رواية زَوُجَة العُمدة الجزء الاول {١-وجه القمر} - الحلقة الثالثة والرابعه بقلم أماني طارق حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
رواية زَوُجَة العُمدة الجزء الاول {١-وجه القمر} - الحلقة الثالثة والرابعه بقلم أماني طارق حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
الكبرياء أن تقول لا شيءَ يحدثْ .. وكل الأشياء تحدثُ بداخلك. - محمود درويش.
اضطربت ملامحها قليلاً، حتى ابتسمت في خفة وتوتر، وأسرعت تطَرُق منزلها في شدة حتى فتحهُ، رجُلاً شيخاً قد هرمهُ الزمن، والذي حين رأها أمام ناظريهِ تحدث بوجل:
_ اتأخرتِ كتير يا جُلنار.
أسرعت بالدُخول وغلق الباب، أما فهد فظل واقفا لدقائق، وهُو ينطق اسمها في هدوء "جُلنار" اسما غريبا لحنهُ جديد على مسمعهُ، وكاد أن يستدير مُولياً ظهرهُ لُولا صوتًا كبيرا ينادِيهِ وقد كان والد "جُلنار".
أقترب فهد في تعجُب يقول:
_ نعم يا شيخ!
ابتسم الرجُل في لطِفٍ جَمّ:
_ تعالَ يابني أدُخل.
تردد لبضع ثوانٍ حتى دلف، وقال الشيخ في وقار:
_ أنا عايزِ أشَكُرك يابني على اللي عملتهُ ل بنتي، لولا لوجودك الله أعلم كان هيحصل فيها إيهِ. أتفضل أقُعد معايا نشرب شايِّ.
وكان الرجُل يصُر على ذلك، فاستسلم فهد موافقا، وجلسا سويا على إحدى الحُصر بالأرض، وحين جاءت جُلنار حاملة صينية بها كوبين من الشاي .. وضعتهم وأسرعت لغرفتها، لم يرفع فهد عينيهِ خجلا .. ومع تذكَرهُ حبيبة قلبهُ"عزة".
أفاق على يد الشيخ على كتفهُ يقول:
_ ما تحكيلي يابني إيه اللي جابك هنا؟
لم يتردد في قصّ الحكاية التي حبكها طُوال مسيرتهُ صباحا حتى لايشك بهِ أحداً. فقال بصوت رزين:
_ جاي من بلد بعيدة ياحاج، وكنت عايز أخُد اوضة صغيرة او حتى شقة ايجار لشهر لغاية ما الاقي شغُل هنا كويس، أصل البلد اللي كنت عايش فيها الشغل بتاعها واقف اليومين دُول، وانا عندي أهل وعايز أصرف عليهم.
قالها بلهجة ريفية مبتسم الثغر، ويبدو من ابتسامة الرجُل بأنهُ أقتنع بكلامهُ، فقال :
_ رغم أن الشُغل عندنا قليل، إلا أن حلك عندي يابني، عندي عِشة فوق السطُوح كنت عاملها لو حد من اهلي جم يزوروني وهيباتوا، بس بما انك محتاج سكن. فتقعد وتنور البيت.
_ انا حقيقي مش عارف أشكرك ازاي!!
ابتسم الشيخ يربتَّ على كفهُ يقول:
_ شُكرك جاليّ لما حميت بنتي ..
ثُم نهض وذهب للداخل يجِلب غطاء ثقيل، مع وسادة وأعطاها لهُ وصعد معهُ للأعلى، كان المكان مُظلماً ولكن ضوء القمر جعلهُ يرى الفراش ومكتب و خزانة ملابِس، ابتسم للشيخ يشكرهُ مرة أخُرى، وأغلق الباب حتى يبدِّل ملابسهُ خلع قميصهُ ف سمع صُوت طرق الباب ..فظن بأنهُ الشيخِ .. ففتح الباب، ولكن صُدم من ضوء المصباح الزيتي والذي كان بيد جُلنار، شعر بالحرج منتفضاً وأغلق الباب بوجههَا .. فأسرع يرتدي القميص، ثُم فتح الباب ومدَّ كفهُ الغليظِ ليأخُذ المصباح شاكرًا إياها، وتلك اللحظة إنتبهَ عليها، كانت فاتنة بثوبٍ أسود اللون، لم تكن ترتدي حجابًا وعينيها الزيتونيِة .. جعلتهُ يتعجَب من جمالها الفاتن ذلكَ .. سُرعان ما تنبهت لنظراتهُ فحمرت وجنتيها بخجلٍ واضح وأسرعت في خطواتٍ ذاهبَة إلى الأسفل، وحين غابت عن عينيهِ .. تنهد يستغفر، وهُو يشعر بِ ثُقل يجثو على صدرهُ، وهو فقط كلما ناظر جلنار نظرة قلبهُ يأنبهُ على تركهُ ل عزة حبيبة الفؤاد.
______
_ مُوافقة ياعروسة.
تنهدَّت بشرودٍ وصوتها الحزين يهتف:
_ مُوافقة ياشيخ.
لولا تلك الستارة التي يضعونها، لرأوا الجميع دموعها التي فاضت وأغرقت وجنتيها، أفاقت من شرودها على صُوت طلقات رَصاص ناري، وعُلو صوت المُوسيقى، دَّبت بقلبها الزُعر تلك الحياة ليست بحياتها، تريد الهروب والركَض من ذلك السجِن، ولكِن هي تريد رؤية أباها رغما عن ذلك، حين تراها سوف تغادر .. سوف تهرب من هُنا.
أمسكتها إحدى النسوة بخِشونة وأخذتها إلى جناح هاشم، والذي كانت غرفة مُختلفة عن الغُرفة التي بدلت ملابِسُها كليا، كانت بالنسبة لها مِثل غرفة الضيافة في بيتها، حاولت العثور على ملابس غير ذلك الثوب الذي يُشعرها بالضيق، ولكن لم تجد سُوى ملابسهُ هو وحدهُ.
جلست في زاوية بعيدة بالغُرفة منتظرة مصيرها، هل سيقتلها؟ أم سيدبحها؟ نظرتهُ المُوحشة أخبرتها بأنهُ في النهاية سيقتُلها! .. هل يرى أخيهِ في عينيها؟، أفكار شتت عقلها حتى زارها صُداعٍ حاد، وجدتهُ فجأة يفتح الباب، وكان يرتدي جلباب رجالي أسود اللونْ .. كانت ترى تلك الملابس في مسلسلات الصعيد ولكن لم تتخيل رؤيتها قط!
أبتلعت ريقها وقلبها يخفق بعنفٍ حتى بدا لها أنهُ يستمع إليهِ، وجدتهُ يجلس ملابس لنفسهِ ويدلُف للمرحاض، وتلك كانت متفاجئة بوجود مرحاض مخصص له في الغرفة، ظنت بأن أصحاب النفوذ هم الذين لايحبون مشاركه دورة المياه.. ضربت بيديها رأسها تهتف بعنف:
_ أنتِ في إيه، ولا في إيه دلوقتي!!!!".
دقائق مرت وهي تنتظرهُ وكأنها منتظرة خبر اعدامها، حين خرج من المرحاض، فجأة وجدت نفسها تقترب منهُ قائلة بخوف:
_ ممكن تسبني أروح؟
رفع عينيهِ نحوها في برود وتجاهُل، فحدثت نفسها بأنها حمقاء كيف بعد ما حدث سيتركُها، أصبحت الآن زوجتهُ وبملأ إرادتها وافقت .. فقالت بصوتٍ مبحوح:
_ طيب ممكن تفهمني هتعمِلوا فيا إيهِ؟
ولكنهُ مرة أخُرى يتجاهلها ويذهب قُرب طاولة بها زُجاجة مياهَ وكأسٍ، كان جسدها يرتعش خوفا ورعبا من برودة أعصابهُ وأفعالهُ التيِّ تُثير جنونها، سئمت فهاجت عليهِ تهتف:
_ هتعملُوا فيَّا إيهِ!
نظرة قاتلة تلقتها منهُ.. أقشعر بدنها أثرها، مرة أخُرى تجاهل في اجابتها ونظرة عينيه تلتمع شرًا وفجأة مال ثغرهُ في ابتسامة ماكرة وخبيثة وهُو يقترب منها اقتراب شديد وهي كانت تتراجعَ بدون وعيٍ، فقط رد فعل لما هُو يفعلهُ بها، حتى شعرت بشيء رخو خلفها، كان الفراش، ف توقف يقول:
_ متصورة هنعمل فيكي إيه؟ واحدة أبوها وعمها قتلوا أخُويا وكان أبوها السبب في غيبوبة وشلل أبويا، برائيك هعمل فيها إيهِ؟!
ردت بتلقائية وصوتها يرتعش:
_ المفروض متعملش حاجة، أنا بريئة منهم، بريئة من كُل الوجع اللي أنتو فيهِ، مش شرط أبويا وعمي لما يكونو وحشين أبقى زيهم .. انا مش شبهم!
عضت على شفتيها تمنع نفسها من عدم النحيب، ولكن غظة حلقها لم تستطع الصمود فأجهشت بالبكاء حتى فاضت عينيها وبكت:
_ انا عايزة أرجع مصر، عايزة أشوف ماما.
وتحدثت لنفسها بصوتٍ مسموع:
_ أنا مش فرحانة، أزاي يبقى يوم فرحي ومكنش فرحانة!
أبتعد عنها منتفضًا وهي فقط سقطت على الأرض تضُم ركبتيها لصدرها بقوة وصوت نحيبها يعُلو .. أصاب قلبهُ ألما على حالها، وما يحدث معهُ، هو لم يكن بتلك الخشونة مع أحد ولا حتى مع فتاة، ولكِنهُ تغير .. وحدث نفسهُ بأن عائلتها هم السبب الأقوي في ذلك، أخيهِ لم يستحق أن يموت بتلك الطريقة، لم يستحق أن يموت وهُو على مشارف الزواج!!! ..
تركها تنتحب وتنام على الأرض وصعد على الفراش يحاول النوم من صوتها العالي.
____
أنتفضت فور أن شعرت بأنها تغرق ..دلو من الماء البارد ينسكِب فوق رأسها، صرخت قهراً وحين رأت والدة هاشم زينات هانم .. توقف وتنظُر برضا تام، أمسكت ميرال من كتفها بقوة شعرت بألم أثرها وأعطتها ملابس رثة قائلة:
_ عيب ياعروسة تفضلي نايمة للضهُر! أوُمال مين اللي هتفطر أهل البيت؟!
ثم تابعت بقسوة:
_ غيري هدومك حالا واسبقيني على المطبخ.
كان جسدها يرتجف من الماء الذي أغرقها، وشفتيها ترتعش، نظرت حولها لم تجدهُ .. وجدت عينيها تفيض دمعاً من فعلت زينات، أغلقت باب الغرفة وبدلت ملابِسها وعينيها لاتكفان عن البكُاء .. وتدعو على زينات بقلب مظلوم، وحنينها لوالدتها زاد .. غسلت وجهها بالمرحاض جيداً، وأرتدت حجابها وغادرت الغُرفة، وجدت فتاة في مثل عمرها تقف امام الباب .. نظرت بشفقة وحُزن على نظرات ميرال .. لتمسك بيدها مُربتة عليها تقول:
_ متخافيش يا ست ميرال، أنا معاكِي
لهجتها الدافيئة اراحتها وطمأنت قلبها.
سارت معها إلى المطبخ، وأخبرتها تلك الفتاة والتي تدعُو هالة، ماذا سيحضرون على الفطُورِ، ولكن هالة في الحقيقة لم تجعل ميرال تعمل في شيءِ، ف بحرفية وسُرعة هالة أستطاعت تحضير الفطُور فقط جعلت ميرال تقوم بتحضير السلطة. فقالت ميرال مقتربة منْ هالة تقول:
_ كُنت عايزة أسألك عن حاجة، نسيت أسأل عمتو عنها، هما ليهِ أخدوا العمودية؟
سؤال أستعجبتهُ هالة.
حتى أنها ظنت بأن ميرال طفلة ما .. ولكن في الحقيقة، ظلت ميرال طوال الليل تفكر بطريقة كيف تتخلص من بطشهم، ف تسآلت لماذا هم آخذين العمودية وحكم البلد؟ وهل هناك غيرهم يريد تلك السلطة؟
_ باين عليكِي غلبانة ولاتعرفي حاجة عن بلد أهلك، أنا هقولك ياستي.
تابعت:
_ عايلة الجبالي، يُعتبر هُم أهل البلد ليه، لانهم أول ناس جُم وعاشوا هِنا .. وهما بيمتلكوا نُص أراضي البلد .. ف محافظ البلد قرر يخلي أكبرهم هُو يمسك العمودية وبهتم بأمُور أهل البلد ومصالحهم .. وهو اللي بينوب عنهم في مجلس النُواب كمان.
أومُئت بحُزنٍ بالغ، ف على مايبدو بأن لامفر منهم!، ولكن تذكرت والدها فقالت بلهفة:
_ طيب ممكن خدمة منك، عايزة أروُح أشوف بابا.
_ والدك الحاج يُونس موجود في دارهُ، بس أشك أن الست زينات هتسيبك تروحيِّ ..
غصة بحلقها فور أن ذكر اسم زينات.. أصبحت تكرهها وتشمئز منها .. نظرت للمائدة في منتصف الردهة المنزل، وجدت فتاة صغيرة بالعُمر وزينات ورجُل في منتصف الاربعينات .. ثم لاحظت هبوطِ هاشم من الأعلى .. كادت أن تسأل هالة بضعة اسئلة إلا أن صوتًا عاليا آتى من باب المنزل ..
كان حارس المنزل يمنع فتاة من الدخُول، ملابسها ومظهرها توحي من مجيئها من القاهرة، شعرت ميرال بأملٍ، وفكرت بأن أمها من الممكن جعلتها تأتي، ولكِن سُرعان ما خاب أملها، حين كانت تهتف باسم هاشم!
جاء الخدم وذهبت ميرال في خطواتٍ بطيئة وعينيها ليست منكبة على تلك الفتاة بل الفتاة التي تجلس على المائدة في صمتٍ وملتحفة بالسوادَ. تسآلت لماذا هي حزينة بِهذا الشكَل؟
أرهف سمع ميرال مايدور بين هاشم وتلك الفتاة، ويبدو من ملامح هاشم بأنهُ غير راضٍ عن وجودها فأخبرها بغيظٍ وغضب:
_ أرجعي مصر يا نيرة!!
إلا أن السيدة زينات تدخلت تقول بودٍ مُصطنع:
_ إيه اللي بتقولهُ ده يا هاشم، تبقى ضيفة جاية من سفر وعايز تروحها بدري بدري كده طبعا ميصحش.
ثُم أمرت هالة بسرعة أن تنظف غرفة الضيوف لأجل تلك ال نيرة!
في الحقيقة لم تهتم ميرال بذلك القُرب الظاهر بين هاشم ونيرة بل لم تعيرهم أدنى أهتمام، بل شعرت بالغضب مما تفعلهُ زينات .. ف هي بالتأكيد تريد فعل شيءِ بوجودها هُنا .. وليس فقط لأنها ضيفة يجِب اكرامها!
وسُرعان ما طلبت زينات من الجميع العودة للمائدة لتناول الفطور سويا، إلا أن هاشم توقف ينظُر إلى ملابِس ميرال، ثوبٍ مُتسخ ممزق قليلاً .. لايشبه ملبس الخدم، فهم ملابسهم نظيفة، ذات رائحة طيّبة، تلاقت عينيهِ بعينى ميرال الحزين والباهت وحجابها الذي تفكك قليلاً وخرجت خُصلات بنُية .. لم يهتم بها ظنًا بأنها ستأتي وتتناول الفطور معهم، لأنها زوجتهُ على كُل إلا أنهُ تفاجِيء بذهابها إلى مطبخ الخدم.
ولاحظ نظرات والدتهُ المُتشفية!! لم يتوقع ذلك، هو كان فقط يعتبرها وسيلة للانتقام وأن ينطق والدها بالحقيقة حين تطالبهُ هي بذلك .. ولكِن لم يتصور بأن لوالدتهُ خطط أخُرى، جَلس جوار نيرة بأمرٍ من والدتهُ والتي كانت تبتسم بدلال لهُ ..
رغم ما كان يجمعهُ بها من مشاعر إلا أنهُ تخلى عنها في ليلة خطِبتها، ولا يعلم سبب مجيئها هُنا!
غابت الشمس سريعا وظلت ميرال بالمطبخَ تنظُر عبر النافذة بالبُستان، لطالما كانت مهتمة بِزراعة الورود، رغم قلة معرفتها ولكن كان من أحلامها زراعة بُستان في حديقة منزلها، ضحكت ساخرة بألم .. وهي ترى أحلامها تندثر تحت التُراب .. شعرت باقدام، مسحت عبراتها سريعا .. فوجدت هالة تأتيها بملابس نظيفة ومحتشمة، قالت بصوتٍ خافض:
_ اتحججت أن في حاجات عايزة أجبها من السوق، وطلبت إنك تيجي معايا والست زينات مرفضتش.
هتفت ميرال ساخرة:
_ وهترفض حاجة زي دِي إزاي!
نظرت لها هالة في حُزنٍ مشفقة عليها، وسرعان مانهضت ميرال وبدلت ملابسها الرثة العفنة بتلك الملابس النظيفة التي تفوح منها رائحة الياسمين.
خرجا من باب الخدم، وكان حجابها يُغطيها ولحُسن الحظ لم تحتج أن تغطيهِ طوال الطريق، لظلمتهُ، ذهبت إلى منزل والدها والذي كان بيتا صغيرا من طابق واحد، اخبرتها هالة بان تسرع اليه وهي ستذهب لتأتي بالطلبات .. أطرقت الباب عدة مرات .. حتى سمعت صوت امرأة تتعجل بالمجيء، وحين قابلت عيناى ميرال قالت في سخط:
_ يانعم! مين حضرتك؟
_ فين بابا؟!
عقدت حاجَبا المرأة لي غضبٍ واستنكار، حتى رأت والدها يُونَس يأتي نحوها وهُو لايعلم من هي .. وجال بخاطرها محادثة بينها وبين والدتها حين كانت تريد أن تعرف عن والدها شيئا واحد ..
^^^
_ طيب أوصفهولي وصف واحد؟
نظرت والدتها نظرة حزينة تكسوها الاسى فقالت:
_ رغم كل حاجة حصلت مابينا، إلا أن أبوكِ كانت عليه نظرة عيون تنسيكي وجعك كلهُ.
وصدَّقت، تريد أن ترتمى باحضانه، ا
فاقتربت قائلة في لهفة:
_ بابا!
إلا أنهُ أبتعد وتبدلت ملامحهُ سخط قائلا:
_ أرجعي ياهانم مترح ماكُنتِ! انا عندي بنت واحدة وهي هبة!
فأغلق الباب بوجهها .. وكانت لحظة سقط قلبها بين يديها.
____
_ يعني ميرال ضحت بنفسها علشاني؟
قالها ساهر بتفاجُيء وهُو يبتسم .. فوالدته استطاعت ان تتواصل معه وتخبره بما حدث، ليقوُل في رغبة:
_ ده أنا كده أنزل البلد وأنا مطمن!
4=زَوُجَة العُمدة{١=وجه القمر} - الحلقة الرابعة/
_ أقسى شيءِ مر عليِّ حين كان الرفض منكَ ولم يكُن من الزَمن.
•••
غلق الباب كان بمثابة يدٍ تخَنُق عنقها وتريد نحرها، أغرورقت عينيها بسرَعة وضاق بها الحال، لم ترُد الرحيل، لا لن تفعل ذلك، حتى وإن كان سيصفعها أو حتى يضربها، بلغت من العُمر ما يجعلها تُحارب لأجلهُ، حتى وإن والدها كارهًا لها لإي سبب .. هيَّ فقط تُريد عِناق. تبكي بداخله.
ظَّلت تضرب بكفها الناعم على الباب، وهي ترجِوهُ مرارًا بأن يفتح الباب لها.. وحين ملَّت وقد آلمها طرق الباب والذي سبب أحمرارًا بالغا في كفيها. نطقت بحُزن بالغ وصوتها يضيق:
_ مكنتش عايز تشُوفني السنين الليِّ فاتت، ماهُونتش عليك لمرة واحدة!، أنا بنتك يابابا .. أرجُوك أفتح الباب، أنتَ متعرفش أنا بيحصلي إيهِ__
وكادت أن تتحدث أكثر لولا يدٍ غليظة أمسكت بكفها وجعلتها تستدير غصبّا .. نظرت بغضبٍ ل هاشم، الذي كان وجههُ يعبر عن مدى غضبهُ وكرهُ لما تفعلهُ..
وجرَّها خلفهُ دُون أن يترُك لها أي فرصة لتحتج لهُ، إلا أنها لم تستطع أن تسير وتحدتهُ قائلة لهُ بصوتّ أشبهَ بالصُراخ:
_ أبعد عني! سبني أرُوح ل بابا.
ابتسم مستهزأً بكلماتها، ف وقف ينظُر في عينيها بقسوة ونبرتهُ الباردة:
_ هتروحيلهُ ليه؟ علشان يُطردك ويمد إيدهُ عليكي! أبوكِ لو عايزكِ فعلاً كان جالك مصر وراح وسأل، بس أبوكِ تجاهلك تماما، أتجوز واحدة غير أمُك وخلف منها كمان وعاش حياتهُ .. وأنتِ هنا بتدفعي تمن عمايلهُ كلها!
أفلتت كفها من يدهُ بعُنفٍ تام قائلة باستنكار:
_ مهما قولت ومهما عملت، أبويا مقتلش.
ابتسم ساخرًا وهُو ينقل بصرهُ نحو عينيها المُصرة على ذلك الحديث! وقبل أن يتحدث أو يفعل شيءَ، سمع أقدام تركُض بسرعة فكانت هالة. والتي كان الخَوف قد ملأ قلبها، نظر لها هاشم بطريقة أخرستها قبل أن تعتذر ..
ونظر إلى ميرال التي لازال نظرها منصباً على منزل والدها، أمسك بذراعيها وجعلها تسير خلفهُ وسارت معهم هالة امام نظرات بعض الساكنين بالجُوار.
وصلوُا وهي لم تكفُ عن الصراخ أو حتى ضربهُ بيديهِ، غريبة وكأن النظرة في عين والدها جعلها أنثى الأسد، لن تتزحزح عن الفرار ولن تتوقف عن اصرارها!
ادخلها غُرفتهم، مال عليها يتحدث في صوتٍ عميق:
_ ليه واثقة في أبوكِ كده! ليه شايفة أنهُ معملش حاجة.
وقفت أمامهُ في تحدٍ:
_ لأن اللي أنتَ بتقولهُ مستحيل يحصل، لو فعلا قتل مكنش حد هيقف معاه ويقول إنهُ كان بايت عندهُ، ثم تابعت بصوت صارخ:
_" ثُم انتَ لسه قايل إني مليش لازمة عندهُ، ليه بقى سايبني عندك واتجوزتني!".
مال بجزعهُ نحوها:
_ علشان السبب في كل ده والدتك وهي هتيجي علشانك!
والدتك هي اللي عملت الفتنة مابين ابويا وابوكِ، وهي اللي هتخلي ابوكِ يقول الحقيقة، وانت بس طريق هتوصليني بيها.
أضطربت حواسها من كلماتهُ، وفجأة روادها شعور الحنين والإشتياق لوالدتها، نظرت لهُ قائلة:
_ بس أكيد بعد السنين دي أبويا مستحيل هيكون بيفكر في أمُي!
_ ده اللي أنتِ شيفاهَ، بس الحقيقة أبوكِ مش بيفكر في أمك علشان لسه بيحبها، هو عايز يقتلها!
كتمت صرختها بيديها، وقد توسعت نظرة عينيها، لتهتف بسرعة قائلة برفض تام:
_ مُستحيل. أنتَ أزاي تفكر في كده؟ كل حاجة عندك قتل ..مفيش حد بيقتل حد بيحبه!!!
ضم شفتيهِ في برودٍ قائلا:
_ للدرجاتي تفكيرك ضيق يا ميرال!
وكادت أن تجادلهُ مدافعة عن والدها، لولا صوت طرق الباب، وحين فتحه هاشم، وجد بأنها هالة والتي كان وجهها شاحباً، قالت بنبرة متعبة:
_ أبو الست ميرال برا ب
ولم تكمل عبارتها حتى وجدها تدفعه مهرولة خارجا، أستشاط غضبا من فعلتها تلك ودَّ لو يصفعها لدفعها إياها، نظر إلى هالة تجعلها تنصرف إلى شؤونها، ثم أغلق باب الغرفة .. قاصدا النافذة .. ليجد يونس يقف داخل بهو المنزل.
وجدها تركُض نحوهُ بحماسٍ وإندفاع، لولا يدهُ الغليظة التي منعتها .. لكانت عانقتهُ.
___
قلبها كان يخبرها بأنهُ سيأتي لاجل أن يطمئن عليها، لاجل أن يثبت عكس كلام هاشم وأنهُ يحبها ولايزدريها كما يقول الأخر، ولكن فور أن اقتربت راغبة في عناقٍ، دفعها بيديهِ وهُو يناظرها بتجَّبُر، جعل قلبها يخفق بشدة، وكأنهُ ينزف من أثر سكين.
حاولت أن تتمالك نفسها وتمسك رباط جأشها، وهيَّ تناظرهُ تتفحصه معالم وجههُ الجميلة، ونظراتهُ الباردة .. وأوُل عبارة قالها كانت:
_فين أَمُك؟!
أهتز جدران قلبها رهبًا من كلماتهُ، وصدَّقت كلمات هاشم حين أخبرها بأنهُ لايسعى لاجلها، بل يسعى لاجل مقتل والدتها.
لم تعيره اذنيها بل كان عقلها يعيد عليها مقال هاشم، لن يهتم لاجلك، بل كل أهتمامه على والدتك، يريد قتلها، يريد أن يمسح العار الذي جُلب له منها. والكثير والكثير ..
ف هتفت بصوتٍ أشبه بالصُراخ:
_ ليه عايز تقتلها؟
لم تتغير معالم وجهه الباردة بل ظل ساكنا ينظر نحوها بنظرات لاتفهمها .. أهي شفقة او ريبة منها، وتملكت شجاعتها وتجرأت تقول :
_ عايز تقتلها زي ما قتلت فهد وهربت منها؟!
قالتها وتغيرت نظرة عينيهِ، تغيرت لِ حُزنٍ، أو غضب، لاتعلم .. ولكن كل ما تلقتهُ هو الصمت .. وتمنتهُ لو يكذبها، او يخبرها بشيءٍ آخر .. كل ما ارتدتهُ من المجيء هنا، رؤيتهُ ومصاحبتهُ والجلوس معه وتعويض كل الايام التي رأتها وأحتاجت لهُ ولم تجدهُ بجوارها!
كان الصمت يقتلها .. حتى بادر ورحل دون أن ينطق بكلمة.
ظلت واقفة على أمل أن يعُود، لاتعلم لماذا تحمل تلك المشاعر لهُ، لدى هاشم كامل الحق بأن يقول، من يحُب لايترك أحبائهُ خلفهُ بل يسعى للبحث عنهم.
وحين أستدارت تغيرت معالم وجهها، لم تكتم مشاعرها لم تستطع أن تصمد أكثر من ذلك، أجهشت بالبكُاء، وفاضت عينيها دمعًا حتى ابتلت وجنتيها من كثرة البُكاء ..
وهُو بالأعلى ينظُر نحوها ب مشاعر مختلطة، شفقة وحُزن وغضب في آنٍ واحد، شفقة على حالها، وحزنا لما حدث مع والدها، وغضب لانها حمقاء .. لانها لاتعلم أن الحُب ليس هو ماتريدهُ، الحُب لم يكن يومًا انتظار، الحُب عطاء ينتظر، يتلقى، يأتي بدون غفلة.
وهى فقط تعش بعالم خيالي، كيف تظن بأنهُ سيأتي معانقًا إياها بحنينٍ .. سقطت من واقع خيالها على شوكٍ داميٍّ.
دلفت للغرفة في صمت وعينيها تنظُر في الفراغ، جلست على حافة الفراش وهُو ينظر نحوها بثبات، كل ما نطقت بهِ قبل أن تغفو:
_ عندك حق، أنا غبية.
ولكنهُ تلك المرة أراد أن يقول لا، لم تكونِ كذلك، بل كانت الدُنيا عليكي هلاكا وحطاماً، نظر لهاتفهُ حين بدأ يرن برقم نيرة .. ألتقطهُ وأسرع إلى الأسفل مغلقا نور الغرفة حتى تستريح ميرال من إرهاق روحها.
____
عاد فهد من القرية على أذان المغرب، كان يفكر بما رأهُ، وهُو يتسآل عن ابنة يونس، ميرال؟ وهل تلك التي تزوجها أخاهَ؟ يعلم بأن يُونس ضحية وقع في براثن الكذب والخيانة وأن بوجودهُ هنا .. ستتسبب بحدُوث كوارث ولكنهُ لايستطيع العودة الآن، قبل أن يفضح من حاول قتلهُ وأعوانهُ أجمعين.. ليأتي بحقهُ هو ووالدهُ القعيد!
وجد والد جلنار يتناول غداءهُ، فهتف الشيخ:
_ تعالى يابني أتغدا معانا.
ابتسم فهد بِلُطف:
_ اتغديت قبل ما أجي.
تسآل الشيخ في استفهام:
_ لقيت شُغل
هتف فهد بتوتر:
_ دَورت بس لسه مفيش أي جديد، إن شاء الله بُكرة او بعدهُ هلاقي.
ثُم جاء إلى الشيخ سؤالا أخر، فقال:
_ صحيح يابني مقولتليش أنتَ خريج إيه؟ شهادتك يعني؟
ابتسم في تردد:
_ تجارة.
وَ سُرعان ما أراد فهد تغير محور الحديث حتى لايُسأل عن شيء لايستطيع الإجابة عنهُ، تذكر المنزل الذى رأهَ جلنار قد خرجت منهُ حين كاد ذلك الغريب أن يعتدي عليها، فتحدث يقُول:
_ أنا أسف يا حاج، لو سؤالي هيضيقك بس جُلنار كانت فين لما شوُفتها اول مرة؟
تنهد الشيخ(وليد) تاركا غداءهُ بعد أن أنتهى منهُ، ثُم أمسك ب ابريق من الالومنيوم يحتوي على شاي، صبَّ في كوبٍ ثم قال:
_ بيت حماة جُلنار.
قطب فهد حاجِبيهِ وقد اصاب قلبهُ غلظة فجأةً.فقال وليد موضحًا :
_ جُلنار كانت متجوزة من يجي ٣ سنين واحد من أهل البلد هنا، بس جُوزها وقع عليهِ وهو بيشتغل اسمنت وطوب . أصلهُ كان حمَّال بيشيل الطوب والرمل والاسمنت في البيوت اللي بتتبنيِّ في القرية اللي جمبنا، مات من يجي سنة، وهو مكنش ليه غير أمهُ وهي عايشة لوحدها هناك .. في جلنار علشان كانت بتحبها وتراعيها، بتتلطف بيها وتروح تنضف بيتها من وقت للتاني وتعملها أكل، أصل يابني العواجيز اللي زي .. بيموتو لما محدش بيسأل عليهِ.
شعر بالغرابة قليلا، ولايعلم لماذا شعر بالاختناق فور أن فكر بأنها تزوجت قبلاً، ومظهرها يبدو عليها الشباب والعذوبة، رفع عينيهِ حين شعر باحد يقف أمام باب الدوار، ف وجدها ويبدو بأنها كانت هناك .. كانت عينيها تحاول اخفاءها عنهُ، يبدو بأنها جاءت حين كان والدها يحكي لهُ عن قصة زواجها ..
جاءت وحملت الصحُون وكنت عينيها تفيضان دمعاً، شعر بغصة بحلقهُ، فستأذن وصعد للاعلى حتى يستريح قليلاً .. ولكنهُ كان يفكر بها ولا يعلم لماذا ذلك الشعور يصيب قلبهُ، كانت لديهِ مشاعرًا لابنة خالهُ عزة ولكن بعدما حدث علم أنها ستكون لغيره وأن ماكان بينهما سينتهي..
ولكنه متفاجأ بمشاعرهُ التي أصبحت تستكين بقلبه ل جلنار.
شعر بخطوات أقدام خلفهُ، فاستدار ووجدها .. كانت تحمل دلوا من الماء ومنشفة، فاقترب يأخذها منها، وكان قلبهُ يحثهُ أن يعتذر بأنهُ سببا في جعلها تتذكر زوجها وتبكيهِ! فقال وهُو ينظر لعينيها:
_ أنا أسف على اللي حصل لزوجك، ومكنتش أقصد إني اعرف حاجة بس والدك..
قاطعتهُ بصوتٍ مختنق:
_ ولايهمك.
وفجأة أندفع يسألها:
_ كُنتِ بتحبيهِ؟
اتسعت حدقتاها في دهشة من سؤالهُ، فظن بأنها لن تبوح وكاد أن يلعن نفسهُ تحت أنفاسهُ لتدخلهُ إلا أنها قالت:
_ هتفرق معاك لو قولت لأ؟
رفعت عينيها لهُ، ف ابتسم لها بلطف وتوتر ينهش جسدهُ، وحين غادرت مهرولة لاسفل، كاد أن يشد شعره من أوصالهُ من كثرة التفكير بما قالهُ وشعر بخجل يصيبهُ!
ورنَّ هاتفه فجأة، ف تلفت حولهُ في حذرٍ، ودخل إلى الغرفة وأجاب .. كان ينتظر اخبارًا إلا أن ما آتاه لم يعجبهُ ..
_ يعني إيه مش عايز يقولك، أنتَ لازم تعرف إيه مخططاتهُ، وأقسم بالله لو عمل حاجة، أنا هاجي وأقتلك بدالهُ!
شعر بالغضب، وفكر بالذهاب والتخفي والنظر حولهُ منزلهم بالقرية، وشعر بأنهُ قرار صائب .. هبط ولكنهُ تفاجيء برجُلا كبيرًا بالعمر يكاد أن يكون بالخمسين أو منتصف الأربعين، كان حين هبط فهد كان الحوار بينهما قد أنتهىَ.
وأخر ما سمعه:
_ حاضر يا سعد، هفكر تاني وهديك اجابة الاسبوع الجاي!
وحين أغلق وليد باب دارهُ، سارع فهد يسألهُ عن ماهية ذلك الرجُل، فأجابهُ:
_ سعد الجزار ..جاي وطلب ايد جلنار .وكنت بكلمهُ يعني أنهُ يأجل إني ارد عليه الأيام دي.
شعور غريب أصابه من جديد
فاقترب وهو قد لمح وجهها حزينا، فقال:
_ وهي رأيها إيه؟
تحدث وليد بحزم:
_ وهيَّ مالها يابني، أنا المفرَوُض اللي أخد قرار جوازها زي زمان لما جوزتها اول مرة، وانا اللي شايف ليها احسن حاجة.
جلس الحاج وليد وجاورهُ فهد ينطق :
_ بالعكس ياحاج، بنتك مابقتش صغيرة زي زمان لما جوزتها مكنتش تقدر تقولك لأ أو آه، أما دلوقتي الزمن أتغير وهي أتغيرت، وكمان ده باين عليه كبير جدا ازاي هتأمنهُ على بنتك!!
أندفعت تقولك في صوتٍ باكٍ:
_ الاستاذ فهد يابا عنده حق .. انا مش عايزة اتجوز تاني واحد أكبر مني بالشكل ده، مش كفاية جوازتي الاول وانا كان عندي ١٥ سنة!!
شُحب وجههِ فهد في استغراب، خامسة عشر وتزوجت، وكان ذلك مايقارب ٣ سنوات، إذًا الآن هي بالثامنة عشر!!
أنتفض من مجلسه يقول في صدمة وإندهاش:
_ كنتِ عندك خمستاشر سنة!!! إزاي؟؟
نظر فهد إلى الشيخ في صدمة قائلا:
_ إزاي جوزتها وهي عندها خمستاشر سنة .. دي مكنتش لسه طلعت بطاقة ؟!
_ ما ده المتعارف عندنا هنا يابني، بنجوز بناتنا وهي صغيرة .. وبنعمل إشهار!
صك فهد على قواطعهُ في غضب وعصبية، ف تحدث :
_ بس جوزها مات قبل ما تتم حتى ١٨ سنة وبتفكر تجوزتها تاني ليهِ؟
ثُم تابع بتسأُل وهو يكاد يجن:
_ وأنتِ اللي كُنت متجوزها كان عنده كام سنة؟!
نظرت إلى والدها بخوف من نبرة صوت فهد، ف قد شعر بغليان في عروقهُ من تلك الصدمة، فكان يعتقد بأنها في سن العشرين إلا أنه تفاجيء بسنها الصغيرة، ف جسدها لايظهرها وكأنها طفلة! بل امرأة.
تنهد وليد يقول :
_ يابني اهدى، جوزها الاولاني كان عندن ٣٥ سنة او أكتر مش فاكر.
تحدث فهد بحدة ممزوجة باستغراب تام:
_ وده !! ده عنده خمسين سنة! إيه اللي بيحصل هنا بجد؟
_ أقعد الأول يابني، وأهدى وبلاش عصبية علشان ما اطردكش من البيت، أنت في بيتي المفروض تحترمني وتوطي صوتك!
شعر فهد بحرج من فعلتهُ، فطأطأ رأسه معتذرا:
_ أنا أسف، بس اللي انت بتقولهُ غريب، في السن اللي بنتك فيهِ دلوقتي، المفروض تبقى قاعدة بتذاكر للكلية، بس أنتَ بتقولي انك بتخطط تجوزها وكمان مرة تانية!
ضحك وليد من عصبية فهد، وشعر بطيبتهُ فقال:
_ بُص يابني، هنا معندناش البنت تكمل دراسة، أخرها تتعلم الكتابة والقراءة ولو على المدرسة معندناش هنا مدارس، والمدارس بعيدة جداً وأنتَ شايف انا راجل كبير قربت على الستين، وربنا ما رزقنيش غير بيها، وكمان جبتها لما كنا بنقول ملناش نصيب .. وأمها لما ماتت متبقاش غيري انا وهي!.. وأنا كنت عايز أريحها وأجوزها حد .. لما أموت تسندهُ، آه غلطت لما جوزتها اول مرة، بس انا مش عارف هفضل عايش ليها لغاية أمتى؟ .
وأكيد لما يجي راجل كويس في قرب سنها هوافق، بس هنا اللي بيتجوزوا صغير بيبقوا قرايب وانا قرايبي كلهم بعيدين عني ومحدش ليهِ دعوة بيا.
تابع وهُو يربت على يد فهد والذي هدأت ملامحهُ:
_ والله يابني أنا ارتحتلك، انا وأمها اتجوزنا في سنة العشرين، وهي مكنتش قربتي ولا حاجة، ووصلنا ل سنة التلاتين سوا ومحصلش حمل .. اهلي كلهم يقولولي طلقها واتجوز غيرها، وانا مقدرش أستغنى عنها، قلبي وروحي متعلقين بيها، وربنا رزقنا بعد صبر كبير .. كبير اوي ب جلنار، واتولدت في وقت ما كانت الداية اللي بتولد هنا مش موجودة وفضلت ادور على حد يولدها خوفي كان بيزيد انها تموت وكانت تعبانة، ولما ربنا رزقني ب جلنار عدت ايام وأمها ماتت .. وانا يابني كنت حوالي ٤٢ سنة وكنت سيبت اهلي وجيت هنا .. وانتَ شايف مفيش شغل، وعمدة البلد الفلوس اللي كان بيديهالنا كانت بدأت تقطع شهور .. لما ابنه الكبير خد العمودية، ف علشان لو مت أكون مطمن جوزتها، على الاقل اموت وانا حاسس أنها مع حد .. مش أسيبها لوحدها، كلاب السكك تنهش فيها .
نظرات فهد الحزينة والمُشفقة وقد شعر بتأنيب ضمير فهو لم يعلم بأمر المال الذي يوزع على القرى المجاورة، فقال فهد:
_ لو خايف عليها، فهي في حمايتي، متخلهاش تحس إنك بترميها لإي حد، مش هترتاح وأنتَ عارف أن اللي متجوزها بيهنها وبيضربها، علشان فرق السن والفهم اللي مابينهم..
أومئ وليد يقول:
_ كلامك عين العقل .. ربنا يسترها علينا يارب.
قالها وقد شعر فهد بأنهُ كان حاكماً غير عادلاً رغم محاولاتهُ بألا يكون غير ذلك.
🥺💙💙
الحلقه الخامسه والسادسه من هنا
إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل اللي بيدور عليه من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا
انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺