة وهو بيكتب أوامر للفريق:
"ما تقلقش يا فندم، كل رقم حتى لو اتقفل بيسيب أثر. إحنا بنجمعهم على سيرفر واحد، وهندخل من أضعف نقطة. المهم نكسب وقت."
وفي نفس الوقت كان مومن ماسك الموبايل، إيده بتترعش من الغضب والخوف، وبيقرأ الرسالة الأخيرة بصوت عالي:
"العربية بتاعتك هتتفحم… والبيت المرة الجاية هيتولع كله."
رهف اتجمدت مكانها ودموعها نزلت فجأة:
"مومن… دول مش بيلعبوا، دول عايزين ينهوا حياتنا."
مومن قرب منها وحط إيده على كتفها، صوته غاضب لكن فيه رجاء:
"أنا مش هسيبك، ومش هسمح لحد يقرب منك. بس دلوقتي لازم نكون أقوياء، لازم نديهم ثقة إننا مش خايفين."
المحقق اللي كان معاهم اتدخل بسرعة:
"إنتوا تحت حماية الدولة، ومش هيتقربوا منكم إلا فوق جثتنا. الرسالة دي دليل إدانتهم… وهي اللي هتقفل الدائرة عليهم."
النائب رجع قال لمحمد بحدة:
"عاوز الموقع قبل نص الليل، مش عاوز أي خطأ. لو ولعوا البيت أو العربية مش هسامح نفسي."
محمد رفع عينه من على الشاشة، والعرق بيجري على جبينه:
"اطمن يا فندم… الخيط بدأ يظهر. في ثغرة صغيرة اتكررت في آخر رسالتين… وأنا هفكها دلوقتي."
الغرفة كلها اتسكتت، صوت الكيبورد بس هو اللي بيملى المكان، وكأن اللحظة دي مصيرية… إما يوصلوا للعصابة، أو يحصل الكارثة فعلاً.
---
الجو متوتر لدرجة تخنق.. كل ثانية بتعدي وكأنها ساعة. مومن واقف مش قادر يسيطر على أعصابه، عينه مليانة قلق وهو بيبص في الموبايل اللي بيرن كل خمس دقايق برسالة جديد. في اللحظة دي يوصل الفريق الخاص مع وحدة إبطال المتفجرات بسرعة، أصوات عربيات الأمن وومضات الأزرق والأحمر بتنور الشارع.
ويوصل محمد معهم واقف جنبهم ، ماسك نفسه بالعافية، بيحاول يثبت قدام الكل رغم إن قلبه بيتقطع
وفي نفس الوقت توصل رسالة تانية:
"مامتك في إيدنا يا حضرة الظابط مؤمن إنت والقاضي محمد. نسيتوا تحموها للأسف."
مومن (بعصبية وهو بيصرخ):
إيه القرف ده! لحقنا العربية قبل ما تنفجر، دلوقتي بيهددونا بأمي؟!
محمد (بيشد على دراعه):
اهدا يا مومن، اهدا… كده هما عايزينك تفقد أعصابك عشان تغلط.
المسؤول الأمني (بصرامة وهو بيدّي أوامر):
بسرعة! نحدد آخر موقع اتبعت منه الرسالة.. كل رقم وهمي بيتغير، بس في ثواني لازم نلقط أي إشارة.
(واحد من الضباط ماسك اللابتوب، عينيه مش بتسيب الشاشة):
باشا، في إشارة ضعيفة… الرسالة الأخيرة خرجت من منطقة قريبة من العزبة الشرقية!
مومن (بيقف فجأة وعينه بتلمع غضب):
العزبة الشرقية؟! يا نهار أسود… دي منطقة كلها مهجورة ومليانة مخازن.
محمد (بيقرب منه، صوته واطي لكن مليان قوة):
اسمعني كويس، لو دخلت دلوقتي هتكون فريسة ليهم.. لازم خطة.
(الموبايل بيرن برسالة جديدة، كل العيون بتتوجه للشاشة. الرسالة مكتوبة بحروف مستفزة):
"مامتك في إيدنا يا حضرة الظابط… المرة دي مفيش إنقاذ. عاوزين نعرف إنت قد إيه بتحبها… انت والقاضي محمد. نسيتوا تحموها."
مومن (بيصرخ وهو بيرمي الموبايل بعيد):
لاااا! مش هسمح لهم يقربوا منها!
محمد (بيمسكه من دراعه بالعافية):
ركز يا مومن.. دي مش لعبة، دي حرب نفسية! لو انهرت كده، هما كسبوا.
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى
الفصل الاخير
مومن مسك الموبايل بإيد متوترة ومدّه للقاضي محمد، اللي أول ما قرأ الرسالة وشّو اتغير، وصوت أنفاسه بقى متقطع.
محمد بص لمومن وقال بصوت مخنوق:
ـ "هما عايزين يوجعونا من أقرب ناس لينا."
مومن حاول يسيطر على أعصابه، بس صوته خرج متشنج:
ـ "أنا مش هسيبهم... مش هسيبهم يلمسوا شعره من ماما."
القاضي محمد رفع عينه للجنود اللي حواليه وقال بسرعة وحزم:
ـ "زودوا التأمين... مفيش عربية ولا بني آدم يدخل أو يخرج من هنا من غير ما يتفتش كويس. عايز عيون في كل مكان."
الجنود اتحركوا فورًا، الجو بقى مليان حركة وصراخ أوامر. لكن رغم الزحمة، كان في خوف واضح في عيون مومن ومحمد... الخوف اللي ملوش علاقة بالشغل، الخوف على أهلهم، على الدم اللي بيجري في عروقهم.
وفجأة، رن موبايل القاضي محمد. الرقم كان غريب. قلبه وقع وهو بيرفع التليفون على ودنه:
ـ "ألو..."
وجاله صوت متحشرج مليان سخرية:
ـ "إزيك يا سيادة القاضي؟... اتأكدت دلوقتي إننا نقدر نوصل لأي حد؟"
محمد حاول يمسك نفسه وقال:
ـ "إنت مين؟ عايز إيه؟!"
الصوت ضحك وقال:
ـ "عايز أشوفك بتتوجع... وده مش بعيد يحصل قريب أوي."
المكالمة اتقفلت فجأة، وسابته واقف في نص المعركة دي مش قادر يحدد مين العدو الحقيقي ولا فين الضربة الجاية.
مومن ومحمد والناس اللي معاه كانوا مشغولين بالبحث عن أمه،
كان مؤمن ومحمد والرجالة اللي معاهم لسه غارقين في البحث عن الأم المفقودة، يفتشوا في الشوارع الضلمة وبين البيوت، لحد ما فجأة باب البيت اللي فيه إيمان اتخبط.
صوت راجل من برّه:
"السلام عليكم.. مؤمن بعت أكل ليكم وللعيال.. قال ما تنقصوش حاجة."
الظابط بصّ من الشباك، لقى شكل الراجل عادي، وورا منه شنطة مليانة أكل. فتحوا الباب وأخدوا الأكل، الأطفال فرحوا، الكل اتلم حوالين السفرة.
الظابط بنفسه قسّم الأكل عليهم وعلى اصدقاءها تحت وقال:
"كُلوا.. يمكن يدوّب التعب اللي فينا."
وبالفعل، الكل بدأ ياكل
: رهف، منى، سعاد، الدكتور، وحتى الأطفال. بس إيمان.. كانت قاعدة في ركن الأوضة، قلبها مش مطمّن، عينيها بتتحرك بقلق كأنها سامعة حاجة مش طبيعية.
بعد شوية، طرق الباب تاني. مفيش حد رد. إيمان قامت بحذر، رجّ قلبها، وفتحت الباب شويّة.. لكن الصدمة خنقتها: الكل نايم!
رهف ووشها مائل على كتف أمها، سعاد مرمية على الكرسي، الدكتور على الأرض، والأطفال مطروحين من التعب.
إيمان اتلخبطت، صوت أنفاسها يتسارع، جريت عليهم تحاول تفوّقهم:
"رهف.. رهف اصحي! يا دكتور.. ماما سعاد!"ماما منى
مفيش أي رد.
إيدها كانت بترتعش وهي طلع التليفون وبسرعة بعثت رسالة لمؤمن:
"الحق يا مؤمن، الأكل اللي أنت بعثته فيه حاجة، كلهم ناموا."
قبل ما تكمل الرسالة.. الباب اتفتح فجأة.
دخلوا رجالة ملثمين، واحد مسكها من دراعها بقوة، التليفون وقع من إيدها على الأرض. حاولت تصرخ، لكن واحد منهم سدّ بُقها، وخدوها بالعافية وقفلوا الباب وراهم.
في نفس اللحظة، كان مؤمن في نص الطريق، التليفون رنّ بالإشعار. فتح الرسالة، عينيه اتسعت، الدم جرى في عروقه.
مؤمن وهو بيصرخ:
"لاااا.. لازم نرجع حالاً! دي مش عملية خطف لماما.. ده فخ! إيمان في خطر."
بسرعة التفت على أبوه:
"بابا.. أوصل إنت البيت. أنا رايح لهم دلوقتي!"
الأب هز راسه بقلق وهو بيدي إشارة للدورية:
"على الموقع بسرعة.. الموضوع قلب!"
رجع مؤمن في اللحظة اللي كانوا بيشيلوها فيها ويحطوها في العربية.
استخبى من غير ما حد يحس، وبعت رسالة لصديقه:
"يجي على بيت إيمان يفوق الظابط والناس اللي فوق بسرعة، وأنا هلحق ايمان ."
مشت العربية، ووقف مؤمن عربية مالكي ماشي قدامه في الشارع:
"ممكن بعد إذنك تسلفني العربية، أنا الظابط مؤمن محمد، وحبيبتي مخطوفة ولازم ألحقها."
ابتسم الشاب:
"طبعا، عارفك، أنت غني عن التعريف. أنا زياد، كنت زميلك في المدرسة، تعال اركب وأنا معاك."
ركب مؤمن، وطلب منه يتابع العربية دي بسرعة قبل ما تتوه منهم.
بدأ يتابعهم، وفي مسافة بسيطة بينهم بعت مؤمن رسالة للشرطة:
"يبعت عربية تانية تتابع معهم عشان لو ضيعوها."
سأله زياد:
"مين حبيبتك اللي انخطفت؟"إيمان
نظر له مؤمن باستغراب وفضول:
"إزاي عرفت؟"
ابتسم زياد:
"عيب عليك، أنت زهمير على بدري. أنت ناسي كنت معاك وأنت واقف قدام مدرستها عشان تشوفها؟
وافتكرت إنك وراء نقلها للمدرسة عشان تكون قدام عينك، لكن بعد كده فوجئت إنك اتنقلت.
لكن يوم التخرج شوفتكم مع بعض وفرحت جدا إنكم اتقابلتوا."
تنهد مؤمن بوجع:
". وقتها ضاعت مني سنين للأسف وأنا زي الأعمى... ما عرفتش أفرق ما بينهم.
مجرد لبس خلاني اتخدع، وده النتيجة... بتضيع مني مرة تانية.
كل مرة كنت بشوفها فيها ما بعرفهاش، رغم بيني وبينها مسافات بسيطة، لكن كنت بضيعها."
هز رأسه زياد بحزن:
"هتلحقها، والمرة دي مش هتضيع منك. هي قصة حبكم عجيبة...
واحدة طول الوقت عاوزة تحميك من غير ما تعرفك، ويوم ما عرفتك... نزلت دموعك."
مؤمن (بحزن):
"حاولوا يبعدوني كتير، ووقعت في لعبتهم يا زياد.
رهف لعبت اللعبة وصدقتها، وقدرت تدمر حياتي وشغلي.
اتطردت منه، وحبيبتي اتحرمت منها وأنا فاكر إنها هي إلا معايا .
إزاي ما حسيتش؟... الإنسانة اللي حبيتها مستحيل تكون دي."
رد عليه زياد بوجع:
**"أكيد حبكوها صح يا صاحبي. أنت ناسي أنت ابن مين؟
هما كل همهم يكسروك عشان يكسروا أبوك.
لكن ما تخافش، اللي خلّى بنت صغيرة يسخرها ربنا ليك عشان تحميك من كل كارثة...
أنت كمان هتقدر تنقذها.
أنت فاكر إ إيمان اتقابلت معاك كام مرة وأنتم صغيرين؟"**
تنهد مؤمن مرتين...
ضحك زياد:
"لأ... أربع مرات.
أول مرة لما وقفت بابا."
استغرب مؤمن:
"باباك؟"
ابتسم زياد:
"آه، ما أنا ابن ظابط المرور اللي أنت وقفته لما كانت إيمان خايفة من الظباط.
وقتها كنت مع بابا، ويومها مسكت إيد إيمان وحميتك من عملية خطف.
بعد ما بابا اتكلم معاك وركبك العربية ووصلك، كان في ناس منتظرينك عشان يخطفوك... لكن فشلت خطتهم بفضلها."
أكمل زياد:
"والمرة التانية لما اتكعبلت وإنت ماسكتها. وانخفضت على الأرض تلم كتبها معها
كان في قناص على السطح موجه رصاص عليك... لكنك انخفضت في اللحظة دي بالصدفة.
الرصاصة طارت على شباك بيتنا وكسرت الزجاج. ودخلت على الحيطه
وقتها بابا اتصل بالشرطة وتم القبض على القناص، وإنت واقف بتتكلم معاها.
بعد ما مشيت، تابعتها لحد باب المدرسة."
مؤمن اتصدم... قلبه وجعه أكتر، كأنه بيتقطع من جوه.
زياد (مكمل):
"المرة التالتة اللي إنت ما تعرفهاش... لما سافرت مع وفد من النائب لتركيا.
وقتها أنا اللي بعتك هناك مخصوص... عشان تشوفها."
كان عندي امل تعرف ترجعها عشان كنا متابعينهم من زمان
مؤمن يبص له بدهشة، عينه مليانة صدمة ودموع بتنزل غصب عنه.
الطريق بيجري قدامهم، لكن في دماغه الصور بترجع: طفولته... وقفة المدرسة... رهف اللي لعبت بحياته... وإيمان اللي طول عمرها الحامي الخفي.
زياد (بيبتسم وفي عينه دموع):
"المرة التالتة يا صاحبي كانت في تركيا.
إنت فاكر الرحلة كانت صدفة؟ لأ... أنا اللي حطيت اسمك هناك.
كان في محاولة يغتالوك، وصدق أو لا تصدق... اللي أنقذك وقتها كانت برضه إيمان."
مؤمن (بصوت مبحوح):
"إيه اللي بتقوله ده يا زياد؟...
إنت عارف يعني إيه كل ده يحصل وأنا ما أخدتش بالي؟"
أكمل مؤمن (مذهول):
"حطيت اسمي؟ هو إنت شغال في أمن الدولة؟"
ابتسم زياد:
"آه... الفضل لولدك. بابا طلب منه يتوسط ليا في الشرطة.
كنت الدفعة اللي بعتك، وبعدها اختارونا في الجهاز.
ومن ساعتها عرفت من ولدك القصة."
تنهد زياد (مكمل):
"كانت إيمان هناك محبوسة، ما معهاش أي وثيقة تعرف ترجع بيها.
إنت كنت رايح تناقش مقارنة بين القضاء المصري والتركي، وكمان كان فى أقترح يتم تسليم الا خرجين عن القانون عندهم لكن ولاد الحرام عرفوا بوصولك.
الخطة كانت إنهم يقتلوا الوفد كله عشان تتوتر العلاقات بين مصر وتركيا.
إيمان لما عرفت بالخطة من جوزها الا عرف مكانها وجيه عشان يرجعها معه ويسافروا على بلد تأنى هى سياسته زى ما بتعمل كل مرة وبتاخد المعلومة منه وفعلا ... بلغت الأمن التركي بنفسها.
لحقوكم قبل ما توصلوا الأوتوبيس اللي هينقلكم من المؤتمر على الفندق.
وقتها عبد الله مات في الحادثة دي، لما زرع القنابل وهو بيهرب.
وأطلقوا النار عليها... ومن هنا بدأ تارهم الكبير معاها."
مؤمن عينه اتسعت... صوت قلبه بقى مسموع.
مؤمن (بصدمة):
"يعني طول الوقت ده... كانت حواليا... بتحميني...
وأنا الأعمى اللي مش شايف."
زياد (بصوت واثق):
"والمرة ده يا مؤمن... يمكن دي اللي هتنهي القصة.
المرة دي مش صدفة... المرة دي اختيار.
إنت هتختار تحارب عشانها، عشان حبها.
صدقني... إيمان عمرها ما كانت ضدك، بالعكس...
كانت السور اللي واقف بينك وبين نهايتك."
مؤمن بيكتم دموعه وهو يبص للطريق اللي ماشية فيه عربية الخاطفين.
قلبه بيولع، مش بس من القلق... لكن كمان من الندم.
كل مرة ضيع فيها إيمان... كل مرة صدّق الكذبة ومسك في الوهم.
مؤمن (بحزم، عينه بتلمع):
"المرة دي مش هسيبها.
المرة دي هحارب لآخر نفس... مش عشان أرجعها بس،
لأ... عشان أثبتلها إني أستاهل الحب اللي حاميني طول حياتي."
زياد (بيهز راسه ويشد على إيده):
"وأنا معاك يا صاحبي... لآخر لحظة."
خائنة خلف جدران الحب الكاتبه صفاء حسنى الفصل
إيمان (بغضب وعيونها مليانة دموع):
إنت ورا كل التهديدات اللي كانت بتوصلني؟ كنت عايز تبعدني عنهم صح؟ عشان تعرف تخلص مني براحتك!
الأب (يضحك بسخرية):
ما إنتي شاطرة أهو... وعارفة إنك كنتِ مطلوبة من زمان. راقبتك من بعيد... وافتكرتي إني مت؟ لا يا بنتي... إنتي النقطة السودة في حياتي.
تعملي كل ده عشان مؤمن؟! للدرجة دي حبيتيه يا فاجرة؟
إيمان (تصرخ بجرأة لأول مرة):
آه... بحبه! ومن زمان أوي... من يوم ما فهمت الدنيا، وفهمت إنكم غلط... وإن الظابط بيحمي البلد مش بيقتل أهلها!
بحبه... وكنت بشوفه وأتابعه في كل خطوة، غصب عنك. وحلفت إني أحميه.
سمعتك يوم نزلت المدرسة وكنت ناوي تبعتوا حد يقتله... عملت نفسي بقع عشان الرصاصة تيجي فيا وتبعد عنه.
إنت كنت مصر تدمر شاب صغير عشان تعاقب أبوه... لمجرد إنه بينفذ القانون.
لكن عندكم قانون واحد: القتل... إنتو بتعشقوا الدم!
اتجوزت عبد الله... وقلبي بيتقطع إني أبعد عن مؤمن.
بس كنت عارفة إن رهف بتحبه زَيّي، وهتحميه منك.
الأب (ساخر):
بس هي سمعت كلامنا... وخلته يترفد من الشرطة.
إيمان (تتنهد):
يمكن سمعت كلامكم مرة عشان تتجوزه... بس محدش فيكم قدر يقرب منه طول ما هي معاه.
ومقدرش أنكر... يوم ما عرفت إن فرحهم هيكون النهاردة، قلبي اتقطع... وعيطت ليلتها لحد ما صوتي اتكسر.
لكن وسط دموعي قلت: "مدام هيعيش مرتاح... كفاية عليا."
لما رهف... انقلبت عليكم... وقتها قررتوا تقتلوه تاني في تركيا. بس كان غيركم أشطر...
أنا روحت المؤتمر وشوفت مؤمن من بعيد... كنت مشتاقاله أوي... رغم إن صورة فرحه مع رهف كانت في إيدي، ودايمًا أنام وهي في حضني.
(الأب يقترب ويلطمها بالقلم بقسوة):
يعني مش بس خاينة لأبوك... كمان خُنتي جوزك في حب غيره؟!
إيمان (بصرخة ملتاعة):
أنا خائنة... آه! لكن خلف جدران الحب.
حبيته ما بين جدران ظلمك وقسوتك.
حبيته... وحلفت إني أحميه حتى لو ماليش نصيب.
الحب اللي ربنا زرعه في قلوبنا مش حرام... ربنا أمرنا بالحب والسلام!
الأب (يصرخ بغضب):
إنتي وصلت بفجورك إنك تعملي معاه علاقة يوم ما عرفتِ إن عبد الله مات!
دخلتيله أوضته في الفندق وهو تايه... وسكران... بكل بجاحة!
🔙 فلاش باك
إيمان راحت تقدمت على شغل في الفندق. الا نازل فى مومن
قالت لها السكرتيرة ببرود:
- مش محتاجين عاملين، تشتغلي أي حاجة؟
ردت السكرتيرة بعد لحظة:
- في نقص في عاملات نظافة الغرف.
إيمان هزت راسها وقالت بخضوع:
- موافقة.
بدأت في الشغل، وعينيها طول الوقت بتتابع "مؤمن" من بعيد.
👀 واحدة من العاملات اللي شغالين معاها لاحظت نظرتها واهتمامها بيه، قربت منها وسألتها بالتركي:
- إنتي عايزة تقضي معاه ليلة؟
إيمان ما فهمتش قصدها كويس، لأنها لسه بتلملم نفسها في اللغة التركية، وبتحاول تسلك أي جملة.
العاملة افتكرت إن إيمان موافقة على كلامها!
كنت متابعه من بعيد ومومن قاعد على الترابيزة بياكل كانت حاطة إيدها على قلبها من القلق. هي كانت شاكه إن ممكن يحصل حاجة غريبة.
مومن بدأ ياكل عادي، وبعدها شرب من العصير، ومع كل رشفة عينيه بدأت تزوغ وصوته يبقى متلخبط.
اقتربت إيمان منه (بصوت متوتر):
إنت كويس يا فندم؟!
بدأ مومن يضحك بس ضحكته كانت مكسورة، قام وهو ماسك الكرسي بالعافية، كأنه مش قادر يثبت على رجليه.
إيمان بسرعة، مسكته من دراعه وحطت إيده على كتفها وهي تحاول تسنده. في اللحظة دي واحد من صحابه شافهم من بعيد، ابتسم ابتسامة غريبة وسابهم ومشي.
دخلت إيمان بيه الأوضة، قلبها بيرقص من الرعب، قافلة الباب وراه وهي لسه ماسكاه. قربت منه وقالت بصوت متلخبط:
إنت بخير؟ قولّي!
مومن بصّ لها بعينين مشوشة لكن مليانة حنين:
كنت فين؟! بدوّر عليك من زمان... آخرين لاقيتك.
اتجمدت إيمان مكانها، قلبها وقع من الكلمة. للحظة حسّت إنه افتكرها. ابتسمت وهي بترد:
بدوّر عليا أنا؟ بجد؟
ضحك مومن بخفة، وهو يمد إيده ويلمس وشها:
آه... ريحتك مش ناسيها. ونظرتك... بلفّ الدنيا عشان أشوفها. من وقت ما افتكرت، حسيت إن عيني ضاعوا مني... ولقيتهم تاني.
حضنها فجأة، بكل شوق ودفا، وإيمان سابت نفسها للحضن، دموعها نزلت وهي بتحس إنها رجعت للحظة اللي اتحرمت منها سنين. في اللحظة دي نسيت خوفها، نسيت حرام أو حلال، نسيت الدنيا كلها.
الشيطان كان ثالثهم، لكن قلبها كان بيخفق باسم "مومن" بس.
باك
تهز إيمان راسها بندم ودموعها تنزل):
عارفة... عارفة إني غلطت.
الشيطان لعب بيا... والشوق والحب كان أقوى من أي حاجة.
يمكن كلام رهف وهي في حضنه وقلبي بيتقطع... خلاني أضعف.
كنت عايزة أجرب حضنه مرة واحدة في حياتي... حتى لو أموت بعدها.
وعشت معاه لحظات رومانسية... عمري ما سلمت نفسي لحد غيره. كنت وعد نفسي أن محدش يلمسنى غير شخص بحبه وقلبي محبش غير مومن
وتاني يوم خرجت من الغرفة من غير ما يحس بيا.
شكرت ربنا إنه يرجع مصر بسلام... رغم إني كنت في لحظة هكون أنانية وأقابله قبل ما يسافر.
وفعلاً... روحت المطار عشان أشوفه... بعد ما جربت الحب معاه كان صعب أسيبه.
بس... هو مكانش فاكر حاجة.
سمعته بيقول لواحد صاحبه:
"إيه اللي حصل امبارح؟ أنا صحيت لقيت نفسي على السرير... من غير هدوم... ومش فاكر حاجة!"
ضحك زميله وقال:
"أكيد البنت الا كانت ماسكك واضح قدمتلك مشروب وسكرت... وعشت معاها ليلة!"
وقتها... عرفت إن مفيش أمل.
وسافر.
---
إيمان (بألم وهي بتحكي ):
ولما رجعت مصر وقابلته في الجامعة... كنت هتجنن! عايزة أجري عليها وأحضنه ... وأقوله: حضنك الدافي هو اللي عشت عليه لحد النهاردة. بس وقفت عاجزة... ماقدرتش أتكلم.
ولما رهف طلبت مني أبقى خدامة في بيتها، على قد ما كسرتني... على قد ما كنت فرحانة إني أقرب من هدومك، أشم ريحتك اللي عمرها ما فارقتني.
الأب (بابتسامة ساخرة):
خدي المفاجأة... رهف عرفت باللي عملتيه. وكان لازم تتعاقبي إنك فكرتي في يوم تاخدي حضن جوزها. عارفة عقابك كان إيه؟
إيمان (بتحدي):
مش فارق... حبي لمومن لوحده عقاب يكفيني.
الأب (مكمل بسخريته):
فاكرة لما كنتي بترجعي من غير سبب، وتدوخي وا غمي عليكي... وانتى فى الشغل والبنت اللي معاك ودتك المستشفى؟ ساعتها اكتشفنا إنك حامل.
رهف كان لازم تعاقبك... فاتفقت مع ناس، ونقلوا الجنين اللي في بطنك... وزرعوه في رحمها. وضحكت على مومن، وقالتله إنها مسافرة مصيف مع أمها. أمها صدقت إنها مع أصحابها في الغردقة... ومومن صدقها. لان أهلها فى الساحل لكن الحقيقة إنها كانت هنا... وإنتي نايمة... لحد ما خلصوا العملية.
إيمان (مصدومة وبتشهق):
انت بتقول إيه؟! حياة ومراد... أولادي أنا ومومن؟!
الأب (بضحكة شيطانية):
أولاد في الحرام يا كافرة. ورجعناهم ليه... عشان كنت ازى تحمل اطفال في الحرام وكان لازم ترجع وننتقم منك على خيانتك ويتحرقي قلبك عليهم.
مومن في اللحظة دي كان واقف على الباب... سمع كل كلمة. قلبه وقع، ودموعه نزلت وهو فاكر أول مرة شاف إيمان في الجامعة. حس فعلاً إن في حاجة بتربطهم أقوى من مجرد طالبة عابرة.
إيمان (بصرخة):
يعني رهف جبارة للدرجة دي؟!
---
في بيت العيلة عند رهف، بعد ما فاقت وعرفت إن إيمان اتخطفت:
رهف بلعت ريقها وهي بتتجمع كل قوتها:
أنا لازم أعترف... على آخر حاجة عملتها... عشان أكيد دلوقتي هو قالها.
الدكتور مهاب ،و منى، سعاد، محمد،و مامت مومن، وحتى عماد... كلهم اتصدموا. الأطفال كانوا نايمين.
رهف (بدموع):
حياة ومراد... أولاد إيمان ومومن.
الكل صرخ في نفس واحد:
إنتي بتقولي إيه؟!
رهف (منهارة):
اعترفت من يوم الحقن... لحد ما رجعت وقلتلكم إني حامل... أنا كنت عايشة في ذنب كبير.
كنت أنانية... خايفة يضيع مني مومن. وقلت: حرام طفل إيمان يموت في بطنها. افتكرت إنه طفل واحد... لكن لما كبروا في بطني، حسيت بشعور غريب... شعور الأمومة.
وبعدها عرفت إني حامل في توأم... ساعتها ضميري أنبني. خليت إيمان تسميهم... وحاولت أعمل المستحيل عشان أرجعها.
وكنت كل مرة أشوف الأطفال... أبص في عينيهم... وأعيط.
---
كانت رهف واقفة ، ملامحها مشوّهة ما بين الغضب والخذلان، صوتها بيتقطع وهي بتصرخ:
"معرفتش أكون أم ليهم، ورجّعتهم لأمهم... قولت أكفّر عن ذنبي! لكن لما عرفت إنهم اتقابلوا في الجامعة... قلبي انكسر!"
عينيها دمعت منى ، لكن صوتها علي فجأة وهي بتوجّه كلامها ل رهف :
"زعقت فيها ، قررتِ تخلّصي عليها خالص! أنا مش عارفة إزاي كنتي بنتي... الحمد لله إنك مش بنتي!"
ووقعت ساجدة على الأرض، بتبكي بحرقة وهي بتقول:
"الحمد لله إنك مش من دمي... و حياة ومراد أحفادي من إيمان، ربنا خفّف عني... سنة كاملة وقلبي موجوع، بحب الأطفال دول رغم إنهم مش من دمي، ومعرفتش أكرههم بعد كل اللي عملتيه!"
رفعت وشها وهي بتبص ل رهف ، عينيها كلها كره ممزوج بالخوف:
"انتي جيتي ليه؟ عشان تكمّلي مهمتك وتخطفّي بنتي... صح؟!"
وفجأة هاجمتها ومدّت إيديها على رهف، لكن محمد وسعاد وعماد أسرعوا، مسكوها ومنعوها من التهور.
محمد بحزم:
"اهدّي يا ست منى... اهدّي واشكري ربنا، بنتك هترجع."
منى وقفت، جسدها بيرتعش، دموعها نازلة، لكن لسه جواها صرخة مكتومة.
مؤمن اقتحم المكان بكل قوته، عينيه بتدور على "إيمان" بجنون. أول ما لمحها، نسي الدنيا كلها.. نسي الخاطفين ونسي الرعب، وجري عليها واحتضنها بشوق مجنون، كأنه بيستعيد عمره اللي ضاع.
بصوت مبحوح ودموعه بتلمع قال:
ـ "أنا كمان بعشقك.. وكلامي وقتها وأنا مش في وعي كان طالع من قلبي.. قلبي هو اللي عرفك، وأنا الغبي اللي اتأخرت عليك."
ضمها أكتر، وهي ضمته بنفس الشوق، دموعها بتنزل بغزارة على كتفه، وصوتها بيرتعش وهي بتهمس:
ـ "حياة ومراد بخير.."
ابتسم "مؤمن" من وسط دموعه وقال:
ـ "الحمد لله.. انتي الثمرة.. حتى لو اتزرعوا في أرض تانية، بس إنتي الثمرة اللي ربيتها. بشكرك إنك طلعتِ إنتي أمهم. وثمرة حبّي اتزرعت فيك. والكل هيتحاسب على كل لحظة وجع عشتيها."
في اللحظة دي، كان "زياد" بلغ الشرطة، وتم القبض على كل الخاطفين. وقبل ما يتم القبض على الأب، كانت "إيمان" واقفة قدامه، عينيها كلها دموع وغضب.
قربت منه وقالت بصوت مليان وجع ومرارة:
ـ "بشكرك إنك محرمتنيش من ثمرة حبي.. حتى لو زرعتها في رحم رهف، لكن ماقدرتش تتخلص منهم. دي الحاجة الوحيدة اللي عملتها صح في حياتك. وعلى كل لحظة قهر عشتها.. منك لله، ربنا ينتقم منك."
إيمان شدت أنفاسها بصعوبة وقربت منه بخطوة وهي عينيها بتلمع بين الغضب والراحة:
- "عارف يا مؤمن؟ يمكن انت غلطت.. يمكن أنا اتعذبت.. بس الحاجة الوحيدة الصح اللي عملها إلا كنت فاكره أبويا إنه ما حرمنيش من ثمرة حبنا.. حتى لو حطها في رحم رهف. أنا هفضل أشكره على اللحظة دي بس.. وعلى باقي العمر كله؟ منه الله.. ربنا هو اللي هينتقم منه."
وفي اللحظة دي، صوت صفارات الشرطة دوّى في المكان، وصرخات الخاطفين وهما بيتقبض عليهم بقت بتتلاشى.
مؤمن شد إيدها وقال بحزم:
- "القصاص جاي يا إيمان.. كلهم هيتحاسبوا على كل لحظة وجع، على كل دمعة نزلت منك، على كل يوم اتسرق من عمرنا."
إيمان مسكت إيده بقوة، والدموع نازلة من غير ما توقف:
- "أنا مش عايزة غير إن ربنا يوريني فيهم يوم.. يوم يعوّضني عن كل قهرة عشتها."
مؤمن ضمها تاني، وأول مرة من سنين حسوا إن الوجع بدأ يتهزم.. وإن بداية جديدة بتتكتب لهم.
قام الدكتور مهاب من مكانه وهو متعصب وملامح الخذلان باينة في عينيه، بصّ لرهف بمرارة وقال بصوت بيرتعش:
ـ للدرجة دي؟! كنتي إنسانة بشعة كده؟! إنتي ضحكتي عليّا... أنا غفرتلك غيرتك، وضعفك، وخوفك إنك تخسري عيلتك... حتى تهديد عمتك عدّيته. بس توصلي إن نفسك تدفعك تسرقي جنين من رحم صحبتك وتحطيه جواكي؟! وتوهمي الكل إنك حامل؟! وتضحكي عليّا وتخليني أصدّق إنك مشتاقة لأولادك؟!
رهف اتخضّت من كلامه، ركعت على الأرض قدامه، دموعها بتنزل بغزارة، وصوتها بيتهز وهي بتقول:
ـ عندك حق تزعل منّي... بس والله كان صعب أقولك كل حاجة. هما آه مش ثمرة بطني... بس كانوا ثمرة قلبي! أنا ما استحملتش الفراغ... حسّيت إني بموووت من جوّا كل يوم...
مهاب رفع إيده على راسه، كأنه مش قادر يصدق اللي بيسمعه، صوته علي ودموعه مغلّية عينيه:
ـ رهف... إنتي قتلتيني وأنا عايش!
---
بدا مهاب ينسحب من الشقة ، فجأة وقعت رهف من طولها مغمى عليها. قلبه اتقبض، ورجع بسرعة شايلها بين إيديه، يجري بيها على المستشفى بخوف شديد، عقله بيصرخ: يمكن الأكل كان فيه حاجة أثّرت عليها!
الكل شك، واتفقوا يروحوا يكشفوا ويتأكدوا.
وبعد التحاليل، طلع الحمد لله مجرد نسبة منوم بسيط في الأكل. قدروا يفوقوا الأطفال من النوم، واتطمنوا عليهم.
أما رهف... بعد ما كشفوا عليها وعملوا التحاليل، خرجت الدكتورة بابتسامة هادية، سألت:
ـ فين جوزها؟
وقف مهاب قدامها متوتر:
ـ أنا... خير؟! عندها تسمم؟
ابتسمت الدكتورة بهدوء:
ـ لأ... مراتك حامل في شهر ونص.
تجمّد مهاب، مش عارف يفرح ولا يزعل، يصدّق ولا ينكر.
بص لرهف بجمود وقال بمرارة:
ـ يا ترى زرعة مين كمان؟
رهف اتصدمت من شكه، دموعها غرقت عينيها وقالت برجاء:
ـ زرعتك إنت... أقسم بالله العظيم المرة دي غير! أنا اتغيرت، إنت فهمتني الفرق بين الهوس والحب... أنا كنت مجنونة، لكن أول مرة أعرف الحب الحقيقي كان معاك إنت وبس.
وفي نفس الوقت، وصل خبر لمؤمن إن حياة ومراد في المستشفى. قلبه وقع، أخد إيمان وجريوا هناك.
أول ما وصلوا، اتلم الكل على إيمان، حضنوها بفرحة وطمنوها:
ـ الأطفال بخير، اللي حصل مجرد منوم... وفاقوا الحمد لله.
دخلت إيمان الغرفة، وقعت على الأرض وسط ولادها، تبوس إيدهم الصغيرة ورجليهم وهي بتبكي من الفرح:
ـ الحمد لله... الحمد لله إنكم بخير.
جلس مؤمن جنبهم، يضمهم بكل حب ويوعدهم:
ـ اللي جابه ربنا هيكون أحسن... مش هسيبكم لحظة تاني.
وبعد يومين، كان كتب كتاب مؤمن وإيمان وسط أجواء من السعادة والفرحة.
طلبت إيمان من الدكتور مهاب وقتها:
ـ سامحها يا دكتور... رهف اتغيرت بفضلك. إوعى تسيبها.
استغرب الكل من طيبة قلب إيمان رغم كل اللي عاشته، لكن هي ماكنتش عاوزة غير حضن مؤمن وأولادها.
مؤمن جهّز شقة جديدة مختلفة عن اللي عاشوا فيها عشان ينسوا كل الوجع ويبدأوا صفحة جديدة.
أما رهف، فسافرت مع مهاب لأمريكا تتابع حملها، لأن عندها مشاكل ولازم متابعة دقيقة. قبل ما تسافر، طلبت منهم السماح والمغفرة، وقالت:
ـ ادعولي أرجع بخير أنا وطفلي.
ودّعوها في المطار... إيمان، مؤمن، والأطفال.
ومرّت الأيام... في بيت مليان دفء وسعادة، وإيمان في وسط أهلها وأولادها، وبطنها الكبير بيظهر وهي في الشهر السادس... ابتسامة على وشها، قلبها مطمئن... وأخيرًا، القدر ابتسم لها.
كانت الدنيا ليل ساكن، والهوا البارد بيعدي من شباك الأوضة، وإيمان قاعدة على الكرسي قدام السرير، سايبة شعرها ينزل على كتفها ووشها باين عليه تعب الأيام اللي فاتت. مؤمن دخل بهدوء، وقف قدامها، عينه مليانة حنية وعتاب في نفس الوقت.
مد إيده ولمس خدها وقال بصوت واطي:
مؤمن: "إيمان... أنا مش عارف إزاي آخرين بقيت معايا ...
بس الحقيقة إني عمري ما قدرت أشوف حياتي من غيرك."
نزلت دمعة من عين إيمان، رفعت راسها تبصله وابتسامتها مكسورة:
إيمان: "وأنا... كل لحظة كنت بعيد عنك، كان قلبي بيتقطع. يمكن غلطت، يمكن اتجرحت، بس والله ما عرفت أحب غيرك."
قرب منها أكتر، مسك إيدها وشالها من الكرسي بخفة لحد ما وقفت قدامه. حضنها بقوة، كأنه خايف تضيع منه تاني.
مؤمن: "من النهاردة... مفيش خوف، مفيش حد يفرقنا، إنتي ليا وأنا ليكي."
إيمان (وهي بتدفن راسها في صدره): "كنت مستنيا اللحظة دي... يا أمان قلبي."
---
والليلة دي ما كانش فيها غير هدوء… دفا حضنهم… وإحساس إنهم لأول مرة بعد عواصف كتير رجعوا لبعض بسلام.
بعد شهور، رن تليفون مؤمن… رد وهو مبتسم، جهله خبر تعيينه في الشرطة، رجع أخيرًا لحلمه اللي حارب عشانه. راح يستلم شغله الجديد، وهناك استقبله صديقه الضابط كريم المختار بابتسامة واسعة:
– "ألف مبروك يا باشا، لازم نحتفل النهاردة!"
ضحك مؤمن وهو بيرد:
– "بالسرعة دي… طيب إستنى لما أفرح ؟"
رد كريم وهو بيطبطب على كتفه:
– "افرح براحتك، أنا منتظرك في مطعم على النيل … وهبعتلك الموقع."
وهنا…
تنتهي قصتنا. قصة صراع ووجع وخيانة وحب، لكن في الآخر الحب انتصر، والكل رفع إيديه للسماء يدعي ربنا يغفر ذنوبه ويبدّل المحن بنعم.
لكن… الحكايات عمرها ما بتنتهي.
فالقدر بيكتب سطور جديدة دومًا.
وبكده… نستعد مع بعض لقصة جديدة:
"عشقت فتاة المصنع"
بطولــة: زياد وفتاة المصنع.
وظهور مومن كدور ظابط
أما كريم المختار… فله حكاية أخرى بعنوان:
"ليلة المختار."
لكن … هنكمل مع رواية "عشقت بودي جارد – الفستان الأبيض."وبعد كده ليلة المختار
إلى اللقاء مع بداية جديدة… وأبطال جدد… ووجع وحب من نوع آخر.
تمت
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أدخلوا واعملوا متابعة لصفحتي عليها كل الروايات بمنتهي السهوله بدون لينكات من هنا 👇 ❤️ 👇
تعليقات
إرسال تعليق