رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم الكاتبه فاطمه طه سلطان حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
اذكروا الله
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربيه
لا يستجد في حياتك شيء إلا خير، ولا يغادرك شيء إلّا لخير، ربما لن يبدو الأمر واضحًا في بداية الأمر، لكن مع الوقت ستفهم كُل شيء، وتُصبح الرؤية أكثر وضوح، فتعرف طريقك جيدًا، وتقدّر ذاتك بالشكل الصحيح، على الإنسان فهم الحياة والحكمة من تجاربها قبل إصدار الأحكام..
#مقتبسة
في يومٍ ما ستعرف أن وقتك أثمن من يضيع في حواراتٍ لا تخدمك، وعلاقات مؤذية لا تُقدم لك الكثير، ومناسبات مليئة بالنفاق الاجتماعي لا تُشبهك، وأن عليك حينها التّوقف لبرهةٍ ووضع النقط على الحروف، وإعادة ترتيب أولوياتك، وتشكيل خريطة حياتك كما تُريد وتشتهي..
![]() |
وقتك الخاص ثمين وحياتك تستحق.
مقتبسه
كان أفضل شيء يستطيع دياب فعله من أجل بهية، هو الاتصال بـ أحلام..
كونها طبيبة باطنة...
ولحسن الحظ حسب معلوماته بأن هذا ليس موعد عملها؛ الوقت مازال مبكرًا إذا لم يحدث تغيير لا يعرفه...
اتصل بها وأخبرته بأنها ستأتي بعد دقائق وبالفعل جاءت ولأول مرة تكون صادقة في موعد أعطته له...
كانت بهية بدأت تعود إلى وعيها قبل أن تأتي من الأساس، فقامت أحلام بقياس الضغط والسكر لها؛ فكان الثاني مرتفعًا وهذا ما جعلها تعطيها شيء له..
وبعدما انتهت أحلام ورحلت على الفور مخبرة أياهم بأنها سوف تأتي بعدما تنتهي من عملها وإذا حدث أي تغيير يتصلوا بها..
بعد رحيلها، تحدثت ريناد التي تقف بجانب فراش بهية تحت أنظار حور ودياب:
-أنا لازم أتصل بـ بابي يجي يوديها المستشفى مهوا مينفعش...
قاطعتها بهية بنبرة هادئة ورزينة:
-أنا كويسة وأديكي سمعتي أحلام قالت إيه، السكر علي شوية أنا مأخدتش العلاج بقالي كذا يوم طنشته..
هتفت ريناد بعفوية:
-وهي بتفهم يعني؟! أنا شايفاها صغيرة اكيد معندهاش experience...
رد دياب عليها بنبرة ساخرة من الدرجة الاولى:
-لا طلعوها من كلية الطب شفقة، جايبينها من ورا الجاموسة وجاية، سيبنا ليكي الفهم يا فيلسوفة..
تحدثت بهية بلطافة رغم إدراكها بأن الأجواء مشحونة بطريقة لم تفهمها جيدًا:
-في إيه يا ولاد بس، وبعدين استنوا لما أعرفكم على بعض، دي حفيدتي يا دياب، بنت محمد اللي شوفته كام مرة هنا وهي قاعدة معايا الفترة دي..
كيف!!
كيف من الممكن أن تحدث صدفة كـ تلك؟!
كيف تكن تلك الفتاة الفظة قريبة تلك المرأة الطيبة؟!
وجهت بهية حديثها إلى ريناد متمتمة:
-ده دياب ابن جارتي، وزي ابني بالظبط أنا يعتبر اللي مربياه..
كانت ريناد تتحدث وهي تقف بجانب بهية مباشرة تشعر بالخوف ولا تعلم لما تحديدًا وهو ينظر بها بتلك الطريقة..
كأنه سوف يبتلعها...
تمتمت ريناد بنبرة متوترة حاولت قولها بالعربية لكنها لم تفلح سيطر توترها بشكل كبير:
-اه، فرصة حزينة...
رد دياب متهكمًا:
-هي حزينة فعلا..
تحدثت هنا حور بنبرة جادة ومشاغبة كعادتها:
-جرا إيه يا بهية؟! نستيني ولا إيه؟! مش هتعرفيها على دكتورة المستقبل..
تمتمت بهية بعد ضحكة خرجت منها:
-دي بقا حور سكرة البيت...
قاطع دياب هذا الحديث كله بنبرة غاضبة ومغتاظة إلى أقصى حد؛ أخر شيء كان ينقصه فعليًا هو رؤية تلك الفتاة مرة أخرى، وفي وضع هكذا، شيء لم يأتي حتى في أحلامه:
-أنا بقول يلا نمشي يا حور علشان نسيبها ترتاح شوية...
كان تعقيب بهية غريبًا عليه فهي لم تسمع حديثه بل بدأت حواسها في العمل بفاعلية مرة أخرى:
-إيه الريحة دي؟!..
ضحك دياب ثم تحدث متهكمًا وهو يناظرها بغل كبير، فهي السبب الأساسي فيما هو فيه الآن:
-أبدًا حفيدتك الكتكوتة هتولع فيكي وفينا وفي البيت، كانت سايبة الغاز مفتوح....
كانت ريناد تقوم بسماع بعض الأغاني في الصباح وهي تضع السماعة في أذنيها وضعت البيض في طنجرة معه القليل جدًا في المياة وبعدها جلست في الشرفة تفكر فيما فعله فيها والدها واختيارها هذا الاختيار اللعين حتى لا تسجن في المنزل مرة أخرى....
أو لتكن صريحة حتى تجد طريقة مناسبة كتر عخرج من هذا المأزق وتبعد عن هنا...
وتناست أمر البيض والطنجرة تمامًا ولم تهتم بل فقدت شهيتها، فهي كانت ترغب في تناول البيض والجبن وشرائح التركي المدخن لكنها تناست كل شيء..
ولا تستطيع فعل شيء من الأساس....
لم تقف مرة في حياتها في المطبخ حتى لصنع شيء..
حتى المياة حينما تريدها كانت تأتي حتى فراشها...
و ما حدث هو أنها ولجت إلى الشقة ثم ذهبت إلى غرفة بهية وحينما وجدتها نائمة بتلك الطريقة وقامت بالنظاء عليها أكثر من مرة ولم تجب كادت أن تصرخ لكنها وجدت شاب وفتاة أمامها.....
هذا كل ما حدث...
حاولت ريناد قول أي شيء تحفظ به ماء وجهها:
-كل الحكاية إني كنت بحضر الفطار ليا وليها، ولما جيت أصحيها لقيتها كده ونسيت....
تحدث دياب منفعلًا تحت نظرات شقيقته التي ترغب في سؤاله لما هو فظًا بتلك الطريقة مع فتاة يبدو لها أنهما يرونها للمرة الأولى:
-اه واضح فعلا أن ده اللي نساكي؛ علشان كده أنتِ ماخدتيش بالك بحاجة لولا أن حور اتكلمت، ده الحمدلله أن ربنا ستر والدنيا مولعتش...
كزت ريناد على أسنانها، وكادت أن تجيب عليه وتخبره بأنه ما شأنه بها، لما يتحدث معها بتلك الطريقة لولا أن دياب هتف بنبرة عصبية:
-أنا ماشي يا بهية لو في حاجة كلميني..
قالت بهية بـ غموض وعدم فهم:
-طيب يا ابني..
___________
يقف نضال في "الجزارة" كعادته حينما يشعر بالملل في المتجر يأتي ويقوم بالجلوس قليلًا مع الشباب والرجال التي تعمل فيها...
لكنه لم يعرف بأن هناك من يراقبه من الشرفة، وبمجرد رؤيته واقفًا يمزح مع الرجالة، ولجت إلى الشقة وقررت أن تهبط له، كانت والدتها على أي حال في الشقة مع سلامة...
بالفعل كانت دقائق معدودة مرت وسامية تأتي إلى الجزازة ووقفت أمامه تقريبًا هاتفًا:
-ازيك يا نضال عامل إيه؟!.
أجاب عليها نضال بنبرة هادئة بلا تعابير واضحة وهذا ما ازعجها تحديدًا وهي تتذكر لهفته السابقة عليها:
-الحمدلله بخير، محتاجة حاجة أخليهم يحضروها ليكي؟!
-لا أنا جاية أتكلم معاك أنتَ مش عايزة حاجة.
رد نضال عليها بنبرة واضحة ولكنها خافتة:
-مفيش كلام نتكلمه يا سامية، عايزة إيه؟!
قالت سامية معترضة بانزعاج واضح:
-يعني أنا جاية لغايت عندك وعايزة اتكلم معاك ونتصالح علشان أنتَ مضايق مني، تقولي مفيش كلام نتكلمه يا سامية؟!.
هتف نضال بنبرة هادئة وهو ينظر لها:
-والله أنا معنديش أي مشكلة ولا زعلان منك أحنا في النهاية ولاد عم لكن انا بطلت أحتك بيكي زي ما كنتي طول عمرك عاوزة يا سامية إيه المشكلة بقا..
في كل جملة ينطق اسمها..
ســامـيـة..
هذا ما يزعجها هل هو متعمدًا لا تعلم ولكنها لا ترغب في الحديث في الأمر....
-أيوة بس ده مش معناه أن..
قاطعها نضال بنبرة جادة ولكنها ساخرة إلى أبعد حد:
-أنتِ مشكلتك يا سامية أنك مش عارفة أنتِ عايزة إيه بالظبط علشان كده أنتِ هنا قدامي دلوقتي، وأسف أني مش هقدر أحققلك حلمك ولا أنتِ محور الكون علشان افضل أجري وراكي...
كادت أن تتحدث لولا أنها رأت نضال أعطى كامل تركيزه وانتباهه في مكان أخر ناحية المنزل....
______________
اليوم لم تصمت أحلام...
بل كانت غاضبة إلى أقصى حد بسبب هذا التجاهل ولم تستطع الإستمرار بتلك الطريقة...
بل أرسلت له رسالة بأن يأتي في أحد المقاهي التي كانت تجلس فيها معه بعد موعد عملها، هي تريد الحديث معه بأي طريقة وخارح المستشفى لأنها لا تأخذ راحتها بها...
وهي تعلم جيدًا بأنه غير مرتبط بمواعيد أو عمليات، كونه لم يعود إلى العمل حتى الآن بشكل مباشر....
هو فقط يأتي من أجل إدارة المستشفى....
وبسبب إصرارها ورسالتها كان بالفعل يجلس أمامها هاتفًا بعدما طلب قهوته:
-إيه المهم للدرجة دي؟! إيه اللي يخليكي تتصلي بيا كل ده وتجبيني بالشكل ده وإصرارك الرهيب..
أردفت أحلام بوضوح دون مماطلة:
-المهم أنك وحشتني، واني عايزة أقعد وأتكلم معاك مش عايزة أحس أنك بعيد عني بالشكل ده، ده مش كفايا؟! مفيش أهم من كده في نظري...
سألها جواد بنبرة جادة أظهرت جزء من غضبه الذي يحاول كتمه قدر المُستطاع:
-إيه اللي منتظراه من واحد أبوه بقاله شهر ميت وهو بيحاول يتأقلم على الوضع الجديد، منتظرة مني أعمل ليكي إيه، أو إيه نوع الاهتمام اللي منتظراه مني في ظروف زي دي؟!..
شعرت بالتوتر الرهيب لكنها حاولت الحديث بطريقة ملائمة:
-ربنا يرحمه، والله ربنا وحده يعلم قد إيه أنا زعلانة عليه، وأنا مش عايزاك تهتم بيا ولا عايزة حاجة قد ما أنا عايزة أنك تسمحلي أقف جنبك، تسمحلي إني حتى أشاركك حزنك يمكن أقدر أخفف عنك..
أجاب جواد عليه بنبرة مقتضبة:
-في ظروف مينفعش الواحد حد يخفف عنه فيها لازم يمر بيها لوحده ويعديها لوحده...
هتفت أحلام بنبرة جادة:
-جواد لو أنتَ بتتهرب مني أنا...
قاطعها جواد بانزعاج واضح وهو يطالعها بغضب يبدو أنه حان وقت أنفجاره:
-تاني يا أحلام؟! بتعيدي نفس الكلام تاني وأنا لسه بقولك اللي فيا..
صمت لدقيقة واحدة ثم تحدث بصراحة مطلقة:
-وبعدين أنا عمري ما اتهربت منك، ولا عمري بعدت عنك لأني مكنتش قريب من الأساس وأنتِ السبب عمومًا في وضعنا الغريب واللي مش مفهوم ده.
رددت أحلام كلماته باستنكار شديد:
-أنا السبب ليه بقا مش فاهمة؟! أنتَ عايز تطلعني غلطانة وخلاص؟! مع أنك بتتهرب مني وبتبعد عني مهما كان معاك حق في الظروف اللي بتمر بيها، حتى في المستشفى مبقتش تعبرتي..
هتف جواد بانفعال وقد طفح الكيل حقًا وهو لم يعد يستطيع أن يظل صامتًا:
-أنا مش بتهرب منك يا أحلام، أنتِ اللي بتعملي ده، من أول يوم شوفتك فيه أنتِ عجبتيني فعلا، وحبيت أساعدك في شغلك، حبيت أقف جنبك بكل الطُرق قولتلك كل حاجة لا وهمتك ولا غيره لكن أنتِ اللي كنتي بتماطلي وبتأجلي..
شحب وجه أحلام وهو يسترسل حديثه:
-أحنا عمرنا ما كنا قريبين علشان نبعد، واه أنا بقلل احتكاكي بيكي فعلا في المستشفى علشان محدش يتكلم عليا أو عليكي لأن الموضوع بوخ أوي كنت الأول بقول بابا عارف، شوية وهنتجوز وساعتها محدش هيقدر يتكلم، لكن أنتِ اللي فضلتي تماطلي مع إني بدل المرة ألف طلبت منك رقم أي حد من اخواتك أكلمه...
تمتمت أحلام وهي تحاول أن تدافع عن نفسها بأي طريقة وألا تخسر في تلك المعركة:
-أنا كنت خايفة وقلقانة من فكرة أننا نتجوز وأنتَ متجوز وكنت لسه صغيرة ومتخرجة وطبيعي أكون متوترة، أنا ضيعت سنين وأنا جنبك يا جواد مش علشان في الآخر تقولي الكلام ده...
عقب جواد بنبرة صريحة صدمتها كليًا:
-ضيعتي السنين دي بمزاجك، أنا مضحكتش عليكي ولا لعبت بيكي ولا عيشتك في وهم أنتِ عارفة أني عايز اتجوز وأنا متجوز وعارفة إني مش ناوي أطلق مراتي، ومقعدش اضيع معاكي وقت بل بالعكس بعد شهور قليلة من معرفتي بيكي عرضت عليكي الجواز وخليت بابا الله يرحمه يكلمك وكنتي عارفة أن رانيا معندهاش مشكلة..
بكت في ثواني وهي تتقن الدور على أكمل وجه:
-يعني بعد ده كله عايز تتخلى عني وتسيبني ولا أنتَ عايز إيه بالظبط بكلامك ده؟!، عايز توصل لإيه؟!، أنا غلطانة يعني إني حبيتك؟! أنا بحبك بس خايفة أكون زوجة ثانية..
دور الضحية دورها المفضل على الأغلب..
هو لا يصدقها ولم يعد يصدق تصرفاتها وأفعالها..
أو حتى حبها كما تدعي...
هي قامت بفرض وضع غير معلوم بينهما...
لا هي زوجته ولا هي شيء في حياته..
ولا حتى أمرأة تعمل في مكانه..
ليست هي المذنبة الوحيدة هو مثلها ايضًا....
لكنه كان في غفلة رُبما، كان ينتظرها، وينتظر أن تسمح له بأن يقترب خطوة جادة، وظن في أنتظار تلك الخطوة لما يقارب ثلاث سنوات تقريبًا وأكثر...
لم يكن وقتها يدرك أهمية الوقت، لكن بعد وفاة والده الكثير من الأشياء تغيرت في نظره...
بدأ بالفعل يعيد حساباته كلها..
ولم يعد يلزمه علاقات وهمية غير مفهومة...
لكن بالرغم من هذا كله مد يده لها بمنديل ورقي هاتفًا:
-بطلي عياط يا أحلام ملهوش لزوم كل ده وأجلي الكلام وقت تاني...
قال ما عنده...
لكنها حاولت أن تستفزه عاطفيًا كما كانت تفعل دومًا...
وتجعله يصبر عليها...
لكن الفارق الوحيد أنه في السابق كان يصدق...
لكن الآن هو يحاول أن يريح عقله من المناقشة الآن......
___________
كانت سلمى تقف بجانب جهاد التي تهتف وهي ترفع سبابتها في وجه سلامة:
-متقوليش اهدي...
رد سلامة عليها ساخرًا وهو يقلد حركتها بأصبعها:
-لا صوتي ولمي علينا الشارع متهديش، وبعدين أعملك إيه ده اللون اللي اخترتيه.
هتفت جهاد بنبرة جادة:
-لا ده أفتح من اللي طلبته يا سلامة متشتغلنيش أنا بركز كويس..
أتت جهاد اليوم مع شقيقتها لرؤية ألوان الحوائط التي انتهت وكانت قد طلبتها بنفسها، ووالدتها كانت في العمل لذلك من أتت معها شقيقتها الكبرى سلمى وصعدت معهما "انتصار" وقام بمصافحتهما ووداعهما عند شقتها وتركت سلامة يقوم بتوصيلهما...
قال سلامة بنبرة واضحة:
-اللون هو هو أنتِ بتتلككي والله...
هتفت جهاد بإصرار شديد وهي تنظر له بجدية:
-لا يا سلامة مش هو أفتح درجة من اللي طلبته أنا مش عامية...
قالت سلمى وهي تحمل بعض الأكياس، فهي كانت تقوم بشراء ما يتبقى لشقيقتها من ملابس من أجل زواجها، وقابلهما سلامة وأتى بهما إلى هنا وكان يحمل الأكياس من سلمى ولكن عند هبوطهما تناسى الأمر أنشغل في شجار غريب من نوعه وجديد..
-جهاد ممكن اختلاف اضاءة مش أكتر وأنا مش شايفة أنه في فرق كبير..
تمتم سلامة بنبرة جادة:
-أهو شهد شاهد من أهلها أنا متكلمتش...
" في إيه يا جماعة صوتكم عالي كده ليه "
كان هذا تعقيب نضال الذي أتى وخلفه سامية تلاحقه بغيظٍ كبير من تجاهله لها حتى أنه تركها وأتى إلى إليهما بعدما شعر بشجار يشب بينهما...
تمتم سلامة بانزعاج واضح:
-جهاد مش عاجبها اللون اللي هي اخترته..
تحدثت سلمى بعد سلامة معقبة:
-هو اختلاف إضاءة والله مش أكتر وأنا شايفة أنه هو هو..
هتفت جهاد بغضب وهي تعقد ساعديها:
-لا أنا شايفاه أغمق..
عقب نضال بعدهما ببساطة وهدوء:
-ممكن تشوف اللون اللي اخترته قبل كده ولو مش هو فعلا وفي اختلاف عرفوه لأنه هيكون غلطه هو مش غلطكم يعني وممكن يمكن هو هو وأنتِ متهايقلك يا جهاد..
تحدثت سامية بنبرة عالية بعض الشيء على ما يبدو الجميع تناسى وجودها:
-ازيك يا جهاد وازيك يا سلمى..
"الحمدلله"
"تمام".
الأول كان رد سلمى...
أما الثاني كان رد جهاد...
تحدث نضال بعتاب واضح إلى سلامة:
-يعني عمال تتخانق أنتَ وجهاد وسايبين سلمى شايلة الشنط دي كلها لوحدها..
عقبت سلمى بحرج وهي تزيد من إحكام قبضتها على الحقائب:
-لا مفيش حاجة أصلا كلهم حاجات خفيفة..
أخذ سلامة منها جزء ونضال فعل المثل تحت نظرات سامية المحترقة، بينما تحدث سلامة بأسفٍ:
-حقك عليا يا سلمى أهو اختك السبب..
تمتمت جهاد بسخرية:
-ما كفايا يا ملاك بقا..
تمتم نضال بنبرة جادة:
-يا جماعة مفيش حاجة والله مستاهلة الخناق، حتى لو مش عايزة اللون يتغير، كفايا مشاكل ملهاش لازمة كل دي حاجات بسيطة جدً..
ردت سامية عليه بانزعاج واضح:
-بيعجبني فيك عقلك الكبير..
كانت سامية تشعر بالضيق والاختناق..
فهي دون سبب حقيقي تبغض جهاد وسلمى والأكثر سلمى منذ الصغر ولا تعلم لما حتى..
لكنه شعور دون سبب واضح وصريح..
فهناك أشخاص في حياتك لا تتقبلهم دون سبب..
لا تتألف روحك معهم..
تحدثت سلمى وهي بدأت تشعر بالضيق من تلك الأجواء العجيبة بالنسبة لها:
-يلا يا جهاد بقا نروح زمان ماما راجعة من الشغل وأبقي شوفي هتعملي إيه بعد كده يلا..
ونظرت لها نظرة ذات معنى أظهرت فيها انزعاجها وانصاعت جهاد لها هاتفة بخنوع لا يليق بها:
-ماشي يلا..
-ممكن الشنط...
كان هذا حديث سلمى التي وجهته إلى نضال وسلامة لكن نضال أعطى الحقائب إلى سلامة مغمغمًا:
-وصلهم يلا وكفايا مشاكل وانا شوية كده وطالع....
هتف سلامة بهدوء:
-ماشي..
رحلت سلمى وجهاد وخلفهما يسير سلامة، وهنا تحدثت سامية بنبرة ساخرة:
-واضح أن اللي حصل علمك تتعامل مع البنات كويس بدل طريقتك اللي كانت معايا دي...
قاطعها نضال بنبرة منزعجة فهي تضغط على جرحه الذي يحاول تضطميده بمفرده، ويحاول نسيانه والتخطي لكنها لم تأتي للاعتذار بقدر إتيانها حتى تغضبه تقريبًا..
-اللهم طولك يا روح، سامية كفايا كده أطلعي بيتكم، وربنا يهديكي..
رحل نضال متوجهًا صوب الجزارة مرة أخرى تاركًا أياها....
____________
ألـــم عــظــيــم...
تشعر به إيناس كأي أمراة تتعرض للانفصال....
تحديدًا أمرأة تمر بظروفها وظروف عائلتها...
فـهي تشعر نفسها حِمل ثقيل جدًا على شقيقها...
ينام طفلها على الفراش، تداعب خصلاته بأصابعها وعقلها في مكان أخر تحاول التفكير في أي شيء لكن كل شيء أمامها أسود بشكل مخيف...
حسنًا هي تعلم بأنها تخلصت منه..
تخلصت من حياة هكذا..
من حب لم تجده..
حبه كان وهمًا جعلها تعيش فيه، هو لم يفعل معها أي شيء قد يدل حقًا بأنه يُحبها كما كان يزعم...
تنهدت تنهيدة طويلة تحاول التوقف عن التفكير حتى ولو لبضعة دقائق لكن لا تستطيع أبدًا...
الرؤية معتمة بالنسبة لها إلى حدٍ كبير...
مرت خمس سنوات وأكثر رُبما على تخرجها ومن وقتها لم تعرف شيء أكثر من زوجها وأطفالها، منزلها، لا تعلم أي شيء عن سوق العمل حتى كليتها لا تتذكر منها أي شيء، وفي النهاية الدراسة شيء أخر مختلف عن الدراسة..
جاءت والدتها حُسنية متحدثة بنبرة هادئة وهي تقترب منها وتجلس على طرف الفراش:
-إيه يا بنتي هتفضلي طول اليوم قاعدة في الأوضة كده...
هتفت إيناس بنبرة جادة:
-في حاجة في البيت محتاجة إني اعملها معاكي؟!.
ردت عليها حُسنية بانزعاج:
-مفيش حاحة يا بنتي تعمليها كل حاجة زي الفل، أنا بتكلم علشانك هتفضلي حابسة نفسك كده؟!.
تمتمت إيناس بفتور:
-المفروض اعمل إيه يعني؟!.
-عيطي مداريش وجعك وزعلك على الأكل، أنك تكتمي جواكي ده غلط يا حبيبتي أنتِ لسه صغيرة أوي على الكلام ده..
كانت كلمات والدتها بمنزلة تصريح وإفراج لدموعها التي هبطت دون توقف هاتفة وهي تحاول أن تكون متماسكة قدر المُستطاع:
-أنا زعلانة على نفسي أوي يا ماما، مقهورة بشكل هيموتني مش زعلانة علشانه، الانسان بيزعل على وجعه وقهرته، وكسرته، مبيزعلش على الشخص، بيزعل على نفسه وعلى مشاعره ووقته...
أمسكت والدتها كف يدها بحنان واضعة أياه بين كفيها متحدثة:
-متزعليش يا حبيبتي، كله مقدر ومكتوب ونصيب، على الأقل أنتِ قدام نفسك عملتي كل اللي عليكي علشان في يوم من الأيام متلوميش نفسك أنك كان المفروض تحاولي تاني ولا لما عيالك يكبروا محدش يلومك في حاجة؛ أنا عارفة أن كل حاجة في أولها صعبة؛ بس ربنا مبيعملش حاجة وحشة..
مسحت حُسنية دموع ابنتها بأناملها الحنونة وهي تنظر لها بأسفٍ شديد وحزن واضح..
عقبت إيناس عليها بنبرة جادة:
-كنت فاكرة أنك هتقولي كلام غير ده، لأنك مكنتيش عايزاني أطلق...
تحدثت حُسنية ببساطة شديدة وهي تشرح موقفها:
-أنا مقولتش مكنتش عيزاكي تطلقي كل اللي كنت بقوله فكري كويس، مهما كان الشخص اللي احنا عايشين معاه وحش أو مهما كانت ظروفه وحشه أو ظروفنا مينفعش اقولك اطلقي من غير تفكير؛ لازم تفكري كويس في قرارك وتعرفي أنتِ عايزة ايه..
ابتلعت ريقها وتحدثت بنبرة حنونة:
-خراب البيوت مش بالساهل ودي حقيقة لازم الانسان بيحاول مرة واتنين وتلاتة، الطلاق مش حاجة سهلة، انا عمري ما أقبل باهانتك ولو كنت اعرف من بدري كنت ادخلت، أصلا سكوتك ده كان أكبر غلط، وحتى لو كنتي هترجعي كنا هنرجع بكذا قعدة علشان يعرف غلطه لكن خلاص الموضوع خلص واللي حصل ده أكيد خير للكل...
أخذت إيناس كف والدتها قامت بتقبيله بامتنان حقيقي ثم أردفت وهي ترتجف:
-خايفة من اللي جاي يا ماما أوي، خايفة، عمرو مش هيدفع فلوس لعياله أنا عارفاه وأنا تقلت عليكم وعلى دياب أوي كده وهو المفروض على وش جواز غير مصاريف دروس حور غير أنه قاعد من الشغل وأنا عارفة كويس أن معاش بابا مش بيكفي حاجة...
تمتمت حُسنية بحنان شديد:
- ربنا يسترها ويكرمه ويكرمك أنتِ كمان لما قسيمة الطلاق تكون في ايدك ساعتها تقدري تقدمي على المعاش، وواحدة واحدة الدنيا هتتعدل فكري بس في نفسك دلوقتي...
ثم أسترسلت حديثها وهي تضع يدها على وجنتي ابنتها:
-بقولك ايه يلا البسي أنتِ والعيال ونقابل حور وهي راجعة من الدرس ونشرب عصير عند ***** اهو ننزل نتهوى شوية..
____________
يقوم نضال بتحضير العشاء...
لكنه توقف في منتصف تحضيره وتوجه صوب غرفة سلامة تحديدًا بعدما قام بالاتصال بوالده ولم يجب عليه..
كان الباب مفتوحًا وسلامة مستلقي على الفراش وبين يديه هاتفه، تحدث نضال باستفسار:
-هو مش ابوك تحت؟! مش أنتَ لسه طالع من عنده؟!.
هز سلامة رأسه في إيجاب مما جعل نضال يعقب باستغراب:
-أومال مش بيرد عليا ليه؟!.
رد سلامة عليه بجدية زائفة:
-علشان حضرتك كاسر بخاطره ومزعله، بقالك فترة؛ وبتخلي الراجل يكتم مشاعره...
أردف نضال باستغراب وهو يشير على ذاته:
-أنا؟!..
هز سلامة رأسه مؤكدًا، ثم أردف بنبرة ممازحة:
-جرب كده تكون مكانه وحد يمنعك عن البنت اللي بتحبها وشوف مشاعرك هتنهار ازاي...
نضال يعلم جيدًا بأن سلامة يستفزه ولا يقبل بالوضع ولكنه يحب دومًا خلق جو من المرح...
أسترسل سلامة حديثه بمرحٍ:
-الله يسامحك الراجل ولا عايز يشرب ولا يأكل وقاعد تحت ومش هيطلع يأكل معانا يا عاق، ربنا ما يرزقني بعيل عاق زيك..
-أنا مش عارف أنا قاعد معاكم بعمل إيه غير أنه بيتحرق دمي كأنكم أنتم الاتنين عايشين في كوكب موازي..
سأله سلامة بجدية:
-طب ما تجرب يا أخي تعيش معانا حارم نفسك من المتعة ليه، دي متعة، إثارة تشويق..
ثم أسترسل حديثه بعتابٍ:
-وبعدين فين الأكل؟!.
-هو أنا الخدامة اللي جابها أبوك؟!.
ضيق سلامة عيناه ثم سأله وهو يعتدل في جلسته على الفراش:
-هي مش الكلمة دي بتقولها الامهات ولا إيه؟!.
رد نضال عليه بنبرة ساخرة:
-بيقولها اللي بيعمل الأكل.
بعد محادثة حاول سلامة فيها أن يمرح فيها ويستفز شقيقه في نفس الوقت كعادتهما كل ليلة...
فـ سلامة قد يشبه والده في الطباع، لكنه يمتلك وجه والدته وملامحها، أما نضال يمتلك ملامح زهران ولا يمتلك الكثير من صفاته...
ذهب نضال ليستكمل طهي الطعام ليصدع صوت هاتفه يعلن عن إتصال من صديقه طارق، مما جعله يجيب عليه فاتحًا مكبر الصوت وهو يقوم بتقطيع الخضروات......
-بقى كده يا نضال يحصل كل ده لدياب ومتقوليش؟! لولا أن أحلام قالتلي مكنتش أعرف، وأنا بقول بقالي فترة طويلة كل ما بتصل بدياب يا اما يرد عليا وميكملش دقيقتين ويقفل بأي حجة يا ميردش عليا ويبعتلي رسالة أنه مش فاضي..
عقب نضال على حديث صديقه الذي يأتي من الهاتف وهو يقوم بعتابه بشكل واضح:
-أنا مقدرش أقول حاجة مدام صاحب الشأن متكلمش يا طارق وبعدين يعني اكيد دياب كان هيفوق وهيحكي ليك كل حاجة...
تمتم طارق بسخرية:
-اكيد مش كل مشكلتي أن دياب يحكي ليا، مش هاخد جائزة يعني، مشكلتي إني مضايق إني بعيد ومش قادر أقف جنبه ولا أعمله حاجة..
قال نضال بأسف بعدما توقف عن تقطيع الخضروات:
-يمكن علشان كده هو مقالش ليك علشان أنتَ بعيد وميشغلش بالك على الفاضي وبعدين متزعلش أنا نفسي مش عارف أعمله حاجة بسبب موضوع شغله ده كمان، والمشكلة إني عارف كويس أنه في وضع صعب جدًا والوضع كمل بطلاق أخته...
ثم أسترسل نضال حديثه وهو يخبره بجدية:
-كنت عايز أعرض عليه يشتغل معانا بس أنتَ عارفة هيفضل يقول لا، وهيقرفني، كنت بفكر أخلي ابويا هو اللي يكلمه..
سمع صوت ضحكات طارق رغمًا عنه:
-أنا مش متخيل أنك عايز أبوك اللي يقنعه ده هما علاقتهم قط وفأر ولا كأنهم من سن بعض ولا توأم..
-معرفش بقا يا طارق بحاول أوصل لحل..
هتف طارق على عجلة من أمره:
-طيب أنا هقفل دلوقتي علشان أنا في الشغل أصلا لما أروح البيت هكلمك، وهفكر ممكن نساعده ازاي وهقولك يلا سلام..
-سلام.
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا كان نضال يهبط على الدرج إلى حيث تتواجد شقة أبيه...
سلامة ونضال يجلسون في شقة الزوجية التي تخص زهران وزوجته الأولى والدة نضال وسلامة...
أما زهران أنفصل عنهم حينما رغب في الزواج فقام بتجهيز شقة أخرى في البناية له..
فقط في زيجاته الأولى حينما كان عمرهما صغير كان يجلسا معه في الأسفل...
لكن حينما ولجوا في مرحلة المراهقة انفصلوا عنه..
وجد نضال باب الشقة مفتوحًا ليدخل إليها ليجد الشاب الخاص بتوصيل الطلبات في مطعمهم " كبابجي" يقف في الشقة مع والده ومعه بعض الأكياس غير الأرجيلة الموضوعة أمام والده والكثير من الأكياس الخاصة بالمقرمشات، والفول السوداني، والفواكة...
-خد دول عشانك كتر خيرك تعبتك يا حسن.
رد عليه الشاب بابتسامة وهو يأخذ منه النقود:
-تعبتني إيه بس يا معلم زهران تعبك راحة، ولو مش عايز حاجة تاني أنا هنزل بقا علشان معايا طلبات تانية...
-ماشي روح أنتَ..
" يا مساء الخير "
قالها نضال وهنا تخشب وجه زهران بعدما كان بشوشًا، بعدها قام نضال بمصافحة الشاب وتوصيله حتى البوابة ثم صعد مرة أخرى إلى أبيه هاتفًا.....
-هو ده الانهيار...
عقب زهران بنبرة جادة للغاية:
-اه بفش غلي في الأكل أعمل إيه يعني لحضرتك وبعدين هو أنتَ اللي بتربيني ولا أنا اللي بربيك؟!!!..
تمتم نضال بنبرة ساخرة من نفسه:
-رغم إني عارف أن سلامة بيحور عليا، وأنكم أنتم الاتنين فيكم حاجات مع بعض إلا إني ولو لمدة ثواني فكرت أنك مضايق بجد وهلاقيك مجروح بتسمع هاني شاكر وتامر عاشور..
- أنا لما بضايق لازم اجيب كباب ضاني وريش، وفتة وموزة كده غير كده جرحي مبيخفش، وبعدين أنتَ جرحتني جامد لولا موضوع دياب شغلنا أنا مكنتش اتكلمت معاك بس أعمل إيه في قلبي الطيب...
رد نضال عليه باعتراف صريح:
-لا مدام وصلت للموزة يبقى فعلا أنتَ اتجرحت يا بابا حقك عليا......
______________
في اليوم التالي...
كان يجلس نضال برفقة دياب وكان الاثنان في انتظار سلامة الذي ذهب لتوصيل خطيبته بعد عودتهما من العمل سويًا....
تحدث دياب بنبرة مختنقة:
-هو أخوك فين كل ده؟!.
رد نضال عليه بعدما أخذ رشفة من مشروبه:
-ما قولتلك راح يوصل خطيبته..
سخر دياب منه متحدثًا بنبرة متشنجة:
-مش ملاحظ أن خطيبته دي ساكنة معاكم في نفس الشارع ونفس الشارع ده اللي على ناصيته القهوة اللي أحنا فيها...
تمتم نضال ببساطة شديدة وهو ينظر له بـ شكٍ:
-يبقى بيتخانقوا عند بيتها الطبيعي يعني، وبعدين هو أنتَ مالك قالب وشك كده ليه؟! وبتتكلم من تحت ضرسك من ساعة ما شوفتك وامبارح طول اليوم مختفي ومش بترد عليا..
رد دياب عليه ساخرًا:
-وإيه اللي المفروض واحد زيي يعمله في الظروف ده أقوم أرقصلك؟!..
لم تكن عادة دياب أن يشتكي طوال الوقت...
لكن الآن لديه الحق بما يمر به...
وتلك الإجابة تحديدًا حاول أن يخفي بها انزعاجه من رؤيتها...
-لا مليش في الحاجات الناشفة بعد الشر عليا..
وأسترسل حديثه بجدية فهو لم يصدق تلك الإجابة:
-معاك حق بس مش ده اللي مضايقك واضح أن فيه حاجة جديدة، لو حابب تقول قول؛ مش حابب براحتك بس اللي متاكد منه أن السحنة اللي قدامي دي في حاجة خلتها تتقلب بالشكل ده...
تحدث دياب بانزعاج واضح، هو لن يخفي ما حدث له أكثر من ذلك:
-فاكر البت اللي ما تتسمى اللي هي السبب أني أسيب الشغل؟!.
ضيق نضال عيناه وغمغم باهتمام شديد وهو يعقد ساعديه:
-ايوة مالها؟! إيه اللي جابها في بالك تاني؟!.
رد دياب عليه بنبرة متشجنة:
-وهي كانت بتروح من بالي يعني؟! ده أنا كل ما بفتكرها ببقى عايز أمسك في زمارة رقبتها أو أرنها علقة...
لم يفهم نضال ما يحدث مما جعله يقول باستغراب:
-طب وإيه المشكلة دلوقتي، إيه اللي حصل جديد يعني؟!..
هتف دياب بنبرة هادئة وهو يعتدل في المقعد البلاستيكي يخبره بما حدث:
-اللي حصل إني صحيت امبارح الصبح عادي جدًا، نزلت اشوف بهية عادي جدًا علشان شمينا ريحة غاز..
تمتم نضال بعدم فهم:
-ما تقول في إيه يا دياب علطول إيه جو الكلمات المتقاطعة ده ما تنطق مرة واحدة..
قال دياب ساخرًا:
-المحروسة هي اللي كانت هتولع في العمارة، طلعت قريبة بهية..
سأله نضال بغباء جعل المتبقى من صبر دياب ينفذ:
-ايوة مين المحروسة دي؟!.
-رانيا..
-رانيا مين؟!..
تمتم دياب يحاول تذكر أسمها هو يحفظ وجهها جيدًا الذي ألقى بالمشروب عليه لكنه ينسى اسمها:
-مش رانيا، راندا...
يسأله نضال بانفعال:
-راندا مين يا ابني ورانيا مين ؟!.
حاول دياب أن يتذكر اسمها وهتف أخيرًا:
-ريناد، اسمها ريناد، هي السبب في طردي اللي اتخانقت معاها يا نضال أنا لقيتها في شقة بهية وطلعت قريبتها...
أقترب نضال منه ومال عليه متحدثًا بنبرة خافتة:
-أنتَ شارب حاجة يا دياب؟! لو الظروف اضطرتك تشرب حاجة قولي ونلحق الموضوع من الأول..
صرخ دياب في وجهه وجذب بعض الأنظار:
-يا عم شارب إيه هو هتكون أنتَ وأبوك عليا؟! ولا شارب ولا منيل، اللي بقوله حقيقي هي صدفة عجيبة وغريبة بس حقيقة شوفتها في وشي وكنت عايز افصل رقبتها عن جسمها بسبب اللي انا عايش فيه طلعت هي بنت ابن اختها....
بدأ نضال يستوعب الأمر ويتذكر قريب بهية التي كان يخبره دياب عنه...
-خلاص يا دياب فكك منها بقا، ريح دماغك منها واكيد يومين وهتمشي ريح دماغك بقا هي كانت سبب، عيشك في المكان ده اتقطع لحد كده بيها أو من غيرها كنت هتمشي..
كاد دياب أن يعقب على حديث صديقه لكن نما إلى سمعه صوت هاتفه المتواجد على الطاولة ألتقطه ليجد المتصل هي خالته -سمر- أجاب عليها باستغراب ليس من عادتها أن تتصل به طوال الوقت تتحدث مع والدته فقط لكن ليس هو......
-الو، ازيك يا خالتو عاملة إيه؟!
ردت عليه سمر بهدوء..
"تمام يا حبيبي أنتَ إيه اخبارك؟!"
-الحمدلله.
سألته سمر بوضوح:
"أنتَ في البيت؟!"
تمتم دياب بـقلقٍ:
-لا على القهوة في حاجة ولا أيه؟!
"أنا عايزاك تجيلي عايزة أتكلم معاك شوية، بخصوص أمك، ومتعرفهاش أنك جاي".
هتف دياب بـتوتر فبدأ قلقه يتفاقم بشكل واضح:
-أنا ابتديت أقلق قولي في إيه علطول؟!.
"تعالي بس أشوفك ونتكلم، أنتَ واحشني يا ابني"
_____________
اتــصـال منه لها اليوم اخبرها فيه بأنه سيأتي لها في المساء.....
ولم يعطها أي تفاصيل واضحة..
لكنها قامت بتحضير العشاء رغم أنها تعلم ما ستفعله...
أما ما سيفعله هو...
بأنه يأتي للشجار لكن لا مانع من تحضير طعام جيد على الأقل لها...
فتح جواد باب المنزل وولج إليه واستقبلت أنفه رائحة الطعام اللذيذة لكن ليس لديه شهية.....
أغلق الباب خلفه ووضع ميدالية مفاتيحه وهاتفه على الطاولة التي قابلها أثناء سيره وهو يتوجه صوب الأريكة ويجلس عليها..
لتأتي رانيا من الداخل وهي ترتدى أحدى مناماتها الحريرية التي تناسبها جدًا، هاتفة:
-نورت يا جواد.
سألها جواد باستغراب وهو ينظر لها:
-أنتِ بتعملي ايه؟!.
ردت عليه بنبرة فاترة لا تناسب ما تقوله من الأساس كأي زوجة ترغب في أن تطعم زوجها:
-بحضر العشاء جعانة جدًا، هتأكل ولا واكل؟!.
-لا واكل أنا مش جاي علشان أكل، أنا جاي علشان أتكلم معاكي...
هتفت رانيا بنبرة عادية ولامبالاة واضحة:
-ماشي مدام مش هتأكل نتكلم بعد ما أكل أنا....
قالتها ونفذتها وتناولت بشهية كبيرة تعكس تمامًا الحالة التي تعيش بها...
يعلم جواد جيدًا بأن هناك بعض الحالات تتناول الطعام ليكن هو المواساة لهم في فترات الحزن لكنها ليست هي...
لكنه بالرغم من ذلك ظل جالسًا ينتظرها حتى بعدما قامت بجمع الأطباق ووضعتها في المطبخ وصنعت مشروبها المفضل ثم جاءت وجلست على الأريكة بجواره وهي تضع قدم فوق الأخرى هاتفة بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-غريبة يعني مكنتش متوقعة أنك هتيجي بالسرعة دي، قولت بعد ما طردتني هتقعدلك شهر ولا شهرين عقبال ما تشوف خلقتي أو تفضي نفسك وتيجي...
رد جواد عليها بنبرة بدأ يظهر فيها القليل جدًا من انفعاله الذي يكبحه من الظهور:
-أكيد أنا مش هسيبك شهرين معرفش عنك حاجة؛ لو دي صورتي عندك للأسف يبقى متعرفنيش كويس ولا *** علشان يسيب مراته كل ده لوحدها...
تمتم جواد بغضب:
-أنا بجد مش فاهمك أنتِ مكسلة حتى تمثلي قدام نسمة أنك طايقاها، أتعالجي يا رانيا إيه رأيك؟!
لم يزعجها أقتراحه بل على العكس ردت عليه بسخرية شديدة:
-والله انا معنديش حاجة علشان اتعالج منها نقطة من أول السطر أنا مش حابة أعيش معاها في بيت واحد ولا أعيش مع أي حد في الحالة دي أنا حرة...
قاطعها جواد بنبرة واضحة:
-مش كل الأوقات الانسان حر، لازم الإنسان في ظروف معينة يتصرف بانسانية خصوصًا محدش جبرك باحتكاك مباشر، بس يعني أنا هكلم مين عن الانسانية والاخلاق، لو كان بس عندك منهم شوية كنتي قدرتيني كزوج أولا بيمر بفترة صعبة وثانيًا إني ابن عمك مش غريب ولا نسمة غريبة عنك..
هتفت رانيا باختصار شديد وهي تنظر له ببرود:
-أنا مش حابة أسمع شعارات أنا مش هغير وجهة نظري ولا حتى رأيي مهما قولت يا جواد ومهما حاولت معايا، لذلك أنا بقولك أهو انا مش هقبل بده، ولو دي مسؤولياتك الجديدة، فأنا عايزة أطلق علشان نخلص..
نظر لها جواد مدهوشًا هو توقع شجارًا ضخمًا ولكنه لم يتوقع استسلام أو محاولة لأن تنهي كل شيء، لم يكن يدعي المثالية ولكنه تحدث بصدقٍ..
-رغم كل حاجة حلوة ووحشة مرينا بيها يا رانيا، وحتى لما فكرت أتجوز عليكي، عمري ما فكرت أتخلى عنك، ودايما مهما حصل كان عندي عشم فيكي، بشكل غريب ولغايت وقتنا ده معرفش ليه..
قاطعته رانيا بنبرة جامدة:
-أنا مش هقبل وضع مش عاجبني...
رد جواد عليها بنبرة غاضبة ولكنها فضولية:
-نفسي أفهم إيه مشكلتك مع نسمة؟! إيه مشكلتك أنك حتى لو شوفتيها بالصدفة تقولي صباح الخير أو ازيك، إيه المشكلة لو حاولتي تتعاملي كويس وتقدري الموقف اللي أنا فيه؟! فهميني إيه الصعب أنك تكوني عندك رحمة...
هتفت رانيا بنبرة جادة وهي تهتف:
-المشكلة إني مش بتقبل اقعد في مكان فيه حالة زي دي مش اختك بس، من وأنا صغيرة شايفة أن مفيش شيء يستدعي أرهق نفسي وأقعد مع حد من الحالات دي وعلشان كده أنا مكنتش عايزة أخلف إيه الجديد واللي متعرفهوش يعني؟!......
رد جواد عليها بنبرة ألمتها حقًا تلك المرة:
-لا كان ينفع تخلفي طفل سليم ولا حتى طفل أتولد علشان يدخلك الجنة يا رانيا؛ أنتَ متخلقتيش أنك تدي ولا أتخلقتي أن يكون عندك مشاعر تديها لحتة منك مهما كان فيها، يعني افرضي أنا او أنتَ أو حتى لو كنا خلفنا طفل سليم فيما بعد حصلت له مشاكل صحية كنا هنرميه ولا لو أنا تعبت هترميني؟!!!!.
رغم أن حديثه أوجعها لكنها تحدثت بنبرة ساخرة:
-صدقني مش وقت شعارات ولا محاولات تقنعني أنا مش عايزة أكمل وشايفة أنه أنسب حل ليك وليا أننا نطلق..
-أنتِ شايفة كده؟!.
-أه، وأنا حبيت أتكلم معاك في شوية حاجات قبل الطلاق...
نظر لها جواد باستغراب:
-إيه اللي هنتكلم فيه بعد ما حضرتك قررتي تنهي كل حاجة؟! اعتقد الباقي معروف يعني مؤخرك و...
قاطعته رانيا بنبرة جادة وجشعة:
-دي حاجات روتينية ومعروفة أكيد مش بتكلم في كده، أنا كنت عايزة تكتب الشقة دي باسمي والعربية كمان اللي جيبتهالي في عيد ميلادي اللي فات وساعتها بسبب مشكلة الضرائب والحاجات اللي حصلت في شغلي معرفتش اكتبها باسمي بس دلوقتي الأمور أتحلت..
عقد جواد حاجبيه وتحدث بنبرة غامضة:
-طب العربية مفهومة، لكن اكتبلك الشقة بمناسبة إيه؟!.
تمتمت رانيا ببساطة:
-كده أنا بحب الشقة دي وهفضل قاعدة فيها، اومال هقعد في الشارع أنا بنت عمك أكيد مترضهاش ليا...
خرجت من جواد ضحكة ساخرة لم يستطع أن يكبحها...
رانيا سوف تجلس في الشارع؟!.
من أي جهة؟!
إذا ارادت شراء فيلا في الصباح ليس شقة تفعلها فقط من الأموال الخاصة بالعلامة التجارية التي انتشرت بشكل واسع لها ..
-بتتكلمي كأنك عملتي حتى بصلة القرابة بيني وبينك ولا حتى بينك وبين نسمة...
-اديني هريحك مني..
سألها جواد بنبرة لم تفهمها:
-وإيه شروطك تاني يا أستاذة سمعيني؟!...
أردفت رانيا ببساطة شديدة وكأنها لم تقل شيئًا:
-تكتب ليا أسهم أو نسبة من شركة الأدوية والفرع الرئيسي للمستشفى..
ضحك جواد قائلا بنبرة متهكمة:
-أنتِ مش قادرة تستني وتكملي على ذمتي لغايت ما أموت وتورثيني فعايزة تورثيني وأنا حي يعني ولا إيه؟!..
هزت كتفها بلا مبالاة:
-عمو الله يرحمه جوزنا علشان كده اني أكون ليا في ورثه...
قاطعها جواد بنبرة جادة وحقيقية رغم أنه يشعر بالصدمة مما تقوله:
-كان السبب من جوازنا يا رانيا أنك تكوني جنبنا، حاول يقربك مننا؛ ويخليكي جنبنا، كانت الأسباب حاجات تانية كتير أكتر من شوية فلوس وأسهم...
ابتلع ريقه رغم أنه لأول مرة يدرك جشعها الغريب، ثم تحدث بغضب:
-وبعدين هو مين اللي دفع علشان تفتحي أول فرع غيري؟! وأبويا فضل معاكي في كل فرع جديد بتفتحيه وكل خطوة بتعمليها أنتِ كنتي مديرة شاطرة وناجحة أنك تمشي الدنيا لكن البداية مكنتش تعبك ولا رأس مال يخصك، أنتِ لا أحنا اللي عملنا كده حتى لو أنتِ كملتي..
-بس هو نجاحي، وأنا دي طلباتي علشان نطلق..
تمتم جواد بنبرة جادة ولأول مرة يدرك بشاعة ما يعيشه معها أو مع أحلام حتى:
-العربية هكتبها، الشقة هكتبها علشان بس أنا مقدرك لأخر لحظة ومؤخرك هتأخديه الضعف لكن أسهم في شركات أبويا أو المستشفيات بتاعته لا..
-مستسخر فيا؟!
رد عليها وهو يرفع حاجبيه بدهشة من وقاحتها:
-اه..
______________
-خالتو أنا ولا عايز أشرب ولا عايز حاجة أنا عايز افهم في إيه؟! وماما مالها..
قال دياب تلك الكلمات وهو يجلس في شقة خالته التي تقوم بوضع العصير والكعك أمام ابن شقيقتها...
تمتمت سمر بنبرة متوترة:
-هي كانت ناوية تقولكم بس عماله تأجل وكمان موضوع إيناس ده خلاها مش عارفة تقول قدامكم ازاي وعلشان ظروفك وظروف شغلك بس انا مش حابة أنها تخبي أكتر من كده..
هتف دياب بتردد:
-ايوة تقولنا إيه؟! قولي علطول متقلقنيش أكتر من كده....
ردت سمر عليه بألم وانزعاج:
-أمك عندها كانسر يا دياب ولازم تبدأ تأخد كيماوي، وهي مطنشة بقالها مدة وده خطر عليها لازم نبدأ بالعلاج علشان نقدر نسيطر على الحالة؛ لما كانت بايتة عندي روحت أنا وهي للدكتور سوا...
الفصل السابع من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
"الحياة ستحطِّمك عدة مرات، وسترى أمورًا لا تريد رؤيتها، وقد تحزن وتفشل وتُخذل من أقرب الناس لك، ولكن انهض ولا تفقد الأمل أبدًا فيجب أن تتجاوز خوفك، وندمك، وهزيمتك، فإنَّ الحياة لن تقف لتُراعي حزنك، إمَّا أن تقف أنت وتكملها رغم انكسارك أو أنَّك ستبقى طريحًا للأبد."
#مقتبسة
لم تكُن شظيةً من أنفجار، لم تكُن رصاصة من بندقية، كانت كلمة.
#مقتبسة
______________
-أنا اتصلت بيك وخليتك تيجي علشان أفكر معاك يا حبيبي، أمك لازم تبدأ علاج، تأخيرها ده مش في مصلحتها اللي بسمعه أن اليوم بيفرق وكل ما الحالة بتبدأ علاج في الأول بيكون أحسن وأحسن، وأنا مقدرة الظروف..
ابتلعت سمر حديثها وهي تضع كفها الحنون على ذراع دياب متحدثة بعاطفة قوية:
-أنا عارفة الظروف وعارفة أنك عامل اللي عليك وزيادة يا حبيبي، وأنا عمومًا هساعد باللي أقدر عليه، عندي غوشتين هـ....
قاطعها دياب بنبرة واضحة:
-الوضع مش وحش للدرجة دي يا خالتي خلي دهبك معاكي، أنا مموتش علشان حد يصرف على أمي..
قاطعته تلك المرة خالته سمر بتوبيخ واضح:
-يصرف على أمك إيه يا عبيط، ويعني إيه حد؟! دي اختي حبيبتي اللي مليش غيرها في الدنيا، ده لو هبيع هدومي علشانها هعمل كده..
تحدث دياب محاولا ألا يكن فظًا رغم أنه يحاول استيعاب الموقف قدر المُستطاع:
-يا خالتي أنا مش قصدي، بس انا لسه بحاول أجمع اللي قولتيه وفي كل الأحوال خلي معاكي حاجتك أنا امي هعالجها وفي أحسن مكان، أنا قادر على ده ولو احتجت مساعدة أنتِ اول حد هطلب مني أنتِ امي التانية..
هبط وأمسك كفها وقام بتقبيله امتنانًا وتقديرًا لها وهو يحاول كبح دموعه التي على وشك أن تهبط منه...
فهو يشعر بألم شديد يفتك بجسده كله...
سيموت مما سمعه...
رُبما لأول مرة يتألم قلبه حقًا...
أو ليكون صادقًا تلك هي المرة الثانية..
الأولى كانت يوم وفاة والده..
هبط دياب من المنزل بعد وقت ليس طويلًا قضاه مع خالته التي حاولت التهوين عليه وتقديم كل أنواع الدعم التي تستطيع فعلها معه هي وزوجها الذي أتى من العمل ووجد دياب وكان يعرف بالقصة من حُسنية حينما كانت تمكث في منزلهما..
أخيرًا بعد طريق طويل حاول السير فيه قدر المُستطاع عاد إلى المنزل مر على الطابق الأول الذي يعد مهجورًا ثم الثاني التي أصبحت تسكنه مع بهية أكثر إنسانة ازعجته واغضبنه والسبب فيما يحدث فيه رُبما لو كان يعمل الآن لكان الوضع اختلف...
أما الطابق الثالث كانت شقة جده، والتي توراثها فيما بعد والده ثم أصبحت في النهاية له ولعائلته، قد تبدو صغيرة في نظر البعض، لكنها في نظره هي عمره وذكرياته، طفولته، صباه، أحلامه ويأسه حتى شبابه تشهده الآن..
فتح الباب ليجد ابناء شقيقته يشاهدان التلفاز بينما تجلس حور على الطاولة تقوم بالمذاكرة على ما يبدو.......
سار بضعة خطوات والغريب أنه لم يلقي التحية على أي شخص ولج إلى المطبخ مباشرة ليجد ايناس تقوم بغسل الصحون رغم رفض والدتها أن تفعل شيئًا لكنها أخبرتها بأن الجلوس دون فعل شيء هذا أصعب بالنسبة لها ليس راحة...
سألها دياب بنبرة مباشرة:
-ماما فين يا ايناس؟!.
ردت إيناس عليه ببساطة:
-مفيش دخلت ترتاح في اوضتها شوية..
هتف دياب بلهفة وقد شحبت ملامحه في ثواني:
-ليه مالها؟! هي تعبانة؟! حصلت حاجة؟!..
اندهشت إيناس من طريقته وتحدثت بتوضيح بسيط وهي تشعر بالشك تجاهه:
-مفيش يا دياب أنا قولتلها تقعد ترتاح علشان تعبت في عمايل الأكل، في إيه؟! حصلت حاجة ولا إيه؟!.
يعلم بأنه يجب عليه إخبارها لكنه ليس لديه طاقة الأن ليترك الغد يحدث كل ما يجب أن يحدث فيه:
-مفيش أنا كنت عايز أكلمها في موضوع.
ترك إيناس التي أخذت تراقب طيفه وأثره ثم سار بضعة خطوات وطرق عدة طرقات على غرفة والدته ثم فتح الباب حينما أذنت له...
ولج وأغلق الباب خلفه وكانت هي تجلس على الفراش، تشاهد بضعة صور ورقية قديمة لها ولزوجها الراحل، تمتم دياب بنبرة عاطفية:
-إيه وحشك ولا إيه؟!.
ردت حُسنية عليه بحب واضح يظهر في نبرتها وعيناها وحزن عميق لم تستطع السنين إخماده:
-وهو امته راح من بالي علشان يوحشني؟! الانسان بيوحشه اللي بينساه لكن عدى سنين وهو لسه في بالي وصوته لسه في ودني.
جلس دياب بجانبها على الفراش متحدثًا:
-معقول كنتي بتحبيه أوي كده؟!.
ابتسمت حسنية بخجل وكأنها مازالت ابنة السابعة عشر الذي تزوجت حديثًا:
-مكنتش اعرف اني بحبه الحب ده كله، كنت بتكسف اقوله بحبك، بس هو كان بيحبني أوي بس مكنش بيقولها كتير..
ابتسم دياب وقلبه على وشك أن ينفطر وهو يسألها:
-وعرفتي منين أنه بيحبك الحب ده كله وهو مش بيقول كتير؟!.
تنهدت حُسنية وأجابت عليه بتوضيح واستفسار:
-في ضحكته؛ ونظرته، في كل تفصيلة مع بينا، في تقديره ليا، تسلم ايدك اللي بيقولها بعد كل أكله، كان بيراضيني، كان كفايا عندي أنه يروح فرنه العيش البعيدة اللي بتعمل عيش حلو علشان انا بحبه، كنت أحب لما يجي من الشغل يروح يجيبلي أنا الخضار علشان متعبش أو يقابلني في السوق يشيل معايا..
شعر بالألم في نبرتها تحديدًا وهي تخبره:
-عمره ما مد ايده عليا، ولا اتعصب عليا مهما عملت ولا صوته علي عليا، ولا فرج الناس عليا زي ما الرجالة بتعمل، معرفش ليه حصل في بنته كده رغم أنه كان بيراعي ربنا في الكل، فيا وفيكم وفي كل اللي يعرفهم......
تحدث دياب ودمعة فرت من عينه رغمًا عنه وحاول الحديث بنبرة مرحة:
-أهو أنتِ وبهية اللي رافعين سقف توقعاتي زيادة أوي، ومبقاش فيه الكلام ده ليلى علطول فضحاني اني مقصر معاها...
رفعت حُسنية كفها بحب ووضعتها على وجنتيه:
-الست هي زرعتك زي ما هتديها هتديك، وأنتَ بتحصد اللي زرعته؛ ولو الأرض بور دي مش مشكلتك لأنك مهما عملت مش هتحصد.
ضحكت ثم غمغمت بعتاب:
-شوف عمال تخليني أقول إيه وأنا بتكلم في العموم لكن ليلى غلبانة وبتحبك وبعد الجواز هتكون تحت طوعك مش طوع أمها والأمور هتختلف..
أستدار برأسه وترك قُبلة وضعها على كف والدته الموضوع على وجهه تاركًا أمر ليلى تمامًا الآن...
-ليه خبيتي عليا؟!.
سألته حسنية باستغراب:
-خبيت عنك إيه يا ضنايا؟!.
رد دياب عليها وهو يضع كفها بين كفيه ضاغطًا عليه برفق:
-أنا كنت عند خالتي وهي قالتلي كل حاجة..
شحب وجه حُسنية ثم تحدثت بانفعال:
-كده يا سمر والله ليا حساب تاني معاكي..
رد دياب عليها بنبرة حاول جعلها مرحة:
-حرام عليكي ده الست كانت هتخلع الغوشتين اللي حيلتها اللي كل ما تتزنق تبيعهم وتعمل جمعية بعدها تجيبهم تاني، علشانك..
هتفت حُسنية بهدوء:
-أنا كنت هعرفكم بس الظروف مش مناسبة يا ابني وكمان هروح أقدم في ******..
قاطعها دياب بنبرة واضحة:
-مفيش حاجة أهم منك يا امي ولا طلاق إيناس ولا حتى شغلي ولا أي شيء في الدنيا ولازم في أقرب وقت لو بكرا، تبدأي العلاج مش هنستنى ومش هتقدمي في حاجة انا هتصرف..
قالت حُسنية برفض تام:
-هتتصرف منين؟! وبعدين مالها ما كل الناس بتروح يا حبيبي هو أنا بس، وبعدين المستشفيات الخاصة غالية على الفاضي..
-ماما في الموضوع ده مش هنتناقش، هتتعالجي في أحسن مكان، وأنا كفيل بده أهم حاجة صحتك وريني التقارير والحاجة أصورها..
سألته حُسنية باقتضاب:
-ليه؟!.
قال دياب كاذبًا:
-هبعتهم لحد يشوفهم يمكن يكون له وجهه نظر مختلفة عن الدكتور اللي روحتيه..
_____________
استيقظت أحلام في الصباح الباكر..
صنعت بعض الشطائر إلى شقيقتها ولها، حتى تتناولها عند استيقظاها....
وجدت أن الوقت مبكرًا من الممكن أن تنام ساعة أخرى فولجت إلى فراشها بالفعل وكانت على وشك أن تخلد إلى النوم مرة أخرى لكن قاطع رغبتها إتصال ما...
أخذت هاتفها، لتجد أن المتصل....
هو دياب...
تأففت أحلام بانزعاج يبدو أن الموضوع هي بهية سيجعلها تأتي مرة أخرى لها وهي ترغب في الراحة قليلًا...
فكرت في تجاهل المكالمة لكنها في النهاية تنهدت وأجابت عليه:
-ألو..
منذ ليلة أمس وإتيانه من عند خالته وبعدها حديثه مع والدته وهو طوال الليل مستيقظًا...
جالسًا في الشرفة لا يتواجد معه غير سجائره يحرق ذاته بها......
-معلش يا دكتورة بزعجك على الصبح..
قاطعته أحلام بنبرة جادة:
-لا مفيش ازعاج ولا حاجة، هي طنط بهية تعبت تاني ولا إيه؟!.
هتف دياب بتردد:
-لا مش بهية أنا بكلمك بخصوص أمي.
أعتدلت أحلام في جلستها متحدثة باستغراب:
-ليه مالها طنط حُسنية؟!
رد دياب عليها مختصرًا:
-الموضوع طويل أنا صورتلك اشاعات وتقارير وبعتهالك على الواتساب، شوفيها وهتفهمي اكتر المهم هي عندها كانسر في الثدي والدكتور اللي راحت عنده قالها لازم تبدأ كيماوي بس أنتِ عارفة قوائم الانتظار في معاهد الأورام.
شعرت أحلام بالأسف متحدثة:
-ألف سلامة عليها..
-الله يسلمك..
تحدثت أحلام بنبرة عادية:
-طب أقدر أساعد ازاي ولا أعمل إيه؟!
هتف دياب بتوضيح بسيط:
-أنا طول الليل عمال ابحث على النت وفي كل حتة عن دكاترة تكون كويسة وفي الغالب كله بيتكلم عن دكتور ماجد عبدالله شاهين وعرفت أنه بيجي بجانب عيادته الخاصة في المستشفى عندكم مرتين في الأسبوع، أنا اتصلت بالمستشفى وعرفت أن برضو في انتظار.
قالت أحلام بنبرة عملية:
-أه دكتور ماجد صعب تحجز عنده أصلا، هو حتى بيشوف الحالة مرة ومرتين وبعدين بيحدد كورس العلاج وبتكمله الحالة مع المساعدين والدكاترة اللي شغالين معاه، بس هو كشفه غالي أوي والعلاج عنده و.....
قاطعها دياب بنبرة واضحة:
-عارف أنه غالي لأني اتصلت بالمستشفى ومش دي المشكلة أنا متصل بيكي بس علشان لو تقدري بأي طريقة تحجزي لينا أنتِ في أقرب فرصة النهاردة قبل بكرا هتعرفي؟!.
تحدثت أحلام بنبرة جادة:
-لا هعرف منين...
ثم صمتت لثواني معدودة وهي تفكر في هذا الحديث الذي يبدو جيدًا نوعًا ما هذا يخلق نوع من الحديث معها ومع جواد الذي يتجاهلها تمامًا...
وهي لا تستطيع خسارته الآن...
الشكر لدياب بأنه أعطاها سبب للحديث معه
قالت أحلام قبل أن يتحدث دياب:
-بُص هحاول وهكلمك او عرفت أحجز بس هحاول لما اروح المستشفى هتصرف...
_____________
كل ما يحدث يصيبها بالتوتر...
العيش في هذا المنزل لا تتقبله...
ولكنها لا تقبل بأن تسجن في المنزل مرة أخرى تحاول التفكير في الأمر لعلها تجد حل...
لذلك تحاول أن تكسب وقت...
هل تذهب إلى الجامعة في الغد؟!!
تعلم بأن هناك فارق كبير بين الجامعات الدولية والجامعات الحكومية...
ولكن ماذا تفعل؟!!
أي شيء أفضل من جلوسها في هذا المنزل الغريب جدًا بالنسبة لها، والغريب بأن بهية نهضت وصنعت الطعام، صدقًا هي تشك بأن تلك المرأة ترى..
هي تصنع الطعام وتحفظ مطبخها وكل تفصيلة فيه بشكل غريب أكثر مما يبصرون والغريب جدًا أنه حينما جعلتها تتناول الطعام أعجبت بيه بشكل رهيب...
رُبما أنه كان أفضل شيء تناولته..
هي أمرأة مثيرة للاهتمام حقًا...
جاء والدها ليلة أمس ومعه بعض الاغراض، والطعام والمعلبات وبعض احتياجات المنزل، وكان رد ريناد عليه أنها لا تستطيع الطهي من الأساس لا ينقصها الامكانيات أو المعدات.....
ينقصها المهارة نفسها..
الغريب أن بهية لم تخبره بما فعلته، أنها تناست الغاز، ولم تخبره حتى بأنها قد مرضت وهذا جعل ريناد تشعر بالاستغراب الشديد...
لذلك اليوم قررت أن تتحدث مع تلك المرأة العجيبة التي مازالت تراها غريبة ولا تتقبلها...
كما لا تتقبل المكان لكنها مثيرة للاهتمام وأثارت فضولها بشكل كبير، فقط أكثر شيء يزعجه هذا الشاب الغليظ...
المستفز...
-أنتِ ليه مقولتيش امبارح قدامه عن اللي حصل؟!
هتفت بهية وهي تجلس على الاريكة المتهالكة ويتواجد بين يديها السبحة الخاصة بها..
-كده علشان هو زي اللي مشحون وهيفرقع من كتر الشحن اللي فيه، وعلى أخره مش حمل يسمع حاجة عن كونك مهملة...
قالت ريناد بانزعاج واضح وهي تجلس على المقعد:
-على أساس أنه متوقع يعني إني هعرف اعمل حاجة؟! هو سايبني هنا علشان يعاقبني وهو عارف كويس إني مبعرفش اعمل اي حاجة...
ردت عليها بهية ببساطة:
-بالعكس ده بيقدم ليكي احسن حاجة هيعملها في حياتك أنك تكوني انسانة مسؤولة عن نفسك..
لم يعجبها ريناد حديث بهية وانقلبت ملامحها مما جعل بهية تسترسل حديثها:
-ميغركيش أنا دلوقتي، أنا كنت دلوعة أوي زمان مبعرفش أعمل أي حاجة ولا بشيل الورقة من الارض زمان جدتك اتجوزت، وانا كنت مخطوبة بس خطيبي مات قبل الفرح، بعدها السنين عدت وفقدت امي وابويا وبعدين اختي، من بعدها الصاحب أو القريب اللي كان بيسأل الدنيا لاهته ومبقاش يسأل..
ابتلعت ريقها ثم تحدثت بنبرة هادئة:
-اتحولت من واحدة مبتعرفش تحط لنفسها جبنة في سندوتش فينو، لواحدة بتروح تقف في طوابير العيش، وتروح تجيب التموين، تنظف شفاط المطبخ، لو تعبت تأخد نفسها وتروح للدكتور لأن مبقاش في اللي يشوفك تعبانة ويقولك اوديكي للدكتور ويتحايل عليكي...
كانت بهية تحدثها وتنظر في ناحية أخرى صمتت لثواني ثم أردفت:
- حتى لما فقدت نظري بقيت معتمدة على نفسي أكتر، لو فضلتي انسانة غير مسوؤلة على نفسك وعلى حياتك وعلى ابوكي وسمعته ده هيخليكي تخسري كل النعم اللي ربنا أنعم عليكي بيها، المال والبنون زينة الحياة الدنيا، يعني المال ده رزق كبير ونعمة أنتِ فاكرة أنه شيء عادي لكن هو مش كده..
هتفت ريناد بانزعاج رغم أن الحديث أصابها لكنها كانت تكابر:
-أنا مش عيلة صغيرة ومش معنى أن الانسان غلط أنه يتحرم من كل حاجة في حياته..
ضحكت بهية ثم أردفت بنبرة جادة:
-أبوكي متهاون أوي يا ريناد واحد غيره كان عمل فيكي اللي محدش عمله؛ لكنه معملش أي حاجة لمجرد بس أنه جابك هنا وغيرتي الجامعة وسحب منك الفيزا والابصر إيه بتاعكم بقى عقاب؟!.
قالت ريناد بنبرة منزعجة:
-مهما اتكلمت محدش هيفهمني...
-حاولي تعملي تصرفات تخلي ابوكي يفهمك، روحي جامعتك واجتهدي، واعملي اللي يخلي ابوكي يثق فيكي من تاني...
تجاهلت ريناد هذا كله ثم تحدثت بـضيقٍ:
-هو صحيح اللي جه امبارح هو والبنت اللي معاه مين دول؟!..
ردت عليها بهية بعفوية:
-ما أنا قولتلك أنه جيراني وساكنين فوقينا..
تحدثت ريناد باعتراض:
-ماشي بس ازاي معاه مفتاح ويدخل بمزاجه مرة واحدة كده نلاقيه قصادنا..
وضحت بهية لها الأمر ببساطة:
-أنا مدياله مفتاح علشان لو حصلي حاجة يقدر يفتح ويلاقوني، وكمان هو دخل أكيد علشان ريحة الغاز، وبعدين أنتِ حطاه فوق دماغك ليه؟!..
صاحت ريناد مستنكرة:
-وأنا هحطه في دماغي ليه يعني؟!.
____________
في نهاية كل أسبوع..
تحديدًا اليوم الذي يليه الإجازة..
هو اليوم الذي يخرج فيه سلامة مع خطيبته جهاد حتى ولو كان هناك شجار قائم بينهما لا يؤثر أبدًا على هذا اليوم..
تتناول جهاد "البيتزا" وسلامة يجلس قبالتها، هو يكره الزيتون الذي يضاف على البيتزا وقد تناسى أمر إخبار النادل بطلبه لذلك أتت البيتزا وفوقها قطع من الزيتون الأسود..
أخذت جهاد تقوم بإبعادها باستخدام "الشوكة" ببساطة شديدة من البيتزا الخاصة به تحت انظاره..
-خلاص يا جهاد مش لازم هأكلها وخلاص.
عقبت جهاد على حديثه رافضة الأمر:
-لا طبعًا مينفعش تأكلها وأنتَ مضايق، خلاص أهو أنا بشيل من نص البيتزا بتاعتك وأنا هاخد النص بتاعي، وهديك من بتاعتي وهي مفيهاش زتون..
قالتها جهاد ببساطة وحنان كأنها تعامل طفلها...
وهذا هو مشهد بسيط جدًا من التناقض الذي يعيشه الاثنان سويًا...
أنتهت أخيرًا مما تفعله وقامت بالتقسيم...
ثم أخذ الاثنان يتناولا الطعام وفي المنتصف توقفت ثم قامت بفتح المياة الغازية ووضعتها أمامه قبل حتى أن تفتح خاصتها...
تحدث سلامة مقاطعًا هذا الصمت بنبرة عقلانية وهادئة:
-أنا كلمت الراجل وهو قال وراه شغلانة كده هيخلصها ويجي يوريكي الألوان اللي كانت معاه وتقارني اللي اخترتيه باللي هو عمله، ولو كده هيغيره...
قاطعته جهاد بنبرة هادئة وكأنها لم تكن تلك الفتاة التي تشاجرت معه في الشارع أمام شقيقتها وشقيقه:
-خلاص يا سلامة مش مهم، مش لازم تتعب نفسك وتكلف نفسك من تاني...
تمتم سلامة بجدية كأنه رجل أخر غير الذي كان يتهمها بأنها هي من تصنع المشاكل دون سبب وجية..
-لا مدام شيء مش عاجبك لازم يتغير دي شقتك اللي أنتِ هتقعدي فيها، ولازم تكوني مرتاحة لكل تفصيلة فيها مهما كانت هي إيه تتغير..
ردت جهاد عليه بنبرة عاطفية وحنونة خافتة عن المعتاد:
-كفايا تفكيرك فيا وتقديرك ليا وده عندي بالدنيا يا سلامة ومش مهم أي حاجة تانية وأنا لما روحت البيت وشوفت الصور حسيت فعلا أنها نفس الدرجة وممكن أنا ساعتها مكنتش شايفة كويس.
أخذ سلامة رشفة من المشروب ثم قال بتصميم واضح:
-ماشي بس برضو لازم الراجل يجي وتكوني موجودة أنتِ وطنط أو أنتِ وسلمي..
-ملهوش لزوم تتعب نفسك..
-تعبك راحة..
ابتسمت له بحياء، ثم غمغم سلامة بنبرة هادئة لكنها أكثر جدية:
-عايزين نقعد بقا ونحدد ميعاد كتب الكتاب والفرح بما أن أغلب الحاجات يعتبر خلصت والشقة يعتبر خلصانة خلاص، والعفش على أخر الاسبوع هيجي، وأنتِ قولتي يعتبر خلصتوا كل حاجة.
هتفت جهاد بحماس رهيب وهي تخبره:
-والله كويس انك اتكلمت في الموضوع ده كنت أصلا لسه عايزة أتكلم معاك أنا مش حابة أن نكتب كتب الكتاب يوم الفرح..
سألها سلامة بفضول وبسمة لا تفارق وجهه:
-نكتبه يوم الحنة؟! ولا عايزة نكتب في مسجد قبلها بشوية؟!.
قالت جهاد بنبرة هادئة وهي تحاول التفسير له:
-أنا قولت يعني أننا نعمل كتب الكتاب يوم منفصل، علشان بيأكل من وقت الفرح وبتحس أن مفيش وقت فأحنا نعمله في قاعة كده صغيرة، ونعمل سيشن حلو والبس فستان أبيض بسيط...
قاطعها سلامة بسخرية:
-لا جو البلوجرز ده وجو الناس الفاضية اللي كل مناسبة يوم ده لا، أنا عايز يوم واحد انا بروح الافراح بالعافية مش علشان اعمل كل مناسبة فرح..
ردت جهاد عليه بنبرة منزعجة وكأن أحدهم ضغط بالزر حتى يتحول هذا اللقاء الجميل والبسيط إلى أخر..
تحديدًا تحول إلى شــجــار....
-مهوا كل حاجة بمزاجك، لما جهاد تقول حاجة يبقى لا، لكن لو انتَ اللي عايز الحاجة دي كنت فضلت تقنعني وفضلت تزن على دماغي...
تحدث سلامة بنبرة متشنجة:
-والله كمان بقيت انا اللي غلطان ولا أنتَ اللي عايزة مشكلة، هو الفرح أخرك معايا لو عايزة تكتبي كتب الكتاب في يوم تاني يكون في مسجد أو يوم الحنة ده أخرك معايا..
تحدثت جهاد باختصار:
-لو سمحت روحني....
____________
-جواد أنتَ متأكد من موضوع الشقة ده؟! مش من حقها تأخدها على فكرة، أنا بجد مش موافق على ده، طب العربية ماشي علشان دي هدية عيد ميلادها كده كده، لكن الشقة ليه؟!
كان هذا تعقيب المحامي الذي على الهاتف ويتحدث مع جواد الذي بمثابة شقيق وصديق عزيز له..
رد جواد عليه الذي يجلس على المكتب متحدثًا بانزعاج واضح:
-خلاص يا أحمد، أنا بعمل بأصلي معاها لغايت أخر لحظة ولو هي عايزة الشقة تشبع بيها متفرقش معايا في حاجة جهز الأوراق وخلصنا من الموضوع ده..
طرقات خافتة على الباب هي ما ازعجته لذلك تحدث جواد قبل أن يغلق المكالمة:
-هقفل دلوقتي وهرجع أكلمك تاني سلام..
انتهت المكالمة فهتف جواد بنبرة مرتفعة:
-ادخل..
ولجت أحلام من الباب وصدقًا تحولت ملامحه إلى أخرى غاضبة ومغتاظة في ثواني....
لا يعرف أين تلك "السكرتيرة" التي تسمح دومًا بدخولها دون إخباره حتى، لن يصمت على هذا الأمر مرة أخرى...
دخلت أحلام وأغلقت الباب خلفها، ثم أقتربت منه متحدثة بنبرة هادئة:
-بعتلك على الواتساب مردتش عليا يعني؟!.
رد جواد عليها بنبرة جادة:
-مشوفتش حاجة، في إيه؟!.
تمتمت أحلام وهي تجلس على المقعد متحدثة بهدوء محاولة استمالته رُبما كونها أنسانة محبة للخير لا تعلم ولكنها تبحث عن أي شيء حتى لا ينتهي الحديث بينهما والشكر إلى دياب أنه أعطاها تلك الفرصة.................
-باعتة ليك تقارير وحاجات وعايزة منك خدمة لو ينفع.
تحدث جواد وهو يعقد حاجبيه ويعقد ساعديه:
-خدمة إيه وتقارير إيه اللي بعتيها دي؟!.
-مامت صاحبتي وجارتي عندها كانسر وكنت محتاجة تحجزلي عند ماجد عبدالله أقرب ميعاد لأني حاولت وهيقعدونا على الويتنج كتير أعتقد دي مش حاجة صعبة عليك..
صمت جواد لثواني ثم تحدث بنبرة هادئة كونه شيء يستطيع فعله سيفعله...
ليس من أجلها من أجل المريضة..
-هكلمه النهاردة هقوله، وهبعتله التقارير اللي بتقولي عليها وهقولك..
تحدثت أحلام بامتنان حقيقي له:
-شكرًا يا جواد دايما تاعباك معايا كده.
رد جواد عليها باقتضاب:
-العفو.
رغم أن الحديث على ما يبدو قد انتهى إلا أنها لم ترغب في أن ينتهي بتلك السرعة لذلك قالت:
-سمعت أنك من بكرا هترجع تاني الشغل بدل ما كنت سايب الحالات مع دكتور ياسر..
-اه، يمكن رجوعي الشغل يكون أحسن وخلاص قعدت بما يكفي ومينفعش يفضل الباقية مضغوطين كل ده بسبب غيابي.
تمتمت أحلام بهدوء:
-ربنا يصبرك وده أحسن قرار فعلا، مش أنا قدمت في سفرية لـ ألمانيا في جامعة *******.
رد جواد عليها رد مختصر تمامًا:
-كويس ربنا معاكي.
لم يعرض عليها أي نوع من المساعدة المادية أو المعنوية كعادته..
لم يعترض عليها أي شيء...
لم ينزعج من فكرة سفرها..
لم يسألها حتى كيف فعلتها؟!....
أنه يتخلى عنها بشكل رسمي....
هذا ما جعلها تنهض وتتركه دون قول أي شيء...
يبدو أنها سوف تتجه إلى الحل الأخير......
من أجل أن تذهب إلى ألمانيا ولن تؤجل الأمر مهما كلفها؛ جواد لم يعد يهتم بوجودها......
___________
-خلاص يا سلامة أنا مش زعلانة والله، متشغلش بالك...
قالتها جهاد وهي جالسة على فراشها، بينما شقيقتها مستقلية على الفراش الذي يجاورها وعلى ما يبدو أنها نائمة...
"لا زعلتي يا جهاد هو أنا مش عارفك يعني، ده أنتِ زعلتي وقبلتي وشك كمان".
أردفت جهاد بنبرة جادة وهي تلف أحدى خصلات شعرها على أصبعها:
-معاك حق، هي فكرة مش لذيذة أوي أنا لما فكرت مع نفسي حسيتها مش أحسن حاجة، وكمان تكاليف على الفاضي، وفرهدة، أنا أصلا كنت بتكلم معاك بصوت عالي وبفكر مكنش قرار أنا أخدته يعني..
جاءها صوته من الهاتف بنبرة حنونة:
"متأكدة أنك مش زعلانة مني؟!".
-أيوة مدام الدبلة في أيدي لسه يبقى احنا في السليم وبعدين أنا مقدرش أزعل منك..
"على رأيك مدام الشبكة مش عندنا على السفرة يبقى العلاقة لسه بخير"
تحدثت جهاد بنبرة هادئة:
-يلا بقا تصبح على خير أنا تعبانة وعايزة أنام.
هتف سلامة بنبرة هادئة:
"وأنتِ من أهل الخير يارب يلا سلام بقا"
-سلام إيه هو أنتَ لما صدقت تقفل معايا؟!.
رد سلامة عليها بعدم فهم:
"هو أنتِ عايزة مشكلة وخلاص، ده أنتِ تعبانة في دماغك، سلام يابت"
ضحكت جهاد فهي كانت ترغب في المرح معه فقط ثم أردفت:
-سلام..
أنهت حديثها ونهضت من مكانها ثم ذهبت إلى فراش سلمى تستلقي بجانبها عنوة مما جعل سلمى تصيح التي لم تكن قد ذهبت إلى النوم بشكل عميق..
-في إيه يا جاموسة أنتِ؟!.
هتفت جهاد ببساطة وهي تحاول رفع الغطاء والنوم بجوارها:
-الجو سقعة هناك جنبك أنتِ تدفيني وسريرك دافي عن سريري علشان نايمة بقالك كتير..
أستدارت سلمى تنظر لها بملامح غاضبة:
-هو اللي يعيش معاكي في اوضة واحدة بيعرف ينام أساسًا؟!..
وضعت جهاد رأسها على كتف سلمى بأريحية شديدة:
-بكرا لما اتجوز تقولي ولا يوم من أيامك يا جهاد يا حبيبتي ياللي كنت مالية عليا حياتي يا جهاد برخامتك يا جهاد وتبصي على سريري وتعيطي كده..
صاحت سلمى باستنكار وهي تحاول أن تبتعد عنها:
-يا بت ابعدي عني كده، وبعدين اتجوزي بكرا وانا مش هنطق بحرف، هصلي ركعتين شكر لما ارجع من فرحك إني خلصت منك..
احتضنتها جهاد بحب هاتفة بإصرار:
-من ورا قلبك أكيد الحقيقة أنك بتموتي فيا...
-بموت منك..
رفعت جهاد يدها ووضعتها على خصلات سلمى متحدثة باستنكار:
-إيه روتين شعرك يا أنسة سلمى؟! ده أنا مهما بحط على شعري مش بيصون العيش والملح..
تحدثت سلمى ساخرة:
- جينات ورثت شعر أبوكي وعماتك الحلو، الحاجة العدلة اللي اخدتها منه..
قالت جهاد بنبرة مبهمة وهي تنظر إلى شقيقتها:
-تفتكري هو عايش ازاي؟!.
تنهدت سلمى ثم أردفت بألمٍ واضح:
-يعيش ولا يموت ميفرقش كتير هو مات من يوم ما طلق أمك ومشي يا جهاد، مات من يومها في نظري...
تمتمت جهاد بتردد:
-مش يمكن له أسباب..
-أسباب في عينك أنتِ كمان عملته ملهاش أسباب، أنتِ عبيطة؟!.
تحدثت جهاد بنبرة منطقية وهي تدافع عن نفسها:
-عارفة أكيد، بس كل الحكاية إني بحاول أفكر معاكي بصوت عالي يعني، بحاول ألاقي سبب..
-جهاد لو مش عايزاني أقوم اصوت في عز الليل واجيبك من شعرك ونصحي أمك يبقى تسكتي وتقفلي على السيرة دي..
أردفت جهاد باعتراض وهي مازالت تحتضنها:
-ده اللي يتناقش معاكي يموت نفسه قبلها أحسن، يا ساتر مش مدية فرصة لحد يتكلم ولا يقول رأيه إيه الاضهطاد ده؟!
غمغمت سلمى بعصبية مُفرطة فالحديث عن والدها هو أكثر شيء يزعجها في الحياة:
-مدام مش طايقاني روحي نامي على سريرك أنتِ مش عيلة صغيرة.....
تمتمت جهاد بنبرة هادئة:
-لا مش هسيبك برضو مهما تعملي بحبك يا ستي...
-وأنا كمان بحبك.
___________
في اليوم التالي...
يقف نضال في الشرفة، يراقب الرائح والغادي...
هو بالفعل يحاول تجاهلها...
وينجح في ذلك لكن بينه وبين نفسه هو منزعج وغاضب بشكل كبير،...
فـ وراء قناعه الغاضب ثوران شديد..
خرجت سامية من أفكاره ومن المنزل في الوقت ذاته ليشاهدها وهي تخرج من البناية...
تسير حتى اختفى طيفها من أمامه وخرجت من الشارع، لم تكن تحمل حقائبهما الكثيرة الخاصة بالعمل...
فـ إلى أين هي ذاهبة يا ترى؟!..
يسيطر على نفسه بصعوبة كبيرة..
لكن لحسن الحظ هو يفعل في النهاية...
...بعد مرور ساعة تقريبًا...
هبط نضال من الشقة ثم إلى الطابق الخاص بشقة عمه ليجد الباب مفتوحًا وقف لمدة دقيقة تقريبًا ووجد انتصار تخرج من الشقة وهي تحمل حقيبة يدها وترتدي عبائتها السوداء..
ما أن وجدته أمامها تحدثت برفقٍ:
-ازيك يا نضال يا ابني عامل إيه؟!.
تحدث نضال بأدب واحترام:
-الحمدلله بخير، أنتِ إيه اخبارك رايحة فين؟!.
هتفت انتصار بهدوء ونبرة لينة:
-بخير الحمدلله، رايحة اشوف اخويا تعبان شوية.
رد نضال وهو يعرض عليها:
-ألف سلامة عليه، خلاص تعالي اوصلك المشوار مش بعيد أساسًا.
غمغمت انتصار بنبرة هادئة:
-لا متتعبش نفسك يا ابني أنا هاخد تاكسي أول ما أخرج من الشارع، ملهوش لزوم.
-لا مفيش تعب ولا حاجة ده مش هنكمل تلت ساعة وبعدين أنا مواريش حاجة أساسًا
ثم سألها بنبرة تبدو عفوية وكأنه لا يعلم بأن سامية غادرت منذ وقتٍ طويل:
-هي سامية مش رايحة معاكي ولا إيه؟!.
أجابته انتصار بتلقائية وهي تنظر له:
-البت سامية راحت تقابل واحدة صاحبتها من أيام المدرسة مشافتهاش...
سامية لا تمتلك صديقات مقربة وكل مدة لديها صديقة مختلفة ليس من طباعها هو مقابلة صديقاتها القدامي.......
وهذا ما جعله يشعر بالشك هو يحفظها ويعرفها جيدًا لكنه صمت لأنه لا يمتلك دليل واضح...
ورُبما هو يقوم بتضخيم الأمر لأنه منزعجًا منها...
بعد ساعة قام فيها نضال بتوصيل انتصار إلى منزل شقيقها عاد مرة أخرى إلى المطعم ليجلس على أحدى المقاعد شاردًا تارة في سامية وتارة أخرى في دياب الذي يشعر باختفاءه...
من عادة دياب تحديدًا في الآونة الأخيرة...
طوال الوقت أن يكون جالسًا معه لأنه لا يفضل الجلوس في المنزل هذا الوقت كله بسبب فقدانه لعمله.........
قرر نضال الاتصال به....
______________
في أحدى المناطق البعيدة قليلًا عن المنطقة الذي يتواجد بها شارع خطاب كان دياب يقوم بتنزيل الورقة الضخمة الكرتونية الذي قام بتنزيلها بواسطة حبل صغير من النافذة...
كان معه حارس البناية..
وكان هو في شقة الزوجية الخاصة به التي كانت شارفت على الانتهاء...
هتف دياب بعدما انتهى مما كان يفعله وهو يوجه حديثه إلى الرجل الذي يجلس معه...
-لو أي حد جه أنا سايب معاك المفتاح، فرجه على الشقة وكلمني وأنا برضو صورت الشقة وهنزلها على النت.
غمغم الرجل بنبرة جادة وهو يبتسم:
-حاضر يا دياب بيه بس أبقى شوفني..
ضحك دياب ثم أردف من وسط همه:
-حاضر هشوف حد يشوفني ويشوفك أنتَ كمان يا عم احمد......
ضحك الرجل ثم غمغم ببساطة:
-ماشي أنا نازل بقا علشان ورايا حاجات اعملها ابقي عدى عليا وأنتَ ماشي..
قالها الرجل ثم رحل، فـ نما إلى مسمع دياب صوت هاتفة ليجد صديقه نضال يتصل به....
أجاب نضال عليه بهدوء:
-ألو يا نضال، في إيه؟!.
جاءه صوت نضال ساخرًا:
"متصل أحب فيك تسمحلي أحب فيك؟!"
- لا شكرا اليومين دول مش طايق نفسي ولا طايق حد يحب فيا ولا طايق حد يتكلم جنب ودني أساسا..
ضحك نضال ثم سأله باهتمام:
-أنتَ فين طيب؟! مختفي ليه وملكش حس؟! في البيت ولا إيه؟!.
-لا مش في البيت.
تحدث نضال باستغراب:
-اومال فين؟!.
غمغم دياب متشنجًا:
-هو أنتَ خطيبتي؟! ده خطيبتي من كتر ما أنا مش طايق نفسي بطلت تسأل السؤال ده..
-اخلص أنتَ فين؟!، أنا بخاف منك لما تختفي أكيد يا بتعمل مصيبة يا بترقد لحاجة..
عقب دياب بسخرية:
-في مشوار يا نضال وخلاص جاي قدامي ساعة ولا حاجة واكون على القهوة..
-خلاص ماشي هستناك...
____________
الذهاب إلى " الكافية" الخاص بـ حمزة...
كان هو ما يهمها اليوم...
فهي تجهزت كثيرًا من أجل هذا اليوم...
أخبرته بأنها سوف تأتي..
وهذا لم تفعله بمفردها بل هو من ألح عليها من خلال اتصالاته المستمرة بها، والرسائل العديدة أنه يرغب بأن تأتي له حتى يراها....
فهي أرتدت ملابس جديدة كليًا لم ترتديها في السابق من أجل رؤيته وتتمنى أن تنال إعجابه..
وقفت أمام الموقع الخاص به ثم اتصلت به ليجيب عليها:
-ألو، فينك دلوقتي؟!..
عقبت سامية على حديثه بهدوء:
-أنا برا أهو.
-هجيلك أركن العربية منك استني..
قاطعته سامية بتردد:
-لا أنا جاية من غير العربية...
كان هذا تعقيبها قبل أن تمر دقيقتان تقريبًا وكان يقف حمزة أمامها يصافحها بترحاب كبير، ثم أخذها لتجلس معه في الداخل على أحدى الطاولات وطلب لها أحدى العصائر كما رغبت على أن يؤجل الغداء إلى أن يرحب بها ويتحدث معها قليلا..
تحدث حمزة بانزعاج واضح وهو يجلس بجوارها على المقعد الخاص به والمجاور لمقعدها:
-طب ومدام مجتيش بالعربية ليه مقولتيش إني أجي اخدك أحسن ما تتبهدلي في المواصلات..
غمغمت سامية بتوضيح بسيط:
-أنا جيت في ****، وبعدين العربية جت بس برخصها وخلاص بكرا أو بعده هتكون معايا ان شاء الله وهمشي بيها براحتي.
غمغم حمزة بإصرار على موقفه:
- بس برضو كان لازم تقوليلي وأقابلك وحتى لو علشان اللي جه عملك مشكلة ده كان ممكن اقابلك برا شوية عن شارعكم أنا بجد كل ما بفتكر اللي حصل بضايق..
شعرت سامية بالحرج الشديد ولكنها حاولت قول أي شيء:
-يعني الموضوع مش زي ما أنتَ فاهم..
تحدث حمزة بنبرة غاضبة:
-لا الموضوع واضح، عمك وابنه بيدخلوا في حياتك زيادة عن اللزوم بشكل يضايق ومعرفش أنتِ ازاي سامحة ليهم بكده..
ردت سامية عليه بنبرة هادئة وجادة:
-عمي كويس جدًا معايا بصراحة هو نضال اللي صعب شوية وكده بس يعني هو مبقاش له علاقة بيا..
-وده الصح أنه ملهوش علاقة بيكي ولا من حقه يقولك أي حاجة، أنتِ حرة في حياتك ومش من حق أي بني أدم يقولك أي حاجة وبعدين أنتِ مش هتفضلي قاعدة ليهم العمر كله يعني مصيرك هتتجوزي ومش هتفضلي تحت سيطرتهم اكيد..
ابتسمت سامية له بتردد وحاول أن يخفف حمزة من حدة الاجواء متحدث بلباقة:
-وبعدين أنا معاكي وموجود في أي وقت حبيتي أنك تتكلمي مع حد أو احتاجتي أي حاجة، اتصلي بيا بس أو ابعتيلي ماسدج وهتلاقيني معاكي..
توترت سامية وشعرت بالخجل والحرج في الوقت ذاته متحدثة:
-الموضوع مش زي ما أنتَ فاكر والله يعني الأمور مش بالشكل اللي أنتَ متخيلة عمي حد كويس جدًا وبيعملي كل اللي أنا عايزاه ومعتبرني زي بنته ويعني لو اعترض على حاجة بيكون لمصلحتي مش اكتر وحتى لو على نضال هو بيقدر يوقفه..
ابتسم لها حمزة ثم حاول أن يشرح موقفه لها:
-أنا اسف لو بدخل في حياتك بس كل الحكاية إني من ساعة اللي حصل اليوم اللي وصلتك فيه وأنا بجد مخنوق جدًا من اللي حصل، عارف إني مليش حق أتكلم بس أنا مش متحمل، وأهم حاجة زي ما قولتلك ده مش كلام بقوله وخلاص أنا معاكي وقت ما تحتاجيني فيه..
هزت رأسها بامتنان متحدثة بحياء:
-شكرًا يا حمزة ربنا يخليك ليا..
-مفيش حاجة مستاهلة الشكر دي أقل حاجة أقدر أقدمها ليكي..
صمت لثواني ثم غمغم بنبرة هادئة:
-المهم بلاش نتكلم في المواضيع اللي زي دي قوليلي تأكلي إيه؟! احنا عندنا هنا في المنيو حاجات حلوة جدًا، والباستا بجد خيال بكل أشكالها..
هتفت سامية برفض:
-لا والله ملهوش لزوم تتعب نفسك و...
قاطعها حمزة برفض وعتاب واضح:
-اتعب نفسي إيه بس، متزعلنيش منك بقا، وبعدين أنتِ لسه مقومتيش وشوفتي الكافية وشوفتي المطبخ وشوفتي مكتبي جوا، ولا شوفتي المكان كويس أنا مستني الفرصة دي بقالي كتير إني اشوفك وتقعدي معايا، في حاجات كتير أوي محتاجين نتكلم فيها.....
ابتلع ريقه ثم ابتسم لها حتى أن غمازتيه قد ظهرت أمامها متحدثًا بطريقة لينة:
-إيه هتشوفي المنيو ولا تحبي أطلب ليكي أنا حاجة على ذوقي؟!!...
ردت سامية عليه بـ رقة:
-تمام خلينا على ذوقك.
غير مجرى الحديث تمامًا هاتفًا وهو يناظرها متفحصًا كل خلية بها:
-شكلك حلو بالطرحة، ستايلك حلو بيها أكتر من التربون والسكارف واكتر من شعرك..
سألته سامية باستنكار:
-بجد؟!..
-اه بجد، أنا كنت مستغرب عمومًا أنتِ كنتي جاية فرح ياسمين من غير الطرحة ليه..
شعرت سامية بالخجل وهي تخبره:
-يعني أنا بحاول اتعود وكده وربنا يهديني وبحاول مع نفسي التزم..
تحدث حمزة بإطراء لطيف:
-عمومًا أنتِ شكلك حلو في أي حاجة، أهم حاجة تكوني راضية عن شكلك وحاسة نفسك حلوة..
____________
...بعد مرور عدة أيام...
-سيب الموبايل..
قالت ليلى تلك الكلمات وهي تقف أمام ابن شقيقتها البالغ من العمر ستة سنوات والذي يلعب بـ هاتفها الخاص.....
رد عليها الصبي ببرود يغضبها وهو يعطي كامل تركيزه إلى اللعبة التي يقوم بـ لعبها على هاتف ليلى..
-أخر جيم سبيني بقا..
صرخت ليلى بانزعاج مما يحدث...
منذ أن تطلقت شقيقتها منذ عام تقريبًا لا تأخذ راحتها في المنزل تمامًا، تحديدًا حينما بدأ ذلك الرجل في الدخول إلى حياة شقيقتها والذي أصبح خطيبًا لها....
تحولت حياة ليلى إلى جحيم بسبب المقارنات التي ترهقها طوال الوقت من قِبل والدتها...
ولجت والدة ليلى إلى المنزل وأغلقت الباب خلفها بوجه غاضب فتحدثت ليلى بنبرة غاضبة:
-ماما خلي يوسف يديني الموبايل..
هتفت والدتها بثورة ونبرة عالية:
-سيبك من الموبايل ومن الزفت على دماغك ده وتعاليلي هنا..
نظرت ليلى إلى والدتها باستغراب متمتمة:
-في إيه يا ماما؟!..
سألتها والدتها بانفعال واضح:
-هو دياب اشتغل على توكتوك؟! أنا شوفته من بعيد وأنا في السوق بس عمالة أكدب نفسي إني غلطت مع ان عيني لقطته...
توترت ليلى بشكل كبير متحدثة بتردد:
-ايوة يا ماما..
امسكتها والدتها من يدها هادرة بعنف كبير:
-أيوة يا ماما إيه؟!.
تأوهت ليلى ثم أردفت:
-ايوة اشتغلها بس مؤقتًا والله لغايت بس ما يلاقي شغل وبعدين أنتِ عارفة الظروف اللي هو فيها..
صاحت والدتها مستنكرة وساخرة:
-ولا ظروف ولا جوابات، ده يجي يأخد شبكته وكفاية أوي كده مسخرة وقلة قيمة، الحق عليا إني وافقت عليه من الأول بقاله سنين معلقك جنبه، وليه الذل ده أنتِ متجوزتيش قبل كده ولا بايرة؟! مش شايفة أختك معاها عيلتين وخطيبها بيعمل معاها إيه ولا مع عيالها؟! مش شايفة ولا اتعميتي...
أسترسلت والدتها حديثها بنبرة واضحة وهي تصيح:
-اللي معهوش يتجوز ميعلقش بنات الناس معاه، بقاله سنين معلقك ولا حتى الجامعة خلصها، والشقة خلصها بالعافية ولسه العفش والفرح فيهم سنتين، تلاتة، أنا ليا كلام تاني مع أبوكي، الواد الصايع ده أحنا مش هنكمل الخطوبة الشؤم دي، بصي لاختك وبصي لجوازات الناس ده كل شوية عنده مشكلة وعنده موال مع نفسه بقا..
لم تجد ليلى كلام ترد على والدتها به...
لأنها أي مبرر سوف تخبرها به لن يعجبها وسوف تسخر منها...
ولأن كلماتها إلى حدٍ ما أصابتها....
أخذت ليلى تبكي بانهيار شديد ووالدتها مستمرة فيما تفعله وهو انتقادها، وانتقاد اختيارها...
غافلين الاثنان تمامًا عن من يسمعهما من الهاتف بسبب ضغط ابن شقيقتها على المكالمة بعد اتصال جاءها من....
ديـــاب....
الفصل الثامن من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
ينبغي أن تنتظر عمرًا كاملًا لكي تفهم حكمة الأبواب المغلقة
- بسام حجار
سوف يمضي بك الزمن وتُعلّمك الأيام أن جعبة الحياة مليئة بما لا تتوقع، وعليك أن تكون على الدوام مستعدًا، وستدرك أن كل خسارة هيّنة ما لم تخسر نفسك، وأن أعظم استثمار هو ما تستثمره في حقول ذاتك، وأنك كلما كنت ممتلئًا بالطيّبات طابَت لك الحياة وجادَت عليك بالأعطيات.
#مقتبسة
"تجرع الصبر فإن قتلك؛ قتلك شهيدًا، وإن أحياك؛ أحياك عزيزًا."
- ابن القيم
______________
أنه اليوم الأول لها في الجامعة الحكومية..
طلبت سيارة في الصباح من إحدى التطبيقات فـأضاعت الكثير من النقود المتبقية معها، خير تناولها الطعام في أحدى العلامات المعروفة نعم ليست باهظة الثمن إلى حدٍ كبير لكن أسهم مع السيارة في إضاعة أكثر من ألف جنيهًا من الثلاثة التي تمتلكها في اليوم الأول..
حضرت المحاضرات بنفس باهتة لا تصدق هذا العدد الضخم واللامحدود الذي كان يحضر المحاضرة معها كادت على وشك أن تشعر بضيق في التنفس....
أقتربت الامتحانات وهي لا تعلم أي شيء حتى اشفقت عليها فتاة تعرفت عليها وأخذت رقمها وأخبرتها بأنها سوف ترسل لها بعض المحاضرات والملخصات...
وجعلتها تركب معها "مترو الأنفاق" لأول مرة في حياتها تقريبًا كان الأمر بالنسبة لها مخيفًا من هذا الازدحام الرهيب تحديدًا لأنها تعود في وقت عودة الموظفين او ميعاد الموظفين كما يتم تسميته...
لكن أفضل شيء أن محطة المترو كانت قريبة جدًا من المنطقة الذي يتواجد بها منزل بهية، لم تعرف هذا الأمر بمفردها بل عرفته من أبيها بعدما سألته عن العنوان وكانت على وشك أن تضيع طريقها لكن لحسن الحظ ها هي هنا...
تتناول الطعام التي صنعته بهية؛ وهو لذيذًا بشكل مُريب لولا أنها في المرة الأولى كانت تصنعه أمامها وهي معها في المنزل لظنت بأن أحد يصنعها غيرها رُبما والدة هذا الشاب الوغد التي تحكي عنها بهية...
لكنها هي من تصنعه فعلتها أمام عيناها مرة
لذلك لم تشك بها...
انتهت من الطعام وحاولت غسيل الصحون حتى تساعد تلك المرأة لكن جاءت بهية ووضعت يدها على الصحن متحدثة بنبرة ساخرة:
-إيه القرف ده؟!..
تمتمت ريناد بانزعاج واضح من تعبيرها:
- قرف إيه مهوا غسلته خلاص ماله؟!.
-الطبق ملسلس زي ما هو؛ المفروض تغسلي بمياة سخنة مش ساقعة..
هتفت ريناد بنبرة متأففة:
-مهوا أكيد مش هستعمل المياة السخنة أنا مش غسالة أطباق..
تحدثت بهية بسخرية:
-أكيد مش مياة نار ولا مياة مش هتتحمليها يعني، بس المفروض تغسلي بمياة سخنة شوية امشي أنتِ وأنا هكمل..
أردفت ريناد باقتراح بسيط:
-خلاص أنا عندي فكرة بعد كده.
سألتها بهية بعدم فهم:
-فكرة إيه دي؟!.
-نجيب أطباق اللي بيتأكل فيها مرة واحدة دي ونرميها هي والكوبيات ونريح دماغنا..
غمغمت بهية بسخرية:
-أنتِ دماغك تعبانة، الحاجات دي عايزة ميزانية بيت لوحدها، غير كده الأكل في الاطباق الصيني له طعم مختلف..
ردت ريناد عليها بهدوء:
-كله نفس الأكل في الآخر..
-يلا روحي بقا مش هتناقش معاكي، علشان أنا أصلا مش متعودة حد يقعد يناقرني يا تغسلي الحاجة عدل يا تمشي بلاش أفكار متخلفة..
بعد وقتٍ...
كانت "ريناد" تجلس في الحجرة الخاصة بها أو أصبحت كذلك....
تشاهد بضعة مقاطع على الهاتف بعدما صنع والدها لها باقة انترنت صغيرة بعدما ذهبت بهية للتقديم على الانترنت بالخط الأرضي أو المنزلي من أجلها.
لاحظت ريناد العديد من الفيديوهات فتيات تتحدث عن يومهم في الجامعة غير مستحضرات التجميل التي تستخدمها..
"Get ready with me"
سلسلة فيديوهات لذيذة لأكثر من فتاة اندمجت معها حتى قررت بأنها ستفعل المثل...
فقط ينقصها متعلقاتها الشخصية...
زينب هي الحل....
ستجعلها تأتي بها لها....
هي تحفظ رقم هاتفها ليس صعبًا عليها أبدًا...
____________
يجلس نضال على الأريكة وبين يديه هاتفه يقوم بمشاهدة المقاطع دون هدف واضح...
بعد أذان المغرب وتناول الغداء يظل نضال في المنزل لفترة قصيرة ثم يهبط مرة أخرى...
كان زهران يجلس بجواره على الأريكة يشاهد التلفاز وبين يديه خرطوم أرجيلته الحبيبة.
كان الصمت طويل بينهما و سلامة يجلس في حجرته بعدما أتى من العمل...
تحدث زهران كاسرًا هذا الصمت:
-واد يا نضال..
رفع نضال بصره إلى والده بانتباه متحدثًا باحترام :
-نعم يا بابا..
سأله زهران بعفوية:
-فاكر ميرفت؟!..
"ميرفت".
كرر نضال اسمها باستنكار ليس لأنه لا يتذكرها ولكن مرت سنوات عديدة جدًا على انفصالها عن والده وكانت الوحيدة بين زواجاته الذي انتهى الزواج بينهما بشجار كبير جدًا...وعرف فيما بعد عادت إلى محافظتها الساحلية...
وكانت هي الزوجة الثانية لزهران بعد وفاة زوجته الأولى والدة أبنائه..
تحدث نضال باستغراب:
-أيوة فاكرها، بس مالها يعني إيه اللي جابها على بالك دلوقتي؟! ولا أنتَ شوفتها؟!..
سحب زهران نفس من الارجيلة متحدثًا بجدية:
- لا مشوفتهاش، مش عارف بس بقالها فترة على بالي بطريقة غريبة أصلها كانت حب عمري برضو..
هتف نضال مستنكرًا بعدما ترك الهاتف على الطاولة ونظر له:
-هي مش كانت اللي هي حب عمرك دي أمي؟!..
تمتم زهران بتأييد موافقًا على حديثه:
-أيوة امك حب عمري اللي مبيتنسيش ولا يروح من بالي مهما اتجوزت الله يرحمها، لكن أي حب عمر تاني بيتنسي عادي ممكن افتكره وممكن لا..
تحدث نضال بملل واضح:
-هتلاقي بس موسم الحنين والرجوع للاكس ناقح عليك شوية..
جاء سلامة من الداخل في تلك اللحظة مغمغمًا بسخرية وهو يغلق ساعة يده:
-أنهى اكس فيهم؟! ده دابل وتريبل أكس، ده عنده عشروميت أكس...
نظر له زهران بغيظٍ:
-رايح فين يا شملول مش كنت عمال تقول أنا داخل أنام.
تمتم سلامة بعفوية شديدة وهو يخبره:
-طنط يسرا خبطها تكتوك وايديها اتشرخت وهي راجعة من الشغل واتجبست فكنت بكلم جهاد وهي قالتلي فلازم أروح اطمن عليها..
ترك زهران الأرجيلة متحدثًا بجدية ولهفة جعلت عين نضال تخرج من مكانها:
-ومقولتش ليه من بدري يلا نروح..
تحدث نضال وهو ينهض هو الآخر:
-إيه النون اللي سمعتها دي؟! ليه في نون جمع؟!
رد زهران عليه ببساطة:
-هروح مع سلامة، هو أنا جيبت سيرتك..
تمتم سلامة بجدية:
-لا أنا رايح لوحدي، أنا مش قورني لو سمحت..
نظر له زهران بغيظٍ ثم غمغم بنبرة منزعجة:
-دي حب عمري اللي جاي مقدرش مروحش أطمن عليها..
هنا تدخل نضال هاتفًا:
-هو إيه اللي كل دقيقة عندك حب عمر شكل ده؟! هو في إيه؟! هو قلبك قلب رمانة...
نظر له زهران مستنكرًا وهو يرد عليه ويعطي تركيزه الكامل له بينما سلامة كان يسير بهدوء وخطوات غير محسوسة:
-أنا اصلا هتناقش مع واحد مشاعره ميتة وبايظة زيك ليه؟! اللي قدك كان زمانه فرحني بخلفته، مش يقعد ينظر عليا..
وصل سلامة أخيرًا عن الباب وفتحه بخفة وأخذ الحذاء ليرتديه في الخارج:
-حلق على أبوك يا نضال أوي تخليه يجي ورايا...
ثم أغلق الباب خلفه وكاد زهران أن يتحرك وهو ينتعه بأفظع وأبشع الشتائم وهنا غمغم نضال بلا وعي:
-أنا هكسرلك الشيشة بتاعتك و...
قاطعه زهران وهو يستدير له بنبرة غاضبة بشكل مخيف:
-تكسر إيه يا روح أمك؟!.
تمتم نضال بخوف مصتنع:
-شكلها وسعت مني شوية، بلاش أكسرها هخبيها بس في مكان مش هتلاقيها فيه...
______________
يجلس سلامة على المقعد بينما تجلس جهاد ووالدتها على الاريكة وسلمى تجلس على مقعد أخر...
-ألف سلامة على حضرتك يا طنط.
ردت عليه يسرا بنبرة هادئة:
-الله يسلمك يا ابني تعبت نفسك والله أنا كويسة..
تحدث سلامة بنبرة بعتاب لطيف ولكنه صادق:
-تعبت نفسي إيه أنا زعلان بجد أنك متصلتيش بينا أننا نجيلك هناك، الواد ده كان لازم يروح القسم شوية حمير راكبين وبيسوقوا سواقة زي الزفت مش شايفين قدامهم وشاربين..
هتفت يسرا بنبرة لطيفة:
-مكنتش عايزة لا أقلق حد ولا اتعب حد وكمان الواد عيل صغير في الآخر من دور ولادي مينفعش اعمله مشكلة وخلاص أنا كنت ماشية سرحانة شوية ومش مركزة كعادتي...
تحدثت سلمى أخيرًا مقاطعة هذا الحوار بنبرة عقلانية رغم أنها تشاجرت مع والدتها أنها كانت ترغب في التصرف مع هذا الشاب لكن انتهى الأمر لم يعد للشجار وقت:
-الحمدلله أنها جت لحد كده.
رد الجميع عليها في نفس واحد
"الحمدلله"
تحدث سلامة بخفة وهو يلتقط هاتفه الموضوع على الطاولة ويستعد للرحيل:
-أنا هقوم امشي بقا علشان مطولش عليكم أكتر من كده...
قاطعته جهاد بتلقائية وتهور يليق بها:
-لا تقوم تمشي إيه أنتَ تقعد تتغدى معانا سلمى عملت الأكل..
قالت سلمى بصوتٍ خافت وكأنها تحدث نفسها ولم يكن صوتها مسموعًا:
-سلمى مين؟!
رد سلامة بحرج على حديث جهاد:
-لا ملهوش لزوم تتعبوا نفسكم أنا كنت جاي بس اطمن عليها ورايح القهوة..
غمغمت جهاد برفض:
-لا طبعا مدام جيت في ميعاد غداء لازم تأكل معانا وبعدين يعني اعتبرنا القهوة واقعد شوية أنتَ اكتر من نص يومك بيخلص في القهوة...
وافقتها يسرا الأمر بسبب الحرج الذي تملكها بمجرد أن عرضت ابنتها الفكرة وكيف ترفضها هي؟!..
بعد مرور دقائق...
...فـي المـطـبـخ...
كانت سلمى بين يدها السكين وتقف جهاد أمامها متحدثة بتوتر:
-السلاح يطول يا سلمى يا حبيبتي اهدي..
قالت سلمى بانفعال واضح لكنها حرصت على أن تكون نبرتها خافتة قدر المستطاع:
-الواد كان ماشي وأنتِ عماله تمسكي فيه وقال إيه سلمى عاملة أكل، سلمى مين اللي عاملة أكل؟! ياللي تنشكي في لسانك ده أنا عاملة شوربة خضار ولحمة أنتِ نفسك مش عاجبك تروحي مقعداه هو...
هتفت جهاد بتردد:
-أكيد في حل؛ نطلع حاجة من الفريزر...
تحدثت سلمى ساخرة:
-حاجة إيه اللي هتفك وتطبخ في نص ساعة يا فيلسوفة؟!، اعمل فيكي إيه بس..
"في الخارج".
نما إلى سمع سلامة صوت هاتف جهاد الموضوع أمامه وعفوية منه رأي المتصل الذي كان والده وهذا جعله يشعر بالاستغراب الشديد، الهاتف بين يديه ولم يتصل به....
كانت يسرا في هذا الوقت تتحدث في الهاتف مع أحدى صديقاتها......
فتح سلامة المكالمة وقبل أن ينطق بحرف كان والده يسبقه بلهفة:
-ازيك يا جهاد يا بنتي عاملة إيه؟!.
-أنا سلامة يا بابا..
نبرة زهران اللينة تحولت إلى أخرى غاضبة وخشنة:
"وأنتَ بترد على موبايلها ليه يا بايخ يا تنح؟! هو أنا متصل بيك أنتَ علشان تسمعني صوتك"
-في إيه يا بابا بس.
رد زهران عليه بصراحة ووضوح:
"في إني متصل بيها علشان تخليني أكلم أمها اطمن عليها وأنتَ حاشر نفسك يا بايخ يا ***"
تحدث سلامة بخبثٍ:
-خلاص يا بابا متزعقش أنا نازل ليك أهو خمس دقائق وابقى عندك..
جاءه صوت زهران من الهاتف بعدم فهم:
"أنتَ بتقول إيه؟! تزعق فين وجاي فين؟! أنا مش عايز اشوف وشك أساسًا"..
غمغم سلامة بنبرة جادة:
-خلاص نازل ليك أهو مش هأخرك سلام..
تزامنًا مع نهاية المكالمة بين سلامة ووالده كانت يسرا هي الأخرى تغلق المكالمة فتحدث سلامة هنا بلُطفٍ كونه استشعر الحرج على وجه سلمى ووالدتها ويبدو أن جهاد هي فعلت الأمر...
-أنا همشي بقا علشان في مشوار ضروري لازم اروحه مع بابا، حضرتك محتاجة حاجة؟!.
-تسلم يا حبيبي أن شاء الله يكون خير مفيش حاجة؟!..
قالت يسرا تلك الكلمات متوجسة أن يكن هناك أمرٍ هام بسبب طريقة حديث سلامة وتعابير وجهه...
-دي زيارة لحد من قرايبنا تعبان شوية وهما مستنيني هعدي عليكم يوم تاني ان شاء الله..
_______________
يجلس نضال على الفراش في غرفته وحيدًا...
وبين يديه هاتفه، يقوم بالمرور من بين مقطع وأخر بملل رهيب يحتله...
كان ملفتًا إلى نظره إحدى المنشورات التي قامت سامية بمشاركتها على حسابها الشخصي، الذي يتواجد عليه أقاربها وصديقاتها وعدد محدود من المعارف، غير حسابها العام الذي يخص عملها...
كان المنشور يعود إلى ما قبل ثلاثة أيام...
"الحب الحقيقي هو أن يكون حقيقيًا بكل ما يحمل الحب من معاني سامية".
ضحك نضال رغمًا عنه...
حينما قرأ كلمة "سامية"..
يعلم بأنه المعنى والنطق شيئًا أخر لكنه تذكر غضبها الملحوظ دومًا من النداء عليها باسمها بدلًا من هذا الاسم المائع والمستفز بالنسبة له التي اختارته لنفسها.......
لو كان وقت أخر..
لو كان لم يصرف نظر عنها ولم ينزعج منها بهذا القدر..
كان قد كتب لها تعليقًا مرحًا على تلك النقطة ولكن لم يعد هذا خيارًا متاحًا هو في طريقه إلى التعافي، فـ حاول النسيان، يحاول الاستمرار في لامبالاته التي تحرقه...
ليس من عادته أن يفعلها أن يرى من أعجبوا بالمنشور التي قامت بمشاركته لم يفعلها في أي وقت لكن فعلها الآن.......
وجد بضعة صديقات وجيران يعرفهم وأقارب من عائلة والدتها، لكن وجد اسم غريبًا ومختلفًا كونه رجل..
"حمزة عبدالله"
اسم مكتوب باللغة الإنجليزية قد أبدى إعجابه بالمنشور ولم يكتفِ بهذا بل ترك تعليقًا عبارة عن رمز تعبيري "قلب أحمر"...
هنا أنقلبت ملامحه تمامًا..
كما اختفت ابتسامته....
ليس من عادة سامية إضافة رجال..
حسب ما يعرف...
أم كانت تفعل لكنه لم يلاحظ الأمر مُسبقًا؟!!!..
بسرعة كالرهوان وحدة السيف ضغط على اسمه وصورته الشخصية وهنا فُتحت له صفحة جديدة خاصة بحساب هذا الرجل التي كانت خاصة تمامًا ولا يستطيع رؤية أي شيء من ملفه الشخصي إلا صورة ملفه الشخصي التي لم تكن واضحة لكنه على حد علمه ليس شخص من أقاربها....
من هذا الرجل؟!!....
أخذ نفس طويل بعدما اعتدل في الفراش بضيقٍ كبير، المشكلة بأنه انقسم إلى قسمين...
القسم الأول يرغب في الهبوط الآن رغم أن الساعة تخطت الثانية صباحًا بعد منتصف الليل وينهرها سائلا أياها من هذا الرجل؟!..
رُبما لأنه رجل كان يكن لها بعض المشاعر حسب وصفه، ولأنه ابن عم لها...
أما القسم الثاني كان يرى بأن تفعل ما تفعل..
لا يجب أن يظهر لها اهتمامًا...
هو ليس وصيًا عليها....
احترق وغضب بسبب مما يشعر به من مشاعر وتصرفات متناقضة وقاطع تلك المشاعر اتصال من صديقة المُقرب طارق عبر وسائل التواصل الاجتماعي.......
"الو سامعني".
-معاك..
"عامل إيه يا نضال؟!".
رد نضال عليه بنبرة مقتضبة:
-الحمدلله بخير..
لاحظ طارق شيئًا ما في نبرته ليقول بإجهاد واضح فهو عاد من عمله إلى التو:
"إيه مالك؟! هو أنا صحيتك من النوم ولا إيه؟"
-لا أبدًا صاحي لسه منمتش، أنتَ عارف مش بنام دلوقتي أصلا، أنتَ إيه اخبارك؟!.
رد طارق عليه بهدوء:
"الحمدلله بخير، اهو لسه راجع من الشغل وهنام بس قولت أكلمك اشوفك عامل إيه بما إني متصلتش بيك من امبارح"..
-الحمدلله أنا كويس.
سأله طارق بحزن واضح في نبرته وأسى:
" أحلام قالتلي على اللي حصل لخالتي حسنية عرفت ولا لسه؟!"
تحدث نضال بنبرة تشبهه:
-عرفت، ربنا يشفيها يارب ويشفي كل مريض وبإذن الله محنة وهتعدي أنا بس مش عارف دياب هيلاقيها منين ولا منين بس..
"ربنا هيعوض دياب بإذن الله، هيعوضه عن كل حاجة شافها وبيشوفها ربنا كريم أكتر مما تخيل وما ضاقت إلا ما فرجت".
-معاك حق..
هتف طارق بنبرة هادئة:
"عايزين نحاول نساعده ولا حاجة أنا قولت لأحلام لو تعرف تعمله خصم ولا حاجة على الجلسات بتاعتها بما أنها بتشتغل في المكان أي حاجة مهما كانت صغيرة هتفرق أكيد، لأنه طبعا لو قولنا من هنا للسنة الجاية أننا نساعده هيطنشنا أنا بكلمه بس بيرد عليا بالقطارة".
-اعذره اللي فيه مش شوية...
" أكيد طبعًا، ربنا يصلح الحال، المهم متنساش موضوع السمسار يا نضال علشان البيت اللي قولتلك عليه، عايز أعمل حاجة ليا ولاخواتي البنات مطنشنيش، وبكرا برضو هكلمك ان شاء الله اول ما اصحى لأني فصلت شحن".
تحدث نضال بنبرة هادئة:
-ماشي متقلقش مش ناسي أنا كلمته وهو لما يشوف حاجة كويسة هيكلمني، يلا تصبح على خير..
"وأنتَ من أهله".
انتهت المكالمة بينهما وبقى نضال مع أفكاره التي تقتله....
_____________
في اليوم التالي...
-بقولك هخرج يعني هخرج لازم أعرفه مقامه...
قالت والدة ليلى تلك الكلمات وهي تقف في غرفة نومها هي وزوجها الذي رد عليها بصوتٍ غاضب للمرة الأولى تقريبًا لكن طفح به الكيل....
-مش هتخرجي وقسمًا بالله العظيم لو خرجتي برا الاوضة وقليتي أدبك وقولتي حاجة للواد لهكون رامي عليكي يمين الطلاق، ولعلمك الواد مش جاي يكلم ولا يحب فيها، ده جاي يخلص الحوار بسببك وبسبب لسانك..
لم تنزعج من حديث زوجها عن الطلاق هي تعلم أنه مجرد تهديد، ما اعجبها في الأمر بأن ابنتها ستكون حرة سوف تختار لها الرجل والزيجة التي تناسبها...
هتفت والدة ليلى بفرحة وسعادة:
-يا اخي بركة يفشكل ويريحنا، معلق البت بقاله سنين ومعرفش أنتَ عاجبك الواد ده إيه؟! مش شايف خطيب بنتك التاني يا راجل بطل تبص بقا تحت رجلك.
تمتم والد ليلى بجدية:
-عاجبني انه راجل، وفي الزمن ده الفلوس بقت سهلة، وكل حاجة في الدنيا بقت سهلة لكن الرجالة مبقتش موجودة؛ وده اللي هتفهميه في يوم من الأيام لما تندمي أنكم ضيعتوه من إيديكم..
تحدثت زوجته ساخرة:
-بلاش الكلام الخايب ده اللي ملهوش لازمة؛ الحمدلله أن البت هتخلص منه، كان لسه هيقعدها جنبه سنين كمان عقبال ما يخلص، هي بنات الناس لعبة ولا إيه؟!
كان الرجل يفكر في مشاعر ابنته...
يمتلك شخصية ضعيفة وهو يعترف بهذا ..
لكن ما يشغل عقله دومًا هو مشاعر وحياة ابنائه...
-اخرسي مش عايز اسمع صوتك ولا اشوفك برا الأوضة حسبي الله ونعم الوكيل ضيعتي البت...
___________
...في الخارج..
كانت تجلس ليلى أمام دياب تشعر بالحرج الكبير فهي ظنت بأن المشكلة كلها أنه قد استمع لكلمات والدتها...
ظنت بأنه أتى من أجل الحديث مع والدها لكن لم يأتِ في عقلها أبدًا أنه أتى من أجل الانفصال...
يوم أمس حينما أخذت الهاتف من ابن شقيقتها وجدته قد اتصل وانتهت المكالمة في الوقت التي كانت تتحدث فيه مع والدتها...
أخذت تحاول الاتصال به لمدة طويلة بارتباك شديد أرسلت العديد من الرسائل معتذرة له، أو حتى تحاول فهم إلى أي مدى قد سمع؟!.
لكنه كان يقرأها ولا يجيب عليها...
وفي صباح اليوم أخبرها والدها بأنه تلقى اتصال من دياب وهو يرغب في أن يأتي للجلوس والحديث معها دون توضيح أي شيء..
-حقك عليا يا دياب أنا أسفة، دي ماما وأنتَ عارفها.
قالت ليلى تلك الكلمات وهي تحاول أن تخفف عن كاهلها الحرج التي تشعر به، تحاول فعل أي شيء بدلًا من هذا الصمت المميت..
يعلم بأنها مضطرة لكن استمع الحديث كله تقريبًا وسمع ما يكفيه ورغم معرفته بأنها مجبرة على أمرها وتشعر بالضيق وأنها والدتها.....
لكن في كرارة نفسه المتألمة والمصفوعة ألف مرة من الزمن كانت ينتظر أن يسمع منها أي دفاع عنه، سمع بكاء وانهيار لكنه لم يسمع ما قد يرمم رجولته ومشاعره....
هتف دياب بنبرة هادئة:
-ملهوش لزوم تعتذري يا ليلى أنا مش جاي علشان كده وصدقيني مامتك مغلطتش في حاجة هي بتفكر في مصلحتك؛ أنا جاي علشان أقولك كل شيء قسمة ونصيب...
شحبت ملامح ليلى وهبطت دمعة من عيناها وهي تجده يسترسل حديثه بتوضيح:
-وصدقيني أنا أصلا كنت متصل علشان أقولك كده وأن الموضوع مش كلام أمك بس، أنا هبيع الشقة بسبب ظروفي اللي حصلت ومشواري لسه بيبدأ من الصفر تاني وأنا لو ليا أخت مش هرضى أنه واحد يعلقها أكتر من كده.
ردت ليلى عليه بنبرة مجروحة؛ قالتها بصدمة وعدم تصديق مما تسمعه، رغم أنها ليست شغوفة أو لديها الجرأة لقولها إلا أنها فعلت..
-دياب أنا بحبك...
تألم قلبه لكنه رد عليها بتلقائية شديدة..
-مهما كنتي بتحبيني ومهما كنت بحبك، مش هتعرفي تكملي في علاقة زي دي، تفضلي طول عمرك بتحاربي علشان أكون حاجة في عين أمك ومش هيحصل، وفي النهاية هي أمك وصدقيني أنا هبدأ من الصفر من تاني لا شغل ولا شقة ولا حاجة...
ابتسم لها ثم أردف:
-أنا جاي أقولك كل شيء قسمة ونصيب ولا العيب فيا ولا فيكي هي الظروف بس كانت منحسة معانا ونصيب في الأول والآخر أنا قولت لـ والدك كل حاجة وهو قالي أخد الشبكة والموبايل الهدايا بس الشبكة والهدايا كلها بتاعتك هدية مني ليكي...
نهض وهو يختم حديثه قائلا في الوقت نفسه الذي يأتي والدها من الداخل:
-اتمنى بس تعرفي أن مكنش قصدي في أي يوم ألعب بيكي أو اعلقك بس أنا ظروفي كانت اوحش من أني اقدر أنفذ كل اللي وعدتك بيه وافتحلك بيت، ربنا يوفقك ويعوضك عني وعن كل حاجة..
لم تكن تجد كلمات مناسبة ترد عليه به هي مازالت تشعر بالصدمة والتبلد وكأن ما عادت الكلمات تنفع حتى تصلح وضعهما.....
لقد تدمر كل شيء..
هل كان الفاعل الزمن أم والدتها؟!.
القدر أم النصيب؟!.
من كان الفاعل الذي قام بالفعل؟!!
لا تعلم لكن المؤكد أنهما كانا المفعول...
________________
لا يجيب على اتصالاتها الهاتفية....
لا يقوم بمشاركة أو الإعجاب بأي منشور لها...
رغم أنه كان حريص على الاعجاب والتعليق على منشوراتها لعدة أيام متواصلة لكنه اختفى مرة واحدة...
ولا يقوم بمشاركة أي منشور...
لذلك اتصلت به حتى تطمئن على أحواله تارة يعطيها هاتفه بأنه مغلق وتارة لا يُجيب..
شعرت بـغضبٍ وانزعاج كبير..
ما الذي يحدث معه؟!.
هذا السؤال يجعلها تشعر بالقلق عليه بجانب مشاعرها الأخرى....
فكرت بأن ترسل رسالة إلى شقيقته تسألها عنه لكن شعرت بالحماقة، ماذا تخبرها؟! وكيف سيكون شكلها وما هي صفتها حتى ترسل إلى شقيقته رسالة كهذه؟!.
تركت سامية هاتفها حينما سمعت نداء والدتها من الخارج وهي تخبرها..
"يلا يا سامية، الأكل على السفرة"
خرجت سامية من الحجرة هاتفة بانزعاج وهي تقترب من الطاولة الموضوع عليها أطباق الطعام هاتفة:
-كام مرة أقولك بلاش اسم سامية ده؟! بسمعه بتعصب معرفش ليه مُصره تضايقيني؟!..
ردت انتصار عليها بسخرية لكن ملامحها كانت مُرهقة من تحضير الطعام وهي تجلس على المقعد:
-علشان أنتِ اسمك سامية يا عين أمك وساسو ده اسم سايس وملزق كده معرفش عاجبك فيه إيه؟! ومش داخل دماغي ولا عاجبني علشان أقوله مش جاي على لساني اصلا.....
تمتمت سامية ساخرة وهي تجلس هي الأخرى وتنظر لها ومازالت لم تنظر إلى محتوى الأطباق التي تتواجد أمامها والطاجن الفخار..
-أي حاجة بتفرحني بتكون صعبة عليكم حقكم عليا...
ثم نظرت إلى الأطباق هاتفة وكأنه قد قرصها ثعبانًا ما:
-أنتِ عاملة بامية؟!.
ردت والدتها عليها ببساطة شديدة وهي تناظرها:
-اه عملالك بقا طاجن البامية باللحمة الضاني اللي بتموتي فيه عملته مخصوص علشانك....
صاحت سامية بنبرة متشجنة فـ كانت أعصابها مشدودة إلى حدٍ كبير تحاول أن تخرج شحنة غضبها بأي شكل من الأشكال..
-أنا مبأكلش البامية وأنتِ عارفة..
ردت انتصار عليها ساخرة وهي تنظر لها بعدم تصديق:
- ده من امته ده؟! وبعدين أنتِ عبيطة ولا اتجننتي؟!، ده أنتِ بقالك اسبوعين بتتحايلي عليا اعملهولك، واعملك بامية ومبتأكليش أي طبيخ غيرها..
تحدثت سامية بانزعاج:
-خلاص مش عايزة أكلها دلوقتي أنا حرة..
هتفت انتصار بنفاذ صبر:
-خلاص كلي ملوخية وطلعي اللحمة من الطاجن وكليهم على الرز كده وخلاص...
نهضت سامية هاتفة بنبرة عصبية:
-لا شكرا مش عايزة أكل حاجة...
صاحت انتصار هي الأخرى بعد رحيل سامية الغير مفهوم:
-متأكليش يا سامية، أنتِ شكلك مجنونة دلوقتي وأنا مش رايقة ليكي ولا اللي أنتِ فيه ده يا عين أمك...
__________
يجلس دياب مع صديقه المقرب على المقهى بعدما هبط من منزل ليلى ليخبره بأنه باع شقته وانفصل عن خطيبته...
تحدث نضال معاتبًا له وهو يراه ينفث دخان سيجارته بضيقٍ واضح:
-وليه عملت كل ده من غير ما تعرفني طيب؟! ولا تعرف حد من عيلتك..
تمتم دياب بنبرة واضحة ومنطقية بالنسبة له:
-علشان مشيلش أمي الهم، وعلشان أنتَ هتقول زي ابوها قال إني استني شوية وصدقني الفشلكة في مصلحة ليلى أكتر مني، مهما كانت بتحبني ومهما كنت بحبها، مش هتعيش سعيدة معايا بخلاف ظروفي الطين؛ طول ما أمها منكدة عليها عيشتها وقاعدة تقارنها باللي رايح واللي جاي ده هيأثر عليها مهما كنت في نظرها وفي قلبها..
صمت لثواني ثم تحدث بنبرة هادئة:
-العلاقة اللي بيحتار فيها الشخص بين أهله وبين اللي بيحبه تعب قلب، وأنا دلوقتي مقصر في حقها وعندي مسؤوليات كتير والمشاكل ما بينا هتزيد وأصلا امها قالت كل ده لمجرد إني اشتغلت على التوكتوك ومكنتش لسه عرفت حوار الشقة..
"اللي بيحب بيستحمل"..
كبح نضال نفسه من قولها، لا يدري لما لا يعجبه وهن تلك الفتاة مهما كانت الأسباب...
دياب رجل لا تتركه فتاة عاقلة حتى ولو أرادت والدتها، لو كانت تحبه بشكل واضح لم تكن تعنيها المقارنات وهذا كله...
تلك وجهه نظره، ولكنه لم يخبر دياب بها ليس وقته قولها، أو لن يأتِ وقته أبدًا رُبما هو من سوف يستنتجها بنفسه في وقتٍ من الأوقات....
-طيب يا دياب ياريت متتصرفش من نفسك تاني حتى لو تصرفك صح شورني، ممكن تسمع حاجة من حد تايهة عن بالك أنا مبقولش تصرفك غلط بس يعني على الأقل بلاش تكون متهور في قرارات زي دي..
سحب دياب نفس من سيجارته ثم أردف بيأسٍ:
-كلها محصلة بعضها يا نضال..
كاد نضال أن يرد عليه لكن قاطعهم صوت هاتف دياب الموضوع على الطاولة الخشبية فأجاب دياب على الفور بمجرد أن لمح اسم أحلام...
-ألو.
"ازيك يا دياب عامل إيه؟!".
رد دياب عليها تحت أنظار نضال:
-أنا بخير الحمدلله، في أخبار؟!.
جاءه صوت أحلام بنبرة واثقة:
"طبعًا مدام وعدتك إني هتصرف يبقى هتصرف، بكرا الميعاد ان شاء الله الساعة خمسة هستناكم في المستشفى، وهو هيقول كورس العلاج علطول لأنه شاف التقارير يعني هيتكلم معاها شوية وفحص كده، وهيقول هتمشي على الجلسات ازاي".
-شكرًا بجد يا أحلام مش عارف أقولك إيه.
"العفو يا دياب أحنا أهل طول عمرنا، ولعلمك الكشف مدفوع".
تغيرت ملامح دياب متمتمًا:
-لا طبعا ليه تعملي حاجة زي كده؟!..
ردت أحلام عليه ببساطة وهي تتذكر حديث جواد لكنها حاولت نسب الفضل إلى نفسها..
"أنا دكتورة في المستشفى وطبيعي يكون ليا استثناء لما يكون حد جاي من طرفي؛ يلا مع السلامة بقا"
لا يدري لما لم يرغب دياب الدخول في نقاش يبدو حديثها وتفسيرها منطقيًا بعض الشيء بالنسبة له ولأنه سعيد بأنها استطاعت فعلها:
-مع السلامة...
______________
-قولتلك بطلي عياط أنتِ مش عيلة صغيرة، يعني أحنا بنعاملك أنك كبيرة؛ وبنقولك علشان نفسيتها الفترة الجاية وأنتِ قاعدة تعيطي زي العيال الصغيرة؟!..
اليوم ذهبت حُسنية برفقة سمر لزيارة أحد الأقارب تحاول سمر التهوين على شقيقتها على قدر استطاعتها......
وأخذ دياب يخبر شقيقتيه بالوضع الحالي والصحي لوالدتهما، إيناس حاولت استيعاب الموقف لكن حور كانت تبكي بهستيرية وشكل مخيف....
مما جعله يصرخ فيها بغضب كبير رُبما لأنه يشعر بالغيرة منها، لأنها تستطيع البكاء والتعبير عن مشاعرها، بينهما هو لا يمتلك هذا الأمر هو عليه أن يتصرف بأقصى سرعة........
تركهما دياب وذهب إلى الشرفة وهنا أخذتها إيناس في أحضانها وهبطت دموعها هي الأخرى لكنها هتفت بيقين وصلابة:
-ربنا بإذن الله هيشفيها؛ خير يا حبيبتي متعيطيش يا نور عيني...
بعد وقت هدأت فيه حور قليلًا وضعت إيناس الخمار المنزلي عليها لأنها سوف تخرج إلى الشرفة وهي تجد طفلتها جنى تنظر لهما بتعاطف بينهما طفلها الأخر منشغل بالهاتف..
-تعالى اقعدي مع حور وقوليلها متعيطش لغايت ما اجي...
هزت جنى رأسها موافقة ثم ذهبت وجلست بجانب حور على الأريكة ثم وضعت يدها الصغيرة على وجنتي حور هاتفة بحروف تكاد تنطق صحيحة وبطيئة جدًا..
-خلاص يا حور متعيطش علشان خاطر جوجو..
أخذتها حور في أحضانها وبكت أكثر...
"داخـــل الـــشـــرفــة"
-ممكن متزعقش في حور كده تاني يا دياب..
قالت إيناس تلك الكلمات مما جعل دياب يتحدث بنبرة جادة:
-أنا مش متحمل حد ومش متحمل دلع من حد..
ردت إيناس عليه بحنان فهي تدرك بأنه غاضب هذا ليس دياب الحنون التي تعرفه؛ حسنًا هو لا يُحسن الحديث طوال الوقت بحديث معسول لكنه رجل المواقف:
-هي مش بتدلع يا دياب؛ وبعدين أنتَ فاكرها كبيرة ليه؟! حور لسه صغيرة، زيها زي جنى متختلفش كتير عنها، وهي مشافتش ابوك ولا قدرت تستوعبه زينا، وطبيعي أنها تخاف وتصطدم لما تعرف اللي حصل لماما، احنا كبار بنحاول نلم الموقف رغم أننا هنموت من جوانا لكنها مش كده سيبها تطلع اللي جواها يا حبيبي.
حديثها كان منطقيًا جدًا وحقيقيًا...
وشعر بالضيقٍ بأنه صرخ في وجهها بتلك الطريقة....
إيناس محقة...
حتى ولو حاول الجميع تعويض حور لكنها تعاني من نقص كبير في حياتها وخبر هكذا ليس هين بالنسبة لها....
صمت دام لعدة دقائق...
مما جعل دياب يفجر القنبلة:
-أنا هبيع الشقة في مشتري شافها النهاردة، واحتمال نتفق، وفركشت مع ليلى ولأسباب كتير أوي لكن أنا لو كملت معاها هظلمها اللي مرضهوش على اللي مني مرضهوش عليها...
نظرت له إيناس بشفقة وتعاطف كبير...
هي يجب عليها البحث عن عمل ومساعدته في أقرب وقت ممكن...
اقتربت منه إيناس واحتضنته ليحتضنها دياب بعمق وألم كبير، يحتاج أن يواسيه أحدهم يحتضنه دون عتاب......
-ربنا يقويك يا حبيبي؛ ويكرمك، ان شاء الله يا دياب ربنا هيكرمك كرم أنتَ نفسك متتوقعهوش يا حبيبي على قد كل حاجة بتعملها معانا وعلى قد ما بتيجي على نفسك؛ وبإذن الله لو في خير ترجع أنتَ وهي تاني يا حبيبي...
ابتعد عنها دياب وترك قُبلة على جبهتها ورأسها بحنان ثم تحدث بنبرة جادة:
-أهم حاجة عندي تكونوا كويسين يا إيناس وأمك بإذن الله تكون كويسة ولا هامنني أي حاجة تانية ولا عايز غير ربنا يدينا الصحة ويديم علينا ستره وبس...
ثم تحدث بنبرة مشاغبة قليلًا لكنها تحمل الألم في طياتها:
-يلا نشوف البت اللي جوا دي..
ولج إلى الشقة وخلفه إيناس ليجلس بجانب حور هاتفًا وهو يمسك يدها بنبرة غليظة:
-بطلي عياط ومرقعة أنا عارفك بتتهربي من امتحان الفيزياء بتاع بكرا علشان تقولي أنا كنت مكتئبة وكنت بعيط، وسامحوني معلش وهعوض المرة الجاية بلاش الشغل ده لأني هعلقك ساعتها مش هرحمك هطلع غلي فيكي لو النتيجة معجبتنيش..
ضحكت حور من وسط بكائها كالمجنونة، مما جعله يجذبها إلى أحضانه باحتواء كبير هاتفًا:
-متزعليش مني يا حور أنا مضغوط شوية..
ردت حور عليه وهي تضع رأسها على صدره تحت مشاهدة ايناس لهما وعلى شفتيها ابتسامة حنونة:
-أنا عمري ما ازعل منك يا دياب، أنتَ أبويا وأخويا وكل حاجة ليا...
ترك قبلة على رأسها هاتفًا بـ نفسٍ عميق يبث الطمأنينة في نفسه قبل أن يكون لهم وكأنه يحدث ذاته:
-كل حاجة هتكون كويسة بإذن الله وماما هتكون كويسة.......
_____________
في صباح يومٍ جديد...
استيقظت سلمى وارتدت ملابسها وخمارها وهي تستعد للذهاب إلى العمل في يومها الأخير بسبب التصليحات التي سوف تحدث في صالة الألعاب الرياضية...
لكنها لم تخبر أحد بتلك النقطة...
سمعت صوت الجرس وكانت جهاد قد هبطت منذ دقائق هل نست شيئًا وعادت؟!.
لكن هي معها المفتاح....
من سيأتي في هذا الوقت...
ذهبت سلمى وفتحت الباب لتجد أمامها أخر شخص تتوقعه...
-سلمى حبيبة بابا.....
الفصل التاسع من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
«إنسان هذا العصر مُنهمك في دوّامة الحياة اليومية، أصبح الواحد منا كأنه تِرس في دالوب المهام والتفاصيل الصغيرة التي تستَلِمُك منذ أن تستيقظ صباحًا، حتى تُلقيك منهمكًا فوق سريرك في أواخر المساء».
#مقتبسة
"الحُب إن لم يُجردك من كل ثِقل، فهو ثِقلٌ
إضافي في حياتك لا يعول عليه"
#مقتبسة
_______________
-سلمى حبيبة بابا...
صوته افزعها وأربكها...
كما أنه صدمها....
كيف من الممكن أن يظهر ماضيك الذي ظننتُ بأنه قد انتهى وتخطيته مرة واحدة، بعدما اعتقدت بأنك أصبحت شخصية جديدة مختلفة تمامًا عن وهنك وضعفك السابق ومشاعرك السلبية....
كيف من الممكن أن الصوت الذي نسيت بأنك سمعته من قبل يرن صداه حينما تسمعه كأنه لم يغب سنوات بل لم يغب يومًا من الأساس وكان دومًا محفورًا في ذاكرتك ولم يذهب يومًا بل أنتَ من وهمت نفسك....
طال صمت سلمى وصدمتها مما جعله يدخل المنزل ويغلق الباب خلفه وتحدث مدحت ببساطة وهدوء شديد:
-وحشتيني، عاملة إيه؟! كبرتي يا سلمى...
هنا ردت عليه سلمى بقوة وهي تحاول أن تنظم أنفاسها وهي تبتعد عنه حينما شعرت برغبته الواضحة في احتضانها مما جعله يعود خطوة إلى الخلف حينما رأى هذا النفور منها:
-كبرت لدرجة أنك اتأخرت أوي أنك تدرك معلومة زي دي....
صرخت سلمى في وجهه هاتفة بجنون ونبرة هستيرية جعلت والدتها تأتي من الداخل ركضًا على صوتها فهي لم تكن نائمة بل مستيقظة:
-إيه اللي جابك؟! إيه اللي جابك دلوقتي؟! ليه تظهر في حياتنا تاني لــيـه؟!!..
جاءت يسرا وهي تسير بصعوبة بسبب الكدمات التي تتواجد في جسدها بأكمله غير يدها الملفوفة بالجبيرة وشعرت بصدمة لم تختلف عن سلمى كثيرًا بل فاقتها أضعاف مضاعفة...
وكيف ألا تفعل؟!..
فـهي صُفعت بواسطة خذلان رجل ظنته عائلتها وحبها الوحيد...
صرخت سلمى في وجهها مرة أخرى متحدثة بعصبية مُفرطة:
-إيه اللي جابك؟! رد عــلــيـا...
هتف مدحت بتوتر محاولًا قول أي شيء:
-اهدي بس يا بنتي كل حاجة وليها سبب سبيني أشرحلك...
تحدثت سلمى بنبرة ساخرة:
-كل حاجة وليها سبب إلا عملتك ملهاش سبب، وده كفيل أن يخليني معوزش أشوفك قدامي عمري كله، أنتَ مُت بالنسبالي...
أردفت يسرا هنا محاولة أن تتجاوز صدمتها وهي تنظر له بجفاء واضح:
-أطلع من بيتي يا مدحت، أطلع من بيتي ملكش مكان فيه، بيتي ده اللي أنتَ سيبته بعد ما أخدت الخلو من صاحبه وانا أجرته منه وملكش حاجة هنا وباين أوي أن حتى بناتك اللي ليك مش عايزينك...
غمغم مدحت بشراسة واضحة:
-ليا يا يسرا وليا كتير أوي، ليا بناتي وليا أنتِ..
تحدثت يسرا مقاطعة أياه بنبرة اكثر حكمة من جنون سلمى وهي تناظره بنظرات تحرقه لو كان يشعر:
-بناتك مش عايزينك وده واضح أما أنا ملكش فيا أي حاجة أنتَ طلقتني من زمان وبعتلي ورقتي لو نسيت...
عقب مدحت وهو يقترب منها بنبرة جادة:
-زي ما طلقتك رديتك يا يسرا ومن سنين طويلة وأنتِ مراتي وعلى ذمتي....
نظرت له يسرا بعدم استيعاب وهي تردد باستنكار شديد:
-أنتَ بتقول إيه؟!.
رد مدحت عليها مؤكدًا المعلومة ببساطة افقدت سلمى الباقي من صبرها:
-بقول اللي سمعتيه...
-أنتَ بتخرف...
قالت سلمى تلك الكلمات بعدم تصديق أو استيعاب مما جعل مدحت يرد عليها بنبرة منفعلة:
-ده الوضع اللي هيحصل وهرجع اقعد في بيتي مع مراتي وبناتي إذا كان عاجبكم، ودي الحقيقة ومقدر صدمتكم علشان كده مش هأدبك يا سلمى على اللي بتقوليه ده وكان المفروض امك تديكي بالقلم بسبب اللي بتقوليه لأبوكي ده....
صرخت سلمى في وجهه بنبرة جادة وهي تنظر له بعين لا تهاب شيئًا:
- متجيش تعمل نفسك أب دلوقتي ومنتظر نقولك حاضر وطيب ونعم، وقسما بالله العظيم لو ما مشيت من هنا دلوقتي هصوت وألم عليك الناس كلها....
قاطعتها يسرا برزانة رغم أنها لم تستوعب الأمر جيدًا ولم تفهم ما يحدث لكنها تعيش مع ابنتيها بمفردها وابنتها الأخرى على وشك الزواج لا يصح أن تحدث مشكلة كبيرة تجعل أي شخص يقوم بنشر الأقاويل عليهن...
-سلمى...
تحدثت سلمى بنبرة جادة وهي توجه حديثها له:
-هتمشي ولا أروح أصوت افرج عليك الشارع كله؟!.....
تمتم مدحت بنبرة رزينة وحكيمة إلى حدٍ ما فهو يريد أن يكسب ودهم لا أن تكون المقابلة الأولى بينهما شجار يتحدث عنه الجميع:
-أنا همشي يا سلمى بس أعملوا حسابكم أني راجع تاني......
أنهى كلماته ورحل فاتحًا الباب ثم غادر المنزل بأكمله وهنا جلست يسرا على المقعد بأعصاب مُتعبة تحاول استيعاب ما سمعته بالتأكيد تلك مزحة!!
لا يُعقل...
يجب عليها الاتصال بـ شقيقها في أقرب فرصة بل الآن أما سلمى شعرت بالضيق الشديد فـغادرت المنزل متجاهلة نداء والدتها عليها.......
هي لا ترغب حتى في التفوة بكلمة واحدة...
____________
اليوم جهاد ذهبت إلى العمل مبكرًا عن خطيبها سلامة....
بسبب التغيير في المواعيد...
فاستيقظ سلامة من النوم ثم صنع لنفسه كوب القهوة المميزة وشطيرة الجبن وفي أثناء تناوله لهما كان الهاتف بين يديه يقلب في الهاتف بلا هدف حقيقي إلا أن قابلته صورة جعلت عيناه تخرج من مكانها..
زلزلت كيانه وأفسدت بداية يومه..
صورة تجمع أحد الشباب الذي يعمل معه ومجموعة من الفتيات وشاب أخر يجلسون على الطاولة ومنهم جهاد، وقد دون عليها عبارة تعبر عن تناوله الفطور مع زملائه في العمل...
هذا ما جعله يحاول الاتصال بها أكثر من مرة لكن لا تجيب زاد هذا من جنونه رغم معرفته الجيدة بأن هذا وقت العمل ولا تستطيع الإجابة على هاتفها كونهما يعملا في "خدمة العملاء" لا يصلح لهما الحديث في الهاتف طوال الوقت......
توقف عن تناول فطوره وذهب ليأخذ حمامه ويرتدي ملابسه على عجالة من أمره ويذهب مبكرًا رغم أن هذا ليس موعد عمله لكن لا يستطيع الصبر...
"في الظهيرة"
كان يقف سلامة مع جهاد في الممر المؤدي إلى المكان الذي يتواجد به الجميع في ساعة الراحة الخاصة بهم أو ما يسمى "البريك" يحاول السيطرة على صوته قدر المُستطاع....
-أنتِ بتتنيلي تفطري معاه ليه يا ست هانم؟! لا وكمان متصورة والضحكة من الودن للودن في الصورة..
في الوقت نفسه كانت ميار صديقتها متواجدة بجانبها وحاولت جهاد الدفاع عن نفسها بمنطقية:
-هو أنا كنت بفطر معاه برا يعني ولا لوحدي؟! ما الشغل كله كان قاعد وبيفطر وأنا اتحرجت أقول لا يعني..
صاح سلامة مستنكرًا:
-واتحرجتي كمان تقولي لا مش عايزة اتصور صح؟!..
استغفرت جهاد ربها ثم غمغمت بنبرة مُنفعلة بعض الشيء:
-وطي صوتك هتفرج الناس علينا وبعدين كلنا كنا قاعدين يا سلامة متعملش مشكلة دول زمايلي وأنا أصلا لا بكلمه ولا بيكلمني الا لو في حاجة في الشغل وهو محترم معملش معايا أي حاجة؛ وحتى لا عندي على الفيس ولا أي حاجة ده عندك أنتَ...
تحدث سلامة بغضب جامح وغيرة حارقة:
-وعلى إيه؟! ما نضيفه على الفيس والانستا ونستناه أما يعمل حاجة وساعتها نتكلم عشان يكون ليا حق أتكلم...
تعالى صوت ميار متحدثة وهي تدافع عن صديقتها:
-على فكرة هي مغلطتش بقا، وبعدين كلنا كنا قاعدين واتصورنا مع بعض كـ Team يعني، أنتَ مكبر الموضوع..
نظر لها سلامة بانزعاج واضح متحدثًا بسخرية:
-أنتِ مالك أصلا بتدخلي في اللي ملكيش فيه ليه؟! أنا بتكلم مع خطيبتي حد خد رأيك؟! وبعدين أنتِ اللي بالنسبالك عادي مش بالنسبة ليا ولخطيبتي عادي خليكي في حالك..
تحدثت جهاد بحرج:
-سلامة كلامك معايا أنا...
قاطعها سلامة متحدثًا بسخرية:
-صح وده اللي أنا بقوله كلامي معاكي يبقى هي متدخلش..
عقبت ميار على حديثه بلامبالاة:
-ربنا يعينك يا جهاد ده بني أدم غريب ولا يُطاق...
تحدث سلامة بانفعال واضح وهو ينظر لها:
-ولما اقول كلام يخليكي عاجزة أنك تردي عليه هيعجبك؟! لو سمحت سبيني أنا وخطيبتي لوحدنا ولا أقولك خديها معاكي ما هي اللي مدياكي الجراءة تغلطي في خطيبها وهي واقفة..
ردت ميار عليه بعدم استيعاب:
-انا بدافع عن صاحبتي وبعدين أنتَ اللي بدأت الغلط فيا...
غمغم سلامة بجدية:
-وأنتِ اللي بدأتي تدخلي في اللي ملكيش فيه يبقى متزعليش لما يترد عليكي رد يضايقك...
عقبت جهاد بانزعاج وغضب واضح:
-ممكن تسكتوا لو سمحت...
____________
ليلة أمس تم الطلاق بشكل رسمي بينه وبين رانيا....
أخذت ما أرادته ولم تتراجع عن أي شيء....
لم تظهر حتى ذرة ندم لذلك لم يحاول هو التمسك بها، كما لا يحاول التمسك بأي شخص أو إرضاء أي شخص....
اليوم عاد يمارس عمله بشكل فعلي حتى أنه قام بـ إجراء عملية تخطت الثلاث ساعات وانتهت بنجاح بالغ أكثر مما توقع حتى، وحينما عاد إلى غرفته سمع طُرقات خافتة على الباب أذن لصاحبها بالدخول...
ولجت أحلام ليسألها جواد بطريقة مباشرة:
-خير يا أحلام في حاجة ولا إيه علشان زياراتك كترت أوى؟!.
تحدثت أحلام بنبرة لينة فهو لا تريد إضاعة الوقت مادام هناك وقت لسفرها حتى ولو ليس طويلًا ويمكنها فالاستفادة منه بأي شكل من الأشكال تعجبها.. .
لذلك لن تتردد في التودد له:
-أبدًا، أول حاجة حبيت أجي أقولك برافو على العملية وأنك رجعت تاني، وتاني حاجة جاية علشانها إني أشكرك بما أن جيراني لسه ماشيين وكشفت عند الدكتور...
تمتم جواد بإرهاق حقيقي:
-طيب كويس، ان شاء الله خير...
هتفت أحلام بتردد:
-شكرًا يا جواد على أي حاجة بتعملها علشاني..
صحح جواد لها المعلومة هاتفًا بوضوح:
-أنا معملتش كده علشانك، أنا صحيح عملت علشانك كتير بس دي أنا عملتها ليكي كأي دكتورة أو دكتور شغال معانا في المستشفى طلب مني طلب زي ده...
تنفست أحلام بعد كلماته تلك بصعوبة بالغة لم يكن يومًا رجل فظ إلى هذه الدرجة، بل كان يسعى في إرضائها يطلب منها رقم شقيقها حتى يتواصل معه من أجل الزواج منها، كان يشتري لها كل ما تفكر به..
ما الذي تغير فيه إلى تلك الدرجة؟!.
حاولت أن تستمر معه في الحديث ببساطة وكأن كلماته لم توجعها بما يكفي، وتذكرت كلمات ايناس لها ليلة أمس وهي تخبرها بأنها سوف تبحث عن عمل، ةسوف تقبل بأي عمل من أجل المساعدة في المنزل..
-طب بما إني زيي زي أي دكتورة في المستشفى فأنا كنت طالبة منك خدمة..
نظر لها نظرات لم تفهمها ولكنها أسترسلت حديثها وهي ترسم على ملامحها الضيق الزائف:
-صاحبتي بتمر بظروف وحشة وكنت حابة أنها تشتغل هنا لو ينفع....
رد عليها جواد بنبرة واضحة وقاطعة ولم يدعها تسترسل حديثها:
-بما إني قولتلك إني عملت اللي هعمله لأي حد يطلب مني خدمة وهو شغال هنا، فأعتقد مفيش حد بيطلب كل شوية بعشم قدك، للأسف الحال ده لازم يتغير برضو شوية ده أولا وثانيًا أحنا مش محتاجين حد دلوقتي...
تحدثت أحلام بعصبية تلك المرة:
-مش ملاحظ أن طريقتك وحشة معايا جدًا..
جلس جواد على مقعده وهو يرتدي ساعة يده بهدوء ورزانة:
-أعتقد طريقتي معاكي منطقية جدًا زي معاملتي مع أي حد شغال هنا، ولو كانت طريقتي غير كده الأول فده كان شيء طبيعي بالنسبة لواحدة كنت طالب إيدها وعايز اتجوزها لكن مدام الموضوع ده اتلغى فأنا بتعامل بطريقة رسمية أتمنى أنك تلتزمي بيها أنتِ كمان...
تمتمت أحلام بانزعاج وعتاب واضح:
-يعني كل الكلام اللي بتقوله كان كدب وفيلم وخلص؟!
سألها جواد بوضوح:
-إيه الكلام اللي كنت بقوله يا دكتورة؟! غير إني عايز اتجوزك وبما إنك قعدتي تماطلي لوقت طويل وصلني الرد أنك مش حابة تتجوزي أو رافضة الجواز مني، لذلك أنا لغيت الفكرة وسحبت عرضي عليكي، ده اللي حصل ومتحاوليش توهمي نفسك وترسمي لنفسك قصص تطلعي نفسك مظلومة فيها..
لأول مرة تسمع منه تلك الكلمات..
لأول مرة يتحدث معها بتلك الطريقة الواضحة والفاصلة...
هتفت أحلام بنبرة جادة:
-أنتَ طلقت مراتك.....
ضيق جواد عينه متحدثًا باستغراب:
-وأنتِ عرفتي منين؟!.
منذ أن بدأت علاقتها بـ جواد وحاولت التقرب منه والتودد له وهي تراقب الصفحات الخاصة بالعلامة التجارية لزوجته، وحتى حسابها الشخصي، وليلة أمس وجدتها قد أزالت حالتها العاطفية بأنها متزوجة منه...........
مستبدلة أياها بأنها قد أصبحت عزباء....
ردت أحلام ببساطة ونبرة باردة:
-عرفت مكان ما عرفت..
تمتم جواد وهو ينظر له مشيرًا نحو الباب:
-مدام عرفتي مكان ما عرفتي ده ميغيرش أي حاجة ولا له علاقة بيكي ومن فضلك أنا خارج من عملية صعبة وبقالها ساعات فياريت تسبيني أرتاح لأني مش حمل الكلام الكتير ده في موضوع خلصان.
-ماشي يا دكتور جواد..
قالتها أحلام قبل أن تغادر وهي تغلق الباب خلفها بعصبية شديدة...
_____________
تجلس في المنزل...
تصنع الطعام وتقوم بـ ترتيب المنزل، تفعل أي شيء يقع على عاتقها ولا يقع اي شيء يأتي أمامها حتى لا تفكر فيما سيقوله الطبيب بشكل رسمي وفي الوقت نفسه لا ترغب في إصابة والدتها أو دياب بالذعر بسبب اتصالاتها...
كانت حور في درسها وذهبت خالتها ودياب مع والدتها ولم يكن يصح بأن تذهب هي وطفليها إلى المستشفى مسببة إزعاج وتوتر للجميع ولم يكن لديها من تستطيع ترك أطفالها معه والذهاب معهم لذلك جلست تحضر الطعام ثم جلست في انتظارهم...
كان أطفالها يشاهدا التلفاز تركتهما وذهبت صوب غرفة النوم حينما نما إلى سمعها صوت هاتفها، وهي تظن بأن دياب من يتصل أو حتى خالتها...
لكن المتصل كان أخر شخص تتوقعه....
هو زوجها عمرو...
أو بمسمى جديد " طليقها عمرو "...
الغريب أنه لم يفكر الاتصال بها بعد الشجار الذي حدث بينه وبين دياب...
ولا حتى فكر في الاتصال بها بعد الطلاق من أجل الأطفال ولا أي شخص من عائلته اتصل بها...
وهذا ما يجعلها تسأل ذاتها لماذا يتصل الآن؟!
هل يرغب في الحديث عن أطفاله؟!
انتهى الاتصال وهي تفكر الغاية من اتصاله بها لكنه فعلها وكررها مرة أخرى...
وأجابت عليه هذه المرة....
لا شك أنها شعرت بالفضول في المقام الأول وفي المقام الثاني ظنت بأنه رُبما يرغب في الحديث والاطمئنان عن الأولاد وقد استيقظ من غفلته...
-ألو..
رد عمرو عليها بنبرة لم تستشعر بها عشق خالص:
"الو يا ايناس، وحشتيني يا بت عاملة إيه؟!".
-عايز إيه يا عمرو ومتصل بيا ليه؟!...
تمتم عمرو بانزعاج واضح استشعرته ولكنه مازال يحاول الاستمرار في اللين الذي يستخدمه معها:
"إيه الرد الناشف ده؟! بقا بقولك وحشتيني تقوليلي عايز إيه يا عمرو؟!".
لم يرق قلبها..
لم تشعر بأنه بالفعل اشتاق لها...
كلماته كانت كاذبة لم تشعر بها أبدًا مهما حاول صبغها...
من يحب ويشتاق حقًا لم يكن قد أغضبها..
لم يفكر في ضربها مرارًا وتكرارًا...
لم يكن يسلبها كرامتها...
غمغمت إيناس بنبرة جادة:
-ملهوش لازمة الكلام ده يا عمرو أحنا خلاص اطلقنا اللي ما بينا أولادنا وبس الكلام خلص من بدري ولو متصل علشانهم هخليك تكلمهم غير كده لا..
رد عمرو عليها ببساطة:
"اطلقنا أه بس احنا لسه في فترة العدة يا ايناس يعني ممكن اردك في أي وقت، أنتِ وحشتيني وأنا مش عارف أعيش من غيرك أنتِ والعيال، البيت فاضي من غيركم، وحياتي ملهاش لا طعم ولا لون".
تحدثت إيناس بضيقٍ شديد:
-مفيش رجوع يا عمرو موضوعنا انتهى وكان منتهى من مدة طويلة، وكان بينتهي في كل مرة كنت بتمد ايدك عليا وبتهين كرامتي فيها وأنا كنت كل مرة بحاول اصدق أنك هتتغير...
تمتم عمرو وهو يحاول استمالتها بكل الطُرق الممكنة فهو مازال لا يصدق حماقته بأنه قد طلقها حقًا واعطاها كل شيء:
"كل المتجوزين بيمروا بمشاكل يا إيناس، وفي فترات في حياتهم بتكون صعبة عليهم، وتنقطع ايدي اللي اتمدت عليكي يا حبيبتي، إيناس أنا بحبك، أنتِ حب حياتي وأول دقة قلب"..
-لو كنت بتحبني زي ما بتقول يا عمرو مكناش وصلنا لهنا أبدًا..
هتف عمرو بنبرة خافتة ولينة:
"البني أدم بيغلط وربنا بيسامح، وبعدين افتكريلي أي حاجة حلوة بينا، فكري في مصلحة ولادنا، اخوكي خرب عليكي يا إيناس، خرب عليكي وهد بيتك وقعدك جنبك تخدميهم، أنتِ مكانك مع حبيبك، جوزك أبو عيالك"..
أسترسل حديثه بنبرة جادة:
"نرجع وبشروطك أنا موافق، ولو مديت ايدي عليكي ياستي تاني ابقى ***".
تمتمت إيناس بضيقٍ وهي ترد عليه بقوة:
-محدش خرب علينا يا عمرو أنتَ اللي خربت بيتنا، أنتَ السبب لما بطلت تعاملني بما يرضي الله، دياب خلصني من اللي أنا فيه، عرفني إني مكنش ينفع اتهاون في كرامتي لأي سبب من الأسباب، متحاولش ترمي فشل علاقتنا على أخويا اللي رد كرامتي ورد اعتباري..
هتف عمرو بنبرة منزعجة ومنفعلة بعض الشيء:
"يعني ده أخر كلام عندك؟!"
قالت ايناس ومن دون مماطلة أو تفكير حتى:
-ايوة أخر كلام عندي احنا اللي ما بينا عيال وبس أنا عمري ما هرجع على ذمتك تاني يا عمرو، أنتَ كسرتني قدام نفسي، عمري ما هطمن إني أكون معاك في بيت واحد من تاني..
ابتلعت ريقها وقالت والدموع تنهمر من عيناها وهي تتذكر كل لحظة وكل ألم استشعرته معه؛ إهانته لها ثم احتضانها وكأنه لم يفعل بحقها شيئًا:
-أنتَ كسرت كل حاجة بين الراجل ومراته أنا مبقتش مطمنة معاك؛ عايزني استنى لما كنت تخلص عليا خالص وساعتها عيالي يعيشوا من غير أم...
رد عليها عمرو بسخرية:
"متكبريش الموضوع بس، وبلاش كلام الأفلام ده، افتكري بس يا بنت الناس إني لغايت أخر لحظة شاريكي وإني بحاول أرجع لمياة لمجاريها وبحاول أصلح اللي اخوكي خربه، اصلح حياتنا"..
صمت لثواني ثم أسترسل حديثه بنبرة غاضبة:
"بكرا هتفهمي إني كنت على حق وأن اخوكي هو السبب في خراب بيتك، افتكري إني كنت شاريكي لغايت أخر لحظة وأنتِ بايعاني وبايعة السنين اللي ما بينا وحتى عيالك مش فارقين معاكي بُعدهم عن أبوهم ابقي خلي اخوكي ينفعك سلام"..
أغلق المكالمة قبل أن يسمع ردها...
وهذا جعلها تدخل في نوبة بكاء مريرة...
ليس من أجله أو عليه..
لكن من أجل كرامتها المهدورة....
_____________
منذ الصباح عدد مهول من الاتصالات منه..
اليوم كان لديها عروس يجب أن توضع لها مساحيق التجميل المناسبة وهي تحب الفتيات التي يقبلن التصوير لكنها لم تكن تستطيع أن تفعل ذلك اليوم بمزاج رائق بسبب اتصالاته المتكررة التي تتجاهلها..
هي غاضبة من ظهورة المفاجئ واختفاءه المفاجئ في الوقت ذاته...
توقفت واستأذنت من الفتاة بأن لديها مكالمة هامة وخرجت من الغرفة التي تتواجد في أحد الفنادق.......
أجابت عليه فهو لا يتوقف ولا تستطيع تصوير العروس حتى تصنع عدة مقاطع وتقوم بتنزيلها على صفحتها...
وهو يقوم بتعطيلها...
-ألو..
جاءها صوته بلهفة واضحة..
"أخيرًا رديتي يعني، ده أنا اتصلت بيكي فوق الثلاثين مرة ومش بتردي"
تحدثت سامية بنبرة مكتومة وغاضبة:
-وده ملفتش نظرك إني مش حابة أرد أو مش فاضية أرد عليك...
رد عليها حمزة ببساطة ولم ينزعج منها:
"ده واضح أن شايلة مني جامد وزعلانة بجد".
تمتمت سامية بحرج محاولة أن تنفي تلك الشكوك رغم أنها حقيقية مئة بالمئة:
-وأشيل منك ليه؟! كل الحكاية إني في الشغل مع عروسة ومش عارفة أصور كل شوية تتصل بيا ومش عارفة أشوف شغلي..
عقب حمزة على حديثها بنبرة جادة وهو يعتذر منها:
"حقك عليا، علشان مكنتش برد بس كانت نفسيتي وحشة وعندي مشاكل كتير في شغلي وفي حياتي غير أن ماما كانت تعبانة شوية، وحقيقي مكنتش عايز اشيلك همي ولا أبان قدامك شخص كئيب ولا بالحالة دي".
تحدثت سامية باهتمام حقيقي:
-ليه والدتك مالها؟!.
تمتم حمزة بتوضيح:
"يعني تعبت شوية كده بسبب الضغط وكانت في المستشفى كذا يوم وأغلب الوقت مكنش في شبكة إني أرد عليكي حقك عليا، متزعليش".
هتفت سامية بتردد ولكن كانت جادة فيما تقوله:
-مش زعلانة يا حمزة، وألف سلامة على والدتك ويارب تكون بخير دلوقتي..
"الحمدلله بقت أحسن كتير كُنا فين وبقينا فين، النهاردة رجعت البيت ولسه نازل وأول حاجة فكرت أعملها إني أكلمك واشوفك، وحشتيني وعايزة أقابلك..."
شعرت بالحرج الشديد من تصريحه بالأمر بأنه قد أشتاق لها بمنتهى الأريحية....
هي أيضًا اشتاقت له لكن لا تستطيع التعبير مثله وشعرت بالحرج حتى أن ترد على السؤال..
مما جعله يسترسل حديثه بنبرة هادئة:
"ها قولتي إيه؟! نتقابل النهاردة؟! قوليلي أنتِ فين أجيلك عقبال ما تخلصي"..
كانت ترغب بالفعل في رؤيته والحديث معه، ترغب في أن توافق على ذلك وتراه تحديدًا بأن أقصى شيء ساعة ونصف وتكون قد انتهت مما تفعله لكن وجدت نفسها تخبره كاذبة...
-للأسف مش هينفع عندي مشوار كده بعد ما أخلص مع ماما...
سألها حمزة بنبرة رجولية خافتة لمست كل ذرة بها:
"طب هشوفك امته طيب؟! بقولك وحشتيني"..
-مش عارفة بصراحة أنا الأسبوع ده عندي مواعيد وحجوزات كتيرة وغالبًا شغالة الاسبوع كله، وكمان...
قاطعها حمزة بسلاسة ويسر:
"مش مشكلة ياستي أي وقت تلاقي نفسك فاضية فيه كلميني الصبح او بليل أي وقت تكوني فاضية بس اتصلي وهكون عندك علطول.... "
_______________
"في نهاية اليوم"
بعد تفكير عميق كانت تقف بجانب سيارته تنتظر هبوطه ولقد انتظرته طويلًا بعدما تركت ميار تذهب وظلت في انتظاره إلى أن يُنهي عمله حتى تتحدث معه....
أنهى سلامة عمله وهبط قم سار حتى يتوجه صوب سيارته ليجدها واقفة بجوارها...
تحدث سلامة ما إن وصل لها:
-لسه مروحتيش يعني؟! ليه الست ميار مروحتكيش ما هي..
غمغمت جهاد بتردد وهي تنظر له باختناق ومقاطعة حديثه:
-سلامة متكبرش الموضوع أنا جاية أصالحك اهو وسيبك من ميار، أنا جاية أقولك أنا آسفة كان المفروض مقعدش ومتصورش مدام ده هيضايقك رغم أن كلنا زمايل عادي لكن مدام ده بيضايقك أنا مش هعملها تاني ومش هكررها..
تنهد سلامة وهو ينظر لها بتفكير...
فاليوم لم يكن يعطي تركيزه للعمل..
بل تركيزه كله كان يفكر بشجاره معها...
حينما هدأ قليلًا شعر بأنها لم تفعل شيء كبير إلى حدٍ كبير تلك المواقف واردة في العمل نعم، وهو يغار وغاضب من تصرفها بالرغم ومازال لكنه يحاول التفكير بشكل جاد في الأمر من ناحيتها ومن ناحيته....
حاول التفكير بكل الجوانب والظروف....
تمتم سلامة بنبرة جادة:
-ماشي يا جهاد؛ بس ياريت تعملي حسابك إني لو حسيت أن علاقتي أنا وأنتِ في حجر صاحبتك وكل حاجة بتروحي تعرفيها ليها، وتقعد تدخل كل شوية في أي مشكلة مش هيحصل كويس...
تمتمت جهاد بنبرة متوترة بسبب اتصال سلمى المُبهم وهي تسألها عن موعد عودتها ولم تخبرها في الواقع سبب منطقي:
-هي مكنش قصدها حاجة وحشة هي حاولت تدافع عني وتوضح الصورة قدامك...
تحدث سلامة برفض قاطع لما يحدث:
-قصدها مش قصدها أنا كلامي واضح يا جهاد تدخل البت دي في كل تفصيلة وكل حاجة أنا مش هسمح بيه، صاحبتك دي تكلميها وتكلمك، تخرجي معاها، لكن تدخل في اللي بيني وبينك لا.....
____________
-زعلانة منك يا دياب، زعلانة منك والله، كل ده يحصل ومتقوليش؟! وتغيب عني كل ده ولا تسأل عني ولا حاجة، ولا حد فيكم يقولي اللي حصل لحسنية؟!..
قالت بهية تلك الكلمات وهي تجلس بجوار دياب على الأريكة في منزلها فهو قرع الجرس وفتحت له ولم يرغب في الدخول قبل أن يتأكد من تلك الفتاة ليست هنا....
فهو أتى من عند الطبيب حديثًا وتناول الطعام مع عائلته وقرر الهبوط إليها..
تمتم دياب بهدوء:
-مكنتش في فرصة ومحبتش أقلقك واديني يا ستي في الآخر جيت وقولتلك كل حاجة...
ثم أخرج ميدالية مفاتحيه متحدثًا ببساطة:
-هخرج ليكي المفتاح من الميدالية مدام معاكي حد في البيت مش لازم يفضل معايا المفتاح..
ردت بهية عليه برفضٍ واضح:
-لا خليه معاك لوقت عوزه، أنا أصلا عايزاك تطلع ليا نسخة اديها للبت ريناد، لو معاك رقم الراجل كلمه وأنا هخلي الواد محمود يجيبه ويحطهولي في السبت لما يرجع من المدرسة..
تحدث دياب بنبرة هادئة وهو ينظر لها وفي سؤال واحد يتواجد في عقله غير تلك الصدفة العجيبة...
لما هذه الفتاة جالسة هنا؟!!..
وعلى ما يبدو فترة جلوسها سوف تستمر...
كونها ترغب في أن تعطيها مفتاح المنزل....
-خلاص أنا هعمله وابعته ليكي مع حور كده كده الراجل في الشارع اللي ورا مش بعيد..
ردت عليه بهية بلطفٍ:
-مش عايزة اتعبك يا حبيبي، وبعدين أهم حاجة الفترة دي كده تكون هادي، وكلكوا تكونوا حوالين أمكم أهم حاجة نفسية المريض ومعنوياته وفي نفس الوقت هونها على نفسك يا ابني، كله هيعدي ان شاء الله.
تنهد دياب ثم غمغم بخفوت:
-ربنا يهونها بإذن الله، أنا أهم حاجة عندي أن ماما تكون كويسة ومش عايز أي حاجة تانية من الدنيا..
-ان شاء الله يا حبيبي.
ثم تحدثت معه بجدية وحنان:
-مش حاسس أنك اتسرعت في موضوع ليلى برضو؟! البت غلبانة برضو ومينفعش تتأخد بذنب أمها...
رد دياب عليها بنبرة منطقية:
-ينفع ولا مينفعش اللي حصل هو الصح، أمها هتخلي حياتها جحيم لو كملت معايا، وأنا السنين اللي قدامي يمكن أكتر من السنين اللي هي عدت بيها معايا، اللي حصل هو الأفضل للكل وكل حاجة في أولها صعبة وبعدين الواحد بيتعود وبيتأقلم...
استشعرت بهية الألم في حديثه إلى حدٍ كبير...
لكنها ابتسمت له...
لتسمعه يقول وهو ينهض من مكانه بخفة:
-على العموم أنا ماشي علشان قدامي نص ساعة وتبدأ ورديتي في التوكتوك، ولسه هعدي على واحد صاحبي، يلا عايزة حاجة؟!.
تحدثت بهية برفقٍ:
-ماشي يا حبيبي عايزة سلامتك خلي بالك من نفسك بس، وابقي طمني عليك كل شوية كده واتصل بيا حتى لو مش عارف تيجي أهم حاجة تطمني عليك..
-ماشي..
سار بضعة خطوات لكنها استوقفته وهي تسأله بذكاء واضح:
-هي ريناد هي البنت اللي السبب في أنك تسيب شغلك صح؟!.
أستدار لها دياب متحدثًا بنبرة منزعجة ومغتاظة:
-هي اللي قالتلك؟!.
ردت عليه بهية وهي عاقدة ساعديها وتنظر أمامها:
-هي مقالتش بس أنتَ اللي قولت وأكدت شكوكي واللي بفكر فيه..
تحدث دياب بنبرة غير حقيقية مئة بالمئة أو بمعنى أصح لا يقتنع به إلى حدٍ كبير هو فقط يُكرر كلمات نضال أمامها:
-بيها أو من غيرها في كل الأحوال كنت همشي في الأول والآخر ده نصيب...
_____________
لم تتناول سلمى الغداء بل أخذت من غرفتها مأوى لها ولم يحاول أحد الحديث معها بعد عودتها رُبما لأن لا أحد يمتلك كلمات حتى جهاد التي أتت وشعرت بالصدمة حينما أخبرتها والدتها بما حدث....
فقد الجميع شهيتهم..
ولم يتبقى للكلمات موضع أو مكان...
تحدثت جهاد بارتباك وقلق شديد:
-طب وسلامة اللي جاي بكرا هو وأبوه؟! أقولهم إيه؟! وإزاي اقولهم حاجة زي دي أصلا، دول مشافوش أبويا كل الاتفاقات كانت معاكي ومع خالو...
غمغمت يسرا بنبرة متبلدة وهي تحاول التماسك قدر المُستطاع:
-خليهم يجوا في ميعادهم عادي متتكلميش في حاجة ولا تأجلي حاجة وأنا بكرا هحاول أوضح ليهم الموضوع.....
هتفت جهاد بقلق:
-أنا مش عارفة إيه اللي بيحصل...
تمتمت يسرا بنبرة مكتومة:
-ولا حد عارف اللي بيحصل يا بنتي، أنا لسه لغايت دلوقتي بحاول استوعب أنه جه وبحاول استوعب اللي قاله أصلا، ازاي بس؟!!!
_______________
خرطوم الارجيلة في يده جالسًا على مقعده المفضل.........
يسحب نفس من الأرجيلة متحدثًا وهو يضيق عينه موجهًا حديثه إلى سلامة ونضال الذين يجلسون معه كلاهما على مقعد محدد، وكان زهران يجلس بأريحية شديدة ويضع قدم فوق الأخرى...
-ياه الشقة دي فيها كل تفصيلة بيني وبين أمكم تتقال في كُتب وتُدرس، حب عمري اللي مش هيجي زيه لغايت أخر يوم في عمري...
مال سلامة على نضال هاتفًا بنبرة منخفضة:
-اومال لو مكنتش حب عمره كان اتجوز بعدها كام مرة؟!..
رد نضال عليه بنبرة خافتة هو الآخر:
-العدد في الليمون، كويس أنه بيحبها الحب ده، كان زمانه بيتجوز في الشهر الواحد أربعة، يمكن ده الحاجة الوحيدة اللي محجماه دي محدش عارف.
ثم صمت لثواني وأسترسل حديثه:
-او الشيشة هي اللي مخلياه أغلب الوقت مش فاضي بس، يا عيني عليها متحملة وشايلة كتير..
غمغم زهران بنبرة هادئة وهو ينظر إلى التلفاز لكنه يوجه حديثه لهما:
-كانت ست ولا كل الستات ألف رحمة ونور عليكي، دورت عليكي في كل الستات مش لاقي ضُفرك حتى...
تحدث نضال هنا تلك المرة وهو يميل على شقيقه:
-شوفت ظلمته طلع بيدور يا عيني عليها مش بيتجوز وخلاص يا جاهل خف ظُلم شوية...
تمتم سلامة بنبرة تشبه شقيقه:
-شوف يا أخى الراجل طلع مريض في الآخر ومحتاج يتعالج نفسيًا وأحنا اللي كنا ظالمينه أنام ازاي دلوقتي بعد ما ظلمت ابويا...
أردف زهران أخيرًا وقد اختلفت ملامحه المرتخية وهو ينظر لهما:
-هو أنتم بتتنيلوا تقولوا إيه وبتتكلموا بصوت واطي كده ليه؟!.
غمغم سلامة بنبرة بريئة:
-مفيش حاجة يا بابا كنت بتكلم مع نضال وبقنعه يجي معانا بكرا لما نروح نحدد ميعاد كتب الكتاب والفرح..
رد زهران عليه بعدما سحب نفس من أرجيلته ثم نظر لهما بسخرية:
-ده براوي ده؛ سيبك منه مش فالح بس إلا يدور مع دياب في الرايحة والجاية...
أردف نضال وهو يرفع حاجبيه:
-هدي اللعب يا بابا كده تعمل مشكلة ما بينا وتوقع ما بيني وبين أخويا...
تمتم سلامة ببساطة:
-لا عادي أنا مش عقلي صغير للدرجاتي وبعدين هتيجي تعمل إيه يعني...
تحدث نضال بنبرة هادئة وهو يسترسل الحديث بدلًا من شقيقه:
-وبعدين هاجي اعمل إيه صحيح ما أصل أنا مليش حد أروح اشوفه زيك يا حج أنتَ رايح لهدف معين..
صاح زهران في وجهه باستنكار كبير:
-أنا يا ابني؟! اتقي الله وبعدين أنا صرفت نظر عن الموضوع ده خلاص كان عندك حق يا ابني مضاقتش بيا الدنيا يعني اروح اتجوز حماة ابني، وبعدين يسرا دي مش التيب بتاعي...
ردد سلامة كلمة والده بعدم فهم:
-التيب إيه؟! ده زي الطيب أحسن يعني ولا إيه؟!..
هتف زهران ببساطة:
-التيب يا واد يعني مش نوعي المفضل في الستات ولا اللي يدخلوا مزاجي أنا بس كنت بنكشكم مش أكتر..
هتف سلامة بتصحيح بسيط وعفوي:
-الـ type..
عقب زهران على حديث ولده بنبرة جادة:
-لا يروح أمك أنا دفعت فلوس في تعليمكم قد كده، مش علشان تصحح ليا، لا علشان اتفشخر بيك وترتطن قدام الناس الغريبة لكن أنا أقول اللي أنا عايزه أنا مش في حواري لندن..
ثم غمغم حينما نما إلى صوته صوت الباب:
-قوم افتح الباب تلاقيه المكوجي كنت باعت له حاجات...
نهض سلامة واستجاب إلى طلب أبيه وفتح الباب ليجد أمامه صبي بالكاد يبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا يحمل على ذراعيه بعض الملابس الموضوعة في كيس..
-إزيك يا عبدالله، مين اللي فتحلك الباب تحت؟!.
رد الصبي عليه ببساطة:
-الحمدلله كويس، الست انتصار كانت باعتة هدوم وهي اللي فتحتلي...
بعد حديث روتيني وعفوي بين سلامة والصبي، دفع له الحساب وغادر...
فدخل سلامة ووضع الملابس على الطاولة أمام أعين نضال التي كانت على وشك أن تخرج من مكانها هاتفًا:
-العباية دي من العبايات اللي جبتها من السعودية، اللي مش بتلبسهم إلا في المناسبات الخاصة...
ببراءة شديدة كان زهران يجيب عليه:
-هو في مناسبة خاصة اكتر من جوازة ابني علشان أطلع واحدة جديدة فيها؟!...
الحديث لم يدخل عقل نضال ولكنه حاول تمريره لأنه يشعر بالصداع على أي حال....
ويحاول أن يحسن الظن بوالده...
_____________
في الشارع كانت تسير ريناد وهي تضع السماعة في أذنيها وكانت قد أقتربت من بوابة المنزل...
-وكده خلاص يومي خلص، وخلاص داخلة البيت ويعتبر الـ vlog خلص باقي بس اكتب محاضراتي واتغدى..
عند دخولها إلى بوابة المنزل وهي تحمل الهاتف بين يديها في وضعية التصوير اتصطدمت بجسد ما وكادت أن تسقط كما سقط هاتفها أرضًا لولا يده التي أمسكت بذراعيها وساعدها في التوازن....
أعتدلت وقبل أن ترى من الذي اصطدمت به انحنت وأتت بالهاتف صارخة في وجهه حتى بعد معرفتها هويته:
-هو أنتَ ورايا ورايا، ورايا ورايا....
تحدث دياب بغضب هو الأخر من صراخها:
-وطي صوتك أنتِ تعبانة في دماغك؟!..
غمغمت ريناد بنبرة منفعلة وهي ترفع سبابتها في وجهه:
-متغلطش فيا أنا بقولك أهو، وبعدين أنتَ اللي خابطني وبتزعق فيا..
ضرب دياب كفًا على كفٍ متحدثًا بإرهاق وغضب واضح:
-يا بنت الناس متخلنيش أفقد أعصابي أنا مش طايق نفسي، أنتِ اللي ماشية بتصوري نفسك ومبحلقة في التليفون...
تحدثت ريناد وهي تصرخ في وجهه وهي تفحص الهاتف:
-الشاشة اتكسرت اعمل فيك إيه؟! أقول عليك إيه؟!.
رد دياب عليها بنبرة واضحة:
-أنتِ اللي غلطانة بلاش استفزاز أنا...
قاطعته ريناد بوضوح وانزعاج شديد:
-ولا أنتَ ولا أنا، أنتَ تصلح ليا الشاشة؛ وتركب ليا شاشة و تتصرف مدام أنتَ السبب يبقى تتصرف الموبايل مش مدي حاجة اصلا...
غمغم دياب بعدم تصديق لما يحدث:
-حلي عني بقا، ارحمي اللي خلفوني...
نظرت ريناد على الناحية الأخرى ناحية متجر ما متحدثة بجدية فهى ذهبت في الصباح لشراء "cover" لهاتفها...
-تعالى معايا هتصلح ليا الشاشة أو هتدفعلي حقها حسب التكلفة هتيجي معايا مدام كسرتها تصلحها..
تحدث دياب بسخرية لاذعة:
-وأنتِ يا شملولة لما كنتي السبب في طردي من الشغل دفعتيلي المرتب يعني ولا إيه؟!.
ردت ريناد عليه بوقاحة من وجهه نظره:
-دي مش زي دي، أنتَ قليت أدبك عليا وده اللي استحقيته، لكن ده أنتَ اللي بوظته..
صاح دياب بغضب واضح"
-تعالي معايا علشان نخلص في ليلتك دي علشان موركيش قلة الأدب على أصولها...
رغم أنه لم يرى الهاتف لكنه وضع يده في سترته القطنية وتوجه صوب هذا المتجر وهي تتبعه بانزعاج واضح وحينما ولج دياب تحدث مع الشاي الذي يعمل هنا فهو يعرفه فأردف:
-شوفلنا الشاشة يا محمود بتاعت الأستاذة تتكلف كام علشان نخلص..
ثم نظر إلى ريناد هاتفًا بضيقٍ:
-اديله الموبايل..
أعطته ريناد الهاتف إلى الشاب ليأتي بأحد الأدوات ويقوم بإزالة "اللاصقة التي توضع على شاشة الهاتف لحمايته متمتمًا ببساطة:
-الشاشة مش مكسورة ولا حاجة دي الاسكرين..
غمغمت ريناد بعدم تصديق وهي تنظر إلى الهاتف:
-ازاي يعني مش الشاشة؟! وبعدين الموبايل مش شغال......
أردف دياب بجدية:
-فلوسك حلال يا واد يا دياب حطلها اسكرينة بثلاثين جنية أخرها معايا...
أخذ الشاب يضغط على زرٍ يتواجد بجانبه ليفتح ويظهر بأنه قد انتهت بطاريته...
-هو فصل شحن مش أكتر..
تذكرت ريناد بأنها بالفعل كانت ترغب في شحن بطاريته....
أخرج دياب ورقة نقدية من جيبه متحدثًا ببساطة:
-حطلها اسكرين يا محمود ومشيها علشان أنا مش فاضي استنى...
ورحل قبل أن ينتظر تعقيب ريناد الغاضب:
-إيه مشيها دي هو أنا قطة؟! قليل الذوق جدًا..
_______________
الــيوم الـتالـي..
-ألف سلامة عليكي يا ست يسرا..
أردفت يسرا بنبرة هادئة محاولة الابتسام والحديث بطريقة هادئة رغم ما تمر به...
-الله يسلمك يا حج زهران...
تحدث زهران بـ ودٍ مبالغ فيه وهو يجلس بجوار سلامة على الأريكة، بينما على المقعد تجلس يسرا وعلى المقعد المجاور لها تقبع جهاد....
-والله أنا كنت عايز أجيلك من بدري بس اعمل إيه في الواد سلامة هو السبب والله..
لم تفهم يسرا أي شيء مما قاله لكنها أردفت بتعبير بسيط:
-سلامة جه وعمل الواجب، وكأنك جيت يا حج...
غمغم سلامة محاولًا تغيير الموضوع بأي حديث:
-صحيح سلمى فين؟!...
تحدثت هنا جهاد بارتباك:
-يعني تعبانة عندها برد ونايمة شوية...
غمغم زهران بأسفٍ:
-ألف سلامة عليها، والله البت دي حد ضاربها عين، ما هو كده في الزمن ده الواحد بيتحسد على أخلاقه وأدبه...
تمتم سلامة مقاطعًا حديث والده:
-عندها برد يا بابا بس يا بابا ربنا يشفيها.
رد زهران عليه بجدية شديدة وابتسامة مرسومة على شفتيه:
-هو البرد ده شوية؟! ده أنا أول ما انزل هبعتلها حتة لحمة تعملوا بيها شوية شوربة يرموا عضمها.
تحدثت يسرا بحرج فهي ترغب أن تنتهي الجلسة في أقرب وقت ممكن هي لا تستطيع الحديث في شيء هي فقط ملتزمة بموعد لا أكثر، رجوع هذا الرجل الذي يدعي مدحت زلزل كيانها تحديدًا بحديثه عن ردها..
-ملهوش لزوم تتعب نفسك يا ...
قاطعها زهران بعتاب لطيف جدًا وهو ينظر نظرات جعلت سلامة يشعر بالقلق:
-والله ازعل، ده كلام أحنا أهل والغالي للغالي و....
قاطع سلامة حديث والده تلك المرة متحدثًا بقلقٍ شديد بعدما أرسل رسالة إلى شقيقه..
كانت تنص على..
"نضال ما تيجي اعمل أي حاجة أبوك ناقص يقوم يأخد الست بالحضن ويغنيلها من حبي فيك يا جاري يا جاري من زمان، الحقني يا نضال أبوس رجلك وتعالى"
- بمناسبة أننا أهل يعني أحنا كنا جايين نتكلم في موضوع كتب كتابي أنا وجهاد ونحدد ميعاد الفرح بالمرة، بما أن كل حاجة تعتبر خلصانة خلاص ومحدش فينا ناقصه حاجة، وأنا كلمت عم "رياض" وقالي أننا نتفق على كل حاجة ونبلغه علشان يظبط أجازته..
غمغمت يسرا بتردد:
-يعني اللي يريحك ويناسبك لما تشوف مواعيد القاعات، احنا معندناش مشكلة...
صدع رنين الجرس فنهضت جهاد بارتباك رغم أنها ليست متوقعة الطارق فهي ظنت بأنه ليس لديه الجراءة في الاتيان مرة أخرى وبتلك السرعة.....
فتحت جهاد الباب لتجده أمامها....
والدها "مدحت" وفي الوقت ذاته تحدث زهران بجسارة وجراءة تناسبه:
-احنا عايزين الفرحة تبقى فرحتين، فرحة جهاد وسلامة وفرحتنا التانية، انا جاي أطلب أيد..
قاطعه صوت رجل يظن بأنه قد رأه من قبل ولكن مرت سنوات عديدة على أية حال:
-يا مساء الخير، مش تكلموني أجي علشان عندنا ضيوف شكلي جبت في الوقت المناسب.......
دخل مدحت بعدما ترك قُبلة على جبهة جهاد التي كانت على وشك أن تبكي من فرط الحرج والانزعاج التي تشعر به ينما يسرا لم تتحدث بل حاولت أن تدارك الموقف قدر المستطاع فلا يمكنها افتعال شجار أمام خطيب ابنتها.....
اقترب مدحت وترك قُبلة على جبهة يسرا التي نظرت له بغضب أحرقه وهي جالسة في مكانها...
نهض سلامة وزهران الذي شحب وجهه وشعر بالقلق الكبير ليصافحهما مدحت ببساطة شديدة وكأنه كان قد رأهما ليلة أمس:
-منورين والله..
سأله سلامة بغباء شديد:
-أنتَ مين؟!
ضحك مدحت متحدثًا بنبرة ساخرة فـ على أية حال هو عرف ترك الاخبار من ابنة شقيقه وقد رأى صورة جهاد مع سلامة في خطبتهما:
-أنا ابو عروستك يا عريس ازاي متعرفنيش يعني...
رد سلامة بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-يمكن علشان أول مرة اشوفك...
تحدث هنا زهران بلا استيعاب ولم يستطع كبح تعجبه وشحوبه الواضح:
-هو مش أنتَ كنت مطلق وسايب المنطقة من زمان؟!..
قهقة مدحت وهو يقترب من مقعد يسرا ويجلس بجوارها بسبب وقوف جهاد:
-هي كده الستات جوزها يكون متغرب علشانها وتقول للناس أنها اطلقت، ربنا ما يجيب طلاق أنا مقدرش استغني عن ام عيالي، ولا بناتي حبايبي، أقعدوا كده واقفين ليه..
كانت جهاد مازالت تقف عند الباب المفتوح وهي تراقب جلوس زهران وسلامة الذي يظهر على وجههما علامات الصدمة وعدم الاستيعاب التي تخفي خلفها ألف سؤال وسؤال...
تمتم مدحت ببساطة شديدة وهو يحاوط ذراع يسرا التي أنزلت يده بانزعاج جلي...
-كنت بتقول إيه بقا يا معلم جايين تطلبوا إيد مين غير جهاد اما دخلت عليكم؟!....
ردد زهران بتلقائية ولا يعلم كيف خرجت منه بتلك السهولة:
-جايين نطلب إيد سلمى لنضال ابني الكبير، ونخلي الفرحة فرحتين...
تحدث مدحت وهو يعقد حاجبيه بنبرة جادة:
-وهو في عريس بيجي أبوه يخطب ليه؟!..
ثم صمت لدقيقة تقريبًا تحت شحوب ملامح سلامة وغضبه الشديد مما يحدث...
أو مما على وشك أن يحدث...
غمغم مدحت باستنكار:
-فين نضال اللي أنتَ بتقولوا عليه ده؟!.
"أنا نضال"
قالها نضال الذي كان يقف على الباب بعدما استلم رسالة شقيقه ليأتي من أجل إنقاذ شقيقه.....
ولم يسمع أي شيء سوى صوت رجل غريب لا يعرفه يسأل عنه......
وقبل أن يتفوه نضال بحرف أخر أشار زهران ناحيته هاتفًا بثقة وابتسامة لا يدري كيف رُسمت على وجهه وهو يفعل ما يفعله:
-أهو العريس وصل أهو...
الفصل العاشر من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
- الحب هو الذي يبقى بعد أن يتلاشى كل شيء آخر، وهو الذي ينهض بنا من أعماق اليأس.
- دوستويفسكي 📚.
"المشاعر المخذولة لن تعود على سجيتها، مهما حركّها الحنين."
#مقتبسة
- هذا العالم غارق في الآلام والمآسي من رأسه إلى قدميه، ولا أمل له في الشفاء إلا بيد الحب.
- جلال الدين الرومي 📚.
_____________
تقوم بحزم امتعتها وجميع متعلقاتها الخاصة بالعمل............
اليوم لديها أحدى الحجوزات الخاصة بخطبة أحد الفتيات التي قامت بالحجز معها لكن ستبدأ متأخرًا عن العادة....
صدع صوت هاتفها يعلن عن اتصال منه ولم تكن تلك المرة الأولى ولا الثانية بل تخطت العاشرة منذ مكالمته معها وهي في الفندق يوم أمس وهو لا يتوقف عن الاتصال أو إرسال الرسائل راغبًا في مقابلتها....
كأنها تأخرت عليه!!
هو فقط طلب منها بالأمس إذن لما هذا الإصرار؟!
لكن لتكون صادقة، يروق لها اهتمامه بشكل كبير جدًا أكثر مما يتوقع هو حتى...
أجابت سامية بنبرة هادئة:
-ألو...
جاءها صوته المشرق والشغوف دومًا:
-ازيك، عاملة إيه؟!.
ردت عليه سامية باستغراب:
-الحمدلله بخير، في حاجة ولا إيه مش عادتك تتصل بدري كده؟!.
تحدث حمزة بنبرة واضحة:
-أنا عندكم في المنطقة برا عند موقف الاتوبيسات عايز اشوفك....
غمغمت سامية باستنكار شديد:
-نعم؟!...
أردف حمزة بلهفة وجسارة واضحة:
-زي ما سمعتي أنا عايز اشوفك لأني عارف لو فضلت مستنيكي لغايت ما تتصلي بيا ونتقابل ده مش هيحصل وأنا عايز اشوفك تعالي قابليني خمس دقائق بس.
تحدثت سامية بارتباك واضح وهي تعقب على كلماته تلك:
-ازاي تيجي يعني من غير ما تقولي؟!..
رد عليها حمزة بوضوح شديد:
-علشان زي ما قولتلك انتِ كنتي هطنشيني وأنا محتاج اشوفك...
غمغمت سامية متحججة بعملها:
-حمزة أنا ورايا شغل على فكرة وعندي ميعاد كمان ساعة...
أردف حمزة بنبرة لينة وهو يتوسل لها دون حرج:
-علشان خاطري أنا محتاج اشوفك ومش هاخد من وقتك كتير خمس دقائق بس وإلا هاجي عندك تحت البيت...
"بعد مرور نصف ساعة تقريبًا"
كانت سامية تصطف بسيارتها أمام سيارته...
هبطت من السيارة لتجده يخرج من السيارة وهو يحمل باقة من الزهور أسرت قلبها لكنها تجاهلت هذا كله متحدثة بنبرة منزعجة:
-يعني أنتَ بتهددني؟!.
سألها حمزة بعدم فهم:
-بهددك إيه؟!.
تحدثت سامية بانزعاج واضح وعتاب:
-اومال إيه اللي لو مجتش هتيجي عندي تحت البيت دي؟!..
ضحك حمزة ثم أردف بنبرة جادة:
-أكيد مش هعمل كده، أنا قولتها بس تعبيرًا عن قد إيه نفسي اشوفك وهعمل أي حاجة علشان اشوفك، أنتِ فهمتي إيه بس؟! أنا مكنتش هعمل كده لسبب بسيط جدًا إني مسببش ليكي أي مشكلة مع عمك وابن عمك دول...
نظرت له سامية بعدم فهم...
لا تعلم هي تارة تشعر بالأمان الشديد معه...
تارة أخرى تشعر بأنها لا تفهمه حقًا...
شخص غريب..
لكن تحاول بث الطمأنينة في ذاتها بأنه فقط الأمر كله يرجع إلى اختلاف الطبقات بينهما أو على الأقل أسلوب المعيشة..
مد حمزة يده بباقة الزهور متحدثًا بنبرة هادئة وعاطفية:
-اتفضلي...
أخذتها سامية منه مما جعلها تعقب بعدم فهم:
-بمناسبة إيه؟!..
رد حمزة عليها وهو يقف أمامها بشموخ والبسمة لا تفارق وجهه:
-هو مش لازم مناسبة معينة يعني، بس المرة دي أنا جايبها علشان اعتذر على اللي حصل مني الفترة اللي فاتت، حقك عليا إني اختفيت بس صدقيني ظروف وكان غصب عني يعني فلازم اعتذر منك على كل اللي حصل مني ولولا أن عندك شغل كنت قولتلك أنا اختفيت ليه بعيد عن تعب ماما كمان..
شعرت بالحرج وهي تخبره ببساطة:
-مش مستاهلة يعني...
رد عليها وهو ينظر لها نظرات أربكتها رُبما هذا يحدث كونها لأول مرة تشعر بتلك المشاعر:
-زعلك يستاهل، وأنتِ عندي حاجة كبيرة أوي ومينفعش أبدًا اعرف أنك زعلتي مني وتقوليلي مش مستاهلة يعني واضح أنك لسه معرفتيش قيمتك عندي كويس...
هتفت سامية بتردد:
-أنا قصدي مكنتش تعبت نفسك أنا مقدرة أنك مكنتش فاضي..
-متزعلنيش منك بالكلام ده، تعبك راحة ده لو هنسمي ده تعب أصلا، كفايا عليا أصلا إني اشوفك متعرفيش دي بالنسبالي بالدنيا وما فيها..
نظرت سامية متأملة الباقة الجميلة والانيقة جدًا تحاول أن تشغل نفسها عن تلك الكلمات التي تصيبها في موضع شديد الخطورة ثم تحدثت برفقٍ تحاول الهروب بأي طريقة، فهي مازالت تخطو خطواتها الأولى في دروب العشق:
-شكرًا بجد؛ بس أنا مضطرة أمشي لأني هتأخر على العروسة كده وشكرًا على الورد وعلى كل حاجة...
-العفو وأنا مش هعطلك اكتر من كده ولا هعطلك عن شغلك، بس توعديني إني اشوفك قريب وبلاش تطنشيني..
ردت سامية عليه ببسمة هادئة ونبرة صادقة:
-ان شاء الله قريب.
__________
-فين نضال اللي أنتَ بتقولوا عليه ده؟!.
"أنا نضال"
قالها نضال الذي كان يقف على الباب بعدما استلم رسالة شقيقه ليأتي من أجل إنقاذ شقيقه.....
ولم يسمع أي شيء سوى صوت رجل غريب لا يعرفه يسأل عنه......
وقبل أن يتفوه نضال بحرف أخر أشار زهران ناحيته هاتفًا بثقة وابتسامة لا يدري كيف رُسمت على وجهه وهو يفعل ما يفعله:
-أهو العريس وصل أهو...
سؤال واحد كان يخطر على عقل نضال...
إلى من يشير والده؟!.
كانت الإجابة أنه يشير عليه هو، فـ نظره ليس ضعيفًا إلى هذا الحد....
لكن من "العريس" الذي وصل؟!..
هل يأتي أحد خلفه؟!
أستدار نضال بنصف جسده للخلف لرؤية إذا كان يأتي أحد خلفه، لكن النتيجة أنه لا أحد..
تحدث أبيه ينتشله من الشرود أو البلاهة الذي انتابته:
-تعالى يا نضال يا ابني اتأخرت علينا قاعدين مستنينك من بدري مكنتش عايز أبدا كلام إلا لما تيجي...
أقترب نضال منه ليقول زهران وهو يقترب من أذنيه:
-أبوس إيدك ما تفضحنا وعدي اليوم علشان خاطري متخربش الدنيا
جلس نضال على الأريكة بجوار زهران الذي يجلس بينه وبين سلامة، كان نضال يحاول أن يستوعب ما يحدث، من عُمق الصدمة الذي تملكته وحلت عليه لم يجد كلمات مناسبة قد يتفوه بها..
تحدث زهران بنبرة هادئة وابتسامة لم ولن تختفي:
-عايزين نخلي الفرحة فرحتين بقا نفرح بـ نضال وسلمى مع سلامة وجهاد..
أردف مدحت بضيقٍ وهو يضع قدم فوق الأخرى:
-والله أنتَ فاجئتنا بالموضوع ده..
غمغم سلامة بنبرة غير مسموعة إلا لوالده تقريبًا:
-والله احنا اللي متفاجئين بيك أنتَ أساسًا...
قال زهران ببساطة:
-المهم أن المفاجأة حلوة، واحنا يشرفنا ننسابكم تانس وتكون سلمى بنتي التانية ومرات ابني ان شاء الله، ونخلي الفرحة فرحتين...
زهران يبتسم ولكن هناك من يجلس بجانبه وعلى وشك أن يتصاعد الدخان منه كان هذا نضال الذي لا يعرف ما الذي عليه فعله، يريد أن يصرخ ويخبر أبيه..
"ما الذي تفعله؟!" لكن لم يخرج منه شيء؛ كأن لسانه قد أنعقد...
أما سلامة خائفًا من تصاعد الأحداث...
رد مدحت مختصرًا حتي يُنهي هذه الجلسة:
-والله أحنا معندناش رد دلوقتي ممكن نفكر ونرد عليكم ان شاء الله..
رُبما الشيء الوحيد الجيد في زهران هو أنه يستطيع تحمل جميع الأنواع من البشر وألا يجعل أعصابه تثار بسهولة لأنه يجدها أهم من الكثيرون...
غمغمت يسرا بحرج كبير وانفعال تحاول كبته بسبب ما يحدث تحديدًا وجود هذا الرجل:
-هو موضوع نضال وسلمى محتاجين نفكر فيه ونأخذ رأي العروسة وبالنسبة لسلامة وجهاد أنا مش هقدر أقول أي حاجة قبل ما نكلم خالها ونعرف إجازته هتكون امته، لكن هينزل قريب أن شاء الله..
قالت يسرا كلماتها الأخيرة بخصوص شقيقها توجه حديثها إلى مدحت ليعلم بأن الأمر لن يستمر وشقيقها أتى....
تمتم زهران بنبرة هادئة ومسالمة معقبًا على حديثها:
-ماشي، نقوم نمشي احنا بقا علشان طولنا اوي ونبقى اكلمك ونعرف الرد...
قاطع مدحت حديثه وهو ينهض من مكانه، مما جعل زهران ينهض هو الاخر كما فعل الجميع:
-الكلام مع راجل البيت..
ضحك زهران رغمًا عنه وهو يخرج هاتفه من جيب جلبابه البيضاء متحدثًا بنبرة هادئة:
-طيب يا راجل البيت اديني رقمك علشان لما اعوز اعرف ردهم في البيت أكلمك...
أخذ زهران رقمه بالفعل...
وبعدها هبط بعدما ألقى التحية على الجميع في عجلة من أمره، سار بسرعة ذهبت منذ أن كان شابًا تقريبًا....
حتى أنه لم ينتظر أولاده الذين فعلوا مثله ألقوا التحية وهبطوا لكنه كان الأسرع ومجرد أن خرج من البناية وجد "توكتوك" يمر من أمامه أشار له..
-استنى يا ابني خدني معاك..
وقف (التوكتوك) وركبه زهران فتحدث السائق:
-رايح فين يا معلم زهران؟! .
كان الشاب يعرفه يقطن هنا في المنطقة؛ فأردف زهران:
-مش عارف امشي بس بسرعة دلوقتي وديني الجزارة أخذ أمانتي، الشيشة بتاعتي من هناك وعلى حسب تساهيل ربنا...
سار "التوكتوك" تزامنًا مع خروج سلامة من البناية وخلفه نضال، وكان سلامة ينادي والده متحدثًا:
-كنت خدني معاك طيب.....
وضع نضال يده على كتف سلامة يحاول أن يتجاوز صدمته هو لم ينطق حرف في الأعلى حتى الآن يعيش أثار الصدما الغريبة...
غمغم سلامة متوسلًا:
-والله يا نضال ما كنت أعرف أننا هنوصل لهنا، كل حاجة حصلت مرة واحدة أبوك كان راسم يطلب ايد أمها لقاها محجوزة وملقاش حاجة يقولها غير كده..
هتف نضال بنبرة غاضبة وهو يكز على أسنانه:
-أنتَ عارف أنا هعمل فيك إيه؟!.
تحدث سلامة بجدية:
-لا مش عارف ومش حابب أعرف...
ثم تحدث وهو يشير إلى أحد الأماكن:
-ألحق الواد دياب في واحدة ست بتشرشحله واقف بالتوكتوك هنا أهو...
أستدار نضال ونظر ناحية ما يشير إليه وهتف وهو يحاول النظر جيدًا وقد أنطلت عليه الخدعة:
-فين ده؟!...
أستدار مرة أخرى ليجد شقيقه قد ركض من جانبه...
حقًا على وشك أن يُصاب بجلطة بسبب ما يفعلونه به، هرب الاثنان...
يحاول التفكير فيما حدث...
كيف يفعل والده هذا به؟!!.
هو وسلمى؟!!.
لا...
________
بالأعلى.....
خرجت سلمى من الغرفة وهي ترتدي ملابسها التي كانت نائمة بها، هي لم تبدل ملابسها عند عودتها من الخارج، فحاولت ضبطتها تحسبًا إن كان يتواجد سلامة ووالده هنا...
كان سبب خروجها هو صوت صراخات والدتها وهي تهتف بجنون:
-إيه اللي جابك تاني؟! وإيه القرف والحاجات اللي بتعملها دي قدام الناس، أنا عيشت سنين محافظة على نفسي وعلى عيالي، ومش هسمح أنك تطلعني كدابة قدام الناس العمر ده كله..
الحق يُقال سلمى كانت نائمة هروبًا مما يحدث ولم تكن تشعر أو تعرف حتى بأن والدها قد أتى، هي تعلم بأن سلامة ووالده هنا من أجل تحديد موعد زفاف شقيقتها...
تمتم مدحت بنبرة قوية لا تناسب وضعه الحقيقي:
-أومال عايزاني اسيبك أنتِ وعيالك على حل شعركم؟! لازم الناس تعرف أن ليكم راجل لو بتفهمي هتعرفي أن ده الصح ليكم...
غمغمت سلمى تلك المرة وهي تأتي من الرواق هاتفة بسخرية:
-معلش هي مش مستوعبة، أصلك اتأخرت أوي أنك تعمل راجل...
-طب والله ما أنا سايبك...
كاد أن يصفعها لولا والدتها وقفت أمامها وكذلك جهاد، فتحدث هنا مدحت بجنون:
-هي دي تربيتك يا ست هانم، أنا جيت يا ست سلمى هوريكي أنا الرجولة اللي على حق وهربيكي من أول وجديد..
تحدثت يسرا بانفعال كبير:
-متعليش صوتك في بيتي ولا ليك دعوة ببناتي أنتَ سامع، واطلع برا وياريت متورناش وشك تاني لغايت ما أخويا يجي من السفر..
غمغم مدحت بنبرة غاضبة:
-لا مش فاهم وأنا حر في بناتي أيكش اقتلهم، وخدي بالك البيت ده مش هيفضل من غير حاكم، شغل السبهللة اللي أنتم فيه ده مش هيكمل كتير وهاجي وهقعد في بيتي معاكم غصب عنك؛ أنا بس سايبكم تتقبلوا الفكرة لغايت ما أجي واظبط أموري وادينا مستنين المحروس أخوكي...
ثم أسترسل حديثه بعنجهية واضحة:
-ولعلمكم بكرا جاي عريس لسلمى وعلشان كده أنا مش موافق على اللي اسمه نضال ده وهقولهم طلبهم مرفوض...
صاحت سلمى في وجهه بعدم فهم:
-نضال مين وعريس مين؟! وهو في إيه؟! أنا مش فاهمة حاجة هو بيقول إيه ده؟!...
قالت جهاد موضحة:
-عم زهران هو ونضال وسلامة لسه نازلين ونضال طالب يتجوزك...
بدأت تضح الرؤية قليلا وهي تشعر بالبلاهة أما والدها استرسل حديثه متشبسًا:
-ايوة بس أنا مش مقتنع بيه ولا مرتاح ليهم أنا عاجبني العريس اللي جاي بكرا ومقتنع بيه وللعلم أنتِ تعرفيه...
صاحت سلمى ساخرة من الجراءة التي يتحدث بها:
-أنا مش فاهمة أنتَ بأي حق جاي بعد السنين دي كلها واحنا منعرفش عندك حاجة تقول ده ينفع وده مينفعش، ورايح جاي على بيتنا معرفش ليه؟!، أنتَ جايب البجاحة دي منين بجد.....
غمغم مدحت وهو يكز على أسنانه ويده تحاول أن تصل لها لكن يمنعه جسد جهاد ويسرا:
-متخلنيش أتغابى عليكي أنا لغايت دلوقتي مقدر غيابي اللي عندي تبريرات ليه أكيد..
أردفت جهاد بنبرة متوترة:
-وإيه اللي عندك تقوله؟!.
توتر مدحت وحاول قول أي شيء غير الحقيقة بأنه سافر وتزوج بامرأة أخرى ثم عاد خالي الوفاض بعدما أخذت كل ما جمعه:
-كنت بشتغل وبحاول اعمل مستقبل علشانكم لكن...
ضحكت سلمى مستهزئة وهي تقول:
-فعلا بصراحة غرقتنا بفلوسك اللي عوضتنا عن غيابك، تعرف إيه أنتَ عننا؟! تعرف إيه؟! احنا بيعنا عفش بيتنا كله زمان علشان نأكل ونشرب، مكناش لاقين حاجة نتغطى بيها لولا خالو، جاي أنتَ تقول وتتكلم في إيه؟!، علشان تيجي تقولي هتتجوزي مين ومش هتتجوزي مين، وبعدين أصلا عريس مين ده اللي انا اعرفه...
الحقيقة أن مدحت تجاهل النصف الذي لم يعجبه من حديثها وكان هذا النصف الأول وحاول الإجابة على النصف الثاني متحدثًا بتوضيح:
-أخو صاحبتك تعب ودور على أخواتي وهما وصلوه بيا علشان يتقدم ليكي..
-نعم!! ويدور عليك بتاع إيه اصلا أنا أساسا رفضته والموضوع منتهي ومقفول والعريس اللي بتكلم عنه ده ومقتنع بيه اتجوزه أنت.
اشتعل وجه مدحت من جرائتها وقوة ردها، كاد يرفع يده ويصفعها ولكنه تمالك نفسه باللحظة الاخيرة، صارخا بعنف عليها، ما يجعله يتراجع عن ضربها بيس فقط جهاد ويسرا الحاجز بينهما لكن هو لا يريد الأمور أن تكون سيئة أكثر من هذا ليجد مكان يمكث فيه بدلًا من التنقل والذل الذي يعيش فيه وحرجه من المعارف:
-احترمي نفسك واتكلمي عدل متنسيش إني ابوكي عيب على لبسك وأدبك اللي الناس بتتكلم عنه، هي دي تربيتك يا يسرا اتفرجي بنتك المحترمة بتقول ايه.
سبقت سلمى والدتها معلقة على حديثه:
-انا متربية غصبا عن عين التخين وآه بصي يا ماما على تربيتك وافتخري، أنا عمري ما هنسى اللي أنتَ عملته أنا حتى مش طايقة اقعد معاك في مكان واحد نفسي بيضيق...
ضحك بسخرية وعقب وهو يتحرك نحو الاريكة يجلس فوقها واضعًا قدم فوق الاخرى:
-لا ما انتِ اتعودي بقى من هنا ورايح علشان أنا مش قريب أوي هكون هنا وبالنسبة لـ نضال ف ده مرفوض وكلامي أنا اللي هيمشي البيت ده خلاص بقى ليه راجل وكلمتي هي اللي هتمشي.
وبذات القوة ردت سلمى بتحدي ارتسم على ملامح وجهها قبل نبرة صوتها:
-على جثتي التهريج ده يحصل.
أنهت حديثها ورحلت في ظرف ثواني من المنزل حتى أنها خرجت بحذائها المنزلي كادت جهاد أن تخرج خلفها لكنها لم تكن ترتدي أي شيء في قدمها حتى أنها هبطت عدة درجات وهي تناديها...
ولكن توقفت حينما شعرت بالحماقة تلك وعادت مرة أخرى حتى ترتدي الحذاء لكنها سمعت والدها يهتف...
-الحقي يا جهاد أمك اغمى عليها....
_____________
خرجت من المنزل وأغلقت هاتفها لا تعلم ما هذا الضعف المريب الذي تشعر به..
لم تذهب في أحلك أوقات حياتهم من المنزل...
لم تترك والدتها ولا شقيقتها...
لكنها فعلت الآن...
لم تكن لديها هدف حقيقي أو مكان تذهب إليه وجدت نفسها تذهب نحو الشارع الذي يتواجد في المنزل التي تقطن فيه بهية في عمارة رقم " أربعة عشر"..
لم يكن معها لا الحقيبة ولا نقود ولا أي شيء تستطيع التصرف بهما...
كان هذا المكان الوحيد الذي فكرت فيه....
لتصعد إليها في عجلة من أمرها...
فتحت لها بهية الباب ودون مقدمات بكت سلمى بمجرد أن رأت بهية وألقت نفسها في أحضانها ومن الباب وحتى الأريكة التي تجلس فوقها الأن وهي في أحضان بهية؛ التي تشعر بالقلق الكبير لكنها بالرغم من ذلك تحضنها وتحتويها وهذا ما كانت سلمى تحتاجه ورُبما هذا الذي ما جعل قدمها تأتي بها إلى هنا...
-فهميني يا بنتي مالك بس؟!..
هتفت سلمى بتردد وهي تبتعد من بين أحضانها حتى خمارها قد تبلل من دموعها هاتفة بانزعاج جلي:
-أنا مش هطول عموما ولا هزعجك شوية بس و...
قاطعتها بهية بنبرة غاضبة ومنزعجة إلى حدٍ كبير:
-يعني أنا عايزة أفهم مالك تقوليلي مش هزعجك؟! البيت بيتك يا بنتي، أنا بس حابة أعرف حصل إيه علشان قلبي يطمن شوية..
أردفت سلمى بصدقٍ ونبرة مرتجفة في الوقت نفسه التي جاءت ريناد فيه بعدما فتحت الباب بالمفتاح التي أعطته أياها بهية في الصباح:
-أنا مش حابة أتكلم أو أقول حاجة دلوقتي بس هقولك لما أحس إني كويسة.
تحدثت ريناد بحرج فهي أتت من جامعتها حديثًا:
-أسفة دخلت كده معرفش أن عندك ضيوف...
قالت بهية بنبرة هادئة:
-ضيوف إيه دي سلمى زي بنتي وأكتر تعالي لما أعرفكم على بعض....
بعد وقت من التعارف وأخبرتهم سلمى بما يحدث معها وهي تهتف مؤكدة للمرة التي لا تعرف عددها:
-لو سمحتم أنا بأكد عليكم تاني اهو محدش يعرف إني هنا لغايت ما أحس أني كويسة وأقدر ارجع البيت..
ردت ريناد عليها بترفع:
-والله أنا معنديش مشكلة ولا في مني خوف في النهاية أنا معرفش أي حد هنا بروح الجامعة وبرجع من الجامعة لا أكثر ولا أقل..
تحدثت بهية وهي تنصحها مرة أحرى:
-زي ما أنتِ عايزة يا بنتي بس برضو حطي في حسابك أمك واختك ليه تقلقيهم عليكي بسببه هو؟!.
كان حديثها صحيحًا إلى حدٍ كبير...
___________
-والله أنا قولت في مصيبة يا شيخ، وقال تكملني تقولي لما تخلص الشغل وتدي التوكتوك لصاحبه تعالى وفي الآخر يطلع ده الحوار..
قال دياب تلك الكلمات وهو يجلس على الأريكة في منزل صديقه نضال وبين يديه كيس المقرمشات الذي قام بشرائه منذ الصباح تقريبًا ولم يكن لديه شهية لتناوله..
تمتم نضال بنبرة ساخرة:
-هو أنتَ بجد شايف الموضوع عادي؟! ده أنا هيجرا بيا حاجة من الصبح والاتنين مختفيين ومش بيردوا عليا ولا عارف أجيب حد منهم، سابوني مع نفسي أغلي وخلاص...
تحدث دياب وهو ينظر له بعدم فهم:
-هو يا ابني أنتَ في حاجة في دماغك؟! إيه المشكلة يعني هم ضربوك بالنار..
غمغم نضال وهو يكز على أسنانه:
-متستفزنيش يا دياب أنتَ كمان.
أردف دياب بنبرة جادة وهو يناظره ولا يحيد بنظره عنه:
-أنا ولا بستفزك ولا غيره أنا بتكلم بجد شوف يا اخي أنا اعرفك من امته، وأول مرة أبوك يأخد قرار يعجبني ويدخل مزاجي..
كان نضال يحدثه وهو يسير ذهابًا وأيابًا لا يستطيع أن يجلس أو يقف في موضع سكون..
-لا والله؟!.
رد دياب عليه بنبرة باردة وهادئة جدًا في نظر نضال المشتعل:
-اه والله، هو أنتَ تطول تتجوز واحدة زي سلمى دي من أكتر الشخصيات والبنات المحترمة اللي شوفتها في حياتي، ولا أنتَ ليك في اللي يكرفلك ويطلع عينك وبس..
صاح نضال باسمه مستنكرًا:
-ديـــاب...
-هي كلمة الحق بتوجع وبعدين مالك متفرعن كده ليه؟!، هي للدرجاتي البت مش على هواك ولا فكرت فيها في يوم؟!.
كاد نضال أن يلعنه ويصرخ في وجهه إلا أن دياب تحدث بنبرة هادئة:
-تعالي بس كده أقعد ونتكلم راجل لراجل بدل ما أنتَ عمال تدور قدامي زي النحلة لغايت ما صدعتني ودوخت منك......
جاء نضال وجلس على المقعد ليس لأنه محبًا أن ينفذ الأوامر أو التعليمات التي تلقي عليه ولكنه على الأقل أدرك بأنه أرهق وعليه أن يجلس لأن ما يفعله لن يأتِ بشقيقه أو حتى والده...
تحدث دياب بهدوء هنا بعدما ترك كيس المقرمشات على الطاولة:
-قولي بقا إيه رأيك فيها؟!..
صاح نضال في وجهه متشنجًا:
-هو أنتَ كل مشكلتك إيه رأيي فيها؟! الكلام ده كنت تقوله لو مثلا حد اقترح عليا يجيبلي عروسة وكانت هي من ضمن الاقتراحات ساعتها أه كان ممكن تسألني لكن مش أكون طالع علشان ابويا هيتجوز وبحاول اسيطر عليه ألاقي نفسي أنا اللي بدبس...
ختم نضال حديثه بنبرة غاضبة إلى أقصى حد:
-المشكلة مش فيها طبعًا أنا مغلول من اللي عملوه فيا..
قاطعه دياب بمنطق عجيب:
-طب ما تفكر يا اخي، إيه المشكلة يعني مش يمكن دي إشارة تشوف حاجة مش شايفاها يا رجل الإشارات، واللي بتقعد تدي فتوة لما تحصلي حاجة..
-طب نقطني بسُكاتك..
انتقل دياب إلى موضوع أخر في ثواني معدودة هاتفًا وهو يضحك على ما يقوله ويتحدث بكلمات منقطعة:
-أنا متخيل أخوك سلامة ده بعد عشرين سنة لو ربنا أداني العمر، قاعد في الشارع ماسك الشيشة وقاعد مع ابوك ولابسين جلاليب زي بعض، سبحان الله جينات أبوك طافحة فيه بشكل مُريب..
تنهد نضال ومسح وجهه بكفيه متحدثًا وهو ينظر له نظرات جادة تناقض ما يتفوه به:
-والله يا دياب حقك عليا إني جيبتك علشان أخد وقتك الثمين كل ده علشان تسمعني قانون مندل للوراثة ومين خد جينات مين، أنا مغلول بقولك ومتنرفز...
تحدث دياب بهدوء وهو ينظر له:
-أنتَ بس اللي واخد الموضوع على قلبك كده ومش واخده ببساطة لو فكرت في سلمى كـ بنت اتقدمت ليها مهما كانت الطريقة اللي دبسوك بيها الموضوع هيختلف، وكمان يعني دي حركة متوقعة من أبوك واخوك، الغريب أنك روحت يعني هو أنتَ اللي كنت هتمنع الجوازة يعني؟! هو أبوك من امته حد بيمنعه عن حاجة يعوزها...
هتف نضال بحسرة ونبرة مختنقة:
-الحق عليا معاك حق مكنش ينفع اروح وكنت اسيبهم يعملوا اللي يعملوه....
تمتم دياب بنبرة مسالمة ولا يدري متى وصل لها؟! فهو لو كان في موضع نضال أو حتى إذا كان قص نضال عليه الأمر قبل بضعة أشهر وقبل أن يمر بكل ما مر به؛ كان قد رأى الأمر كبيرًا ومزعجًا مثل صديقه لكن الآن اختلفت المعايير بالنسبة له..
-والله أنا شايف تفكر في سلمى كزوجة ليك، وشوف الإنسان اللي زيك وشبهك ويريحك، وتريحها بلا وجع قلب ولا اختيارات غلط توجع قلب الواحد..
كاد نضال أن يرد عليه لكن قاطع هذا الحديث أن باب الشقة انفرج ويدخل جسد ما يرتدي قناع الخاص بالأطفال تحديدًا شخصية "سبونج بوب" وهو يحمل أحدى العلب الخاصة بالحلويات...
أغلق سلامة الباب خلفه وهو يدندن:
-أنا سبونج بوب بوب، أنا سبونج بوب بوب اصفر كموني، سفنجة وده لوني...
دخل سلامة وسار بضعة خطوات ورأي نضال ودياب يجلسون على الطاولة مما جعله يهتف وكأنه لم يفعل شيئًا رُبما لأنه بالفعل لم يكن يعرف ما الذي يخبئه اللقاء حقًا ويتم ظلمه:
-انزل يا جميل في الساحة واتمخطر كده براحة...
قالها وهو يضع علبة الحلوى على الطاولة وخلع القناع الذي يتواجد على وجهه ومتحدثًا بنبرة هادئة:
-كل سنة وأنتَ طيب يا نضال ياخويا، كل سنة وأنتَ بخير ودايما في قلوبنا..
لم يستوعب نضال ما الذي يحدث؟!
وما هذا الهراء حقًا...
كما الحال مع دياب..
انحنى سلامة وترك قُبلة على وجنتي شقيقه ثم غمغم:
-عيد ميلادك قرب فقولت نحتفل بيه سوا والحمدلله أن دياب موجود يشاركنا الاحتفال البسيط ده..
غمغم دياب هنا بعدم فهم:
-هو اخوك فاقد الذاكرة ولا إيه؟!.
تمتم نضال بسخرية:
-لا مش فاقد الذاكرة ولا حاجة أنا فعلا عيد ميلادي قرب...
رفع دياب حاجبيه متحدثًا باستنكار واضح:
-يا راجل!!..
رد نضال عليه بسخرية واضحة:
-اه قدامه حوالي شهرين ونص كلام فارغ يعني هانت..
شعر سلامة بالخوف وهو يُردف:
-أنا بقول تفتح التورتة كده وتطلعوها عقبال ما أدخل اجيب شوك واطباق وسكينة..
جذبه نضال ليجلس بجانبه مُجبرًا هاتفًا بشر:
-لا تروح فين بس؛ دياب هو اللي هيروح يجيبهم افتح أنتَ التورتة وفرجني...
أخذ سلامة يرتعش وهو يفتح الصندوق الكرتوني بأصابع مرتجفة ونضال يضع يده على كتفه وكادت أظافره أن تخترق ملابسه ثم بعدها جلده......
فتح سلامة العلبة وبدون مقدمات وضع نضال يده على مؤخرة رأس شقيقه وانحنى بيها إلى أن أصبح وجه شقيقه والكعكة شيئًا واحدًا........
ثم أبعد يده وهنا هتف نضال ساخرًا تحت ضحكات دياب صدقًا عائلة خطاب هي أكثر أشخاص تصيبه بالضحك تلك الفترة:
-وأنتَ طيب يا حبيب اخوك، قولي بقا أبوك فين؟!.
تمتم سلامة وهو يضع يده على وجهه يحاول أن يمسح أي شيء ولكن ليس هناك فائدة تلطخ وجهه وعنقه بالكامل:
-والله ما اعرف أنا مشفتهوش من ساعة ما نزلنا من عندهم ولا حتى بيرد عليا أنا كمان وبعدين هو اللي دبسك مش أنا، أنا مكنتش أعرف أن الأمور هتوصل لكده......
ثم تحدث سلامة بنبرة اغضبت نضال حقًا:
-وبعدين يعني حد يطول يتجوز واحدة زي سلمى؟!...
صرخ نضال في وجههما بطريقة جعلت سلامة ينتفض حتى أنه سقط على دياب الذي صاح مستنكرًا..
-هو كلكم هتقولولي هو أنتَ تطول، ليه شايفين أن مفيش واحدة تقبل بيا يعني؟! ولا حد دافعلكم فلوس مش فاهم مالكم؟!..
تحدث سلامة بنبرة خائفة:
-قطع لسان اللي يقول كده هو في واحدة تطول تتجوز نضال زهران خطاب ده امها تكون دعت ليها في ليلة القدر مش كده يا دياب..
تحدث دياب بانزعاج وهو يحاول أن يدفع سلامة عنه:
-كده اه بس أبعد عني وقوم الله يخربيتك السويشيرت ابيض ووشك بينزل كريمة وشيكولاته عليه..
ثم تحدث بنبرة جادة تناقض ما يحدث:
-أنا نفسي اعرف ايه نوع الصنف اللي بتضربه أنتَ وابوك..
نهض سلامة واقترب من نضال هاتفًا بوقاحة وهو يرفع هاتفًا بطريقة جعلت نضال على وشك أن يقتله:
-يلا صورة حلوة لينا احنا التلاتة بمناسبة عيد ميلادك....
الجزء الثاني من الفصل العاشر..
___
بعدما أخذ سلامة حمام عميق ودافئ من أجل أن تذهب الحلوى والكعك من وجهه ورأسه وعنقه كان يجلس على الأريكة بعد ذهاب دياب وبقى شقيقه في غرفته في الداخل....
ها هو يضع الهاتف على أذنيه يتحدث معها بنبرة غاضبة ولكنه حرص على أن تكون خافتة قدر المُستطاع...
-أنتِ فين يا ست هانم من ساعة ما كنت عندكم مفيش منك لا حس ولا خبر..
ردت عليه جهاد بعصبية وصوتٍ اخترق أذنيه:
"وهو أنتَ كنت اتصلت بيا ولا عبرتني وأنا مردتش عليك؟!"
غمغم سلامة بانزعاج كبير:
-أنا اللي المفروض اتصل ولا أنتِ؟! اللي المفروض تفهميني إيه اللي حصل ده؟! ابوكي امته ظهر ويعني إيه رادد أمك وأنتِ قولتي مطلقين من زمان وعشان كده كان الاتفاق مع أمك وخالك...
تحدثت جهاد بغضب واضح وعصبية مُفرطة أحداث اليوم كانت صعبة عليها:
"طلعت بكدب عليك تعمل ليا إيه بقا؟! أنا كدابة وكنت بحور عليك أنا وأهلي"...
صاح سلامة باسمها مستنكرًا وغاضبًا من كلماتها:
-جــهــاد متعصبنيش واتكلمي عدل..
ردت جهاد عليه بغضب وشراسة لم تدوم طويلًا:
" بلا جهاد بلا زفت بقا ...
لم تستكمل كلماتها بل غرقت في نوبة بكاء مريرة وهذا ما غير المعادلة تمامًا وسلامة يسمعها هاتفًا بختناق:
-بتعيطي ليه دلوقتي طيب؟!...
غمغمت جهاد بألم واضح ونبرة تائهة:
"كده علشان أنا تعبانة ومش عارفة اتكلم ومش عارفة الصح أتكلم معاك ولا لا في أمور مينفعش اقولها".
صمت سلامة ولمدة ثواني فقط شعر بالندم الشديد..
لم يكن عليه أن يغضب عليها ويتحدث في بادئ بتلك الطريقة يبدو أن هناك أشياء كثيرة لا يفهمها وهو تحدث بطريقةٍ سطحية....
-طب اهدي طيب، خلاص أنا مش عايز أعرف حاجة مدام مش حابة تتكلمي بس اهدي على الأقل وكل حاجة هتتحل..
بكت أكثر وهي تغمغم بقلة حيلة:
"كل حاجة هتتحل ازاي بس؟! سلمى سابت البيت وقافلة موبايلها كمان ومش عارفة أوصل ليها"..
ردد سلامة كلماتها بعدم فهم لتجذب أذن نضال الذي ولج إلى المطبخ المفتوح:
-يعني إيه سابت البيت وقافلة موبايلها؟! ليه كل ده؟!......
تحدثت جهاد بانزعاج واضح:
" مش عارفة أنا خايفة عليها أوي دبت خناقة مع بابا بعد ما مشيتوا، واللي فهمته أن في واحد أخو صاحبتها كان قايلها انه عايز يتقدم ليها بس هي معرفتش حد ورفضته من برا برا والواد وصل لعمامي وهما وصلوه لأبويا وهي مش عاجبها كل ده"..
تمتم سلامة بنبرة مرتفعة يقصدها وهو يشعر بحركة نضال في المطبخ لكن لم يظهر ذلك:
"يعني هي موافقة على نضال بس مش موافقة على الراجل التاني؟.
"معرفش هو الخناقة كلها على الواد التاني ده وبعدين مش هي دي المشكلة بقا أنا قلقانة عليها ومش عارفة اعمل إيه وماما ضغطها علي واغمى عليها بس الحمدلله فاقت يعني وروحنا الصيدلية قيسنا الضغط ورجعنا"..
هتف سلامة بتردد:
-ألف سلامة عليها وبالنسبة لـ سلمى يمكن راحت عند صحابها يا ستي حبت تفصل شوية ومفيش حاجة متفكريش بطريقة وحشة...
جاءه صوت جهاد وهي تشعر باحباط شديد:
"مش عارفة يا سلامة احنا كلمنا صحابها اللي تعرفهم بس هما مش كتير، سلمى معندهاش صحاب كتير، وكلهم قالوا ميعرفوش حاجة وماما حلفتهم خافت أحسن يكونوا بيقولوا كلام وخلاص وهي معاهم"
تمتم سلامة بقلق هو الآخر بدأ يستشعره:
-الساعة لسه تسعة يمكن جاية ومتقلقيش نفسك على الفاضي، طب أنتِ شاكة في مكان أو حاجة، في حاجة أقدر اعملها طيب اجيلكم؟!! انزل ادور عليها...
هتفت جهاد بنفاذ صبر وهي تمسح دموعها:
"هتنزل تدور فين بس، هو احنا عارفين حاجة أصلا؟! أنا هقفل معاك وهتصل بخالو يمكن يكون كلمته وهو أقرب حد ليها، ولو وصلت لحاجة هكلمك"..
قال سلامة بجدية:
-ماشي اقفلي وكلميه ولو في اي حاجة اتصلي بيا أي وقت ماشي؟!
"حاضر".
-افتكري إني موجود، سلام..
"سلام".
هكذا انتهت المكالمة بينهما ليشعر سلامة بالضيق من أجلها هو لا يتحمل بكائها أبدًا بالرغم من مشاكلهما الكثيرة لكنها قصيرة الأمد لأنه لا يتحمل فراقها او الابتعاد عنها أو معرفة أنها حزينة....
يعلم أن هناك الكثير من الأشياء مفقودة فهي قصت الجزء الخاص بسلمي فقط لكنها لم تخبره شيئًا عن أبيها...
ليكون صادقًا هو كان يريد أن يخرج شحنة من غضبه في المقام الأول وفي المقام الثاني لأنه يغار....
نعم يغار من رجل يقطن في منزل خطيبته حتى ولو كان والدها لانه ببساطة لم يراه ابدًا...
كأنه رجلًا غريبًا...
لم يعتاد على وجوده معها...
هناك شيء مفقود وعلى ما يبدو أنها لا ترغب في الحديث في أي شيء لذلك التزم الصمت ولم يسألها عن أمره كثيرًا...
بينما في المطبخ كان نضال يقف ينظر ناحية كوب الشاي الذي أسكبه منذ قليل يحاول أن يراجع ما سمعه وشعر بالانزعاج الشديد من اختفاء سلمى.....
ومن العـريـس الآخر؟!
ما الذي يحدث من الأساس...
هو يشعر بألم شديد في رأسه من كثيرة الأمور الغريبة الذي يمر بها تلك الأيام...
سؤال واحد يأتي في عقله أين ذهبت تلك الفتاة؟!
عليه أن يفكر...
__________
تجلس ريناد في الشرفة تضع السماعة في أذنيها بعدما تناولت العشاء برفقة المرأة التي تكون قريبة لها ورفقة تلك الفتاة التي لا تعلم من أين ظهرت لها...
هل كان ينقصها شخص أخر يدخل إلى تلك الشقة الصغيرة جدًا، هي لم تعتاد على بهية قط لكن انتهت حلولها حينما رفض خالها مساعدتها بل حاول أن ينصحها بأن تفعل ما يريده والدها وألا تغضبه أكثر من ذلك...
هذا جعلها تذاكر طيلة الليل وتحاول أن تفعل أي شيء قد يُنسيها المكان التي تتواجد فيه، كما أن تلك المقاطع التي بدأت بصنعها على غير المتوقع بدأت بعض الفتيات بمتابعتها وانتظار مقاطعها وهذا الشيء اسعدها قليلًا وساهم في أن يشغل وقتها...
هي غاضبة إلى أقصى حد حتى أنها بسبب الصداع الذي يصيبها، خلعت تلك السماعة وبمجرد أن خلعتها ووضعتها على الطاولة نما إلى سمعها صوت حوار يأتي من الطابق العلوي....
من شــرفـة مـنـزل ديـاب..
-الحمدلله الدكتور طمنا يا دياب، وبإذن الله بعد الجلسات وتعمل المسح الذري هتكون كل حاجة كويسة يا حبيبي..
قالت ايناس تلك الكلمات بعدما تركت أطفالها أمام التلفاز وشقيقتها تذاكر في الغرفة أما والدتها خلدت إلى النوم قليلًا...
تمتم دياب بعدما سحب نفس من سيجارته:
-يارب يا ايناس يارب..
هتفت ايناس بنبرة هادئة ومتفائلة أو تحاول صنعها بالرغم من قلقها وخوفها الكبير الذي رُبما يفوق الجميع:
-ان شاء الله خير يا حبيبي ربنا مش هيخذلنا أبدًا هو اختبار وهنعدي منه ان شاء الله..
-ان شاء الله.
ثم تنهد دياب وتمتم بعدما أطفأ سيجارته:
-كام اختبار الواحد هيعدي منه يا ايناس؟! لما ابويا مات قولت ده اختبار، لما سيبت الشغل قولت ده اختبار، لما عرفت اللي حصل لامك ده اختبار، كل ما اروح في شغلانة متقبلش اقول ده اختبار، سيبت ليلى وقولت ده اختبار، كام اختبار الواحد هيعدي منه؟؟!..
أسئلته كانت استنكارية بشكل رهيب هذا ما جعل ايناس توضع يدها الحنونة على كتفه متحدثة بنبرة قوية:
-احنا في دار بلاء يا دياب، كل اللي احنا فيه ده طبيعي محدش هنا علشان يلاقي السعادة ولا احنا في الجنة، الحياة يوم حلو ويوم مُر، السعادة الحقيقية والنعيم مش هنا أبدًا، وكل الناس بتمر باختبارات باختلاف حياتهم وظروفهم، وكل ده علشان نأخذ جزاء عليه في الأخرة، أنتَ راجل مؤمن يا دياب متقولش كده تاني ولا حتى بينك وبين نفسك...
انزعج من نفسه أكثر مما انزعجت هي مما جعله يعقب بنبرة خافتة:
-حاضر..
سألته ايناس بنبرة جادة:
-أنتَ بطلت تصلي ولا إيه يا دياب؟!.
أجابها دياب بـ حرجٍ:
-بقطع، بحاول استمر..
-ارجع صلي تاني يا حبيبي، وارجع دياب اللي أنا اعرفه اللي مهما دق على رأسه هو واثق أن ربنا مش هيسيبه وهتتحل، متسيبش للشيطان فرصة يدخل ليك منها.
هز رأسه بإيجاب وهو ينوي فعلا بأن يفعل هذا....
حاولت ايناس أن تغير الموضوع هاتفة بعد دقائق من الصمت الذي طال بينهما:
-كلمت ليلى من بعد ما فشكلتوا ولا حاجة؟؟.
أردف دياب بتلقائية:
-لا طبعا هكلمها أقولها إيه؟! هي بعتتلي عامل إيه على الواتس بس مردتش عليها وبحاول امنع نفسي من اني ارد عليها...
غمغمت ايناس بتردد:
-هي كانت بتحبك أنا متأكدة من ده بس موضوع شغلك على التوكتوك ده اللي جنن امها..
تحدث دياب بنبرة قوية وهو يشعل سيجارة جديدة:
-مبقاش له لازمة الكلام يا ايناس وبعدين أنا كان لازم الاقي حل علشان مصاريف البيت، ربنا يوفقها في حياتها وتلاقي نصيبها، في أمور بتخلي الناس يفشكلوا وأنتِ مش فاهمة ليه يسيبوا بعض مع أنهم بيحبوا بعض بس اتضح أن كلمة الناس الكبيرة أن الحب لوحده مش كفاية كان عندهم حق.....
-ربنا يصلح ليك الحال يا دياب، زي ما أنتَ طول عمرك ومن بعد أبوك شايلنا وشايل حملنا، هيجي في يوم والدنيا هتضحك لك ان شاء الله..
غمغم دياب بنبرة مرحة وهو يتذكر كلماتها:
-بس أنا عايز ادخل الجنة مبقتش هماني الدنيا...
-بإذن الله ربنا يرزقك بيها، ويصلح حالك في الدنيا ويعلي من شأنك ويعوضك ويكرمك....
ضحك دياب بنبرة هادئة:
-تعرفي الانسان امته بيكبر؟!.
سألته إيناس بفضول لمعرفة إجابته:
-امته؟!.
تحدث دياب بنبرة عفوية:
-لما بيكون نسخة من امه وابوه، وبيعمل التصرفات اللي كانت بضايقه منهم، لما كبرت وبقيت بعمل كل حاجة ابوكي بيعملها معانا مع حور علشان تذاكر وفي كل تفصيله في البيت حتى يوم إجازتي اقعد أفك البيت حتة حتة واصلحه، لما بشوفك مع عيالك وبتتعاملي معاهم زي ما امك كانت بتعمل بالظبط، حتى دلوقتي كلامك ودعواتك...
كان في الطابق الثالث شقيق يفضي ما في نفسه ويتحدث هو وشقيقته عن أوضاعهم وما يحدث في حياتهما...
بينهما في الطابق الثاني كان هناك فتاة مدللة كما يصفها الجميع تسمع معاناة حتى ولو بطريقة سطحية غير عميقة لكنها كانت كفيلة أن تشعر بالغضب من نفسها أنها كانت السبب في أن يترك عمله ويبدة أنه في حاجة ضرورية وماسة إليه...
ارتكبت حماقة كبيرة وسوء في حقه قامت بأذيته دون أن تدري....
كلماتهم ترن في صغاها وتشعر بالاختناق أكثر وأكثر تحديدًا تلك الفتاة التي لا تعرف هويتها لكنها قالت كلمات مستها بشكل مخيف.....
___________
جدول عملياته مزدحم إلى حدٍ كبير...
لا يستطيع أن يأتي على الغداء ولكنه يحرص على الاتصال بهما طوال الوقت، وكان لدى نسمة صديقة مُقربة من أحدى الجيران على الرغم من الحالة الصحية لنسمة واختلافهما في كثير من الأمور إلا أن صداقتهما لم تنقطع....
لكنها في الفترة الماضية كانت خارج البلاد مع والدها وتزامنًا مع عودتها أصبحت تأتي يوميًا لزيارة نسمة وقضاء بعض الوقت معها في فترة غياب جواد.
كان هذا ما يجعله مطمئنًا قليلًا...
مع وجود منيرة طوال الوقت تقريبًا..
لأنه لا يستطيع اللحاق بالغداء؛ يحرص على أن يأتي في وقت العشاء وهي تكن في انتظاره حتى ولو تأخر...
وها هو يجلس معها على الطاولة يتناول العشاء معها بلا شهية ولكنه مجبر على التناول...
لم يعد له شهية لأي شيء، حياته أصبحت مريبة تغيرت بين ليلة وضحاها...
موت والده جعله يرى الحياة بعين أخرى..
لم يعد يرغب في زيجة زائفة...
أو علاقة مؤقتة..
أو أن يكذب على نفسه بأنه قد وجد الحب الحقيقي..
أصبح كل شيء في عينه غير حقيقيًا بعد كل ما مر به....
فهم أنه كان يحاول أن يوهم ذاته بمشاعر غير موجودة عند الطرف الآخر...
فهم بأن كل ما كان يعيش فيه مع زوجته أو مع أحلام كان غير حقيقًا بالمرة؛ لذلك لم يرغب في أن يظل متمسكًا بخيوط مقطوعة من الأساس أو حبال دائبة أو علاقات زائفة...
من وسط تفكيره فيما مضي وفيما سوف يحدث...
قاطعت نسمة هذا الصمت الرهيب ببراءة واضحة وشفافية عالية كل ما يقع على لسانها تتفوه به دون تفكير:
-أنتَ طلقت رانيا؟!.
ترك جواد الملعقة التي كانت تتواجد بين أصابعه متحدثًا بنبرة هادئة رغمًا عنه فهو لا يخرج غضبه أو ضيقه حتى عليها يحاول أن يفعل ما فعله والده معها:
-أنتِ مين اللي قالك يا نسمة؟!.
أردفت نسمة بتوضيح وكلمات تخرج منها ببطئ:
-هي جت تلم هدومها مع صاحبتها، اكيد منيرة مرضتش تقول ليك علشان متضايقش..
تحدث جواد بنبرة واضحة وهنا خرجت كلماته منه بعصبية وهو يفكر بأنها قامت بالاحتكاك مع نسمة بطريقة ازعجتها:
-كلمتك أو قالتلك حاجة؟!!.
هزت نسمة رأسها نافية ثم غمغمت بنبرة غير سريعة تمامًا تأخذ وقتها بين كل كلمة وأخرى:
-لا كنت قاعدة مع هايدي، أنا قولت أنكم أطلقتوا فهي جت تاخد اي حاجة ليها..
رد جواد عليها مختصرًا:
-اطلقنا اه...
عليه أن يتحدث مع الجميع...
يجب عليهم أن يخبروه بمن يدخل المنزل أو يخرج منه، لكن الخطأ ليس خطأهم، بل كان الخطأ منه هو لأنه لم يخبر أحد بأنه تم الطلاق بينهما حتى الآن لذلك وجد الجميع دخولها المنزل شيئًا طبيعيًا...
تحدثت نسمة بلا تردد أو خوف، هي لا تسيطر على كلمتها:
-علشاني؟! أصل هي مكنتش بتحبني...
صمتت لثواني وهو ينظر لها وانزعاجه من رانيا يتفاقم بشكل مُريب لكنها ختمته بنبرة عفوية من الدرجة الأولى:
-ولا كانت بتحبك...
نظر لها جواد بدهشة...
يا ليت جميع البشر يشعرون كشقيقته، ويمتلكون من الشجاعة والجسارة وعدم الخوف من قول مشاعرهم والحقيقة دون تزيفها مثلها...
أمسك جواد كف شقيقته الممتلئ والصغير قليلًا تاركًا قُبلة فوقه، محاولا قول أي شيء غير أن رانيا لا تحب نفسها من الأساس..
-مفيش حاجة حصلت علشانك يا نسمة، الموضوع ده من زمان كان المفروض يخلص، احنا مكناش مناسبين لبعض لا أكثر ولا أقل، متحطيش حاجة في بالك ولا تركزي في حاجة...
ثم ابتسم لها وهو يحاول تغيير الموضوع هاتفًا:
-هايدي بعتتلي أنها عايزة تخرج معاكي بكرا، أنتِ إيه رأيك؟!
هزت نسمة رأسها بإيجاب متحدثة بلهفة طفل غير مصتنعة:
-أيوة عايزة اخرج معاها...
-ماشي بس منيرة تروح معاكم علشان اكون مطمن عليكي...
تمتمت نسمة بهدوء:
-ماشي...
بعد تناول العشاء ولج جواد إلى الغرفة مع شقيقته ظل جالسًا معها، يتحدث معها إلى أن خلدت إلى النوم ليترك قُبلة على رأسها وبعدها يدثرها بالغطاء ويغلق المصابيح ثم غادر من الغرفة متوجهًا صوب الغرفة...
وقبل أن يخلع ملابسه وجد اتصال من شقيقه الأكبر عماد أجاب..
-الو، ازيك يا عماد عامل إيه؟!.
"الحمدلله بخير، وأنتم عاملين ايه؟!"
رد جواد عليه بهدوء:
-الحمدلله احنا كويسين..
سأله عماد بحذر واضح:
"أنتَ طلقت رانيا؟!".
تحدث جواد ساخرًا وهو يفتح مكبر الصوت حتى يخلع ساعته وهو يحدثه:
-ما شاء الله الخبر تخطى حدود بيتنا ومصر والدول المجاورة ووصل للصين..
رد عماد عليه ببساطة:
"رانيا منزلة على الفيس ولسه جيهان قايلالي أنها منزلة أنها بقت سنجل".
-اه اطلقنا..
"ربنا يعوضك بالاحسن الصراحة أنتم الاتني مكنتوش نافعين مع بعض، ما علينا دي حياتك وأنتَ حر فيها، المهم أنا كنت متصل علشان حاجة تانية أساسًا".
سأله جواد بفضول:
-حاجة إيه دي؟!
"كنت حابب نسمة تيجي تقعد معانا فترة وتغير جو، حاسسها هتكون فرصة كويسة ليها جدًا وممكن منيرة تيجي معاها واحجز ليهم هما الاتنين أنا معرفش في إجراءات معينة ولا لا بخصوص حالة نسمة بس يعني سهلة نسأل ونشوف"..
تحدث جواد بقلق أب تلك المرة:
-بس نسمة عمرها ما سافرت يا عماد، وكمان السفر للصين بيعدي الـ اثنى عشر ساعة...
"مش عارف بس حاسس أنه عادي، نسمة حالتها مش سيئة للدرجة دي، أنا قولت تغيير جو ليها وكنت بفكر اخدها ونسافر انا وهي والولاد اي بلد أسبانيا كام يوم، وبعدين أنا لو عليا عايزك أنتَ كمان تيجي معاها بس هتفضل تقولي الالتزامات اللي عندك زي كل مرة"
-مش عارف يا عماد خليني أفكر برضو واخد رأي الدكتورة بتاعتها...
"تمام يا جواد شوف وعرفني"..
بعد دقائق انتهت المكالمة بين جواد وعماد...
وما أن كاد يفتح أزرار قميصه حتى يغير ملابسه وجد اتصال من طبيب يعمل معه في المستشفى تحديدًا في الطوارئ..
-الو..
"الو يا دكتور؛ اسف لو صحيتك من النوم".
رد جواد عليه ببساطة:
-أنا مش بنام دلوقتي لسه، في إيه؟!..
جواد عز الدين..
من أهم الأسامي، كما كان والده في مصر الذي يتم ذكر اسمها ولذلك عند الحالات الصعبة يتم اللجوء إليه..
"في حالة جت في الطوارئ ولازم تدخل عمليات حالا في رصاصة في الرئة تقريبًا واعتقد حضرتك لازم تيجي الوضع صعب ودكتور جورج تعبان وحالته الصحية حرجة".
-جهزوا العمليات وجهزوه وأنا جاي حالا.....
___________
"أكل العسل حلو بس النحل بيقرص، شرب الدواء مر بس بيشفى ويخلص، في لحم تأكله، لحم يأكلك...."
يدندن زهران تلك الكلمات بمزاج رائق بعدما ولج إلى الشقة " الشقة الذي يجلس فيها مع زوجته" ليس شقة نضال وسلامة..
وضع الأرجيلة الخاصة به في أحدى الجوانب وأغلق الباب خلفه ثم مد يده ليضغط على الزر حتى يتم فتح المصابيح وما أن فعل حتى خرجت منه شهقة وأتسعت عينه بذهول وهو يجد نضال يقف أمامه وينظر له بأعين مخيفة...
-بسم الله الرحمن الرحيم...
ثم أسترسل زهران حديثه وهو يبتلع ريقه محاولًا أن يعود إلى توازنه مرة اخرى:
-أنتَ بتعمل إيه هنا؟! وبعدين حرام عليك عايز تقطع لأبوك الخلف يا نضال يا ابني لما تخضني كده؟!.
تحدث نضال بنبرة منفعلة:
-خلف إيه اللي بتتكلم فيه، أنتَ كنت فين طول اليوم؟!.
تمتم زهران بنبرة هادئة ولا يدري من أين أتى بها:
-كنت واخد البت كريمة في مشوار كده، قولت أغير جو وبعدين مالك أنتَ؟! أنا اللي أبوك وأسالك روحت فين وجيت منين مش أنتَ اللي تسألني..
الحقيقة هي بأنه كان يخشى العودة إلى المنزل...
لذلك عاد في هذا الوقت المتاخر من الليل، قُرب منتصف الليل...
حتى يتجنب الشجار مع نضال اليوم أو حتى الحديث معه....
غمغم نضال بعدم فهم:
-كريمة مين؟!..
أردف زهران بنبرة جادة وهو ينظر له:
-الشيشة..
ضيق نضال عيناه وهو يحاول أن يستوعب ما يسمعه تحديدًا ووالده يسترسل حديثه بجدية شديدة:
-اصلي قولت برضو ازاي بعد العمر ده كله والأصيلة الغالية الكريمة معايا فيه، بقالها سنين، من ساعة ما الأولى اتكسرت وهي بترافقني في كل مكان قولت ازاي مسمتهاش لغايت دلوقتي؟! قولت لايق عليها كريمة...
سأله نضال بوضوح قاطعًا هذا الهراء كله:
-إيه اللي عملته؟! ازاي تعمل كده وتقول كده..
تمتم زهران بنبرة جادة وهو يعقد ساعديه ويتحدث بأسى شديد:
-متفكرنيش يا نضال يا ابني باللي حصل؛ طول اليوم بحاول انسى وأشرب حجر ورا الثاني، والثالث ورا التاني، ومفيش حاجة بتقلل الألم اللي أنا فيه...
تحدث نضال بنبرة غاصبة إلى أقصى حد ولكن بالرغم من ذلك كان يحاول السيطرة على ذاته بألا يعلى صوته عن صوت أبيه، هو يجاهد لـ يحافظ على نبرته بصعوبة شديدة:
-أنتَ مدرك عملت إيه؟! ودبستني في إيه؟!..
غمغم زهران مدافعًا عن نفسه ببساطة شديدة وهو يتخطاه ويذهب ليجلس على الأريكة:
-اومال أنا اعمل ايه؟! وأنا رايح اخطب حب عمري وفاكرها سنجل طلعت متجوزة، شوف اللي حاصل في قلب أبوك قبل ما تدور على نفسك...
ثم صرخ في وجهه وهو يجده ممسكًا الأرجيلة بيد واحدة مما جعله ينهض من فوق الأريكة :
-سيب كريمة...
تمتم نضال ساخرًا:
-ولا هسيب كريمة ولا هسيب سماح، أنتَ دبستني ومش هتشوف كريمة تاني.
اقترب زهران من ولده هاتفًا:
-كله إلا كريمة، خلاص حقك عليا، وبعدين ذنب كريمة إيه يا ابني؟! مهوا أنتَ اللي جيت وأنا بتكلم، إلا صحيح إيه اللي جابك؟!..
تحدث نضال بجنون:
-جيت بسبب ابنك، هو اللي بعتلي رسالة وقالي أجي علشان ألحق اللي بتعمله.....
ضحك زهران ثم غمغم بجدية وتشفي:
-شوف ربنا، جيت تمنع جوازتي بحب عمري اللي طلعت متجوزة، أنتَ اللي ادبست مهوا اللي حصلك ده مش من شوية، من نيتك السوداء أنتَ واخوك بلاش تلومني أنا، أنا كل اللي عملته إني بحفظ ماء وجهي..
رفع نضال الأرجيلة إلى أعلى ثم نزل بها إلى أسفل وهي مازالت بين يديه مما جعل زهران يتحدث بملامح خائفة:
-قلبي هيقع في رجليا يا ابني سيب كريمة علشان نعرف نتفاهم...
-ده أنا هكسر كريمة وابنك اللي فوق ده مش هسيبه علشان هو السبب الأساسي في الموضوع..
تحدث زهران بخوف وهو يجد يد ابنه ارتفعت مرة أخرى:
-طب سلامة عادي هو السبب، لكن كريمة مكنتش حاضرة الواقعة، كُن منصفًا يا سيدي القاضي...
غمغم نضال بنبرة متشنجة:
-إيه يا عم زهران الساهر، هو أنتَ هتغنيلي...
أردف زهران بنبرة جادة للغاية:
-يكون في علمك بقا كريمة لو حصلها حاجة مش هسامحك لآخر يوم في عمري، وكل يوم والعربيات ماشية بالخرفان والعجول هخليهم يعرفوا المنطقة كلها إني اتبريت منك....
ترك نضال الأرجيلة متحدثًا بنبرة هستيرية:
-حضرتك قاعد بتهزر، وبجد مش مستوعب إيه اللي أنا عملته؟!.
تمتم زهران بجدية بالغة:
-أنا مش شايف إني عملت أي حاجة يعني، طول ما البت مطلعتش متجوزة زي حالاتي يبقى أحنا في السليم، وآمالك متحطمتش زي أبوك يبقى الموضوع بخير، وبعدين دي جوازة ليه محسسني إني كنت بقدملك على طلب الإعدام؟!..
تحدث نضال بجنون حقيقي وهو يضع يده على مؤخرة رأسه:
-كل حاجة عندك سهلة كده...
-مهوا مفيش أسهل من الجواز...
-اتجوز واحدة لا بحبها ولا...
قاطعه زهران وهو يحمل كريمته أو أرجيلته ويضعها بجواره على الأريكة متحدثًا بنبرة شاعرية:
-طب تصدق أنا اتجوزت سميرة جوازتي الرابعة بعد ما شوفتها مرتين بس في الثالثة كنت بتجوزها، الله يمسيها بالخير ان كانت عايشة ويرحمها ان كانت ميتة..
ابتلع ريقه وهو يزيد من اشتعال نضال هاتفًا:
-وكانت حب عمري وأسعد جوازتي؛ وبعدين سلمى أدب واخلاق وجمال تلاقي فين زيها تاني أصلا؟! لولا أنها كده مكنتش قولت اللي قولته مهما كنت تحت ضغط أنا اصلا كنت من فترة هقترح عليك الموضوع أنا شايفها فعلا بنت متتعوضش..
صاح نضال بنبرة ساخرة وهو يضع يده على الطاولة :
-ما كفايا انتَ وحب عمرك وكريمة علشان أنا على أخري؛ ومش كل ما أكلم حد يحكيلي قد إيه هي متتعوضش...
تحدث زهران بنبرة دبلوماسية:
-انا عارف إني غلطت بس كنت مضطر، أنا شايف أنك تطلع تهدى وتحاول تنام كده، ونتكلم وقت تاني علشان مش هنوصل لحل وأنتَ بالمنظر ده..
كان هذا أكثر شيء منطقيًا خرج من فم والده بعد هذا اليوم العجيب وكان ينفذ ما قاله بعدما أستدار وسار بضعة خطوات ليسمع زهران يطلب منه بأدبٍ:
-ما تولعلي على الفحم كده وأنتَ واقف بدل ما أنزل أقعد أقابل عمك أحمد إسماعيل على القهوة من ساعة ما طلقت وهو مش لاقي شغل كنت بشغله أنا...
أستدار نضال ينظر له بأعين غاضبة ومتشنجة، مغتاظة إلى حدٍ كبير مما جعل زهران يقترح بتوتر:
-لا خلاص يا حبيبي أطلع أنتَ وأنا هقوم أولع على الفحم أو أنا اصلا نازل مع ألف سلامة خلي بالك من نفسك وأنتَ طالع على السلم...
_____________
في منتصف الليل تقريبًا...
كان نضال يقف مع دياب، وسلامة أمام شقة بهية....
تحدث سلامة ساخرًا:
-والله هطلع شكلنا زي الزفت يا نضال، استحالة تكون سلمى قافلة موبايلها وسايبة البيت علشان تستخبي في الشارع اللي ورانا، هيبقى شكلنا قدام الناس زي الزفت وأحنا جايين ليهم في نص الليل...
تمتم دياب هو الآخر بنبرة جادة بعدما اتصل به نضال وأخبره بأنه قادم ولخص له الأمر وشكوكه بأن تكون سلمى هنا:
-والله أنا مكسوف من اللي هقوله ده بس أنا بتفق مع سلامة النهاردة وحاسس أنه بيتكلم صح، اتفقت مع ابوك وسلامة في يوم واحد مش مصدق اللي بيحصل..
-ممكن مسمعش صوتكم وتخرسوا شوية...
أنهى نضال جملته وضغط على زر الجرس..
كانت بهية تنام من بعد العشاء وكذلك ريناد خلدت إلى النوم مبكرًا لديها محاضرات في الثامنة صباحًا..
كانت الوحيدة المستيقظة هي سلمى، فحاولت النظر في تلك الأعين السحرية كما يسمونها الموجودة في الباب لمعرفة الطارق لتجد رؤيتها مشوشة تمامًا فسألت:
-مين؟!
شعر دياب وسلامة بالبلاهة كان نضال محقًا هي هنا...
اتضح كل شيء بعدما سمعوا صوتها..
لكز نضال يد دياب فغمغم دياب وهو يقلد صوت الصبي الذي يأتي بالمكوجى:
-أنا المكوجي جايب حاجات ست ابتهال...
صمت لثواني يحاول تذكر اسمها:
-أقصد ريناد..
-أوك ثواني وهفتح دقيقة...
ضحك سلامة رغمًا عنه فوضع نضال كفه على فمه، فتحت سلمى الباب بحسن نية بعدما أرتدت خمارها بشكل غير مهندم لكنه يفي بالغرض...
لتجد ثلاثة شباب يقفون أمامها..........
الفصل الحادي عشر حتى الفصل الخامس عشر من هنا
❤️🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺
الروايات الكامله والحصريه من هنا
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنا
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺
اتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺