رواية كسره وضمه وسكون الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر بقلم الكاتبه رحاب ابراهيم حسن حصريه وجديده
نظر أشهد بشيء زلزل كيانه لاسمهما وتلك الرسمة البسيطة التي جعلته لأول مرة تقع عينيه على ذلك التشوه ويبتسم من عمق قلبه .. !
ونظر اليها وهنا فقط بدأ يعترف لنفسه بشيء .. أنه يحب، والأخطر، أن تلك الفتاة البسيطة جدًا ... جعلته يدرك حقيقة أنه لم يحب من قبل، وأنه لأول مرة بعمره يحب ... امتلأت عينيه بعاطفة عنيفة وجذبها لصدره بلهفة وجنون ..
ليضمها بكل ما في قلبه، ثم دفن وجهه بكتفها بابتسامة مطمئنة وتنفس بعمق بعد ذلك .. كأنه أخيرًا أنهى طريقا طويلًا مليء بالشوك والألم وعاد للديار.
ابتعدت رقة عنه وقد أصبح وجهها متصبغا بالحمرة والحياء، واستدارت لتتهرب من عينيه التي وكأنها تعانقها مع كل نظرة، فأدارها أشهد مرة أخرى وقربها لصدره من جديد وهو يقول مبتسما بسعادة حقيقية:
_ أول مرة من زمان أوي أحس أني مطمن ومبسوط كده ..
ورفع وجهها لتنظر لعينيه الملتمعة بعاطفة شديدة حتى قبّل جبينها مرةً أخرى برقة متناهية وهمس وهو ينظر لعينيها عن قرب :
_ عنيكي كلها أمان .. كل نظرة بتقولي أطمن أنا جانبك .. من أول مرة شوفتك وفي شيء بينا غريب، شيء حلو .. كأننا اتقابلنا قبل كده .. أو كأننا افترقنا سنين ورجعنا .. محستش يومها أنك غريبة أبدًا .. من أول مرة أتقابلنا .. كأني قابلت نفسي على الطريق!.
ارتعشت جفونها إثر دموع السعادة وقالت مبتسمة :
_ مش سمعتني مرة وأنا بقول أني هحبك بطريقتي .. ومش هرتاح غير لما أبقى حتة منك لدرجة أنك لما تحب تطمن وتهدى تسيب الدنيا كلها وتجيلي ... شكل أمنيتي بدأت تتحقق!.
ابتسم لعلمها أنه سمع حديثها بالصدفة، ثم تطلع أشهد بوجهها في محبة شديدة وقال:
_ لما دي البداية يبقى اللي جاي إيه ؟! .. أنتي مش قد جنوني !.
وانتبهت رقة للمكر الذي غزا عينيه فابتعدت عنه وقالت بابتسامة مرتبكة :
_ ما يصحش نفضل لوحدنا ونسيبهم.
واسرعت نحو جاكيته وقالت وهي تعود له وتساعده في أرتداءه:
_ البس الجاكت بتاعك احسن حد يدخل ويفهمنا غلط ..
اتسعت ابتسامة أشهد وقال وهو يطيع أمرها ويرتدي معطف بدلته الأنيقة ويرتب هندامه :
_ محدش يقدر يدخل مكتبي من غير أستئذان ..
وجذبها مرة أخرى لتقف أمامه وهمس بخبث وابتسامة متلاعبة :
_ بس أنتي هيكون ليكي أستثناء .. وصحيح نسيت أقولك ..
سألته رقة وهي تحاول تخليص معصمها من قبضته بابتسامة :
_ نسيت تقول إيه ؟
تطلع بها أشهد من أخمص قدميها حتى أعلى رأسها بنظرة سريعة، ثم قال والمكر يلتمع بعينيه :
_ أنتي قمر النهاردة، تجنني .. يا عروسة البحر ..
ارتبكت رقة بحياءً شديد واحمر خديها وهي ترتجف، وحينما افلتت معصمها من يده اسرعت راكضة خارج المكتب وحررت ابتسامتها المليئة بالسعادة ..
تنفس أشهد بابتسامة واسعة وهو يرتب هندامه ويتأكد من مظهره، ثم خرج من المكتب ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
حاولت شهد أن تخفف من دموع مشيرة ولكنها فشلت في ذلك، ودخلت رقة الغرفة بعد نقرة خفيفة على الباب .. ثم جلست أمام مشيرة وربتت على يدها بابتسامة هادئة وقالت :
_ متزعليش يا ماما .. حقك عليا.
تعجبت شهد من شقيقتها، فهي لم تخطئ حتى تعتذر ! .. بينما طالعتها مشيرة بصمت وعينيها غارقة بالدموع، فطمئنتها رقة وقالت :
_ محبش أشوف دموعك خصوصا في يوم زي ده .. وأطمني أشهد مش زعلان.
ولحظات ودخل أشهد الغرفة وعل وجهه أبتسامة غارقة بالبهجة ولمعة عين يعانفها التفائل والأمل .. ادركت مشيرة ذلك منذ النظرة الاولى له .. فجلس أشهد بجانب أمه وقال بابتسامة :
_ مش هنتصالح بقا ولا إيه ؟!
دهشت مشيرة من تحول أبنها بتلك الدرجة، فهو لم يكن ذلك الشخص الذي يبادر بالصلح خصيصا إذا لم يكن على خطأ !! .. نظرت له للتأكد مما قاله، فـ ربت أشهد على كتفها برفق وقال :
_ النهاردة مافيش أي مجال للزعل ما بينا .. أنا مبسوط وعايزك تشاركيني فرحتي ..
تسحبت ابتسامة حائرة على وجه مشيرة وغمزتها رقة ببهجة، وبعدها اخذ أشهد والدته بضمة حنون واجهشت مشيرة بالبكاء وهي تعتذر له .. فتقبل أشهد أسفها برحابة صدر وقال :
_ صدقيني مش زعلان أبدًا .. بالعكس، أنا أول مرة في حياتي أفرح كده.
ضمته مشيرة بقوة وهي تبك وتدعو له، وراقبتهم شهد بابتسامة
مطمئنة واستئذنت قائلة :
_ أنا هستناكم تحت مع أم بسنت .. بعد أذنكم.
وخرجت من الغرفة ولا زالت الابتسامة على وجهها، بينما لاحظت شهد أن نرمين تركض بالممر وكأنها كانت تتنصت عليهم !!
فأوقفتها شهد وقالت :
_ أنتي بتجري كده ليه ؟!
وقفت نرمين ثم استدارت وشزرت بنظرة حاقدة لشهد ثم صاحت فيها :
_ أنتي بتكلميني أنا يا بتاعة أنتي ؟!
تنهفست شهد بنفاد صبر وتمتمت :
_ صبرني يارب ..
وأضافت بابتسامة مستفزة :
_ آه يا حبيبتي بكلم سيادتك ! .. أصلك بمجرد ما خرجت لقيتك بعدتي وبتجري بشكل غريب .. قلقت عليكي فسألتك !
لوت نرمين زاوية شفتيها باحتقار وقالت :
_ وأنتي مين بقا عشان تسأليني ولا فاكرة أنكم خلاص بقيتوا أنتي وأختك صحاب البيت ده ؟! ... معذورين ! .. ما انتوا مغفلين ومش فاهمين حاجة !.
ضيقت شهد عينيها بشك وسألتها بعصبية :
_ تقصدي إيه ؟!
ضحكت نرمين بسخرية وتركتها ثم اسرعت من أمامها واختفت! .. وظلت شهد متسمرة مكانها والجملة تتردد داخل رأسها محاولة بكل قوتها تفسيرها !.
ولحظات من التيهة مرت عليها حتى انتبهت شهد لحازم الذي يهتف بها بدهشة ولم تنتبه لظهوره من تيهتها وقال بغيظ:
_ يا بت ما تفوقي احسن السعك قلم يفوقك !.
نظرت له شهد تستوعب وجوده أمامها، ثم ردت بتوتر :
_ في إيه ؟! .. بتتكلم كده ليه ؟!
سخر حازم حينما أجاب :
_ انتي مش شايفة نفسك واقفة متخشبة أزاي وتايهة ؟! ... ياريتني سيبتك واستغليت الموقف.
وضحك ضحكة مستفزة أغاظتها، فهتفت به قائلة بعصبية :
_ لم لسانك عشان أنا لساني طول مترو الأنفاق.
رد حازم بنفس سخريته وقال :
_ مش مع أبو الحزم يا هندسة .. أنا سايبك تتلامضي بمزاجي، بس يوم ما هتنرفز هنسى أنتي مين وهحبسك ...
قالت شهد بضحكة ساخرة :
_شوف شوف !! .. تحبسني !! .. لأ خوفت وهقع من طولي !
ضيق حازم عينيه بمكر وقال بابتسامة خبيثة :
_ يخربيت الغباء! .. هحبسك بس مش في التخشيبة .. يا بت ما تصحي للكلام! أومال ايه اللي مصبرني على لسانك الزفر ده !... غير يعني شوية اعتبارات أسرية وصلة قرابة اترمت على حياتي فجأة !.
احمر وجه شهد من الغيظ والعصبية وكادت أن ترد عليه حتى قاطعها وقال بنظرة تهديد :
_ الواد الملزق اللي شوفته النهاردة ده لو شميت خبر أنه كلمك تاني هحبسه بجد .. ولو مش مصدقة جربي. .. ومعلش يعني لو كنت اتنرفزت عليكي .. أحمدي ربنا أني مسكت أعصابي .. أنني أغار يخربيتك!.
ارتبكت شهد وأخفت ابتسامتها بأعجوبة، وقالت مدافعة عن نفسها :
_ أنا أول مرة أشوفه أصلًا .. وبعدين أنا ما ليش اختلاط بحد في الجامعة عشان تكلمني كده !... وبعدين أنت مالك اصلًا ! مهتم كده ليه باللي بكلمه واللي ما بكلمهوش؟!.
رد حازم بابتسامة وثقة وهو يأكل قطعة حلوى من الطبق الذي بيده :
_ عشان أنتي أخت مرات أخويا .. يعني في مقام المخطوبين كده !
وضحك ضحكة مستفزة وغادر من أمامها وهو يبتلع الحلوى بنهم
حررت شهد ابتسامتها وتحركت لتنزل للطابق الأرضي، واقنعت نفسها بلحظات قليلة أن ما قالته نرمين لم يكن سوى حقد وكراهية وكيد لتعكر فرحتهم !.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبقصر نيهال ..
جلس رجل في العقد الخامس من عمره يدعى " عاصم" بمكتب شقيقه الأكبر فاروق .. بينما المحامي ونهال وكريم الأبن الوحيد لشقيقه الراحل فاروق يجلسون أمامه ..
وقد اشتعل وجه نهال بالغيظ والحقد والكراهية لزوجها الذي توفي منذ أيام قليلة وصاحت بهم جميعا :
_ فاروق مقاليش أنه عمل توكيل بكل أملاكه لأي حد من أخواته ؟! .. أزاي ده حصل ؟! اكيد في حاجة مش مضبوطة!
رد عاصم وقال بجدية وتحذير صريح لها :
_ أحفظي لسانك لو سمحتي .. أنا مش محتاج ولاكنت مستني وفاة أخويا عشان أورثه ! .. كريم أبنه اللي قاعد قدامك ده أكتر واحد عارف أني مش بقبل قرش حرام على ولادي .. لكن دي كانت رغبة أخويا من سنة فاتت وكنت رافض والمحامي موجود ويشهد ! .. لكن فاروق أصر لأنه واثق فيا وواثق أني هنفذ شروط الوصية بحذافيرها ..
رد كريم بغيظ وقال :
_ كمل يا عمي .. أبويا كان ايه شروطه عشان استلم ورثي ! ..
تنهد عاصم بضيق ثم شرح الأمر قائلا :
_ كل أملاك فاروق دلوقتي تقريبًا باسمي .. بس مش زي ما أنتم فاهمين .. انتوا الاتنين نصيبكم محفوظ لو وافقتوا على الشروط ... بمعنى أوضح
الشغل هيفضل زي ما هو ، ومدام نهال هتفضل ماسكة الشركات تمام مافيش أي حاجة هتتغير .. الشرط اللي فاروق حطه أني ما ارجعش لكل حد نصيبه من الورث غير بعد مدة معينة لازم تنتهي ... يعني كريم هيستلم ورثه بعد ٦ سنين، وشرط يكون اتجوز واستقر كمان .. ولو حسيت بتلاعب في مسألة جوازه هعتبر أنه أخل ببنود الوصية ومالوش عندي ورث.
اعترض كريم بعصبية وقال :
_ أبويا حتى بعد موته عايز يمشيني على مزاجه !!
احتد عاصم وقال محذرا :
_ احفظ لسانك يا كريم .. !، أبوك كل اللي يهمه مصلحتك وأنك مضيعش تعب سنين في لحظة زي عادتك !.
تدخلت نهال وسألته بعصبية :
_ طب وبالنسبالي أنا إيه شرطه ؟
نظر عاصم لها بضيق رغم أنه يرى أن تلك المرأة تستحق ما يحدث لها وقال بصرامة :
_ حقك هيرجعلك كامل باسمك رسمي بعد ٢٠ سنة .. بشرط أن في خلال ال ٢٠ سنة دي ما تكونيش اتجوزتي نهائي .. ولكن هتفضلي المسؤولة عن الشركات بنفس مرتبك ومنصبك مافيش أي حاجة هتتغير .. لكن في حالة جوازك سواء رسمي أو عرفي كل ده هيتحول باسم كريم بلا راجعة حتى لو اتطلقتي بعد كده .. ده غير أن هينسحب منك منصبك في الشركة وماينفعش ترجعيها تاني حتى لو كموظفة ..
هبت نهال واقفة وقد اسودت عينيها من الغضب وهتفت بشراسة :
_الكلام ده تخاريف ومايلزمنيش .. أنا ليا ورثي في أملاك جوزي وهاخده غصب عن أي حد .. ولو مخدتوش بالتراضي هاخده بالمحاكم !.
رد عليها عاصم ببساطة وقال :
_ يبقى مش هتكسبي حاجة .. لأن كل شيء مكتوب باسمي من سنة فاتت، يعني فاروق كان واقف على رجليه وبكامل قواه العقلية وهو بيكتبلي كل أملاكه .. الوصية دي ما بينا .. أنما الرسمي واللي محدش يقدر يثبت عكسه أن كل شيء دلوقتي ملكي لوحدي بيع وشرا .. ولأن فاروق واثق فيا وعارف أني هنفذ وصيته ومستحيل أطمع في جنيه من فلوسه سلمني كل أملاكه وأمني عليها .. وبعدين أنتي خسرانة ايه .. هتفضلي في فيلتك والشركة زي ما أنتي محدش هيقدر ياخد منك حاجة !
صاحت نهال بعنف وغضب شديد وهي تبك :
_ خسرانة ايه ؟! ... خسرانة ٢٠ سنة هضيعهم من عمري لو وافقت وحرمت نفسي أفرح وأعيش وافتح صفحة جديدة مع الدنيا ! .. ولو رفضت هكون خسرت ٧ سنين عشتهم في عذاب مع راجل أكبر من أبويا ! ... فاروق حتى وهو بيموت كان أناني ومفكرش غير نفسه .. ظلمني وحرمني من حقي وضيعلي عمري على مافيش ! .. أنا مش مسمحاه وعمري ما هسامحه أبدًا!.
وقالت نهال ذلك وغادرت من المكان بخطوات سريعة غاضبة، فتنهد عاصم بضيق شديد وقال :
_ أنا مكنتش موافق اصلًا على الوصية دي وحاولت بكل الطرق اخليه يتراجع لكنه موافقش! .. هو كده فعلًا ظلمها وبيقيدها وبيضيع عمرها ! ..
رد المحامي بحزم :
_ لو مش موافق تكون مسؤول عن الوصية دي فأحب افكر حضرتك أن فاروق بيه في حضورك قال أنك لو انسحبت هتولى أنا المهمة دي بدالك ..
نظر عاصم للمحامي بغيظ وشعر نحوه بالتلاعب والطمع .. فقال بحدة :
_ للأسف مش قدامي حل غير أني أوافق ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وقف أشهد بسيارته أمام منزل الفتاتان بالمنطقة الشعبية ..
ولحظات بسيطة وخرجت شهد ومعها جارتها وزوجها من المقعد الخلفي للسيارة .. وأنتظر اشهد لحظات أخرى حتى ابتعدوا ونظر لرقة الجالسة بجانبه بالمقعد الأمامي ورفع أصابعها لشفتيه بقبلة ناعمة وهو ينظر بابتسامة لخاتم الزواج الذي يعانق أصبعها وقال :
_ هنتقابل بكرا .. هاخدك ونتعشا برا ..
ابتسمت رقة بسعادة وقالت وهي تنظر له بحياء:
_ أن شاء الله ...
ظلت يدها بيده وهو ناظرا لها بابتسامة دافئة كأنه يرفض أن تبتعد عنه .. فقالت رقة وهي تنظر حولها بحرج :
_ أنا هنزل بقا عشان الناس بدأت تاخد بالها مننا ..
تمسك أشهد بيدها غير مكترثا للجميع .. وبصعوبة حتى سحبت رقة يدها منه ونزلت سريعا .. ولوحت مودعة قبل أن تختفي داخل المبنى .. ظلت عينيه عليها بنظرة عاشقة ثم تنهد بعمق وحرك سيارته مبتعدًا ..
وبشقة الطابق الثاني بالمبنى القديم ..
دخلت شهد غرفة شقيقتها رقة لتروي لها ما سمعته ويقلقها، لكنها فوجئت برقة وهي تدور حول نفسها بسعادة شديدة وتدندن مقطوعة شاعرية ولا زالت ترتدي فستانها ! .. ارتسمت ابتسامة على وجه شهد وقالت لها بمرح :
_ أبقي ادعي لأختك بقا .. ما هو أنا سبب الصدفة العسولة دي.
وقفت رقة وهي تتنفس بسرعة عالية، ثم جلست لتستريح على فراشها .. وقالت وهي تضم وسادة صغيرة بنظرة يغمرها السعادة :
_ ده أنا لو بحلم مش هيبقى الحلم بالجمال ده يا شهد .. ده أنا اتهيألي اني فرحانة أكتر من فرحة سندريلا لما الأمير دور عليها ولقاها وأتجوزها .. أشهد أمير .. أمير بجد، النهاردة عشت معاه يوم ولا في الأحلام.
جلست قبالتها شهد وترددت في أخبارها بما قالته نرمين، فأضافت رقة سريعا بسعادة وقالت :
_ والله يا شهد لو شوفتينا النهاردة كنتي تقولي ده الأتنين دول بقالهم عشرين سنة بيحبوا بعض .. وصحيح بصي اداني ايه ؟
أخرجت رقة من حقيبتها هاتف "i phone" إصدار حديث وقالت بضحكة :
_ صمم يديني تليفونه عشان تليفوني أتكسر .. عشان يعرف يكلمني .. أستني هحط فيه الخط بقا عشان لو أتصل بيا.
أوقفتها شهد وقالت :
_ سيبك من التليفون دلوقتي وقوليلي .. أنتي عملتي ايه مع والدته بعد ما سيبتك ومشيت ؟
أجابت رقة بابتسامة واسعة :
_ اتكلمنا عادي ..والله حسيت أنها ست طيبة أوي .. هي بس عشان ما تعرفنيش ، لكن النهاردة حسيت أني بدأت أكسبها .. مش أنا قولتلك كده ؟
ربتت شهد على يدها بابتسامة مطمئنة وقالت :
_ أنتي محدش يعرفك ومايحبكيش يا حبيبتي .. ربنا يتمملك فرحتك على خير .. وأوعي يشغلك كلام العقربتين بنات خالته ..
ابتسمت رقة بثقة واكدت :
_ ما تقلقيش .. أنا عارفة ومتوقعة أنهم مش هيسيبوني في حالي .. بس أنا بمشي زي المثل اللي بيقول " أمشي عدل يحتار عدوك فيك " ... خليهم يعملوا اللي عايزينه أنا أصلا متجاهلاهم ... وأشهد حذرني منهم كمان ..
أطمئنت شهد لما قالته شقيقتها وتأكدت أن ما قالته نرمين لم يكن سوى كيد وكراهية.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبعد منتصف الليل عادت نهال لقصرها وهي منتفخة العينان من البكاء والغضب.. وكادت أن تخطو أول خطوة على الدرج الرخامي حتى أوقفها صوت كريم وهو يخرج من مكتب والده قائلًا بحدة :
_ حمد الله على السلامة !! ... بقا في واحدة جوزها ما بقالهوش كام يوم ميت وترجع وش الفجر ؟!
استدارت نهال واستجمعت قوتها وهدوء أعصابها وهي تجيب عليه وتقول :
_ كويس أنك لسه صاحي ... عندي كلام مهم عايزة أقوله.
تعجب كريم وقال :
_ دلوقتي ؟!
ابتسمت نهال ابتسامة مليئة بالمرارة وأجابت :
_ آه دلوقتي يا كريم ... خلاص مش هضيع من عمري لحظة تاني ببلاش ..
وأشارت له للمكتب وهي تتوجه نحوه وقالت :
_ تعالى نقعد ونتكلم بهدوء ..
(وفي المكتب ...)
جلست نهال وقبالتها كريم منتظرا ذلك الأمر الهام .. فابتسمت نهال بمكر وقالت :
_ أنا عارفة أنك بتتمنى أني أرفض الوصية واسيب كل حاجة وأشوف حياتي ... وأنا هحققلك الأمنية دي بس تساعدني ..
دهش كريم من تصريحها وسأل :
_ مش فاهم ؟!
شرحت نهال وقالت :
_ أنت عارف زي ما الكل عارف أني لسه بحب أشهد شاهين وبجري وراه ... ومن الآخر كده أنا مش هكون على ذمة راجل تاني غير أشهد .. يعني لو أتجوزته هتكون دي الحالة الوحيدة اللي ممكن أرفض فيها وصية ابوك وانسحب واسيبلك كل حاجة .. أنما لو ما أتجوزتهوش هتخسر كتير أوي .. لأني مش هتجوز وهشاركك في كل حاجة ... أنا عرضت عليك فرصة العمر وأنت أختار براحتك ..
نهضت نهال لتغادر فأوقفها كريم وقال بنظرة خبيثة :
_ والمطلوب مني إيه ؟
ابتسمت نهال بغرور وقالت :
_ أحنا هنضرب عصفورين بحجر واحد ... أنا هاخد أشهد، وأنت تتجوز البت اللي عرفها دي والجرايد بتتكلم عنهم .. ومنها تكون نفذت شرط الوصية وحلال عليك الجمل بما حمل .. أصل يعني ورث ابوك هيشغلني في إيه لما أتجوز أشهد شاهين اللي هو أغنى من أبوك أصلًا ؟!
ضيق كريم عينيه بصدمة وقال :
_ أتجوز مين دي بقت مراته ؟ . .. ده كتب كتابهم كان امبارح!!
ضحكت نهال بسخرية وقالت :
_ لسه قدامنا وقت قبل الفرح... أنا برتب كذا خطة في دماغي ومحتاجة واحد زيك معايا ..
انكمشت تعابير كريم وقالت بغيظ :
_ قصدك ايه بواحد زيي ؟!
ضحكت نهال مرة أخرى وقالت :
_ ما تفهمش غلط .. أقصد محتاجة شاب وسيم وغني وأقدر أثق فيه .. عشان يقدر يعلق البت دي ويخطفها من أشهد .. أنت لو عملت كده هتكون ضربت عصافير كتير أوي بحجر واحد .. ما تنساش أن أبوك كان بيكره أشهد اصلا .. أعتبر نفسك بتنتقم منه ..
فكر كريم للحظات قليلة ثم قال دون تردد :
_ موافق ..
ابتسمت نهال بنظرة انتصار وقالت :
_خلال أيام بسيطة هقولك هنعمل ايه وهتبتدي منين .. بس اللي عايزاه منك تعرفلي كل حاجة عن البت دي، أنا عرفت عنوانها وشوية حاجات عنها ، بس محتاجة أعرف أكتر ..
وافق كريم واقتنع بما قالته ...
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
استيقظت رقة في الصباح وهي تتثاءب وتفرد ذراعيها بكسل، ثم ابتسمت وهي تتنهد وتأخذ الهاتف الذي أهداه لها اشهد مؤقتا وتفاجئت عندما وجدت رسالة من رقمه... بها كلمات صباحية جميلة وختم الرسالة كاتبًا:
( هنتقابل النهاردة بإذن الله.. هخلص شغلي وأعدي عليكي عشان نتعشا برا في مكان هادي .. وحشتيني)
اتسعت ابتسامتها وهي تقرأ الرسالة، فأرسلت له رسالة منها على تطبيق " الواتساب"
( هستناك ... تجيلي بالسلامة يا حبيبي)
وكتمت ضحكتها وهي تتخيل ردة فعله من كلمتها الأخيرة .. وانتظرت دقائق كثيرة ولم تتلقى رد!!
بينما هو كان بأجتماع هام بهذا الصباح.. ومر وقت طويل وهو يتحدث مع بعض المهندسين بأمور ضرورية في أحد المشاريع الهامة.. وعندما جلس ليستريح مسك أشهد هاتفه وهو يتحدث مع الآخرين..
وتوقف فجأة عندما وقعت عينيه على كلمات الرسالة وتسحبت ابتسامة ماكرة لشفتيه وشرد بعض الشيء... فحمحم أحد الرجال ليستعيد أشد تركيزه..
بينما أشهد قال وهو ينظر للهاتف:
_ الاجتماع أنتهى..
سأل احد المهندسين وقال:
_ بس لسه كلامنا ما خلصش يا باشمهندس؟!
مرر أشهد يده على شعره بابتسامة وهو ينظر للهاتف ويهمس:
_ فعلًا.. ده فيه كتير لسه هيتقال .. هو أنا قولت حاجة! ...
رد المهندس الآخر وقال:
_ طب يبقى الاجتماع أنتهى ليه؟!
انتبه أشهد لمن حوله وعاد لجديته قائلًا:
_ معايا تليفون مهم .. نكمل الاجتماع بعد ساعة كده.
دهش الجميع وبدأوا يغادرون المكتب، وعندما أصبح أشهد بمفرده حاول الاتصال بها مرارًا.. فدخلت رقة بموجة من الضحك للدقائق.
وارسلت له رسالة نصية وكتبت فيها:
( مش هرد .. عشان لما اقابلك أكون وحشتك)
ضيق أشهد عينيه بمكر ثم ابتسم بتسلية وكتب لها ب رد وقال:
( وأنا مش هتصل تاني .. يا مكارة!)
ردت عليه رقة بملصقات كوميدية جعلته يضحك بالفعل وكتب لها قائلًا:
( ليدي بروح طفلة.. وده اللي مجنني فيكي!)
ظلت الابتسامة مرسومة على شفتيها حتى ارسل لها رسالة ماكرة جعلتها تلقي الهاتف وهي تخفي وجهها بيديها في حياء وابتسامة خجولة..
ونهضت رقة تتجول بأرجاء المنزل والابتسامة الواسعة مرسومة على شفتيها .. حتى انتبهت بعد اكثر من ساعة لنقر على باب الشقة..
فاعتقدت أن شقيقتها شهد قد عادت مبكرا من الجامعة، ولكنها شهقت عندما وجدت شوقي يقف بمظهر مخيف وينظر لها بنظرة معذبة مليئة بالانتقام، فصرخت رقة وهي تندفع للخلف بمحاولة ابتعاد وهروب من هذا المجرم.
ولكنه أغلق الباب واستدار ناظرا لها بغضب قائلًا:
_ كنت فكراني مش راجع تاني ولا كنتي فاكرة إنك خلصتي مني؟ .. لا مش بالسهولة دي يا ست البنات .. ده أنا خارج المرادي وناوي نبل الشربات ونتلم بقا في بيت واحد!!
أشارت له رقة بتحذير وهي تبك وترتجف من الخوف وتسير للخلف مبتعدة عنه:
_ أخرج من هنا قبل ما اصوت والم الناس عليك.
ضحك شوقي ضحكة ساخرة ثم قال بغضب:
_ مين اللي هيجي عشان يخرجني؟! .. ده أنا شوقي أبو حتة ولا نسيتي يا حلويات؟!.. يعني كبير المنطقة دي وهفضل كبيرها.. ولو مش مصدقة صوتي ونشوف مين اللي هينجدك مني!.
التصق ظهرها بالحائط في رعب، وعندما اقترب منها شوقي بنظرات انتقامية عنيفة وهو يمسح فمه من قطرات المشروب المُسكر، نهضت رقة سريعا ووقفت أمام النافذة وقالت له باكية بتهديد:
_ لو قربت مني هرمي نفسي من الشباك .. ابعد عني احسنلك وإلا هوديك في داهية.
لم يبالي شوقي بتهديدها وسار متوجها نحوها وهو يقول بدموع تملا عينيه:
_ بقا هو عشان غني في كام يوم لف دماغك وضحك عليكي.. وأنا اللي بقالي سنين بتمنالك الرضا ترضي عمرك ما فكرتي فيا ولو لحظة واحدة! ... بس لأ يا ست البنات.. مش شوقي اللي يضحك عليه من حتة بت زيك!
صرخت رقة مع كل خطوة يخطوها نحوها، حتى نظرت للشارع بهلع من النافذة وقررت الخلاص قبل أن يمس هذا المجرم القذر شرفها وكرامتها وينتقم منها .. وقبل أن تدفع نفسها من الطابق الثاني بخطوة واحدة اندفع باب الشقة الخشبي مشقوقا بواسطة عدد من رجال الشرطة .. واندفع حازم على رأسهم متوجها نحو ذلك المجرم بشراسة، وظل يركله ويلقنه الضربات المتتالية بعنف ويلفظه بأبشع الشتائم حتى أصبح شوقي ممددًا على الأرض وتسيل الد **ماء من كامل جسده وفاقدًا للوعي تمامًا.
وصرخت أم بسنت وهي ترى رقة تسقط مغشيًا عليها بعدما أنزلها أحد رجال الشرطة من على النافذة وإنقاذها في اللحظة الأخيرة!!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وفي الاجتماع..
كان أشهد مبتسما شاردا وسارحا للبعيد والجميع حوله يتحدثون في مهام العمل..
وتلقى فجأة مكالمة من رقم شقيقه حازم، وعندما تكررت المكالمة لم يجيب أشهد وقد قرر أن يهاتفه بعد الاجتماع مباشرةً..
فنفد صبر حازم وأرسل له رسالة شملت ما حدث لرقة في الساعة الفائتة وإرسالها للمشفى فاقدة الوعي من حالة الذعر التي تعرضت لها ... انتفض أشهد بذهول من مقعده وعينيه تتسعان على آخرهما من الصدمة والغليان وأصبحت عينيه مسودة كالجحيم وهو يقرأ مضمون الرسالة ... ثم ولدهشة الجميع عندما وجدوه يركض خارجا وتاركًا كل شيء خلفه ...
الفصل الثاني عشر
وصل أشهد للمشفى وأسرع بخطوات واسعة نحو رقم الغرفة التي أخبره إياه شقيقه حازم، وبعد دقائق قليلة كان أمام الغرفة مباشرةً حيث وجد حازم واقفا ويبدو على ملامحه العصبية .. فصاح أشهد به بغضب :
_ مين الكلب ده يا حازم أنا لازم أعرفه! .. و رقة فين ؟!
زفر حازم بضيق وقال وهو يشير له بالغرفة المقابلة :
_ هنا وما تقلقش هي بخير .. بس أنا مش عارف هي عملت كده ليه ؟!
ضيّق أشهد عينيه وسأله بريبة :
_ عملت إيه ؟!
رد حازم بإنزعاج شديد ونفذ رباط جأشه :
_ برأت الواد ده !! ... ما اتهمتهوش بأي شيء بالعكس دي دافعت عنه!، مش فاهمها الصراحة .. ده أنا جايبه من الشقة بتاعتهم وهي بتصرخ وهتنط من الشباك !!.
صدم أشهد وشعر بشيء مريب خلف فعلتها، فترك شقيقه بالممر ودخل الغرفة ليجدها جالسةً على الفراش بوجه ممتقع وعلى جانبيها جارتها أم بسنت وشقيقتها شهد .. وقعن حديثهن وبدا عليهن الأنفعال، وعندما رأته رقة رددت اسمه بابتسامة مطمئنة بعد الخوف الذي ألمّ بها .. فتحرك أشهد نحوها سريعا وجلس قبالتها على الفراش ناظرا بنظرة تحمل الكثير من القلق والتساؤلات والغضب .. فهمست شهد قائلة للجارة بخفوت :
_ تعالي نطلع أحنا شوية .. هي بقت أحسن.
وحينما خرجا أثنتيهما ارتمت رقة بين ذراعيه وسقطت من عينيها الدموع، فأحتواها أشهد بلهفة محاوطا جسدها الصغير المرتجف بين ذراعيه بكل قوته وعاطفته نحوها، حتى قالت بصوت مرتعش :
_ كنت هموت نفسي .. كنت مرعوبة.
ضغط أشهد على نواجذه كاتما عاصفة من الغضب، وأبعدها قليلًا لينظر لعينيها بنظرة تحمل الكثير من التوعد والأنتقام وهتف:
_ أنا ليا حساب تاني مع الكلب ده .. بس اللي مش فاهمه ليه برأتيه ؟! .. ليه ما قولتيش الحقيقة ؟!
ابتلعت رقة ريقها برجفة واضطراب ثم قالت ببكاء :
_ عشان خاطر أمه .. أمه ست كفيفة ومريضة يا أشهد وهتترمي في الشارع من غيره، لما جيت على المستشفى حد جابها ورايا من كتر عياطها، اترجتني عشان ما اسجنهوش.. صعبت عليا أوي ومقدرتش أقول اللي حصل وقولت إنه سمعني بصرخ ودخل يطمن عليا والناس فهمت غلط، ماهو دي مش تهمة سهلة ممكن يخرج منها بعد كام يوم ولا حتى كام شهر .. بس أنا برضه مش مسامحاه قدام ربنا .. لكن ..
قاطعها أشهد بصوت عال ونظرة عنيفة :
_ لكن إيه ؟! .. أنتي غبية وساذجة .. ده واحد اتهجم عليكي وكنتي هتموتي نفسك فيها؟! .. أنا مش متخيل أنك معندكيش مخ للدرجة دي!... دي مش طيبة ده عبط وقلة عقل!.
نظرت رقة له بعتاب، ثم نظرت للأسفل واجهشت بالبكاء، فاستطرد أشهد بشراسة وقد أفلت منه زمام السيطرة على أعصابه :
_ مش هتصعبي عليا واللي عملتيه مش قادر أستوعبه ولا أغفره ولا أتقبله!.. بس عموما أنا ليا رد هيخليه يتمنى لو كان اتسجن وبعد عن إيدي.
ونهض أشهد ورماها بنظرة قاسية ثم استدار وغادر الغرفة، ولحظات ودخلت شقيقتها وأم بسنت للغرفة مرةً أخرى، وقالت شهد بغيظ لرقة:
_ والله عنده حق يسيبك ويمشي! .. ما اللي عملتيه ده تخلف مش طيبة !.. ده كان هيغ**تصبك!!.
قالت رقة وهي تبك بحرقة :
_ أنا ما سامحتهوش بس مقدرتش أقهر ست ضعيفة على أبنها وأكون السبب في رميها في الشارع من غيره، أنتوا ليه مش قادرين تفهموا الفرق؟!.
ربتت أم بسنت على ذراعها وقالت بـصوت يحمل بعض اللوم :
_ أعذريه يا رقة .. أنا عارفة أنك طيبة وصعبت عليكي أمه والحالة اللي كانت فيها، بس ده حقك وكان لازم تاخديه عشان يتربى ويحترم نفسه وما يكررهاش لا معاكي ولا مع غيرك.
صاحت شهد بهما وقالت بعصبية :
_ الكلام مابقاش ليه لازمة بعد ما خلاص برأتيه منها وشهدتي معاه .. فعلًا أنتي غبية أوي وضيعتي حقك!.
وبخت شهد شقيقتها رقة ولم ترأف بحالتها لأول مرة، فشهقت رقة من البكاء خصيصا عندما خرجت شهد من الغرفة وتركتهما، فأشفقت أم بسنت عليها وقالت محاولة التخفيف عنها :
_ حموكشة أبني اللي أنقذك .. لما شاف شوقي داخل البيت جري على عربية الشرطة يقولهم، وستر ربنا أن حضرت الضابط حازم كان موجود بالصدفة ولحقك ..
ظلت رقة تبك وعينيها على باب الغرفة بألم ..!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
كانت نهال تقلّب صفحات مجلة نسائية بغرفتها حتى أتاها اتصال هاتفي من رقم "كريم" .. وأجابت بهدوء عليه ولحظات وكان أخبرها بشيء يخص "رقة" .. فصمتت نهال بتفكير عميق، ثم قالت مبتسمة بنظرة ثعبانية وكأنها تخطط لشيء:
_ أنت بتقول أن الواد ده بيحبها من زمان ؟
أكد كريم الأمر عبر الهاتف وقال :
_ ده اللي رجالتي وصلوله ، وهي دلوقتي في المستشفى وهو اتقبض عليه.
تنفست نهال بعمق وقالت :
_ طب أبعد أنت خالص عن الحكاية دي .. وأنا هبعتله أكبر محامي يطلعه منها زي الشعرة من العجين.
دهش كريم وأستفسر :
_ أنتي في دماغك إيه ؟
أجابت نهال بمكر :
_ هتعرف بعدين .. المهم أني عايزاه معانا .. هنحتاجه قدام.
لم يستطع كريم أن يخمن ما تفكر فيه نهال ولكنه قال بموافقة :
_ خلاص تمام .. بس اعتقد أنك انتي كمان محتاجة تبعدي وإلا هتلبسي الليلة دي كلها من غير داعي!.
ضحكت نهال للحظات قليلة ثم أوضحت :
_ لا متخافش أنا مش غبية .. أنا هبعتله محامي غير المحامي بتاعي من طرف حد معرفة .. يعني أنا مش هبان أصلا في المشهد، عدو عدوي صديقي.
وأنتهى الاتصال بعد ذلك بمعرفة نهال بعض التفاصيل الأخرى، حتى أجرت أتصال آخر على أحد معارفها لتبدأ من هنا خطتها وجمع الحلفاء !!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
بصعوبة حتى استطاعت رقة الخلود للنوم بواسطة الأقراص الطبية حتى تهدأ أعصابها، فتسحبت أم بسنت وخرجت من الغرفة وأغلقت الباب بهدوء شديد ثم قالت لشهد الجالسة على أحد المقاعد المعدنية بالممر :
_ أخيرا نامت ..
وقفت شهد وقالت :
_ أنا هرجع البيت اجيبلها هدوم تلبسها بدل اللي عليها عشان هتخرج بكرا أن شاء الله .. هترجعي معايا ؟
رفضت أم بسنت وقالت بإصرار :
_ لأ مش همشي وأسيبها لوحدها .. هفضل هنا لحد ما ترجعي يمكن تصحى وتحتاج حاجة.
نظرت لها شهد بأمتنان وشكر ثم غادرت، وعندما خرجت من بوابة المشفى الرئيسية انتبهت لخروج تامر شقيق نور صديقتها من أحدى السيارات الأجرة .. وحينما لمحها أشار لها لتنتظره، وتعجبت شهد لرؤيته، حتى أسرع إليها ووقف أمامها قائلًا بأدب :
_ أنا عرفت من نور أختي أن اختك اتنقلت المستشفى . جيت أطمن عليها وعليكي، وأسف لو ده هيضايقك.
وأردف بنظرة عميقة تفسر الكثير :
_ بس الحقيقة مقدرتش أمنع نفسي أني أشوفك .. وبعتذر مرة تانية لو زيارتي ضايقتك.
تلجلجت شهد في الرد وتوترت، وتلك من المرات النادرة التي تحتار في إبداء رد فعل حاد، أم تشكره وتنهي الأمر بلباقة ؟ ... فقالت بابتسامة بسيطة :
_ بشكرك جدًا .. بس مافيش حاجة الحمد لله، مكنش في داعي تتعب نفسك وتيجي، اتصال نور أختك كان كفاية أوي !.
أخفى تامر غيظه من ردها هذا الذي كشفت فيه عن عدم اهتمامه برؤيته، ولكنه تابع بلطف وقال :
_ بالنسبالي مكنش كفاية .. أنا حسيت بالمسؤولية اتجاهك وقلقت عليكي فجيتلك ..
تنهفست شهد بحدة وودت لو تقول ما يدور بعقلها، ولكنها بدلا من ذلك ارفقت ردها بابتسامة شاكرة وقالت :
_ لا ما تقلقش عليا .. بعد أذنك.
ودون أن تنتظر رده أشارت شهد لسيارة أجرة لتتوقف، فتوقفت السيارة وفتحت شهد الباب سريعا، ولكن قبل أن تجلس بداخلها وجدت باب السيارة يغلق بعصبيه وحازم يشير لها بنظرة حادة غاضبة ويقول :
_ هوصلك بعربيتي ..
ضيق تامر عينيه بغيظ، بينما استدار شهد لحازم وقالت باعتراض:
_ أنا مابركبش عربيات حد !.
زفر حازم بقوة ورمى نظرة نارية لتامر وكأنه يأمره بأن يختفي من أمامه الآن قبل أن تحدث كارثة، وعاد قائلًا لشهد كاتما غضبه بأعجوبة :
_ مش عايز رغي كتير وتعالي معايا !!.
وهنا تدخل تامر وقال لحازم :
_ مش بالعافية يعني !!
ولم يحتمل حازم أكثر من ذلك ودفع تامر بضربة شديدة على كتفه ورد عليه بصياح وسباب وبعض الشتائم.
شهقت شهد من ما تلفظ به حازم دون داع!! ... وهتفت به :
_ في إيه لده كله ؟! ..
ولكنها توترت حينما وجدت تامر يستعد للمشاجرة مع حازم، وكان حازم على حافة أن يرتكب جريمة !.
فابتلعت ريقها وقالت لتامر بانزعاج :
_ لو سمحت اتفضل أمشي يا أستاذ تامر ! .. وبعد أذنك أنت مش مضطر تجيلي أو تكلمني مهما كانت الأسباب.
وهنا قصدت شهد أن تضع حادًا لهذا التامر حتى لا يتمادى معها ويتدخل بشؤونها هكذا! .. وتعجبت من النظرة المحتقرة الذي رماها بها تامر قبل أن يستدير ويبتعد عنهما !! .. مما جعلها تود لو تصفعه ! .. ولكنه ذهب أخيرا.
وحينما استدارت لحازم وجدته يبتسم بابتسامة رضا وقال بمكر :
_ أنتي هتبقي زوجة صالحة .. أنا متأكد.
وطريقته الكوميدية جعلتها تبتسم، ولكنها أخفت ابتسامتها سريعا وتظهاهرت بالعبوس وهي تقول بارتباك :
_ على فكرة بقا .. أنا عملت كده عشان اللي عملته مع أختي ، ما هو ما تكونش أنقذتها من مصيبة كبيرة وأنا أجي أهزقك وأقل منك! .. كعادتي معاك يعني!.
طالعها بغيظ بالبداية، ثم هز رأسه بسخرية وقال :
_ أخدت بالي .. عموما دي فرصة كويسة عشان ناخد هدنة ونبدأ نحترم بعض ..
ردت شهد بثقة وهي تشير لسيارة أجرة أخرى :
_ هفكر في الحكاية دي ..
استفزته وجعلته يستشيط غضبا فسألها من بين أسنانه :
_ قولت هوصلك بعربيتي !.
التفتت شهد له وقالت بابتسامة مستفزة :
_ لا مش لدرجة اركب معاك عربيتك .. دي كده مش هدنة !.
قال حازم بسخرية :
_ أومال كتب كتاب ؟!
أخفت شهد ابتسامتها وقالت :
_ مش أنت عايزني أحترمك ؟ ... هحترمك والله .. أوعدك.
وعندما اوقفت سيارة أجرة وجلست بداخلها أشارت له بوداع وقالت بأدب قبل أن تسير السيارة :
_ مع السلامة يا عمو حازم ..بحترمك أهو
وقف حازم مدهوشا للحظات، ثم ضحك تدريجيا وهو ينظر للسيارة التي تبتعد أمامه وتمتم بشيء ضاحكا وهو يجلس داخل سيارته ويحركها ليسرع خلف تلك المخلوقة العجيبة !.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبمنزل عائلة شاهين ..
دخلت نرمين غرفة شقيقتها هدير وصاحت بحماس شديد :
_ لقيتهااا
انتفضت هدير من فراشها بفزع بعدما بدلت ملابسها وتمددت لتستريح من عناء اليوم في الشراء، ثم صرخت بوجه شقيقتها بغيظ وقالت :
_ يخربيت غبائك خضتيني ؟! .. هي إيه دي اللي لقتيها ! ..
جلست نرمين على الفراش أمام شقيقتها وقالت بمكر :
_ مش كنتي مش عارفة تعملي ايه بالتسجيل اللي معاكي ؟! .. أنا بقا هقولك تعملي بيه إيه !.
أجفلت هدير من التأكيد والثقة بصوت شقيقتها، فأردفت نرمين قائلة بصوت خافت كأنها تخطط لكارثة :
_ هحكيلك من الأول .. وأنتوا برا بتشتروا شوية حاجات كان القصر فاضي، مافيهوش غير عمتو مشيرة وأنا كنت نايمة هنا .. وأظاهر أن الخدم اللي هنا اتعودوا أني بصحى على ميعاد الغدا .. لكن ولحظنا الحلو أني صحيت بدري وروحت أجيب أي حاجة أكلها من المطبخ .. وفجأة سمعت صوت.
ضيقت هدير عينيها بشك وتساءلت :
_ صوت إيه ..؟!
أجابت نرمين بابتسامة شريرة :
_ صوت واحدة من الخدم .. كانت بتتكلم في التليفون مع نهال !
فغرت هدير فاها من الذهول وقالت لتتأكد من ظنها :
_ تقصدي نهال اللي كانت خطيبة أشهد ؟!!
اومأت نرمين رأسها بالايجاب وأكدت :
_ هي بعينها .. لأ وكمان عرفت أن البت الخدامة دي عين نهال هنا ، وبتنقل لنهال كل أخبار أشهد .. عارفة ده معناه إيه ؟
نظرت هدير لشقيقتها بتوجس وسألتها :
_ معناه ايه ؟!
تنفست نرمين بارتياح وقالت بـ شر :
_ معناه أن الحل جالنا على طبق من دهب !، احنا نبعت الفيديو المسجل ده لنهال من حساب مجهول ، وبعد ما يوصلها ونتأكد انها شافته نمسح الاكونت ، لأنها بالتأكيد هتحتفظ بالفيديو بمجرد ما هتشوفه .. وبعدين نكشف الخدامة دي لأشهد ونقوله أنها عصفورة نهال وجاسوسة عليه وأننا يا حرام خايفين عليه وعلى جوازته.. وطبعا البت دي هتلبس تهمة الفيديو وأحنا هنفضل بعيد .. ونهال هتعرف شغلها كويس أوي بعد ما هتشوف الفيديو .. وبكدا نبقى عملنا اللي عايزينه وأكتر كمان وأحنا في السليم.
انبهرت هدير مما سمعته وقالت بصياح :
_ يا بنت الأيه ؟! .. دي خطة ما تخطرش على بال مخلوق ! .. بس هنجيب رقم نهال منين ؟
ضحكت نرمين بسخرية :
_ حاجة بسيطة ! .. أنا عارفة صفحتها على الفيس بوك ، هنبعت الفيديو عليه ونمسح الاكونت المزيف بعدها على طول .. واللي يعرف يثبت أنه تبعنا يتفضل يثبت .. وبعدين نهال بمجرد ما هتشوف الفيديو مش هتركز مين اللي بعته أصلًا .. المهم اللي فيه!.
وافقت هدير بفرحة شديدة على ما قالته نرمين وقالت :
_ وحتى لو قالت لأشهد أن حد بعتهولها على الفيس بوك أشهد مش هيصدق أصلًا .. خصوصا بقا لو قدرنا نثبت أن البت الخدامة دي عصفورة نهال .. وحازم هيعرف شغله معاها ويخليها تعترف .. أنا كنت هتجنن ومش عارفة اعمل ايه بالفيديو ده .
قالت نرمين بثقة وغرور :
_ عشان تعرفي أن أختك مش سهلة ! ..
اسرعت هدير لجهاز " اللاب توب " وبدأت بعجالة في أنشاء حساب جديد على موقع التواصل الأجتماعي الفيس بوك، وقالت وأصابعها تتحرك بسرعة محترفة على أزرار الحاسوب :
_ هعمل حساب جديد حالًا وهبعتلها الفيديو، بس أنتي ابعتيلي لينك صفحتها الأول ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وفي المساء بالمشفى .. وبالغرفة الطبية ..
بعدما عادت شهد للمشفى وبدلت رقة ملابسها وظلت لفترة ممددة تنتظره والدموع تملأ عينيها .. واستغلت خروج شهد وأم بسنت وذهابهن لشراء بعض المأكولات وأخذت هاتفها الذي وضعته شهد بجانبها وأجرت اتصال هاتفي ...
أجاب أشهد من اللحظة الأولى للاتصال ولكن صوته يكشف أنه لا زال غاضبا .. كادت أن تتحدث رقة ولكنها اجهشت بالبكاء من جديد والهاتف بقرب أذنها، ورددت اسمه وهي تبك بقوة بعد ذلك .. بينما لم يصدر من أشهد أي رد فعل لهذا البكاء !! ... حتى قالت رقة بصوت متقطع :
_ أشهد .. أرجع ..عايزة أشوفك.
وفجأة انقطع الاتصال !!.. فنظرت للهاتف بصدمة ثم انهارت مرة أخرى بالبكاء !.. وداهمها صوت باب الغرفة وهو يفتح !.. رفعت رقة رأسها وكانت تظن أن شقيقتها عادت، ولكنها وجدت أشهد يقف أمامها وبيده الهاتف المُضاء !! ..
تنفس أشهد بعمق وهو يقترب لها، ثم جلس أمامها ببطء وقال بوجوم :
_ أنا ما سبتكيش عشان أرجع ..
وقبل أن يضيف كلمة أخرى ارتمت رقة على صدره وقالت بأنهيار ويديها تتمسك بملابسه بقوة كأنه الركن الأمن الوحيد بهذا العالم :
_ أنا يمكن غلطت بس مقصدتش أبدًا أضايقك ..
ونظرت لعينيه برجاء واقسمت ببكاء:
_ والله عملت كده عشان والدته ست غلبانة .. روح شوفها بنفسك وهتتأكد من كلامي .. كنت محتجالك جانبي مش تمشي وتسيبني!.
طالعها أشهد ببعض التيهة، إذا كانت تبك وتترجاه أن يسامحها هكذا وهي تقريبًا لم تخطئ، فكيف سيكون عقابه هو إذا كشفت يوما نواياه الأولى لها ؟! .. وللحظة تخيل أنها ستتركه وتبتعد فأخذها اليه بقوة وهمس لها قائلًا والخوف يملأ قلبه قبل عينيه:
_ لأ مش همشي ومش هسيبك أبدًا.
ابتسمت رقة بين دموعها حينما عانقت راحتي كفيه وجهها وهمس لعينيها بمحبة لم تزور قلبه يوما:
_ أنا جانبك وهفضل جانبك ... وحقك مضاعش، وأوعدك هيرجع وبزيادة، أنا مش هسمح لمخلوق يمس شعرة منك .. أنتي عندي غير الكل يا رقة، أنتي ليا أنا وبس .. ملكي، حاجة خاصة بأشهد شاهين.
واحتد وهو يتفوه بتلك الكلمات، ولم تظن به رقة أي شيء سوى أنه غارق بحبها .. !
قبّل أشهد جبينها ثم قال بابتسامة:
_ خلينا دلوقتي في المهم .. والمهم أنك بخير، وغير كده كنت عايز أقولك أن وشك حلو عليا .. خلصت مشروع كبير الأيام اللي فاتت وهيفتتح قريب .. وطبعا هنحتفل كلنا بالمناسية دي، واكيد لازم تبقي جانبي ..
ابتسمت رقة بسعادة ومسحت عينيها من الدموع وقالت :
_ هتلاقيني دايمًا جانبك ..
ربت أشهد على وجهها برقة وأهداها ابتسامة جميلة، ثم نهض قائلا :
_ هروح اعمل مكالمة شغل ضرورية وراجعلك .. هفضل معاكي لحد الصبح وهوصلك للبيت بنفسي ..
وافقت رقة بابتسامة واسعة، وعندما غادر أشهد وجدت نفسها تتسائل بحيرة :
_ هو ليه مقاليش بحبك لحد دلوقتي ؟!
وبعد قليل ابتسمت بسخرية من نفسها وقالت :
_ ما أنا كمان مقولتش غير في رسالة رغم أني طايرة من السعادة .. !!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وفي صباح اليوم التالي أخذها أشهد ومعها شقيقتها وجارتها لسيارته المصطفة بين السيارات أمام المشفى.
وتحركت سيارته في الطريق بعد ذلك، وبدأت رقة ومن معها يتعجبن من الطريق المجهول الذي يسلكه أشهد .. فسألته رقة بغرابة :
_ ده مش طريق بيتنا .. ؟!
وتدخلت شهد قائلة بتساءل :
_ احنا فين ؟!
والتزمت أم بسنت بالصمت وبعينيها عشرات الاسئلة والقلق !، بينما ظل أشهد صامتا وهو يقود السيارة بسرعة معتدلة .. وتكرر السؤال من رقة وشهد، ولكنه أجابت بابتسامة ماكرة فقط !!..
وقبل أن تحتد شهد وتنفعل عليه وقفت السيارة أمام مكان جعل رقة تشهق من الصدمة عندما نظرت للوحة المعلقة و ..!!
الفصل الثالث عشر
وقبل أن تحتد شهد وتنفعل عليه وقفت السيارة أمام مكان جعل رقة تشهق من الصدمة عندما نظرت للوحة المعلقة للمصممة الشهيرة .. والمدوّن عليها اسمها بالخط العريض " بيلا جود " وقالت رقة بدهشة :
_ لا متقولش أن بيلا خلصت الفستان بدري كده ؟! .. ده تقريبا فاضل اكتر من ١٠ أيام على ما تخلصه ؟!
لم تدرك بعد مفاجأته، وضحك لذلك بتسلية، ثم أشار لها على المبنى المقابل مباشرةً "لاتيليه بيلا" وقال :
_ المفاجأة مالهاش أي علاقة بـ بيلا أصلًا، بصي كده على العمارة دي، مش قولتيلي آخر مرة كنا هنا أنك نفسك من زمان تعيشي في مكان هادي وشيك زي ده ؟
نظرت رقة لشقيقتها شهد بعدم فهم، بينما ابتسمت شهد بمرح وقد فهمت مقصد أشهد، فسألته رقة بغرابة :
_ تقصد إيه ؟!
تنفس أشهد ونظر للمبنى المقابل بابتسامة واسعة وقال :
_ تعالي ننزل من العربية وبعدين هتعرفي كل حاجة.
وبتلك اللحظة ارتفع رنين هاتف ام بسنت وأجابت سريعا ، لتتفاجأ بارتفاع درجة حرارة صغيرها "حموكشة" وقالت باستئذان ولم تخبرهم بالأمر لكي لا تعكر فرحتهم :
_ طب أنا مضطرة أمشي دلوقتي .. عندي ضيوف في البيت جولي فجأة معلش.
عرض عليها أشهد باصرار أن يقلها للمنزل، ولكنها رفضت وأوقفت عربة أجرة سريعا وقالت بعجالة :
_ لأ خليك مع البنات ..
وجلست أم بسنت داخل العربة واسرعت بها في الطريق خلال ثوانِ.
( وبداخل المبنى .. تحديدًا بشقة الطابق السادس .. )
خرجت رقة وهي معصبة العينان بواسطة شريطة حمراء قد جهزها أشهد مسبقا، وسحبتها شهد من يدها وهي تضحك وتقول بخفوت :
_ خلاص كلها دقيقة وتشوفي المفاجأة يا سندريلا العشوائيات.
ضحكت رقة على كلماتها وهي تستمع لصوت بابًا يُفتح، وحينها فقط حررت شهد عينان رقة، لتجد أشهد يشير لها بالدخول مبتسما بطريقة راقية وقال :
_ شقتنا ..
تحركت رقة وهي تنظر له بدهشة، ثم سمت باسم الله في أولى الخطوات للداخل وخلفها شهد، وعندما أضاء أشهد الاضاءة اتسعت عينيها بذهول من المساحة الكبيرة للشقة وتشطيبها الفخم، ثم انتبهت لقطع الاثاث القليلة الموجودة ويبدو أنه قد أشتراها منذ فترة قريبة ولم ينتهي من تأثيثها بالكامل .. وسألها بلهفة :
_ عجبتك ؟
نظرت له رقة وهي تركض بالمكان في سعادة وقالت :
_ هي عجبتني بس !! .. ده ولا في الاحلام ... أنا مش مصدقة اللي بشوفه!.
راقبها أشهد مبتسما بحنان ومحبة لسعادتها الصادقة وركضها بكل مكان تستكشفه .. فسألته شهد ببعض التعجب رغم فرحتها الصادقة لشقيقتها :
_ أنت هتتجوز في الشقة هنا ولا مع والدتك في الفيلا ؟
أجاب عليها أشهد بلطف وعينيه العاشقة على رقته التي بدت وكأنها فراشة تجلس على كل زهرة لثوان ثم تحلق سريعا وتهبط على زهرة أخرى بحماس وبهجة :
_ مع أمي طبعا .. أنا مقدرش أسيبها تعيش لوحدها، خصوصا أن حازم طول الوقت في شغله، لكن ده ما يمنعش أن يكون ليا مكان و مساحة خاصة بيا أنا ومراتي ..
ابتسمت شهد برضا تام واطمئنان وقالت بصدق :
_ ربنا يسعدكوا ويتمملكوا بخير.
واستدار لها أشهد وقال بخبث :
_ وعلى فكرة .. شقة الدور الخامس حازم قرر يشتريها.
ارتبكت شهد وتهربت من نظراته الخبيثة التي تشير لانتباهه للعلاقة العاطفية التي تُحلّق بالأفق بينها وبين شقيقه حازم فقالت بتوتر:
_ آلاه ؟! .. بجد! .. أنا هروح أشوف أختي.
وركضت شهد باتجاه شقيقتها بعدما اصطبغ وجهها بالحمرة، فاتسعت ابتسامة أشهد بمرح ثم توجه نحو أحدى الغرف ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وهن واقفتان بغرفة قريبة من باب الشقة ..
لاحظت رقة ابتسامة شهد الحالمة وهي تقف بجانبها فقالت لها بسعادة :
_ مكنتش متخيلة يا شهد أن هيجي أيام عليا حلوة أوي كده، ولا كنت أحلم أني احس بالفرحة دي كلها .. ده أنا بس قولت حاجة بعفوية قدامه، حققهالي ببساطة !.
ظلت شهد على حالتها الشاردة بابتسامة وعينان زائغتان للبعيد، فتابعت رقة بعاطفة تملأ عينيها :
_ انا عملت إيه حلو في حياتي عشان أقابل أشهد ويحبني أنا بالذات ؟! ..
خرجت شهد من شرودها وقالت مبتسمة وهي تضم شقيقتها بمحبة :
_ أنتي الحلو نفسه في حياة أي حد تعرفيه .. أنتي اللي مش عارفة قيمة نفسك يا رقة ..
نظرت لها رقة مشرقة الوجه وقالت ببراءة :
_ لأ عارفة والله، بس محدش متخيل انا شايفة أشهد أزاي .. ولا هو بالنسبالي إيه، هو نفسه مايعرفش أنا حبيته قد إيه .. من اللحظة الأولى وعرفت أني هحبه .. وتاني مرة كنت حبيته .. وتالت مرة ..
_تتجوزيني ..
استدار كلا من الفتاتين ليجدن أشهد مستند بظهره على باب الغرفة مبتسما بمحبة شديدة، وكرر الكلمة مرةً أخرى وهو يستقيم واقفا ويقترب لها ببطء وبنظرة عاشقة :
_ تالت مرة كانت .. تتجوزيني ؟
تورد خديها من الحياء وابتسمت وهي تنظر لعينيه مباشرةً ثم تهرب منهما .. فتنحنت شهد وقالت بمرح :
_ هتفرج على بقية الشقة، بعد أذنكم ..
وانصرفت شهد وخرجت تتجول ببقية الغرف لتترك لهما بعض الدقائق ليتحدثان بحرية .. وعندما وقف أشهد أمامها مباشرةً قال وهو يفتح قبضة يدها ويضع نسخة من مفتاح الشقة به:
_ دي نسختك، خليها معاكي، عارفة يا رقة من وقت ما شوفتك .. مافيش لحظة معاكي مش مميزة ، كل كلمة قولتيها وسمعتها منك بقصد أو بدون قصد ماينفعش تتنسي .. وحتى لو حاولت مش هعرف أنساها .. كل مرة بنتقابل بتبقى أجمل من اللي قبلها .. خلتيني أحب أشوفك كل لحظة يا رقة..!
ابتلعت رقة ريقها بتوتر وارتباك شديد من قوة حيائها وابتسامتها التي تجاهد لتخفيها كي تتحلى بالثبات أمامه، ولكنها رغما ابتسمت ونظرت له قائلة وهي تضم المفتاح بين اصابعها :
_ حكايتنا حلوة أوي يا أشهد .. شبه الروايات.
رد أشهد بثقة :
_ وهتبقى أحلى من الروايات .. أوعدك.
ثم نظر للغرفة وقال بحماس :
_ دي بقا هتبقى أوضة الجلوس .. محدش هيدخلها غيرنا احنا وولادنا .. هتبقى فيها ذكريات حلوة كتيرة لينا ..
ابتسمت رقة وهي تنظر للغرفة وقالت بمرح:
_ متخيلة شكلي وانا وخداك من ايدك وأنت مغمض عنيك وعملالك تورتة يوم ميلادك ..
نظر لها وقال بضحكة ماكرة :
_ وأنا برضه تخيلت نفس الشيء، بس أنا مش هاخدك من ايدك ! .. أنا هشيلك على طول لحد التورتة .. عموما اليوم ده مش بعيد، عيد ميلادك الجاي هيبقى بعد فرحنا، هنيجي نحتفل بيه هنا ..
نظرته الماكرة اربكتها فقالت بتوتر شديد:
_ أنا رايحة اشوف شهد راحت فين ..
راقبها أشهد بنظرة خبيثة وضحكة خافتة .. وبعد أنتهاء جولتهم بالشقة الجديدة أخذهما أشهد لمطعم قريب وأختار لهما أطباق طعام على ذوقه الخاص .. واعترفت رقة أنه مميز بكل شيء ، حتى بحبه الشديد لبعض المأكولات البحرية وطرق طهيها الفريدة ! ... فقالت شهد بشهية :
_ أنا بحترم أي حد بيحب السمك .. بعرف أن ذوقه عالي.
نظر أشهد لرقة وهو يلوك الطعام بفمه في بطء وقال بتأكيد :
_ أنا ذوقي عالي ومميز في كل حاجة ..
ضحكت شهد وهي تنظر لأحمرار وجه شقيقتها من الحياء وقالت :
_ رقوقة أختي بتتكسف وهتفضل تتكسف حتى بعد خمسين سنة من الجواز .. الكسوف عندها ما شاء الله مضارع مستمر ..
ردد أشهد الاسم بتلذذ ونظرة ماكرة :
_ رقوقة.
ابتلعت رقة ما بفمها بصعوبة وهي تتحاشى النظر لعينيه، ثم رفعت كوب الماء لفمها ويدها ظهرت مرتعشة !.
تحدث أشهد بشيء كاد أن يغفل عنه وينساه:
_ بعت للسكرتيرة رسالة من ساعتين تكلم بيلا جود .. عشان تحضرلكم فساتين تحضروا بيها احتفال المشروع الجديد .. بعد الغدا هنرجع لأتيليه بيلا عشان تحضروا نفسكم ..
سألته شهد بتعجب :
_ وأنا كمان ..؟!
أكد أشهد :
_ طبعا .. أنتي دلوقتي من ضمن عيلتي وزي أختي الصغيرة .. وبعدين يا شهد أنتي ليكي غلاوة كبيرة عندي .. كفاية أنك السبب أن انا ورقة نتقابل .. حتى لو مكنتيش تقصدي.
ضحكت شهد وقالت بمرح :
_ والله ما كنت أتخيل لحظة أن الحكاية هتتقلب بجد !... النصيب خير من الف ميعاد بصحيح !.
وضحكت رقة بعفوية حتى قال أشهد بصدق واصيب ببعض الشرود والوجوم :
_ دي حقيقة .. لو الانسان يعرف مين نصيبه مكنش حد اتعذب واتكسر قلبه واتعقد لفترات طويلة من حياته ومعرفش ينسى .. وفي ناس ما بتنساش بسهولة!.
تاهت رقة بتفكير وقلق بجملته، ولأول مرة يغزو الشك قلبها من جهته ! .. وتوقف الطعام بفمها وهي تنظر له بصمت وعينيها تصرخان بالاسئلة !... حتى قالت شهد بمرحها ولم تلاحظ حالة شقيقتها :
_ طب تعرف بقا يا ابو النسب أن رقة أختي ما بقتش تتوتر من الأصوات العالية زي الأول ! ..
ابتسم أشهد لرقة فوجدها شاردة به وعلامات الحيرة مرتسمة على وجهها بوضوح .. فسألها بقلق :
_ بتفكري في ايه ؟!
أنكرت رقة وتظاهرت بابتسامة وقالت :
_ لا أبدًا .. عادي.
فقال بلطف ولم يشك بابتسامتها المزيفة:
_ الحفلة الاسبوع الجاي عندي في البيت.. يعني تجهزوا براحتكم،
و دي كمان هتكون مناسبة عشان أعرف رقة على كل موظفين شركتي ومعارفي .. هي دلوقتي حرم الباشمهندس أشهد شاهين .. ولازم الكل يعرفها.
وافقته شهد وقالت :
_ وأنا هعلمها اتيكيت الحفلات، اتعلمته من المسلسلات التركي.
اعترض اشهد وقال بحدة:
_ أنا عايزها زي ما هي كده، مش هحاول أغير فيها أي حاجة .. لا اتيكيت ولا غيره، وكون أني عايز الكل يعرفها ده مش معناه أني هحب أنها تبقى أجتماعية وتتعرف على الجميع!! .. أنا بقيت بحب أن كل شيء في حياتي يبقى له خصوصية .. وهي بقت من ضمن حياتي .. يعني الكل يبقى عارفها آه .. أنما حد يقرب منها لأ ..!.
ابتسمت شهد بإعجاب واعتقدت أن شقيقتها رقة ستسعد بما سمعته، بينما وجدتها شاحبة الوجه زائغة البصر والخوف اقتحم عينيها فجأة ! .. فوكزتها شهد لتنتبه لمَ يُقال، فابتلعت رقة ريقها وهي تتنفس بحدة وقالت وهي تنهض :
_ ثواني وراجعة ..
فابتسم لها أشهد بسماح .. وذهبت رقة بحركة سريعة نحو حمام السيدات بالمطعم .. وعندما دخلته وقفت أمام المرآة العريضة بالحمام ونظرت لإنعكاس وجهها بخوف، ثم حاوطت رأسها بيدها في قوة وقالت بضيق :
_ لأ .. مش هسيب الشيطان يضيع فرحتي ويلعب بعقلي ويشككني فيه... هو اكيد بيتكلم بعفوية ومايقصدش اللي جه في بالي !.
ثم نظرت لنفسها بالمرآة وقالت بعصبية :
_ أنتي عمرك ما كنتي سيئة الظن في حد ؟ .. يعني يوم ما تعملي كده يكون أشهد ؟!... ده غباء فعلًا.
تنفست رقة بعمق ثم ابتسمت وقالت بتأكيد :
_ بيحبني زي ما بحبه ويمكن أكتر .. أنا متأكدة !.
وحينما عادت لهدوئها بالفعل تفاجئت رقة بدخول أحدى الشقراوات إلى الحمام وتوجهت ناحيتها مباشرةً بنظرات مريبة، ثم وقفت الشقراء أمام المرآة وبدأت تصبغ شفتيها بقلم روچ في غنج مبالغ .. وقالت بثبات وهي تنظر لرقة من المرآة :
_ أنتي بقا اللي اتجوزها أشهد ؟
ضيقت رقة عينيها بدهشة ثم أجابت بتوتر :
_ آه أنا .. أنتي تعرفيه؟!
ابتسمت الشقراء ونظرت لرقة مباشرة وقالت بعدما طالعتها بنظرة ساخرة من أعلاها لأسفلها :
_ ذوقه بقا يع أوي من بعدي ! ...
ردت عليها رقة بعصبية وقالت :
_ انتي بقا نهال ؟! .. كنت متوقعة شوفتك في أي وقت ! .. خصوصا بعد اللي اتنشر في الجرايد بسببك !.
ضحكت الشقراء بسخرية ثم قالت باستهزاء :
_ أنتي كمان عرفتي نهال ! .. يا مسكينة ! .. واكيد قالك أنه حبك أنتي وبس .. لذاتك ولشخصيتك وبساطتك وبراءتك ! ... ما تتصدميش، أصلي سمعت كل اللي سمعتيه وسيبته قبل ما أخد أكبر مقلب في حياتي ..
بهتت رقة من ما قالته تلك المرأة وكأنها تعرف سير الحديث ودقة تفاصيله بينها وبين اشهد، حتى اضافت الشقراء بإزدراء :
_ أنا مش كوبري ولا محطة ينسى بيها واحدة مش عارف يطلعها من دماغه ! .. ولا أنا رخيصة عشان أتجوز واحد معتبرني قلم على وش نهال يفوقها عشان ترجعله .. ما تفتكريش أنك الضحية الأولى ! .. بس خيبتك أنك صدقتيه لحد دلوقتي .. أنما أنا رميته وسيبته قبل ما يسيبني ويرميني .. ورغم أنه أذاني كتير وحب ينتقم مني لكني بعدت عنه ونسيته... بس مسكت عليه اللي يثبت كلامي ويخليني أردله شيء بسيط من أذيته وانتقامه.. يمكن يبعد عني ويتلاشاني!.
وأخرجت الشقراء هاتفها وأدارت مقطع الفيديو الذي كان عبارة عن اعتراف أشهد بأن كل هذا عبارة عن خطة لا يطيق استمرارها أكثر من ذلك ..
وعندما استمعت له رقة خطفت الهاتف ورأت أشهد وهو يتحدث مع شقيقه بهئيته كاملا، وتجمدت من الصدمة وكاد أن يتوقف قلبها، وأشتد كيد الشقراء عندما انتبهت لشرودها وصدمتها وقالت :
_ أنا شوفتكم بالصدفة في المطعم .. أصل ده المطعم اللي كان بيعزمني فيه على طول وبقا المفضل ليا .. وبصراحة مكنتش ناوية اتدخل، بس لما شوفتك هنا بالصدفة مقدرتش اسكت .. وعموما الف مبروك يا عروسة .. كل مقلب وأنتي طيبة!.
وضعت الشقراء قلم الروچ بحقيبتها، ثم أشارت لها بالوداع وخرجت من الحمام سريعا !! ... ونظرت رقة للباب في تيهة واحساسها بالضياع اضحى مخيفا ! .. ثم سقطت أرضا فاقدة للوعي تماما.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبنفس الغرفة البيضاء التي تغمرها رائحة الأدوية فتحت رقة عينيها ببطء .. لتجد شهد ممسكة بيدها وعينيها حمراء من الدموع وهتفت عندما انتبهت لإفاقة شقيقتها :
_ حصلك ايه يا حبيبتي ؟! .. ده انا اترعبت لما واحدة دخلت الحمام ولما لقيتك مغمى عليكي صوتت ولمت الكل .. وأشهد بقا هيتجنن لما شافك !.
سقطت من عينان رقة دموع وظلت صامتة للحظات، ثم سألتها :
_ أشهد فين ؟!
أجابت شهد لتطمئنها :
_ كان برا من شوية ، هو قال أنه هينقلك من هنا لمستشفى تانية احسن ..
وقبل أن ترد رقة بشيء فتح باب الغرفة ودخل حازم قائلا بمزاح :
_ ماينفعش تبقي مرات أخو الضابط حازم شاهين ويجيلك هلع من حتة واد بلطجي ولا يسوى ! .. ده انا خليت وشه شبه الرصيف المقلوب من كتر الضرب ! ... لا فوقي كده واللي يزعلك بس شاوريلي عليه ..
نظرت له رقة بصمت لبعض الوقت، ثم قالت لشقيقتها :
_ سبيني وأخرجي يا شهد .. عايزة اتكلم مع حضرت الضابط حازم شوية
رد حازم بسخرية :
_ حضرت الضابط حازم!.... عموما معلش .. لسه مستجدة في عليتنا.
ونظرت شهد بغرابة وشك لشقيقتها، ولكنها مع الجدية الشديدة الظاهرة على رقة تحركت ببطء وقلق للخارج، واعتدلت رقة بجلستها وحمدت أن الممرضات تركوها بحجابها وملابسها .. ثم نظرت لحازم بجدية وقالت بثبات يخفي نيران قلبها المتقدة :
_ أشهد محبنيش صح .. خطط يرتبط وخلاص بأي واحدة .. ووقعت أنا في طريقه بالصدفة .. فقرر يتجوزني، بنت فقيرة وغلبانة مش هتقدر تفضحه ولا ليها حد يقفله وياخدلها حقها، هتبقى فرصة هايلة ياخد بيها حقه من واحدة غيرها، أشهد لسه منساش نهال ... وعمل ده كله بسببها ؟!
زي ما والدتك في يوم قالت وأنا كنت عبيطة وماصدقتش !.
ذهل حازم مما سمعه منها، وارتبك وانعقدت الكلمات بحلقه، فهو رغم مسايرته لشقيقه في أمر هذه الزيجة ولكنه يعتقد داخليا أن أشهد لم يشفى ويبرأ من جراحه القديمة .. ومن أكبر دوافعه لهذا الزواج هو الوقوف ضد نهال !!، وصمت حازم واضطرابه الواضح وتردده بالأجابة كان إجابة كافية لمَ تريد معرفته رقة .. فقالت والغليان ملأ صوتها وعينيها وكأنها تحولت لفتاة أخرى شرسة :
_ أنا كده فهمت ...
تحدث حازم بتوتر وقال :
_ الإجابة دي مش عندي .. لازم تتكلمي مع أشهد.
وقفت رقة أمامه وقالت بنظرة نارية من الغضب :
_ أنت لو عندك حقيقة تانية مكنتش اترددت لحظة تدافع عن أخوك .. بس أنا هسامحك أنت عارف ليه ؟ .. لأن على الأقل كان عندك شوية ضمير وحاولت توقفه عن اللي بيفكر فيه .. أنا شوفت بنفسي وسمعت.
ضيق حازم عينيه بشك وقال :
_ سمعتي وشوفتي ايه ؟! .. الكلام ده وصلك منين أنا عايز أفهم ؟!
سخرت رقة وقالت بنظرة انتقام غريبة عن طبيعتها وخصالها :
_ وصلني متأخر للأسف .. بس يمكن في فرصة أخيرة أنقذ بيها نفسي ... قول لأخوك أني هعرفه مين هي رقة اللي استغلها واستغل براءتها وطيبتها لمصلحته .. وأن ورا الوش البريء ده واحدة تانية هتكسر قلبه وهتنتقم منه ومش هيوصل حتى لضلها ... وورقة طلاقي توصلني وإلا ههد الدنيا فوق دماغه.
نظر لها حازم بذهول ولتحولها المخيف هذا !! ... حتى خرجت رقة من الغرفة وركضت خارجة من المشفى دون أن يرها أحد ..
الجزء الأول من الفصل الرابع عشر
أختفت رقة من أمام حازم الذي وقف متسمرًا للحظات من صدمته مما قالته أو بالأصح اكتشفته ... وعندما استفاق من تيهة تفكيره كان على صوت شهد التي تسأله بخوف وعينيه تتأرجح بينه وبين الفراش الخالٍ :
_ أختي فين ؟!
حرك حازم أهداب عينيه بارتباك ثم قال لها :
_ تعالي معايا نلحقها قبل ما تعمل في نفسها حاجة.
فغرت شهد فاها من الذهول وصاحت وهي تركض خلفه :
_ ايه اللي حصل لأختي فهمني ؟!.
ولم يكن حازم في حالة تسمح له بشرح الامر كاملًا فقال مختصرا :
_ سوء فهم بس وهيعدي أن شاء الله.
خمنت شهد أن الأمر لابد يخص تلك المرأة المسماه بـ "نهال" ، فزمت شفتيه بعصبية وهي تلتفت يمنة ويسرة باحثةً عن شقيقتها ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
دخل أشهد الغرفة الطبية بالمشفى المفتوح بابها على مصراعيه وهو يقول بعجالة :
_ هتتنقلي دلوقتي حا.....
وانقطعت جملته عندما وجد الفراش خاليًا والغرفة كذلك .. قطب حاجبيه في دهشة وعينيه تتجولان بجميع الأرجاء، وأسرع للخارج يسأل ماذا حدث وأين زوجته .. وعندما سأل أحدى الممرضات بالممر نظرت بحيرة وتعجب للغرفة وأجابته بغرابة :
_ معرفش راحت فين ، أنا سيباها مع أختها وروحت أشوف بقية المرضى !.
دق الخوف بقلب أشهد وسار بالمشفى بغير وجهة حائر وقلقا حتى أنتبه لشقيقه حازم وهو ينزل درجات السلم مع شهد بخطوات سريعة .. فهتف أشهد باسمه حتى انتبه حازم وتوقف وهو يبتلع ريقه وينظر لأشهد بتوجس، فأسرع اليه أشهد وسأله بقلق:
_ رقة مراتي فين ؟
نظر حازم لشهد مفكرا للحظات ثم قال لها :
_ شوفيها أنتي الناحية التانية ، وأنا وأشهد هنقلب المستشفى عليها ..
حدجته شهد بشك، ثم ركضت الجهة المقابلة لهما دون الدخول في مناقشة ليس لها داعِ الآن، وجذب حازم يد شقيقه أشهد لزاوية بعيدة عن التنصت والعيون وقال مرتبكا :
_ رقة عرفت الحقيقة كلها يا أشهد .. وطالبة الطلاق.
اتسعت عينان أشهد بذهول وصدمة، وخرج من صدمته وهو يهز ذراعي حازم بشراسة وهو يقول بعينان يملأها الغضب :
_ حقيقة إيه اللي عرفتها وعرفتها منين ؟!
هز حازم رأسه بحيرة شديدة وقال :
_ بتقول أنها شافت وسمعت، مش فاهم تقصد ايه تحديدًا، المهم دلوقتي ما نفضلش واقفين ونسيبها، هي مشيت بعد ما قالتلي ..
ضيق أشهد عينيه بنظرة نارية الغضب وسأله :
_ قالتلك ايه أنطق ؟!
تنهد حازم بضيق شديد ثم أجاب :
_ قالتلي ... قول لأخوك أني هعرفه مين هي رقة اللي استغلها واستغل براءتها وطيبتها لمصلحته، وأن ورا الوش البريء ده واحدة تانية هتكسر قلبه وهتنتقم منه ومش هيوصل حتى لضلها، وورقة طلاقي توصلني وإلّا ههد الدنيا فوق دماغه.
اتسعت عينان أشهد بذعر وهو يبتعد خطوة فاغرا فاه من الذهول، ثم هز رأسه رافضا الأمر برمته قائلًا :
_ لا مستحيل، مستحيل ده يحصل .. أنا لازم أشوفها.
نظر حازم لأشهد بعتاب شديد وقال :
_ المهم دلوقتي نلاقيها، مكنتش في حالة طبيعية قبل ما تمشي.
شحب وجه أشهد والتمعت عينيه بالخوف من الآت، ليس بعد أن أحبها وعشقها تغادره وترحل !.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
أحيانًا من عنف الصدمة نتجمد ونجد أن الدموع ليست كافية لتنفث عن ما بداخلنا من أثقال الألم ..
سارت بالطرقات ناظرة لكل شيء، ولكنها لا ترى أي شيء، تائهة، ضائعة، روحها مكلومة، مبتور جناحيها وسقطت أرضا بعدما كانت تحلّق عاليًا بحرية وجنون .. كان يجب أن تبك ،وتصرخ ، وتركض وتصيح .. بدلًا أن تسير هكذا جافة العينان، ناظرة لكل شيء وللاشيء بهذا الهدوء المزيف، الذي لا يمت بصلة بما يدور بداخلها الآن ..
حتى أنها لا تعرف أين هي الآن، وبأي شارع تسير ، وكيف تعود، وإلى أين ستعود ... ولكنها لا تريد شيء سوى أن تظل بمفردها، بعيدا عن أنظار العالم، حتى لا يذكرها أحد أنها كانت حمقاء غبية عندما صدقت أنها حبيبة أكبر مخادع وكاذب رأته أو سمعت عنه بيوم ... كانت كلماته القاسية بالفيديو المصور تتردد كل لحظة بعقلها، وتشق قلبها وروحها لقطع لن تلتئم مرةً أخرى.
وعندما تعبت بعد أكثر من ثلاث ساعات سيرا على الأقدام ارتمت على احد الأرصفة التي يعمها الظلام، سوى بصيص نور يأت من البعيد .. وظلت جالسةّ بلا أي شعور بالوقت أو بمن حولها.
وكأنها اصبحت بلا شعور أو ادراك بهذا الكون بما يحمله ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
ضحكت نهال ضحكة عالية بنظرات لامعة منتظرة عندما انهت المكالمة الهاتفية التي أخبرتها أحدث التطورات .. وطالعها كريم بريبة وهو جالسا قبالتها فقال :
_ ايه الأخبار ..؟!
نفثت نهال دخان سيجارتها بعدما تمالكت موجة الضحك وقالت بابتسامة واسعة :
_ خبر الموسم يا كيمو .. أهي دي الأخبار ولا بلاش .. بس ما تنساش تبعت لسالي الشيك بتاعها ، بصراحة نفذت اللي قولتهولها بالحرف ..
ابتسم كريم بخبث ثم قال :
_ حركة جاحدة منك .. بس الفضل كله للفيديو اللي محدش عارف مين بعته لحد دلوقتي !.
ضحكت نهال مرةً أخرى وهى تهز رأسها بسخرية من غبائها ثم قالت :
_ أنت لسه بتفكر !! .. هو في غيرهم !!..
تفاجأ كريم أنها تعرف من وراء هذا الفيديو وسألها بتعجب :
_ تقصدي مين ؟!!
امتلأت عينان نهال بالشماتة وقالت :
_ الفارتين بنات خالة أشهد .. اللي أعرفه أنهم في أجازة مع أمهم في بيت أشهد .. يبقى مين يعني اللي صوره وبعته بذكائك كده ؟! ... وعلى قد ما الفيديو ده كان النجدة ليا في وقت كارثي ، على قد ما هربيهم وأفضحهم بيه لو حصل ورجعت لأشهد .. عشان مش هسمح لمخلوق يتدخل ما بينا تاني ..
ابتسم كريم لذكائها وقال :
_ مش سهلة أنتي يا نهال .. ايه بقا الخطوة الجاية ؟
نظرت نهال للبعيد بتفكير، ثم ابتسمت وهي تنظر له وقالت بغمزة :
_ وقتك بدأ يا كيمو .. بس قبل كده لازم تخلي حد يراقب البت دي كويس أوي ، أنت مش قولتلي أنك بعت وراها حد من وقت ما خرجت من المستشفى ؟
أجاب كريم وقال :
_ أه ..
تابعت نهال حديثها وقالت :
_ خليك مراقبها ال ٢٤ ساعة ... المهم ما تقابلش أشهد أبدًا ، ولو حصل وقابلته أنت عارف هتعمل ايه ..
رد عليها كريم محذرا :
_ هيبقى خطف كام يوم بس من غير اللي في دماغك .. أنا مش مستعد اتسجن بسببك !!.
لم تهتم نهال لتحذيره وقالت بإصرار :
_ أنا مش هسمح لأي حد ولا لأي شيء يبعدني عن أشهد تاني .. مهما كان التمن.
رمقها كريم بقلق وتوجس .. وشعر بالخوف من تفكيرها وما تؤول اليه الأمور إذا جرت الرياح عكس ما تشتهيه نهال !.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
عند منتصف الليل ..
وقف أشهد بجانب سيارته وهو يطرق عليها بعنف وجنون ويصرخ :
_ يعني ايه مش عارف الاقيها لحد دلوقتي !! .. ولا عارف راحت فين ولا ايه اللي حصلها !! ...
وقف بجانبه حازم وقال ليطمأنه رغم قلقه :
_ أن شاء الله هنلاقيها وهتكون بخير .. أهدى يا أشهد عصبيتك دي مش هتفيدك في شيء ! ... أنا مش ساكت من وقت ما شيت وبلغت صحابي وكل اللي أعرفهم، ده غير المستشفيات .. أهدى أرجوك.
نظر أشهد لحازم قليلا ثم رفع يديه وجذبهمن ياقة معطفة وجره جرا بغضب شديد مصيحا :
_ وأنت موقفتهاش ليه وفهمتها الحقيقة !... عجبك اللي أنا فيه دلوقتي ؟!.
أنفعل حازم وقال بعصبية :
_ حقيقة ايه يا أشهد اللي كنت عايز أقولها ؟! .. أنا لو قولتلها الحقيقة فعلًا من البداية كانت هتبقى كارثة فعلًا .. كنت عايزني أقولها أنها كانت لعبة من البداية عشان تنسى بيها واحدة تانية ؟!. .. ولا كنت عايزني أقولها حكاية الخطوبة والخطة بتاعتنا ؟! .. أنا معنديش حقيقة غير دي ، ومكنش ينفع أقولها !.
انتفخت عروق عنق أشهد من الصدمة والغضب، ثم قال بشراسة معترفا :
_ عشان أنت غبي ما فهمتنيش.. الحقيقة أني بحبها ، حبيتها ومن أول مرة شوفتها، ومكنتش عايز كده .. الحقيقة أن هي الأنسانة الوحيدة اللي حبيتها ! .. ومعرفتش ده الا متأخر ومقدرتش اعترف لنفسي بيه غير من أيام قليلة .. الحقيقة أن المرادي المصيبة كبيرة والوجع فوق طاقتي ..
صدم حازم ونظر لشقيقه بنظرة متسعة، ثم تمتم وقال :
_ كان لازم تقولي يا أشهد .. أنا اتكلمت معاك كذا مرة في الموضوع ده، مافيش مرة حسستني أنك حتى معجب بيها وكنت بتهرب وبتقول كلام تاني !.
صرخ أشهد بعنف فيه وقال :
_ مكنتش عايز أحب .. مكنتش عايز اتوجع تاني، حاربت نفسي الف مرة عشان أبعد عنها ومعرفتش، خدتني من وحدتي وخوفي ووجعي وأطمنت وحبيت وفتحت قلبي من جديد .. أنا مش هسمح لحد يبعدها عني، ولا هسمحلها هي شخصيا تبعد ..
ابتلع حازم ريقه من الخوف على شقيقه من هذا الغضب والقهر الغارق بعينيه .. فربت على يده وقال بتأكيد :
_ أنا متأكد أنها بمجرد ما تتكلموا هتصفى وهتفهم وهتصدقك، اللي أتقالها اكيد صعب وصدقته ..
هز أشهد رأسه بحيرة وعذاب ثم قال :
_ صدقته بسببكم .. سمعت أمي بتقول كده، وأخويا ما دافعش عني في غيابي وسكت، أهلي نفسهم كانوا ضدي، مش عايزها تصدق أزاي ؟! ...
أكد حازم وقال بجدية :
_ لما ترجع هتشوف هعمل إيه ..
امتلأت عينان أشهد بالخوف والقلق ثم قال :
_ المهم هي ترجع .. لإن لو مارجعتش مش هرحم حد، وهتشوفوا مني وش عمركم ما شوفتوه.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبعد مرور ثلاثة أيام ...
كانت فيهم شهد لم تذق للنوم طعما ، حتى تكونت دوائر سوداء حول عينيها من كثرة البكاء والبحث بالشوارع والترقب لأي خبر صادم ..
وعندما أجبرها حازم أن تظل بالبيت فهو ومعه فريق كامل يبحثون عنها، خلافا لأشهد الذي أصبح مثل المجنون ويبحث عنها في كل مكان ..
ارتفع رنين هاتف شهد برقم مجهول وأجابت سريعا وهي تبك خوفا من الآت :
_ الو ؟
عم السكون للحظات .. حتى قالت رقة بصوتٍ هادئ هدوء مريب :
_ أنا بخير يا شهد ..
انتفضت شهد بابتسامة وصرخت :
_ أنتي فين يا رقة كنت هموت من القلق عليكي، أنتي كويسة وبخير ؟ ..
ردت رقة وأضحى وكأنها ليست هي، عدى صوتها المعتاد ، وقالت بتأكيد :
_ قولتلك أنا بخير .. بس مش راجعة البيت، ومتعرفيش حد أني كلمتك.
دهشت شهد وقالت بتسائل :
_ أنتي فيكي ايه يارقة ؟! ... لولا أني عارفة صوتك مكنتش صدقت أنك أختي وإنك واحدة تانية !!.
سمعت شهد تنهيدة السخرية بصوت شقيقتها حتى قالت رقة بصوتٍ عاصف :
_ بالضبط .. أنا واحدة تانية .. بس هفضل أختك.
سألتها شهد بعصبية :
_ أنتي فين عايزة أشوفك وافهم منك اللي حصل ..
ردت رقة بثقة وحزم :
_ هقولك .. بس لو حازم وأخوه عرفوا أنا فين مش هتعرفيلي طريق بعد النهاردة !.
انتبهت شهد أن رقة ترفض حتى لفظ اسم أشهد !!، أظن الأمر برمته يدور حول أشهد وما فعله لتصبح هكذا ، فسألتها شهد بلهفة :
_ طب أنتي فين ووالله ما هقول لمخلوق ..
أجابت رقة بثبات :
_ أنا في فيلا .. بيلا جود.
الجزء الثاني من الفصل الرابع عشر
أجابت رقة بثبات :
_ أنا في فيلا .. بيلا جود.
دهشت شهد وشعرت بالخطر خصيصا مع النغمة المخيفة الهادئة بصوت شقيقتها فسألتها بعجالة :
_ عنوانها إيه ..؟!
أخبرتها رقة بالعنوان وأنتهى الأتصال الذي بعده أسرعت شهد مباشرةً لتبديل ملابسها حتى تذهب لشقيقتها حيث هي ..
( وبفيلا بيلا جود ...)
دخلت بيلا بكوبين من عصير البرتقال الطازج لغرفة الأجهزة الرياضية، حيث توجد رقة التي كانت تركض على آلة الركض بسرعة خطرة غير معتادةً عليها .. رمقتها بيلا بتعجب ثم ذهبت لتخفف سرعة الآلة وأوقفتها تدريجيًا وهي تنظر لرقة بنظرة جدية حذرة.. فابتعدت رقة عن الآلة وهي تلهث بقوة وحبيبات العرق تنزف من مسامات بشرتها ... وبعدها ارتمت على مقعد قريب لتستريح وتهدأ أنفاسها بعض الشيء .. فأخذت بيلا كوب من العصير وأشارت لرقة لتأخذه قائلة :
_ خدي نفسك وبعدين أشربي العصير ده ..
أخذته رقة ووضعته قربها على المنضدة، ثم ارجعت ظهرها للمقعد بارياحية وبدأت تلتقط أنفاسها بهدوء .. ولكن عينيها زائغتان للبعيد وكأنهما يتطلعان بعالمً آخر .. وراقبتها بيلا عن كثب ثم قالت بتحفظ :
_ مش حابة أتدخل في شؤونك الشخصية .. بس مش أنتي البنت اللي شوفتها من أيام!! .. فيكي حاجة متغيرة أوي!.
أطرفت رقة أهدابها ببطء ثم قالت بهدوء مريب دون أن تنظر لبيلا :
_ مش هتقل عليكي يا بيلا ما تقلقيش .. أنا برتب أموري وهمشي في أسرع وقت .. وجميلك ده دين في رقبتي و هردهولك في يوم من الأيام.
قالت بيلا بعجالة وحرج:
_ ما اقصدش صدقيني يا رقة .. ده أنتي منوراني وونستيني والله العظيم .. أنتي شوفتي بنفسك حياتي اللي فاضية وبيتي اللي عايشة فيه لوحدي، يعني مستحيل تكوني مسببالي اي ازعاج زي ما ظنيتي.
وبعدها نظرت بيلا حولها بألم ثم قالت بصدق وحزن ظهر بصوتها وعينيها :
_وبعدين تتقلي عليا إيه بس، شايفة الفيلا الكبيرة دي .. قاعدة فيها لوحدي، زمان لما كنت خياطة على قدي وعايشة في حارة كانت اوضة السطوح ما بتخلاش من البنات والستات اللي جايين يفصلوا فساتين وهدوم عندي .. كنت مشغولة طول الوقت ، وسنة ورا سنة ونجاح ورا نجاح نسيت أن العمر بيعدي وبينتهي ، والشباب له مدة صلاحية وبيخلص .. بقا عندي كل اللي حلمت بيه زمان، إلا حاجة واحدة مش عارفة أشتريها ولا أحققها !.
التفتت رقة وسألتها باهتمام :
_ إيه هي ؟!
أجابت بيلا بنفس الألم :
_ راحة البال .. الأمان والحب .. الحاجات دي مش بالفلوس يا رقة.
قالت رقة بسخرية وثورة متقدة بعينيها :
_ أومال بالفقر وقلة الحيلة والضعف والكسرة !..
ردت بيلا وقالت بصدق :
_ الدنيا ما بتديش لحد كل حاجة ، هتلاقي كل واحد متاخد منه حته.. لا الفقير مرتاح .. ولا الغني مرتاح.
نهضت رقة وتجهت نحو باب زجاجي ضخم يطل على مسبح بالحديقة تتلألأ مياهه تحت آخر خيوط النهار، ثم قالت بصوت عميق وعينان شاردة يغمرهما رفة انتقام وغضب :
_ محدش تعبان ومكسور في الدنيا دي قد الفقير .. اللي بالنسبة للناس اللي فوق لعبة وتسلية تترمي في أقرب صفيحة زبالة وقت ما يحبوا .. الفقر ضعف .. الفقر كسرة وذل .. وأنا قررت ما أبقاش ضعيفة تاني.
صوتها بدا شرسا عنيفا ،فنهضت بيلا واقتربت من رقة وهي تسألها بشك وتوجس :
_ في إيه .. إيه اللي وصلك لكده ؟! .. صوتك وطريقتك بتقول أنك مصدومة من حاجة !.. فضفضيلي وخرجي اللي جواكي يمكن أقدر اساعدك.
نظرت رقة لبيلا وقالت بنظرة قوية مصممة :
_ لو عايزة تساعديني فعلًا شغليني معاكي أو قوليلي أبدأ منين .. ساعديني أنجح بسرعة، أنا عمري ما طلبت من حد حاجة، بس أنا اخترتك أنتي بالذات وجيتلك .. متخذلنيش.
ربتت بيلا على كتف رقة وقالت بتأكيد :
_ أوعدك اساعدك وأقف جانبك لحد ما توقفي على رجليكي ويبقى ليكي براند خاص بيكي كمان، يمكن غباء مني أني اعمل كده واساعد حد ينافسني في السوق بعدين .. بس أنا مقدرش أخذلك بعد ما جيتيلي لحد عندي ووثقتي فيا ..
تنفست رقة بعمق كأنها وجدت ضالتها وقالت :
_ ويوم ما أنجح وأبقى زيك عمري ما هنافسك أنتي بالذات يا بيلا .. أنا مش هبفى نسخة من اللي وجعوني وصعبوها عليا ، حتى لو كنت ناوية أنتقم منهم.
نظرت لها بيلا بتفكير ثم سألتها بتردد :
_ أنا أسفة ..بس حاسة أن اللي وصلك لكده هو .. الباشمهندس أشهد شا..
قاطعتها رقة بصوت حاد :
_ معرفهوش .. معرفش حد بالاسم ده.
هزت بيلا رأسها بإحباط وبدأت تفهم الأمر فقالت :
_ يبقى هو .. هسيبك تهدي ، ولو حبيتي تتكلمي في أي وقت أنا موجودة .. البيت بيتك.
تركتها بيلا وهي تحدث نفسها عن أمر تلك الفتاة التي تحولت بين يوم وليلة من فتاة بقلب طفلة إلى تلك الشرسة التي يملأها الأنتقام وهوسه .. ليس سوى الخيانة من تفعل بالمرأة ذلك!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبعد مرور ساعة تقريبًا .. وقد اصبحت الشمس تلوح من بعيد وأنتشرت ظلالها القرمزية بوداعها المؤقت.
دخلت شهد من بوابة الفيلا الواسعة وهي تنظر حولها بقلق ، وأخذتها أحدى الخادمات حيث توجد رقة بالحديقة الخلفية ، ودخلت شهد مع الخادمة وعينيها تبحثان بلهفةً هنا وهناك .. حتى وقعت عينيها على رقة التي تقف أمام المسبح وتنظر بشرود وصمت مُقلق للمياه الباردة ..
أسرعت اليها شهد بلهفةً وهي تردد اسمها بعتاب شديد ثم ضمتها بقوة قائلة :
_ كنت هتجنن من الخوف عليكي .. الحمد لله إنك بخير.
وقابلتها رقة بجمود على غير عادتها، وبعينان جليدية لم يطرف لهما جفن !... وقالت بهدوء :
_ قولتي لحد أني هنا ؟
نفت شهد بقوة وأقسمت :
_ والله العظيم ما قولت لمخلوق .. بس فهميني ايه اللي حصل ؟!
نظرت رقة للمياه من جديد بشرود ثم قالت ببرودة عمت بصوتها مختصرة كل هذا الألم في كلمة :
_ فهمت ..
أجفلت شهد من إجابتها ولم تفهم .. فسألتها بحيرة :
_ فهمتي أيه ؟!
روت لها رقة كل شيء .. حتى ذعرت شهد مما سمعته وقالت معترضة ورافضة ظنونها بأشهد :
_ لا يا رقة مستحيل أصدق .. مستحيل أن الشخص اللي شوفت حبه ليكي مالي عنيه في كل نظرة يكون كداب وجاحد بالشكل ده ؟! ..
ردت رقة قائلةً بثبات ونظرة عنيفة ومصرة على الانتقام :
_ أنتي حرة ، تصدقي أو ما تصدقيش مايهمنيش .. المهم أني مش هعديهاله .. أنا وهو والزمن طويل.
نظرت شهد لها باعتراض ورفض شديد وقالت وهي تهز شقيقتها من ذراعها بقوة وعصبية :
_ لأ فوقي يا رقة ، ما اتعودتش عليكي كده ، مش عايزاكي كده ! .. أنا عايزة أختي اللي أعرفها ، أختي البريئة الحنينة الطيبة ، اللي واقفة قدامي دي مش أختي !!.
تركتها رقة تقول ما تقول وتفعل ما تفعل حتى قالت بنفس الثبات والهدوء :
_ مافيش مخلوق هيقدر يوقفني على اللي ناوية عليه .. ولا حتى أنتي.
دهشت شهد من الجليدية التي اصبحت عليها شقيقتها بين ليلة وضحاها، وقالت بذهول :
_ أنتي واحدة تانية مش أختي ! .. ده كله ليه ؟ .. حتى لو كل اللي سمعتيه ده حقيقي ، مايخلكيش تبقي كده ؟!.
طالعتها رقة بنظرة مخيفة وقالت :
_ مش هرد عليكي يا شهد .. ومش هلومك، بس اللي في دماغي هنفذه ..
ضمتها شهد وقالت بأسف وبكاء :
_ حقك عليا يا حبيبتي ، أنا عارفة ومقدرة صدمتك ، حقك تزعلي وتحزني ، وتطلبي الطلاق كمان ، بس أوعي تبقي كده ، أنا طول عمري كنت بتمنى أنك تتغيري .. بس النهاردة بتترجاكي تخليكي زي ما كنتي .. ما تخسريش نفسك عشان حد ... وبعدين ليه قررتي وحكمتي من غير ما تسمعيه ؟!
أنتي مش متخيلة بيدور عليكي أزاي وبقا زي المجنون ! ... أشهد قالب الدنيا عليكي ومرجعش بيته من وقت ما أختفيتي !.
ونظرت لها شهد وتابعت بصدق:
_ اقتنع أزاي بعد اللي شوفته بعيني أنه مش بيحبك وواخدك وقت وهيرميكي ؟! ..
سخرت رقة وقالت بنظرة نارية :
_ ما طبعا .. ما هي مصلحته لسه مخلصتش وحبيبة القلب هتشمت فيه، أفهمي بقا ما تبقيش زيي، بس والله لخليه يتمنى يشوف حتى ضلي وما هيطوله !..
ربتت شهد على يدها ب قة وقالت برجاء شديد :
_ عشان خاطري يا رقة قابليه واتكلمي معاه .. اكيد في حاجة غلط !.
سحبت رقة يدها ونظرة بشراسة لشقيقتها وقالت :
_ أقابله ؟! ... لا مش هبقى غبية أكتر ما كنت ، أنا اقسمت بيني وبين نفسي من وقت ما عرفت الحقيقة أن عينه ما هتلمحني غير وأنا واقفة على رجلي وقادرة أقف قصاده ..
وسخرت بضحكة تزدري تلك الفكرة الساذجة :
_وبعدين هستنى من مقابلته ايه غير كدب وتأليف وحوارات ! .. أمه بنفسها قالت اللي الست قالتهولي في المطعم ... وأخوه مقدرش يدافع عنه بكلمة لما واجهته بالكلام اللي سمعته في الفيديو .. أستنى ايه من مقابلته قوليلي ؟!
ما هيحاول يثبتلي بكل الطرق أنه صادق وبيحبني ، وانا بقا العبيطة اللي هصدق وأكمل ، وكام شهر يكون نفذ اللي في دماغه ويرميني ويطلقني .. بس لأ ، أنا اللي رميته وطالبة الطلاق ، وكويس أني عرفت الحقيقة قبل الفرح
صمتت شهد بحزن وقالت :
_ يعني حازم كان مشترك معاه كمان !.
ردت رقة وقالت بما رأته :
_ اللي سمعته وشوفته في الفيديو بيقول أنه مكنش موافق على اللي بيحصل وحاول يوقف أخوه .. حازم اتضرب بالقلم بسبب اعتراضه ورفضه .. وده يخليه قدامي مش متهم !.
نظرت لها شهد بدموع حتى ربتت رقة على يدها وقالت بصدق :
_ خرجي حازم من المشكلة دي يا شهد ..
فهمت شهد ما قصدته رقة فضمتها وهي تبك ، وربتت عليها رقة قائلة بهدوء:
_ ما تعيطيش .. ومتخافيش عليا.
أتت بيلا اليهما وقالت بابتسامة واسعة ومرحبة :
_ حضرتلكم حتة عشوة تجنن .. تعالوا معايا بقا يا بنات عشان هموت من الجوع.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
أنهى أشهد اتصال طويل مع سكرتيرته وهو جالسا بسيارته، ثم ارجع ظهره للمقعد بتنهيدة ثقيلة وأغمض عينيه بألم وحزن شديد ، جميع السيناريوهات التي تأت بعقله مظلمة ومخيفة .. سواء كانت هي من قررت الأختفاء أو أن أحدًا قام بأختطافها !!.. وبتلك اللحظة ارتفع رنين هاتفه من جديد ليجد رقم أمه المتصل ، فنظر أشهد للهاتف بعصبية والقاه مكانه وهو يقول :
_ أنتي السبب من البداية ... قراراتك واجبارك ليا هو اللي وصلني لكده .. لو رقة راحت مني مش هسامحك بسهولة أبدًا يا أمي ..
وكررت أمه الأتصال للمرة المائة ولم يجيب ... حتى اتصل أشهد برجاله الذي لم ينفكوا بالبحث بالايام الفائتة ، ولم يأتوا بالجديد ، ثم وصل حازم بسيارته لمكان أشهد الذي أتفقا أن يتقابلا فيه .. وعندما وقفا أمام بعضهما خارج سيارتهما قال حازم بإحباط :
_ مالهاش أثر ، فرغت كل الكاميرات بتاعت الشوارع اللي أتقال أنها مشيت منها وما وصلتش لحاجة .. ومافيش أي خبر عنها في أي مستشفى لحد دلوقتي ... صدقني والله أنا حرفيا قلبت مصر عليها الايام اللي فاتت .. بس زي ما تكون فص ملح وداب !.
تنهد أشهد بعذاب ثم قال :
_ أنا عارف اللي هي بتمر بيه ومجربه ، أنا خايف عليها ، وكل اللي بتمناه دلوقتي تكون بخير .. ومسيرنا نتقابل ونتكلم وهحكيلها كل حاجة ، وسواء سامحتني أو لأ مش هسمحلها تبعد تاني ..
سأله حازم بتعجب :
_ للدرجادي بتحبها يا أشهد !! ..
نظر أشهد بألم شديد أمامه وأجاب بصدق :
_ حب ! .. ده مش بس حب ، ده منتهى الأمان ، أني أطمن وأحب وأثق في واحدة دي محصلتليش قبل كده ولا مرة .. أنا خايف تبعد عني .. أنا مش عايز ابقى لوحدي من تاني .. لأني مش هعرف ادخل واحدة غيرها حياتي ... ولا هقبل أن ده يحصل.
ربت حازم على كتفه وقال مؤكدًا :
_ يمكن مقدرتش أدافع عنك أول مرة ، بس المرادي لما أشوفها أنت بنفسك هتشوف هعمل عشانك إيه .. بس عشان خاطري رد على أمك وطمنها عليك ، دي مموتة نفسها من العياط.
تنهد أشهد بقوة وأغمض عينيه بألم ثم قال :
_ هرد عليها .. أنا كده كده راجع البيت النهاردة .. بس مش عايز حد يدخل معايا في مناقشة ولا كلام ولا اسئلة!.
أكد حازم وقال :
_ أنا حذرتهم من غير ما تقول ، محدش هيكلمك خالص ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
دخل كريم مكتب نهال بالشركة وهو يقول :
_ ها .. في جديد ؟
أكدت نهال وقالت بابتسامة ماكرة :
_ الجديد عندك أنت ... شغلك هيبتدي من أول النهاردة ، واللي هطلبه منك تنفذه بالحرف ...
استمع كريم لها ولخطتها ثم سأل بغرابة بعدما عرضت نهال عليه الخطة الجديدة:
_ واحدة زي بيلا جود تفتكري لسه مش مرتبطة !! .. هوقعها أزاي دي ؟!
أجابت نهال مبتسمة بتأكيد :
_ لأ عرفت بطريقتي أنها سنجل ومالهاش حبيب ، المطلوب منك توقعها فيك لحد ما تقنعها أنكم تبقوا شركا في شركة للأزياء جديدة، ولما ده يحصل ابعد أنت بقا وسيبلي الباقي .. وكده كده مش هنخسر حاجة ، بيلا جود اسم كبير وبراند لوحده يسوق أي حاجة .. يعني اعتبره فرع جديد بتفتتحه وبعيد عن البيزنس بتاعنا الأصلي.
فكر كريم لبعض الوقت ولم يقتنع بالفكرة فقال :
_ بس بيلا دي أكبر مني أصلًا .. يمكن ماتشوفش فيا الراجل المناسب ليها والمهمة تفشل !.
قالت نهال بغيظ :
_ بص يا كريم ، أنت لو ذكي هتعرف تميل دماغها كويس أوي ، هي أي واحدة في الدنيا هتعوز أيه أكتر من شوية حنية واهتمام وكلمتين حلوين يوقعوا أجدعها ست ! .. لو مش قدها قولي ؟!.
رد كريم بعصبية :
_ لأ قدها وهثبتلك .. أما نشوف أخرتها.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
ودعت رقة شقيقتها شهد عند بوابة فيلا بيلا جود وقالت بتحذير :
_ قولي لأم بسنت وطمنيها عليا ، بس ما تقوليلهاش مكاني فين لتقع بكلمة كده ولا كده .. وأنا هتصل بيكم فيديو كل يوم وأطمنكم عليا ..
سألت شهد وقالت بضيق :
_ وهتفضلي قاعدة عند بيلا كده ؟ .. انا مش مطمنة ومش موافقة تقعدي هنا ؟!.
ردت رقة بحدة وقالت :
_ مؤقتا ، أنا مش هظهر دلوقتي خالص ، وعايزاكي توصلي لحازم رسالة ، أني مش هرجع البيت غير لما أخوه يطلقني .. بس ما تكلميهوش دلوقتي ، انا هكلمك وأقولك الوقت المناسب.
قالت شهد بقلق :
_ حازم لو عرف أني اعرف مكانك وساكتة هيهد الدنيا على دماغي!.
ابتسمت رقة وقالت بسخرية :
_ لا متخافيش مش هيقدر يعملك حاجة .. أخره كلمتين بشوية عصبية ، أنا مش راجعة يا شهد دلوقتي ، ويوم ما ارجع مش هرجع رقة اللي كان يعرفها .. المهم ماتبينيش لحازم حاجة وخليكي زي ما أنتي .. وأنا هعرف أشوفك من غير ما حد يعرف.
نظرت لها شهد بقلق واضطراب من الشراسة التي تلبست بشقيقتها وتظهر بكل لمحة فيها ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبعد عدة أيام ...
كانت رقة بغرفة الخياطة والتفصيل الخاصة في أتيليه بيلا جود ، والتي لم تدخلها من قبل، وتفاجآت رقة أن الغرفة خالية تماما وسألت بيلا :
_ هما البنات اللي كانوا بيخيطوا مش هيجوا ؟!
ردت بيلا وهي تخفي قلقها وخوفها وقالت :
_ لأ أنا أخاف على نفسي حد يشوفك يروح يقول للباشمهندس أشهد أنك هنا ويجي يطربقها على دماغي .. خلينا في الأمان.
طمأنتها رقة وقالت بثقة :
_ أنا مش صغيرة يا بيلا ولا قاصر ، يعني أنتي فعلا في الأمان ، لا أنتي خطفاني ولا حبساني .. وبعدين أشهد مايقدرش يأذي أي حد تبعي .. ثقي فيا ما تقلقيش.
قالت بيلا بثقة :
_ أنا عارفة وبدأت أخمن اللي حصل ... وعموما ده أفضل ليكي ، دي أوضة خاصة بالخياطة بتاعتي أنا ، لما أحب اعمل تصميم ومايعجبنيش شغل البنات باجي هنا وأعمله بإيدي .. يعني الأوضة دي محدش بيدخلها أصلًا وممنوع حد يدخلها كمان .. هديكي تصميم وهشوف هتعمليه زي ما كنت هعمله ولا لأ ..
وافقت رقة وأخذت التصميم من بيلا وفهمت ملاحظاتها عليه، ثم تركتها بيلا وقالت :
_ هجيلك وقت الغدا نتغدا مع بعض .. سلام.
وتركتها بيلا بمفردها ، ونظرت رقة للغرفة الواسعة بتمعن ، ولكن ما جمدها هي تلك النافذة الكبيرة الزجاجية ، التي كانت تطل على المبنى الراقي التي كانت ستعيش بداخله ذات يوم ،ورفعت عينيها لشرفة الشقة من بعيد بألم وعذاب كافحت لتدفنه بداخلها وكلماته القاسية التي سمعتها وشاهدتها بالفيديو تتردد داخل أذنها بصدى لا يرحل !.
ورفعت رقة بتلك اللحظة هاتف جوال برقم جديد قد أهدته لها بيلا واتصلت على رقم شقيقتها شهد وقالت دون الدخول بأي مناقشة :
_ شهد .. قولي لحازم الرسالة اللي قولتهالك !.
دهشت شهد وقالت بتوتر :
_ كنت بتمنى تغيري رأيك وتهدي ..
صممت رقة وقالت :
_ أعملي اللي بقولك عليه !.
ردت شهد بحيرة :
_ أشهد هيقلب الدنيا ومش هيوافق يا رقة !.
ابتسمت رقة بسخرية ومرارة ثم قالت :
_ عارفة .. خليه يدوق شوية ، وهتصل بيكي بكرا اعرف اللي حصل.
وانهت رقة المكالمة وهي لا زالت تنظر لشقة الطابق السادس من بعيد وهي تتوعد له أن تسقيه من العذاب كؤوسا ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
دخل حازم لمكتب شقيقه أشهد بالشركة دون استئذان من السكرتيرة .. حيث وجد أشهد تاركا ملفات كثيرة أمامه ويضع رأسه بين يديه في هم ثقيل والم مرسوم بعنف على محياه بعدما ظهرت دوائر سوداء حول عينيه من قلة النوم.
فقال حازم مباشرةً دون مقدمات :
_ رقة كلمت أختها يا أشهد ..
انتفض أشهد من مكانه وأسرع واقفا أمام حازم قائلا بلهفة قاتلة:
_ اتصلت بيها .. هي بخير ؟ ... هي فين وأنا اروحلها دلوقتي حالا ؟
رد حازم بضيق شديد وقال بتردد :
_ رافضة ترجع بيتها قبل ما تطلقها ... هي قالت كده ،مش هترجع غير لما تطلقها ... ورافضة أي تواصل بينكم.
و...
كسرة_وضمة_وسكون
و .. تاني 🤔😁🌚🔪
يا ترى أشهود هيبقى رد فعله إيه؟ 🥲
يتبع
🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹
ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
تعليقات
إرسال تعليق