رواية زوجة العمده الجزء الاول الحلقه الثالثه عشر والرابعة عشرة بقلم أماني طارق حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
رواية زوجة العمده الجزء الاول الحلقه الثالثه عشر والرابعة عشرة بقلم أماني طارق حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
" كان كل ماترغب بهِ، أن يكون لها، وأن تنتهي تلك الحرب بنزع الراء".
صوت الممرضة ووجهها البشوش لم يجعلها في حالة من الرضا، نظرت حولها ورأت نظرة هاشم، نظرة أشتياق ورغبة مُلحة بالركض للأعلى وحين صعدت والدتهُ وخاله فهمي سريعًا، أمسكت بيده تمنعهُ من الصعود قائلة:
- لازم نتكلم!
- دلوقتي مفيش حاجة أهمَّ من أبويا يا ميرال.
أبعد يديها عنهُ وتركها تنظُر إلى خيبة أملها، ولكنها نظرت إلى الجانب المُشرق، والدهُ كان القطعة المفقودة في تلك الأحجية.. والآن باستيقاظهُ سيزيح نـصف المعضلة بقولهُ هل أباها يونس هو من دفعهُ ليسقط أم لا..
صعدت إلى الغرفة وجودت والدتهُ صامتة جامدة الملامح، رغم دموعها التي غرقت وجهها، كانت صامدة ,,وكأنها لم ترغب باستيقاظهُ ... وهُنا تسألت ميرال لنفسها:" ممكن تكون هي اللي عملت فيهِ كده".
دفعت من بالها تلك الأفكار .. ودلفت، رأتهُ ينظر نحوها نظرة غريبة كتلك التي رأها بهِ حين بدأ في فتح عينيهِ واستيعاب الحاضر .. هل تذكرهُ بوالدتها؟
نظر هاشم إليها بغصة بحلقهُ، وعينيهِ تنتقل مابينهُ وبين والدتهُ، كانت تقف ميرال بجانب هاشم حتى شعرت بيد تلتقفها وكانت والدهُ.. ينظر نحوها نظرة الاشتياق وهو يرغب بسؤالها ولكن لاسبيل لهُ بالكلام، فهو على مايبدو من صدمة ماحدث لهُ، أصبح فاقد للكلم..
تنهدت ميرال تبتسم بحنان .. وتجلس على رُكبتيها، من الداخل تشعر بالامتنان الغزير لذلك الرجُل، هو من صَّدق والدتها وجعلها تعيش في مكان آمن من هُنا، أمسكت بكفهُ تُقَّبل باطنهُ ..
نظرت لها والدة هاشم بعصبية شديدة، وأرادت أن تأتيها من شعرها وتجُرها للخارج، ولكنها لم ترغب بأن يحدث شيءِ سيءِ لزوجها .. والذي ظل يخُبط على فخذ هاشم وهو يسأل على فهد ويكتب الاسم على فخذه باستمرار .. جعل هاشم يتنفس الهواء بعبءٍ شديد، حاول التماسك ولكنهُ لم يستطع .. فقال وصوتهُ مكتوم:
- فهد مش موجود دلوقتي..
ونهض سريعًا يبتعد، وتناقلت عيناى جاسر-والد هاشم- إلى زوجتهُ التي كانت تبكي بصمت، وهي تعلم بأنها إن تحدث ستبوح بما في صدرها من قهرٍ وألم وعذاب تعيش به منذ غيبوبتهُ وموت فقيدها وحبيبها .. ابنها البكر الغالي، الذي لم يدخل لقلبها الحُزن يومًا وكان كل وقتهُ لهما..
وقفت ميرال من جديد .. تنظُر لوجهِ (زينات) الذي أصفر من الحُزن، تعلم بأن داخلها امرأة حزينة تتعذب .. ولكنها لاتستطيع مسامحتها، كيف تسامحها على خطفها وأستدراجها وزواجها من ابنها بحجج زائفة..
كيف لها أن تسامحها وهي لم تترك لها سببًا يجعلها تتقبل العيش معها تحت سقف واحد .. تلك الحالة التي تعيش بها الآن، بزواج لاتعلم كيف سينتهي، ولاحتى بحياة ليس لها ملمح لمُستقبل مشرق.
ولكنْ دموعها التي أغرورقت وبللت وجنتيها، وعدم حرصها على إظهار ضعفها أمام ميرال عدة مرات، يجعلها تشعر بالشفقة المُريرة والتي أثرت بقلبها..شعرت وكأنها ترى والدتها أمامها، والتي كانت تبكي مرارًا وتكرارًا كلما كانت وحدها، وكم كانت ترغب بعناقها بشدة ..لذلك لم تتردد .. وفجأة وضعت يديها على ظهرها تمسح عليها، رفعت زينات وجهها في ألم وهي ترى ميرال تنظُر نحوها بنفس ذلك الألم ..ثم عانقتها قائلة:
- أنا أسفة.
وكأنها تعتذر لوالدتها التي تسببت بحُزنها مرارًا.. ولكنها تعلم بأن سعاد لن تكون في مقام والدتها ولن يحصل ذلك .. ولكنها أرادت أن تعانقها.. لرغبتها هي الأخرى بالبكاء، البكاء على حالها الغير مُستقر .. وقلبها المنفطر .. هي تُحب هاشم وترغب برضاءهُ ولكن في رضاءه مذلة .. لن يترك أحد بعائلتها.
شعرت بضغط يدى زينات وهي تعانقها.. وصوتها يعلو من النحيب، صوت امرأة منكسرة، لم تنكسر مرة واحدة، بل العديد والعديد، انكسرت حين علمت بأن قلب زوجها ليس لها، حين أصبح يلازم الفراش وحين لم يعد حولها، انكسرت حين مات ابنها، ولم تودعهُ.. ولم تخبرهُ كم هو كان ابنا بارًا بها.. وكم أحبته ..
***
طرقت الباب عدة مرات وفتحتهُ، لتجد هاشم يقف أمام الشرفة، وهي تعشر بارتجافهُ وحزنهُ الشديد ..هو ليس حزينًا باستيقاظ والدهُ، ولكن لا يعرف كيف سيقُول بأن ابنهُ البكر قُتل بوحشية .. كيف سيخبرهُ بأنه من المفترض أن يكون متزوجًا من ابنة خالهُ، الأن ولكنهُ لم يعد بينهم..
شعر هاشم بجسد يحاوطهُ كانت ميرال، تعانقهُ من الخلف مُربتَّة عليهِ ..تقُول بصوتٍ مبحوح من البكاء:
- المفروض ياهاشم متبقاش كده منهزم.
- تعرفي إن بابا سأل عن فهد!.. كل يوم هيسأل عنهُ، وكل يوم الرد هيكون هو نفسهُ، مكنش حد بيكلمني وأنا في القاهرة غير فهد .. ولما كلمني خالي، قولت أكيد في حاجة حصلت وحشة ولازم أرجع .. تعرفي كنت فاكر مين اللي مات؟
أستدار نحوها وقد رات عينيهِ مليئة بالدموع فقال بصوتٍ منكسر:
- كنت فاكر بابا، خصوصًا إن حالتهُ كانت حرجة.. مكنتش متصور إنهُ فهد .
وضعت يديها على وجههُ، ضمة تشعرهُ بالدفءِ، قالت :
- بس ده كان قدرهُ..
صك على أسنانهُ يقُول:
- وليه يحصل فيهِ كده يا ميرال، محدش فينى شاف جثتهُ من وحشتها!! أخويا كان متشوهَ.
- هاشم ..
قالتها بألم وهي تضمهُ لها، أغمضت عينيها بحضنهُ... قال وهو يزيد من شدة عناقهُ لها:
- ميرال أنا بحبك .. ومستحيل أتخلى عنك مهما حصل، أرجوكِ أنتِ مات...
قاطعتهُ وهي تنظر لوجهه:
- أوعدك .. بس أنتَ أرجوك تسمع كلامي..
جذ على أسنانهُ يقول:
- ميرالَ لو أبوكِ هو فعلا اللي قتلهُ مش هرحمهُ..
- بس هو مقتلهوش يا هاشم..
دفعها بعيدًا عنها، وهو يجُول حولهُ، يشعر وكأنهُ في قفص لايعلم مفاتيحهُ، قفص يخنقهُ بقبضانهُ..يحاول أن يكبح غضبها وعصبيتهُ، ولكنهُ هدأ من روعهُ حين شعر بأنه يظلمها بقوله ويجرحها كثيرًا.. تلك الايام جعلتهُ يصدق بأنه وقع بحبها، بكل شيء يخصها، ابتسامتها واحلامها وحديثها الذي مليء بالطموحات وكل شيء يخصها أصبح واقعًا لها.. ولكنه لن يزيد من كل ذلك ..
اقترب يضم وجهها بين يديه قائلاً وهو ينظر إلى عينيها الباكتين:
- أنا بوعدك يا ميرال، لو فعلا ابوكِ مكنش السبب في كل اللي إحنا فيهِ، أنا هسافر معاكِ القاهرة وهنستقر هناك..
شعرت بالصدمة لقولهُ ونظرة عينيها مشوشة.. أبتعدت عنهُ خطوتين.. ولكنهُ أمسك بها من ذراعها يضمها نحوهُ .. وهي تحاول أن تلملم شتاتها، كيف لهُ أن يقول ذلك .. هي تعلم بأن والدها لم يؤذِ أحد .. ولكنها تعلم أيضًا بأنه بقولهُ وكأنه واثق بأن والدها بالفعل قتل ..
وأستقرارهم في القاهرة ضرب من الخيال..
- لو أنتِ فاكرة بقول كده علشان أعجزكِ فلأ يا ميرال، انا واثق فيكي وبايمانك بـوالدكِ، علشان كده لو كل حاجة أتظبطت مفيش سبب هيخليني أفضل هنا..
ثُم قبل جبتها قبلة عميقة قائلاً:
- أنا مستعد أضحى بكل حاجة علشان أسعدكِ ..
تلألأت عينيها قائلة:
- وأنا كمان يا هاشم ..
أشتد العناق بينهم .. هي ستجاهد لبناء حياة أفضل لهما، وهي تعلم في صريرتها بأنه يستحق المحاولة ويستحق أن يكون الرابط بينهما أقوى .. لذلك تغيرت بعض خططها، لن تجعل نفسها قوية على سعاد أكثر من ذلك، لن تجعلها تبكي أو تستشيط غضبًا بل ستحاول أمتصاص كل ذلك الغضب بالمواجهة وجعلها أقرب لها..
مسحت وجهها ثم قالت:
- أنا هخرج للبلد .. وهتكلم معاهم علشان موضوع المدارس والمستوصف..
هز رأسهُ وهو يضع أصبع الابهام على وجنتيها يمسح دموعها .. قبَّل خديها بحنان قائلاً:
- أنا هخلي نهلة تمشي معاكي ..
هزت رأسها موافقة، وهي تنظُر لعينيهِ.. هو حنون عليها وذلك ما يجعلها دومًا تهدَّ وتدمر حصونها .. منذ أول لقاء بينهما، ولم ترغب بأن تجعل مابينهم ك حرب من سيفوز بها، بل أرادت أن تكسبهُ لصفها، وأن تجعلهُ لها.. وكان قد حدث.. أصبح واقعًا بغرامها.. وأصبح كجدار تحتميِّ بهِ وأصبح الركيزة التي تقويِّ روحها..
**
هبطت للأسفل رفقة هاشم، وكان الافطار تم وضعهُ مع وجود الجميع .. ولكنها حين لاحظت قدوم هبة من بعيد هبطت من السلالم بسرعة كأنها ترَكُض.. حان الوقت لتقوم بما يتوجب عليها كأخُت كُبرى ولن تتأثر بأي شيءِ .. أبتسمت ميرال امام وجهه هبة الشاحب والذي كانت تُخبيءِ شيءِ خلفها لم تنتبهِ إليه ميرال أكثر من إمساك يدها الأخُرى بقوة وهي تنظُر بعينيها بشجاعة.. وقد وجدت نظرات هاشم الداعمة لها ..
قالت زينات وهي ترى هبة:
- أزيك ياهبة، إيه اللي جابك؟
قالت ميرال بدلا من هبة:
- جاية تقولكم إن مفيش جَواز..
نهض فهمي قائلاً بعصبية:
- إيه اللي بتقوليهِ ده!! إنتِ دارية بكلامك ده..
- آآه دارية.. وعارفة كمان إنك مش مخلي حد عايز يوظف ابويا علشان تلويِّ دراعهُ، بس أنا مش شبهه وعمُري ماهتتلوي دراعي .. أقطعها المهم محدش من أهلي يتأذوا!!
نظر فهمي لـ هاشم قائلاً:
- أنتَ موافق مرتكَ على كده؟
نظر هاشم لزوجته ثم إلى خاله قائلاً:
- أنا آسف ياخالي، قبل ماتكون ميرال مراتي وزوجة العمدة، ف هبة تكون أختها، وهي أدرى بمصلحتها أكتر مني ومن أي حد تاني..
- يعني إيه كلامك ده؟!
ردت ميرال مبتسمة في تشفيِّ:
- يعني مفيش جُواز والفلوس اللي أدتها لـ بابا، هتكون عندك في أسبوع..
ثُم نظرت إلى هاشم نظرة ذات مُغزي فنادى على نهلة لتذهب معها محل ماتُريد .. فغادرت وهي تصطحب معها نهلة وهبة .. وبعد أن رحلت، نهضت زينات تقول:
- أنتَ أكيد بتعمل كده علشان تلهيها لغاية وقت الجواز؟
هز هاشم رأسه نافيًا:
- لأ، مش هيحصل الجواز ياخالي..
ثُم تابع وهو يلقى نظرة على عزة:
- مُستحيل إنك تقبل إن عزة واحد كبير قدكَ يتجُوزها..
هاج فهمي يذهب بخطوات سريعة يقف بوجههِ ابن اختهُ قائلاً بهياج:
- علشان عزة مش شبهها، عزة معندهاش أب قاتل ولا عاطل ولا ملهوش أي لازمة في الدُنيا دي..
ضم هاشم شفتيه وهو ينظر إلى خاله بثبات قائلاً:
- ولاتزر وازرة أخُرى، محدش بيشيل ذنب حد .. مش ذنبها إن أبوها كده، هي شبه كل الناس، تستحق تتجُوز شخص يفهمها ويحبها .. أنا آسف ياخالي، بس زي مافي هبة في غيرها أكبر منها أو في نفس سنكَ تقدر تتجوزها..
وأستدار يوليهِ ظهرهُ، ولكن قبل أن يتقدم للأمام قال بحزم:
- ميرال مش بس مراتي هي تعتبر ليها الرأي في كل حاجة هنا في العايلة، وهبة من أهلها فهي حُرة في أي قرار تاخده، وبمعنى كلامي يعني أي أمر أو كلمة هتقولها هتتنفذ بدون جدال.
وتركهم .. وكلهم ينظرون لبعضهم في عصبية وغضب ..
***
جاء لـ هاشم أتصال من نوَّار والذي قال فورًا أن رد هاشم:
- أنا قُدام البوابة عندك ياهاشم..
أسرع هاشم يركُض نحو البوابة ليتفاجأ بصديقه يقف هناك وبصحبته حقيبة سفر .. قال وهو يعانقهُ مرحبًا بهِ:
- أنتَ إيه اللي جابك؟ حُسام أزاي سابك كده؟
قال نوَّار بنبرة قلقة:
- سيبك من حُسام دلوقتي، نوران عاملة إيه؟
قطب هاشم حاجبيهِ في تساءُل وغبطة:
- أنتَ جاي كل المسافة دي علشان تسأل نوران عاملة إيه؟
نظر هاشم إلى وجههُ صديقه الشاحب، فقال وهو يمسح على وجهه كاتمًا غيظهُ:
- كويسة !! هتكوني عاملة إيه يا نوَّار ..
- ممكن أشوفها؟
- لأ طبعًا ..
وحين رأى الأصرار على وجههُ .. قال حاسمًا:
- مُستحيل تشوفها، وأنا مستحيل أصدق إنك تكون حبتها أصلاً.. ده شغل عيال.
- لأ يا هاشم .. انا فعلا حبيتها.. من أول مرة شفتها ومش قادر أنها تطلع من دماغي ..أنا عارف إن ده غلط ومش صح، بس أنا عايز أشوفها..
قبض هاشم على كفيهِ.. ثم جاءته فكرة سريعًا فقال وهو ينظر إليه:
- هخليها تطلع بلكونة أوضتها .. بس تشوفها وتمشي يا نوَّار!
- هنشوف الموضوع ده بعدين..
هز هاشم رأسه رافضًا قائلاً:
- لأ، هتشوفها وتمشي يا نوَّار وأول ماحالتها تكون كويسة أوعدك هخليها تقابلكَ.
وحين رأى العزم فى عين صديقهُ هز راسه موافقًا باستسلام، صعد هاشم سريعًا إلى غرفتها وكانت مُستلقية على ظهرها وعينيها باكتين، فقالت بصوت مُختنق:
- أنتَ جاي تكمل عليّا بكلام وحش!
نظر إلى يديها المضدمتين.. اقترب منها بهدوء وتنفس الهواء رويدًا قال:
- لأ يانوران .. أنا آسف إني مكنتش جمبك .. بس ..
- بس إيه، جاي ليهِ؟
قالتها بعصبية، هاشم لم يعرف يومًا كيف يتعامل مع أختهُ مهما حدث ..كان منذ ولادتها دومًا يبتعد عن التفاعل معها وحتى الآن لايعرف لماذا، كان دائمًا يحسد أخاه على تفاعله الجميل والحنون معها، حتى حين كانت تتعدى الحديث مع والدتهم كان فهد من يقف امامهم بجانبها ويدعمها.. فكان وحده يعلم بأنها تتمنى أختًا لها تعلم مايجول بصدرها من هواجس وخوف وخاصة بأن سعاد دومًا كانت تغلق عليها وتتعامل معها بقسوة ..
- عايزك تلبسي طرحتكِ وتخرجي البلكونة معايا..
- ليه؟
ضم شفتيهِ قائلاً:
- هنشم هوا وإحنا بنتكلم.
أنصاعت لهُ دون أن تقول كلمة أخُرى، فقد ملت الجدال، فكلما كانت تجادل أحد كانت تتعرض لصفعة من والدتها حتى شعرت وكأن وجدها فقط للعقاب .. نفذت الأمر، وأرتدت حجابها ولكنهُ لم يكن مربوطًا باحكام فظهر الكثير من خصلات شعرها، دلفت للخارج تستنشق الهواءَ وعينيها تتلألأ .. نظرت إلى هاشم الذي كان ينظر بعيدًا .. قالت بصوت مختنق:
- أمتى هتسافر؟
- ليه علشان تهربي تاني..
قالها وهو ينظر بعيدًا عنها، قالت بألم:
- لأ علشان اموت نفسي بحق المرة دي..
نظر إلى وجهها التعيس وفجأة بكت.. قالت:
- محدش فيكم مهتم بيا، فهد لو كان عايش مكنش سابكم تمرمطوني كده.
- فهد لو كان عايش يا نوران كان هيقتلك على عمايلكِ..
صرخت بوجهه:
- لأ مكنتش هـهرب، مكنتش هحس إني لوحدي .. فهد مكنش أخويا بس فهد كان بابا.. كان أحسن أخ .
وضعت كلتا يديها على وجهها تبكي قائلة:
- لما مات، مكنتش لاقية حد احضنهُ .. مكنتش لاقية حد يقولي أنا إن ده كابوس..مش قادرة أتخيل حياتي وأنا مش هشوفهُ تاني..
شعر هاشم بدموعهُ هو الأخرى تذرف بشدة، اليوم لايعرف ماأمرهُ، كلما تذكر أخيه ينخرط باكيًا.. أقترب منها يأخذها بين أحضانهُ قائلاً:
- أنا برضو كان نفسي حد يقولي إن ده كابوس يا نوران، وإن فهد بيعمل كده علشان يرجعني..للبيت تاني.. بس عمري ماصحيت منه لغاية دلوقتي..
- أشتدَّ حضنها قائلة برجاء: ممكن ماتمشيش زي ما مشيَّ، ممكن تفضل موجود ..
ربتَّ على ظهرها.. قائلاً:
- مش همشيِّ تاني يا نوران..
نظرات نوَّار كانت تخبرهُ بانه حزين لما يصيب بقلبها.. ابتسم وهو يرى رغبتهُ بالقدوم ومواساتها..
فور أن دلف بصحبتها لداخل الغرفة، قال وهو يجثو عل ركبتيه بجانب فراشها:
- أنا عايزك في الفترة دي تركزي على نفسك يا نوران .. مش عايز حد يحتل تفكيرك .. المهم إنك تثبتي للـ مامتك إنك أحسن من أي حد .. حتى أحسن مني.
- أزاي؟
- ذاكري لثانويتكِ ..
ضحكت ساخرة:
- مش مسموح ليا يا هاشم..
أمسك بكلتا كفيها بشدة قائلاً:
- أنا سامح ليكي يا ست البنات، عايزة تعملي كل اللي تقدري عليهِ، مش كان نفسك تكوني زي فهد .. دكتورة؟
- مستحيل في اربع شهور هبق..
وضع كفه على وجهها قائلاً برفق:
- مفيش حاجة على ربنا مستحيل، أعملي اللي تقدري عليه وربنا هيوافقك .. ولو مجموعك جابلك خاص، انا هعمل كل اللي أقدر عليهِ علشان تحققيهِ يا نوران..
فجأة عانقتهُ بشدة قائلاً:
- شكرًا ياهاشم .. شكرًا علشان مطلعتش شبهم.
ابتسم وهو يبادلها العناق..
****
كان البيت الخامس وكان جميعًا يغلقون الباب بوجهها، شعرت بالتعب الشديد حتى وصلت هي ومعها نهلة وكانتا قد اوصلا هبة إلى البيت ..إلى السوق والذي كان مزدحمًا بشكل كبير .. أرادت بشدة أن تأتي بمذياع وتقول للجميع عن أمرها ولكن جميعًا يأخذون جنبًا منها ولكنها شعرت بأعين تراقبها فأستدارت ورأت وجههاً لم يكن غريبا عليها .. وعينيهِ تذكرها بزوجها.. وحين أقتربت هو أبتعد وهو يتلفت حولهُ مبتعدًا، تلك المرة لم تقف تنظر بل ظلت تسرع في خطواتها ونهلة تركض خلفها لاتفهم ما الذي حدث ..
وقلب ميرال يخبرها بأنها رأتهُ قبلاً ..
غاب عن ناظرها في تلك الزحمة وبين الجموع ولكنها علمت بانه هرع للجهة الأخرى، فقالت نهلة حين قالت بصوت مختنق من الركض:
- إيه اللي حصل؟
وقفت ميرال تسترجع الكثير من الصور حتى تتذكر هيئته اين رأته فقالت وهي تمسك بكتف نهلة:
- هي فين صور فهد؟
استنشقت نهلة الهواء قائلة بتقطع:
- موجودة في أوضتهُ، لما وصلتي كانت موجودة بس شلّناها بأمر من الست زينات..
أمسكت ميرال بيد نهلة بشدة قائلة:
- يبقى تعالي يلا نروح ونشوفها..
****
كان الغروب قد أسدل أضواءهُ، وكان هاشم يقف ببهو المنزل الفسيح ينظر إليه منتظرًا قدوم زوجتهُ حتى سمع حمحمة من خالهُ، ليقف بجانبهُ قائلاً:
- أنا محتاج اتكلمك في حاجة مهمة.
نظر إليه هاشم في فضول، فقال:
- أنتَ عارف إن محافظ اللي خلى العمودية لينا، كان عندهُ رأى إننا نشارك في البرلمان وكده على المنطقة بتاعتنا..
- بس إحنا هنستفاد بإيه ؟
- هنستفيد كتير .. هيبقى لينا سلطة أكتر على البلد و..
قاطعهُ هاشم غير مهتم:
- أنا مش مهتم حقيقي ياخالي بأي حاجة هتدخلني السياسة..
- مش لازم أنتَ اللي تشاركِ..
تابع وهو يقول:
- انا ممكن أشارك بدالك وأنتَ تدعمني بإنك عمدة البلد..
تنهد هاشم قليلاً وكان سيجُيبهُ، ولكنه حين رأى ميرال تستتر بعيدًا، قال وهو ينظر لخالهُ:
- هقولك بكرة ردي يا خالي.
هز رأسه موافقًا وذهب بعيدًا لتأتي ميرال وهي تلتفت خلفها لاترغب بأحد أن يراها أو تتحدث .. اقتربت منه بشدة وهي تخفي الصورة بوجهها ناحيتها،فقالت ميرال ووجهها مخطوف:
- هاشم عايزة أقولك على حاجة؟
وضع يده على كتفها قائلاً بقلق:
- إيه؟
- هو فهد مات أزاي؟
عقد حاجبيها مستفهمًا، فعضت على شفتيها بشدة قائلة:
- ممكن تجاوبني من غير ماتسأل.
- مش عارف .. بس اللي أعرفهُ إن فهد حد اقتلهُ وبعدين شوهَه وشهُ.
- متأكد؟
صك على قواطعهُ وهو لايعلم بماذا تقصد:
- أيوه ده اللي أتقالي يا ميرال..
قالت وهي تنظر إليه:
- أنا شوفتهُ النهاردة في السوق..
ابتعد عنها خطوتين قائلاً:
- أزاي الجنان ده؟
نظرت حولها قائلة بصوت خافض:
- مامتش يا هاشم ..
ثُم تابعت وهي تظهر صورة فهد:
- أنا متأكده إن هو اللي شوفتهُ النهاردة..
14=ج1=الحلقة الرابعة عشر - زَوجة العمدة ((جُزء أول)).
___
أنتِ العيون التي فرَّ منها الصباح، حين صارت أغاني البلابل
ورقًا يابسًا في مهب الرياح!
_محمود درويش.
___
نبضات قلبهُ المتزايد، حين ألتقى عينيهِ بعيناى زوجةأخيهِ شعر وكأنهُ سيذهب ويبوح بكُل شيءِ، ولكنه أراد أن يفعل ذلك حتى يجعلها تأتيه باخيهِ، يُريد أن يتأكد أنها ذكية كما يقولون الجميع .. أغلق الباب خلفهُ وهو يمسح عرقهُ بكم ملابسهُ .. إنتبهت لهُ جلنار وهي تُرتب الفراش .. اقتربت منهُ وهي تبتسم في وجههُ .. تُريد أن تخبرهُ بشيءِ عاجل، هذا الصباح شعرت بتوعك شديد وحين أخبرت صديقتها بتلك الأعراض أخبرتها بأنها ربما تكون حبلى ولكن يجب عليها أن تتأكد بعد بضعة أسابيع..
كان الأمر بالنسبة لها حُلم، ولكنها ترددت تلك المرة بإخبار فهد .. ولكنهٌ إنتبه إلى شرودها حين كان يبدل ملابسهُ .. لتشعر بيد تضُم كفها بحنان .. فوجدتهُ ينظر إليها بفضُول جمَّ، فقال بتساءُل:
_في حاجة عايزة تقُوليها ياجُلنار؟
هزت رأسها في تردد ورأى ذلك بين عينيها البلورتينْ، فوضع كفهُ الأخر على وجهها بلطُف يشملها قائلاً:
_أتكلمي يا جُلنار .. لوسمحتي؟
قالها وهو يبتسم بلطف، جعلها تشعر بتحفُز لقولها، فضمت يدهُ بقوة مقُربة إياهَ نحو بطنها قائلة:
_أحتمال أكون حامل!
قالتها وكانت ملامحهُ مختلطة مابين تردد وأستيعاب وفرحة تلمع بين مُقلتيهِ.. فأنتفض قائلاً غير مُصدقًا:
_بجد.. ازاي عرفتي؟
أتسعت ابتسامتها في سُرور وتشعر بقلبها وكأنهُ سيقفز من مخدعهُ، فقالت وهي تنظُر له:
_نفس أعراض حملي السابق، بس لازم أستني الشهر ده لما يخلص وهعمل تحاليل..
اقترب يعانقها بشدة .. شعر وكأنهُ لايستطيع أن يكتم فرحتهُ، يعلم بأن الأمر صعب في تلك الظروف ولكنه لن يسمح بأن يُصيبها سوء هي أو لطفلهما.. ابتعد قليلاً يضم وجهها بيدهُ وهو ينظر لعينيها الدامعتين قائلاً بحبور:
_مش عارف أصف فرحتي يا جُلنار، أنا عايز أطلب منك طلب؟
هزت رأسها فورًا، ليقُول وهو يعاود يجلس بجانبها :
_مش عايزك تعملي شُغل البيت و..
وضعت كفها تُربَّت عليهِ قائلة برجاء:
_مش عايزاك تشغل بالك بيَّا بالشكل ده وكمان ده مش اول مرة و..
قاطعها وهو يُقبِّل كلتا كفيها بحنانٍ:
_ المرة دي مش عايزكِ تحسي إنك لوحدكِ، أنا معاكي في كل خُطوة يا جلنار .. وقريب هنعيش في مكان أحسن من هنا. وكل حاجة في حياتك هتتظبط..
_بس أنا فرحانة هنا، أنا وأنت .. وبابا.
قبَّل جبتها قائلاً:
_ هتفهمي لما هحكيلك ياجُلنار بس الأهم دلوقتي ترتاحي وماتتعبيش نفسك لغاية ما نتأكد من الحمل.وأنا هخلي بالي من الحج وليد متقلقيش..
أرادت أن تُقبل يديهِ من معاملتهُ التي فاجأتها ولكنهٌ شد كفيها نحوهُ قائلاً:
_أنا اللي لازم أبوس أيدك ياجُلنار، أستحملتي اللي محدش أستحملهُ، وبتحاولي تسعديني بكُل الطرق، وأنا ما قدمتش لسه حاجة ليكي..
دمعت عينيها قائلة:
_كفاية وجودكَ معايا يا فهد .. أنا ماشفتش حد أحنَّ منكَ عليَّا ..
ربتَّ على رأسها ثُم قبَّلها ونهض ذاهبًا إلى المطبخ، مُأكدًا عليها أن ترتاح كما يجب في الفراشَّ.
***
أنا آت إلى ظل عينيكِ .. آت.
كان يناظرها بغير تصديق وزادهُ حيرة أكثر، هو ووالدتهُ لم يرا أخيهِ حقًا، بل أخبرهُ خالهُ بأنه لسوء حالة جسد فهد تمت الدفنة فورًا ولم يُغسل! ولكنهُ الآن أصبح يفكر، هل كذَّب خالهُ ؟ ولكن لماذا سيفعل ذلك خصوصًا أنهُ حين قدَّم كان منخرطًا بالبكاء يحتضن والدته ويثبتها .. نظر خلف ميرال ورأى زوج أعين يناظرهم في فضول ولم تكن سوى عّزة.
ولأنهُ أرادها أن تبتعد وحتى يخبر ميرال أن تُصمت .. حاوط خصرها بيدهُ يقربها نحوه حتى كادت أن تلتصق بهِ، تفاجأت بذلك وكادت أن تقول شيءِ لولا همسهُ الذي لمس وترها:
_عزة بتتفرج علينا ..
ولأنها تكره عزة بشدة وأرادت بشكل كبير تزيد من استفزازها، اقتربت هي ايضا من هاشم تبتسم لهُ وقد أحاطت كلتا يديها حول رأسه تقربه نحوها حتى شعرت بانفاسهُ فوق خديها، فقال مستغربًا:
_مش للدجاتي ياميرال.
_مابحبش حد يتمنى حاجة تُخصني!..
قال وهو ينظر إلى عينيها:
_أنتِ متعرفيش عزة ..
_لأ، أعرفها .. أعرفها لدرجة إني بشمئز منها ومن تصرفاتها، إنها تفكر تكون معاكَ وأنتَ متجُوزني يخليني أكرهها كل يوم.. أنا ..
لم تستطع قولها /أنها ترغب بأن تكون لهُ دومًا دون تدخل أحد من عائلتهُ في حياتهم، ولكنها أكتفت قائلة:
_أنا بحبك ياهاشم، وبكرهه أي حد يقرب منكَ، علشان ياخدك منيِّ.
نظر خلفها لم يجدها، وعلى مايبدو بانها هرعت للأعلى، فابتعد عنها محرجًا من مظهرهم الحميمي، فقال وهو ينظر حولهم:
_مُستحيل حد يشاركك فيا ياميرال..
ثُم مال نحوها وقبَّل خدها قُبلة عميقة، وأخذها إلى الأعلى ..وأثناء مرورهُ إنتبه إلى وقوف عزة ووالدها، ولانهم رأوهُ ابتسم لهم بلطف مزيف وهو يجذب زوجتهُ بجانبهُ للصعود للأعلى.. فقال فور أن أغلق الباب:
_مستحيل فهد يكون عايش، لأنهُ أكيد لو عايش مش هيسيبنا في الوضع ده..
_ متقولش مُستحيل، علشان أنا فعلاً متاكدة إنهُ هو
استدار يقُول:
_مش هحُط أمل كبير ياميرال، فكرة إن فهد يكون عايش بتخليني أحس إني ..
عانقتهُ بقوة قبل أن ينهار رابطة جأشهُ في بكاء وأخذت تمسح على ظهرهُ بودٍ شديدٍ وهي تقُول:
_إن شاء الله بكرة كل حاجة هتظهر ..
**
كانت هبة تجلس أمام الدار منتظرة قُدوم اي من والديّها . والدها لازال يذهب يعمل بأي مكان يستطيع، أما والدتها فتذهب تخدمَّ في الأراضي الزراعية، ولكنها بـ مبالغ رمزية.. حين رأت والدتها قادمة .. لم تقول لها شيءِ، ولكن فضول والدتها كاد أن يأكولها، فأمسكت بيد ابنتها بشدة وعُنف قائلة:
_عملتي أي؟
هزت رأسها نافية وقد تلألأت عينيها من الألم:
_ ميرال وقفت قدامهم، ومفيش جُواز..
صرخت والدتها بوجهها قائلة:
_يعنيِّ إيه مفيش جُواز؟؟؟ أنطقـي..
أنتحبت قائلة بصوت متلعثم:
_ قالت لـ خال هاشم، إنها هتقف ضدهُ وضد أي حد هيكمل في الجُوازة، وقالت إن فلوس الجواز اللي أداها لـ بابا، هترجعلهالهُ..
جذت والدتها على أسنانها قائلة بهمس وهي تنظُر حولها:
- وديتيِّ فين الحاجة؟
- رماتها في الزبالة..
فجأة تلقتَّ صفعة عنيفة على وجهها، وشعرت بيد تجرها داخل المنزل تلقيها .. أغلقت والدتها الباب بعنف، وهي تقُول:
_ يعني ندفع كل ده وميحصلش اللي أنا عايزاه.
_ هو أنتِ بدل ماتهتمي بيا، ليه مُهتمة بميرال، ليه شايفاني سلعة ...
نهضت هبة من مكانها، وكانت تحاول أن تتزِّن، هي لن تتركها تتصرف بها وكأنها لم تكن، وكأنها قطعة من اللحم .. تُباع لمن يُزيد في السعر، كان والدها أول من يقف ضدها، ولكنهُ أصبح بلا كلمة، فجأة حين وافق على تلك الزيجة .. أصبحت تكرههُ بشدة .. وزاد غبطها من والدتها حين رأت ما تحاول ميرال أن تفعلهُ لأجلها ولذلك لن تخضع لها، لن تخضع لما تفعلهُ بها..
صرخَّت بوجهها قائلة:
_ أنا من حقي أتجوز وأعيش حياتي زي كل الناس الطبيعية!!!
_تقصدي زي ميرال صح؟ أنتِ فاكرة نفسكِ شبهها، لأ ياهبة هي أذكى منكِ ووقت لما أتجوزت بالغصب، أتجوزت هاشم .. اللي محدش عرف يوقعهُ غيرها..
ثُم ضربت جوف ذراعها قائلة بعصبية:
_ هتشوفي في الاخر هتكوني مع مين، أنتِ مش أقل من أي واحدة هنا..
ثم تركتها وخرجت .. اما هبة فأنهارت جالسة على الأرض تبكي على حظها العثر، وقلبها يؤلمها بشدة حتى بكت بشدة شعرت وكأنها ترغب بنحر عُنقها، ولكنها لن تستلم .. لن تكون أقل شخص.. لن تكون مثل والدتها حقودة، لاتعلم غير أن تكون كذلك ..
***
كان حُسام ينظر لهاتفهُ منتظرًا ردًا من خطيبتهُ ((داليا)) والتي أغلقت المكالمة للمرة الثالثة على التوالي، هو يكره الأنتظار بشدة .. لذلك نظر حولهُ .. كان يشعر بالضغط من كُل جانب خاصة بالعمل، وأن هاشم ونوَّار يتركُون كل شيءِ على أكتافهٌ هو، ويكاد أن يتعب لمجرد أن يحدث معهُ كل ذلك .. فجأة أهتز هاتفهٌ ليجد بانها داليا .. فور أن أجاب ردت بصوت متملق:
_ يعني أقفل كام مرة علشان تفهم إني مشغولة..
زفر الهواء من صدرهُ بضيق شديد، لن يغضب ولن يصرخ عبر الهاتف، هدأ من روعهُ وقال بصوت مُتعب ومنهك:
_كُنت عايز أكلمك شوية يا داليا..
أجابت بعصبية:
_ وأنا مش فاضية ياحُسام!!!
_يعني إيه مش فاضية، الساعة واحدة هتكوني فين علشان تكوني مش فاضية؟
أجابت بصوتٍ حاد:
_ إفرض كُنت نايمة ..
_صوتكِ مبيِّن إنك مش نايمة!، أنتِ فين دلوقتي؟
_ مع صُحابي سهرانين برا ..
شعر بنيران تأكلهُ، هي لاتُبالي لهُ لتلك الدرجة.. هتف مستغربًا:
_ مش طلبت منكِ لما تخرجي مع صُحابكِ تكلميني؟ علشان لو أقدَّر أفضيِّ وقت وأجي معاكي.
_ مش فارقة يعني ياحُسام، أنتَ طُول الوقت مش فاضيلي.. وأصلاً كنت عايزاكَ تيجي تتكلم مع بابا..
قطب حاجبيهِ مستغربًا:
_ ليـه؟
_لما تيجي هتعرف، سـلام.
أغلقت الهاتف بوجههُ .. وكاد هو أن يُكسر الهاتف ولكنه تمالك أعصابهُ.. نظر للسماء في ألم.. منذ زواج هاشم وهو الذي يتولي الأعمال الهندسية والجزء المالي، خصوصًا بأنه يجب أن يراجع كل شيءِ وخوفهُ الشديد بأن يحدث خطأ يجعلهُ منكباً على عمله دون أن يُبالي بحياتهُ أو خطيبتهُ والتي كانت مُتطلبة بشكل كبير ..
ولكنه يشعر بأن لقاء والدها لن يكون لأجل تحديد الزفاف بل ليُنهيهِ.
***
في الصباح الباكر بالتحديد الساعة الثامنة صباحًا..
خرجا في معاد لايستيقظ بهِ أهل البيت .. وكانت منتبهَا ألا تجعل الأعين عليهم ..أخبرتهُ أن يأتي بصُورة أخيه بهاتفهُ حتى يذهبا لتلك القرية الأخُرى، كانت الأجواء هادئة كانت قلقة قليلاً ولكنها كانت تشعر بالقليل من الأطمئنان لوجودها مع هاشم .. والذي كان يمسك يديها بشدة حتى يسرى الطمأنينة لها حين شعر ببرودة كفها يُحيط بهِ ..
وصلا للمكان.. وكان فهد قد خرج من المنزل في ذلك الوقت .. شعر هاشم بصدمة خصوصًا بأنه لم يضع توقعًا واحدًا ولكنه حين راى أخيه يخرج من ذلك المنزل، شعر وكأن قلبه سقط من مكانهُ وأصبح ينبض بقوة شديدة .. وفجأة لم يشعر بنفسهُ إلا وهو يُسرع من خطواتهُ وهنا إنتبه فهد والذي لم تختلف نظراتهُ عن نظرات أخيِّه.
أرتمى في حضنهُ وهو يشتد بهِ .. يحاول أن يستوعب ذلك بأنه أخيهِ، بأنهُ أخاه الأكبر .. صديقه وضلعهُ المتين ..
هتف هاشم غير مُصدقًا:
_أنتَ عايش!
فتحت جُلنار الباب فاجأة لتُعطي لـ فهد هاتفهُ .. ولكنها أزدادت دهشة حين رأتهُ واقفًا مع رجُل .. وامرأة واقفة على قُرب منهما..
_فهد؟
***
دلف هاشم وهو ممسك بيد ميرال، والتي ابتسمت بوجههِ فهد تتفحصهُ، وبدأت تتساءَل العديد من الاسئلة .. نظرت جُلنار لهم في دهشة لتهمس لزوجها:
_أنادي لـ بابا.
أمسك كفها بشدة على مرآى عيناى هاشم وميرال، وهو يميل نحوها هامسًا:
_بلاش تصحيهِ .. أنا هبقى أدخل أكلمهُ بعدين..
هزت رأسها موافقة وعلى وجهها ملامح قلق.. هي لم تفهم من يكون أي منهما، ولكنها كادت أن تدخل غرفتها، لولا فهد الذي نظر لها مؤكدًا على وجودها.. ليضم جانبها إليه قائلاً لـ هاشم:
_جُلنار .. مراتي.
أهتزت مُقلتى هاشم في استغراب ودهشة، ليقُول وهو في صدمة:
_مراتكَ؟ وعـزة؟؟؟
شحب وجههِ جُلنار بقول هاشم تلك الكلمات، لترفع عينيها لـ فهد .. وقلبها ينَبُض سريعًا وكم رغبت بالتملص منهُ والاعتكاف بغرفتها طوال اليوم ..ولكنها أصرَّ عليها حتى همس بأذنها:
_خليكي موجودة ياجلنار، وهتعرفي كل حاجة..
نظرت إلى عينيهِ ليبتسم مؤكدًا عليها.. هزت راسها موافقة، فأقتربت من ميرال تعانقها مرحبة بها .. ثُم ذهبت لتحضير بعض المشروبات وفطور خفيف..
نظر هاشم إلى أخيه قائلاً:
_ممكن أفهم؟
_لما تيجي هتفهم كل حاجة..
ابتسمت ميرال لهُ، كان مظهرهُ مختلف عما توقعتهُ، كانت تظنهُ كقسوة والدتهُ ولم تكن تتوقع أن يكون بشوش لتلك الدرجة ومبتسم الثغر .. وأيضًا كانت عينيهِ تخُبرهم بكم هو مشتاق لعائلتهُ ولأخيه خاصةٌ.. كانت تشعر بأُلفة لم تشعر بها من قبل.. وهي ترى نظرات هاشم لأخيه وتحدثهُ عن أمور عملهُ .. والذي انتهى قائلاً:
_بس دلوقتي حُسام شايل كل حاجة على أكتافهُ... خايف يكلمني يقول زهق..
_ حُسام معذور، هو لسه خاطب؟
هز رأسهُ.. فقال فهد وهو يرى زوجتهُ تأتي لتجلس بجانبهُ.. ولكنها وضعت الطعام عند زاوية فهد وهاشم .. ثُم ذهبت للمطبخ عائدة بصنية للطعام لها ولـميرال...
حتى جلسا على مقربة ولكن حتى يتناولوا طعامهم بدُون حرجَ، كانت جُلنار تعلم أصول البيت وكانت دوما تحاول منذ أن تزوجت فهد أن تُرضيهِ وتجعله يفتخر بها..
ابتسم نحوها بامتنان لفعلتها تلك .. أما ميرال فكانت تشعر باستغراب شديد لذلك القُرب بينهم، بدون حديث تفهمهُ.. وكم تمنت لو كانت هي وهاشم هكذا مُتفاهمين بدون حديث...
بدأ فهد يتحدث :
_ أنتَ أكيد بتسأل ليه عملت كل ده وقولت إني مُت؟
تـابع وهو يتنهد:
_بعد حادثة بابا، وإن الحج يونس يكون مشتبهِ بهِ كان الموضوع غريب، خصوصًا إنهُ عمره ماعمل مشاكل مع بابا غير وإحنا صغيرين بسبب مراتهُ،فروحتلهُ الحبس وقالي إن الخفير هو اللي كلمهُ وطلبه منه يجي علشان بابا كان عايزهُ، بس كنت مستغرب أكتر .. إن بابا عمره ما أستضاف أو طلب حد بدون وجودي، والصدفة إني ومامتك كُنا في القاهرة عندكَ.. ساعتها بدأت أربط الخيوط وكلمت الخفير إسلام ..واللي حكالي، إن خالك فهمي أتخانق مع بابا بخصوصَّ حاجة تبع البرلمان .. وبعدين خرج من البيت وقالهٌ إن العمدة عايز يكلم يونس، حصل اللي حصل!
_مكنش في دليل كفاية يقُول إن خالك فهمي هو اللي زق بابا من السلم وخلاهَّ يتشل.. ولكن كنت دايما حاسس بشعور غريب من ناحيتهُ، كل يوم بليل بلاقيه خارج برا أوضة بابا، وبعديها بيوم أعرف من الممرضة إن حالة بابا بتسوءَ.. فقررت أحط ممرضة تانية وكاميرات في الأوضة.. ومحدش يعرف بيها غيري أنا وإسلام..
أكمل حين رأى علامات الاستغراب على عيناى جلُنار ..:
_ كنت براقب الحالة الصحية وفي نفس الوقت حاطط عيني على خالك، وجيه في يوم وكلمني عن البرلمان وإن المحافظ عايز حد يدخل البرلمان علشان يدعمهُ .. بس طبعًا مستحيل أدخل في جُوا السياسة دي، وأفتكرت ساعتها كلام إسلام، وقررت أخلي حد تاني يكون بدال إسلام خفير وكان حمادة أخو يونس.. لأنهُ مكنش يعرف أي حاجة، وكنت عايز إسلام بس هو اللي يراقب خالك ... وبعدين عرفت السبب اللي عايزهُ يترشح في المجلس، عايز يكون ليهِ سلطة على أهل البلد .. علشان يبيعوا أراضيهم الباقية اللي مش تبعنَّا .. وساعتها يجبر المحافظ يخليهِ هو العمدة بدالنا.. وطبعًا ساعتها القرية كلها هتكون بأيد تانية غير أيدهُ...
_يعني إيه (تساءَل هاشم).
_يعني ممكن يبيع الأراضي لناس تانية تهدم البيوت وتعمل كامبوند ومكان ينفع يكون في أيد ناس أغنية .. وده مش هفيد الناس اللي هنا اللي شغلهم كله في الزراعة والتجارة مش هيستفيدوا بأي حاجة لما يبيعوا، بس اللي عرفتهُ إن العذر القوي اللي هيخليهم يبيعوا الاراضي الامتدادات الطبية وكمان المدراس اللي يعتبر بعيدة عن هنا بساعتين وأكتر ..
تنهد فهد يكمل شرحهُ:
_ خالك لما لاقاني رافض وكمان إني كلمت المحافظ وقولتلهُ إن مفيش حد هترشح ولا أي حاجة، أضايق جدًا وساعتها حسيت إن في مخططات أكبر هيعملها ..
إسلام جيه وحكالي اللي سمعهُ وإنهُ عارف إن ماما بتروح كل شهر ليك في القاهرة، عرفت إن الليلة دي ممكن يخطط يقتلني فيها .. وجهزت كل حاجة..
_ماخُفتش إن الطلقة تكون في مخك؟
قالتها ميرال باستغراب وقد أتسعت جُلنار عينيها، تلك الأمور زادتها قلقًا عليهِ، ليبتسم له جُلنار قائلاً:
_ لأ، لإنهُ لو فكر اللي هيشوف الجُثة هيعرف إن حد قتلها ومكنش في غيرهُ معاه مسدس مرخص في البلد .. .. كل اللي عملتهُ، جبنا جُثة مشوهه.. وإسلام قالهُ إنه يروح لبيتهُ في الضفة، وهو هيعمل اللي فيه اللزوم و الطلقة كانت في ناحية الصدرِ. وعلشان الجثة ماحدث يقدر إنه يقول إنهُ مش أنا، قدر إسلام يحرق نصها.. كان الموضوع مخاطرة كبيرة.. بس الحمدلله عدت وهربت ساعتها..
أما عزة .. فـ عزة كانت مساعدة أبوها ياهاشم ..
هاشم بصدمة: نـعم!! أزاي؟
ضمَّ فهد شفتيه وهو ينظر إلى جلنار التي تشعر بالضيق:
_ كنت بعرف أدخل وأخرج من البيت وسمعتها بالصدفة بتقول إنها ماصدقت تتخلص مني علشان أنت اللي تتجوزها.
سبتها ميرال بصوتٍ من شدة الغيظ ورغبتها بقتلها، مالت جُلنار قائلة:
_كانت لسه على لساني..
ضحكت ميرال بحرج حين رأت هاشم متسع الحدقتين، فهمست بـ آسفة..
ضحك فهد ومعه هاشم .. وخرج في ذلك الوقت الحج وليد والذي ضيِّق عينيهِ في دهشة وهو ينظُر إلى ميرال بأعُين متفحصة .. فقال :
- أنتِ؟
نظرت باستغراب شديد .. لهُ حتى أكمل:
_أنتِ شبهها أوي..
نهضت جُلنار بقلق على والدها لتقول:
_في إيه ياأبوي؟
نـظر لـ ميرال قائلاً:
_ أمُك كانت ممرضة؟
تفاجأت ميرال بكلامهُ فهي على حد علمها كانت كذلك هُنا بالقرية تُولد اهلها وتسعفهم، فهزت رأسها .. فقال وليد سريعًا:
_ملحقتش أشكرها يوم ماجت تولد أمُ جلنار ..
كانت تنظُر لـ هاشم بهدف، وهو قد تأكد الآن بأن ما قيل بالماضي كان محط إشاعات..
***
كانت سمر خارجة من العمارة حتى تذهب لعملها حتى رأت رجُل كبير بالسن يقف أمام البوابة وقبل أن تنادي البواب، رفع وجهها لتتفاجيءِ قائلة بصدمة:
_حمادة!!!!
إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل اللي بيدور عليه من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا
انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺


تعليقات
إرسال تعليق