رواية الثائره من المجتمع الفصل الرابع والخامس بقلم خديجه السيد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
![]() |
نسب الصوان في الحي وبدات آيات الذكر تتردد في المنطقة وفي منزل الجده زاهية، كان الجميع متجمع حولهما يواسيهم ولاحظت أحد السيدات سكوت امينه منذ معرفتها بخبر وفاه اختها! لتقول باقتراح حذر
= يا بنتي ما ينفعش كده من ساعه لما عرفتي الخبر وانتٍ ساكته ومسهمه عيطي يا حبيبتي كلنا عارفين انكم ما كنتوش ليكوا الا بعض ودي اختك الوحيده وتوامك ولازم تزعلي عليها.. طلعي اللي جواكي كده غلط عليكي.
رمشت بعينيها بوهبه دون رد، فتنهدت تلك السيده نحو زاهيه المنبوحه في الصراخ والبكاء دون رحمه وقالت لتخفف عنها بموساه
= وانتٍ خلاص يا زاهيه كفايه عياطي ونواح يا حبيبتي ما فيش حاجه هترجع اللي راح نصيبها كده هنعمل ايه ادعوا ربنا يغفر لها عملتها دي لحظه شيطان !.
هزت رأسها وهي تبكي بحرقة وتردد بحسرة
=عملتي كده ليه بس؟ دي انتحرت يعني كفرت طيب البنت الصغيره اللي سابتها دي هقولها ايه ما فكرتش فيها، وانا واختها؟ ليه كده بس يا أميره توجعي قلوبنا عليكي.. قصرنا معاكي في ايه عشان تعملي كده
وهنا ظهر سواد بعين أمينة طيف ناري وهي تنهض هاتفه بحقد مهاجمها
= انا في حياتي ما شفتش واحده بجحه زيك بتقتلي القتيل وقاعده في جنازته وكمان بتلوميها ومش عارفه هي عملت كده ليه وانتٍ قصرتي في ايه؟ ما تفوقي اميره عملت كده بسببك
أسرعت تهتف تلك السيده بقلق
= أهدي يا امينه ما ينفعش كده هي فيها اللي مكفيها برده و اكيد زعلانه عليها زيك واكتر .
فجأة غمرت أمينة وجهها بكفيها وأخذت تجهش بالبكاء وتقول بصوتٍ متقطع
= لا ما حدش يتخدع فيها زيي دي شيطانه! والله العظيم ما بني ادمه العمايل اللي كانت بتعملها معاها ما تدلش على واحده عندها قلب ورحمه وبتحبها، طول الوقت كانت بتاذيها انتٍ عمرك ما عرفتي يعني ايه حب.. ارتحتي دلوقتي لما فضلتي تضغطي عليها عشان ترجع وتكمل مع جوزها اللي كل يوم بيهينها ويضربها وفي الآخر انتحرت!؟.
أكملت أمينة بصوتٍ متحشرج بعد أن خانها صوتها وخنقتها العبرات
= اميره ماتت بسببك انتحرت عشان تخلص نفسها من جبروتك، ما هي ما لقيتش الحنيه معاكي ولا اللي يعمل ليها كرامه ولا وقفتي جنبها وحسستيها حتى بمجرد كلام منك مش هتسيبيها وخايفه عليها، موتيها وارتحتي دلوقتي .
زاد بكاء زاهية لتقول باختناق وفكها يتوتر بتصلب
= انا عملتلها حاجه انا كنت خايفه على بيتها يتخرب حرام عليكي يا امينه ما تزودهاش عليا انا لحد دلوقتي مش مصدقه عملتها واني مش هشوفها تاني.
غمغمت أمينة بنبرة قوية شرسة وقد بدت الأمور بالنسبة لها ساطعة الوضوح وهي تضرب يدها فوق مسند المقعد الخشبي جانبها
= انتٍ لسه هتجيبي سيرة البيت اللي خايفه يتخرب يا وليه يا خرفانه انتٍ، ما كفايه بقى انتٍ جنسك ايه والله مستحيل تكوني بني ادمه، حذرتك كتير طول ما انتٍ بتعملي كده معاها مش هترتاحي الا لما ترجعلك وهي متكفنه وكلامي حصل! مبسوطه دلوقتي اهو بيتها ما تخربش فعلا بس هي اللي ماتت.
هزت زاهية رأسها برفض وهي تبكي بحرقة،
بينما قست ملامح أمينة ولمع الألم في عينيها وهي تضيف
= بطلي دموع التماسيح دي مش هتدخل عليا زي زمان، انا كشفتك على حقيقتك و الكل لازم يعرفها.. انا بكرهك فاهمه يعني بكرهك، ولما ربنا ياخذني انا كمان زيها هشتكيك لابويا و ربنا.. انتٍ عمرك ما كان قلبك علينا ولا بتحبينا ولا حفظتي على الامانه يا شيخه منك لله يا ريتك انتٍ اللي موتي و ريحتينا من قرفك.. اختي راحت بسببك..
ترققت ملامح زاهية تعاطفا معها فحاوطت كتفها بذراعها وهي تضمها بمواساة في حين
أبعدتها بقوة شديدة عنها وهي تصرخ بانفعال
وصوت جريح
= انتحرت وموتت نفسها من كتر القرف اللي هي شايفه في حياتها وسلبيتك اللي جابتها ورا ونصائحك الخايبه.. نفعتها في إيه دلوقتي البيت اللي ما يتخربش ولا كلام الناس اللي كنتي عامله ليهم حساب.. ما تلوميش حد الا نفسك، منك لله ربنا يخديك ويريحني منك ولا يا رب تفضلي كده عايشه في عذاب ما تعرفي ترتاحي ابدأ منه.. زي ما كنتي شايفاها متعذبه وبتضغطي عليها، منك لله انا مش هعمل حاجه في حياتي بعد كده غير أن ادعي عليكي تعيشي نفس العذاب اللي اختي كانت بتعيشه، حسبي الله ونعم الوكيل فيكي.
حاولت تحاوطها احد السيدات وهي تردد
بعطف واشفاق
= يا بنتي خلاص كده حرام عليكي هيجريلها حاجه، اهدي يا امينه ده نصيبها.. ابعدي عنها واهدي.. مهما كان دي ستك اللي ما لكيش غيرها .
اختنقت داخل عينيها عبرة عجز وهي تتذكر وداعا أميرة لكنها مع الاسف لم تفهم ذلك حتى تنقذها من نفسها، ظلت تضرب راسها بعنف وهي تردد بصوت منهار بجنون
= آآآه أميرة راحت وسابتني لوحدي! هي اللي كانت مصبراني على العيشه هنا ضحكت عليا هي كمان.. قالتلي هنفضل مع بعض ومش هسيبك ومحدش بيبعد عن روحه وما لناش إلا بعض، خدتها مني.. فضلت وراها لحد ما خليتها تموت نفسها انتٍ مجرمه اللي زيك آخرهم السجن منك لله.. اه يا وجع قلبي عليكي يا أميرة.
سقطت أرضا بانهيار أكثر لتصرخ ببكاء حارق
ولوم لنفسها بعتاب قاسي
=انا غبـيـه ما فهمتش انها كانت بتودعني اخر مكالمه بينا وكانت عماله تقولي ما تزعليش مهما اعمل، غبـيـه.. هكمل حياتي ازاي من غيرها ليه يا اميره تسيبيني لوحدي، طب انا زعلانه منك ارجعيلي بقي، والله ما هقدر اعيش دقيقه واحده من غيرها انا عاوزاها... رجعوا ليا اختي.. انا عاوزاها.. لأ لأ مستحيل تموت وتسيبني.. آآآه يا أمــيــــرة
❈-❈-❈
بعد رحيل الجميع من العزا، تحركت امينه بسرعه لتجذب حقائبها وكل اشيائها من ذلك المنزل بغضب نبع وتفجر بتدفق من تراكمات تجاهها، نهضت زاهية بسرعه وهي تتسائل بتوجس
= امينه انتٍ بتعملي ايه واخدي الشنطه دي ورايحه فين؟؟
أجابتها أمينة بحده وهي ترفع أناملها وتمسح عبراتها المتساقطة على وجنتيها
= ما لكيش دعوه بيا ولا توجهيلي كلام انا ما بقتش طايقه اقعد في مكان انتٍ فيه؟ انا اللي كان مصبرني على القعده معاكي وان استحملك راحت فانسي أني اقعد في مكان يجمعنا من تاني.. ايه عاوزه افضل قاعدة لحد ما تخليني اتجنن واعمل زيها واموت نفسي
هزت رأسها باعتراض بسرعه وهي تقول بنبرة رجاء وندم
=لا عشان خاطري يا امينه ما تسيبنيش انتٍ كمان مش هستحمل والله ما ليا غيرك! والله يا بنتي ما اعرف انها هتعمل كده في نفسها طب اقعدي وحقك عليا، مش هضايقك ولا هعمل حاجه تاني حتى القضيه مش هقول لك اتنازلي.
قالت أمينة من بين أسنانها بغضب مشتعل
= عارفه انتٍ مش هتقدري تعيشي لوحدك ليه وماسكه فيا مش حب لا عشان مش هتلاقي حد تمارسي عليه افكرك المريضه، انا مستحيل اقعد مع واحده زيك سفاحه وقتلت اختي! هتقدري تعيشي حياتك ما تقلقيش.. وهتنسيها وهتعتبريها كلبه وماتت زي ما جوزها واهله هيعملوا كده هم كمان..
أخذت نفسا عميقا ثم أطلقته ببطء لتضيف بعينين باردتين عازمتين
= فكرك هتفرق معاهم في حاجه ابدا مش رخصتيها ليهم هيدوروا على واحده غيرها وعمرها ما هتبقى غاليه ولا حتى هيترحموا عليها.. منك لله خليكي كده لحد ما تموتي وتعفني لوحدك انا بكرهك وعمري ما هسامحك... اوعي من وشي.
وضعت يديها على فمها وهي تراقبها رحيلها لتصرخ باعتراض ورفض بين بكائها النادم
=لأ لأ امينه لأ عشان خاطري ما تمشيش طب ورحمه أميرة خليكي جنبي، طب انا عرفت ان انا غلطانه بس خليكي هتروحي فين و تسيبيني، يا بنتي ردي عليا.. يا أمــيـنــة.
❈-❈-❈
في محطه القطار مرت ساعات طويله وها هي أمينة مكانها لا تعرف الى أين تذهب! لكنها من المستحيل ان تعود لجدتها بعد الان، بدات تراقب ركض الاطفال الأبرياء حولها وهي تتذكر طفولتها هي واختها البريئه التي فقدتها نتيجه عادات وافكار مجتمع ساخط!
كم كانت أختها أميرة بريئه وتحب الحياه لكنها ذهبت ضحيه الغدر، ماذا فعلت حتى يحدث لها كل ذلك؟ تتذكر بالماضي كان يلعبون ببراءه وبروح طيبه وامنيتهم ليكبرون ويصبحون جانب بعضهم البعض.. لكنها خانت الوعد و رحلت... لقد اخبرتها بها سابقآ ليتهم لم يكبروا اذا كانت هذه هي الحياه التي كانت تنتظرهم في المستقبل!
وهنا كأنها أدركت بأن الحلم الوحيد الذي حققته هو أنها كبرت مثلما كنت تتمنى!
اختنقت عبراتها لكنها امتصتها سريعا وهي تغلق جفنيها سريعا لكن سرعان ما فتحتهما عندما تفاجات بتلك عامله النظافه تقترب منها لتسالها باهتمام
= انتٍ قاعده مستنيه حد يا بنتي؟ كذا قطر عدي وانتٍ سرحانه، هو انتٍ قاطعه تذكره ايه
ليكون فاتك القطر
هزت رأسها بالايجاب دون رد، انتظرت رحيل تلك السيده لكنها مازالت واقفه لتخبرها بنصيحه وهي تقول متشدقه بتهكم
= طب ركزي حواليكي القعده هنا وحشه واحنا بالليل، والناس هتبتدي تمشي! ودخلي شعرك ده جوه الطرحه شويه احسن كله باين ولا اقلعي الطرحه و ريحي نفسك طالما مش طايقاها أوي كده.. هو ده اسمه حجاب؟!.
لم تعطيها اهتمام وصارت تتوجه بحقيقتها نحو المرحاض، وقفت أمام مراه المرحاض قليلاً قبل ان تخرج هاتفها وتتحدث مرددة بلهجه غريبه عنها.
= ازيك يا استاذ أيمن مستغرب ان انا بتصل بيك طبعا، بس انا عايزه اقول لك ان انت كنت صح العالم ده عشان اعيش معاه لازم ابيع نفسي وما فكرش الا في مصلحتي واستغل اي فرصه تجيلي، ايا كانت الطريقه بقى مش فارقه.. بس خلاص اديني خسرت زي ما انت برده قلت عاوزة منك خدمه عارفه اني ضيعت فرصتي.. بس في طلب أو حاجه محتاجاها أوي، عاوزه اتنقل لفرع تاني وتكون محافظه بعيده عن هنا المهم اني ابعد و خلاص.. تقدر تعملي الخدمه دي ولا لا؟.
بعد فتره اغلقت الهاتف وظلت تنظر الى نفسها عده دقائق مطولاً قبل أن تجذب حجابها من اعلى رأسها وتضعه في حقيبتها، وبدأت تبعثر خصلات شعرها الثأر...
وعندما خرجت بلا حجاب قابلت نفس تلك السيده التي كانت تنصحها قبل قليل اذا كانت لا تعرف كيف ترتدي الحجاب الشرعي فتزيله افضل، لكنها همست بلهجة باترة بتلقائيا
= يا نهار ابيض هو انتٍ قلعتي الطرحه خالص مش كنتي محجبه من شويه!!.
هزت رأسها بسخرية مريرة وهي لا تفهم طبيعه ذلك المجتمع حقا؟ أليس كان عكس حديثها قبل قليل والان فقط اعترفت بانها كانت محجبه، لكنها لم تهتم لحديثها ورحلت فبذلك الحديث كأنها أكدت لها وجهه نظرها وأنها في الإختيار الصحيح هذه المره.
❈-❈-❈
بـعـد مـرور سـنـتـيـن..
كانت زاهية تحمل عده حقائب ثقيله وهي تحث الخطى للخارج تقف على الشارع العام تنتظر الاتوبيس العام وعندما توقف امامها بالفعل وقبل ان تصعد تفاجات باحد يصطدم بها بقسوة ولم يهتم واكمل صعود، هتفت بتبويخ
= يا ابني بالراحه في ايه ملهوف على الطلوع كده ليه؟ مش شايف في ناس قدامك هتوقعني.
هز رأسه بعدم مبالاة وهو يقول بخشونة
= لا مؤاخذه يا حجه اصل مستعجل على الشغل وسعيلي كده بس اصل انتوا خطوتكم بطيئه مش زينا، مش لسه هنمشي تاتا تاتا
عقدت حاجيبها للاعلي باحتقار و في حين تحركت لتجلس قبل ان يصعد الاتوبيس، تهالك جسدها على كرسي وهي تتنهد بتعب.. وبدات تجر الحقائب للداخل حتى لا يصطدم احد بها، ويكسر العاب حفيدتها زينة التي طلبتها منها في الصباح..
التفتت نحو الإمام بعدم مبالاة وسرعان ما شعرت بالاشمئزاز وهي تشاهد ما يحدث بالكرسي الامامي، فكان ذلك الشخص الذي اصطدم بها بوقاحه ولم يساعدها او يعتذر باسلوب مهذب حتي، كان يقترب من فتاه في عمر الخمسة عشر عاماً تجلس جانبه وهو يضايق عليها المسافه بكل جرأة، وهي ولا حول ولا قوه منها.. قالت فجأة زاهية مستنكرة بانفعال طفيف
= ما تحترم نفسك ياض انت مالك لازق في البنت كده ليه؟ وسع شويه ما المكان واسع ولا هي قله ادب وخلاص.
لوي شفتاه باستخفاف وتحدث بلا حياء
= جري إيه يا حجه انتٍ تاني ما تخليكي في حالك المكان زحمه.. وبعدين هي كانت قريبتك ولا اشتكيتلك ما هي قاعده ساكته اهي .
ضغطت تلك الفتاة الصغيرة علي يديها برعب قبل أن تنهض من جانبه بقلق، وهتف بسرعه بوقاحه
= الله رايحه فين يا حلوه انتٍ هتعومي على عمها ما تخليكي، سكتك لسه ما جتش .
عقدت حاجبيها وتجعد جبينها باستنكار فوري وهي تتساءل بحده
=وانت يا اللي ما عندكش دم عارف مكانها نازله فين اوعى جيل ما يعلم بيه الا ربنا و عيال ناقصه تربيه.. انا نازله انا كمان هنا استنى يا اسطى .
اقتربت زاهية من الفتاه الصامته بقله حيله ثم امسكت يدها بحماية لتنزل معها وهي تردد بحنان
= تعالي يا حبيبتي نتسند على بعض ونمشي، قوليلي انتٍ عاوزه تركبي ايه؟ و انا مش همشي الا لما اطمن ان انتٍ ركبتي
ركبت زاهية تلك الفتاة بالفعل واطمئنت عليها وقبل ان ترحل هي الأخري تفاجأت بذلك الشاب كان خلفها كما توقعت! ضغط علي أسنانه مغتاظًا وهو يقول بحنق
= لو نبطل شويه حشريه ونخلينا في حالنا والله هنريح ونستريح، ارتحتي انتٍ كده لما ركبتيها عامله فيها شجاعه السيما أصلي
تمتمت زاهية من بين أسنانها بغل شاتمة إياه
= ما هي الاشكال اللي زيك ما ينفعش معاها الا كده قله ادب بصحيح هي البجاحه وصلت انك زعلان اني مشيت البنت اللي عاوز تتحرش بيها يا سافل، والله لو كنت اقدر كنت خليتها ترفع عليكي قضيه تحرش وانا شاهده على كده؟ عشان تتربى وتتعلم تعامل بنات الناس كويس .
اتسعت عينا بغضب شديد واقترب منها لدرجه اشعرتها بالقلق! وهي لا تفهم هذه الوقاحه الذي بها فهو تحرش بفتاه وايضا يعاتبها لانها دافعت عنها، فصاح بصرامة
= احترمي نفسك عشان ما مدش ايدي عليكي انا ساكت عشان انتٍ ست كبيره لكن ما تخلينيش اعملها معاكي وحطي لسانك في بقك، قال قضيه تحرش قال.. ولا تقدري انتٍ ولا هي سواء عملت ولا ما عملتش؟ اخركم تزعقوا وتمشوا زي ما جريت كده وهي خايفه وما وقفتش تحاسبني حتى.. عشان جبانه.
وقبل ان تتحدث ابعدها من امامه بقسوة ورحل يهتف بعنف
= اوعي كده من وشي.
سقطت أرضا من شده الدفع وهي تطلع إليه بألم وصدمة وشعرت بالإهانة من قبل هذا الشاب الوقح! فكرت قليلاً بحديثها للتو فكانت تتحدث وكانها أمينه بالفعل، لذا لم تستطيع السيطره على نفسها وهتفت زاهية على الفور بانفعال ودفاعية
= انت اللي مفروض تخاف مش هي على فكره هي ما عملتش حاجه غلط ولا تتكسف منها، ايه يعني لما ترفع قضيه تحرش على الاشكال اللي زيك؟ وكمان بتقل ادبك على واحده ست كبيره.. حسبي الله ونعم الوكيل
خرج منها نفس عميق قبل أن تنفرج ملامحها لأخرى ساكنة وتشرد عينيها في ظلال الماضي بندم ثم همست بأسي
= كان معاكي حق يا أمينه يا ترى انتٍ فين؟.
❈-❈-❈
في مكان آخر بعيد، جلست أمينة على المقعد في العمل الجديد وفتحت إحدى الملفات تخرج منها الملاحظات، ليدخل ذلك الشاب مرددا
= عرفتوا أن في موظفين جدد جايين النهارده، مش عارف يعني هي ناقصة ما كفايه احنا
تطلعت أمينة بوجه بلا ملامح وهي تقول
=وانت زعلان ليه اهو يشيلوا الشغل عننا شويه، عشان نعرف نخرج ونروح ونيجي براحتنا .
عقد حاجيبة باستغراب وهو يرد بتفكير
=تفتكري ما يمكن صحيح اللي جايين يعملوا فيها بتوع شغل أوي..و انتٍ عارفه حماس بقى الناس الجدد وكده .
اقتربت صديقتهما الثالثة وهي تردد بمرح
= ومين قالت ان اللي جايين جدد دول هيتنقلوا من فرع لفرع تاني انا سمعت كده المدير وهو بيتكلم.. اهو نشوف اشكال جديده بدل الاشكال اللي قاعده في وشنا دول .
زم شفته بضيق قبل أن يغمغم بحده زائف
=الله يسامحك يا عزه ليه بقي مش عاجبك اشكالنا للدرجه دي.. طب يا رب اللي يجيوا يطلعوا عينيك انتٍ بالذات، المهم هنسهر المره دي فين حد عنده مكان جديد؟
هزت أمينة رأسها بالايجاب وهي تردف بنبرة حماسية
= عرفت مكان ديسكو جديد هيعجبكم أوي نبقى نروح بعد ما نخلص شغل على بالليل..
❈-❈-❈
وقفت أمينة بالخارج وسط العملاء ثم أشعلت سيجار وبدأت تنفخ الدخان وهي تشعر بالاستمتاع من نظرات الجميع حولها، لكنها لاحظت بانه المديرة الخاصه بها تنظر إليها مطولاً بامتعاض، زفرت أمينة نفسا ضائقا وهي تسألها ببرود
= في حاجه يا استاذه منال تاخدي نفس! اصل ملاحظه عينك في السيجاره.. لو عايزه تجربي ما تتكسفيش ؟!.
شهقت بصدمة كبيرة من وقاحتها وسرعان ما أردفت بصرامة حاده
=اجرب ايه لا طبعا الحمد لله انا ست محترمه انا مش عاجبني منظرك ده أصلا خفي شويه اللبس الضيق والمكياج اللي بتحطيه في وشك ومش اول مره احذرك، ونفسي السيجاره دي تفارق ايدك شويه يا ستي حتى طالما مش قادره تستغني عنها اشربيها في مكان متداري مش لازم قدام الناس.
عقدت حاجيبها باستغراب وهي تسألها ببراءة مستفزة
= ومال السيجاره ومال الاحترام طب لما هم اللي بيشربوا سجائر قليله الادب ليه بتوظفوا موظفين بيشربوا سجاير؟ ولا آه عشان هم رجاله فعادي انما البنت تؤ تؤ ما يصحش!
نفخت مستاءًه منها الأخري وهي تردد بحزم
=لا يا ام لسان طويل الاثنين غلط عشان بتدمر الصحه و ربنا يتوب عليكم منها بس طول عمرنا عارفين ان البنت عيب تعمل كده! مش هتيجي انتٍ على اخر الزمن تغيري المجتمع وعدتنا.. وبعدين تشربي ما تشربيش انتٍ حره انا بقول لك بلاش قدام الناس مش شايفه عمالين يبصلك ازاي ومستغربين جرأتك دي هتخليهم ياخدوا عنك فكره غلط وانك واحده مش محترمه .
ضحكت أمينة ضحكة عجيبة وهي تجيب بصوت أجش ساخر
=يااه كل ده عشان بشرب سيجاره قدام الناس عادي، والله انتم مجتمع غريب وما ليكوا كتالوج ولا حد عارف بتفكروا ازاي.. يعني افهم من كلامك ان عادي البنت تعمل حاجه غلط زي الولد بس في الدري عشان يتقال عليها محترمه انما لما تعملها قدام الناس عيب وست مش محترمه ولا كويسه.. والله انتوا ناس غريبه وبتضحكوا أوي.
توترت منال قليلاً ثم أجابت بجدية
= انا ما قلتش كده بس مش عاوزه حد ياخد عنك فكره غلط و بكره هتندمي على اللي انتٍ بتعمليه ده، انا بنصحك يا امينه عشان انتٍ قد ابني..ويا ريت كمان الخروجات اللي بتخرجيها مع الولاد والديسكوهات تخفيها هي كمان اظن مش محتاجه اقول لك دي ولا تتعمل في الخفي ولا في الظاهر عيب وغلط .
مطت شفتاها للإمام بملل ثم أردفت بتهكم
=قلتلي من شويه ان عندك ابن قدي صح؟ على كده هو بيشرب سجاير ويخرج اماكن زي كده ولا انتٍ مش فارق معاكي عشان هو ولد.. استاذه منال ركزي معاه احسن السن ده خطر وانا اكثر واحده عارفه.. وشكرا على النصيحه اللي اوعدك مش هعمل بيها
ضغطت على شفتيها بضيق شديد ويأس منها وقبل ان ترحل وجدت شخص ما كان يقف يراقبهم من الواضح، فسألته منال باستغراب
= انت مين و واقف هنا كده ليه؟ انا ملاحظه وجودك من الاول وعماله اقول شويه و هتمشي ولا مستني حد ولا ايه وقفتك هنا دي ليه .
ظهر بسواد حدقتيه طيف خيبة أمل وهو يقترب منهما، ولم يعرف كيف تمكن من الابتسام الباهت المرير وهو يعقب بنبرة خافتة
= مساء الخير حضرتك استاذه منال انا كنت بدور عليك عشان انا اللي اتنقلت مع الموظفين الجدد .
التفتت أمينة له بعدم مبالاة لكن سرعان ما اتسعت عيناها بصدمة وهي تقول ببطء
= مصطفى هو انت اتنقلت هنا .
أظلمت ملامحه وهو يتابع مظهرها الجديد حتى صارت عيناه أكثر عمقًا وألمًا لا نهاية له.. ثم تحدث أخيراً بصوتٍ فاتر أجوف
=من ساعه ما شفتك عمال اشبه عليكي شكلك اتغير أوي.. ازيك يا أمينه عامله ايه
❈-❈-❈
غادر النادل بعد أن أخذ طلباتهما الاثنين فبدأ مصطفي بتجاذب الحديث معها متسائلاً بفضول حقيقي
= ما توقعتش ان انا ممكن اقابلك بصراحه ولا حد ممكن يتنقل زيي كده من مكان لمكان بعيد، اظن كمان شغلك وعيشتك وحياتك كلها هناك ايه اللي خلاكي تنقلي.
لف الضيق صوت أمينة وهي تقول بعناد
=طب ما هو السؤال برده ليكي مش شغلك وحياتك كلها كانت هناك واهلك ليه ببساطه سبتيهم كده؟
عاد مجدداً يتسائل بعتاب صريح
= بس انتٍ اختفيتي فجاه وكلنا استغربنا لما عرفنا انك اتنقلتي ومن غير حتى ما تسلمي علينا ولا تقوليلنا على قرار النقل ده.
بدت تعابير أمينة له غير مفهومة وهي تتعمق أكثر بالخوض في غمار ماضيها.. وكأنها ترى نفسها لأول مرة هكذا منذ فترة فتمتمت بشرود
= كل حاجه جت بسرعه، انا طلبت اصلا من استاذ ايمن الطلب ده وكنت خلاص بحجز التذكره وماشيه وكده اريح ما بحبش بقى جو الوداع وكده.
أجابها بخشونة وجدية
= طب ما حاولتيش ليه تتصلي بينا وتقوليلنا انتٍ نمرتك غيرتيها كمان مش كده .
حاولت ان تتحفز بكبريائها فرؤيتها الى ذلك الشخص بالاخص من الماضي ويراها هكذا رغم انها بتلك الحاله باختيارها، لكن رغم عنها تشعرها بشعور مؤسف! أجابت عليه بنبره غامضه غير مفهومه جيد له
= حاجه زي كده.. أصلا التغيير كله جي مره واحده، او انا انتهزت الفرصه وقلت طب ما اغير كمان نمرتي والتليفون وحياتي وابعد اصل انا لو بعدت وانا لسه بتواصل مع الناس القدام يبقى ما غيرتش حاجه .
دون أن تشعر أمينة كانت تشد من إحكام كفيها المشتبكتين وهي تضيف بصدق
= التليفون وقع مني غصب عني واتكسر و الخط اتحرق وانا كمان ممكن ارجعه وسالت على كده، بس لما فكرت فيها قلت احسن اغيره هو كمان.
بدأ مصطفى ينظر لوجهها بتمعن أكبر تراقب ملامح وجهها وعينيها الشاردتين الحزينتين.. شق ثغره شبح ابتسامة متهكمة قاطع الصمت أخيرًا وهو يقول بخيبة لم يستطيع اخفائها
= اتغيرتي أوي يا أمينة انا حاسس اصلا اني بكلم واحده تانيه؟ غير امينه اللي كنت اعرفها زمان.. لما شفتك من بعيد وعرفتك من صوتك قلت اكيد التغيير ده جاي من بره بس طلع من جوه كمان
سألته أمينة بانزعاج وعناد
= يا ترى التغيير ده للاحسن ولا للاوحش انا عن نفسي شايفه للاحسن
رفع حاجبيه وهو يصر على القول بنبرة صلبة مغلفة بالجفاء
=مش عارفه هتضايقي ولا لاء بس لا بالعكس التغيير للاوحش! حجابك اللي قلعتي حتى لو ما كنتيش محجبه بالمعنى الحرفي زمان؟ لبسك اللي اتغير تماماً وبقى عباره عن لبس ضيق وقصير ومجسم على جسمك بطريقه مستفزه... والسجاير اللي بقيتي تشربيها قدام الناس كده عادي
ارتفع حاجبا أمينة وهي تسأله باستهجان
= هي السيجاره دي مضايقكم في ايه؟, ايه هتقولي زي استاذه منال اروح اشربها في الخفي عشان يتقال عليا بنت كويسه؟ ما كل واحد يخليه في حياته انا اللي بتحاسب مش انتم ولا هتيجي تتحاسب مكاني؟ وبعدين بلاش جو الملايكه ده لو دورت على تاريخكم هلاقي بلاوي عملها ومداري.. بس في ناس كده بتحب تعمل حكيمه وتوعظه قدام الغير
زفر بوجومٍ وأشاح بعينيه جانبا وهو يبرر
= انا مش عاوز اعمل حكيم ولا بوعظ؟ وعلى فكره الغلط في الدري او على المكشوف بيتسمى غلط.. وبعدين انتٍ اللي سالتيني اتغيرتي للاحسن ولا للاوحش ودي وجهه نظري وانتٍ حره
حركت رأسها قليلاً بتشنج وشفتاها تشتدان كالوتر وهي تحاول الاعتراض مرددة
=بالظبط كده انا حره! بس تصدق انت كمان اتغيرت مش كنت بتقعد تبصلي زمان واول ما احط عيني في عينك تنزلها وتتكسف زي البنات ايه اللي حصل دلوقتي خدت كورس شجاعه انك تعرف تتكلم مع البنات عادي من غير كسوف؟ هو كان ايه السبب حبيت واحده وغدرت بيك وراحت لغيرك لما لقيتك كده شخص خام و ملكش فيها.
ازدرد مصطفي ريقه وهو يعاند إحساسه القاتم وأن يتقبلها هكذا.. بل وأجبر مشاعره على الاستبشار خيرًا وتحقق كل ما يتمنى أيضا ثم قال بواجهة ثابتة
= ولا كده ولا كده! انا ده العادي بتكلم مع الناس كده بنفس الطريقه دي دلوقتي و ما اتغيرتش! الا مع واحده معينه؟ كنت لما بقف قدامها لساني بيتجمد واتوتر وعيني لما تيجي في عينها مش بقدر ابصلها كتير وحاسس ان هتفضح من كتر الاحساس اللي بحسه ناحيتها، كنت بحبها من بعيد بس متردد اروح اصارحها أصلها كانت شخصيه قويه بس كنت حابب حتى قوتها وعنادها وكنت واثق بنسبه كبيره انها هترفضني! لان اللي زيها مش بيقبل بسهوله انه يرتبط إلا على الاقل من حد عارفه كويس.. عشان كده استسلمت احبها من بعيد.
ارتشفت القليل من مشروبها الدافئ بغير شهية ثم قالت ببرود
=واللي حصل بقى بطلت تحبها عشان كده اتغيرت؟ ولا تكونش رحت شفت غيرها.. اكيد مش هتقعد كل المده دي من غير واحده غير اكيد بعد ما شفتها بالمنظر ده غيرت كلامك.. وهتندم على الوقت اللي انت ضيعته تستناها و انك ما شفتش غيرها
مد يديه يسحب كفها الناعمة ثم أحاطها وهو ويضغط عليها برفق ليقول بدفيء
= طب ما انتٍ شاطر اهو و ذكيه وعارفه ان انا اقصدك وأكيد كنتي واخده بالك من زمان؟ امينه انا ما تغيرتش ولا رحت شفت غيرها.. الدليل اللي انا هنا دلوقتي .
خرجت من شرودها مصدومه لتسحب يدها بقوة منه وهي تهز رأسها مرددة بعبوس
= انا ورايا شغل كتير وقت الاستراحه خلص، تعالى معايا اعرفك مكتبك فين استاذه منال دبستك فيا مش عارفه ليه لما صدقت ان احنا كنا نعرف بعض وقالتلي علمي الشغل ماشي هنا ازاي.
تنهد قبل أن يقول بجدية غير مألوفة به هو معها
= صحيح نسيت البقيه في حياتك اسف انها جت متاخر بس ما عرفتش اعزيكي عشان انتٍ إللي اختفيتي.. اقصد باختك أميره ما انتٍ لما اختفيتي احنا حاولنا نجيب عنوانك ونروح البيت وعرفنا من جدتك ان اختك التوأم ماتت في نفس اليوم اللي اختفيتي فيه وسافرتي.
كانت أمينة تغلي غليانًا في تلك اللحظه من كلماته بينما أضاف مصطفى بمنطقية واحتدام وهو يتعمد فعل ذلك
= اكيد في سنتين ما نسيتهاش؟ حتى لو حاولتي تغيري من نفسك ولا تيجي هنا.. صحابك حتى قعدوا يحكوا لينا قد ايه كنتوا قريبين من بعض وبتخافوا على بعض! وما فيش واحده فيكم بتقدر تزعل من الثانيه.. تفتكري هي فرحانه وهي شايفاكي كده بتحاولي تهربي وتنتقمي من ولا حاجه علي حساب نفسك .
مال ثغرها في ابتسامة مريرة تناقض ألمها الذي غرس في كل خلية نابضة لما قاله الآن لتقول باستهزاء
= حلوه اوي اللعبه اللي بتلعبها معايا دي؟ بس انتٍ مش قدي يا مصطفى وبلاش انا، عشان انت مش فاهم حاجه ولا عمرك هتفهم.
ظهر في ذلك الاثناء زميلها بالعمل واقترب منهما متعجباً قبل أن يتسائل بتردد
= امينه انتٍ فين عماله ادور عليكي.. المكان أياه يعني اللي انتٍ قلتلنا فوق هنسهر وخدت منك العنوان.. أنا حجزت هتيجي ولا غيرتي كلامك
ردت أمينة بحماس يخفي بين طياتها تلاعبا ماكرا
= ما تقول ديسكو انت نسيت اسمه، ولا مكسوف تتكلم قدامه ده مش حد غريب ده موظف جديد وكان زميل ليا في الفرع القديم، وبعدين محدش لي حاجه عندنا نسهر نشرب كل واحد في حاله .
تناولت حقيبتها الجلدية واستقامت واقفة من مكانها تنوي المغادرة فاتسعت عينا مصطفي لحديثها مع ذلك الشاب الغير المتوقع وسارع يتشبث بذراعها مغمغما بحده
= هو انتٍ التغيير بتاعك ده وصل لحد فين مين ده و ايه موضوع الديسكو اللي بتسهري فيه ده؟
قاطعته بصلف متعجل لتختصر وهي تنفض ذراعها عن يده
= اوعى ايدك عشان ما يبقاش اول يوم ليك هنا وانت متعلم عليك! وبعدين اللي غيران مننا يعمل زينا ايه رايك تيجي تسهر وبالمره اعتبرها عزمه مني بمناسبه اول يوم ليك هنا
❈-❈-❈
في بار كانت أمينة تجلس وتحتسب المشروب مع اصدقائها، و مصطفي كان يراقبها بوجه قاتم بصمت! لكنها لم تعطي اهتمام كبير.
بينما أخفضت عينيها بتفكير من تمسك و اقترب مصطفي معها الغريب جدًّا جدًّا..فإذا كان يحبها بصمت لفترة طويلة ولا يقترب منها لأنه يراها فتاة قوية أمامه و عفوية و متمنعة و خجولة بنفس الوقت، وفي ذات الوقت أن بدي استعدادًا اهتمامًا لكن بشكل غير مباشر.. لكنها تغيرت الآن كثيراً ولم تعد صالحة له، فلماذا يصر على الاقتراب وإبداء الإعجاب بها.
افاقت على صوت صديقتها عزه مرددة بحماس
=المكان هنا يجن يا امينه انتٍ بتعرفي الاماكن دي منين، هو ماله الجدع اللي جاي معاكي كده متنشن كده طالما المكان مش جي علي هواه جي ليه
تنهدت أمينة بمكر ثم تحدثت ببرود بنبرة ذات مغزى
=اخص عليكي يا عزه قصدك أنه راجل خام؟ هو بس مش متعود على السهر بس اديله شويه وقت وبعد كده هينسجم.. اول مره بقى .
كبح مصطفى لجام غضبه الذي تولد في هذه اللحظة وهو يغمض عينيه ويسبلهما.. يحاول اكتساب أكبر قدر ممكن من الصبر.. بينما
اقترب منه ذلك الشخص وهو يقول
= مالك يا نجم صحيح مش انت اللي طلبت تيجي معانا خد اشرب وروق هتاخد على الجو المشروب ده جامده.. امينه برده اللي معرفانه عليه
نظر مصطفي له برفض دون رد فكان وهو يرمق أمينة بشرود وبملامح خالية من أي تعبير مرّ على هذا الحال دقائق قبل أن يقول لها باحتقار
= هو انتٍ ايه وظيفتك هنا بالظبط؟ شغاله في بنك ولا ديرال وبتعرفيهم على اماكن مشبوهه
امينه وقفي شرب وتعالي نمشي و اعقلي شويه بقى، انتٍ ما كنتيش كده ولا رايق عليكي الجو ده
ازدادت في الشرب بعناد علي غير العاده ، ثم
قالت له بإصرار من بين أسنانها
=لا لايق بس انتٍ اللي بطل نفسنا وابعد عني، انا مش عارفه حاططني في دماغك ليه ما عندك البنات كتير حواليك.. وبطل بقى شغل التحكمات ده انت مفكر نفسك ولي امري.. لا فوق انا عماله بس اخدك على قد عقلك عشان أعرفك ان ما ينفعش اللي في دماغك.
عقد حاجبيه يغمغم بخشونة
= هو ايه بقى اللي في دماغي؟
تصاعد التوتر بينهما وأصبح مختلطًا بمشاعر كثيرة مشوشة لكن مستعرة ليطفو الغضب على السطح فتقول له بعينيها الشرستين
= جو الحب الصامت اللي كنت بتعمله زمان عاوز تخلي دلوقتي على المكشوف، انت لسه من شويه قايل اني ذكيه فبلاش تعلب عليا الدور ده.. وبعدين انا اصلا شاكه فيك! بقى معقوله تقعد سنتين تدور عليا وجي لحد هنا مخصوص عشاني
صمت قليلاً بينما كان حدق في وجه امرأة أحبها بكل جوارحه.. وهي ترفضه بكل شراسة رغم اعترافه بحمل مشاعر لها.. لذلك تحدث هادرا بصوتٍ متهدج
= استنيتك ثلاث سنين قبل كده من اول ما اشتغلتي معانا هيجرى ايه لما استناكي سنتين ثاني، وكل مره بعشم نفسي انك هتكوني ليا انا فضلت ازن على مستر أيمن عشان يقولي انتٍ في انهي محافظه ويرضى ينقلني و الموضوع خد مني وقت لانه كان رافض في الاول بس اديني حاولت في الاخر وجيت.. بس للاسف اتفاجئت بيكي وانتٍ..
تملكها شعور بالقهر والغيظ مما قاله فرفعت ذقنها بشموخ و استنكرت في عبوس حانق
= ما تكمل لقيتني واحده منحله ودايره على حل شعري وبسهر وبشرب وبلبس لبس من وجهه نظرك عيب وبعمل حاجه انيل من كل ده
بشرب سجائر في العلني مش في الخفي! بس احسن اتعلم بقى بعد كده ما تحبش عشان الحب مابيوجعش غير صاحبه.. وفي الاخر مش هتستفاد حاجه لما هو يبعد ويسيبك.. يعني انا حبيت اميره اختي وهي كمان بس في الآخر سابتني والحب هو اللي واجعني برده .
في تلك اللحظه اقترب ذلك الشخص وامسكها من ذراعها قائلاً بحماس
= امينه تعالي نرقص وسيبك بقى من الجو الكئيب ده وانت يا عمنا ما تسيبها في حالها بقى، لما صدقنا طلعت من الجو الكئيب والزعل على اختها بتفكرها ليه تاني .
اتسعت عيناه لما قاله وبدا وكأن شحنات كهربائية مخيفة تنتقل بينهما ليقول بثورة
=وهي كده كويسه يعني؟ وانتوا اللي شديتوها للقرف ده؟ بقول لك ايه ابعد إيدك كده وروح انت ارقص وما لكش دعوه بيها احنا بنتكلم دلوقتي.
رحل بالفعل متعجباً بينما نفخت أمينة مستاءًه وبدأت تتحدث دون وعي اثر الخمر
= يوووه مشيته ليه انا كنت عاوزه ارقص ما تحل عني صحيح انت بتفكرني ليه باللي فات، امشي بقى يا مصطفى اصلا بتفكرني بكل حاجه انا مش عاوزه افتكرها من الماضي خالص ومرتاحه كده .
هز رأسه بغضب مكتوم وهو يهتف بها باستياء
=هو ايه اللي مرتاحه كده انتٍ شايفه نفسك؟ سهر وخروجات وغيرتي من ستايلك بطريقه اوحش مش احسن زي ما انتٍ بتقولي؟ عاوزه توصلي لايه من كل ده فهميني .
أردفت الأخري دون تفكير بحقد ظاهر
= انتقم! وانا انتقمت فعلا ولسه بنتقم اكتر عشان كده شوفلك واحده غيري انا ما ينفعكش ولا زمان ولا دلوقتي انا لسه قدامي وقت طويل وطريق اطول عشان اخلص انتقامي..
غمر وجهها بكفيه يمسحه حيث بدا أكثر إجهادها من أن تستمر في الخوض بهذا الجدال..فرفع وجهها نحوه ثم قال لها بهدوء قاتم
= بتنتقمي لمين بقى وليه؟
تعانقت شفتاها وتشابكت رموشها فرسمت أمام عينيه لوحة شجن عذبة وهي تتمتم بغل
=بنتقم من المجتمع؟ من الناس اللي افكارها متخلفه يعني انت عارف زمان لما كنت بلبس الحجاب وابين شعري يقعدوا يقولوا ما تقلعيها احسن هو ده اسمه حجاب واول ما قلعتها انتقدوني اكتر وقالوا لي انتٍ قلعتي الحجاب انتٍ كده واحده مش كويسه.. بذمتك دي ناس عندها عقل؟! منين كنتم معترفين انه مش حجاب ومنين لما قلعته قلته عليه حجاب.. ولا شرب السجاير للست قدام حد انما الرجاله عادي.. ولا اللبس يعني زمان لما رفعت قضيه التحرش قوليلي وسط الكلام اكيد من لبسك وانا كان لبسي عادي عشان كده غيرته هو كمان.. يعني تقريبا كل حاجه كانوا بيتهموني اني عاملها وانا ما عملتهاش عملتها بالعند فيهم بذمتك في انتقام احسن من كده..
تجهمت ملامح مصطفي الناظرة لها إلا أن رد عليها بتسامح ونبرة عتب رقيق
= امينه انا فاهمك وانتٍ معاكي حق! بس مش معاكي حق في اللي بتعملي في نفسك بصي على نفسك كده انتٍ انتقامتي منك مش منهم زي ما انتٍ فاكره.. ما تحاوليش تهتمي بالناس ولا بارائهم.. اديكي قلتي بنفسك لما عملتي العكس برده انتقدوكي.. يبقى انتٍ كنتي بتعملي صح وما لكيش دعوه.
تنهدت بعمقٍ تجلي حشرجةً بالية لا تدرك مصدرها ثم خفت انفعالها وهي تسأله بعتاب حزين
= تعرف اول مره حد يقولي انتٍ صح؟ على فكره انت شكلك حلو بس برده ما تنفعش أنت ما تعرفش فرحتي دي بتكون قد ايه لما اشوف حد بينتقدني بعد ما اتغيرت وبنتقم منه ياااه شعور جميل وطز في ارائهم مش هماني.. و بعدين خليك صريح معايا انت شاب محترم وابن ناس واكيد مش هتتجوز واحده زيي و اخلاقها مش ولابد دورلك على واحده كده تكون قطه مغمضه زي ما بيقولوا وخلي اهلك يجوها لك من البلد هتنفعك
أغمض مصطفي عينيه يبتلع غصة مسننة ويرد
=تفتكري اللي قعد خمس سنين يستنى واحده هيبقى بسهوله عليه يتنازل عن حبه ويشوف واحده غيرها؟ امينة انا بحبك انا تعبت كتير لحد ما احاول اشجع نفسي اقولها بس مش قادر
صدر منها صوت مستهزئ قبل أن ترد بمرارة
= ويا ريتك ما قلتها عشان برده مش هتفيد بحاجه دلوقتي، كل حاجه اتغيرت وحاجات كتير راحت مش هترجع.. انا بقيت دلوقتي الثائرة من المجتمع فاهم معناها؟ ولا لأ مش هتفهمني برده.. وبعدين صح ايه اللي اعمله ما انا زمان كنت صح استفدت ايه؟ غير ان كلهم غلطوني واختي انتحرت .
رمش بعينيه ينظر تجاهها ثم وضع يده على كتفها يقربها ليقول بجدية مؤكدا
= لسه عندنا وقت وبعدين انا مش هسيبك بعد ما لقيتك ويحصل اللي يحصل بقى! امينه ما ينفعش تكوني لغيري انا عشمت نفسي كتير بيكي وياما حلمت ان احنا هنكون مع بعض
اهتزت حدقتاها مما تسمعه منه وخفق قلبها بألم إلا أن عيناها سرعان ما برقتا بقسوة، ونفضت كفه من على كتفها ورفضت النظر له وردت عليه بجفاء
=ابعد كده انت ماسكني كده ليه، مصطفى انا ما عشمتكش ولا قلت لك حاجه اصلا كل دي أوهام في دماغك.. انا مش ليك ولا لحد
روح زي ما جيت وانساني.
لكنه جذبها نحوه أكثر يعتصر ضلوعها في أحضانه هامسا وهو يضع شفتيه فوق بشرة وجهها
=لو اقدر انساكي كنت عملتها من زمان، ولا اني طوعت قلبي وجيت وراكي هنا ولسه مستمر وانتٍ بالشكل ده.. تعالي معايا .
هتفت فيه باستنكار ونظراتها المتسائلة بتعجبٍ ترشقه
=انت رايح فين سيبني انا اصحابي جوه! يا مصطفى بقى انا مش عاوزه اروح... وبعدين هنروح فين انا بيتي اصلا ماجراه مع عزه البنت اللي جوه والمفتاح معاها رجعني يلا.
جذبها للخارج رغم عنها بالاجبار ولم يشعر أحد بها من أصدقائها بسبب حاله السكر الذي بها، لذلك هي صارت معه وهي غير واعيه بالكامل، لكن سمعته يهتف بجمود
= هوديكي بيتي ومش هسيبك تدخلي المكان ده تاني وانتٍ سكرانه كده، فوقي شويه بدل ما حد يستغلك بمنظرك ده وانتٍ مش في وعيك
لم يعطها مجالا للرفض بل جذبها داخل سيارته بالخارج وصعد فأردفت بصوتٍ يلفه استهجان تناقضاته
=وانت بقى مش راجل زيهم وهتستغلني؟؟ ما انت لسه مش شويه قايل هتوديني بيتك انا بقيت اشك فيك أصلا؟ أقلع وش البراءه بتاعك ده، أنت ده في النهايه راجل وانا اصلا بنتقم من الرجاله اكتر.
أبتسم بخبث دون أن ينظر لها وهو على وضعه وبدأ يسوق بالسيارة لبعيد، هامسا لها بصوتٍ أجش يتشوق
= طب وماله على الاقل انا اولى من الغريب بحبك واستنيتك خمس سنين وطالما بقى عاوزه تنحرفي على الاخر.. ومش ناويه ترجعي وتتعدلي، فنمشيها بقى كده وكملي انتقامك معايا انا هكون مرحب بكده ومش هتضايق خالص... الحاجات دي بالذات هتكون على قلبي زي العسل ده انا استنيتك كثير فهفرح .
اتسعت عيناها بتوجس فجاه وهتفت به بعنف وانفعال منفلت
=وقف العربيه انت ايه التخاريف اللي بتقولها دي؟ انا بكلم نفسي بقول لك واقف العربيه بدل ما افتح الباب وارمي نفسي منها.. انا ايه اللي خلاني اطوعك واطلع معاك
نظر لها بطرف عينه قبل أن يضحك ببرود ولم يرد أيضاً، اشتدت شفتاها كالوتر تنفر رفضا لتقول بعصبية
= يا سلام هي بقت كده يعني؟؟ انت بتضحك انت قافل الباب كمان انت ناوي تعمل فيا ايه؟ ما تتنيل ترد عليا؟ انا كان لازم افهم من الاول عينتكم كلها شبه بعض وما فيش حد عدل عملت كل ده عشان توصل للي انت عاوزه صح
إلا أنه زمّ شفتيه وأشاح بوجه المحتقن بعيداً شعرت بالجنون والخوف وبدأت تمسك رأسها بألم وعدم تركيز لتردف بسرعه بتوسل ورجاء
= وقف العربيه بقى انا مش عاوزه كده! مصطفى.. انا دايخه وشكلي زودت بالشرب عشان خاطري ما تعملش حاجه.. برده مش عاوز ترد ... والله لما افوق لاهوريك.
الفصل الخامس
_________________
في ذلك المنزل تقلبت علي الفراش ثم فتحت عينها بدهشة وعدم تذكير تحاول تتذكر اين هي وما ذلك المنزل؟ وسرعان ما حركت فمها مفتوح وعينيها متسعة بصدمة عندما تذكرت ما حدث ليله أمس وحديث مصطفى في تلك الليلة عندما أجبرها على الرحيل معه، انتفضت بهلع و قلبها يخفق بقوة وسارت للخارج تبحث عنه لتجده كان يقف بجانب الطاوله يضع الطعام بكل هدوء وكأنه لم يفعل شيء.
اقتربت منه ودفعته بكل قوتها تصرخ بوجه بانفعال، وتصيح بصوت غاضباً
=يا ابن الكلـ.ـب والله ما هسيبك بقى انا تعمل
فيا كده وتستغل اللي انا سكرانه وتاخدني غصب وعامل نفسك راجل كده وعمال تكلمني على المواعظ والحكم وان انا اتغيرت وانت طلعت ازبل خلق الله
ضغط بطرف إبهامه علي يدها لتهدا، و بدأ الأخر يتحدث ببرود و كأن الأمر غير هام
=عارفه لولا إللي انا متربي فعلا كنت عملت اللي جي في دماغك دلوقتي وحسبتك على كلامك ده، لكن انا عشان عارف نيتك الزباله بسبب المجتمع اللي انحرفتي فيه لما بعدتي هعديها لك .
بمجرد أن قال هذا، أطلقت صرخة دوي صداها بين جدران منزله بجنون وسبته متذمرة وهي تضم تلابيب مأزرها بقوة
= وانت كده مش من المجتمع فرقت عنهم إيه ده انت احقر منهم كمان لسه عمال تقول مواعظ وحكم وانت خدتني امبارح من و سطهم بالغصب واستغليت ان كله مش فايق يا ابنـ...
لم تجد نفعاً من الحديث معه، فهو يتظاهر بالغباء وعدم فهم الحقيقة المريرة التي حدثت بينهما أمس وأنه جعلها تخسر اخر شيء كانت تحتفظ بيه بحياتها.. فصحيح قد تجاوزت بعض الحدود في حريتها الزائده لكن الا هذا الشيء وهو ببساطه جاء وجعلها تفقده، وقبل ان تتلافظ بالفاظ شنيعه وتتطاول عليه اكثر تحدث و أجاب علي الفور
= بس بقى اهمدي شويه عشان افهمك اللي حصل ما تبصي على نفسك ما انتٍ لسه بهدومك اهو كنت جيت جنبك ولا عملتلك حاجه؟ انا سبتك امبارح نايمه جوه وفضلت بره على الكنبه اصلا وما قربتلكيش .
هزت رأسها باعتراض وهي تقول بعدم اقتناع وشك
= ما انت ممكن تكون عملت حاجه وبعد كده لبستني هدومي تاني هو انت اللي زيك اثق فيه، ما أنت جنسك راجل في النهايه زيهم طبعك الغدر و واخد على كده عشان المجتمع بيحلل الحاجات دي ليك ومش هيحاسبك انت
لم يفهم مصطفى هل هي غيبة أم الصدمة جعلت التفكير لديها قد توقف! ليؤكد مرددًا بجمود وإصرار
= قلت لك ما عملتلكيش حاجه عايزه تصدقي ما تصدقيش انتٍ حره وبعدين مالك خفتي و قلقانه ليه ما انتٍ سهرانه في ديسكو وكنتي بتشربي مع شباب منحله يبقى جت على دي وزعلانه؟ ولا ما فكرتيش ان ممكن فعلا حد كان خدك بدل مني وعمل فيكي حاجه فعلا.. وجو الانتقام بتاعك بقى ده و التمرد هو اللي هينفعك ساعتها لما تخسري حتى اخر حاجه بقيالك
رمشت بعينيها بشك وازدردت لعابها بصعوبة ليزداد شحوبها اكثر واكثر بطريقة جعلت قلبه يرق شفقة عليها فلا يفهم اذا كانت حقا ما زالت تحاول الحفاظ على نفسها فلما ترمي حالها بالظلام وبعدها تعود وتشتكي، لكنه ظل على وجوم وجهه لا يتراجع فهو أراد يلقنها درس جيد لتفهم بان هذا الطريق سيجعلها تخسر اذا استمرت عليه، ليعود قائلا مصرآ
بتوضيح جاد
= والله العظيم ما جيت جنبك يا أمينه وما عملتلكيش حاجه ما تخافيش انا حبيت بس اوصل لك ان انتٍ ماشيه في طريق غلط والدليل اللي حصل امبارح كنت بكل سهوله اقدر اعمل اللي انا عاوزه سوا انا ولا غيري ما كنتيش هتقدري تمنعيه فيا ريت بقى تفوقي..
بدات تشعر بالصدق قليلاً وهي تنظر الى نفسها
ثم تنهدت براحة وهي تضع كفها على صدرها.
بينما سحب المقعد وجلس وبدأ في تناول قطعة بيده يأكلها بإستمتاع و لذة، وهو ينظر إليها ويتحدث بهدوء
=تعالي اقعدي انا حضرتلك الفطار.. مالك بتبصلي كده ليه اكيد يعني مش مستنيكي تصحي عشان احطلك مثلا حاجه في الاكل واعمل اللي انا عاوزه ما انتٍ كنتي قدامي طول الليل و مش دريانه بحاجه.. اقعدي وما تخافيش وانا هاكل معاكي عشان تتأكدي أني مش عاوزه ااذيكي .
ضاقت عيناها عليها بإرتياب وهي تردد بفقدان صبر
=هو انت عاوز مني ايه بالظبط؟ وبلاش الهبل بتاع امبارح عشان الجو ده ما دخلش عليا وحتى لو فعلا انت بتحبني مش هينفع وانا مش هقبل ولا عاوزه الحب ده.. وهكمل في اللي انا فيه انا حره بقى ملكش دعوه بيا.. شوفلك واحده تناسبك
تجمد فى مكانه يضيق نظراته فوقها وهو يسألها بأقتضاب
=يعني انتٍ عارفه ان اللي انتٍ بتعمليه مش مناسب لاي راجل يبقى ليه بتعمليه من الاساس ما هو مش مناسبك انتٍ كمان؟ يا امينه الانتقام مش بيضر الا صاحبه وانا خايفه عليكي تتضري اكتر من كده انتٍ ماشيه في طريق اللي بيروح ما بيرجعش
لحظات مرت وهي مكانها لتلاحظ وجود علبه سجائر فاستدارت لتنظر إليه بقوة مصطنعة تخفي وراءها ما كانت تشعر به من كمد و غضب، وابتسمت تتسائل بنعومة مريرة
= السجائر دي بتاعتك طب ما انت بتشرب اهو امال بس عامل فيها ما بيطلعش منك العيبه ومحترم وعمال تنصحني، ولا آه ما انت ماشي بنفس المبدا اشربي من ورا الناس انما قدامهم عيب وغلط
هز رأسه بالايجاب وهو يهتف بصدق مبتسماً
=لا هي فعلا غلط واعتقد كمان حرام يمكن مش كل الشيوخ بتحرمها بس اكيد ربنا مش هيرضى بحاجه احنا بنستخدمها وعارفين أنها بتضر صحتنا، ايه رايك احنا الاتنين نبطلها سوا هي عاده وحشه فعلا والله يسامحه اللي بيعلمها لنا .
ضغطت على أسنانها بحده بسبب طريقته في التعامل معها فهو يتحدث وكأنه ضامنها بحياته ويأمرها وذلك يجعلها تشعر بالغيظ والغضب لترد باستياء
=بطلها لوحدك انا عن نفسي مبسوطه بيها! شكراً على الاستضافه اللي ما لهاش لازمه و شكراً كمان على الفطار رغم اني ما اكلتش منه انا همشي ويا ريت ما اشوفكش في طريقي تاني، عشان ما تضطرنيش اعمل حاجات انا مش عاوزاها.. زي مثلا اني ابلغ عليك في الشركه انك بتتعرضلي .
عقد ما بين حاجبيه بشدة وقد لمعت عينيه وهو يسألها ببطء حذر
=امينه تتجوزيني؟.
اتسعت عينا أمينة بذهول وصدمه وسرعان ما كتمت شهقتها لتعقب بثبات تدعيه
= مش بقول لك اهبل انت في دماغك حاجه صح؟ ولا تقريبا كنت بتشرب معانا واحنا مش واخدين بالنا.. انت فاهم انت قلت ايه من شويه؟
بدأ يتحدث بتأكيد وهو ينهض ويسير نحوها واضعاً يده في جيب بنطاله ووقف أمامها ينظر بعينين تتأملان ملامحها المتوترة
=اه فاهم وعارف انك ممكن تكوني فعلا كلامك صح وانتٍ مش مناسبة بس انا تعبت من كتر ما بستنى وتعبت من كتر ما انا بكتم مشاعري وانتٍ بتضيعي مني مش ممكن لو كنت قلتها قبل كده كانت حاجات كتير هتتغير
عينيها كانت تائهتان هذا ما تأكد منه مصطفي عندما رفعت عساليتيها تريد أن تقول شيء ولكنها متردد، لكنها قالت بالنهاية فقد ما صدر منها الإنكار
= وانت يعني لما تتجوزني في حاجه هتتغير اوعى تكون فاكر هعمل زي الستات اللي بتمشي ورا طوع جوزها وهتغير غصب عني وهبطل اللي انا ماشيه فيه ده تبقى غلطان ولا جواز ولا دخول راجل في حياتي هيخليني ابطل اللي انا بعمله، اللي عاوز يقبلني كده يقبلني مش عاوز براحته انا مابتغيرش عشان حد.
هز رأسه بقوة ثم أمسك بيدها هامس بصوت ضائق وهو يشعر بكامل جسده يشتعل اثر لمسة واحدة منها فقط
= عارف كل ده بس مش قادر تكوني قدامي واضيعك من بين ايديا تاني، هو انتٍ ليه مش عايزه تفهمي ان بحبك بجد يا امينه انا استنيت سنين طويله تعبت بقى ونفسي نتجمع.
لتعض على شفتيها بارتباك شديد ظهر في حركة جسدها وهي تزيد من ضم اقدامها اليها، فترفض ببلاهة ومزيداً من التلعثم
= يمكن عشان عارفه انك بتحبني بجد بقول لك بلاش! هتتعب معايا أوي رحت ولا جيت أنت راجل شرقي ومش هتستحمل تصرفاتي واول حاجه هتطلبها مني ان اتغير وانا قلت لك مش هتغير.
كان ردها بارد هادئ لم يقتنع به مصطفي وان أتوه بملى هذا الكون أعذار لم يقنع بواحد منهم لا شيء يبرر رفضها والاستمرار بذلك، ليقول بصرامة حاده
= انتٍ ما كنتيش كده من البدايه يعني انتٍ اللي اتغيرتي! ليه ما تفكريش تدي نفسك فرصه تانيه واللي حواليكي، مش لوحدك هتقدري على المجتمع كل واحد ولي افكاره واحنا لينا افكارنا برده وطالما مقتنعين بيها وانا في حاجات كتير متفق عليها معاكي..
انا مش ضدك.
غلفت ملامحها تعبيراً بارداً وقناع من الجمود وضعته على وجهها وتمسكت به، وهي تتحرك
هاتفه بتهرب
= انا اتاخرت وعاوزه أمشي.
منعها من الرحيل ثم زفر الهواء من رئتيه ثم حاولا معها بلين
= هو انتٍ ايه سبب رفضك ليا؟
علقت أمينة بإحتقار وبرود
= مش عايزاك تقرب انا اتغيرت عن زمان.. ريحني بقى وشوف غيري
أجاب بشوق في ظاهره حقيقي علي غرار باطنه
=تفتكري لو اقدر كنت هستنى خمس سنين و بعدين انتٍ دايما حلوه في عنيا انا... فمش فارق معايا راي غيري
خفق قلبها يدق أثر كلماته الصريحة ومشاعره الواضحة فجعلتها تصمت، بينما رفع حاجيبة للاعلي باستنكار وهو يضيف بتحدي
= انا قبل سنتين لما قابلت جدتك قبل ما تسافري عرفت منها كل حاجه، وانك قد ايه كنتي بتعاني مع الكل وقد ايه اختك كانت بتتعذب وحاسه بالذنب رغم انك عملتي كل حاجه بايدك، ليه يا أمينة ليه تعملي حاجه قلبك مش راضي عنها.. لامتى هتفضلي تهربي من الحقيقه أن خلاص كل اللي بتعمليه ده مش هيرجعها تاني .
التفتت إليه برأسها وأجابت على سؤاله بسؤال مليء بالعتاب المبطن
= وايه الفايده هاه؟.. ارجوك سيبني في حالى انا خلاص ما بقاش مني أمل .
تقدم خطوة تراجعت قبالها خطوتين للخلف، حتى صدر رده لها بضيق
= انتٍ خايفه من ايه عشان ترجعي زي زمان؟ من اصحابك اللي حواليكي ولا جدتك ولا إيه بالضبط
تبسمت رغم حزنها لتقول بصوت مرتعش ضعيف بين دموعها
= من نفسي .. كل يوم بتشجع واقول خلاص هكسر القيود وما اقدرش .
أقترب مصطفي يمسح عبراتها المتساقطة هامس في حنان
= عشان انتٍ لوحدك لكن دلوقتي انتٍ معايا.. بلاش معايا تعالى لحاجه اكبر مني ومنك
للناس.. الناس اللى طول عمرك بتحبيهم و ساعتها هتنسي خوفك هتحسي بيهم وياكي بيقوكي.. وهتحسي نفسك حره! هي دي الحريه اللي هتكون بجد مش الهبل اللي انتٍ دايسه نفسك فيه.. امينة فتحي عنيكي انتٍ ماشيه في سكه غلط؟ ومش عشان المجتمع والناس لا عشان غلط وحرام
أفرجت عن ضحكة تخاذل وهي تردد بجمود
= خلاص بقي مش مستنياك تقول ده، انا عارفه كويس الصح والغلط فين لكن انتم اللي مش عارفين ولا عارفين بس برده بتمشوا الغلط على مزاجكم فيها ايه بقى لما عملت زيكم وحللت الغلط؟ ولا عشان انا ست انما لو راجل ولا حد منكم كان هيتكلم
ابتلعت بصعوبة الغصة التي تشكلت بحلقها عندما قرب شفتيه من اذنها يهمس لها وهو
يضغط على كفها بمؤازرة، وتشديد وتنبيه
= شايفه وبرضو رايحه للسكة دي برجليكي!
خلاص براحتك اعملي اللى بتؤمني بيه بس قبل فوات الأوان.. بس لو في قرار لنفسك بتؤمني بالتحرر والحريه بالحب ما تتردديش تقربي مني!.
❈-❈-❈
في اليوم التالي في البنك، وقت الاستراحه كانت أمينه تقص على صديقتها عزه ما حدث لتسالها باستفسار
= طب وانتٍ هتعملي ايه هتوافقي على الجواز منه؟ انا بصراحه مش قادره اصدق اني في واحد ممكن يكون بيحب حد كده ويفضل خمس سنين مستني مش هتلاقي زيه فكري
تاني
قضمت أمينة الساندوتش الذي بيدها بغل و غضب وهي تغمغم بفم ممتلئ
=ولا عاوزه زيه ولا غيره! هيخنقني بتحكماته وبعد كده يقولي البسي كده ما تعمليش كده ما تشربيش سجاير رغم ان هو بيشرب مجتمع ذكوري بقى! خليه يدور على واحده تقول حاضر ونعم لكن انا مستحيل اقولهم لحد... و يوم ما اعترض هيقولي ما انا جوزك بقى واسمعي كلامي
ضحكت عليها وهي تتحدث بتفهم عنادها
=هو انتٍ هتقوليلي ما انا عارفاكي بس اللي خليه يستنى خمس سنين وبيحبك الحب ده ممكن يقبلك زي ما انتٍ في الاول هيعند شويه لكن انتٍ كمان اعندي اكتر منه هيتقبل الوضع في النهايه لما يلاقي نفسه هيخسرك.. و على راي المثل خذي اللي يحبنك
هزت رأسها بملامح يعتليها الضيق، ثم سريعًا ما استدركت للكلمة العابرة التي سقطت منها اثناء حديثها لتقول بانتباه
= تفتكري فعلا هيقبلني كده ومش هيطلب مني اتغير! لا ما اعتقدش انا ممكن ما اعرفوش أوي بس راجل زي اي راجل مش هيستحمل وضعي
هزت رأسها بالايجاب وهي تردد بعدم مبالاة
= خسرانه ايه جربي وانتٍ يعني هيفرق معاكي الطلاق
وضعت الطعام جانبها وهي تخرج سيجار هاتفه بتفكير ماكر
=على رايك، تشربي خدي واحده؟
نظرت عزه حولها بتوتر وحرج لتردف مترددة
=هاه! ما ناجي نشرب جوه في الحمام أحسن بدل ما الكل مركز معانا كده!
اجابتها أمنية بتحدي و هي ترمقها بسخرية والسيجارة مازالت في يدها
= مش هتحرك من مكاني يا عزه خدي انتٍ واشربي جوه! ما تبصي حواليكي كويس في منهم رجاله بتشرب ومحدش بيقول لهم ثلث التلاته كام اشمعنا احنا يعني عشان ستات طز فيهم .
وفي ذلك الاثناء اقترب مصطفي منهما لترحل عزة بتردد عندما لاحظت نظراته الضائقة بانزعاج نحوها، بينما مطت أمينة شفتاها للإمام ببرود وهي تردد باستفزاز
= أهلا تشرب ولا انت كمان هتقولي ادخلي اشربيها في الحمام؟
رفع وجهه ينفخ بصدره عدة مرات بصمت، ابتسمت ابتسامة سخرية قبل ان تهتف بنبره يتخللها التهكم
= يا اخي المجتمع ده غريب أوي! يعني في مجتمعنا السجاير للرجل تفسد الرئه... و السجاير للست تفسد اخلاقها، مش عارفه
يقصدوا مثلا أن الست ما عندهاش رئه أما الرجل ما عندوش اخلاق.
تجاهل ذلك الحديث رغم أنه شعر بأنها محقه بذلك لكن ما باليد حيله فمن هو حتى يغير افكار المجتمع كلها يكفي ان يغير فكرها وفكره على الاقل، تحدث قبل ان يستدير اليها مغمغم بحدة و نفاذ صبر
= أقدر أعرف اللي انتٍ فيه ده اخره ايه؟ في الاول كنتي محطه الأنظار فعلا وهتفضلي لكل واحد شافك في الأول بس بعد كده هيبصلك عادي ولا هتفرقي معاهم.. هيقولوا ايه الجديد ما هي طول عمرها جـ..ـريئه بتصرفاتها فعلا
اطلقت أمينة زفرة حارقة بين شفتيها وهي تهز رأسها بتحدي
= لحد ما تبقى افعالي سلاح بإيدي، استغنى بيها عن الناس و ارائهم
تنهد مصطفي مغمغم بتثاقل
= حتى عني؟ امينه انا طلبت اكون جنبك في الحلال! ليه مش عاوزه تدي لنفسك وتديني الفرصه دي .
سريعا تذكرت مأساة اختها بسبب الزواج وقد ارتجفت شفتيها في قهر دفين وهي تردد وعلي وجهها تعبير مقتطب
= عشان لو بقيت جوزي هتقدر تذلني وتفرض عليا ارادتك حتى لو كنت مش مقتنعه بيها؟ و هتعمل فيا اللي أنت عايزه؟ أنا استحملت كتير عشان كنت محتاجة لتيته زمان و مقدرش أفضل مستحملة عشان محتاجة لجوزي
اقترب من مكانها أكثر ليجلس بجانب أمينة وهو يرد بجدية
=الجواز مش عبوديه يا أمينه، الجواز يعني اتنين بيحبوا بعض و بيثقوا ببعض وعايزين يعيشوا مع بعض! والراجل ما بيتحكمش في مراته عشان يذلها إنما عشان محتاجلها زي ما هي محتاجة له ويمكن أكتر، ليه مسمياها تحكم ما تسميها حب ولا نصيحة لما يشوفها بتعمل حاجه غلط او مشتته بيساعدها وده واجبه... هما الاتنين بيتعاونوا بعض على الحياة هو بيشتغل برة البيت وهي بتشتغل في البيت.. أو زيه عامله!
لوت شفتيها بعدم تصديق قائلة بسخرية مريرة
= مجرد كلام بيتقال قبل بيدخلوا في الجد انما على أرض الواقع غير كده، الست هتكون بالنسبه للراجل بتشتغل في البيت خدامة يطردها وقت ما هو عاوز ويمرمط فيها زي ما يعجبه، وافرض ملهاش مكان ومش مرتاحه معاه تعمل إيه الست تستحمل لأنها مضطرة تعيش معاه عشان كده لازم يبقى ليا رأي.. و الراجل يفهم إني زيي زيه أقدر استغنى عنه زي ما يقدر يستغنى عني ويمكن لما يعرف كده يحترمني ويبقى عليا
رمقها بنظرة متصلبة قبل ان يشير بيده قائلاً بضجر
= ايه دخل الاحترام بكل واحد يقعد يتخانق ويفرض في رايه على الثاني؟ الراجل بيحترم مراته لأنها ست محترمة ويبقي عليها لأنه محتاجلها و سعيد بيها لأنها جزء من حياته.. انتٍ فاهمه الجواز غلط يا أمينه او عشان دي كانت تجارب قدامك زمان ففكره كلها كده..
ظلت تتطلع نحوه بنظرات عاصفة محترقة لتجيب بصوت ساخراً غير مصدقة
= كلهم زي بعض كنت زمان فاكره بابا غير اقول لك على حاجه بقيت دلوقتي واثقه انه لو كان عايش كان هيعمل زي تيته ويرجع اختي غصب عنها وهي مضروبه ومتهينه لجوزها كانت النتيجه هتكون واحده.. لكن انا غير؟
التقط نفساً طويلاً محاولاً السيطرة علي غضبه حتى لا يجيبه بطريقة لا تناسب طريقتها المتعجرفة معه.. لينجح بالنهاية بالسيطرة علي غضبه مجيباً اياها بهدوء
= اللي بتعملي ده اسمه عناد مش فرض رأي ثم انا قلت لك ان انا معاكي بحاجات كتير و مش ضدك يبقى فين المشكله وبنتخانق على ايه عشان تفردي رايك وخلاص! وبعدين كنت فاكرك اقوي من كده وهتخشي بقلب جامد و تجربي زي ما سبق وجربتي الوحله اللي انتٍ فيه دلوقتي! لو كنتي فكرتي ثانيه واحده ما كنتيش بقيتي زي دلوقتي يبقى ليه دلوقتي بتفكري قبل ما تبقي معايا.. ما انتٍ في كل حالاتك واثقه ان ليكي راي وما حدش هيكون قدك.
عقدت حاجيبها للاعلي قليلاً وهي تسأله بصوت ماكر
= تصدق انا اللي مفروض اسالك السؤال ده انت اللي واثق ان انت هتستحمل ارائي و هتفضل متمسك بحبك، عندك نفس لحد امتى يا مصطفى
كتم داخله زفرة الإحباط، واستسلم لإصرارها قائلاً برجاء وأمل
= طول ما انتٍ مدياني الفرصه والامل هفضل مكمل بس انتٍ توافقي وتقولي ايوه.
عضت جانب شفتيها السفلى مبتسمة بسمة خبيثة اوقدت نيرانه
= طب ايوه وموافقه يا مصطفى وريني بقى مين فينا اللي هيفضل متمسك باراءه ومش هيتعب في نصف الطريق و يقول يا ريتني ما كملت
للحظه تجمد كل شىء من حوله غير مستوعب موافقتها أخيرا علي ارتباطهما
وظن أنه يتخيل لربما.
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أشهر، شم مصطفي بالمنزل رائحة طعام يحترق ليركض بسرعه نحو المطبخ وكما توقع قد نست أمينه الطعام في الفرن مجدداً وقد احترق، تنهد بضيق مكتوم وبدأ يغلق البوتاجاز علي الفور ويفتح الشبابيك ليطرد الرائحه، وفي ذلك الأثناء جاءت أمينه من الخلف وهي تلف شعرها بالفوطه فكانت تستحم! تقدمت وهي تتابعه بعينيها حتى هتفت بحسرة
= اوعي تقولي اتحرق الغداء تاني؟ فرحني وقول انك لحقته
ابتعد عن النافذه و اقترب منها يرمقها بنظرة حادة يردد بعتاب
=هو انا اللي نسيت وعملته ولا انتٍ، اتحرق طبعاً يعني هناكل من بره تاني! طب يعني ايه لازمه العشم بتاع كل يوم وهاكلك اكل عمرك ما شفته وهتفضل تحلف بي طول حياتك.
رسمت أمينة بابتسامة صفراء وهي تقول بعناد
= على فكره احنا متجوزين بقيلنا شهر واحد طبيعي يعني اجرب واحرق عادي و المفروض انتٍ تشجعني حتى لو أكل محروق تاكله وانت ساكت..
رفع حاجيبة للاعلي باستنكار بينما ظلت تقف تتحسر على الطعام لتجفل بذراعه التي التفت حول خصرها من الخلف فتجد وجهه مقابلا لها يخاطبها بتحدي وهو يحاول اطعمها الطعام المحروق بداخل فمها
= بجد طب كلي كده المحروق اللي عملتيه وانا هاكل وراكي علي طول
هزت رأسها بملامح يعتليها الضيق والاشمئزاز ثم هتفت معترضة
=لأ لأ لأ ابعد عني انا مش طايقه ريحته اصلا حتى بعد ما اتحرق
حاولت نزع يده باعتراض وعدم تقبل تناول ذلك الطعام بنفور ولكنه زاد بفرض قبضته عليها حين اردف بمشاكشة
=يعني ولا طعم ولا ريحه وكمان محروق! قوليلي كده انا مستحملك ليه
ابتسمت بتكبر وغرور زائف وهي تردد بثقة
=عشان بتحبني وما تقدرش تبعد عني؟ و بعدين انا بعمل انجاز يعتبر انا ما كنتش بدخل مطبخ عند تيته طول حياتي فكفايه أوي ان بحاول هنا.
هز رأسه بيأس قبل أن يحملها بين ذراعيه وتبسم بمكر وهو يردد بمراوغة
= امري لله، شكلي هعمل زي كل مره هحلي قبل ما اتعشى
فهمت على الفور ما يقصد وشهقت رافعة عينيها نحوه بإجفال
=لا يا مصطفى نزلني.. اوعى أبعد.. لأ لأ
ظلت تردد هكذا وتنفض قدمها في الهواء بحركة مباغتة لتهبط، ولكنه اعادها سريعًا لترتطم بصدره فتجد نفسها محاصرة بين ذراعيه و....
❈-❈-❈
في أحد المرات بالعمل تفاجأ مصطفى بامينه تقف مع زميل يعمل هنا أيضاً وتتسامر معه وتضحك بصوت عالٍ دون ان تهتم لامره او تحترمه، اقترب منها مزمجراً بشراسة قابضاً علي ذراعها لبعيد
= انتٍ ايه اللي موقفك مع الزفت ده انا مش قلتلك العيال دي تبعدي عنها خالص؟
لمعت عيناها بالحقد وإبتسمت بخبث متعمدة
= صح قلت بس انا برده رديت عليك وقلت لك مش هيحصل، دول صحابي وانت متجوزني وانت عارف اني ليا علاقه بيهم فما فيش حاجه هتفرق حتى بعد الجواز
قاطعها مصطفى بقسوة بينما يرمقها بنظرات مشتعله بالغضب
= أمينه اتلمي ما ينفعش وقفتك دي مع رجاله غريبه عنك وانتٍ عماله تتكلمي وتضحكي قدامهم وقدام الناس كلها.. هتتفهمي غلط لازم تحافظي على منظرك ومنظري
تنهدت بملل وهي تردد بعدم مبالاة
= وماله منظرك؟ منظرك ده هيكون وحش لو عملت كده من وراك لكن انا عشان مش بعمل حاجه غلط بعمل قدامك
أردف بقسوه و قد بدأ وجه يتشدد بالغضب
من جديد
=لا بتعملي حاجه غلط وبطلي عند! يقربلك ايه عشان تضحكي معاه وتقفي كده، امينه عشان خاطري بطلي عند واسمعي كلامي لو مره واحده.. الغلط بتعملي قدامي ولا من ورايا اسمه غلط بطلي تجملي الكلام في عينيك عشان تعمليه
هتفت بحدة وغيظ و قد بدأ الغضب يشتعل بداخلها أيضا
=لا والله انا مش مضطره ابرر لحد حتى لو انت وكلامي بقى عاجبك ولا مش عاجبك فهو ده انا وانت مختارني وانا كده وعارف فما تجيش بقى تغيرني! وبعدين لما شايفني بعمل حاجه غلط كنت اخترتني ليه من الاول ولا انت كنت حاطط في دماغك انك هتقدر تسيطر عليا
أردف بحدة وهو يرمقها بنظرات مشتعلة بالازدراء
= ليه بتسميها سيطره، حاجه غلط بتعمليها و انا عاوزك تبطليها فين الغلط في كده؟ تعالي كده نسال حد غريب عننا ولا رجال من رجال الدين هيقول لك مين فينا الصح؟ و دول هيكلموكي بشرع ربنا ودينا لو لسه فاكره
احمر وجه أمينة بشده فور سماعها كلماته تلك فتعلم بأنه محق بذلك الامر، فقد ضغط الآخر جيداً علي نقطة ضعفها فزفرت بحنق و هي تغمغم بصوت مرتجف
=يوووه مصطفى بقول لك ايه ولا هسال ولا هعمل انا ورايا شغل ومش فاضيه ليك وانت كمان يلا روح شوف شغلك مش ناقصين حد يدينا كلمتين مش هنتناقش هنا.
❈-❈-❈
في منزل مصطفي عادت الأمور تسير بهدوء وبروتين عادي مثل بداية زواجهما، حتي خرج من افكاره تلك عندما رأى زوجته تهم للخروج هتف باسمها لتقف التفتت اليه بهدوء بعد ان اصبحت عند باب المنزل، ليقول مرددًا بضيق مكتوم
=هو انتٍ لابسه ورايحه فين دلوقتي الساعه ١٢ بالليل ولا شكلك مستنيه حد هيزورك من صحابك
هزت كتفها باستفزاز وهي تردد ببساطة
= لا انا اللي رايحه ليهم بقيلي كتير ما خرجتش وبعدين ولا متاخر ولا حاجه انا متعوده اخرج في الوقت ده وارجع.. نام انت براحتك عشان وراك شغل بدري
هتف الآخر و هو يجز علي اسنانه بقسوة محاولاً السيطرة علي الغضب الذي يشتعل بداخله بكل مره تعاند امامه منذ ان تزوجوا وبسبب تصرفاتها المتهوره
= والهانم اللي جهزت نفسها ولبست من غير ما تستاذن جوزها مش وراها برده شغل بدري؟
مفيش نزول يا امينه بوقت زي ده وخفي موضوع مقابلات صحابك وخروجاتهم الكلام ده قبل ما تتجوزي انما دلوقتي حاجه ثانيه .
إستنكرت هذا فعلقت بعناد وبرود
=وايه هي الحاجه الثانيه ان شاء الله بقى؟ بقول لك ايه هو انت ولا عاجبك اكلمهم ولا عاجبك اخرج معاهم وبعدين ايه ما فيش خروج دي آه انت من اولها بقى عاوز تذبحلي القطه ومفكر هسمع كلامك لا شغل سي سيد ده تعمله على واحده ثانيه مش انا
ترك الحاسوب برقه ونهض ودون مقدمات أمسك ذراعها ودفعها إلى الداخل تحت صدمتها وصر أسنانه بغضب متحدثاً
= هو انا ليه كل تصرف بسيط بعمله من حقي بتترجمي بالطريقه دي ان عاوزه اتحكم فيكي
امينه يا ريت تفوقي انا جوزك مش عدوك وبحبك عشان كده اتجوزتك ولا عاوز بقى اتحكم فيكي ولا اضايقك، انا عشان خايف عليكي بمنعك من مقابلات صحابك دي
زوت جانب فمها بسخرية وصرخت به
= خايف عليا برده لا انا فاهمه عينتك كويس! واللي في دماغك مش هيحصل وقت ما عاوز حاجه هعملها والله بقى انت عارفني علي كده وقبلت تتجوزني وانا كده فما تجيش بقى بعد الجواز تعمل فيها الراجل اللي مراته جايه عليه وما بتسمعش كلمته وانت من الاول مختار واحده عارف انها ما بتسمعش غير كلمتها
هتف بحده بينما يجز علي اسنانه بقسوة وقد بدأ يفقد صبره معها حقا
= طب بلاش تحسبيها كده عايزه تخرجي تمام بس أكون انا معاكي! ويكون في وقت مناسب لكن دلوقتي متأخر ولو بكره اجازه كنت قلتلك تعالي نخرج انا وانتٍ.. لكن انا متاكد ان انتٍ هترجعي على وش الفجر وحالتك حاله من سهرك مع اصحابك وهتروحي الشغل مطبقه فليه التعب ده كله خلينا يوم الاجازه نخرج انا وانتٍ ونشوفلنا مكان كمان يناسبنا .
رفعت حاجبها بتحدى وهي تردد بعناد حاد
= بس انا حابه اخرج لوحدي ودلوقتي!
أدار رأسه نحوها الآخر، وأمرها بسخط
= يبقى مش هتخرجي إلا في حاله واحده لما اركب قرون واسيبك تدوري على حل شعرك وانتٍ على ذمتي وادي الباب اهو وريني بقى هتخرج ازاي .. طالما حتى بالهداوه والحنيه مش نافع معاكي
تفاجأت به يغلق باب المنزل وأخذ المفتاح أيضاً، ظلت نظراتها له غامضة ثم اومأت برأسها وقد تبدل الغضب المرسوم بعينيها الي برود مفاجئ
= كده يعني هتلوي دراعي تمام.. انا داخله فعلا انام بس لو ما ردتكش الحركه دي كتير ما بقاش انا امينه.
ظل مصطفي يتطلع اليها عدة لحظات بقلق من موافقتها السريعه تلك دون ان تتشاجر معه
او تحاربه كعادتها لكنه تجاهل قلقه هذا. فكل
ما يهمه انها ستظل وقد استسلمت لامره ولم تستخدم عنادها الساخط و بالتأكيد سيجد حل لوضعهم هذا قريباً حتى تسير حياتهم دون مشاكل، ثم تنهد براحه كبيرة بانه كسب أول جوله كما يظن معها.....
❈-❈-❈
انتهى مصطفى من عمله لينهض ليمر على أمينه وياخذها معه مثل كل مره، لكنه تفاجئ بان المكتب فارغ ليجد الأستاذة منال بوجه رفع حاجبه متعجبا وسألها
=هي امينه فين مش المفروض تطلع دلوقتي وخلصوا شغل
لوت شفتاها باستخفاف وهي تقول بنبرة حادة
=امينه راحت مع اصحابها كالعاده تسهر و بعدين انت اللي جوزها وبتسالنا كنت فاكراك لما تتجوزها هتعرف تحكمها في بيتها او تبطل التصرفات المجنونه اللي بتعملها لكن عيب قوي لما تكون على ذمتك ولسه مستمره في الهبل ده.. وانت معلش يعني في الكلمه مش قادر عليها.
وهنا فهم الآخر لما لم تثور عندما رفض خروجها بالأمس، تابعت حديثها الأخري بعتاب وضيق
=اول مره شفتك كان باين عليك شخص محترم مش فاهمه بس ايه اللي راماك الرميه دي شكلها مش من توبك ولا من اخلاقكم و هتتعب معاها.. اللي زي أمينة مش عاوزه تتجوز عشان يبقيلها بيت وعيلة تهتم بيهم اللي زي دي عايزه تتجوز عشان تبعد عنها الشبهه وتقرطس الراجل اللي متجوزاه مش بعيد تجرأ البنات اللي زيها وتقول انا اهو متجوزه وبعمل إللي عاوزه براحتي يلا انتوا كمان اعملوا زيي.
بينما الآخر ظل صامت و لم يرد إلا بنظرة بحاجب مرفوع لها وتحدث قائلاً بصرامة جدية
= انا فاهم والله انك عاوزه تنصحيني بس يا ريت ثاني مره تخدي بالك وانتٍ بتتكلمي عن مراتي ولو حصل العكس وهي اتكلمت عليكي وانتٍ مش موجوده بالطريقه دي هتزعلي فمتهيا لي حضرتك اللي عاوزه النصيحه مش هي، وبعدين امينه مش وحشه انتم بس اللي مش فاهمينها ولا تعرفوا عنها حاجه فبلاش تحكموا بالمظاهر.. عن اذنك.
رحل مصطفي بكل غضب بينما الأخري جحزت عيناها في دهشة مغمغمة بعدم تصديق
= ما قدرش يتشطر على الحماره جي يتشطر على البردعه غور انت وهي.. كده انت راجل يعني ابقى قابلني لو عمرت معاها
❈-❈-❈
في البار لاحظت عزه دخول مصطفى فقالت بسرعه بتركيز أثر الخمر الذي ذهب ادراج الرياح، فحالة الارتباك التي تلفها في حضوره وهو غاضب هكذا، لذا بدأت تناديها بالانتباه له
بحذر.
= الحقي جوزك جي؟ قلت لك تعالي نروح مكان تاني احسن طالما مش موافق على خروجك معانا
لم تهتم لقول صديقته و وصلت الرقص، في حين اقترب الآخر بكل غيظ وضيق ودون مقدمات أمسك ذراعها ودفعها إلى الخارج تحت صدمتها وظل يدفعها وهو خلفها حتى كادت ترتطم بالحائط، ثم دفعها بعيداً عن المكان بغضب وصرخ بها بعنف
=تعالي هنا وبطلي رقص، أنا مش قلتلك ملكيش دعوه بالعيال دول؟ وما تشربيش تاني مره وانتٍ لوحدك ولا حتى وانا مش معاكي! إيه محرمتيش من المره اللي فاتت لما اخذتك من وسطيهم ولا حد خد باله منك؟ ايه عاوزه تعيديها تاني ولا ايه بس المره الثانيه مع حد غيري مش كده.. وبعدين تعالي هنا ازاي تخرجي من غير ما تقوليلي ولا تستاذني مني؟
ارتبكت قليلاً من غضبه وبالحديث عن ذلك الأمر فاذا كان شخص أوصلها لكانت ضاعت بالفعل ومع ذلك غمغمت سريعاً بحنق
= اوعى كده ايدي وجعتني، انا ابتديت اتخنق على فكره مش ملاحظ جوازنا كله بقى عباره عن اوامر؟ ما تكلميش ده ما تشربيش و ما تخرجيش هو القرف ده هنخلص منه امتى..
أردف مصطفي بحدة و صدمة في ذات الوقت
= هو انا لما احب اعرف مراتي بتروح فين و بتقابل مين وبتعمل ايه اسمه قرف وإياكي تقولي كلمتك المستفزه عاوز اتحكم فيكي دي ده حقي عليكي وانتٍ عارفه كده كويس .
حاولت أمينة عدم اظهار خوفها من الغضب الذي يلتمع بعينيه متصنعه الجراءة
= اللي عاوزه افهمه حاجه واحده لما انت مش قادر تتجوز واحده بالمواصفات دي متحرره و بتحب تعمل اللي هي عاوزاه في اي وقت ولا بتعمل نفس العمايل اللي بعملها كنت وافقت و قبلت تتقدملي ليه؟ انا حذرتك من قبل الجواز مش انا الشخصيه اللي بتتحكم فيها ولا باخد أوامر حتى لو من جوزي
كادت أن ترحل من امامه وتعود الى اصدقائها لكن قاطعها زوجها بصوت صارم
= انت رايحه تكملي سهر عادي كمان يلا نروح
يا أمنية ولا هنكمل خناق هنا؟ انا ماسك اعصابي بالعافيه كفايه الكلمتين الزفت اللي سمعتهم من المديره هناك لما سالتها عليكي حتى مش قادره تديني خبر هتروحي فين
هتفت وهي ترمقه بنظرات سامة مملتئة بالسخط والغضب
=آه هي الحكايه بقى كده؟ حد سخنك عليا طب يا سي سيد انا مش همشي و هكمل سهر عاوز تمشي انت امشي براحتك
أجابها بعدم تصديق وهو يرمق زوجته بنظرات تملئها الاشمئزاز
=والله كمان عاوزاني اروح واسيبك؟ وسط العالم دول اللي مش دريانين بحالهم و سكرانين وانتٍ كمان.. واستنى لما تحني عليا وتفتكري ان ليكي جوز وتروحي بمصيبه.. هو انتٍ ازاي أصلا قادره تيجي هنا وتتعاملي عادي رغم ان اخر مره روحتك معايا وانتٍ ولا قدرتي تمنعيني ولا هم
اندلعت نيران الغضب بداخلها فور سماعها كلماته تلك و قد طفح كيلها من معاملته لها بتلك الطريقة لتردف هاتفة بشراسة وعينيها تعصف بغضب عارم
= وما عملتليش حاجه واتجوزتني ما تكبرش الموضوع بقى! وبعدين زي ما انت عمال تحاسبني انا كمان المفروض احاسبك، جريت جري من واحده سخنتك عليا ما بتحبنيش في الشركه من اول يوم جيت بسبب تصرفاتي اللي مش عاجباها مع ان ابنها ممكن يكون بيعمل كده واكتر بس عشان انا بنت وهو ولد فشايفه عادي.. وقلتلي قبل ما نتجوز ان انت معايا مش ضدي بس انا شايفه العكس خالص من اول يوم جواز نازل فيا انتقادات وبس
غمغم بجدية وصرامة وهو يمرر عينيه بيأس عليها
= اولا انا محدش سخني انا رديت عليها و قلتلها ما تدخليش نفسك في اللي ما لكيش فيه! مهما حصل محدش لي عندك حاجه ولا يحاسبك غير انا.. وده دليل ان انا ما غيرتش كلامي ومعاكي مش ضدك بس انتٍ برده ساعات بتتصرفي تصرفات ما فيش حد عاقل يعرف يتحكم فيها
لا تعرف لما سعدت بكلماته وأن أوفق تلك الفضوليه عن حدها، أخذ نفس عميق قبل أن يتابع بعقلانية
= امينه ما هو مش معقول هنفضل طول حياتنا كده خناق! ولا بنتقدك طول الوقت زي ما انتٍ بتقولي.. خلينا نحط نظام نتعامل معاه انا وانتٍ عشان ما يحصلش ذي كده تاني مش كده افضل ولا انتٍ مش عاوزاني نكمل مع بعض.
شعرت بالضيق يتغلغل بداخلها فور سماعها عن اكمال حياتهما، لكنها هتفت معترضة بضيق
= والله نكمل ما نكملش دي حاجه في علم الغيب وفي إيدك انت؟ وبعدين نظام ايه اللي نحطه زي مثلا أن ماروحش اسهر مع اصحابي ولا اقابلها يبقى من البدايه كده هرفض.. دول صحابي من زمان واللي وقفوا معايا في محنتي وانا مش هتغير عشان حد
جذبها من ذراعها مجدداً بقوه جعلتها اطبقت علي شفتيها مغلقة اياها بقسوة عندما تحدث مزمجراً بفحيح حاد
=امينه انا جوزك وخايف عليكي افهمي ده كويس، عاوزه تقابليهم يبقى في حدود الشركه
والكلام برده بحدود وخروجاتك دي انا مش ممانع بس أكون معاكي بس طبعا الاماكن دي لازم تبطليها و الشرب كمان.. وما ينفعش ترفضي طالما الحاجه دي بتضرك وانتٍ عارفه كده كويس
وجدت نفسها قد زادت الأمر معه الى حد كبير
وقد احتقن وجهها بشدة بتوجس من ان يتهور بالفعل فاجابته بارتباك
= هو انت هتفضل تذلني بالموضوع ده على فكره ما حدش قال لك تاخدني من وسطهم زيك زي العالم اللي حواليك حتى لو ما عملتليش حاجه.. وكفايه بقى كلام عشان صدعت وانا جي هنا افك عن نفسي يلا نروح احسن.
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع حاول مصطفى صنع هدنه بينهما قليلاً ليكتسبها، لذلك اقترح عليها أن يخرجوا ليقضوا وقت ممتع بالخارج وفي
احد المطاعم! رفع الكاس الذي بيديه وبدأ يتذوق الأيس كريم فاتجه بنظره إليها متسائلاً باهتمام
= ما بتاكليش يعني؟ ايه مش عاجبك المطعم اديني بخرجك اهو عشان ما تقوليش كاتم على نفسك ولا رافض انك تخرجي بس انتٍ اللي مش فاهماني.. انا عاوز اي مكان نكون مع بعض فيه عشان اكون امانك لو حاجه حصلت كده ولا كده
تمتمت به ساخرة، وهي تربع يدها أمام صدرها ببرود
= وهي خروجه المطعم دي بقى هي اللي هتخليني افك عن نفسي؟ انا مش عيله صغيره بتديها مصاصه عشان تلهيها، انا ما ليش في الاجواء دي بصراحه وبحب اروح مكان دوشه مش هاديه
ابتسم واقترب بوجهه ناحيتها وهتف قائلاً بجدية
= ما احنا ممكن برده نخرج ونروح اماكن تانيه نتمشى فيها وفيها زحمه وهتحسي انها مش هاديه، انما ديسكو وشرب لا يا أمينه مش هيحصل ومش موافق
رفعت حاجبها قائله بنبرة بتخللها التحدي
= وانت بمناسبه ايه بقى بتقولي لا؟ ثم مين قال لك ان انا باخد رايك ولا هسمع كلامك.. انا الأسبوع اللي فاتت كان في ضغط شغل عشان كده ما رحتش تاني الاماكن دي مش عشان اللي عملته المره اللي فاتت.. انا ولا بخاف ولا هتهد وهفضل مكمله في اللي بعمله
ترك ما بيده وهو يأخذ نفس عميق يستعد لنقاشاتها وعنادها ثم تحدث بحذر واستفسار
= وهتفضلي تعملي اللي بتعمليه ده ليه اولا انتٍ مش عاجبك الوضع ده وبتضغطي على نفسك عشان تكملي وده واضح أوي! بس بتكملي عشان لسه ثائرة من المجتمع زي ما بتقولي ومفكره كده هتاخدي حق أختك لما تعملي عمايل ضد المجتمع رفضها أو بتحاولي تثبتي لكل واحد انك اهو بتعملي العكس غصب عنه.. وحتي لو غلط ربنا اللي بيحاسب مش احنا
صمتت بصدمة وضغطت علي شفتيها بتوتر مبالغ، بينما الآخر أردف قائلاً بجدية
= ساكته ليه عشان كشفتك قدام نفسك؟ ولا عشان ما افكرتنيش ان انا هفهمك أوي كده.. بس لو أنا مش متاكد ان انتٍ لسه جواكي أمينة بتاع زمان ما كنتش اتجوزتك؟
نفخت مستاءًه بغلظة عندما شعرت بالضعف وقالت متذمرة
=هو انت فعلا اتجوزتني ليه لما انت مش طايق تصرفاتي كلها وعمال تديني في اوامر و عاوز تغيرني؟ وانا برده مصممه وبقول لك دايما ان هفضل كده.. وانت تفضل تعند معايا وفي الاخر بعمل اللي انا عاوزاه و زي اي راجل يتتخانق وترفض.. بس مكمل وما طلقتنيش يبقي ليه؟
سألته ببرائتها وفضولها فجاء ليرد بابتسامة لا تحمل شيئًا من مرح
= ما أنا سبق وقلت لك بحبك؟ يمكن عشان ما جربتيش الحب مش فاهمه يعني ايه حد يفضل متعلق بواحده مش قادره يتخيل نفسه مع غيرها ولا يسيبها لغيره.. بس انتٍ حتى لو ما حبيتيش اكيد جربتي التعلق مع حد قريبه منك زي اختك كده مثلاً؟ ما فكرتيش ولا مره كانت بتبقى تعبانه من جوزها تكبري دماغك وتقولي هي اللي اخترت وهي اللي مش عاوزه تطلق وتضرب دماغها في الحيط وانا مالي؟ أهو انا بقى كده نفس وضعك مع اختك ولا قادر ابعد ولا اسيبك تتفلقي وتدفعي ثمن اخطائك
لتكتم داخلها زفرة الإحباط ثم أجابته بعد أن أخرجت تنهيدة طويلة
=الحب مش دايما كل حاجه واللي انت بتحكي مش هيفيد في النهايه.. انا لو قلت لك انا اتجوزتك ليه هتكرهني اكتر ما انت بتكرهني في كل مره بعند معاك وبصغرك قدام الناس ونفسك كراجل.
نفى وانحنى يهمس بصوت عاشق
=انا ما كرهتكيش اولاني عشان اكرهك تاني! ممكن بتضايق بزعل بس بعذرك عشان فاهم الحاله اللي انتٍ فيها؟ وفاهم برده انتٍ اتجوزتني ليه وليه وافقتي بالسرعه دي ما انا ابقى عبيط لو اتغاضيت عن الامر ده كمان
ما هذه الإجابة الذي اجفتلها والغير متوقعة؟ حتى ارتفعت عينيها لتصطدم بهذه النظرة الغريبة وكأنها تحمل احتياجًا، تحمل دفئًا، واشياء كثيره.. اومأت رأسها بمهادنة ثم حاولت الفكاك من حصاره ولكنه ابى، ليحبط محاولتها من البداية بالاضافه حين تابع بجدية وصراحة شديدة
=ما ناجي نكشف نفسنا قدام بعض أحسن يا أمنية! انتٍ اتجوزتيني عشان تكملي انتقام من المجتمع وقلتي أهو قدامي واحد جاهز احاول منه اثبت للناس ولي كمان أن حتى وانا متجوزه اقدر اعمل كل المجتمع بيرفضوا و الناس! وانا اتجوزتك عشان ما بقتش قادر تبعدي عني فقلت احاول اخليكي تتغيري و تنسي حكايه الانتقام ونعيش مع بعض في هدوء.. عشان كده عارف ان هعاني معاكي ومكمل و مستحمل، استغلال يعني الطرفين
سرعان ما تجمدت في مكانها وثغرت فاها بعدم تصديق و بذهول، فلقد اسرها بقوله ليتابع معانقًا ابصارها وقد التمس بها عاطفة الحنان التي تغلبها مهما كان غضبها
= بس عندي أمل بين كل ده يا امينه أنك هترجعي امينه اللي عرفتها اول يوم وحبتها رغم عندها وقوه شخصيتك بس كنت حبيبها لانها كانت في الصح.. بس للاسف دلوقتي سيطرت عليها افكار ثانيه وخليتها تستخدم قوتها دي في الغلط.
التفتت إليه سريعا تنظر إليه بعيون مرتعشة، وارتجافة بقلبها لاتعلم ما هذا الشعور الذي سيطر عليها، حاولت سحب بصرها من محاصرته لعيناها ولكن لم تقو وكأنه مغناطيس يجذبها دون ارداتها للاقتراب منه والبعد بنفس الوقت عندما تعود وتتذكر بأنها
أصبحت ثائرة من المجتمع ولا يجب عليها أتباع مشاعرها أيا كانت والتي بدأت بالنضج فجاه دون مقدمات نحوه.
❈-❈-❈
لم تعد أمينة تذهب إلى العمل أو تخرج مع أصدقائها كما كانت تفعل سابقًا. ورغم حالتها الغريبة، لم يتحدث معها مصطفى، على الرغم من أنه يرغب في ذلك، لكنه يشعر بالقلق من هذا الهدوء خشية أن يكون هدوءًا يسبق العاصفة. كانت أمينة طوال الوقت شاردة وصامتة وترد عليه بإجابات مختصرة بالإضافة إلى ذلك، لم تكن ترد على اتصالات أصدقائها لم يفهم مصطفى إذا كان حديثه الأخير قد جعلها تعيد حساباتها، أم أن هناك شيئًا آخر.
في المنزل، كانت أمينة تجلس وحدها ممسكة باختبار الحمل الإيجابي، غير مصدقة ما حدث رغم كل احتياطاتها، فوجئت بحملها في الأيام الأخيرة ولم تخبر زوجها حتى الآن! لقد دخلت هذه الزيجة بدافع الانتقام، فهل من المعقول أن تنجب طفلًا لا ذنب له بأفكارها المشوشة وانتقامها الغريب من أشخاص لم يفعلوا لها شيئًا؟ لذلك هي محاصرة هنا ولا تجد أي حل يناسبها.
أضاء هاتفها برسالة من صديقتها للمرة العشرين، مما اضطرها للرد عليها عبر الواتساب دون التحدث عبر الهاتف، لأنها لا تشعر بأنها بصحة جيدة للتحدث مع أحد، رغم أنها تحتاج إلى شخص يفهمها ورغم أنها تشعر أحيانًا أن مصطفى يفهمها، إلا أنها في هذه المرة تحديدًا لا تستطيع فتح هذا الحديث معه، فماذا ستخبره بأنها حامل وتفكر في ابقاء الطفل أو إجهاضه؟
أجابت عزه علي الفور ترسل إليها عبر الكتابه
= أخيراً رديتي يا امينه خير بقالك كتير يعني
ولا بتخرجي ولا بتردي على تليفوناتنا، وخدتي كمان اجازه من البنك هي في حاجه حصلت ولا تكونيش اتحولتي لزوجه مطيعه و هتسمعي كلام جوزك فعلا وهتقطعينا .
تنهدت بقوه قبل ان تكتب اليها أيضا
= لا مش كده انا تعبانه شويه و عاوزه اقعد لوحدي وبفكر في حاجات كتير مش عارفه الاقي حل.. دماغي مشوشه
عقدت حاجيبها باستغراب وهي تستفسر منها
=هو في ايه بالظبط ما تفهميني! وبعدين انتٍ بتكلميني ليه رسائل ما تردي على تليفوناتي.. يا بنتي ما تفهميني ايه الموضوع عشان اعرف اخذ وادي معاكي وافهم الدنيا عندك
أغمضت عينيها بتعب شديد ثم عادت فتحها وهي ترد عليها بالكتابه باختناق
=عزه انا مش قادره حتى اتكلم! مش عارفه بقى اجيبها لك ازاي بس انا اكتشفت اني حامل معاني كنا متفقين انا وهو ان احنا هناجل الموضوع ده وخدت احتياطاتي بس اهو حصل..
شهقت بصدمة كبيرة لترد صديقتها بسرعه
= نعم حامل يخرب بيت عقلك انا قلت الجوازه هتاخدلها كام يوم وهتطلقي انتٍ كده بتربطي نفسك بيه هو جوزك عرف ولا لسه؟
أجابت الأخري ببطء بحزن بذات الوقت
=محدش عرف وانا مش عارفه اعمل ايه ومن ساعتها قافله على نفسي وحتى بعيد عنه.. بس انتٍ معاكي حق انا كده فعلا بربط نفسي بيه اكتر غير اني خايفه اجيب بنت انا المجتمع ده كله على بعضه كارهاه اقوم اجيب حد تاني يتحكموا فيه.
اخذت وقت لترد الاخرى عليها ثم تفاجئت بصديقتها ترسل اليها باقتراح جاد
= طالما الموضوع كده يبقى ما فيش غير حل واحد نزليه قبل ما بطنك تكبر وما تعرفيش تتصرفي.. وقبل كمان ما يعرف خلي بالك لو عارف حاجه زي كده اكيد طبعا هقول لك احتفظي بيه وهيتمسك اكتر بتحكماته فيكي
اتسعت عينا أمينة بذهول وقلق قبل ان ترد بحيره
= مش عارفه.. قلقانه من اي قرار اخده في الوقت الحالي عشان كده عاوزه افكر اكتر .
أصرت عزه على قولها بجدية وهي ترسل اليها
= يا بنتي الموضوع ده مش محتاج تفكير وكل ما يعدي عليكي وقت هيكون ضدك نزليه و انتٍ لسه في البدايه بعد كده الدكاتره هيرفضوا هم نفسهم ينزلوا.. بقول لك ايه تعالي البيت واحنا هنتكلم براحتنا الكلام ما ينفعش على التليفون، وانا اعرف اكتر من حد ممكن يخلصلنا الموضوع ده بسرعه طالما هتدفعي كويس.. بس اهم حاجه توافقي.
🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹
ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
تعليقات
إرسال تعليق