رواية غرام في المترو الفصل السابع والثامن بقلم ولاء رفعت علي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
ترجل من سيارة أجرة ويجذب يدها عنوة فصرخت به و تسحب يدها من قبضته
"أوعي إيدك، أنا قولتلك مليش دعوة بمين بيقلد حاجتكم، أدخل لمدام رشا و أسالها"
أشارت إليه نحو متجر رشا، حدق يوسف إليها بوعيد
"كله هيبان دلوقت، اتفضلي قدامي"
ذهبت وهو يتبعها حتي ولج كليهما إلي الداخل، ترددت غرام قليلاً قبل أن تنادي صاحبة المتجر التي تقوم بضبط وضع البضاعة علي الرفوف
"مدام رشا"
استدارت الأخري إليها و ما أن رأتها صاحت بعدائية
"غرام!، أنتي إيه اللي جابك هنا؟، مش حبستي أخويا جاية عايزة تلبسيني مصيبة أنا كمان؟!"
تصدر يوسف هنا ليجنب غرام الحديث مع تلك المرأة
"أنا اللي جاي لحضرتك"
نظرت الأخرى إليه و سألته بنبرة هازئة
"و أنت مين أنت كمان؟"
"أنا يوسف الشريف، المدير التسويقي لشركة وبراند Y&N"
لم تكن تتمتع بفطنة أو سرعة بديهة
"نعم برضو حضرتك عايز إيه؟"
"عايز أعرف فين المصنع اللي بيتوردلك منه البضاعة المضروبة وتقليد للبراند بتاع مصانعنا"
صاحت بنفاذ صبر بعد أن شعرت بالاتهام
"و أنا مالي ببضاعتكم اللي بتتقلد، أنا واحدة صاحبة محل و بشتري البضاعة من تجار الجملة أو الموردين ليهم"
زفر يوسف بنفاذ صبر من تلك الحمقاء
"ما أنا عارف يا... "
تابعت هي
"مدام رشا"
"بصي يا مدام رشا، الموضوع و ما فيه إحنا بقالنا فترة بنتحارب من كذا إتجاه من ضمن الحرب واحد صاحب مصنع من بتوع بير السلم، بيقلد تصاميم البراند بتاعنا و من بجاحته منزلها بتيكت إسم المجموعة عشان الناس تصدق إن الهدوم فعلاً من عندنا، الناس البسيطة هتصدق خدعة النصاب، لكن الناس اللي متعودة تشتري من فروعنا عارفين الفرق ما بين الأصلي و التقليد"
تنهدت الأخرى وهي تنظر نحو غرام تارة ثم تعود بالنظر إلي يوسف لتخبره
"أنا هكتبلك عنوان المصنع واتصرف أنت معاه"
قامت بتدوين العنوان إليه ثم نزعت الورقة تعطيها إليه
"أتفضل"
أخذها وأمعن النظر في العنوان المدون
"شكراً، و آسف علي الإزعاج"
غادر المتجر وأجري اتصالا هاتفياً
"ألو يا نور؟... بقولك أبقي هات الرجالة عشان لو حصل أي أمر طارئ... أنا هابعتلك العنوان في رسالة... يلا سلام"
أنهي المكالمة و ألتفت إلي غرام فقالت له
"صدقتني بقي؟"
شعر بالحرج من معاملته القاسية معها و اتهامه إليها دون دليل، وجد عليه الاعتذار، ظهرت علي وجهه ابتسامة
"أنا آسف علي سوء التفاهم اللي حصل مني، لكن... "
صاحت الأخرى بغضب
"سوء تفاهم إيه بالظبط؟!، ما أنا قولتلك أنا مليش دعوة من الأول، لأن إحنا كبايعين سواء محلات أو مندوبين يا دوب آخرنا بنستلم البضاعة و بنبيعها ملناش دعوة بقي مضروبة و لا أصلية"
اقترب منها للغاية وبنظرة يعلم مدي تأثيرها علي جنس حواء قال لها
"و أنا أعتذرتلك، عايزاني أعملك إيه تاني يعني؟"
رفعت احدى حاجبيها بتعجب وظلت تنظر إليه ثم أجابت
"و لا حاجة، أظن كدة خلاص مهمتي انتهت عن إذنك"
"غرام؟"
أوقفها نداءه قبل أن تذهب، لكن أصابتها الدهشة عندما ذكر اسمها التي لم تخبره به بعد، ألتفت إليه و لاحظ دهشتها، علل مخبراً إياها
"مش اسمك غرام برضو زي ما الست اللي جوة نادت عليكي؟"
زفرت بضيق فأجابت
"نعم؟"
أخرج شىء من محفظته الجلدية ومد يده بها إليها
"ده الكارت بتاعي عليه كل أرقامي، لو احتاجتي أي حاجة كلميني"
لم تأخذ البطاقة وأخبرته برفض
"و أنا مش بشحت، أنا بشتغل بياعة علي باب الله وبكسب الفلوس بتعب وشقى"
ابتسم وعقب علي ردها الذي زاده إعجاباً من موقفها الذي ينم عن فتاة ذات عزة وكرامة
"و أنا مش بديكي أرقامي عشان تشحتي مني، أنا أخدت بالي إنك سيبتي الشغل مع اللي اسمها رشا و واضح من رد فعلها أو ما دخلنا عليها إن ما بينكم مشكلة"
"لماح، أيوة سيبت الشغل معاها، لأن ما بحبش الظلم و الإفتراء"
تحفظت بالسبب الرئيسي داخلها وهو ما اقترفه رجب بها من محاولة فاشلة انتهت بزجه داخل السجن.
"و إحنا عمرنا ما ظلمنا حد، و اللي بيشتغل عندنا بنعمله كأنه واحد مننا"
بارقة أمل لمعت أمام عينيها، نظرت في البطاقة ثم أخبرته بشبه ابتسامة
"متشكره يا يوسف بيه"
ذهبت من أمامه فصاح
"هستني تكلميني"
توقفت المركبة ذات الثلاث إطارات أمامها، و قبل أن تصعد داخلها هزت رأسها إليه مبتسمة
※ ※ ※
يصدح رنين الجوال أعلي الكمود، تقلبت بجوار زوجها ثم فتحت عينيها والنوم مازال مسيطراً عليها، لكن عندما رأت هوية المتصل انتفضت ونهضت علي الفور، ضغطت علي الزر الجانبي لكتم صوت الرنين، ألقت نظرة علي رأفت الذي يغط في سبات عميق، تنفست الصعداء و نهضت دون إصدار صوت أو حركة، ذهبت إلي غرفة أخرى وأجابت بصوت خافت
"ألو يا نور بيه"
جاء صوته إليها بلهفة عبر السماعة
"وحشاني أوي، و بعدين إيه نور بيه دي، عمرك شوفتي تقول لجوزها يا بيه؟"
"جوزها!، أنا لسه موافقتش علي فكرة"
"اعتبر ده رفض؟"
"لاء، بس أنا لسه بفكر"
"أنا ممكن أديكي مهلة لمدة يومين، و علي أخر اليوم التاني هستناكي في العنوان اللي هابعتهولك في رسالة، دي هتبقي هديتك الأولي لو وافقتي"
"تمام"
"أنا عارف بتصل في وقت متأخر، بس بصراحة مقدرتش استني لحد بكرة، أصل صوتك واحشني زي ما كل حاجة فيكي وحشاني"
ابتسمت وتلاشت بسمتها حينما سمعت صوت سعال زوجها، أخبرت نجله مسرعة بصوت خافت
"معلش مضطرة هقفل معاك دلوقت، ماما بتنادي عليا، يلا باي"
أنهت المكالمة علي الفور و ذهبت لتطمئن أن رأفت مازال نائماً فوجدته كما تركته منذ قليل، تنفست الصعداء فعادت جواره تتمدد، تنظر نحو زوجها وعلي وجهها ابتسامة شيطانية نتجت عن ما عزمت عليه دون رادع، فالطمع قد أعمي البصيرة لديها وجعلها تنسج شباك من خيوط واهية ستكون فخاً لها لا محالة.
و لدي نور الذي يرسل العنوان إليها عبر برنامج الدردشة الشهير، يشعر بالسعادة فقد اقترب علي تحقيق ما يريده هو، اختياره الحر دون تدخل من والده الذي يفرض عليه كل شيء ويجب عليه السمع والطاعة.
"يا تري مين اللي كنت بتكلمها وخلتك مبسوط أوي كدة"
ألتفت والفزع علي ملامحه، رأي زوجته تقف عاقدة ساعديها أمام صدرها، تنتظر إجابة كاذبة بالطبع
"أنتي هنا من أمتي؟، و بعدين مين اللي سمحلك تتصنتي عليا؟!"
جلست علي مقعد طاولة الزينة، تمسك بالفرشاة تمشط خصلات شعرها المسترسل، تحدق إليه عبر المرآة بنظرة مبهمة يشوبها ابتسامة ساخرة
"ما تقلقش، أنا عارفة من وقت كبير إن فيه واحدة تانية في حياتك، و واضح إنك أنت اللي بتجري وراها"
تركت الفرشاة وأخذت علبة الكريم تأخذ منه القليل وتضعه علي يديها و عنقها، تتابع حديثها
"طبعاً مستغرب إزاي معملتش زي أي واحدة تكتشف خيانة جوزها، تتخانق و تزعق أو تغضب، لكن دول الستات الخايبة اللي ما بتعرفش تاخد حقها بذكاء"
نهض و وقف خلفها ينظر إلي صورتها في المرآة، يسألها بوجه متجهم الملامح
"قصدك إيه؟"
قامت واستدارت لتصبح أمامه وجهاً إلي وجه، علقت ذراعيها حول عنقه، تبتسم بدهاء وتجيب بتحذير يقرب إلي التهديد
"خد بالك يا بيبي، لأن مش هنبهك تاني"
ابتعدت عنه واتجهت نحو غرفة الثياب المتفرعة، تناولت علبة مخملية من إحدى الرفوف ثم عادت إليه وتفتح العلبة، تأخذ منها سواراً مرصعاً بقطع الألماس الباهظة، ترتديها حول معصم يدها وسط صدمته وفكه الذي تدلي، هذا السوار اشتراه من متجر المجوهرات منذ يومين ليهديه إلي سوزي!
رفعت ساعدها أمام عينيه تستعرض السوار بمكر وكيد كاد يقتله من الحنق
"اه صح يا نور، نسيت أقولك mercie يا حبيبي علي هدية عيد جوازنا اللي هنحتفل بيه بعد شهرين، بصراحة زوقك يجنن"
كان يشد كلا من قبضتيه بقوة، ويجز علي أسنانه وعروق عنقه نافرة من دماءه التي تفور من الغيظ، اقتربت منه قبل أن تستلقي فوق الفراش، تهمس إليه
"تصبح علي خير يا نور"
قامت بتقبيل خده وبداخلها تنتشي من لحظة الانتصار وهي تراه مكتوف الأيدي وفي خوف من علم والديه عن أمره الذي يخفيه.
※ ※ ※
ذهب يوسف إلي النادي الخاص بالطبقة الأرستقراطية نظراً للمبلغ الباهظ الذي يدفعه أعضاءه كاشتراك سنوياً.
قد قامت والدته بالاتصال عليه وأخبرته تريد رؤيته لأمر لا يتحمل التأجيل، فذهب ليري ماذا تريد..
تجلس برفقة كاميليا وصديقتها السيدة راندا وابنتها المدللة ماهي التي سألت منيرة
"هو يوسف ليه أتأخر يا طنط؟"
"ما تقلقيش يا حبيبتي، زمانه جاي لسه قافل معايا و قال إنه وصل علي البوابة"
نظرت في شاشة الهاتف للتأكد من ضبط هندامها قبل مجئ يوسف
"أهو يوسف جه"
قالتها كاميليا، رفعت يدها إليه
"تعالي يا يوسف، إحنا مستنينك"
اقترب منهم وانتابه الضيق من والدته التي دبرت موعداً مع ماهي، هذه المدللة التي لا تكف عن اللحاق به.
وجد والدته تنظر له أن يتبادل التحية والمصافحة مع صديقتها وابنتها
"تعالي يا يوسف سلم علي طنط راندا و ماهي"
أكتفي بفعل ذلك دون تصافح بالأيدي
"أهلاً يا طنط يا راندا"
ابتسمت إليه الأخرى
"أهلاً يا حبيبي"
"هاي چو"
قالتها ماهي ونهضت فاقتربت منه تمسك بيده دون خجل أمام والدتها والأخريات
"تعالي لما أحكيلك عن رحلة الساحل اللي فاتتك، عن إذنك يا مامي"
سار يوسف معها علي مضض حتي وصل كليهما إلي المسبح
"إيه يا چو مابقتش ترد عليا فون أو تسأل عني، أنت زعلان مني؟"
أطلق زفرة ثم أجاب
"مشغول شوية"
"مشغول إزاي و انت بتروح النايت مع رامي، و لا فاكرني معرفش حاجة عنك"
رفع احدى حاجبيه يسألها ساخراً
"ده أنتي بترقبيني بقي؟!"
"لاء، بس أخبارك بتيجي لحد عندي من غير ما أدور وراك"
"ماشي يا ماهي، ياريت تشيليني من دماغك و من الأخبار اللي بتيجي لحد عندك، لأن أنا زي ما قولتلك قبل كدة، أنا بعتبرك زي أختي"
شهقت وكانت علي وشك البكاء
"و أنا رديت عليك وقولتلك أنت بالنسبة لي إيه، أنا بحبك أوي يا يوسف، و أنا اكتر واحدة مناسبة ليك، بنحب الخروج و السهر، دماغنا زي بعض"
زفر بضيق وقال
"بس أنا مش تافه و دماغي فاضية"
شهقت مرة أخرى بصدمة
"أنا تافهة يا يوسف؟!"
"يوه، بقولك إيه هاتعيطي هاسيبك وأمشي"
حدقت إليه بوعيد وأخبرته
"و علي إيه، أنا اللي هاسيبك وأمشي"
و إذ فجأة قامت بدفعه في المسبح ليقع في الماء بثيابه وسط ضحكات من رأى ما حدث.
※ ※ ※
سمعت صوت مفتاحه وهو يضعه في فتحة القفل، ركضت سريعاً إلي داخل غرفة ابنها وتظاهرت بالنوم تجنباً لرؤيته أو التحدث معه.
"بت يا أحلام؟، واد يا ميدو؟"
ندائه بصوته المنكر هذا جعلها تضع كفها علي أذنها، ولج إلي غرفتهما لم يجدها فذهب إلي غرفة ابنه فوجدها تغفو في سبات عميق، ابتسم و عاد إلي الغرفة الأولي ليتحدث في هاتفه دون أن تسمعه زوجته، بينما هي عندما سمعت صوت إغلاق باب الغرفة تيقنت أنه يخبئ شيئاً أو يحيك مصيبة كعادته.
نهضت ووضعت أذنها علي الباب تسمعه يضحك و يتحدث عبر الهاتف
"و أنتي كمان وحشتيني يا بت"
....
"ما أنا بكلمك عشان أقولك هعدي عليكي بكرة و هجيبلك المزاج اللي بتحبيه و معاهم إزازة فودكا تحلو بيها قعدتنا"
.....
"عايزه طبعاً أحمر دم غزال، و يا سلام لو قصير و ضهره مكشوف، هيبقي عليكي إيه.. "
اندفع الباب ورأي أخر وجهه لا يريد رؤيته
"اه يا سافل يا خاين، مش كفاية مستحملاك و مستحملة قرفك، كمان بتتفق مع الـ.... اللي بتخوني معاها عشان تروحلها"
"سلام أنتي يا وزة هكلمك بعدين"
أنهي المكالمة وألقي هاتفه علي المقعد، و بدون خجل بل و جرأة سافرة يخبر زوجته
"آه بخونك، و هخونك، عندك مانع؟"
"و كمان ليك عين و بتقولها في وشي؟!، يالهوي"
أخذت تصرخ، اقترب منها ووضع كفه علي فمها
"اخرصي لأخنقك، مش أنتي اللي عملالي زعلانة و مانعاني أقربلك؟!"
أزاحت يده بصعوبة لتخبره
"أيوة ومش هاتقرب مني تاني غير لما تعترف بغلطك و تبطل القرف اللي أنت عايش فيه، لأن خلاص فاض بيا منك و معدتش هاستحمل تاني ذلك وإهانتك ليا"
أخذ يضحك و يقهقه ساخراً منها
"الله يرحم الحب اللي كان مولع في الدرة، تحبي أفكرك؟ "
"كان يوم أسود يوم ما أتجوزتك يا شيخ"
اقترب منها ليعيد عليها آثام من الماضي
"هو أنا ضربتك علي إيدك وقولتلك وافقي، و لا أنتي اللي جيتي أتحايلتي عليا و كنتي هتبوسي رجلي عشان أكمل معاكي؟"
غمز بعينه فاتسعت خاصتها بصدمة تتذكر ما حدث منذ ثلاث سنوات
"إيه اللي حصل بيني و بينك كان بسببك و كان مكتوب كتابنا، أنت بقي اللي كان نيتك تخلع مني بعد ما فضلت زي الشيطان تحوم حواليا لحد ما سلمتك نفسي، كنت فاكراك بتحبني زي ما بحبك، كنت بكدب أهلي و كل اللي كان بيقولي أبعد عنك لأنك واحد مالهوش أمان و لا بيخاف ربنا، بس أنا اللي أستاهل عشان بيعتهم و أشتريتك، و للأسف أشتريت الرخيص بالغالي"
جذب شعرها في قبضته وصاح بغضب جم
"أنا برضو الرخيص يا و....، شوفي شكلك بقي عامل إزاي"
دفعها أمام مرآة الزينة وتابع
"بقيتي شبه الست اللي عندها سبعين سنة، أنا بقرب منك عشان مزاجي و خلاص، لكن انا مش شايفك أصلاً"
ردت بقلب جريح
"شكلي اللي مش عاجبك بسببك أنت، لو أنت راجل و لو لمرة واحدة مكنش بقي ده حالي"
جذب شعرها بقوة فصرخت
"راجل غصب عنك يا بنت الـ... "
استدارت بصعوبة صارخة به وتهوي بكفها علي خده
"أنت اللي.... و ابن ستين....، أبويا الله يرحمه أنضف منك و من اللي زيك"
كان الشر يتطاير من عينيه
"بتشتميني و بتمدي إيدك عليا؟!، ده أنتي ليلة أهلك سودة و مش هاسيبك غير لما ما أموتك"
ركضت من أمامه وهو يلحق بها، صفقت باب غرفة ابنها في وجهه، فقام بدفعه بجسده حتي استطاع كسره
"و حياة أمك ما هاسيبك يا أحلام"
تمكن من الإمساك بها في ظل صرخات استغاثة أطلقتها لعل أحد يأتي و ينقذها من يد هذا المجرم!
يتبع...
ــــــــــــــــــــــــــ
*الفصل الثامن*
غرام في المترو
بقلم ولاء رفعت علي
تتمدد أحلام علي سرير المشفى في عنبر ملئ بالمرضي المصابين من قسم الطوارئ داخل مشفى حكومي، تفتح عينيها فوجدت عائلتها تحيط بها من كلا الجانبين.
"حمدالله علي السلامة يا ضنايا، حاسة بإيه دلوقتي؟"
كان سؤال والدتها والخوف ينضح من عينيها، تري ابنتها طريحة الفراش من أثر اعتداء زوجها العنيف عليها، نتج عنه كدمات في الوجه و شرخ في الساعد الأيمن، حول رقبتها طوق طبي لتقويم فقرات عنقها.
"أنا فين؟"
أخذت تنظر إليهم بتيه، تجد نظرات الشفقة من شقيقتيها غرام وابتسام والحزن علي ملامح وجه والدتها
اقتربت منها ابتسام التي تحمل ابن شقيقتها، تمسك بيدها تخبرها
"أنتي في المستشفي، جبناكي علي هنا بعد ما جيرانك كلمونا وقالولنا إنهم سمعوا جوزك بيتخانق معاكي و بيضربك وفجأة لقوه خارج من البيت وشايلك بيجري بيكي"
تذكرت ما حدث لها و كم الإهانة التي تلقتها من معايرة ونعت بالألفاظ النابية من زوجها، انتهي كل ذلك بمشاجرة ليست في صالحها ولم تتحمل توابعها من ضرب مبرح وفقدان الوعي.
"هو فين؟"
أجابت والدتها وكانت تكبت غضبها من ضعف شخصية ابنتها الذي جعل زوجها يفعل بها كما يحلو له
"هايكون راح فين، اللهي داهية تاخده مطرح ما يكون، بتسألي عليه بعد اللي عمله فيكي؟!، ده مخلاش فيكي حتة سليمة"
عقبت غرام بسخرية
"وفري كلامك يا ماما، عشان مفيش عقل بيفهم و لا كرامة هتنقح عليها"
اكتفت أحلام بالنظر إلي شقيقتها بعتاب و تكبت دموعها، جاء الطبيب المسئول عن علاجها
"عاملة إيه يا مدام أحلام؟"
هزت رأسها وبضعف أجابت
"الحمدلله"
"هو إيه اللي حاصلها يا دكتور؟"
سألته عزيزة فأجاب الأخر
"ما حبيش عليكم جوزها أول ما جابها الطوارئ كان مغمي عليها و وشها كان مايل للأزرق، كأنها في بداية حالة إختناق و زي ما أنتم شايفين كدمات علي وشها وشرخ في دراعها"
شهقت والدتها
"يا ضنايا يا بنتي، منك لله يا سمير الكلب، كنت عايز تقتلها"
نظر الطبيب إلي أحلام وأخبرها
"جوز حضرتك هو اللي جابك و أول ما خدناكي عشان نعملك الإسعافات فجأة لاقيناه أختفي"
و إذا بصوت جاء صاحبه للتو من الخارج
"أحلام حبيبتي، عاملة إيه يا روحي؟"
نظر إليه الجميع بازدراء وكذلك زوجته، أخبرهم الطبيب
"كويس أنك جيت عشان الظابط مستني برة يحقق معاك"
اتسعت عينان سمير وشعر ببرودة في أطرافه، رأي نظرة شماتة في عينين غرام التي ألتزمت الصمت لأنها تعلم جيداً رد فعل شقيقتها نحو ما فعله زوجها.
ألتفت إلي الطبيب وقال برجاء
"ممكن أقعد مع مراتي دقيقتين؟"
رفع الآخر زاوية فمه جانباً فأشار له علي مضض
"أتفضل، بس ياريت بسرعة عشان الظابط مستعجل"
و ما أن ذهب الطبيب، جلس سمير جوار أحلام، يمسك بيدها يقبل ظهر كفها باعتذار و توسل يثير الاشمئزاز
"أنا آسف يا أحلام، حقك عليا والله أنا مش عارف إزاي ده حصل، أصل مكنتش في وعيي وإحنا بنتخانق، والله أنا ما هقرب منك كدة تاني، حقك عليا و أدي راسك كمان"
قام بتقبيل جبهتها، علقت غرام
"بذمتك مش مكسوف من نفسك، بتتأسفلها علي إيه و لا إيه، أنا كان ممكن كنت خليتك رقدت مكان أختي، بس أنا هاخدلها حقها بالقانون، لما تترمي في الحبس ويا الشمامين و البلطجية اللي زيك"
نظر إلي زوجته ثم قال بصدق غير معهود
"و أنا راضي طالما ده هيرضي أحلام وهيخليها تسامحني"
نظرت إليه وكان داخل عينيها آلاف الكلمات قد أدركها جيداً، عتاب ولوم والكيل قد فاض ما به من هموم وأحزان عاشتها بين يديه، حتي حانت تلك اللحظة أخيراً واختارت الصواب، افترقت شفتيها وتفوه لسانها بالطلب الذي وجب أن يحدث منذ البداية
"طلقني"
تلتقط أنفاسها من الآلام، آلام قلبها و آلام جسدها، صعق الآخر لمطلبها فتابعت
"طلقني لو عايزني أسامحك، و هقول للظابط مش إنك اللي عملت فيا كدة"
"انتي بتقولي إيه؟!، ده يطلقك و رجله فوق رقبته و ياخد جزاءه كمان"
صاحت بها غرام، فنظرت أحلام إليها بقلة حيلة، عقبت والدتها
"طلقها يابني و سيبها في حالها، المرة دي ربنا ستر وراقدة علي السرير، يا عالم المرة الجاية تجيبهالي بعد الشر عليها جثة"
وجد أن لديهم حق وكفي إلي هنا، كم عانت من بطشه و ظلمه لها، لم يبالي إلي حبها إليه يوماً ويمن عليها بإتمام زواجه منها والذنب الذي حدث بينهما هو الذي تسبب فيه عندما كان يحوم كالذئب حول فريسته، استغل ضعفها وطيبة فؤادها من قبل الزواج وبعد الزواج تحول الإستغلال إلي اضطهاد وقهر.
نهض وفي تردد أنتهي بالاستسلام إلي رغبتها
"أنتي طالق"
صاحت كل من غرام وابتسام بسعادة وقاما بمعانقة شقيقتهما
"مبروك يا أحلام، كان زي الهم وإنزاح أخيراً"
كان قول غرام فقابلته أحلام بالصمت وتركت دموعها تقوم بالرد.
و بعد إجراء الضابط التحقيق، أنكرت أحلام أن الفاعل زوجها، و ماحدث لها كان أثر سقوطها علي الدرج، يكفي إنها نالت حريتها من هذا الطاغية سمير.
※ ※ ※
في اليوم التالي كانت تقف ابتسام تنظر إلي لافتة عنوان المركز التعليمي، تخشى الصعود إلي أعلي ومواجهة معلمها الذي فرت من أمامه عندما رأي ما حدث بينها و بين عثمان، و كان أكبر مخاوفها هو أن يخبر غرام لذا قررت أن تتحدث معه وتشرح له الأمر.
صعدت إلي الطابق الثاني حيث قاعة المحاضرة، مرت أولاً علي المساعد وأخبرته بإسمها لكي يسمح لها بالدخول، و إذا به المساعد يقول لها بجفاء
"ممنوع الدخول"
صاحت بصدمة
"ممنوع إزاي؟!، أنا دافعة فلوس حصص الشهر كلها مقدماً حتي إسأل مستر حسن"
"مستر حسن اللي بنفسه مديلي أمر بمنع دخولك و ياريت تشوفيلك مدرس تاني غيره"
أدركت معني رسالته إليها و دون مواجهتها، لم تأبه لقساوة رده ذاك، و ذهبت إلي القاعة يحاول المساعد منعها، صاحت برجاء
"مستر حسن"
ألتفت إليها ببرود
"نعم؟"
تأسر دموعها داخل عينيها، تخبره بنبرة سمع منها كم ما تشعر به من حزن و غصة عالقة في حلقها
"ممكن أتكلم مع حضرتك"
نهض من خلف مكتبه المرتفع علي منصة الشرح، ذهب إليها في الخارج
"عايزة إيه يا ابتسام؟"
لم تستطع كبت دموعها أكثر من ذلك، انفجرت باكية
"حضرتك فهمت غلط، كل اللي ما بيني و ما بين عثمان علاقة جيرة و أصحاب مش أكتر"
كان داخله يشفق علي حالتها المؤسفة لكن تظاهر بعكس ذلك
"و أنا مالي، بتبرري ليه؟!، و لا خايفة أحكي لأختك ووالدتك علي اللي شوفته؟"
ابتلعت غصتها وقالت
"لاء، أنا جيتلك عشان أقولك أنا مظلومة أو.. "
بتر حديثها قبضته التي اعتصرت عضدها يغادر المكان إلي سيارته، يدخلها فجلست وذهب هو ليجلس خلف المقود، قد اشتد غضبه إلي ذروته
"مظلومة إزاي و أنا شايفه مقرب منك ولازق فيكي لاء و كمان كان بيبوسك، أنا مش أعمي و لا ساذج عشان أصدق تمثيلك الرخيص"
ابتلعت ريقها لا تدرك بعد ما وراء غضب معلمها الثائر، تحسب أنه من دافع الخوف عليها لأن شقيقتها قد أوصته عليها
"والله العظيم ما بمثل، أنا بعتبره فعلاً زي أخويا لكن هو لاء"
"أخوكي!"
ابتسم ساخراً وتابع
"و اللي أنا شوفته ده بيحصل ما بين الأخوات؟"
هزت رأسها بالنفي و مازالت تبكي وتحاول الدفاع عن نفسها و لا تعلم لما كل هذا الإصرار لديها
"لاء، بس أنا ما ليش ذنب و لا أقدر أقوله ما تحبنيش، أنا ببعد عنه كل شوية لكن هو متهور و خايفه جنانه يعمل مشاكل ليا ولأهلي عشان معندناش راجل يقف له، مفيش غير أخويا سعيد ولسه صغير"
تبدلت ملامحه من القسوة والغضب إلي اللين
"كان ممكن تحكي لأختك تروح تكلمه و تحطه عند حده أو تكلم أهله، علي الأقل أحسن من مشيك معاه في كل حتة، و لا ركوبك وراه الموتوسيكل بعد ما بتخلصي الدرس"
"عندك حق، أنا معرفتش أتصرف، أنا أصلاً ما بكلمهوش من وقت ما شوفتنا وعملاله بلوك كمان عشان لو حاول يتصل عليا"
لا ينكر السعادة التي يشعر بها حالياً، فأخبرها بجدية زائفة
"كل اللي قولتيه ده ما يخصنيش، أنا اللي أعرفه المفروض سيادتك في تالتة ثانوي وفاضل شهر ونص علي الإمتحانات، يعني تركزي في مذكراتك اللي هاتنفعك، و زي ما قولتلك قبل كدة أي حاجة أنتي محتاجها أنا موجود، و اللي اسمه عثمان لو أتعرضلك تاني بلغيني و أنا هاتصرف من غير ما يوصل الموضوع لوالدتك أو أختك، أتفقنا؟"
هزت رأسها بالموافقة، فابتسم وتابع بنبرة حانية
"متزعليش مني عشان شديت معاكي في الكلام وقسيت، ساعات قسوتنا بتكون دافع من خوفنا علي اللي بنحبهم"
نظرت إلي عينيه وأقسمت داخل نفسها رؤية ما ينبض به قلبه، و كأن كلماته الأخيرة إعترافاً مبيناً.
※ ※ ※
مر يومان وليس بجديد بل كان الحال سيئاً لدي غرام، نفذت لديها النقود و لا تعلم ماذا عساها أن تفعل، كلما تتقدم إلي العمل في متجر أو مطعم يعتذر إليها صاحبه ويخبرها إنه مكتفي بالعمالة التي لديه.
والآن تجلس بقلة حيلة حتي تذكرت أمر البطاقة الورقية والتي يتوسطها
«يوسف رأفت الشريف» بالإنجليزية
※ ※ ※
و بداخل محطة القطار تقف في انتظار هذا القادم نحوها، يبتسم إليها
"كنت متوقع إنك هتكلميني في خلال يومين"
ابتسمت فسألته
"و إيه اللي خلاك واثق أوي كدة؟"
"إحساسي"
أخبرته بتحفظ وجدية
"أنا أتصلت بحضرتك و طلبت أقابلك عشان محتاجة شغل، إن شاء الله حتي لو أشتغل في المصنع أي حاجة"
"فيه شغل بس مش في المصنع، في الشركة عندنا"
"طب هاشتغل إيه، أنا للأسف خرجت من سنة تانية كلية ومكملتش بسبب الشغل و الظروف الصعبة اللي بنمر بيها"
"أطمني كل أوراقك اللي الشركة محتاجها هاتكون جاهزة، و أي حاجة أنتي محتاجها أطلبيها علي طول"
أخرج من جيبه ظرف أبيض قد أخذ محتواه من صاحبه سلفاً ريثما يعود إلي العمل في شركة والده مجدداً.
"أتفضلي خلي دول معاكي هتحتاجيهم"
"شكراً يا يوسف بيه، أنا مش عايزة فلوس، أنا كل اللي محتاجاه شغل و بس"
"يا ستي اعتبريهم سلف لحد ما تشتغلي، الشركة عندنا بتهتم بالمظهر الخارجي للموظف، و هتحتاجي لبس ومصاريف، و بعدين هيكونوا عارفين إنك من تابعي"
شعرت بالحرج والخجل فتابع حديثه
"ما تتكسفيش يا غرام، اللي بعمله معاكي ما يجيش نص وقفتك معانا، ماتعرفيش لما قدرنا نوصل للي بيخسرنا شغلنا فرحنا قد إيه و المكاسب و الأرباح اللي هاتعوض خسارة كبيرة حصلت الأيام اللي فاتت، كل واحد فينا ربنا بعته للتاني عشان يخرجه من المحنة اللي هو فيها"
كم أسعد حديثه قلبها، و ها هي الحياة قد ضحكت من جديد لها وسترى السعادة لاحقاً
※ ※ ※
ترجلت سوزي من سيارة الأجرة أمام البناء المدون عنوانه لديها في الرسالة، وفي الأعلى كان نور منتظراً علي أحر من الجمر، ينظر إلي عقد ملكية الشقة بسعادة، هدية قيمة سيقدمها كعربون محبة ليدلي به لها عن حبه الصادق.
رنين الجرس مثل دقات قلبه التي تخفق للتو، ذهب ليستقبلها بحفاوة
"هاي"
حدق إليها بقلبه وليس بعينيه، سعادة عارمة علي وجهه ومحياه
"ما تتصوريش أنا فرحان قد إيه، خوفت لا ماتجيش"
ابتسمت وليتها ما فعلت ذلك، ابتسامتها أوقعته أسيراً في سحرها
"هو كان صعب عليا، بس أي صعب يهون عشانك"
"لاء أنا مش قدك و لا قد كلامك، أنا يا سوزي خلاص مابقتش قادر أستحمل وأنتي بعيدة عني أكتر من كدة، لازم نتجوز بسرعة، الشقة أهي جاهزة من كل حاجة وعقدها واقف علي إمضتك، دي أول هدية غير هدايا كتير لسه هجيبهالك"
أخذت من يده العقد و لم تصدق ما تراه، كم هو سخي معها نقيض والده الحريص، لذا لا تتركه فهو كنز ثمين عليها أن تغتنمه وتخرج بربح وفير خلال مهلة قصيرة.
"حبيبي يا نور، مش عارفة أقولك إيه، أحليو أجمل هدية"
أخرجت قلم من حقيبة يدها
"و أدي إمضتي أهي"
اقترب منها نور وحاوط خصرها
"عقبال إمضتك علي قسيمة جوازنا"
رسمت ابتسامة زائفة علي شفتيها
"إن شاء الله يا حبيبي"
"طيب مفيش حاجة بمناسبة الهدية اللي عاجبتك؟"
تدرك مبتغاه فتظاهرت بعدم الفهم
"حاجة إيه؟"
اقترب بشفتيه من وجهها
"حاجة زي كدة"
يقبلها بنهم نابع من شوق وعشق لا يعلم إنه سينتهي قبل أن يبدأ عندما تنكشف له الفاجعة.
تحولت قبلاته إلي لمسات تجاوز بها كل الحدود وكاد يتمادي، و إذا استسلمت له سينكشف أمرها بسهولة أمامه، فهو يعلم من بياناتها في الشركة إنها آنسة لم يسبق لها الزواج.
دفعته عنها وتصنعت الخوف والخجل
"نور، كفاية لحد كدة، لما أبقي مراتك أعمل اللي أنت عايزه"
"حبيبتي آسف، حقك عليا، من كتر شوقي ليكي مقدرتش أسيطر علي نفسي، أوعدك مش هقرب منك غير لما نتجوز، بس قولي أنتي الوقت المناسب ليكي"
ابتسمت بدهاء حية رقطاء
"بعد شهرين هاكون دبرت أموري"
"شهرين!، كده كتير"
"معلش استحمل يا حبيبي، هيعدوا بسرعة و هانكون مع بعض، خلاص؟"
أومأ لها بهيام
"موافق، المهم هاتكوني معايا وملكي في الأخر و مش هاسيبك أبداً"
و كم من أمنية يتمناها المرء فتأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن!
🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹
ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
تعليقات
إرسال تعليق