أخر الاخبار

رواية زَوُجَة العُمدة الجزء الاول {١=وجه القمر} - الحلقة الخامسة والسادسه بقلم أماني طارق حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

رواية زَوُجَة العُمدة الجزء الاول {١=وجه القمر} - الحلقة الخامسة والسادسه بقلم أماني طارق حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 

رواية زَوُجَة العُمدة الجزء الاول {١=وجه القمر} - الحلقة الخامسة والسادسه بقلم أماني طارق حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 

القواعد الأربعين(( إن السعي وراء الحب يغيرنا. فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته. فما إن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ تتغير من الداخل ومن الخارج)).

_ قواعد العشق الأربعون.

_____

هبط هاشم إلى الأسفل رغم أنهُ يحتاج أن يحدثها حتى ترحل ولكن المواجهة معها مؤلمة بالنسبة إليهِ، هي من تركتهُ أولاً، ولم تنتظرهُ حتى!

وجدها تقف بالخارج في حديقة المنزل، وقف لبرهة يتأملها، شعرها الطُويل الذي يُداعبهُ الهواء بمرحَ، طولها الفارع الذي لطالما كان يشعر بأنهُ محظوظ لأنهُ لن يطر أن ينخفض لأجلها، أقترب منها، أستدارت لهُ مقابلة وجههُ فور أن سمعت صوت قدميهِ، كانت نظرة عينيها مختلفة عن الصباح، نظرة تملأها الألم والحُزن والعتاب .. أما هو فظل جامدًا .. أقتربت منهُ أكثر حتى تبين لهُ دموعها الاي تلألات أسفل ضوء القمر ..

هتفت بنبرة منكسرة:

_ مكنتش متصورة أنك هتعمل كده، أتجوزت غيري يا هاشم!!

نظر نحوها نظرة جامدة، متحدثًا بنبرة قاسية:

_ عايزاني أرد أقولك إيه؟ آسف؟ طبعًا عادي أستناكي لغاية لما تتجوزي وتعيشيي حياتك وتطلقي ونتجوز وميحقش ليا أتجوز أبدًا.

بللت شفتيها وتنفست الهواء حتى ملأت رئتيها لتقول سريعا:

_ أنتَ عارف أنا بحبك قدِّ إيهِ، واللي عملتهُ ده مكنتش أعرف عنك أي حاجة.

وعلا صوتها وهي تنظر لمنزلهُ:

_ مكنتش أعرف أنك معاك فلوس! وأنك صاحب شركة، كنت فاكراكَ فقير، كنت خايفة عليك من بابا، وإنهُ مش هيسيبك أبدًا لما يعرف اللي بينا.

أقتربت أكثر حتى أمسكت ب أناملها الرقيقة قميصهُ تتحدث بإنكسار وحُب:

_ أول ما نوار حكالي .. جيتلك علطول، بس مكنتش متصورة هاجِي وأنتَ متجُوز!

نظر نحوها بغضبَ لم يتأثر بكلاماتها كما تصورت أو حتى بكاءها، كان دائما يخبرها بأنهُ حين سيقابل والدها سيشرح لها عنهُ .. عن عائلتهُ وعن أموالهم، ولكنها رمت بكلامتهُ عرض الحائط وبدلا من تجهيز موعدًا حتى يقابل هو والدها، جهزت وأعدَّت لحفل خطبتها.وبحركة قاسية أبعد كفها عنهُ دافعاً إياها .. قائلاً بصوتٍ صارِم:

_ كفاية كدب يانيرة، أنتِ لو كُنتِ بتحبيني كُنتِ فعلاً قولتلهُ عني، ومهما كان هيحصل فيا مكنش هيبقى وجعهُ زي وجع .. دعوة خطوبتك من ابن راجل أعمال، وضحكِ معاه وقت خطوبتكم .. وفرحتك بيهِ .. مش عارف أنتِ ليه هنا دلوقتي، والمفروض بتكوني بتجهزي لفرحك، أخر كلمة هقولهالك. حُبي ليكِي أنتهى وقت لما لقيتك متستهلهوش، وياريت لما أصحى بكرة ملقيش في البيت، لاني مش هحط ضيفتك في أعتباري لما أطردك قدام الكل.

شعرت بالغضب الشديد من لهجتهُ معها وأحتقارهُ لها، وحين كاد أن يمر مبتعداً عنها، صرخت بهِ بحدة تهتف:

_ يعنيِّ عايز تفهمني، أن الفلاحة الليِّ أنتَ متجوزها دِي بتحبها؟!

قبض على كفهُ بعنفٍ شديدٍ، والتفت نحوها يحذرها بقسوة:

_ دي تبقى مراتي يا نيرة .. وأسمها ميرال هانم، وآه بحبها على الأقل هي مش شبهك.

أبتعد فوراً مُسرعا للاعلى، وأثناء ذلك كانت عزة ابنة خالهُ واقفة على الدرج المقابل لغرفتهُ وقد شاهدتَ ماجرى بينهُ وبين نيرة، شعرت بالغضب والغيرة يسري بعروقها، زفرت الهواء بغضبٍ وقلبها يقفز غيرة وحقد على تلك ميرال، تذكرت أيام حُبها الخفي ل هاشم، وكم كانت تنتظر قدومهُ من القاهرة للقاءهُ بفارغِ الصبر، حتى تتفاجِيء يومًا بان فهد كان يريدها زوجةٌ لهُ. وكانت بمثابة الصفعة لها.

هي لم تحب يومًا فهد بل كان أخاً أقرب ما يكون من زوج ..

وحين حاولت أن تعارض ارادة والدها صفعها ليلتها واسقطها أرضا مجبرًا إياها بالوضع، وحين توفى فهد قبل الزفاف وكان الامر بمثابة راحة، إلا أنها تفاجئت بهم يزفون ميرال ل هاشم .  الذي هو حبها الأَوُل ولاتستطيع أن تبتعد عنهُ أو حتى أن يسكن بقلبها رجُلا غيرهُ!

فور أن دخلت غرفتها أسقطت مزهرية الورود أرضا بعنف وبداخلها رغبة مُلحة على الصراخ قهرًا ..

كم أرادت أن يقول بدلا من اسم ميرال أسمها، أن تشعر وكأنها ملكتهُ يوماً، أغمضت عينيها ألمًا وقلبها يؤلمها بقسوة، ألما لاتستطيع أن تتجاهلهُ .. وضعت كفها على موضع قلبها، تتذكر حديثهُ معها قبلاً وأخبارهُ لها بلقب زوجة الأخ .. كم كرهته في تلك اللحظة وكادت أن تخبرهُ بأنها تحبهُ هو .. لم تستطع قط أن تحب فهد، لم تستطع أن تنسى حب هاشم بقلبها ..ويبدو بأنها لن تفعل أبداً.

_____

كانت ميرال قد أستيقظت وهيَّ على الفراش معهُ، نظرت للساعة وجدتها الثالثةفجرًا، تسحبت على أنامل أقدامها حتى لايشعُر بها، رغم مظهرهُ المثير للرؤية أثناء نومهُ، إلا أنها شعرت بالتقزز منهُ .. وهي تفكر كم من الأحداث التي حدثت لها أمس وهُو لم يتحرك يمنع والدتهُ من ألا تؤذيها ..

هتفت بين أنفاسها:" جبان".

دخلت دُورة المياهَ وتوضأت، وبدأت في صلاة الفجر، وفجأة حين أنتهت تذكرت والدتها، كم أشتاقت لها ولحضنها الدافيء، منعت شفتيها بألا تصدر صوتًا من بكاءها الشديد وهي تدعو ربها بأن تأتي والدتها وتخلصها من ذلك العذاب، لم يكن هاشم نائما تلك اللحظات.

بل أستمع لنحيبها الخافض، شعر بألم طفيف بصدرهُ مُشفقاً عليها وعلى ما يحدث لها، نظر هو لسقف الغرفة وهُو يتذكر وجههَ نيرة الباكي، لايعلم هل هي حقاً مخطئة أم هُو؛ لأنه لم يخبرها من البداية عن حياته العائلية ولم يظهر ابدًا امامها بحالة ترف!

سُرعان من كثرة التفكير غاص بنومٍ عميق، وهي أيضاً ولكن على سجادة الصلاة، وأستيقظت على ضوء الشمس وطرق الباب الخافضِ والتي كانت هالة، نظرت نحوهُ وجدتهُ لازال نائماً .. فركت عينيها ثُم فتحت باب الغرفة، لتبتسم لها هالة بلطف قائلة:

_ الضهر قرب يأذن، والست هانم زينات عايزاك تصحي هاشم بيهِ علشان ينزل يفطر ..

أومُئت ميرال بايماءة هادئة مُغلقة الباب، تنفست الهواء بتوتر، وهي تقترب نحوهُ، لاتعلم هل هُو يستيقظ بطريقة ما أو ان نومهُ خفيف فقط بمناداة اسمه يستيقظ؟!

إلا أنها حين أقتربت وجدت انها تتأملهُ وتتأمل مظهرهُ الوسيم، ابتسمت باعجاب وهي تتذكر جارتها التي تشاجرت معها قبلا مخبرة إياها بأنها ستتزوج رجلا يشبه القرد، كم تريد أن تخبر تلك الجارة بأنها تزوج رجُل يشبه القمر، تنهدت تنفض تلك الأفكار عن تفكيرها .. وحين كادت أن تضع كفها على صدرهُ لكِي توقظهُ، وجدتهُ يمسك بمعصمها بقوة وكادت من حركتهُ المفاجأة أن تسقط بعناقهُ... كانت عينيها تناظر خاصتهُ في تفاجأ وقلق.

لا تعلم ماذا سيقول الآن عنها؟

ظل ينظُر إليها لدقائق حتى أبتعدت هي عنهُ مولية ظهرها لهُ، وقلبها يقفز من مكانهُ من الخوف والزعر الذي أصابها!، تنهدت تشعر بخجلٍ يصيب وجهها الذي تصلب وأصبح أشد حمرة :

_ والدتكَ عايزاك تنزل علشان تفطرَ.

كانت لازال باسدال الصلاة والذي بسبب نومها جعد شعرها وجعل خصلاتٍ تخرج منهُ، شعرت بهِ خلفها ولكنها ظنت بأنها فقط قلقة منهُ وأنهُ بالتأكيد سيتجهِ نحوه الخزانة ليجلب لنفسهُ ملابس إلا أنها تفاجأت بهِ بوجهها وقد أقترب بشدة نحوها .. وعينيهِ الباردة تنظر لشعرها .. هتف بتساءُل:

_ هو انتِ ليهِ مش بتقلعي الطرحة؟

وكاد أن يمد كفهُ لينزع حجابها، لولا يدها التي أشتدت وثاقها عليهِ تقول في عنف:

_ أولاً أنا لسه متعودتش عليك، تاني حاجة انا بكره اللي يدخل في خصوصياتي!

كادت أن تفر منهُ إلا أن يدهُ أعادتها من جديد للخلف فقال بصوتٍ حازمِ:

_ أنا جوزك وليا الحق إنِ أدخل في أي حاجة تخُصك، بس أنتِ اللي ملكيش أي حق تتدخلي في قراراتي أو حتى تعلي صوتك عليا! أنتِ فاهمة؟

صوتهُ البارد والقاسي أقشعر بدنها منهُ ولمستهُ لكفها، قلبها مان ينبض بعنف من ذلك القرب الهالك .. ولكنهُ وأخيرًا أبتعد عنها يخرج لنفسهُ ملابِس من الخزانة ثُم دخل المرحاض.

فور أن أغلق الباب تنهدت براحة وقلبها عاد ينبض بانتظام وبراحة فور أن سمعت صوت صنبور المياهَ، هتفت بغضب وصوتٍ هامس:

_ حيوان! فاكر نفسهُ أشتراني!

تنفست الهواء بعنفٍ ورغبة تجعلها تريد البكاء، هو ليس منزلها، حتى ترتدي ماتريد هي فقط جالسة في غرفة عريضة تقيد حركاتها، لطالما رغبت بشقة حين تتزوج وتختار لها كل شيءِ .. كانت تحلم حلمًا بسيطاً ولكنهُ دمُر كلياً.

مسحت دموعها التي أغرقت وجنتيها وأسرعت بارتداء عباءة وجدتها بالخزانة، وهبطت للاسفل وجدتَ زينات وتلك فتاة أمس ورجلا كبيراً بالعمر ولكنها لم تجد نيرة بين الموجودين، كادت أن تجلس بينهم لتتناول فطورها معهم إلا زينات هتفت بغضب:

_ هو انتِ فاكرة نفسك في أوتيل علشان تنزلي كده وتقعدي عادِي وتاكلي معانا؟ .. المفروض تاكلي بعد مانخلص إحنا أكل؟!

رفعت ميرال حاجِبيها في أستنكار جم، وكادت أن تضرب المقعد على رأس تلك العجوز لولا يد هاشم الذي أجلسها مكانها قائلاً:

_ هي مراتي دلوقتي واللي بتعمليهِ ده غلط؟

نظرت لهُ والدتها باستغراب وحدة:

_ يعني إيه مراتك يا هاشم؟ هو أنتَ نسيت أنتَ متجوزها ليهِ وأهلها عملوا فينا إيه؟

نظر لوالدتهُ بِهدُوء متحدثا بلباقة:

_ منستش بس هي بني آدمة مش حيوانة!

نظرت لهُ بحرج من كلماتهُ، أمس لم تتوقف عن شتمهُ بالتأكيد سمع ما قالتهُ عنهُ .. هذا هو التفسير الوحيد لفعلتهُ تلك.

بدأت في تناول فطورها وهي تشعر بعيون تتربصها، كانت تلك الفتاة التيِّ تجلس أمامها تنظُر إلر هاشم نظرات عجيبة بالنِسبة ل ميرال، لم تستطع تفسيرها إلا حُب من طرف واحد .. ويبدُو عليها الحُزن، وفور أن وقع بصرها عليها، تحولت تعابير وجهها إلى كُرهٍ وإشمئزاز .. أرادت تلك اللحظة النهوض، ولكِن صوت هالة أفاقها تقول:

_ أخُت ميرال هانم مستنيها برا.

لم تنتظر رد زينات بل نهضت تركض للخارج رغم عدم حماسها لمقابلة شقيقتها إلا أنها وجدتها فرصة للهروب من الحلوس كالصنم تحاول عدم الحديث بكلمة واحدة .. تحدثت زينات بغضب قائلة:

_ مفيش هانم هنا إلا أنا وعزة يا هالة، أنتِ فاهمة؟

شعرت هالة بمصيبتها لتقول:

_ أنا آسفة يا زينات هانم مكنتش أقصد.

وأسرعت هي الأخرة للخارج حتى ترى أحدًا ما.

نظر هاشم لوالدتهُ باستغراب قائلاً:

_ إنتِ مش واخدة بالكِ أن ميرال بقت زوحة العمدة، وإنك تخلي العمال يعملوها بدناءة دي عيبة في حقي!

وضعت كفها على يد ابنها تقول:

_ ولادناءة ولا حاجة ياسيادة العمدة، بس مش بنت المجرم دِي هيتقالها ياهانم وأنا عايشة! فاهم؟

نظر لوالدتهُ بجمودٍ غير قابلاً حديثها، لولا هاتفهُ الذي جعلهُ ينهض للخارج لكان أصبح هناك حديثا أخر مع والدتهُ حول أفعالها غير الآدمية ..كان صديقاً لهُ يخبرهُ بأمر صفقة في الشركة .. وأثناء ذلك كان قد رأى هبة شقيقة ميرال.

___

أسرعت ميرال للخارج وهي تمسك بالعباءة حتى لاترتطم بالأرض من ركضها، وجدتها تجِلس بحديقة المنزل وفور أن رأتها نهضت تقول في ودٍ مصطنع؛

_ أنا هبة أختك.

لم تصافحها ميرال بل نظرت لها نظرات باردة و جامدة، وكانت هبة تنظر إليها في توتر،قالت ميرال بتساءل بالغ :

_ أيون اهلا ياهبة، ايه اللي جابك هنا؟

عضت على شفتيها بحرج تقول:

_ كُنت عايزة أكلمك شوية، كوني لسه عارفة أن ليا أخُت.

وأثناء تحدثها بعبارتها، خرج هاشم يتلقى مكالمة، وجدت عينى هبة تستحوذ النظرات على هاشم وتغيرت معالم وجهها، رفعت ميرال حاجبيها في استغراب مضيقة عينيها بضيق:

_" هو مال البنات كلهم ماصدقوا شافوهُ". حدثت نفسها بضيق ف زفرت الهواء قائلة وهي تقترب من هبة قائلة :

_ أنا مش مهتمة بيكِي ياهبة، ومش مهتمة بإنك أختي، رغم إني فاهمة انتِ جيتي هنا ليهِ وعلشان إيه بس هعديها، ياريت متجيش هنا بأي ظرف كان، وبلاش كلمة أختي.

نظرت لها هبة بخجل قائلة:

_ مكنتش أقصد اللي أنتِ فهمتيهِ بس أنا طُول عمري كان نفسي في أخُت وحقيقي فرحت اوي لما عرفت..

قاطعتها ميرال بنبرة حادة وبعصبية شديدة:

_وانا مش فرحانة بكدهَ، مش فرحانة إنك أختي من ست سبب في طلاق أبويا وأمُي وسبب إني أعيش محرومة من حضنهُ طول السنين دِي

تابعت بسخرية وهي تنظُر إليها:

_ ثُم أنا عارفة إنك بل متأكدة إنك هنا علشان أمك عايزة كده وعلشان حاجات تانية الله أعلم إيه سببها، ف ياريتك متعورنيش وشك تاني هنا لاي سبب كان متجيش هنا تمام .. أتفضلي أمشي!

أشارت ميرال ناحية الباب وحين هي رفعت نظرها إلى البوابة وجدت هالة تقف أمام رجُلا شَّاب شعرهُ يبدو من عمرهُ أنهُ في بداية الاربعين، وكان يبتسم نحوها ويعطيها وردة .. شعرت ميرال بتوعك بطنها من ذلك المنظر ولكنها قالت لنفسها بالتأكيد والدها ولكن نظرات الرجُل كانت غير بريئة!

فور أن رحل ودخلت هي، أقتربت منها ميرال قائلة بتهجم:

_ مين ده يا هالة؟!.

شعرت هالة بالحرج من لهجة ميرال المنفعلة والتي قالت مستكملة:

_ والدكِ ده؟

أحمر وجههِ هالة وشعرت بحرج شديد قالت بابتسامة متوترة:

_ لأ ده جُوزي.

هتفت ميرال بتفاجُيء قائلة بصوتٍ عاليا:

_ نعم!!!! جوزك؟!! إيه العبط ده والعك ده، انتِ يبان عليكي في سنة العشرين او الأقل! أزاي ! أزاي متجوزاه؟!

كان هاشم يراقب الوضع من بعيد ولكِن صُوت ميرال العالي، جعلهُ يعقد حاجِبيهِ باستغراب لما تتلفظهُ وظل واقفا يراقب ما يحدث، حتى تحدثت هالة بصوتٍ خافض قائلة:

_ أكبر مني ب عشرين سنة، وياريت توطي صوتك ياميرال .. أرجوكِ .. عيب أوي كلامك ده!

قالت ميرال بغير استيعاب:

_ كلامي إيه هو اللي عيب، أمُال جوازك من واحد قد أبوكِ ومش بعيد أصلا يكون عنده ولاد في سنك..

نظرت لها هالة نظرة أكدت كلمات ميرال والتي أرادت أن تصرخ بوجههَا ولكنها تحاملت على نفسها وقالت:

_ ليه تعملي في نفسك كده، أنتِ لسه صغيرة، المفروُض تتجوزي واحد في سنك أو أكبر منك ب خمس سنين بس دهَ، ده قد أبوكِ ..

شعرت هالة من كلمات ميرال وكأنها أرتكبت مصيبة رغم الجميع من في القرية متزوجاً بفتاة تصغرهُ بأعوامٍ عديدة ولكن صوتَ ميرال ونظرتها جعلتها تشعر بأنها وكأنها بمصيبة ف لم تصمد وبكت تقول:

_ مش كل الناس بتتجوز زي ما أنتِ بتقولي، على الأقل انتِ أتجوزتي عمدة وكمان صغير!

ركضت هالة للداخَل تبكِي، كانت ميرال تريد أن تفسر لها غضبها علي ما سمعتهُ منها، ولكنها رأت قبالتها هاشم الذي نظر نحوها بغضب فتجاهلها تماما وذهب إلى الداخَل، زفرت الهواء بشيءِ من الحُزن قائلة:

_ طيب اللي عملتهُ دلوقتي غلط، أساساً مكنتش لغة حُوار صح!

أسرعت في خطواتها للداخل وحين قصدت المطبخ وجدت هالة في حالة إنهيار تبكِي، طلبت ميرال من الخدم بنبرة مهذبة أن يتركُاهما سوياً، جلست ميرال على رُكبتيها وأمسكت بكَف هالة التي تحاشتها من البداية ولكِن ميرال أصرت على إمساك كفها، فقالت بأسفٍ:

_ أنا آسفة ياهالة، بس انا حبيتك من أول ما شوفتك، وزعلت علشانك .. رغم إني ماعرفش سبب جوازك، بس أنتِ صغيرة، لسه قدامك الحياة تختاري شريك حياتك اللي يناسبك.

رفعت هالة عينيها في بُكاء تقول في نحيبٍ:

_ إحنا مش بنختار قدرنا، أتجوزتهُ علشان مراتهُ الأولى ماتت من سنتين أتجوزتهُ وأنا شايفة الكُل بيعمل كده، محدش عندنا علمنا اللي بتقوليهِ، هنا مفيش أختيار، إحنا بيجبورنا على جوازنا.

_ بس ده غلط، آه انا اتجوزت هاشم بالاجبار بس انا عارفة أنِي اول ماهتيجي فرصة هطلق منهُ لاني عندي شهادة واقدر أشتغل وأصرف على نفسي، انا من غيرهُ هقدر أعيش زي ما كنت عايشة زمان .. بس أنتِ .. بتشتغلي هنا ومعاكِ فلوسك ليه تجبري روحك على واحد زِيهُ؟

_ انا شغالة هنا علشان بصرف عليهِ هو وولادهُ. والست زينات هي اللي جوزتني، لان ابويا وأمُي ماتوا.

صكت ميرال على أسنانها بغضب وهي تشعر وكأنها ستقتل تلك السيدة، تابعت هالة:

_ مش انا لوحدي اللي اتجوزت واحد أكبر مني ب ٢٠ سنة غيري كتير متجُوز كده .. أنتِ بكلامك حسسيني أني أرتكتب ذنب.

هتفت ميرال بغير رضا:

_ ذنب في نفسك وفي روحك، ليهِ تشقي علشانهُ، ليه تشتغلي خدامهُ ومرتبك كلهُ لجحش زيهُ، احنا في القاهرة معندناش الكلام ده، هو محدش علمكم اي حاجة في المدارس هنا؟!

هزت هالة رأسها:

_ معندناش مدارس أصلا، هو كتاب بنتعلم منه الكتابة والقراءة، والمدارس بعيدة عنا بكتير .. المفروض اللي يهتم بكده المحافظ وسيادة العمدة بس محدش مهتم بينا، هنا اللي بيتكلم بتتاخد روحهُ!

كادت أن تتحدث لولا صوت هاتف المنزل علا صوتهُ، ف نهضت ميرال بدلاً من هالة، وأجابت .. ليجيب المتصل:

_ هاشم الجبالي موجود؟

تحدثت برقة وهدوء:

_ آه .. أقولهُ مين؟

_ صاحبهُ نوار ، أتمنى إنك تقوليلهُ إن المكالمة مهمة جداً من القاهرة.

خفق قلبها لثوانٍ فقط حين سمعت القاهرة، من الممكن أن تتحدث معهُ عن أمر والدتها حتى يتواصل معها، ولكن للأسف ذلك صديق هاشم بالتأكيد سيخبرهُ بما ستقولهُ، تنهدت تضع الهاتف على جنبٍ .. وحين رأت هاشم يصعد للاعلى باتجاهَ الطابق الأخير .. كانت تناديهِ ولكنهُ كان شاردًا لذلك لم ينتبهِ إليها، ف قررت الصعود بنفسها واللحاق بهِ .. كانت تصعد وهي تشعر بارتياب .. المكان يبدو من الأعلى أكثر ظُلمة والبرودة تكسوهُ..وحين وصلت إلى أخر طابق وأقتربت من إحدى الغرف وجدت أحدًا ما يهتف لِ هاشم:

_ الحمدلله يا هاشم بيهِ المؤشرات وحركة ايدهُ بيدِلوُ إنهُ هيفوق قريب .. إن شاء الله خلال أسبوعين.

قطبت حاجِبيها في عجب من ذلك الشخص، ولكن سُرعان ما شهقت بصدمة حين رفعت عينيها ووجدت أمامها هاشم يقف والغضب في عينيهِ ثائراً، نست لماذا صعدت فور أن قابلت وجههُ .. أقترب منها قائلاً بحدة وعصبية:

_ إيه اللي طلعك ورايا؟

ابتلعت لعابها في رهبة قائلة:

_ في مكالمة القاهرة جاتلك وكنت بناديك وانتَ مردتش عليا علشان كده طلعت.

اقترب منها يتساءل:

_ من مين؟

_ واحد اسمه نُوار!

أومئ ثم أكمل يحذرها:

_ تاني مرة أي حاجة هتحصلك متطلعيش تاني هنا، أنتِ فاهمة؟!

أومُئت بخضوع ولكن حين أستدارت فكرت بأن تحاورهُ بأمر مدرسة لتعليم الأطفال هنا. لذلك التفتت تقُول:

_ أكيد سمعت اللي حصل بيني وبينَ هالة..

قاطعها بصوتٍ جامد:

_ طبعا بس تعرفي أنهُ مش لمجرد إنك متعلمة يبقى ليكِ الحق إنك تقللي من أي حد..

قطبت حاجِبيها من أسلوبهُ فتحدثت بغضب:

_ بس أنا مقللتش منها، انا بس زعلانة على حياتها اللي أدمرت ..

صرخ بوجهها:

_ وأنتِ تعرفي عن حياتها إيه، أنت متعرفيش حياة الناس هنا إيه، أبسط حاجة عايزينها يناموت مرتاحين .. مش هيهتموا ازاي يحققوا انتصارات فارغة!!

أقتربت نحوه باندفاع تقول وقد أمسك كفهُ:

_ التعليم مش انتصارات فارغة، آه انا معرفش حياتهم عاملة أزاي وعارفة أن في منهم أحسن مني بس التعليم مش حاجة وحشة .. أنت راجل مُتعلم، أهلك سفروك القاهرة علشان تتثقف وتتعلم، قولي لو هو انتصار فارغ ليهِ اتعلمت! قولي ليهِ مدرسة هنا واحدة على الأقل، ليه مفيش وعي عن جواز المبكر .. ليه مفيش مستشفيات غير بعد قريتين  . اللي أنت وأخوك معملتهوش هو إنكم تغيروا حياة الناس دي، اللي يخلي بنت عندها ١٥ سنة تتجوز بدري وواحد أكبر منها ب٢٠ سنة .. يخليك تعيد أفكارك ومسؤلياتك من تاني، مفكرتش قبل كده، هنا إزاي طفلة تربي طفل؟

أكبر مثال على كلامي أنتَ، أنت حاليا في نص العشرينات او أخرها، قولي ليه متجوزتش طفلة عندها ١٥ سنة او اكبر شوية ..

تابعت تتحدث بقهر:

_ علشان أنت هتشوف الموضوع تخلف وغبي ومفيش راجل يقبل يتجوز عيَّلة

تنهد وهُو يزفر الهواء من صدرهُ، كلامها هو عين الحق والصواب، في بداية بلوغهُ كان في صدمة حين علم بأن الفتاة حين تظهر مفاتنها وتكبر .. يزوجونها لأول شخص يأتيها .. دُون التمهل والانتظار، رفع بصره نحوها قائلا:

_ طيب عايزاني أعمل إيه؟

أتسع ثغرها اتساعاً تقول بسعادة:

_ أبنيِّ مدرسة، أديهم فرصة يكُون ليهم مُستقبل. وأبني مستوصف لازم يبقى فيه وعي صحي كمان، هنا في أراضي كتير لو أستثمرتها في حا...

قاطع حديث ميرال صوت خال هاشم الذي هتف بصوتٍ أجش:

_ هاشم .. انتَ واقف ليه كده؟!

أستدارت تشوف بالخوف يتخبط بقلبها من هيئة خاله العملاقة، وجهه الاسمر وشاربيهِ الكثيفين .. تجنبت النظر نحوهُ، ف نظر لها هاشم بعلوٍ  قائلاً:

_ هفكر وهكلمك.

أومُئت وسرعان ما هبطت للأسفل منتظرة منهُ إجابة على ما قالتهّ، هي تشعر وكأنهُ سيوافق بالتأكيد سيفعل.

____

_ كانت بتعمل إيه هنا؟

وضع هاشم كفهُ يخلل خصلات شعرهُ البنية:

_ جاية تبلغني أن عندي مكالمة مهمة ..

ثم نظر إلى غرفة والده مبتسم الثغر:

_ الدكتور طمني وإن شاء الله أسبوع وبابا هيّفُوق.

أومُئ الخال، وهُو ينظر في صمتٍ للغرفة .. صمتٍ يملؤهُ الغموض.

___

أنتظرت طويلا بالغُرفة وحين لم يأتي قررت الذهاب للخارج لعلها تجدهُ وتتحدث معهُ، وبالفعل وجدتهُ يقف في بهو القصر وهُو ينظر للسماء بصمتٍ وعينيهِ جامدتين مقطبين.

أقتربت منهُ وقد شعر بها خلفهُ، ف أستدار برأسهُ، ينظر نحوها  وقبل أن يردِف، سمعا كلاهما صوتِ صُراخ ونجدة ..كان يعلم لمن يعود ذلك الصوت لاختهُ نوران!!!

وشعرت ميرال بالخُوف يربكها، فأسرعت خلف هاشم الذي ركض كالفهد .. حتى وصل إلى حدود المنزل وجد ساهر مقبلاً بين الحُراس وينهالون عليهِ ضربًا، نظر ساهر ل ميرال مبتسمًا يريد أن يحقق غايتهُ، فعلا صوتهُ يتحدث برجاء:

_ أنا عملت زي ماقولتلي يا ميرال، خطفتها من بيتهم علشان ننتقم منهم كلهم من اللي عملوهُ في أبوكِ وسبب في طلاق أمك منهُ ..

أهتز جسدها رهبة وقد توجست في ألم مما قالهُ، نظرت تلقائيا نحو هاشم الذي تبدلت تعابيره لجحيييم!

6=زَوُجَة العُمدة{١#وجه القمر} - الحلقة السادسة/

[أليس من العدّل حين أغزل من الأوراق ورد، تردهُ وردًا فلماذا أرى دمائي تقطُر حُباً من أشواكَك].

___

توجّست خلايا ميرالَ وقلبها يقفز رُعبًا بما أقحمها ساهر الحقير، ابتسّم ساهر والدماء تقطُر من فاهُ، أمر هاشم رِجالهُ بحبسهُ في القبو المُلحق بالمنزل

وهيَّ لم يصدر نحوها إي عقاب، سُوى أنهُ أمسك بكلتا ذراعيها بقسوة وعُنفٍ .. جعلها تصرخُ من شدة الألم، ولازال عقلها شاردٌ بما قالهُ ساهر!

هي لم تكُن تعلمّ من الأساس عن العداوة، فكيف سيتُدبر لتلك المُصيبة!

أفاقت على صوتَ باب غرفتهما يُغلق بِ المفتاح، ابتلعت ريقها وجسدها يرتعش .. عضت على شفتيها بقسوة نزفت أثرها، أقترب منها يهتف بصوتٍ عالي :

_ إيهِ الليّ قالوهُ ده يا ميرال، خططتيّ أنهُ وأختي يهربوُا!!

هزت رأسها بسُرعة تنفي تلك التهمة وأقتربت منهُ تمسك يدهُ إلا أنهُ نفرها عنهُ، فنطقت بارتعاش:

_ لا أبدًا، أنا مكنتش أعرف عنكم حاجة .. أنا حتى مكنتش أعرف عن العداوة حاجة.

صرخت بخوف حين أمسكها من خصرها نحوهُ، وهُو ينظُر لعينيها الباكيتين بسخطٍ غير مُصدق ماتفوهت بها شفتيها، أما هي نظرة عينيهِ أخرستها، نظرتهُ الغاضبِة والتي تشوبها نظرة إشمئزاز ..

نطِق وهُو يترُكها:

_ مستحيل أصدقك يا ميرال، لأنِي متُوقع منك ده! واحدة زيكِ بتحَب أبوُها وعايزاهَ يبقى كُويس رغم أنهُ مش عايزك وبيكرهك، أكيد عايزة تنتقمي من أهلي علشان سبب في بُعد أبوكِ عنك.

هتفت بصوت متحشرج:

_ رغم كلامك ده. أنا مُستحيل أذيّ بنت زيّ، أنا وساهر أتقابلنا مرة واحدة في القاهرة .. وكانت من سبع شهُور، بالليّ انتَ بتقولهُ ده، يخليكَ واثق مية في المية إن ليا دَخل في كده.

نظر نحَوُها بابتسامة جانبية تحملّ شرّ، أقترب منها وهي من شدة الخُوف أبتعدت، حتى شعرت بِبروُدة الجدار خلفها، مَّال نحوها ينطِق باستحقار:

_ مش حكاية واثق، أنتِ مش في دايرة حد بيحبكِ، أمك مش موجودة، وأبوكِ مش عايزكِ .. محدش هنا يعرفكِ، يعني وقت ما أذيكي بثقة أو بغير محدش هيهتم.

نبرتهُ القاسية، نظرة عينيهِ الساخرة ..

جعلتها تهتف بسخطٍ هي لديها كبرياء أيضًا:

_ وأنتَ فاكِر عملتك فيا أو بِ ساهر الناس هتسكُت متنساش أن الحق كلهُ على أختك وعلى غباءها إنها تثق في حد .. زي ساهر بينها وبينهُ حواجِز ..

_ دِلوقتي عايزة تُحطي الحق على أختي!!، وأنتِ فاكرة إنَّنا هنقول أنها هربت معاهَ! تبقي غبية .. الحكاية هتبينّ أنك وساهر أتفقتوا أنهُ يخطفها، وأنهُ يعذبها، ولما عرف إنك هنا .. حبيب القلب خاف عليكي فجابها هنا .. علشان ياخدك.

صاحت بهِ بغضب:

_ إيه اللي أنتَ بتقولهُ ده! أنتَ كده..

ابتسم يقاطعها:

_ بشوهَ سمعتك. أيون.

أقترب أكثر حتى أصبحت أنفاسهُ تحرق بشرة وجهها:

_ زي ما أُمك مشيت من هنا وسمعتها في الأرض، هتحصل معاكِي ..

لم تستطع أن تتركه يهينها ويهينّ والدتها، لم تستطع أن تصمت وهو يجرح والدتهاَ، تلك المرأة التي أبتعدت عن الجميع لمصلحتها وحياتها، ولتجعلها تعيش في عالم أخر يقّدرها ويحترمها. لم تمنع كفها من لطمهُ بقوة ..

صوت تلكَ اللطمة كان قاسيةٍ .. وكأن بداخلها كيان من الثورة هاجت فور أن وضعت يدها على وجههُ:

_ أنسان زيك لازم يراعي أهل بيتهُ مش يتعدى على حُرمة مراتهُ ويكدبَ.

كان صامتًا .. وصدرهُ في علوٍ وهبوط بعنفٍ، فجأة وجدتهُ يمسك ذراعها والذي شعرت بألم عنيف، جعلها تّأنِ بصوتٍ عاليٍ ..

صك على قواطِعهُ بنظرة غاضبة :

_ فاكِرة نفسك مين علشان تعملي كده! فاكرة نفسك حاجة، زيك زِي الجزمة أدُوس عليها وأحطها في أي مكان.

نطقت بتحدٍ وثقة:

_ بس أنا مش جزمة أشترتني وتقدر تبعني، أنا آه مراتك بس لغاية دلوقتي متقدرش تثق في قُدراتي معاكَ

قهقه عالية متغلفة بسخُرية أصبحت تتردد صداها في أنحاء الغرفة .. تحدث بصوتٍ بارد:

_ كُنتِ قدرتي تكسبي أبوكِ بقدراتك دِي !

وتركها بعنف ..فاصطدمت بالجدار، تحاملت على نفسها ولم تظهر ألمها الذي كان شديد،. سمعت صوت الباب يغلق بعنف خلفهُ وقد أغلقهُ بالمُفتاح .. شعرت بغلٍ .. ولكن ألم ذراعيها وظهرها كما أنها تذكرت بعُد والدتها جعلها تطلق العنان لعينيها للبُكاء ..أصبحت تعيش في عالم لاتطيقهُ، زَوج تكرههُ .. وتكرهه أن تراه أو حتى أن تقترب منهُ، حقير مثل الجميع يريد فقط إذلالها ولكنها لن تسمح بذلك .. لن يجعلها عرض يريد إظهاره لن تسمح بذلك.

_____

كانت نوران صامتة أغلب الوقت، وكانت والدتها لاتكف عن صفعها وشتمها باقذر الشتائم لانها تستحق ما يحدث معها، أما عزة فكانت تراقب ماتفعلهُ عمتها بصمتٍ وهي تنظُر للأخُرى التي أحمر وجهها وكاد أن يصتبغ للأزرق ..من كثرة الضرب على وجهها..

_ فرحانة باللي أنتِ عملتيهِ فينا؟ فرحانة يا***

ثُم أمسكت بِتلابيب فستانها بعنف حتى شّقت مقدمة الفستان .. شعرت عزة بأن عمتها ستقتل نوران لذلك امسكت بكلتا ذراعيها تبعدها بلطف وقوة قائلة:

_ سيبها يا عمتو دلوقتي .. أرجوكِ سيبيها.

هدرت زينات بعنف:

_ أسيبها ليهِ؟ دِي عايزة تقتل .. مُستحيل أسيبها بعد اللي عملتهُ فينا الوسخة.

_ أكيد هاشم هيعمل حاجة يبعد عنا الاشاعات ارجوكِ دي بنتك الوحيدة سيبيها ياعمتو.

هدأت زينات وتركت نوران والتي بدأت تبكِي بصمتٍ، أغلقت الباب بغضب شديد حتى كاد أن يكسر. أرتمت نوران بحضن عزة التي تملمت ببرود، هي من الأساس جاءت على أمل أن يأتي هاشم ويتحدث مع نُوران ولكنها لم تتوقعهُ أن يأخذ زوجتهُ .. ويتحدثان.

_ أنا مكنتش أعرف نواياهَ، مكنتش أعرف أنهُ عمل كده علشان يسوء سمعتنا.

ابتسمت عزة باستهزاء:

_ تُقصدي سمعتك.

ابتعدت نوران عن عزة التي تفاجأة بوجهها الساخر، والتي أردفت تعنفها:

_ أنتِ غبية يانوران، هو هيعوز منك أيهِ.. أنتِ لاشكل ولاهيئة يخلي حد يهرب علشان بيحبهُ .. ليها حق عمتو تبقى عايزة تقتلك. أستنى قدرك لما هاشم يدبحك هُو.

وتركتها وغادرت إلى غرفتها هي الأخُرى.

كلماتها كانت قاسية أشبه بسكين تغرز بجسدها، لم تستطع منع دموعها من الانهيار على وجنتيها التي تلسعها بألم تكاد تشعر وكأن ليس بجسدها مكان واحد سليم .. جسدها يؤلمها من ضرب والدتها وخيانة ساهر لها ..

___

في الصباح.

كان إزعاج من نوع أخر، هاشم كان من الصباح يجري مكالمات عن أعماله التي بالقاهرة، وأثناء حديثهّ سمعت صوت امرأة ترجو الحارس بأن يدعها تدخل، أغلق هاشم الهاتف بسرعة وهُو يقترب من بوابة المنزل، ليجد ميرفت والدة ساهر ..

تنهد بانزعاج وهُو يدلك رأسهُ برؤس أصابعهُ، أخبر الحارس بأن يغلق الباب جيدًا حتى لاتدخل.

إلا أنها صرخت بهٍ قائلة:

_ الست زينات وعدتني إنها مش هتأذيهِ، أرجوك ياهاشم بيهِ متأذهوش، انا مليش غيرهُ.

عاد إليها قائلا:

_ اللي بينك وبينها .. ميخصنيش، ابنك يستاهل كل اللي هيحصلهُ.

شحب وجهها مما قالهُ صاحت برجاء:

_ أرجوكَ ياهاشم بيهِ، انا هاخدهُ ونمشي من البلد كلهُ.

سخر منها قائلا:

_ ليهِ هُو بنت خايفة من الفضيحة!

أمر الحارس أمرًا قاطعًا بأن يغلق الباب ولايفتحه لاحد، عاد إلى بهو المنزل قد يتناول فطورهُ، ولكِنهُ يتذكر ما جرى بينه وبينّ ميرال يشعر بالغضب يحاوطهُ، لم يجدر بها جدالهُ او حتى صفعهُ ..

أثناء تناولهُ الفطور، سمع صوت عزة تهتف بصوتٍ ناعم:

_ نوران مش عايزة تاكل، ممكن تطلع معايا وتكلمها.

نظر نحوها بصمتٍ ووجهه خالٍ من المشاعر، لايعلم ماذا يفعل باختهُ. تلك الصبية لازالت صغيرة حتى تسوء سمعتها على ألسن أهل البلد.

ولكِن كلما فكر بما قالهُ ليلة أمس مع ميرال، يشعر بالسوء هو ليس حقير لتلك الدرجة حتى يفعل ذلك، رغم أنهُ متأكدًا بما قالهُ ساهر .. ولكنْ جزء منه يكدب ماحدث.

صعد إلى أعلى، ولكن قبل أن ينحرف لطريق نوران .. أخبر عزة أن تسبقهُ للداخل أولاً وهُو سيدِخُل غرفتهُ ليجلب شيئًا ما .. ولكنهُ فتح الباب بالمفتاح.. ليجدها تفترش الأرض نائمة وعينيها منتفختان من البكُاء، أنحنى حتى يحملها إلى الفراش، رائحتها الغنية برائحة الورد ..

كاد أن ينزع حجابها من رأسها إلا أنها أستيقظت فجأة ودلعت كفهُ بعنف عنها .. وأندفعت للوراء ..

شعر بالحرج لما ظننتهُ، ولكنهُ أظهر عدم أهتمامهُ بها، وهتف بصوت جامد:

_ شنطة هدومك موجودة ورا الباب .. لما تفوقي خُديها.

وقبل أن يستدير قالت بصوتٍ متألم:

_ لسه عايز تعمل الليّ في دماغك!

_ وأنتِ شايفة إيهِ الحل؟ أخليّ سُمعة أختي على كل لسان ميستهلش!

عضت على شفتيها وهو يرتعش :

_ بس أنا مليش ذنب ..

_ وأخُتي برضوا ملهاش ذنب.

غضبت من لهجتهً للامبالية، هي سمعتها من ستسوء، وتلك المرة لم تمنع نفسها من الشجار معهُ والتنفيس عن غضبها:

_ ده غلطك أنتَ مش غلطي، أنتَ اللي مكنتش مسؤولة عن اختك كُويس، يبقى الحل الوحيد أنتَ اللي تتحمل كل اللي حصل! كفاية ذُل بقى فيا وفي الناس، أنتَ طلعت أسوء من أخوُك..

صك على أسنانهُ .. لماذا تحاول كل مرة أن تجعلهُ يود ضربها حتى تصمت .. لماذا كل مرة تحاول أن تخرج منه نسخة لايريدها. وقف قبالتها يقول:

_ أسوء من أخويا؟

تحدثت بصوتٍ غاضب وساخط:

_ أيون، أخوكَ كان ضلالي، مكنش بيراعي أهل البلد، مكنش مهتم بتعليمهُ وهو خريج كلية كبيرة في القاهرة واحد زيهِ مكنش مهتم بجواز القاصرات أكيد كان هيتجوز واحدة في سن صغير زي أختك .. كل القرف اللي بيحصل ده بسبب أخوك الح..

لم يدعها تكمل جملتها أمسك بحجابها بقوة جعلتها تستقيم بالفراش تقابلهُ .. كان ألم ظهرها لازال يوخزها وهو بفعلتهُ تلك يزيد الألم أضعافا مُضعفة.

_ كُله إلا أخويا!

تابع وهُو ينظر إلى وجهها الشاحِب:

_ أخويا كان أحسن وأشرف منك .. كل ماهتتمادِي، أنا مش هسكت.

وصفعة أسقطها على وجهها جعلتها تصرخ صرخة عنيفة، سقطت بالفراشِ وهي تتلوى من الألم، تركها وأغلق الباب .. وهو يسمع نشيجها وصوت بكاءها ..

لم  يذهب لغرفة نوران كما أخبر عزة بل صعد لغرفة والدهُ .. اذا ذهب الى نوران سيقتلها بيديه من شدة غضبهُ.

•••••

كان الجو في الظهيرة حارًا، وكان يونس يريد الذهاب لمنزل عائلة الجبالي مع أخته مرة أخُرى ولكنهُ أجَّل ذلك إلى المساء .. ولكن صوت طرقات المنزل جعلهُ يذهب وهُو يعلم بأنهُ سيجد أختهُ  . ولكن لم يتوقع أن يرى والدة ميرال، زوجتهُ السابقة.

هيئتها وملامحها لم تتغيرا كما تغير هو، ملابسها المحتشمة وحجابها .. شعر بحنين نحوها،رغم كل ماحدث لازال يقبع بداخلهُ حبٍ لها.

إلا انها كانت صارمة .. وهي تقول في هدوء:

_ ميرال بنتي فين يا يونس؟

وعلم من لهجتها بأنها لا تعلم بأمر الزيجة.. فجاءت من خلفها مِيرفت .. تقول بأمر الزواج وتحكي لها كل ماحدث، لتنظر ليونس بلومٍ وسخط:

_ إزاي سبتهم يعملوا في بنتك كده؟!

تابعت باشمئزاز:

_ نسيت صحيح!!

ودفعت ميرفت من أمامها .. وذهبت إلى حيث يقبع منزل الجِبالي، غير مُبالية بنداء يُونس المستمر حتى لاتذهب وتعود خالية الوفاض!!

وفور أن ذهبت وجدت الحارس، كانت متفاجئة بأن المكان مثلما تركتهُ لم يتغير، تحدثت للحارس:

_ أنتَ يا ..

أنتبهَ لها .. حتى هتفت:

_ قُول للعمدة .. أم مراتك برا .. يلاّ.

قالتها بأمر والغضب يملأ وجهها، كانت هالة في ذلك الوقت واقفة فور أن رأى والدة ميرال، أسرعت للداخل وأخبرت زينات التي ابتسمت برضا .. فهي كانت تريد قدوم والدتها لتجعلها تذوق من كأس الألم.

____

كان العك وليد طلب من فهد أن يوصل جلنار إلى منزل حماتها، وحين يعود يأخذها فوافق، وأثناء سيرهُ معها قال:

_ أجِي وأخدك أمتى؟

نطقت بهدوء ولطف:

_ مش عايزة أتعبك معايا بلاش أنا هخلص وأروح علطول.

إلا أنهُ أصرَّ قائلا:

_ هاجي أمتى ياجُلنار؟

سكنت للحظات وهي تشعر بنشوة سعادة من تلفظهُ لاسمها، فاخبرتهُ على اذان العصر ستنتهي.

فأومُئ لها وحين أوصلها سار مبتعداً عن القرية حتى ذهب إلى سوق قريتهُ وأثناء الجلبة رأى الرجُل وأسرع إليه وهو يخفي وجههُ.

_ إيهِ أخر الأخبار؟!

أخبرهُ بأن ساهر واختهُ عادا، وقد أمر هاشم بحبس ساهر حتى الآن لايعلم ماذا سوف يفعل بهِ، وأن والدهُ عما قريب سيفيق من غيبوبتهُ.

حكّ فهد ذقنهُ قائلا:

_ لو ابويا صحي يبقى في فرصة أرجع بِسُرعة، عايزك تحط عينك عليهِ وأي معلومات أو جديد تديني رنة وأنا هجيلك هنا ..

أخفى وجههُ وذهب إلى قرب منزلهُ حتى يرى ما يحدث بداخلهُ، رأى سيدة يبدو بأنها في مقدمة الأربعين تقف غاضبة .. حتى جاءت والدتهُ لها وهي تبتسم بتشفٍ .. وهنا خمن بأنها أُم ل ميرال زوجة أخيهِ، ولكنهُ أنتبهَ إلى عزة التي تقف ساكنة ..

خفق قلبهُ رغماً عنهُ، ابتسم باشتياق .. رغم كل ماحدث، لديهِ رغبة بالعودة لأجلها هيَّ ..

أنتبه بأنها وقف كثيراً وخشى اذا رأه الحارس متلبساً فأسرع يذهب إلى السوق يراقب منزل والد ميرال حتى يرى ماذا سيحدث بعد ذلك.

_____

_ جيتي لبنتك تباركيلها؟

هتفت سمر والدة ميرال:

_ لأ جاية أخد بنتي من الجحيم اللي هنا.

سمعت صوت ضحكة رجُولية خلفها .. وجدت هاشم يقف بطالتهُ وهالتهُ، اقترب من سمر قائلا:

_ مينفعش يا حماتي تقفي كده، أتفضلي جُوا.

نظرت نحوه بغضب وغل، ودخلت للداخل صامتة .. تعلم بأن ابنتها تشقى، حاولت الاتصال بيها منذ الرسالة ولكن هاتفها مُغلق،  ولذلك اخذت يوما اجازة حتى تعود وتأخذ ابنتها من هنا ، ولكنها لم تتصور بأنهُ سيجبرها على الزواج.

_ انا مش جاية علشان أضايف ولا أزور بنتي، انا جاية أخدها، كفاية أوي المهزلة اللي حصلت وانا مكنتش موجودة.

_ وانتِ متأكدة ليه بنتك أتجبرت؟!

ضحكت ساخرة على كلمته:

_ أكيد يعني مش هتحبك في يوم وليلة.

تابعت باصرار:

_ عايزة أشوف بنتي ..

أغمض عينيهِ يحاوُل ألا يغضب عليها، تلك المرأة المغرورة!

تنهد وأخبرها بأنهُ سيصعد لها. وإذا لم ترد أن تهبط .. فلا تزعجهُ ويجب عليها أن تذهب.

شعرت بالعجب من طريقة حديثهُ وكادت أن تقول كلمة ولكنها شعرت بأنهُ لن يترك لها فرصة رؤية ابنتها اذا وقاحة معهُ.

لذلك ظلت تنتظرهُ يأتي بها.

__.

صعد إلى أعلى، فتح باب الغرفة ليجدها كما تركها ولكنها كانت مستيقظة، حين مال إليها أرتجف جسدها وهو شعر بها بسبب قربهُ نحوها، هتف ببرود:

_ والدتكِ تحت.

كأنهُ أخرجها من المياه كأنها كانت على الوشك الغرق، وجدها تتنفس الهواء جيدًا، وحاولت النهوض ولكن ظهرها وألمه جعلها غصبًا تلمس ذراعه حتى تستند.

شعر بنبضات قلبها وسخونة جسدها.

سأل بقلق حين وجدها لاتستطيع أن تستند براحة:

_ أنت كُويسة؟

نظرت لهُ بلومٍ وغضب وقد لوت شفتبها سخطًا، فقال:

_ لو مش قادرة خلاص هقولها  إنك مش هتنزلي.

هزت رأسها بسرعة وهؤ تتحامل الألم وتنهض مبتعدة عنهُ:

_ انا بقيت كويسة.

رغم اعوجاح ظهرها وسيرها البطيء، شعر بتأنيب ضمير، ووضع السبب عليها لانها من حاولت استفزازهُ وفعلت كذلك عن قصد .. ولكن رؤيتها وهي تسير والألم ينهش عظامها، شعر بخجلٍ لفعلتهُ .. خصوصا أن احمرار وجنتها أثر الصفعة لازال ملحوظاً.

هبطت معهُ وهُو يمسكها ويجعلها تستند عليه غصبًا وحين رأت والدتها أسرعت نحوها ترتمي بحضنها وتجهأش بالبُكاء، نظرة والدتها نحوهُ جعلتهُ يشعر بمشاعر مختلفة، يريد أن يخبرها بأنه لم يقصد ايذائها .. ولكنه خجل من نظراتها القاسية، أخذ والدته بعد إلحاح منه حتى يرحلا وترك هالة معهما اذا احتاجا شيئا ما..

___

عادَ فهد وأخذ جُلنار إلى المنزل وأثناء سيرهم، شعر بأعين تراقبهُ كانت النسوة تنظُر لِ جلنار نظرات خُبث ومكر، لم يرتاح لها .. حين وجد والدها لم يأتي أخبرها بأن تدخل هي وأنهُ سيجلب أشياء ويأتي، ولكنهُ كان محرجاً من الدخول ووالدها ليس بهِ..

مرت ساعة وعاد وتفاجأ بوجود رجِال تقف أمام المنزل، أسرع بقلق ظنًا بأن الحج وليد توفى إلا انه شعر براحة حين وجدهُ يقف بداخل المنزل .. ويقوم بسب الرجُل الجزار الذي كان يريد الزَواج من جلنار.

صرح فهد بقلق:

_ مالك ياحج؟

_ ابن ال×× بتاع الجزارة عمال يتكلم عن جلنار وانت كلام مايتسمعش ..

هتف ذلك الرجُل:

_ واهو ياجماعة .. الراجل دخل البيت ومش عايزيني أشكُ فيها .

شعر فهد بغليان من الداخل لما يقوله ذلك السفيهِ، فهتف لِ للحج وليد:

_ قولي أعمل إيه علشان يسكتوا.

_ ل تمشي يابني، ل تتجُوز جلنار ..

قالها الحج بقلة حيلة، وجَلس أرضا يضم رأسه بين كفيهِ، الأمر صعبا .. زواجه من جلنار وهي لازالت صغيرة، ولكن نظرات عينيها والتي كانت ترجوه بالاختيار الثاني جعل قلبهُ يضطرب ..

خرج للرجال وقال بصوت عالي:

_ انا وِجُلنار هنتجوز الليلة دِي.

وأسكت أفواهم.


الحلقه السابعه والثامنه من هنا


بداية الروايه من هنا


إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل اللي بيدور عليه من هنا 👇 ❤️ 👇 


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺


جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا


انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close