expr:class='data:blog.languageDirection' expr:data-id='data:blog.blogId'>

رواية كسره وضمه وسكون الفصل السابع والتامن والتاسع والعاشر بقلم الكاتبه رحاب ابراهيم حسن حصريه وجديده

رواية كسره وضمه وسكون الفصل السابع والتامن والتاسع والعاشر بقلم الكاتبه رحاب ابراهيم حسن حصريه وجديده 

رواية كسره وضمه وسكون الفصل السابع والتامن والتاسع والعاشر بقلم الكاتبه رحاب ابراهيم حسن حصريه وجديده 


نظرت رقة حولها بخوف وقلق وهي ترتدي ذلك الرداء المكشوف الذراعين ... وشهقت عندما انتبهت لدق على باب الغرفة، ثم تحرك مقبض الباب قبل أن يُفتح الباب على مصراعيه ... 

واندفعت خطوات للخلف من الذعر، ورفعت يدها وكتمت بها فمها وهي ترتجف تحت نظراته الدهشة الثابتة على عينيها، وحضوره المخيف أمامها ..


بينما ظل أشهد متسمرًا للحظات، لم يتوقع ابدًا أن تكون هي من بغرفته السابقة!، والاخطر من ذلك .. لم يدرك إنها بتلك النعومة والأنوثة التي تبدو عليها الآن، لم يحب الشعر القصير يوما بالإناث، ولكنه الآن مع ذلك الوجه الصغير ومع خصلات الشعر الأسود المتعرجة بقوة والتي تصل بالكاد لمستوى كتفيها وتضع وجهها الصغير بين قوسين برقة متناهية .. أعجبه، وسرًا أراد أن تتخلل أصابعه تلك الخصلات، ولم يعرف لمَ كل شيء بتلك الفتاة يخطفه لهذه الدرجة رغم بساطتها!!. 

ولكنها تمتلك فتنةً خاصة بها، فتنة وجاذبية غير مفهمومة، جعلته من الوهلة الأولى عندما تعلقت عينيها بعينيه شي، مجهول يدفعه ليأخذها إليه!، كأنها عندما امتلكت ذلك الوجه البريء والعينان الصافيتان أصبحت تمتلك سرًا من أسرار الفتنة التي تسلب عقل أقوى الرجال. 

أو كأنها ضلعه الأعوج الذي وجده أخيرًا ليكتمل كيانه وتسكن روحه!.


وأبعد عينيه بمشقة عنها واعترف لنفسه بذلك، حتى خرجت من صدمتها وسحبت غطاء الفراش وسترت جسدها من رأسها حتى أصابع قدميها، اللهم إلا ذلك الوجه الصغير الذي يظهر من بين الستار السميك .. ابتلعت ريقها بارتباك شديد عندما عاد ينظر لها مجددًا بقوة، وبدا عليه أنه يقاوم شيء يهدد ثباته وإتزانه بالفعل، حتى تحكم أشهد بنفسه بأعجوبة واقترب وهو يهتف بعصبية : 

_ أنتي جاية بالفستان ده من بيتك ؟!! 


ولأول مرة تراه غاضبًا لتلك الدرجة، والأغرب أنها لم تتوقع ذلك السؤال مطلقا، بل كانت تتوقع إن يسألها ما أتى بها لتلك الغرفة وبذلك المظهر؟ 


توترت رقة وبدأت ترتعش من صوته العال، ويبدو أنه نسى عقدتها النفسية وهو يصيح هكذا .. فقالت بتوتر وعينيها قد أشارت بالدموع : 

_ لأ .. 


كاد أن يعنفها لإجابتها المختصرة، ولكنه عندما اقترب بعصبية خطوة أخرى تذكر عقدتها النفسية من الأصوات العالية ووقف فجأة، ولكنها عندما عادت خطوة للخلف بخوف تعثرت بأطراف الغطاء وأختل توازنها وسقطت أرضاً وهي تصرخ .. فأسرع اليها أشهد قلقا بعدما تكومت بجسدها الصغير داخل الغطاء كالفأر داخل المصيدة .. رفعت رأسها لتستنشق الهواء وتفاجئت بقربه منها، ودون ادراك رفعت الغطاء ليغطي رأسها ويستر جسدها كاملًا بعينان تنظر له بخوف معلن وهي تتسحب للخلف ببطء مبتعدة عنه .. للحظات نظر لها شاردًا مأخوذا، وادرك أنه قاوم ما وسوس له الشيطان بشراسة وحرب عنيفة مع نفسه الأمارةً بالسوء .. فتحكم بصعوبة ونهض واقفا، والقى عليها نظرة غاضبة لم تفهم سببها، ثم استدار وخرج من الغرفة بأكملها بخطوات واسعة وكأنه يهرب من شيء ..! 


ونهضت رقة سريعا واغلقت الباب الذي وللعجب لم يوجد به قفل داخلي !... وبدأت تتنفس الصعداء وهي تعنف نفسها وكرهت ضعفها الذي يقيد حتى صوتها ويخنق الحرية فيه. 

ولكن بعد ذلك جلست على الفراش وتسحبت إبتسامة على شفتيها ببطء، غضبه من مظهرها الجريء الغير مقصود جعل قلبها يدق بجنون .. حتى دخلت كبيرة الخدم السيدة " سعاد" بفستان رقة نظيفا مجففا بعض الشيء ومعها شهد التي شهقت عندما شاهدت رقة بذلك الفستان المكشوف وهتفت : 

_ ايه اللي أنتي لبساه ده ؟! 


توترت رقة من رد فعلها وتدخلت السيدة سعادة قائلة : 

_ أنا اللي جبتهولها ما تقلقيش، على بس ما أنضف الفستان، اتاخرت بس كام دقيقة محصلش حاجة يعني وهي هنا ومقفول عليها الباب. 


أخذت رقة منها الفستان وشكرت المرأة بأمتنان وبعدها خرجت سعاد وتركت الشقيقتان بمفردهما، اقتربت شهد لرقة قائلة بحدة : 

_ أزاي توافقي تلبسي فستان زي ده وتقعدي هنا لوحدك يا رقة ؟ .. أفرضي حد دخل بالصدفة يقول علينا إيه ؟ 


ابتلعت رقة ريقها ببعض التوتر ولكن كانت ابتسامتها تسبق أي خوف أو قلق لأول مرة .. فقالت بعفوية وهي تبدأ بإرتداء فستانها مرةً أخرى : 

_ أشهد دخل ..


شهقت شهد بذعر ثم قالت بغضب : 

_ وشافك كده ؟!! 


اجابت رقة ببعض الأرتباك :

_ أنا اتخضيت زيك في أول دقيقة، بس خدت غطا السرير وغطيت نفسي بسرعة، مكنتش حاجة مكشوفة مني .. وهو زعق وقالي أزاي تيجي من البيت بالمنظر ده ! .. لو تشوفي غيرته عليا يا شهد ؟ .. كان هيجنن ! 


اغتاظت منها شهد وقالت : 

_ هو احنا في ايه ولا في إيه ؟ .. أزاي يشوفك كده وفي بيته يا رقة ؟ .. طب على الأقل لما أخوه شافني برقص كنت في بيتي ومقفول عليا بابي وهو اللي اتصنت عليا .. لكن أنتي في بيته أنتي واعية للي بيحصل ؟! 


قالت رقة وهي تدور حول نفسها من السعادة بعدما أرتدت فستانها الاصلي : 

_ هيعرف اللي حصل وهقوله ما تقلقيش ، بس أنا مبسوطة أوي  يا شهد.. أووي .. أنا طايرة من السعادة لدرجة إني حاسة أني هيطلع ليا جناحات ! .. عمري ما حسيت أن الدنيا بالجمال ده قد النهاردة .. عمري ما حسيت إني عايزة اتنطط من الفرحة كده ! .. هو احنا اتعلقنا بعض بالسرعة دي إزاي ؟! 


ابتسمت شهد رغما عنها وهي تنظر لشقيقتها وقالت بتعجب : 

_ أول مرة أشوفك كده يارقة ؟! 


توقفت رقة عن الدوران ووقفت أمام شقيقتها وعينيها دامعتان من السعادة: 

_ لأول مرة حد يشخط فيها وما أخفش! .. بالعكس، يمكن كان شكلي خايفة، بس أنا كنت مكسوفة أوي، تعرفي يا شهد أنا نفسي اخطفه وامشي من البيت ده ونعيش في بيت صغير يبقا لينا لوحدنا .. مش عايزة ولا خدم ولا حشم ولا عربيات وفلل .. أنا مكتفية بيه هو وبس .. مش عايزة أي حاجة تانية من الدنيا والله يا شهد.  


وشردت بابتسامة وهي تجلس على الفراش : 

_ غيرته كانت حلوة أوي، بصته ليا بحبها، وبحب نفسي بعدها، عايزة أتجوزه واجيب منه ولاد كتير كلهم شبهه، ويكون هو ده أبوهم مش حد تاني .. وأعيش معاه على الحلوة والمرة وأبقى نصه التاني .. اللي لما يحب يطمن ويهدى يسيب الدنيا بحالها ويجيلي أنا .. يترمي في حضني واطبطب عليه فيطمن ويهدى. 


وتابعت وهي تنهض وتتابع بسعادة: 

_ أنا لما ببصله بسأل نفسي بفرحة .. أنا بجد هبقى حبيبته ومراته ؟ .. أنا لأول مرة أحس بالقوة وأني مش خايفة من الدنيا ولا من الناس .. ضهري اتسند وقلبي اطمن في لحظة .. هسلمه  قلبي صاغ سليم، مقفول بختم ربه، هو يستاهل يتحب .. يتحب بطريقتي .. طريقتي اللي هيلاقي فيها حنية الدنيا كلها. 


اوقفتها شهد عن الحديث وقالت بقلق تسرب لقلبها : 

_ على قد ما مبسوطة بفرحتك .. على قد ما خايفة عليكي، انتي لسه ما تعرفهوش!، أعملي حساب للزمن يا رقة .. الدنيا مش بحنية قلبك وبراءتك دي!. 


أجابت رقة بثقة وهي تبتسم بسعادة: 

_ أطمني عليا .. أنا عارفة إنه لسه ماحبنيش لدرجة الحب اللي أتمناه، بس هيحبني كده وأكتر لما يعرفني بجد، وبكرا تشوفي .. أنا مش هكتفي بالحب بس يا شهد .. أنا عايزة أبقى حتة منه، ده اللي هيسعدني بجد ..


لم تعكر شهد صفو سعادة شقيقتها ومازحتها، بينما كان هو خارج الغرفة، قد عاد لينهي تلك المسرحية اليوم، ويضرب كل شيء بعرض الحائط ويخبرها الحقيقة .. قد ادرك أن وجودها المؤقت بحياته سيشكل خطرا عليها وعليه بالأكثر .. حتى استمع لكل كلمة وهو يفصله عنها ذلك الباب المُغلق ..


ابتعدت أصابع أشهد عن مقبض الباب الذي كاد أن يفتحه منذ دقائق، وسمرته كلماتها .. عاد بظهره بخطوات بطيئة للخلف وهو تائها كليًا .. توقف عند كل كلمة عصفت بقلبه، وعانقت روحه، وضمدت جرحا قديم بمنتهى الرقة .. تلك الرقة تمتلك ما خفي وأعظم من الحنان والدفء، الذي يحتاجه تمامًا .. الذي يحتاجه كل رجل بالأصح .. خصيصا هو ..

تسحبت ابتسامة لشفتيه، لم يدركها، ولكنها ادركته واقتحمته رغما عن أنف جراحه القديمة، وخوفه الدفين من خوض تجربة حب أخرى.. وهو الذي لا يكتفي بالحب فقط عندما يدق قلبه، لا يكتفي الا بالجنون والعشق، لم يكون شعوره الآن بها حبا ليكن صادقا.. ولكنه أطمئنان وسكينة جعلت قلبه لأول مرة منذ سنوات يبدأ بفتح الاقفال المغلقة .. ويسأل بلهفة من الطارق؟!. 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


نزل الفتاتان للطابق الأرضي وظهرت رقة بوجه متورد مشرق ومبتسم، بينما انشغلت شهد بهاتفها الذي لاحظت فيه عدد مكالمات فائتة من صديقتها نور .. 

جلست رقة أمام مشيرة بالصالون واستأذنت شهد قائلةً: 

_ بعد أذنكم، معايا مكالمة ضروري .. 


وابتعدت شهد وتوجهت للحديقة وهي ترد على صديقتها نور قائلة : 

_ معلش يا نور مقدرتش احضر النهاردة .. ابعتيلي اللي قولتلك عليه على الواتساب ضروري عشان لما أرجع البيت الحق أذاكره ومايفوتش عليا ..


أجابت نور عبر الهاتف وهي تضحك : 

_ حاضر يا قلبي، بس ياريتك حضرتي النهاردة، نيللي غابت وكرما ورباب عاملين زي المساكين من غيرها، بقوا تريقة الدفعة بحالها ..


وضحكت شهد بصوت عال عندما أخبرتها نور أبرز أحداث اليوم بالجامعة وقالت بفخر: 

_ ما هو هما اللي أتحدوني .. على مين ده أنا شهد !! 

يعني العقل شديد والقلب حديد ..


واستندت شهد على شجرة عالية وهي تضحك ومندمجة بالحديث بثقة عالية،  فسعلت بخنقة وانتبهت لدخان يأت من خلف الشجرة التي تستند عليها! 

فقالت لنور بغرابة : 

_ هو الدخان جاي منين ؟! ... أستني كده ؟


وتتبعت شهد مصدر الدخان حتى دهشت عندما وجدت حازم يستند على نفس الشجرة من الناحية الأخرى وهو يدخن سيجارته بابتسامة واسعة وساخرة على شفتيه .. وحينما نظرت له تطلع بها بنظرته الخبيثة التي تشعر بالخطر .. فتماسكت وقالت لنور بلا اكتراث : 

_ أيوة يا نور معاكي .. كنت بقولك أن أنا شهد، يعني اللي يقف في طريقي ابلعه. 


ضحك حازم وقال بسخرية : 

_ أوعى الرعب .. الأنثى الذي يخاف منها النمل. 


لم تعيره شهد أي اهتمام واضافت وهي تقصد أن يسمعها : 

_ يابنتي أنا مبخافش من حد وأنتي عارفة. 


نفث حازم من سيجارته بابتسامة المستفزة وأشار بتأكيد لها : 

_ وأنا كمان عارف .. 


وضحك عندما نظرت له بغيظ، وهنا أغلقت شهد الاتصال وقالت له بحدة لتغيظه : 

_ مالكش دعوة بيا يا بتاع الأنابيب أنت !! 


 نظر لها حازم للحظة بنظرة ضيقة حادة ثم قال : 

_ بلاش تستفزيني عشان الوش التاني اللي بتعامل بيه مع المجرمين مايطلعش .. اللي مصبرني عليكي إنك في بيتي. 


سخرت شهد منه وقالت :

_ ما خوفتش .. والكلمتين دول تخوف بيهم أي حد غيري .. أنما أنا مبخافش من مخلوق. 


نفث حازم دخان سيجارته بوجهها بابتسامة ماكرة، ثم استقام ووقف أمامها قائلًا بخبث : 

_ متأكدة ؟


قالت بثقة : 

_ أيوة .. 


ضيق حازم عينيها بابتسامة تسلية، ثم ابتعد عنها وتركها تقف بمفردها، وقد تسحبت ابتسامة مرحة على شفتيها، وبعد ذلك أجرت اتصال هاتفي لصديقتها نور تؤكد عليها إرسال بعض الأمور الخاصة بالدراسة .. وانهت شهد الاتصال وكادت أن تعود للداخل، حتى فوجئت بأكثر مخلوق ترتعب منه .. شحب وجهها وهي ترى كلب يركض نحوها لا تعرف من أين أتى أو ظهر !! 

ركضت شهد ولهثت برعب وهي تدور حول الأشجار بالحديقة، ووقفت خلف شجرة كبيرة الحجم تتخفى من هذا المخلوق المخيف بالنسبة لها .. حتى انتبهت لصوت همس يقول : 

_ شوشو .. 


نظرت شهد بخوف يمينا ويسارا لم تجد مخلوق !! .. حتى همس حازم من جديد وقال : 

_ بصي فوق ..


نظرت شهد للأعلى حتى هبط حازم برشاقة على الأرض ويبدو أنه كان جالسا على احدى الجزوع العريضة .. فشهقت برعب، ضحك حازم عليها وقال بسخرية : 

_ في حد يخاف من الكلب العبيط ده ؟! ... وعملالي فيها فتوة ؟! .. وأنتي طلعتي القطة المشمشية .. حلوة بس غبية ! 


هتفت بوجهه في غضب وقالت : 

_ أنا عندي فوبيا من الكلاب يا غبي!. 


جذبها حازم بعصبية وشراسة من معصم يدها وقال بتحذير وغضب : 

_ مش كل مرة هعديها يابت أنتي .. أنا واخدك على قد عقلك بس هتتمادي فيها هوريكي الوش التاني بجد !! 


تلوت شهد من الم معصمها في قبضته الشديدة، وضربته باليد الأخرى على صدره بعنف قائلة : 

_ وأنا مابيهمنيش حد لا أنت ولا غيرك !! ..


غضب واشتدت قبضته على معصمها وهو ينظر لعينيها الثائرتان بتحد، ليتفاجأ انها استطاعت أن تدفعه بعيدًا عنها بشراسة!!! 

مسدت شهد معصمها بألم وقالت له بتهديد صريح: 

_ المرة الجاية هكسرلك إيدك خالص .. مالكش دعوة بيا أحسنلك. 


رفع حازم حاجبه بغضب غير عادي، وشعرت شهد لأول مرة بالقلق وبالخطر منه .. فغادرت من أمامه ودخلت المنزل بخطوات واسعة وتركته واقفا يغلي من الغضب. 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


واعدت مائدة الغداء .. 


جلست مشيرة على رأس المائدة .. وأتت سميحة وأبنتيها وجلسن على أحد الأطراف بجانب بعضهن، بينما جلست رقة وشقيقتها وجارتهما أم بسنت وولدها على الجانب الآخر .. تاركين المقعدين الأقرب لمشيرة على المائدة .. وأتى حازم بوجه جامد لا تعابير فيه وجلس بجانب والدته .. وترك المقعد الفارغ بينه وبين رقة لشقيقه أشهد .. وبعد قليل أتى أشهد التي اوقفته كبيرة الخدم وروت له ما حدث لرقة بالطابق العلوي، وجلس بالمقعد الفارغ .. فابتسمت رقة بحياءً شديد وتورد خديها.


وتجاهلت نظرات نرمين وعلى رأسهم سميحة وهدير المحتقرة، وانتبهت فقط لنظراته الجانبية الذي يختلسها كل دقيقة .. وشهد كانت متجاهلة حازم تمامًا وبدت وكأن شيء لم يكن .. وعندما وضع الخدم أطباق الطعام الشهية وبدأ الجميع بتناول الطعام .. ظهر على رقة وجارتها أم بسنت وولدها عدم الأندماج والضيق من تناول الطعام بالشوك والسكين .. فقالت هدير بسخرية لرقة : 

_ إيه يا رورو ... مش متعودة تاكلي بالشوكة والسكينة ولا إيه ؟! .. بصي عليا وكلي زيي الموضوع سهل خالص ..


وضحكت نرمين ضحكة رنانة ... فشحب وجه رقة وتوقفت عن تناول الطعام بضيق، ووكزت شقيقتها شهد عندما شعرت أنها سترد، ونظر أشهد لأمه بعصبية، ثم  نظر نحو هدير وقال مباشرةً : 

_ هو أنا كام مرة هقولك خليكي في نفسك ؟! 


انزعجت أم بسنت من الاستهزاء الواضح بحديث تلك الفتاة، وشعرت رقة إنها ستكن سببا للخلاف فنهضت قائلة بابتسامة لا روح فيها : 

_ بعد إذنكم .. أنا أكلت الحمد لله. 


وعندما نهضت رقة كان قد أكتسى وجهها بالاحمرار والحرج، فتوقف أشهد عن تناوله طعام تحت دهشة الجميع وقال وهو ينهض ونظرته الغاضبة لا زالت نحو هدير : 

_ أنا كمان أكلت .. 


ابتلع حازم ما بفمه بعصبية وهو لم ينقصه استفزاز تلك التافهة وشقيقتها أبنتا خالته، فقال بسخرية من هدير قبل أن تقف شهد تاركة طعامها أيضا : 

_ ملكة الدخول وحشر نفسها في اللي مالهاش فيه .. سقف يا حموكشة للملكة ..


وأطاعه الصبي وفعل ما قاله حازم، فضحكت شهد رغما عنها عندما شاهدت رد فعل هدير الغاضب، ثم نظر حازم لشهد وغمز بابتسامة ماكرة جعلتها تبتسم وهي تنهض وتبتعد .. بينما رمقته مشيرة بعصبية ليتوقف عن السخرية من أبنة خالته أمام الغرباء .. فقال حازم وهو ينهض قائلًا : 

_ أنا لساني طويل وأنتي عارفة بقا .. طب مش واكل. 


ونهض الجميع باستثناء مشيرة وشقيقتها وأبنتيها .. 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


جلست رقة بالصالون بعيدة عن مائدة الطعام وحاولت أن تخفي شعورها بالحرج مما حدث .. وتفاجئت بأشهد وهو يجر مقعد ليجلس أمامها مباشرةً بابتسامة دافئة وبيده طبق مليء بالحلوى وقال وهو يطعمها قطعة بالشوكة: 

_ ممكن تاكلي معايا .. هتسبيني أكل لوحدي ؟! 


اصطبغ وجه رقة بحياء شديد ونظرت حولها بخجل، لتجد شهد وجارتها ينظران لها مبتسمان بحنان .. وتبدل الضيق لابتسامة صادقة وهي تقول له بارتباك :

_ بس ...


ابتسم أشهد لها بنظرة جعلتها تعجز عن الرفض واكلت قطعة الحلوى، ثم تناول أشهد قطعة حلوى ووضعها بفمه بنفس الشوكة ... مما جعل رقة تنظر بحياء شديد للعيون المسلطة عليها .. وهمس لها قائلًا وكأنه قرأ افكارها : 

_ مش أنا معاكي .. متخافيش من حد. 


واطعمها من جديد بمنتهى اللطف، حتى قال بنظرة دافئة :

_ أنا عرفت اللي حصل فوق ..


ارتبكت رقة وتهربت بعينيها لجهة أخرى .. حتى وجد أشهد صوت أمه يختف بعصبية قائلا : 

_ أشهد .. عايزة اتكلم معاك في مكتبك شوية .. 


نظر أشهد لأمه ولعصبيتها بثبات، ثم استأذن وأخذ امه لمكتبه البعيد عن الصالون .. واقتربت رقة لشقيقتها وجارتها قائلة بقلق : 

_ أنا حاسة إني غلطت لما قومت من على الأكل .. مكنش ينفع أعمل كده صح ؟ 


قالت شهد بغيظ :

_ صراحة آه .. كنتي اقعدي وردي عليها .. بس الواد حازم عجبني، نسف جبهتها .. 


قالت رقة وقد قررت شيء : 

_ أنا لازم اروح وأعتذرلها قبل ما تطلع أوضتها .. 


تركتها شهد وأم بسنت تذهب، بينما عندما وقفت رقة أمام باب المكتب انتبهت لصوت مشبرة وهي تقول برفض تام: 

_ أنا لا يمكن أوافق على الجوازة دي، دي مش مكملة تعليمها، يعني يعتبر جهلة .. بقا أنت يا باشمهندس يا محترم تتجوز دي !! 

فهمني ليه ؟! .. ايه اللي عجبك فيها ؟! 

لا هي يعني الجمال اللي يلفت ولا تعليم ولا بنت حسب ونسب .. عجبك فيها ايه الجهلة دي ؟! 

احسن من بنت خالتك اللي زي القمر ومعاها ماجستير في إيه ؟! 


رد أشهد بعصبية وقال : 

_ ماما لو سمحتي .. رقة مش جهلة ، وعجباني ومقتنع بيها ومصمم عليها .. 


سخرت مشيرة قائلة وهي تضرب بعصاها الارض : 

_ نفس الكلمتين اللي سمعتهم أيام نهال .. نفس التصميم الأهوج المتسرع والاختيار الفاشل اللي مش بينتهي غير بمصيبة ! .. ولا أنت نسيت كنت بتتحداني أزاي ؟! 

أنا يمكن متخيلة إنك من كتر ما حبيتها وكنت عايز تنتقم منها لانها سابتك انت بتدور على أي شيء توجعها بيه .. مش هستغرب أبدًا لو كانت الجوازة دي كمان من ضمن انتقامك منها !. 

لإن البنت دي لا هي من ذوقك .. ولا يمكن أصدق أنك اخترتها عن حب واقتناع! .. 


وضعت رقة يدها المرتجفتان على فمها وهي تبك، ثم وجدت نفسها تركض هاربة خارج المنزل وجدرانه، وصاحت شهد بذهول وصرحت أم بسنت عندما شاهدتها تبك وتركض هكذا !

وهنا خرج أشهد متسائلًا عن الأصوات التي ارتفعت بالقصر فجأة ، ليخبره حازم عن ما شاهده منذ لحظات، فتنفس أشهد بضيق شديد وقال : 

_ يبقى سمعت اللي أمي قالته .. 


وخرج أشهد سريعا ليبحث عنها ..  


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


سارت رقة بطرقات جانبية بعد أن ركضت لمسافاتٍ طويلة بلا وجهة محددة... وعندما وهنت قدميها سارت ببطء باكية بالطرقات. 


طعنت في كرامتها وبكل شيء بتلك الكلمات المهينة التي سمعتها، والاخطر من ذلك كشف حقيقة حبا قديم لم تكن تعرف عنه أي شيء  .. حتى توقفت سيارة خلفها وخرج منها أشهد سريعا..  لتجده رقة فجأة يسير بجانبها في صمت للحظات  ..  ثم قال بنظرة عميقة لعينيها: 

_ ممكن نتكلم شوية؟ 


سألته رقة بدموع: 

_ أنت عرفتني عشان تنتقم منها؟  


أجابها بتأكيد: 

_ نهال كانت صفحة واتقفلت من زمان.. بس طبعا أمي مش مقتنعة.  


بكت رقة وقالت: 

_ أنا مش جاهلة.. أنا كنت الأولى على كل زمايلي في اولى ثانوي، ولما سيبت المدرسة كان عشان أختي تكمل  ..  مكنش لينا حد يتكفل بمصاريفنا بعد أبونا وأمنا ..  مخلتش أختي محتاجة حاجة ولا مدينا ايدينا لحد، أنا غلطت في إيه؟!  


وقالت له بتصميم وهي تبك: 

_ ولو يرجع بيا الزمن هعيد نفس اللي عملته من تاني  ..  عمري ما ندمت ولا هندم أبدًا 


قال أشهد لها بابتسامة مليئة بالعاطفة: 

_ وأنا لو يرجع بيا الزمن هختارك أنتي أبدا معاكي  من أول خطوة.. حبيني بطريقتك يا رقة  .. عايز لما أحب اطمن واهدى اسيب الدنيا كلها وأجيلك أنتي  .. أنتي وبس.  


دهشت رقة وفغرت فاها من ختام جملته، كأنه كان يستمع لحديثها مع شقيقتها.. 


الفصل الثامن 


دهشت رقة وفغرت فاها من ختام جملته، كأنه كان يستمع لحديثها مع شقيقتها. 

وعندما لاحظ دهشتها مما قاله أضاف بابتسامة صادقة: 

_ أنا معايا عربيتي .. بس حابب إننا نتمشى شوية في الطريق، بقالي فترة كبيرة أوي ما اتمشيتش في الشارع  .. إيه رأيك تتمشي معايا ؟ 


مسحت رقة عينيها من الدموع واجابت بابتسامة : 

_ موافقة .. بس هتصل بأختي اطمنها عليا ..


واجرت رقة إتصالًا هاتفيا على شقيقتها من هاتفها، وراقبها أشهد باستمتاع وابتسامة لم تفارق محياه .. وبكل لحظة كانت تتردد كلماتها الرقيقة الصادقة داخل رأسه .. وعندما انهت رقة الاتصال نظرت له فجأة فوجدته تائها بعض الشيء بها  .. فابتسمت بارتباك وقالت متجنبة النظر له بحياء : 

_ أخوك حازم بيوصلهم على البيت  .. 


دعاها أشهد بابتسامة ليواصلا سير الطريق معا، فسار بجانبها بخطوات بطيئة وهو يضع يديه بجيوب بنطاله  .. حتى سألها بهدوء : 

_ هسألك سؤال مش من حقي اسأله  .. بس عندي فضول أعرف إجابته. 


نظرت له رقة بتعجب وهي تسير بجانبه وقالت : 

_ قول وهجاوبك بصراحة ..


تريث أشهد للحظات ثم نظر لها نظرة جانبيه وقال : 

_ أنتي حبيتي قبل كده ؟ .. قبلي.


ابتسمت رقة له وقالت بصدق وتأكيد : 

_ لأ محبتش قبلك .. دي أول مرة والله. 


وتوقفت عن السير بذهول عندما ادركت إنها تقريبًا اعترفت له بحبها له، ومن ابتسامته الواسعة تبينت إنه أوقعها في الفخ ببساطة، واستمرت ابتسامته بمكر عندما عادت للسير بجانبه والخجل كسا وجهها .. وعجبًا إنها قالت بهدوء : 

_ أنا بقا مش هسألك .. لإن أكيد الإجابة أيوة .. مش معقول واحد زيك كانت كل حياته شغل وبس !. 


تنهد أشهد بعمق واعترف بصدق : 

_ من ٧ سنين .. وحياتي كلها بقت شغل وبس، قبل كده كنت زي أي شاب عادي .. بيفكر في ارتباط واستقرار وبيت مع إنسانة بيحبها .. 


قلقت رقة من إجابته وقالت : 

_ وايه اللي اتغير في ٧ سنين دول ؟! 


شرد أشهد للحظات وزاغت عينيه للبعيد، وبدت صفحة وجهه بلا تعابيير وغير مفهمومة ! .. حتى أجاب وقد اختفت الابتسامة من وجهه : 

_ دوام الحال من المُحال  ... اكتشفت أن الحياة مش بالسهولة اللي كنت فاكرها، وأن الوعود ممكن تتنسي بين يوم وليلة .. والحب بيوجع أكتر ما بيفرح .. 


وابتسم بسخرية من نفسه وقال ببعض الشرود : 

_ اكتشفت إني كنت مغفل ومش فاهم .. وأول قرار خدته لما فوقت ركنت القلب ده على جنب وشغلت دماغي .. ولما عملت كده  بقيت أشهد شاهين  .. اللي قدامك ده. 


ابتلعت رقة ريقها بقلق ونظرة عاتبة، وترددت بحيرة كيف تطرح عليه سؤالا قلبها الح عليه قبل عقلها .. ويبدو إنه انتبه لما يدور برأسها فقال بابتسامة خبيثة: 

_ بس اعتقد أن قلبي بدأ يتمرد على ركنته دي بقاله فترة صغيرة. . 


تسحبت ابتسامة لشفتيها بعد موجة عالية من الحيرة والوجوم، فقالت بمزاح لتخفي ارتباكها : 

_ من ٧ سنين كان عندي ١٦ سنة  .. كانت فترة صعبة أوي في حياتي .. تفتكر لو كنا اتقابلنا وقتها .. كان حصل إيه ؟ 


فكر أشهد للحظات ثم أجاب بصدق : 

_ مش هكدب وأقولك أن كان ممكن يحصل حاجة .. لإن طريقي وقتها كان في اتجاه الحمد لله إنه مكملش .. رغم صعوبة الفترة دي ومرارتها .. إلًا أنها غيرتني بجد ..


شعرت رقة أنه يقصد بالحديث خطيبته السابقة، فتكورت غصة مريرة بحلقها .. وشعرت أن تلك المرأة المجهولة سببا في تحوله الجذري هذا .. ماذا فعلت بقلبه ليظل تلك السنوات هاربا من الحب ؟! ... يبدو إنها تركت مرارة بقلبه من الصعب شفائها !! .. واهتز قلبها عندما تخيلت إنه لربما لا زال يفكر فيها ويكون ما قالته والدته صحيحا وينتقمن منها متى سنحت له الفرصة !! .. فأخرجها صوت أشهد من معاركها الفكرية وهو يدعوها قائلًا : 

_ أنتي مكلتيش .. ايه رأيك نتغدا مع بعض في أي مطعم ؟ 


فكرت رقة قليلًا وفجأة وقعت عينيها على محل صغير لبيع " الكشري" فقالت بحماس وهي تشير للمكان : 

_ سيبك من الأكل التاني ده .. أنا عايزة أكل كشري. 


نظر أشهد للمحل بتمعن وقال موافقا : 

_ موافق جدًا .. بقالي كتير أوي مكلتهوش .. 


ودخلا معا المحل الصغير الشعبي .. وجلسا متقابلين وبينهما منضدة خشبية بالكاد تكفي لفردين، وبعدما وضع صبي صغير أمامهما طبقين من الكشري المصري وبعض البهارات، بدأ أشهد يتناول ما في طبقه بشهية عالية .. وراقبته رقة ببهجة ومحبة، حتى رمقها وقال بابتسامة واسعة وهو يبتلع ما بفمه بتلذذ : 

_ من زمان مكلتش بنفس مفتوحة كده!! .. مش عارف الكشري هو اللي لذيذ ولا القاعدة معاكي هي اللي بتحلي كل حاجة. 


قالت رقة بثقة : 

_ لأ القاعدة معايا هي اللي حلوة .. 


رفع أشهد عينيه لعينيها وشعر إنها تمتلك بعض الخبث، فابتسم وقال لها بتسلية : 

_ كنت حاسس.


وتمازحا سويًا لبعض الوقت .. 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


وقفت سيارة حازم أمام المنزل القديم لمنطقة العشوائية، وعندما خرجت شهد وجارتها أم بسنت وولدها .. قال حازم لشهد بأمر بعدما خرج من السيارة وذهب ليجلس على مقعد بقهوة شعبية مقابلة للمنزل : 

_ اعمليلي كوباية قهوة وابعتيهالي .. 


وضع ساقا على ساق وهو يحدثها بأمر ، فقالت شهد بسخرية : 

_ يعني قاعد في قهوة وبتطلب مني قهوة ؟! .. أنت متغدي قلقاس؟! 


كتمت ام بسنت ضحكتها بينما ارتفعت ضحكتها الصبي " حموكشة " بصوتٍ عال .. فزم حازم شفتيه بغيظ ثم قال : 

_ القهوة بتاعتك تقيلة زي دمك وبتضبط دماغي .. روحي اعمليلي قهوة بدل ما اطلع وراكي واعملها بنفسي .. وبعدين ده أنا اللي مركب الانبوبة !  .. أتقي شري بدل ما اطلع أفكها ! 


تحكمت شهد بضحكتها ولوت شهد زاوية شفتيها بسخرية وقالت للصبي : 

_ خليك هنا يا حموكشة .. هناديلك تديهاله .. يكش نسكت بقا عشان أعرف أذاكر .. 


سخر حازم وتمتم : 

_ تذاكري ! ... لا أن شاء الله مافيش مذاكرة النهاردة ولا حاجة .. 


ولم تكترث له شهد وهي تدخل المنزل مع جارتها بخطوات واثقة حتى تحررت ابتسامتها وهي تدخل شقتها وتبدأ في إعداد القهوة .. وبعد قليل خرجت من المنزل وبيدها كوب القهوة الساخنة وهتفت : 

_ يا حموكشة .. خد اديله الكوباية دي ..


أخذ الصبي منها القهوة وذهب بها لحازم الجالس على المقعد بارتياحية وابتسامة خبيثة لها .. وقال بسخرية: 

_ القهوة بتتعمل في فنجان يا هندسة .. 


قالت شهد بابتسامة مستفزة : 

_ مش بنطلع الفناجين من النيش لأي حد كده .. 


زم حازم شفتيه بغيظ ورمقها بنظرة حادة، فكتمت شهد ضحكتها ودخلت المنزل مرة أخرى .. وبعد نصف ساعة تقريبًا عندما اندمجت بالفعل بمراجعاتها الدراسية فوجئت بصوت فوضوي مزعج آتٍ من الشارع ! ..ذهبت وفتحت النافذة بعصبية واغتاظت عندما وجدت هذا الصوت يأت من سيارة حازم !! 


رمته بنظرة غاضبة واغلقت النافذة وهي تتمتم بالشتائم، وحاولت أن تتجاهل هذا الصوت ولم تستطع ، وبعد دقائق نزلت على السلم سريعا وخرجت من المنول متوجهةً نحوه وهو مستندا على السيارة وينفث دخان السيجارة باستمتاع ونظرة ماكرة مبتسمة .. فهتفت به : 

_ أقفل الصوت الزفت ده مش عارفة أذاكر !! ..


رد عليها بابتسامة مستفزة:  

_ أومال اشغلك إيه ؟ ... أم كلثوم ؟ 


هتفت به بعصبية: 

_ ما تشغلش حاجة !! 


فاقترح عليها : 

_ طب اعمليلي كوباية قهوة كمان .. 


تنفست شهد بغيظ وعادت للمنزل بخطوات سريعة، فضحك حازم وانتظر القهوة التي ارسلتها مع الصبي .. وبعد دقائق انتبهت شهد وهي تحاول صب تركيزها على ما تقرأه في المراجعات الدراسية صوت عال مخيف لموسيقى جنائزية !. 


ضربت بيدها على مكتبها الخشبي وأخذت المسطرة حرف T ونزلت له مرةً أخرى بعصبية وصاحت به وبيدها المسطرة : 

_ أنت شكلك كده مش هتيجي بالذوق !! 


ابتسم بخبث وقال : 

_ أجي فين ؟ 


أشارت له شهد مرة أخرى بعصبية وقالت : 

_ بلاش استخفاف .. واقفل الأصوات دي وبطل استفزاز بدل ما ادغدغلك العربية دي أنت ما تعرفنيش !. 


ضحك حازم بسخرية وقال : 

_ عارفة ايه اللي مصبرني عليكي وعلى طولة لسانك ؟ 


لم تسأله شهد رغم فضولها، فاستطرد حازم وقال : 

_ لسبببين .. أولهم صلة القرابة اللي للأسف بقت بنا .. تاني سبب أنك بتضحكيني .. 


شهقت شهد من ما سمعته بآخر حديثه، فأكد لها حازم قائلا : 

_ نفسي تشوفي نفسك وأنتي متغاظة وبتزعقي.. شكلك بيبقى أهبل أوي وبيضحكني .. 


زمت شهد شفتيها بغيظ وتركته وصعدت لشقتها من جديد .. 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


وفي سيارة أشهد التي تحركت بهما عائدان لمنزل رقة .. شردت لفترة طويلة، ولاحظ أشهد ذلك فقال متفهما : 

_ ما تضيقيش من كلام أمي ... لما تعرفيها هتغيري فكرتك عنها ...


قالت رقة ببعض الضيق ونظرت له بنظرة جانبية وهو يقود السيارة: 

_ فكرتي عنها ما أتغيرتش .. هي أم ومن حقها تقلق وتخاف على أبنها من أي اختيار غلط .. اللي ضايقني أنها حطتني في مقارنة ظالمة مع بنت خالتك .. اللي يمكن لو اتحطت في نفس ظروفي مكنتش هتبقى المتعلمة اللي معاها ما جستير ! 

 خايفة تفضل المقارنة مستمرة طول الوقت معاها .. ! 


رد أشهد وقال بصدق : 

_ أمي في قرارة نفسها عارفة أن هدير بنت خالتي ما تنفعليش، عمري ما حسيتها ولا حتى تقبلتها كأخت .. أنا مقدرش أعيش مع واحدة ما بتفكرش في أي شيء غير إنها تسيطر عليا وتمتلكني وتحركني حسب أهوائها..! 


سخر وهو يهز رأسه رافضا الفكرة : 

_ لا مستحيل طبعا .. لإني في أي ارتباط مش هكون غير المسيطر الوحيد .. 


نظرت له رقة ببعض القلق وهو يتحدث هكذا .. ! حتى توقفت سيارة أشهد أمام منزلها بالمنطقة الشعبية، وحينما رآهم حازم قال لهما بعدما خرجا من السيارة : 

_ كده تمام .. ارجع البيت بقا ارتاح شوية قبل ما ارجع الشغل..


قال له أشهد بتعجب 

_ أنت كنت مستنينا ولا إيه ؟! 


أجاب عليه حازم بعفوية وهو يدخل سيارته : 

_ أصل شهد فوق لوحدها .. قولت مش همشي غير لما أختها توصل .. 


ابتسمت رقة بنظرة ضيقة، ثم استأذنت منهما وصعدت لشقتها .. وحينما دخلت قالت لشهد التي استقبلتها بلهفة وتسألها : 

_ كنتوا فين ده كله وايه اللي حصل خلاكي تجري من بيته؟! 


أجابت رقة بابتسامة وراوغت في الإجابة: 

_ سمعت امه بتزعق معاه بسببي عشان قومت وسيبت الغدا، بس مش مهم اللي حصل، المهم إننا كنا بنتمشى في الشوارع واتبسطتنا أوي .. وكلنا كشري .. بس قوليلي بقا، هو انتي حلمتي بحازم ولا ايه ؟ 


تعجبت شهد وسألتها بغرابة : 

_ مش فاهمة ؟! 


قالت لها رقة وهي تضحك : 

_ أصله كان واقف تحت بعربيته لحد ما اطمن أني وصلت عشان ما تفضليش لوحدك في البيت !


تسحبت ابتسامة على شفتي شهد وقالت بدهشة : 

_ آلاه ؟! ... ابتدينا نقلق على بعض ولا ايه! 


ضحكت رقة حتى أضافت شهد بتعجب : 

_ أصل أنا قلقت عليه من شرب القهوة الكتير ونزلتله عصير أناناس وقراقيش من شوية  .. هي المرحلة دي اللي قبل الإعجاب ولا اللي بعدها ؟ .. هي القراقيش في الحب ايه ؟


ضحكت رقة مرة أخرى وقالت : 

_ جواز أن شاء الله ..


 قرصتها شهد من ذراعها وقالت بغمزة ماكرة : 

_ هنبقى سلايف يا رقوقة .. هنجلط الولية أمهم اللي عملالي فيها نازك السلحدار .. 


انكمشت تعابير رقة للوجوم وقالت : 

_ ربنا يحنن قلبها علينا يا شهد .. بتمنى يجي اليوم اللي أحس فيه إنها أمي .. أو على الأقل بتحاول تبقى كده.   


أكدت شهد بثقة : 

_ أنا حاسة أن ده اللي هيحصل والله .. محستش إنها ست شريرة على قد ما حسيت إنها لسه ماتعرفناش على حقيقتنا .. وبعدين كفاية عليكي أشهد وحنيته .. سيبك من أمه.


شردت رقة قليلا وقالت : 

_ حاسة أن في شيء أنا معرفهوش .. أنا خايفة أوي !. 


قلقت شهد من حديث شقيقتها، لإنها تشعر بنفس الأمر ولم تخبرها لكي لا تفسد سعادتها .. 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


وفي المساء .. 

وبعدما عاد أشهد ليواصل عمله بالشركة وأنتهى دوام اليوم .. خرج مساءً ودخل سيارته ثم أمر السائق أن يعود به للمنزل .. 

وبعدما تحركت السيارة لمنتصف طريق العودة .. وجد السائق أن هناك سيارة تتبعهم .. فقال لأشهد بقلق : 

_ في عربية ماشية ورانا بقالها نص ساعة يا اشهد بيه .. ! 


نظر أشهد من النافذة بعدما أشار له السائق على السيارة المراقبة ..  وضيق أشهد عينيه عندما لمح نهال داخلها .. زفر بضيق وقال للسائق : 

_ خليك ماشي على طول وما تركزش معاها ..


نفذ السائق ما قاله أشهد، بينما سيارة نهال كانت تتحرك بعشوائية بجانبهم .. فأمر أشهد السائق أن يسير من أحد الطرق الضيقة ، ولكن نهال كانت بحالة من الجنون الذي اوصلها أنها اصرت على محادثته اليوم .. وبعدها أسرعت بذلك الطريق الضيق وسبقت سيارة أشهد بمسافة ليست قصيرة، ثم وقفت بعرض الطريق واضطرت سائق أشهد بأن يتوقف بالسيارة .. 


غضب أشهد منها وخرج من سيارته عندما وجدها تخرج من سيارتها وتتحرك بترنح كأنها ثملة ! 

انتظرت حتى أتى اليها ووقف أمامها غاضبا وصاح: 

_ أنتي عايزة مني إيه ؟ 


ورغم ترنحها ولكنها كانت في أشد وعيها عندما ارتمت على صدره ونظرت له بتوسل ودموع قائلة : 

_ عايزاك أنت .. عايزة أشهد حبيبي بتاع زمان .. فاكر ولا نسيت ؟ 


دفعها أشهد عنه بإزدراء وقال : 

_ مابقاش موجود .. وما تدوريش عليه لإنك لو لفيتي لآخر عمرك مش هتلاقيه .. 


ارتمت نهال على صدره مرةً أخرى وهي تتشبث بملابسه وتقول ببكاء شديد : 

_ كفاية بقا يا أشهد أرجوك كفاية .. غلطت وعرفت غلطتي ، أنت مكنتش كده ! .. أنت كنت بتسامحني مهما غلطت ، مكنتش حتى بتعاتبني ! .. كنت بمجرد ما أقولك أسفة تنسى وتصفى .. حصلك ايه ؟ .. يا أشهد أنا كنت صغيرة وفاروق ضحك عليا بفلوسه .. بس كنت بحبك ولحد دلوقتي بحبك .. 


حاول أشهد أن يتخلص بنفور من أصابعها المتشبثة بملابسه وقال بعصبية :

_ كنت بحبك .. كنت غبي ، بس بطلت أبقى غبي ، وكرهت الحب بسببك .. بسبب انسانة طماعة وأنانية ، بين يوم وليلة تنسى الانسان اللي حبها واتحدى الكل عشانها .. تنسى انها كانت مخطوبة عشان في يوم يصحى يلاقي نفسه أكبر مغفل في الدنيا لما يلاقي خطيبته بتتجوز راجل تاني ! 


ودفعها عنه قائلا بكراهية : 

_ عرفتيه واتقابلتوا واتفقتوا ودبلتي في ايدك !! ..  و ده كله وعايزاني اسامحك ؟! .. وأنسى أني كنت مغفل ؟! 


وضعت نهال يدها المرتعشتان على وجهه الفاتن وقالت بتوسل وعينيها غارقة بالدموع : 

_ محبتهوش ولا عمري حبيت غيرك .. ولا أنت حبيت ولا هتحب غيري ، أنا شوفتك النهاردة مع البنت اللي بيقولوا خطبتها ، مش هي دي بصتك وانت بتحب يا أشهد .. ولا هي دي شخصيتك وواحدة بتحبها قريبة منك .. أنت ناسي كنت معايا أزاي ؟! .. الكل كان بيحسدنا على حبنا لبعض .. انت كنت مجنون بيا ... قول إنك بتتجوز عشان تنتقم مني .. أنا متأكدة إنك ما بتحبهاش. 


صاح أشهد فيها بغضب وقال : 

_ آه ما بحبهاش .. وآه هتجوز عشان تبعدي عني وأخلص منك .. أنتي عايزة مني إيه تاني ؟! .. أبعدي عن طريقي بقا !! 


ولكن نهال لم تبتعد، بل اقتربت منه بوقاحة شديدة ولحظات خاطفة اقتطفتها في دهشة منه ومحاولة منه بأن يبعدها، وبعدها تركت أثار احمر شفاها على جانب شفتيه بابتسامة منتصرة مهووسة ، فصفعها أشهد بكراهية عدة صفعات وهتف بوجهها : 

_ اللي بتقولي ما بحبهاش دي انضف منك مليون مرة .. وأنتي عارفة كويس أن عمري ما كنت هاخد الخطوة دي بجد غير وأنا من جوايا ومن قلبي عايز .. دلوقتي فعلًا أنا شايفك وشايفها كويس أوي .. أنتي ولا حاجة جنبها .. لا أنتي ولا غيرك ولا أي حد قابلني زيها .. أنتي انسانة مقرفة وخاينة وأنانية .. أنما هي أرق وأطهر بكتير أوي من إنك تجيبي سيرتها على لسانك .. لإن هي الوحيدة اللي بلاقي أشهد القديم معاها .. مش أشهد اللي معندوش قلب ولا بيثق في الناس ولا في مخلوق .. أنا حقيقي بحتقرك!. 


صعقت نهال مما قاله ، حتى قالت وهي تنظر له بغضب جنوني : 

_ أشهد اللي قدامي ده أنا اللي عملته ، ولا أنت كنت مفكر نفسك ذكي وبيزنس مان بصحيح ؟! ... أنا اللي كنت ببعتلك الزباين وأنا اللي فتحتلك الطرق ، ولو مش مصدقني روح اسأل نص العملا اللي اشتغلت معاهم في أول طريقك .. أنا اللي كنت بوصي عليك في السوق من ورا جوزي عشان تنجح وتحقق أحلامك ومتيأسش وتفشل .. أنا اللي عملتك يا أشهد وأنا اللي أقدر أهدك 


رد أشهد بسخرية : 

  _ لو كنتي بعتيلي عميل مرة .. فاللي اتعامل معايا تاني وتالت كان عشان شطارتي وشغلي .. أنا محدش عملني ومحدش له فضل عليا .. كان قدري إني أكون في يوم رجل الأعمال أشهد شاهين وبقيت .. بدليل أن أصغر فرع في شريكاتي بكل ثروة جوزك .. كان الأولى تستخدمي معارفك وزباينك في شغلك .. لكن ده مش جديد عليكي .. 


ابتسمت نهال بابتسمة شيطانية وقالت بتهديد : 

_ أنت شوفت محبتي يا أشهد، لكن لسه ما شوفتش أنتقامي .. وضربتي ليك المرة دي مش هتعليك .. هتدمرك، وأوعدك.


لم يكترث أشهد لما قالته وتركها بعد أن رماها بنظرة محتقرة ...

فضغطت نهال على أسنانها بغيظ شديد ثم قالت : 

_ مش فاكرها ملاك ؟!... أنا هوريك الملاك بتاعتك دي هتعمل فيك ايه !. 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


وباليوم التالي ..  

استيقظت رقة واستعدت للذهاب للعمل .. وبعدما ايقظت شقيقتها شهد وتوجهت لتخرج من الباب .. لاحظت جريدة يومية ملقاة أمام باب الشقة .. تعجبت رقة منها .. ولكن لاحظت صورة منشورة واسم أشهد شاهين أسفلها بالخط العريض ! 


رفعت رقة الجريدة ونظرت للصورة وهي تشهق من الصدمة .. فقد كانت الصورة خادشة للحياء لأشهد وهو بين ذراعيه امرأة فاتنة بمشهد حميمي غير لائق ! 


ارتعشت يدها وهي تلتقط أنفاسها بالكاد ، حتى أتت شهد وهي تقول لها بالتسامة وتعطيها هاتفها : 

_ تليفونك كنتي هتنسيه وأشهود بيرن ... رقة في ايه ؟! 


سألتها شهد بقلق عندما لاحظت حالتها ، لم تستطع رقة التفوه وهي تبك، فأخذت منها شهد الجريدة وصدمت من المنشور وقالت : 

_ اكيد في حاجة غلط .. يبقى أشهد بيرن عشان كده ؟! .. ردي 


رفضت رقة وهي تبك بانهيار ، بينما أجابت شهد على الهاتف، فقال أشهد ويبدو بصوته الانفعال : 

_ أنا عارف أن اكيد وصلك الخبر .. أنا جايلك في الطريق وهفهمك كل حاجة .. 


صاحت رقة ببكاء : 

_ يبقى والدتك كان عندها حق .. أنا اللي عبيطة وصدقتك ..


قالت شهد بعصبية : 

_ أنا مش فاهمة حاجة ؟! .. 


قال أشهد بحدة : 

_ انا كلمت المحامي وهرفع قضية على النشر الخبر ده .. مش لأي شيء غير أن المقصود أن خطوبتنا تنتهي ... وأنا مش هسمح بكده. 


وانتهى الاتصال ، حيث قالت شهد بجدية : 

_ أنا شايفة إنك تسمعيه الأول .. 


دخلت رقة وهي تبك وعينيها بدأت تنتفخ من البكاء ، فنظرت لها شهد بقلق وقالت : 

_ عرفتي أنا كنت خايفة عليكي ليه ؟ .. أنتي رقيقة أوي ومش هتستحملي أي حاجة.. 


قالت رقة بألم : 

_ مش هقدر اتحمل حقيقة انه استخدمني عشان ينتقم من واحدة بيحبها وسابته ..  للدرجة دي أنا رخيصة كده في نظره ! .. يعني هو كدب عليا واتقدملي عشان كده ؟! 


وأجهشت رقة بالبكاء، وشعرت شهد بالذنب لإنها كانت سببا لتلك الصدفة منذ البداية .. 

فقالت شهد وهي تربت عليها بحنان : 

_ لأ يا رقة .. ما اظنش واحد زيه هيضطر ياخد خطوة الجواز لمجرد أنه ينتقم من واحدة تانية ... هو جاي وهيفهمنا كل حاجة ، هروح أبعت لأم بسنت وحموكشة يحضروا معانا .. عشان ما نبقاش لوحدنا مايصحش .. 


وبعد مضي بعض الوقت دخلت سيارة أشهد الفارهة المنطقة العشوائية .. وبدأ الصغار يلتفون حولها بفرحة .. بينما خرج أشهد من سيارته وجيها ساحرا قد تزاحمت عليه جميع العيون .. وبعد لحظات صعد لشقة الفتاتان وعندما فتحت له شهد لاحظ عليها العبوس .. دخل أشهد عدة خطوات ونظر لرقة التي تجلس وعينيها منتفختان من البكاء وجارتها أم بسنت تواسيها  .. وقال : 

_ ردي على الكدب اللي اتنشر ده هو أن كتب كتابنا هيكون خلال الأسبوع ده بالكتير .. ده بالنسبة للناس .. أنما بالنسبالك أنتي .. فأنا ..  

الفصل التاسع 


 دخل أشهد عدة خطوات ونظر لرقة التي تجلس وعينيها منتفختان من البكاء وجارتها أم بسنت تواسيها  .. وقال مباشرةً : 

_ ردي على الكدب اللي اتنشر ده هو أن كتب كتابنا هيكون خلال الأسبوع ده بالكتير .. ده بالنسبة للناس .. أنما بالنسبالك أنتي .. فأنا ..  


وصمت أشهد قليلًا وكأنه يشعر بثقل الكلمات وصعوبة في نطقها حتى قال ما استطاع نطقه: 

_ أنا مافيش في حياتي واحدة غيرك  .. ما تصدقيش أي حاجة ممكن تتقال عني، لإن الإشاعة دي مش هتكون الأخيرة. 


تطلعت به رقة في صمت ودموع، حاولت ان تستشف الحقيقة من كلماته الجادة وعينيه التي تهرب من عينيها كأنه يريد أخفاء شيء .. فقالت شهد بأنفعال : 

_ بس دي مش إشاعة .. دي صورتك مع واحدة وبنفس اللبس اللي كنت لابسه امبارح .. هيخمنوا كمان كنت لابس إيه ؟! 


سقطت دموع رقة وهي تنتظر منه إجابة، بينما زفر أشهد بعصبية وأجاب : 

_ الصورة حقيقية .. بس المكتوب كدب، لإن نهال كانت مراقبانا وشافتنا من أول ما خرجت ورا رقة لحد ما وصلتها ورجعت للبيت .. وفي طريق رجوعي السواق بتاعي اضطر يوقف وتقدروا تسألوه .. ونزلت من عربيتي عشان احذرها للمرة المليون تبعد عني .. والصورة دي اتاخدت عن قصد لما اترمت عليا وبعدتها عني  ..  هي دي كل الحكاية .. ثم أن إيه اللي هيخليني أخطب واحدة وأنا في دماغي واحدة تانية ؟! 


قالت رقة بحيرة وهي تنهض وتقف أمامه بعينان دامعتان : 

_ أنا مصدقاك .. بس خايفة، احنا مالحقناش نعرف بعض كويس عشان نكتب الكتاب بالسرعة دي ؟! .. 


اغتاظت شهد من موافقتها بتلك السهولة، فقال أشهد لها بتأكيد : 

_ لازم ده يحصل يا رقة، نهال مش هترتاح غير لما تبعدك عني وأنا مش مستعد أخسرك .. كتب الكتاب هيكون تكذيب كافي للي اتنشر .. لو يهمك اسمي وسمعتي وافقي .. ومش هتندمي. 


تدخلت شهد بعصبية وقالت : 

_ انا لحد الخطوبة ومكنتش معترضة .. قولت تتعرفوا على بعض براحتكم، أنما خطوبة وكتب كتاب في اسبوع واحد ده شيء ما يدخلش دماغي .. وبعدين أفرض أختي ما ارتاحتش معاك وحبت ما تكملش .. تطلق ؟! .. لا أنا مش موافقة !. 


قالت لها أم بسنت : 

_ أستني بس يا شهد .. هو يعني إيه اللي هيأخره ما خير البر عاجله يا بنتي !. 


اعترضت شهد وقالت : 

_ بس مش أسبوع يا أم بسنت ! .. ده أختي ما تعرفش اسمه الثلاثي حتى !... 


رد أشهد بغيظ من شهد وقال : 

_ أنا مش أي حد عشان تكلميني كده يا آنسة شهد ؟! .. أنا اسمي وشخصي معروفين للكل مش حد مجهول وشاكة فيه ! .. وبعدين أنا مكنتش مخطط أن كتب الكتاب يبقى بالسرعة دي ... لكن الظروف حكمت .. وبعدين أنا قررت القرار ده لإني نيتي خير وعايز أكمل مع رقة أختك .. ايه الغلط ؟ 


وتابع ناظرا لرقة التي ابتسمت له بين دموعها : 

_ نهال بقت زي المجنونة وعايزة ترجعلي بأي طريقة .. خصوصا لما وصلها خبر أني خطبت، مش هتسكت وهتحاول تفركش الخطوبة دي بأي شكل .. وأدي عينة من اللي ناوية عليه ، فضيحة وكدبة مالية الجرايد أنا ماليش اي ذنب فيها. 


وأضاف وهو يحدثها وينظر لعيناها بعمق:  

_ الخطوبة دي لو كانت في البداية مزيفة فدلوقتي أنا حابب أخليها حقيقية وأكمل .. نصيبنا نتقابل بالطريقة دي .. ونصيبنا برضه أننا نتجوز بالسرعة دي من غير تخطيط أي حد فينا .. يبقى ايه الفرق أني اكتب الكتاب بعد أسبوع أو استنى شهر أو شهرين ؟ .. هنكتب الكتاب بعد يومين والفرح بعد شهر .. 


وقبل أن تناقشه شهد وتدخل معه في جدال قالت رقة بابتسامة واثقة : 

_ أنا موافقة .. 


ابتسم لها أشهد وقال : 

_ حضري نفسك عشان هننزل دلوقتي وتختاري فستان كتب الكتاب وفستان الفرح وكل اللي تحتاجيه .. 


نظرت شهد بحدة لشقيقتها، ثم توجهت نحو غرفتها بعصبية، فقالت رقة معتذرة لأشهد : 

_ ما تقلقش أنا هتكلم معاها .. هي بس شهد بتخاف عليا أوي و ...


قاطعها أشهد بتفهم : 

_ أنا مقدر خوفها .. وعلى فكرة، أنا أمي وأخويا لسه محدش فيهم يعرف حاجة عن قراري ده .. أنا لما شوفت اللي منشور عني أول حد فكرت فيه أنتي .. 


مسحت رقة عينيها من الدموع وقالت بابتسامتها المتوردة: 

_ انا هروح اكلمها .. 


تطلع بها بنظرة دافئة وقال : 

_ وأنا هرجع على البيت اقعد مع أمي شوية واكلمها .. وبعد ساعتين بالضبط هرجعلك .. تكوني جهزتي نفسك عشان هنقضي اليوم سوا النهاردة ... مش هنرجع غير لما تكوني جبتي كل اللي نفسك فيه. 


اشتدت ابتسامتها واسرعت نحو غرفة شقيقتها بحياء، فتنهدت أم بسنت بابتسامة حالمة بعدما خرج أشهد وقالت : 

_ ده الحب حلو يا ولاد .. 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


بمنزل آل شاهين .. 


فتح حازم باب غرفة والدته وقال :

_ خير .. طالما أنت قاعد مع أمي يبقى ربنا يستر .. 


نظر أشهد له وقال : 

_ خير أن شاء الله .. 


وقالت مشيرة بغيظ : 

_ ما تتكلم بقا يا أبني قلقتني ! 


أعلن أشهد الخبر ودوافعه لسرعة القرار.. ففغرت مشيرة فاها من الصدمة وذهل حازم للحظات وكاد أن يقول شيء ولكن انتبه لوجود والدته .. فسأل شقيقه أشهد بجدية : 

_ كتب الكتاب بعد يومين .. أنت بتتكلم بجد يا أشهد ؟! 


رد أشهد بثقة : 

_ أومال بهزر ؟! .. طبعا بجد ..


نظر له حازم نظرة ذات معنى وصمت .. بينما صاحت مشيرة بغضب : 

_ يعني أنا أعارضك في الجوازة نفسها وأنت تروح تتفق معاها على كتب الكتاب ولا كأن ليك أم تعبرها وتاخد رأيها وتعرفها .. ؟! 


قال أشهد بضيق : 

_ أنا وضحتلك اللي خلاني اعمل كده يا أمي .. أنتي كنتي شايفة أي رد تاني مناسب أكتر من ده ؟! .. لما اكتب كتابي ده اثبات كافي إن كل اللي بيتنشر عني كان كدب وأن موضوع الخطوبة ده مكنش للشو وخلاص وكان حقيقي .. قوليلي لو كنتي مكاني هتعملي ايه ؟


لم تجيبه مشيرة ولكن علامات الغضب والرفض ارتسمت على وجهها بوضوح .. بينما قال حازم بجدية : 

_ أنا عايز اتكلم معاك شوية يا أشهد لوحدنا .. بعد اذنك يا أمي. 


هتفت بهما مشيرة بعصبية وقالت : 

_ ما تتكلموا قدامي ولا انتوا مخبيين عني حاجة ؟! 


رد حازم بغيظ : 

_ أنا خارج .. 


وخرج حازم من الغرفة ولحقه أشهد وأوقفه قائلًا : 

_ تعالى نتكلم في المكتب .. 


وبالمكتب .. 


تحدث حازم بعصبية أمام شقيقه الكبير أشهد الذي جلس أمام مكتبه وبدا عليه الهدوء : 

_ لا يا أشهد اللي بيحصل ده غلط .. المرادي مش هسكت ومش هوافقك في الخطوة دي .. الاتفاق من البداية أن الخطوبة دي أصلًا كدبة وكلها يومين وتخلع .. ايه اللي حصل ؟! 


رد أشهد بنظرة حادة قوية : 

_ اللي حصل أن نهال اتعدت حدودها المرادي بجد وقررت تدمرلي حياتي للمرة التانية .. و ده مستحيل يحصل. 


دهش حازم وقال : 

_ بس مش على حساب بت غلبانة يا أشهد مالهاش ذنب ! .. ذنبها ايه تبقى لعبة تاخدها وقت ما أنت عايز وتسيبها وقت ما تزهق وتخلص مصلحتك ؟! .. لا مش هقف معاك المرادي ..


تنفس أشهد بعمق ثم قال ببعض التيهة : 

_ هي اللي وقعت نفسها في طريقي .. وبعدين هي هتخسر ايه يعني؟! .. دي هتبقى حرم أشهد شاهين !. 


ضرب حازم بقبضته على مكتب أشهد وقال بعصبية : 

_ بس بالكدب يا أشهد !! .. جوازة من بدايتها قايمة على كدبة، واللي أنت بتعمله دلوقتي مالوش غير تفسير واحد بس .. أنك لسه بتحب نهال ولسه موجوع منها ومانسيتش .. أنا صدقتك كتير لما كنت بتقول نسيتها .. لكن الحقيقة أنك لسه بتحبها وبتدور على اي حاجة وتوجعها زي ما وجعتك وغدرت بيك .. 


ضيق أشهد عينيه التي أسودت من الغضب ونهض من مقعده متوجها نحو شقيقه .. ثم صفعه بعنف قائلًا بتحذير غاضب : 

_ طريقتك دي وصوتك العالي تستعملهم مع شوية المجرمين اللي بتتعامل معاهم .. أنما أنا أخوك الكبير تكلمني باحترام  ..


وتابع أشهد بشراسة : 

_ ليك حدود يا حازم تتكلم وتدخل بيها في حياتي ما تتخطيهاش... وقراري مش هرجع فيه .. سواء رضيتوا أو رفضتوا .. كتب كتابي بعد يومين، اللي عايز يجي معايا مش همنعه .. واللي رافض مش عايز اسمع صوته. 


تطلع به حازم بنظرة عاتبة شديدة وقال : 

_ أنا هبقى معاك يا أشهد ... بس مش عشان موافقك، عشان مش هتهون عليا تبقى لوحدك في يوم زي ده .. 


وخرج حازم من الغرفة وبعينيه الم شديد .. واغمض اشهد عينيه بثقل شديد جسم على صدره .. ولا أحد يعلم حربه مع نفسه، لا أحد يشعر بتلك المعركة الشرسة بينه وبين خوفه من الاعتراف أن قلبه بدأ يدق بالفعل للمرة الثانية ولو كانت تلك الدقات بطيئة وتلفها الحيرة والخوف.. ومدى خوفه من أن يخذل مجددا .. ومدى صعوبة الاعتراف بكل هذا !. 


جلس على مقعده مرةً أخرى مثقلًا بالهموم.. وأمامه ساعة واحدة من الزمن حتى يذهب لتلك الفتاة التي فجأة اقتحمت حياته وبأياما قليلة لا يعرف كيف آلت الأمور ليقرر بجدية أن يجعلها زوجته! .


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


انتهت رقة من تجهيز نفسها وقد ارتدت الرداء الأحمر ذو الطراز الغجري الأسباني .. وقالت بابتسمة رضا وهي تنظر لنفسها عبر المرآة : 

_ الفستان ده حلو أوي عليا .. 


لم تجيب عليها شهد التي انتهت من ارتداء ملابسها للتو .. فأقتربت منها رقة وقالت بابتسامة حنونة : 

_اضحكي بقا وفكي التكشيرة دي .. هو مش أنتي كنتي اقتنعتي بكلامي ؟! 


أجابت شهد بابتسامة حائرة : 

_ خايفة عليكي يا رقة .. يعني لو مكنتش أخاف على أختي هخاف على مين ؟! 


ضمتها رقة وقالت بثقة : 

_ ما تخافيش .. وهو فعلًا مكنش قدامه حل احسن من ده يرد على الكدابة دي بيه .. هو لو معملش كده كنت قلقت منه اصلًا وقولت لنفسي ده بيتسلى بيا يومين وهيرميني.


نظرت شهد لشقيقتها بقلق وقالت : 

_ تصرفها ده معناه إنها ست قادرة وممكن تعمل أي حاجة ومايهمهاش ... أنتي مستعدة للي جاي ؟! 


أومأت رقة رأسها بالايجاب وقالت بابتسامة واثقة : 

_ ولا عشرة زيها هيشغلوني طالما هو بيحبني وأختارني من وسط مليون بنت .. أختك مش بالضعف اللي أنتي متخيلاه..! 


لم تطمئن شهد رغم ما قالته شقيقتها، وعندما أتى أشهد انتظرهما بسيارته وبدا عليه الشرود والضيق عكس المتوقع !. 

وقاد السيارة بنفسه ولم يبدي اهتمام كاف بمظهر رقة الناعم بهذا الرداء التي ظنت أنه سيسرق تركيزه حينما يراه ..  ولكن جلست بالمقعد الأمامي جانبه وامتلأت عينيها بالأحباط خصيصا مع الجفاء الواضح في معاملته وعينيه الشاردة للبعيد والمنصبة على قيادة السيارة بتركيز تام وصمته المثير للقلق والشك .. ! 


وبعد مضي بعض الوقت أوقف سيارته أمام "أتيليه" مشهور لبيع فساتين السهرة والزفاف .. نظرت شهد للمكان بدهشة، فأقل وابسط رداء هنا سيكون بمبلغ وقدره .. ولكن هو من أختاره وأتى بهما لهنا ! .. تحدث أشهد دون أن يلتفت لرقة ولو بنظرة : 

_ أنا خليت السكرتيرة بتاعتي تكلم صاحبة الاتيليه عنك .. هي دلوقتي مستنياكي .. وأنا هستناكم في العربية عشان بعد ما تخلصوا هنتغدا سوا .. 


نظرت له رقة لبرهة بوجوم ثم قالت : 

_ أنت مضايق من حاجة .. هي والدتك رفضت ؟ 


تنهد أشهد بضيق .. وليت هذا الامر كان السبب الحقيقي فقط، فقال ولا زال ينظر أمامه بحدة : 

_ رفضت في الاول، وده امر متوقع وطبيعي.. بس فهمتها اللي حصل وأنتهى الأمر .. 


سألته شهد بعدم فهم : 

_ يعني إيه أنتهى الأمر ؟! .. أنا أختي مش هتتجوز وحماتها مش موافقة !! 


رد أشهد بعصبية على شهد وقال : 

_ وأنا مش صغير وقد قراري .. وبخصوص أمي ما تقلقوش .. زعلها ده مؤقت وبعد كده كل شيء هيبقى تمام .. وبعدين في شيء لازم تكونوا فاهمينه .. أنا المسؤول الأول والأخير عن أي شيء يخصني ويخص حياتي الشخصية بالذات ... يعني الجدال في مين موافق ومين رافض مالوش داعي .. المهم أنا عايز إيه. 


وصمت للحظات ثم نظر لرقة التي امتلات عينيها بالقلق والتوتر وقال : 

_ وأنا اخترت اللي هتجوزها وعايز أكمل معاها .. فمسألة جوازي منها مافيهاش أي نقاش تاني .. سواء اتجوزنا دلوقتي أو بعدين .. ولا أنتي شايفة ايه ؟ 


طرح عليها السؤال لتجيب على شقيقتها ..فقالت رقة بابتسامة : 

_ أنا شايفة أني هتأخر كده على الست اللي مستنياني ..


أهدته رقة ابتسامة ناعمة قبل أن تخرج من السيارة مع شقيقتها شهد، وراقبها أشهد بوجه دون تعابير .. رغم ما يستعر بقلبه من نيران وخوف عليها من نفسه التائة .. تلك الفتاة بريئة أكثر مما ينبغي، وهو لم يعد يتوقع ماذا سيحدث بالأيام القادمة .. ! 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


استقبلتها المصممة الشهيرة " بيلا جود " 

 وادخلتها غرفة واسعة بها عدد ليس كبير من فساتين سواريه خاصة للمحجبات .. وقالت بابتسامة مجاملة:  

_ أنا جبتلك افضل فساتين عندي يا عروسة .. اختاري منهم السواريه اللي يعجبك وبعدين نختار براحتنا فستان الفرح .. ولو تحبي موديل معين ممكن أعملهولك .. 


شكرتها رقة وقالت بابتسامة : 

_ ماشي .. فستان الفرح مش مستعجلة عليه، قدامي أكتر من شهر اختار براحتي  ..


اومأت اليها بيلا بابتسامة بلطف وخرجت من الغرفة وفي نفسها بعض الغرابة والتعجب من مظهر الفتاة البسيط التي من المفترض إنها الزوجة المستقبلية للچان الشهير أشهد شاهين .. ! 


همست رقة بانبهار لشقيقتها شهد على الفساتين المعروضة : 

_ كلهم أحلى من بعض .. ماشوفتش فساتين بالجمال والفخامة دي قبل كده ! .. وأنا اللي كنت فاكرة نفسي بعرف افصل وأصمم !. 


ردت شهد قائلة بإعتراض : 

_  ما تقلليش من نفسك أنتي مش ناقصك غير إمكانيات بس، ..وأنتي لو بدأتي في المشروع ده بجد هتبقي خلال سنة سنتين بالكتير احسن من بيلا جود .. أنا متأكدة ، وبعدين احنا هنقضي الوقت في الكلام ولا إيه .. يلا تعالي قيسي وشوفي اللي يعجبك .. 


تحمست رقة وبدأت تختار الأنسب .. وبعد مرور بعض الوقت من الحيرة، دخلت بيلا عليهما الغرفة وقد كانت رقة ترتدي ملابسها الاصلية بالبروفا وقالت بلطف : 

_ ها إيه الأخبار ؟ 


أجابت شهد وقالت وهي تشير لأثنان من الفساتين بيديها: 

_ هي هتاخد واحد من الأتنين دول .. بس بصراحة احنا الاتنين محتارين تاخد أنهي فيهم .. الاتنين تحفة عليها. 


نظرت بيلا فساتين وقالت بابتسامة لطيفة:  

_ خلاص ..سيبولي أنا القرار ده، تلبسهم وأنا هختار الأحلى عليها ..


وافق الفتاتان بترحيب وشكرت رقة لطف تلك المرأة ومعاملتها الراقية المريحة .. وبعد دقائق وقع أختيار بيلا على الفستان الأزرق الفاتح الذي جعل رقة كالأميرات بالقصص الاسطورية.. وقالت بيلا بتأكيد : 

_ هو بس عايز شوية تغيرات بسيطة خالص وهيبقى أحلى من كده كمان .. أنتي أتفقتي مع ميكب ارتيست ولا لسه ؟ 


شعرت رقة بالحرج ونظرت لشقيقتها ثم قالت : 

_ بصراحة لسه .. 


فقالت بيلا بمشاكسة : 

_ ومكسوفة ليه ؟! .. عموما أنا بس كنت هكلمها عشان ااكد عليها استايل الطرحة عشان شكل الفستان ما يبوظش  .. أنا يهمني شغلي وبتدخل في ادق التفاصيل معلش .. 


وابتسمت لها رقة بصدق وقالت : 

_  انا كنت هلف لفة الحجاب العادي، زي اللي أنا لبساه ده .. مش بحب رقبتي تبان. 


نظرت بيلا لحجابها للحظة ثم قالت : 

_ لو كده تمام .. أصل في استايلات عجيبة بشوفها بتدمر شكل الفساتين .. عموما الف مبروك يا عروسة ، تتهني بيه يارب . 


شكرتها رقة بلطف ثم قالت بيلا بحماس : 

_ تعالي معايا بقا عشان البنات ياخدوا مقاساتك بالتفصيل وبالمرة هاخدك لفساتين الفرح تشوفيهم .. 


تابعت شهد شقيقتها رقة التي اندمجت مع بيلا والفتيات داخل غرفة كبيرة بها عدد من آلات الخياطة الحديثة ، وحينما رأتهم رقة اسرعت نحو آلة منهم وقالت بعفوية وإعجاب شديد : 

_ الله ...المكنة دي اللي نفسي أجيبها من زمان .  


قرصتها شهد لتنتبه، بينما لاحظت بيلا ما قالته رقة وسألتها بتعجب : 

_ أنتي بتعرفي تخيطي وتفصلي ؟! 


ردت رقة بتأكيد وحماس طفولي : 

_ ده أنا اعجبك أوي .. اتعلمت كل حاجة بسرعة ، الخياطة والقص والتفصيل وكله .. ده حتى الفستان اللي عليا ده أنا اللي مفصلاه بإيدي .. وبعرف أطبع كمان. 


دهشت بيلا للوهلة الأولى، ثم نظرت للفستان الغجري بإعجاب وقالت : 

_ حلو جدًا .. بس عليه ملاحظات لو كان في وقت كنت قولتلك عليها .. 


بدا على بيلا أنها ملت من الحديث ، فوكزت شهد شقيقتها بذراعها ثم همست قائلة بغيظ : 

_ ما تسكتي بقا ! . خياطة ايه وتفصيل ايه اللي بتتكلمي فيه ! .. أنتي ناسية أنتي خطيبة مين ؟! 


انتبهت رقة وشعرت بالحرج خصيصا مع نظرات بيلا المتعجبة منها !! .. وبعدما انتهت من أخذ مقاساتها ذهبن إلى قاعة ضخمة لفساتين الزفاف ..  

وقفت رقة تنظر للفساتين بابتسامة حالمة بجانب شقيقتها.. ووقفت معهن بيلا لدقائق .. ومع الحيرة العنيفة في الاختيار ظنت بيلا أن رقة لم ينال أعجابها شيء فقالت مقترحة : 

_ في أكتر من تصميم بخلص فيهم .. يعني تقريبا كده بعد أسبوعين .. لو عايزة تستني وتشوفيهم تمام .. 


سألتها رقة بعفوية : 

_ يعني أستني أحسن ولا أختار من دول ؟ 


ضحكت بيلا من تلقائية رقة وبراءتها وقالت : 

_ لو عايزة رأيي ... يبقى آه أستني، ثقي فيا وأنتي مش هتبطلي تتعاملي معايا.  


وافقت رقة دون تردد وقالت : 

_ خلاص هستنى .. المهم دلوقتي فستان كتب الكتاب وخلاص اختارته .. بس لسه ..


قاطعتها بيلا قائلة : 

_ كل مستلزمات الفستان سبيهالي أنا هجيبهالك .. اديني بس رقمك عشان لما اعوز ابعتلك حاجات تختاري منها اللي يعجبك على الواتساب ... أنتي عايزاه أمتى ؟ 


ردت شهد وقالت : 

_ بكرا بليل بالكتير .. 


فكرت بيلا قليلًا ثم قالت بابتسامة : 

_ مافيش مشكلة .. هخلي البنات يخلصوه النهاردة وبكرا بإذن الله هخلص الباقي بنفسي .. 


سألتها رقة بحياء : 

_ هو الفستان اللي اختارته حسابه كام ؟ 


شاكستها بيلا وقالت : 

_ العرايس القمر اللي زيك مالهمش دعوة بالحساب.


وتابعت بابتسامتها المرحة : 

_ الحساب كله هيتحدد لسه لما الفستان يخلص وابعتهولك بكل كمالياته .. وبعدين سكرتيرة أستاذ أشهد هي اللي هبعتلها الحساب زي ما طلب .. 


فهمت رقة أن فاتورة الحساب سيكون مبلغ سيصعب على فتاة بسيطة مثلها تفسيره، وقد ادركت بيلا ذلك فراوغت بالإجابة .. وعندما خرجت رقة مع شهد قالت لها بإطمئنان: 

_ كويسة أوي بيلا دي .. ده حتى الطرحة والجزمة هي اللي صممت تختارهم .. ريحتني في كل حاجة بصراحة. 


ردت شهد بسخرية : 

_ ما بتعملش كده ببلاش يا حبيبتي ما تقلقيش .. وبعدين أنتي بعد كام يوم هتبقي مرات الباشا .. يعني اتعلمي لما تيجي هنا تختاري اللي انتي عايزاه من غير ما تسألي على الفاتورة .. مجرد التخيل بس مريح نفسيا.


وضحكت شهد وعادت لمرحها المعتاد، فخرجت معها رقة وعلى وجهها ابتسامة واسعة، وعندما عادا لسيارة أشهد وجداه خارج السيارة ويقف بعيدًا مواليًا لهما ظهره ويتحدث بهاتفه المحمول، قالت رقة لشقيقتها : 

_ استني هروحله أنا وأقوله إننا خلصنا. 


وذهبت رقة له بوجها بشوش متفائل حتى انتبهت لصوته وهو يقول بعصبية عبر الهاتف لشقيقه حازم الذي اتضح صوته بواسطة مكبر الصوت بسبب الضوضاء ولم ينتبه أشهد لوجودها خلفه: 

_ عموما لو حد سمعنا فمش هيقدر يتكلم أطمن .. اكيد حد من الخدم كان ماشي بالصدفة ومخدش باله كنا بنقول ايه .. 


رد عليه حازم عبر الهاتف وقال : 

_ طب والفازة اللي لقيتها مكسورة وصوت خطوات كانت بتجري ! ... أنا بس قلقان ليكون حد من بنات خالتك سمعنا وعرف الحقيقة ويفضحنا .. أمك لو عرفت إنك كدبت عليها أنت بالذات هتخربها على دماغنا .. 


قال أشهد بزفرة حارة : 

_ لو حد منهم سمع مش هيسكت .. عموما هعرف لما ارجع البيت، واللي اتصنت علينا يا ويله مني لو فكر يتكلم أو يعملي مشكلة تبوظ الجوا...


وقطع كلمته الأخيرة عندما انتبه لظل ظاهرا خلفه، استدار أشهد واتسعت عينيه بذهول عندما وجدها رقة تقف ناظرة له بصمت .. نظر لها بتوتر وحاول أن يستشف منها اي شيء ، لكنها قالت بقلق : 

_ في حاجة يا أشهد ؟ .. أنا حاسة أن في مشكلة عندكم في البيت !... 


ابتسم أشهد بعدما تنفس الصعداء وقال بتأكيد : 

_ لا أبدًا .. ده أنا وحازم كنا بنتكلم في ترتيبات الفرح واحنا  في البيت وحازم مصمم أن حد كان بيتصنت علينا وبيدور عليه .. شغله مأثر عليه !. 


سألته رقة بقلق وخوف : 

_ مكنتش اقصد اسمع والله .. بس حقيقة ايه اللي خايف والدتك تعرفها .. انا حاسة أن الموضوع ده يخصني !. 


صدم أشهد لوهلة، حتى ساعده ذكائه وقال مبررا : 

_ حقيقة معرفتنا ببعض .. أنا مقولتش لأمي التفاصيل من الأول ، واكتفيت بس باللي اتنشر في الجرايد بسبب أختك .. محبتش أنها تفهمكم غلط .. سيبت الحقيقة دي تبقى بينا أنا وأنتي بس .. واللي بعتبرها فعلًا اجمل صدفة في حياتي .. أنما أمي مكنتش هتبص للحكاية كده .. فاهمة؟ 


ابتسمت رقة له بمحبة وقالت : 

_ فاهمة .. وواثقة فيك. 


دهش أشهد من كلمتها الأخيرة، هل بتلك السرعة وثقت به ؟! .. نظر لها نظرة طويلة ثم قال مغيرا مجرى الحديث : 

_ اختارتي الفساتين ؟ 


قالت رقة بابتسامة واسعة : 

_ نقيت فستان كتب الكتاب بس وهستلمه بكرا .. أنما فستان الفرح لسه بعد أسبوعين .. كويس أنك مدخلتش معايا عشان بعد بكرا تبقى مفاجأة وتشوفه .. 


ابتسم لها ابتسامة باهتة وقال : 

_ سكرتيرتي هتتصل بيكي النهاردة عشان هتقولك على شوية حاجات .. 


ضاقت رقة من تكرار ذكر تلك السكرتيرة وقالت : 

_ هو أنا طفلة صغيرة ؟! .. وبعدين هي تقولي ليه يعني ؟! 


رد أشهد عليها بتفهم وقال : 

_ على فكرة هي مش صغيرة، دي أكبر مني بـ ١٠ سنين تقريبًا .. بس بتفهم في كل شيء، وعلى فكرة هي اللي اختارت بيلا جود وقالتلي كمان انها هتحجزلك عند ميك ارتيست ممتازة تعرفها .. يعني هتريحك جدًا، اعتبريها أختك الكبيرة .. 


تنفست رقة بهدوء وابتسمت، فابتسم أشهد لها وقال بتسلية : 

_ غيرة من أولها كده ؟! 


تورد وجه رقة بالحياء وتحاشت النظر اليه وأشارت لشقيقتها شهد بأن تأت!. 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


ذرعت هدير الغرفة ذهابًا وإيابًا في حيرة وتردد، ضربت قبضتيها ببعضهما بتنهيدة حائرة حتى قالت لها شقيقتها نرمين بحقد : 

_ أنتي مستنية إيه بعد اللي سمعتيه وسجلتيه ! .. لازم خالتو تعرف الحقيقة حالًا !. 


تنفست هدير بعصبية وقالت : 

_ مش بالسهولة دي يا غبية ! .. أشهد وحازم لو عرفوا أني سجلت كلامهم هتبقى مصيبة ، أنا مايهمنيش خالتو في حاجة ، انا اللي يهمني البت اللي اسمها رقة دي تغور في داهية .. عايزة افضحهم بس من غير ما ابان في الصورة .. مش عارفة أجيبها أزاي وده اللي هيجنني ..


نهضت نرمين وقالت بقوة : 

_ يبقى لازم ماما تعرف ، هي اللي هتقدر تتصرف. 


ضيقت هدير عينيها بغضب وأشارت لشقيقتها بتحذير وقالت : 

_ أنتي عارفة لو نطقتي بحرف من اللي قولتهولك هكدبك انتي شخصيا قدام الكل .. أمك يا غبية لو عرفت مش هتفكر حتى وهتروح تقول لخالتو .. وأنا اللي هتصدر وهتعرف للكل أني اتصنت عليهم بدل المرة اتنين لحد ما عرفت اسجلهم كلامهم كدليل .. 


وجلست هدير وهي تحاول أن تجد حلا لتلك المعضلة، فقالت نرمين بغيظ: 

_ خليكي فكري لحد ما تلاقيه كتب الكتاب واتجوز .. 


نظرت لها هدير بسخرية : 

_ أنا مايهمنيش كتب الكتاب في حاجة .. اللي يهمني أن الجوازة دي تنتهي قبل الفرح وقبل ما تدخل واحدة البيت ده .. كده كده مش هلحق اعمل حاجة وخلاص هيكتب كتابه بعد كام ساعة .. المصيبة أني مش لاقية حل اكشف الحقيقة بيه من غير ما حد يشك فينا !. 


زفرت هدير بغيظ من نفسها وهي عاجزة عن ايجاد حلًا .. 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


وفي المساء .. 


دخلت نهال منزلها وعلامات الغضب مرتسمة على وجهها، حتى وجدت حركة غريبة بالقصر .. وقفت مكانها حينما انتبهت لخروج الطبيب من غرفة زوجها بالطابق الأرضي وهو يقول لكريم ولده : 

_ أنا أسف .. هو خلاص .. ادعيله ..


فهم كريم حديث الطبيب وأن والده الآن يحتضر وفي عداد الأموات، لم تكترث نهال بالأمر وتركت الجميع وصعدت لغرفتها .. وبعد مرور ساعات قليلة 

اتت خادمة وقالت هي تبك وتنوح : 

_ الحقي يا ستي .. فاروق بيه .. مات ! 


وكانت نهال ممددة على فراشها تبك خوفا من زواج حبيبها اشهد، وعندما سمعت الخبر تنفست بقوة ومسحت عينيها من الدموع وقالت : 

_ أخيرًا خلصت منه .. 


وكان هذا الخبر من المفترض أن يحزنها، ولكنه جعل الأمل يتفتح بقلبها من جديد !!.. فنهضت وفتحت خزانتها لتنتقي أرقى ملابس سوداء لديها  . .. وابتسمت وهي ترتدي الأسود وقالت : 

_ كده مالكش حجة يا أشهد .. 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

الفصل العاشر


وأتى يوم عقد القران بمنزل الفتاتان بعد إتمام الترتيبات اللازمة له بالساعات الماضية. 

مضت الساعات الفائتة على رقة سريعة وبآنً واحد بطيئة جدًا، ولكن ما كدر مزاجها هو أنشغال أشهد عنها تمامًا، حتى أنه أجرى عدة مكالمات هاتفية سريعة ليتأكد أن كل شيء على ما يرام ... فقط !!.


وجهزت شهد المنزل لاستقبال عدد قليل من المدعووين المقربين من الفتاتان فقط .. وأتى أشهد بأفخم سيارة لديه .. وتبعه شقيقه حازم بسيارته ومعه خالته وأبنتيها .. وقالت نرمين بسخرية قبل أن يصلون لبيت رقة : 

_ وأنت مش ناوي بقا تعرفنا على تعيسة الحظ اللي هتبقى خطيبتك ؟! 


رد حازم بعد وقتٍ طويل وقد أستفز ذلك نرمين وقال : 

_ عندها امتحانات .. وبعدين ده بمزاجي .. يوم ما أنوي هعرفها على الكل .. اكتمي بقا!. 


لوت سميحة زاوية شفتيها وقالت باشمئزاز وهي تنظر لطرقات المنطقة العشوائية التي تسكن فيها رقة : 

_ احنا اتكتمنا من غير حاجة من الريحة المقرفة اللي في المكان ده ... هي عايشة فين دي ؟! 


رد حازم بسخرية : 

_ والله يا خالتي الناس مش بيتحكم عليهم من مكان سكنهم، ياما ناس زبالة وما عندهمش دم وعايشين في مناطق نضيفة !. 


وغمز عبر المرآة لنرمين التي شعرت بالغليان والغيظ منه ليقينها أنه يقصدهن بالحديث .. فضحك حازم عندما نجحت رميته وقال لهن : 

_ كل واحد حر .. 


تمتمت سميحة بشيء لم يسمعه حازم، ولكن يبدو أنه سباب وشتائم .. وبعد دقائق وقف بسيارته خلف سيارة أشهد التي توقفت للتو وسط أنظار الكثير من سكان الحي الفقير... وكأنه الأمير الذي أتى بالحفل لمنزل السندريلا!. 


(وبشقة الفتاتان ... )

صاح الصبي "حموكشة" وقال لوالدته التي كانت مشغولة بترتيب الحلوى بالأطباق :

_ العريس وصل يمه ومعاه المأذون .. العريس وصل .. 


دق قلب رقة التي كانت تسلم وجهها للـ " ميك أب ارتيست" بغرفتها، وقد تبقى لحظات بسيطة وتنتهي تماما، 

وبتلك اللحظة أخذت شهد يدي شقيقتها بين يديها وقالت بدموع فرحة صادقة : 

_ كلها دقايق وهياخدك مني. 


تمسكت رقة بيد شقيقتها وقالت بعتاب ونظرة حنونة : 

_ محدش يقدر ياخدني منك .. هفضل معاكي لآخر نفس .. 


ابتسمت شهد وهي تمسح عينيها وقالت : 

_ لأ أنا عايزاه ياخدك وتفرحي وتتبسطي .. أنتي تستحقي اكتر من كده بكتير أوي .. 


وهنا انتهت الفتاة الخبيرة من تزيين رقة التي بدت كحورية البحور السبع .. وشهقت بسعادة عندما وقفت ونظرت لنفسها بالمرآة .. قائلة بدهشة : 

_ أنا دي ؟ .. لا مش معقول !! 


ضمتها شهد وهي تبك بسعادة وتقبلها بحنان .. وارتفعت بعد ذلك أصوات الزراغيد وطوى الأكف عندما دخل أشهد مع المأذون وتبعه حازم والبقية .. وبعد دقائق خرجت رقة وارتفعت اصوات الزراغيد مجددًا عاليًا.. 

وكان أشهد جالسًا بالكاد يبتسم للجميع .. شاردا فيما يحدث ويشعر بالغرابة من كل شيء ! .. كأنه يحلم ولحظات وسيستيقظ ليوم عمل شاق. 

حتى رآها ... تسمر مكانه ودهش للوهلة الأولى، وسلب عقله مظهرها الشديد الأنوثة مع مساحيق تجميل غلفت وجهها بنعومة ساحرة ..

وتصبغ وجه رقة بالحياء والابتسامة العميقة الصافية وأزواج العيون مُسلطة عليها. 

بينما هو ظلت عينيه عليها معلقة في حرب صامتة لشوق جارف اليها، وشيء غامض ينبض بقلبه كلما وقعت عينيه على عينيها .. وبدأ المأذون يعقد القران .. وكانت عينيه عليها وهو يردد خلف المأذون بابتسامة ونظرة عين بها لهفة عنيفة للقرب..

وكلماتٍ وهمسات ...بمفردهما.


وأخيرًا تعالت دقات قلبها بسعادة شديدة عندما استمعت لكلمات المأذون وهو يقول : 

_ بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير .. 


نهضت تستقبل التهاني والمباركات من الجمع حولها، وتعالت الزراغيد مجددًا حول رقة .. وعندما ضمتها شهد بسعادة غامرة لاحظت شهد غمزة ماكرة من عين حازم وابتسمت بخفاء لتلك النظرة الماكرة .. بينما حازم ضيق عينيه بتسلية وابتسامة خبيثة وهمس عندما وقف قربها : 

_ جايلك يوم يا حلو .. أما هيبقى حتة يوم  ..


ابتسمت شهد سرًا، بينما تظاهرت باللا مبالاة .. وتجاهلته، وقد اغتاظ منها حقًا .. 

وظل أشهد ورقة يتلقون التهاني من الجميع لبعض الدقائق .. حتى صافحته سميحة وأبنتيها بجفاءً شديد دون ابتسامة وقالت له قبل أن تغادر : 

_ مبروك يا حبيبي .. عقبال الفرح .. أبقى هات عروستك تسلم على أمك بقا عشان مشيرة ما تزعلش .. كفاية إنها مقدرتش تحضر ..


انتبهت رقة للحديث وقالت لها بابتسامة : 

_ أنا مقدرة تعبها .. شوية وأشهد هياخدني أنا وأختي وام بسنت ونزور ماما مشيرة ..


لوت سميحة شفتيها بسخرية وتمتمت : 

_ ماما مشيرة !! .. طيب ! 


ولاحظت رقة سخرية سميحة، فابتلعت ريقها بحرج وحمدت ابتعاد سميحة ومغادرتها مع أبنتيها من المنزل .. بينما عانق حازم شقيقه الأكبر بقوة وقال له بنظرة فهمها أشهد: 

_ مبروك يا أشهد .. الف مبروك. 


ابتسم أشهد له بثبات وقال : 

_ الله يبارك فيك .. عقبالك يا حازم. 


اعترض حازم بقوة وقال بنفور من فكرة الزواج بتلك الطريقة : 

_ بعد الشر .. لا مش عايز كده ..


واعتقد الجميع أنه ينفر من رابطة الزواج، بينما أشهد قد فهم  ما خلف رده وأعتراضه، فانكمشت تعابير شهد ودهشت من إجابته للحظات .. ويبدو أن حازم راقه صدمتها وقال ليستفزها أكثر : 

_ مقابلتش اللي تدخل دماغي لسه ..


تنفست بعمق وابتعدت عن محيطه، فاتسعت ابتسامة حازم بتسلية وتتبعت عيناه خطواتها المبتعدة نحو صديقتها نور وشابا آخر يرافقها !!. 


وفجأة شعرت رقة بأصابع تتخلل أصابعها في دفء وقوة .. حتى ضم أشهد أصابعها كليًا بقبضته .. فأنتشرت قشعريرة بجسدها وتسحبت ابتسامة على شفتيها وهي تنظر له جانبًا .. وبعدما غادر المدعويين القليلون ... أخذت ام بسنت رقة لغرفة الجلوس الصغيرة وأشارت لأشهد ليأت إليهما .. وقالت بابتسامة عريضة : 

_ اقعدوا مع بعض شوية .. وأنا هعشي حنفي والعيال وراجعة بسرعة .. 


خرجت المرأة وتركت عدد ليس بكبير بالشقة .. 

(وبغرفة الجلوس ...)

دخل أشهد بابتسامة ونظرة عين جعلت رقة ترتجف من الحياء والخجل .. اقترب بعدما أغلق الباب خلفه وقال : 

_ أظن دلوقتي من حقي اقعد معاكي من غير محرم ... بقيتي مراتي رسمي .. 


ابتسمت رقة بسعادة زلزلت قلبها ورفعت عيناها له سريعا وهي تقول بحياءً شديد: 

_ مبروك يا أشهد .. مبروك يا زوجي العزيز. 


هز أشهد رأسه بابتسامة يتخللها الاعتراض والمرح وقال بمكر : 

_ ما ببتقالش كده في يوم زي ده .. 


وقبل أن تفكر رقة في رده وتسأله جذبها من ذراعيها اليه، وهمس وهو يقبّل جبينها ببطء ورقة متناهية جعلتها ترتجف حياءً : 

_ بتتقال كده. 


ولأول مرة تنظر لعيناه السوداء الساحرة بذلك القرب الخطر، انتشر بجسدها رعشة عنيفة حتى ابتعدت بحياء شديد عندما شعرت بالخطر .. ابتسمت رقة وهي تقترب من نافذة وهمت لتفتحها قائلة : 

_ شوية هوا .. 


ضيّق أشهد عينيه عليها وراقة ذلك المكر الذي لا يظهر كثيرًا فيها، فأقترب منها من جديد وقال بخفوت : 

_ ما احنا هنخرج شوية... هتيجي عندي البيت عشان تشوفي أمي  ... 


انتبهت رقة لنبرته الماكرة وعينيه اللمعة فاستدارت وقالت له : 

_ هاجي معاك عشان أشوفها .. وأختي هتيجي معايا هي وام بسنت وعيالها وجوزها .. مش هنكون لوحدنا. 


رد أشهد بسخرية ونظرة خبيثة : 

_ ولو بقينا لوحدنا يعني ..! ... أنتي ناسية إنك دلوقتي مراتي !. 


اتسعت إبتسامة رقة بسعادة لنطقه لتلك الكلمة المحببة لقلبها، ثم قالت بلطف :

_ مقدرش أنسى  ... بس من هنا ليوم الفرح مش هنكون لوحدنا .. أنت يتخاف منك!. 


اختفت الابتسامة من وجه أشهد ورفع حاجبه بحدة لردها ! .. بينما أتى ردها على نقطة عميقة في نفسه، متوجسا من مواجهتها، يعترف بالذنب في عدم التحدث عنه.. ولكنه لم يستطع، فقد تذكر أشهد التشوه المخيف الذي يغطي منتصف جسده، إثر حادث مروع تعرض له قبل سنوات وخرج منه حيًا بفضل الله وإرادته، كلما أراد التحدث في هذا الأمر والاعتراف لها لم يستطع .. فأمتلأت عينيه بألم وهو يطالعها بصمت ويفكر بتوجس بالآت ... قالت رقة بإعتذار وقلق من صمته : 

_ مقصدش أزعلك والله .. أنا بهزر معاك .. 


ظل أشهد يطالعها في صمت وتيهة للحظات، وبكل لحظة يتصارع مع نفسه لينطق بما يؤرقه ويخيفه من ردة فعلها ... فهمست رقة وعينيها غارقة بالاعتذار والخوف وهي تقترب وتضع يدها على صدره : 

_ أشهد .. 


تنفس أشهد بعمق وظهر عينيه التوتر وهو يلمس يدها على صدره ويقول : 

_ تعالي معايا نروح لأمي عشان ما نتأخرش عليها ..


ظلت تنظر له بقلق حتى سألته : 

_ أنت زعلت مني ..؟ 


رد عليها بصدق وبوجه بتعابير مبهمة : 

_ مافيش سبب يزعلني منك !  .. 


سألته مرةً أخرى بحيرة : 

_ يبقى مالك ؟! 


تطلع أشهد بعينيها للحظات صامتة، ثم رفع يديه على كتفيها بلمسة حنونة وقال بعاطفة : 

_ في حاجة جوايا عايز أقولهالك  .. 


سألته رقة بلهفة : 

_ إيه هي ؟


أجاب أشهد وعينيه مليئة بألم لم تفهم سببا له: 

_ أنا محتاجلك .. محتاجلك أنتي بالذات مش أي واحدة غيرك، محتاج لصدقك وبراءتك وحنيتك في حياتي .. أنا بلاقي نفسي القديمة معاكي .. مهما أتقالك عني  ... ماتبعديش. 


أختفت معالم الخوف والقلق من وجه رقة، وتسحبت ابتسامة لشفتيها وهي تنظر له بمحبة شديدة، حتى وضعت يدها على فمها غير مصدقة بسعادة كسعادة الصغار عند المفاجآت، ثم قالت بتلك الابتسامة وهي تنظر لعيناه بثقة: 

_ ما اللي يقول يقول .. المهم أنت بتقول إيه .. صحيح، قول اللي أنت قولته كده تاني ؟ 


ابتسم أشهد لها ولفرحة عينيها الصافية البريئة .. 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


وقفت شهد تودع صديقتها نور التي أتت مع شقيقها الأكبر " تامر"  لعقد القران عند مدخل باب الشقة .. بينما قالت شهد لصديقتها بابتسامة واسعة : 

_ عقبالك يا نوري لما نفرح فيكي وتتجوزي.


شاكستها نور وقالت بضحكة : 

_ لا مش دلوقتي خالص .. الشهادة والوظيفة الأول وبعدين نشوف الجواز بيقول ايه !. 


ضحكت شهد وقالت : 

_ بيقول كل خير ما تقلقيش. 


رد تامر بابتسامة ونظرة إعجاب واضحة لشهد وقال : 

_ الغريبة إني أعرف كل صحاب نور أختي .. لكن عمري ما شوفتك ولا مرة معاها .. كنت اسمع عنك بس .. مش غريبة دي ؟! .. 


أجابت  شهد بلطف : 

_ حصل خير .. 


للوهلة الأولى استفز تامر اختصارها في الحديث معه، حتى قال مجترًا معها حديثا آخر بنظرة ماكرة: 

_ هو خير أن شاء الله .. خير أوي. 


لم يروق لشهد نظرات ذلك الشاب وكلماته، ولكنها اضطرت أن تظهر ابتسامة بسيطة مجاملة لصديقتها نور .. وبعد قليل انتبهت شهد لاقتراب حازم منهم وتعابير وجهه لا تنبأ بالخير، حتى قال بصوتٍ حاد موجها الحديث لتامر : 

_ سايب الرجالة وواقف مع الحريم ليه يا سطا؟! .. مش عيب ؟!


دهش تامر من العنف الواضح بهذا الجدار البشري الذي يقف أمامه ويحدثه هكذا دون حتى معرفة سابقة وسأله بتعجب : 

_ حريم أسطا ؟! .. أنت بتكلمني كده ليه ؟!


ابتسم حازم ابتسامة تخفي أنفعال شديد وأجاب بعصبية : 

_ أنا اتكلم زي ما أنا عايز .. إيه مش عاجبك ؟ 


توجهت شهد لحازم بغيظ وقالت : 

_ هو عمل ايه عشان تكلمه كده ؟  .. هو واقف على راسك ؟! 


زم حازم شفتيه بغضب مكبوت وهو يرمقها بنظرة عنيفة .. حتى رد عليها بتحذير : 

_ أنتبهي لكلامك معايا يابت أنتي ؟! أنا ثانية كمان وهساوي وشه بالجدار!. 


هتفت شهد به وقالت بعصبية : 

_ أنت مالكش كلمة لا عليه ولا عليا عشان تسكتنا ؟! .. ولا فاكرني هخاف منك ؟! 


سحبت نور شقيقها بالقوة وغادرت الشقة قبل أن ينشب شجارا حاد بينه وبين ذلك الثور الهائج حازم .. فتنفست شهد بغيظ وقالت : 

_ احرجتني قدام صاحبتي وعمال تعلي صوتك معرفش على ايه ... هو أنت فاكر الناس كلها زي المجرمين اللي بتتعامل معاهم ؟! 


نظر لها حازم ولأول مرة يتحدث بتلك الجدية معها وقال : 

_ لأ .. أنا اللي كنت فاكرك حاجة تانية، لكن دلوقتي شايفك عادية .. زيك زي كتير أوي .. صفر. 


تسمرت شهد من تلك الكلمات التي رغم أنها لم تكن سبابا أو شتائم صريحة، ولكنها تحمل الكثير من الإهانة .. وقال حازم تلك الكلمات وخرج من باب الشقة وتركها تقف متجمدة .. 


وحينما خرجت رقة وهي تتأبط ذراع أشهد بابتسامة تخصه بها وحده، لاحظت بعد قليل تشتت شهد وعينيها اللامعتان بدموع محبوسة .. فتطلعت بها بنظرة متسائلة وقلق، فأومأت لها شهد بابتسامة باهتة بأن لا شيء يقلق .. 


حتى قال أشهد لهن: 

_ العربية مستنيانا تحت .. يلا بينا. 


قالت رقة سريعا : 

_ طب وأم بسنت و.. 


قاطعها أشهد بلطف : 

_ هنستناها تحت .. يلا بينا بقا عشان منتأخرش ...


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


خرجت سميحة وأبنتيها من سيارة "حازم" وعلى وجوههن التهكم والأنفعال أمام البوابة الضخمة للمنزل .. ونظر اليهن متكدرًا وظل بعض الوقت بسيارته يحدث نفسه بتعجب : 

_ البت دي غبية أوي .. ده أنا لأول مرة ابتدي أعجب بواحدة بجد !! .. عموما كويس أنهم بس شوية إعجاب وراحوا لحالهم ... نشوف شغلنا بقا .. 


ابتسم حازم بسخرية من نفسه، ثم خرج من السيارة ودخل المنزل متوجهاً لغرفة والدته مباشرةً...


(وبغرفة مشيرة ..)


انتبهت مشيرة للذي فتح الباب ووقف أمامها مبتسما بمرح قائلًا : 

_ اليوم كان ناقصه حاجة كبيرة أوي ... 


تحدثت مشيرة وتحكمت بدموعها التي نزفت لساعاتٍ وقالت بعناد : 

_ محدش هيجبرني اروح مكان مش عايزاه  .. خصوصا بعد اللي البت دي عملته. 


دهش حازم وسألها سريعا : 

_ تقصدي رقة !... هي عملت ايه؟! 


اشتعلت مشيرة غيظا وقالت : 

_ الحيوانة كلمتني في التليفون النهاردة الصبح ... وحايلتني كتير عشان احضر كتب الكتاب .. بس رفضت، ووأنا بتكلم معاها بعصبية جبت بالصدفة سيرة الحادثة بتاعة أشهد .. لقيتها ما تعرفش أن نص جسمه متشوه .. وقفلت التليفون في وشي .. قليلة الأدب !. 


صدم حازم مما سمعه، فكان يظن أن أشهد قد أخبرها ولو نبذة عن هذا الحادث، ولكن يبدو أنها لا تعلم عن الامر شيئًا، عوضا عن ذلك التصرف السيء مع والدته .. فقال بشك : 

_ هي جاية مع أشهد في الطريق ... أبقي عاتبيها يمكن في سوء فهم !. 


رفضت مشيرة أي مناقشة معها وقالت : 

_ ولا اعاتبها ولا عايزة أشوفها أصلًا .. أنا حتى ما اهتمتش أقول لأخوك .. أصلها خلاص شكلها كلت بعقله حلاوة وأبني ضاع مني زي ما ضاع قبل كده ..


جلس حازم على فراش والدته وقال لها بصدق : 

_ هتصدقيني لو قولتلك أني خايف عليها هي من أشهد ؟! .. البنت دي غلبانة أوي بجد .. بكرا هتتأكدي من كلامي. 


سخرت نظرة مشيرة مما سمعته، حتى دخلت شقيقتها سميحة وأبنتيها بعدما بدلان ملابسهن .. وقالت سميحة بإستياء ومقت : 

_ بقا ده يبقى كتب كتاب شاب زي الورد زي أشهد بمكانته ؟! ...ده أنا حمدت ربنا أن مافيش حد من بقية العيلة معزوم .. حاجة تكسف !.


ودخلت بالمناقشة هدير وقالت : 

_ والله يا خالتو المكان اللي ساكنين فيه بشع جدًا وكله زبالة وريحة قذرة والناس اللي هناك كأنهم مساجين ومجرمين ! ... هو أشهد بيعمل في نفسه كده ليه ؟! 


اغتاظ حازم وقال : 

_ والله كلنا طلبنا منك قبل كده تخليكي في حالك ومافيش فايدة !. 


صاحت سميحة بوجهه وقالت بعصبية : 

_ في حالها أزاي بعد اللي شوفناه ده ؟! ..ما تبقاش منافق لأخوك وقول الحق يا حازم .. دي جوازة تعر ! 


اشتعل غليان مشيرة أكثر حتى رد حازم بغضب وقال : 

_ محدش ليه حق أنه ينطق بحرف في حياتنا أنا وأخويا ويقول رأيه اللي محدش طلبه أصلًا .. واللي يزعل يوفر الزعل لنفسه ويخليه في نفسه. 


حدجته سميحة بغل وقالت لشقيقتها بغضب : 

_ شايفة رد أبنك يا مشيرة ؟! .. يعني ده جزائي أني زعلانة على بخت أبني وحزينة على الواقعة اللي وقع نفسه فيها ؟!  .. هو مش أشهد ده زي أبني برضه ولا إيه ؟! 


وقبل أن تعنفه مشيرة رد حازم وقال بتحذير : 

_ أنا مش هكرر كلامي تاني .. مرات أخويا محدش يضايقها بكلمة .. وخليكوا فاكرين أن من النهاردة ده بيتها .. يعني لما تدخل هتكون صاحبة بيت مش ضيفة!. 


ردت سميحة وقالت بسخرية وحقد : 

_ آه .. تقصد يعني أننا نغور ما احنا الضيوف بقا عند ست هانم !.. ده أظاهر أنها ما استكفتش باللي لهفته وناوية أختها تكمل، ما بقت زيطة بقا!... ولا أنت فاكرني عامية مش واخدة بالي ؟!. 


صدمت مشيرة وقالت : 

_ تقصدي البت اللي اسمها شهد دي ؟! ... ده يبقى حصل في عقله حاجة ؟!


تحدث حازم بعصبية وقال : 

_ مالها شهد مش فاهم ؟! ... وعموما ارتاحوا .. أحنا الأتنين مابنطقش نشوف وش بعض اصلًا .. ده احنا لسه مهزقين بعض من ساعة !...


قالت نرمين تتهمه بغيظ : 

_ أومال عينك ما اتشالتش من عليها ليه ؟! .. 


ضغط حازم على نواجذه من الغضب وتحكم بأعصابه، ثم خرج من الغرفة قبل أن يلقي تلك الحقودة نرمين من النافذة ويستريح .. 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


وفي الطريق .. 


عادت الحيرة بقلب رقة عندما راقبت صمت أشهد المريب وهو يقود السيارة، صمته بتلك التعابير القاتمة على وجهه لا تمت بصلة لأي سعادة من المفترض أنه يشعر بها اليوم !! 


وعندما وقفت سيارته أمام بوابة منزله تنهد بعمق كأنه على وشك خوض معركة ضارية، وعندما لاحظت رقة ذلك رغما عنها وضعت يدها على يده برقة متناهية دون أن ينتبه من بالمقعد الخلفي.. وتفاجأ أشهد من ذلك الأمر وظل ناظرا لأصابعها التي تشابكت مع أصابعه في لمسة حنونة دافئة، ثم رفع نظره إليها .. فقابلته رقة بابتسامة صافية .. كأنها تريد بث الأمان بقلبه ... تشابكت نظراتهما للحظات بابتسامة مشتركة مطمئنة ... حتى خرج الجميع من السيارة لمقابلة سيدة هذا المنزل .. 


وبمساحة الصالون الفسيحة .. 


جلست شهد وجارتها أم بسنت وحنفي زوجها .. بينما أخذ أشهد رقة لمقابلة والدته بغرفتها العلوية .. فنهضت شهد قائلة : 

_ أنا جاية معاكم ..


وقصدت شهد ذلك لعدم ترك شقيقتها بمفردها، فوافق أشهد وأخذهما لغرفة والدته، بينما همس حنفي لزوجته أم بسنت وقال : 

_ ما روحتيش معاهم ليه ؟! 


أجابته أم بسنت بصوت خافت : 

_ مش عايزة أسبب احراج للبنات، خصوصا أني مقربلهمش ويا دوب جارتهم .. رغم أن ربنا شاهد أني بعتبرهم زي بناتي  ... المهم أننا جينا معاهم وماسيبناهمش لوحدهم. 


نظر حنفي حوله بإنبهار وقال : 

_ يابت المحظوظة يا رقة .. دي محدش هيعرف يكلمها بعد كده  . ايه العز ده كله ؟! 


ضيقت أم بسنت عينيها بغيظ وقالت : 

_ يا راجل قول ما شاء الله وأتمنالها الخير !! .. دول بنات غلابة وربنا عوضهم بعد سنين يتم وغلب ! .. ربنا يحفظهم من لسان اللي زيك ..


سخر حنفي وقال : 

_ أومال لو سمعتي الكلام عندنا في الحته هتعملي إيه ؟ .. ده ما بقاش في سيرة غير سيرة جوازها من الباشا ده .. 


غضبت أم بسنت وقالت : 

_ ما أنتوا منطقة ما ورهاش غير اللت والعجن والبص في أرزاق بعض .. ما تسيبوا البت في حالها وارحموها من قلبكم الأسود ده ؟ .. 


لم يكترث حنفي لما قالته وقال شيء تذكره للتو : 

_ آه صحيح .. ده بيقولوا أن شوقي خرج النهاردة ..


سخرت أم بسنت وقالت : 

_ ما يخرج ولا يروح في ستين داهية .. خلاص مابقتش أخاف على رقة منه، دي متجوزة بيه قد الدنيا .. يعني لو شوقي بس فكر يبصلها محدش هيعرفله طريق .. ولا أنت ناسي أن حضرت الضابط حازم يبقى دلوقتي سلفها كمان !! 


اقتنع حنفي بما قالته زوجته ولكنه قال بقلق : 

_ ما أنا عارف كل ده، بس اللي قلقني أن شوقي طالما خرج ومظهرش في المنطقة يبقى ناوي على شيء .. شوقي بيحب البت دي ومعلقة معاه من صغرها ومش بسهولة هيسكت وينسى .. 


دب القلق بقلب أم بسنت وقالت : 

_ ولا هيقدر يعمل حاجة، ما تخوفنيش بقا يا راجل أنت وسيبني أفرح!. 


صمت حنفي وظل يمتع نظره بالفخامة والثراء البارز بكل زاوية حوله ..


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


وقف أشهد وبجانبه رقة وشهد أما فراش والدته مشيرة الجالسة بنظرة غاضبة بعيدًا عنهم ... تنفس اشهد بعمق وتمنى أن تتحكم والدته بغضبها ريثما حتى بوجود شهد ... وعندما أقترب منها هتفت مشيرة وأشارت له بتهديد وتحذير ليبتعد : 

_ ما تقربليش  .. كفاية اللي ...


وصمتت مشيرة للحظات ثم تابعت لرقة بعصبية : 

_ كفاية اللي مراتك عملته .. بقا أنا يتقفل في وشي التليفون ؟! 


دهش أشهد مما سمعه، فاقترب رقة بابتسامة من الفراش، وقالت وهي تأخذ يد مشيرة بين يديها بضمة حنونة، ثم قالت : 

_ والله العظيم ما قفلت .. ده التليفون وقع من ايدي وأتكسر ومعرفتش اتصل بيكي اعتذرلك .. طب هقفل ليه وأنا اللي متصلة بيكي أطمن عليكي ؟! ..  وجتلك لحد عندك عشان نكمل فرحتنا معاكي .. يا أمي. 


تفاجئت مشيرة من الكلمة الأخيرة ونظرت لها وكادت أن ترفض تلك الرابطة، فتابعت رقة بابتسامتها ودفء عينيها: 

_ من زمان ماقولتش يا ماما .. هقولهالك على طول. 


للحظة رق قلب مشيرة ونظرت لها بارتباك، ثم قالت  بعد ذلك بحدة وهي تسحب يدها من يد رقة : 

_ أنا خدت الدوا بتاعي وعايزة أنام .. 


شعرت رقة بالحرج، حتى وضع أشهد يده على كتفها بلمسة رقيقة وقال لوالدته : 

_ اكيد مش قصدها .. 


سخرت مشيرة وقالت : 

_ ما يمكن اتصدمت لما قولتلها على الحادثة بتاعتك واللي حصلك .. اللي واضح انها ماتعرفش عنهم أي حاجة!!.


صدم أشهد من تصريح والدته القاس، وكيف وضعته بهذا الموقف أمام الآخرين .. ريثما أنها واجهته بأكثر نقطة تؤلمه ويريد أخفائها عن الجميع .. احمرت عينيه من الصدمة وتحاشى النظر لرقة التي استدارت له سريعا ... وبلحظات قليلة كان خرج من الغرفة والغضب يكسو وجهه  .. انتفضت رقة ومعالم الغضب على وجهها والدموع تملأ عينيها وقالت : 

_ ليه تحرجيه وتجرحيه بالشكل ده ؟! .. 


وقالت رقة ذلك واسرعت خلفه باحثةً عنه .. بينما كادت شهد أن تتحدث معاتبة مشيرة رغم دهشتها من الأمر الذي يبدو

أن رقة تعرفه تفصيليا ولم تخبرها، ولكنها وجدت مشيرة قد تحولت من الجبروت للضعف والانهزام والدموع وهي تتمتم : 

_ كان ينقطع لساني قبل ما اوجعك يابني .. 


أشفقت شهد على حالتها واقتربت منها برفق، ثم جلست وربتت على يدها ولم يكن لديها كلمات لتقولها .. 


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖


أسرعت رقة خلفه بينما قد نزل أشهد بخطوات واسعة سريعة ودخل مكتبه ثم صفق الباب خلفه بقوة .. 


تجاهلت رقة قلق أم بسنت وزوجها من بعيد وهما ينظران لها، ودقت على باب المكتب كثيرًا حتى فتح الباب قليلا .. نظرت  للباب لبرهة، ثم دفعته لتدخل .. وقعت عينيها عليه وهو يسير ليقف أمام النافذة مرةً أخرى .. فتنفست بقوة ثم اغلقت الباب خلفها .. وحينما اقتربت منه كان أشهد يخلع جاكته ورباط عنقه بحركة غاضبة وصوت أنفاسه العال يدل على الحالة السيئة الذي يمر بها ... 


وعندما وقفت خلفه وكادت أن تقول شيء استدار أشهد بعدما فك أزرار قميصه العلوية جميعها وأظهر لها نصف جسده المشوه .. وهتف بها بعينان معذبة : 

_ أحنا لسه فيها .. لو عايزة تمشي مش همنعك، بس أنا مكنتش عايز أخبي عنك .. لكن غصب عني مقدرتش اتكلم في الموضوع ده .. وعارف أني غلطت .. 


نظرت رقة له بابتسامة بين دموعها وقالت وهي تنظر له بعتاب : 

_ أنا عارفة من قبل ما يتكتب الكتاب يا أشهد .. والدتك قالتلي وبشكرها أنها قالتلي .. 


نظر لها أشهد ولم يفهم تماما مقصدها، فقالت وهي تسحب راحة يده وتضمها بين يديها بأمان وعاطفة ثم تابعت : 

_ بشكرها عشان اثبتلك أني مفرقش معايا الشيء البسيط ده .. مقللش فرحتي بيك .. مفكرتش فيه لحظة .. وبعدين في حاجة افتكرتها دلوقتي .. 


سألها أشهد بنظرة عميقة : 

_ حاجة إيه ؟ 


ابتسمت له بعينان عاشقتان وهمت تغلق أزرار قميصه من جديد وهي تقول : 

_ زمان كانت أمي تقول .. الواحدة لما بتحب جوزها بتفضل تحبه حتى لو بقا عضم في أوفة .. بتبقى ستره وغطاه، أثر جروح إيه اللي تقلقك بالشكل ده مني؟! .. 


وقبل أن تقفل رقة الزر الأخير لقميصه، أخذت قلما باللون الأحمر من على المكتب سريعا ورسمت أسفل رقبته بقليل من بداية التشوه تقريبًا اسمهما وبينهما شكل قلب ... وقالت مبتسمة بسعادة وهي تسحبه من معصم يده لمرآة صغيرة بالغرفة وأوقفته أمامها : 

_ شوف بقا خطي حلو .. مش كده ؟


نظر أشهد بشيء زلزل كيانه لاسمهما وتلك الرسمة البسيطة على أعلى صدره التي جعلته لأول مرة تقع عينيه على ذلك التشوه ويبتسم من عمق قلبه .. ! 

ونظر اليها ببطء وهنا فقط بدأ يعترف لنفسه بشيء ..  أنه يحب، والأخطر .. أن تلك الفتاة البسيطة جدًا ... جعلته يدرك حقيقة أنه لم يحب من قبل .. وأنه لأول مرة بعمره يحب حقا ... والجنون بها آتٍ أو ربما أتى بالفعل، امتلأت عينيه بعاطفة عنيفة و.


تكملة الرواية من هنا


بداية الروايه من هنا



🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹

ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇

من غير ماتدورو ولاتحتارو جبتلكم أحدث الروايات حملوا تطبيق النجم المتوهج للروايات الكامله والحصريه مجاناً من هنا


وكمان اروع الروايات هنا 👇

روايات كامله وحصريه من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

تعليقات



CLOSE ADS
CLOSE ADS
close