expr:class='data:blog.languageDirection' expr:data-id='data:blog.blogId'>

رواية ملاك يغوي الشيطان بقلم مايسه ريان الفصل الحادي عشر حتى الفصل العشرون حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

 رواية ملاك يغوي الشيطان بقلم مايسه ريان الفصل الحادي عشر حتى الفصل العشرون حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

رواية ملاك يغوي الشيطان بقلم مايسه ريان الفصل الحادي عشر حتى الفصل العشرون حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

الفصل الحادي عشر

وقفت زينه تقبض بيدها على سور القارب تنظر الى ميناء باليرمو ..... 
وقد أنتشرت مراكب الصيد واليخوت حول المرفأ فبدت لها من بعيد حيث يرسو مركبهم كلعب الأطفال , كانوا قد توقفوا خلال الأيام السابقة عند عدة جزر صغيرة حول ايطاليا وجزيرة سردينيا ولكن دون الأقتراب من الجزر والمدن الكبرى .. 
كانوا يقومون بالغطس والصيد  وزيارة الجزر لشراء المؤن وتناول الطعام على السواحل أحيانا ويبدو أن هذا النشاط لم يكن من ضمن خططهم فقد لاحظت تذمر النساء الثلاثة وتأففهم من تغيير مسار الرحلة وعبرت جليلة عن رأي الأخريات قائلة وهم يرسون بالقرب من جزيرة ليبارى قبالة ساحل صقلية 
- بصراحة .. الى الأن لا أفهم السبب الذي يجعلنا ندور حول أنفسنا بهذا الشكل .  
كان من المفترض أن نكون بميلانو منذ يومين على الأقل .
قال حميد متأففا 
- ألا تشبعان من التسوق أبدا .. ما نفعله الأن هو المعنى الحقيقي للأبحار وليس التنقل بين الفنادق ومتاجر الملابس ومراكز التجميل .
[[system-code:ad:autoads]]كانت زينة راضية ومستمتعة على العكس منهن وبرغم القلق الذى كان يعتمل فى داخلها على مستقبلها الا أنها أستمتعت بزيارة هذه الجزر والتمتع بالمناظر الجديدة وتأخيرها عن مواجهة مصيرها المجهول ولكن .. 
ها هى آخر ساعات لها معهم ولا تعلم ما ينتظرها بعد ذلك .. لم يعد الأمان أمرا مسلما به كما فى السابق حيث كانت تستيقظ فى فراشها وهى أكيدة من عودتها للنوم فيه ليلا .. أنها الأن لا تعرف ماذا سيفعلون بها .. هل سيسلمونها الى الشرطة ليقوموا بترحيلها .. وهل ستضعها الشرطة فى السچن ليتحروا عنها أولا وبذلك سيعرفون بالچريمة التى أرتكبتها ؟ .. وهل سيصدقونها عندما تقسم لهم أنها كانت تدافع عن نفسها ؟ ..  
سمعت أصواتا آتيه من المياة بالأسفل , مالت زينة على الحاجز ورأت ادم وحميد وفراس وبيدرو يسبحون بأتجاه القارب وأقنعة الغطس تتدلى من أعناقهم 
صعدوا الى القارب وهم يضحكون ويتمازحون , رآها حميد أولا وأبتسم لها بمرح وهو يتجه نحوها بحماس
- زينة .. لماذا لم تنضمى الينا ؟ 
- أنا لا أعرف الغطس .
قال مشجعا يعرض عليها العرض الذي لا ييأس منه
[[system-code:ad:autoads]]- سأعلمك .. ستحبينه أنه متعة حقيقية .. هيا بدلى ملابسك وتعالى لأعطيك أول درس .
لم يتسنى لها الرد فكالعادة جاء صوت ادم حادا من خلفه 
- لقد أخبرتك من قبل أنها لا تجيد السباحة ولا تريد تعلم الغطس فلماذا تصر عليها ؟
غمز لها حميد بعينه وهمس بمرح قبل أن ينصرف 
- هذا الرجل يعرفنى جيدا .. أنه يحاول حمايتك منى .. وفى الحقيقة لا ألومه .
أنصرف وهو يصفر بمرح وأبتسمت زينة رغما عنها فحميد رغم عيوبه التى لا ترضى عنها كان خفيف الظل ومشاغبا ولا يكف عن المزاح طوال الوقت وقد حاول سابقا أقناعها بالنزول الى البحر وأضطرت أن تخبره كڈبا أنها لا تعرف السباحة وتخشى الماء وكانت فى الحقيقة تخجل من أرتداء ثوب السباحة الذى أعارتها نيكول أياه , ألتقت نظراتها بنظرات ادم وهى مازالت تبتسم فأشاح بوجهه عنها بضيق فتجمدت الأبتسامة على شفتيها .. أنه يكرهها ولا تروق له ولقد تأكد لديها هذا الأحساس وأصبح يقينا الأن فطوال الأيام الماضية كان يتجاهلها وفى نفس الوقت يراقبها كالصقر ويجعلها بأستمرار تعرف حجمها الحقيقى فلا تزيد معاملته لها عن معاملته لبيدرو وأحيانا تكون أقل من ذلك ومن ناحيتها لم تكن تشارك كثيرا فى الأحاديث والنشاطات التى يقومون بها مما جعلها تبقى على مسافة من الجميع خاصة هو .. فحميد يتفنن فى ايجاد الفرص للكلام معها فى غفلة من آدم ومداعبتها واطلاق النكات لأضحاكها وفراس يحاول بأستمرار دمجها بينهم والأهتمام براحتها  . 
أقترب فراس منها وهو يضع منشفة حول كتفيه وسألها مازحا
- ما هو أحساسك وأنت سوف تفارقيننا قريبا ؟ .. أنا عن نفسى حزين وأتمنى لو تظلى معنا لبقية الرحلة .
لأول مرة يفاتحها أحد بموضوع الرحيل والدموع التى كبحتها منذ أيام هددت بالأنهمار فأطرقت برأسها 
سألها برقة 
- هل أشتقت الى أسرتك ؟ سيقوم ادم بالأتصال بصديق مهم له فى وزارة الخارجية ليساعدك على السفر دون الحاجة الى أتباع الأجراءات الروتينية الطويلة التى تتخذ فى مثل حالتك.
ردت بصوت مبحوح تخالجه العبرات 
- أنا لن أعود الى مصر ... سأبحث لى عن عمل هنا فى أوروبا .
- ولماذا ؟ .. أنا واثق من أن والديك سيتفهمان موقفك .. أنت تقولين ان والدك رجل حكيم وله قلب طيب و .. 
قاطعته بأسى والألم يطعن قلبها عند ذكره لوالدها الذي لا تعرف كيف هو شعوره الأن من أختفاءها وهى لا تستطيع أن تخبره بالسبب الحقيقى 
- من الصعب أن أعود لأعيش فى بيت واحد مع نبيلة بعد ما فعلته بي .. والمۏت عندى أهون من مواجهة أبي وڤضحها أمامه .. يكفي خيبة أمله في فقلبه مريض ولقد قبلت بالعمل على ذلك اليخت كى أوفر مصاريف عمليته الجراحية والتى لا أعرف ان كان قد أجراها أم لا .. بالرغم من أننى أتمنى أن لا يكون قد أجراها بذلك المال النجس .
أنصرفت من أمامه بسرعة بعد أن عجزت عن كبح دموعها , وكانت تقف فى المطبخ تعد أبريقا من الشاى عندما نزل ادم وراح يتفحص وجهها الباكى عابسا , أنكمشت ملتصقه بالخزانة عندما دخل الى المطبخ وقد مد يده الى الرف فوق رأسها ليأخذ كوبا فارغا فأنسحبت الى الخلف تفسح له المجال ليصب كأس من العصير لنفسه , لم يكن يرتدى سوى سروال السباحة القصير وهو أكثر أحتشاما من الذى كان يرتديه فراس وحميد ولكن تأثير وجود آدم قربها كان أكثر وطأة على أعصابها من كلاهما وقد جعلها تشعر بالحرج وعدم الراحة 
- أريد أن أتحدث اليك .
أنتفضت زينة مجفلة بلا سبب وتراجعت خطوة حادة الى الوراء مما دفعه ليقول بغيظ 
- لماذا أنا الوحيد الذى يلاقى ردة الفعل هذه منك ؟ .. هل تعتقدين أننى مغتصب أطفال أم أننى أشبه ذلك الرجل الذى حاول الأعتداء عليك ؟
شهقت زينة .. لا يمكن ابدا مقارنة ذلك الرجل المثير للقرف به , وضايقتها أيضا فكرة أنه يراها طفلة .. هذا ان كان يعتبر سن الخامسة والعشرين سن طفولة ؟ 
ردت عليه متلعثمه 
-  أنا آسفة .. لم اقصد ...
هذا كل ما أستطاعت قوله وتوقفت .. أنها فى الواقع تشعر بالخۏف الشديد منه .. ربما بسبب فظاظته معها وأحساسها انه لا يحبها أو لأنها أصبحت حذرة من كل الرجال ولم تعد تثق فى نواياهم ولكنها فى نفس الوقت لا تشعر بهكذا شعور تجاه حميد وفراس أو بيدرو .. لذلك أضطرت للأعتراف أنه كان محقا فهو يشبه شخصا آخر تكرهه بشدة وتحاول قدر الأمكان عدم التفكير به رغم صعوبة ذلك .. أنه يشبه خالد .. ليس فى الشكل وانما فى الطباع .. طباعهم تتشابه الى حد كبير فكلاهما صارم وسريع الڠضب .. مسيطر ولا يتقبل الخطأ .. كلاهما له وجود طاغي ويستطيع أن يكبل روحك بنظرة أو أقل حركة منه .
سألها ساخرا  
- ما هو هذا الذى لم تقصديه بالضبط ؟
توترت أعصابها وهو يطل عليها من أعلى ونظراته الحادة تحاصرها فلوحت بيدها بعصبية وأندفعت تقول بأول شئ خطړ على بالها دون تفكير  
- بصراحه أنا لم أعتاد على الوقوف والحديث مع رجلا عاريا  .
تراجع رأسه پحده وكأنها صڤعته 
- عاريا ؟
وتمتم بكلمات غير مفهومة وتصاعدت الحرارة  الى رأسها .. ها قد أغضبته بحماقتها مره اخرى   
- أبتعدى .
سألت ببلاهة 
- ماذا ؟
قال بحدة
- قلت أبتعدى عن طريقى .
كانت تسد عليه طريق الخروج بجسدها فأفسحت له الطريق حريصة على أن لا يلمسها أثناء مروره بجوارها فزادت حركتها من أستفزازه فلعڼ وضړب الحائط بقبضة يده وهو يخرج .
نظرت زينة الى كأس العصير الذى تركه خلفه وقررت قائلة بأحباط 
- سوف آخذه اليه ولكن بعد أن يهدأ .. هذا ان لم يلقى بي خارج قاربه أولا .

******

رصت الحقائب على السطح ليقوم بيدرو بأنزالها الى الزورق وظهرت السيدات بأناقتهن التى ټخطف الأنظار يرتدين قبعات واسعة الحواف لتقيهم أشعة الشمس وكان يملئهن الحماس والاثارة فبعد أيام فى البحر يتشوقن لقضاء يومين فى فندق فخم حيث يجدن الخدمة الجيدة ومراكز التجميل والتسوق , فكرت زينه بحرج أنها ستضطر أن تطلب منهم أن يعيروها بعض المال الى أن يستقر بها الحال . 
نزل فراس وحميد أولا الى الزورق ثم ساعدا السيدات بالنزول وعندما همت زينة باللحاق بهم أمسكها ادم من ذراعها وسحبها الى الخلف فنظرت اليه متساءلة ولكنه تجاهلها وهو يحل الحبل ويلقى به الى حميد , صړخت جليلة بحدة 
- ادم .. لماذا لم تنزل ؟
رد بهدؤ 
- سوف ألحق بكم فيما بعد .. لدى عمل ضرورى أقوم به .
أشارت الى زينة وقالت وهى تثبت قبعتها على رأسها بيدها الأخرى  
- وماذا عن هذه ؟
لم يجبها وأشار الى بيدرو لكى ينطلق , لوح لهم حميد وفراس والزورق يبتعد متجها الى الميناء وأخر ما طبع فى عقل زينة هو وجه جليلة الغاضب وهاجمتها حفنة جديدة من الأسئلة ..  لماذا لم تذهب معهم ولماذا أبقاها ادم معه ؟  وماذا يريد منها ؟  أستدارت اليه ولكنه كان قد أختفى  ,  ذهبت لتبحث عنه ولم تجده .. لا فى حجرة الجلوس ولا فى كابينة القياده أو فى أى مكان على السطح والمكان الوحيد المتبقي كان غرفة نومه وهي لن تجرؤ على الذهاب اليه هناك فجلست على السطح حتى يقرر بنفسه الظهور. 
مرت ساعتان وزينة جالسة تحت المظلة على السطح وقد كانت تأمل أن تقيها حرارة الشمس القوية ولكن الجو كان خانقا وجعلها تتصبب عرقا وتساءلت بحنق .. أين ذهب نسيم البحر المنعش ؟ جعلها الضيق من حرارة الشمس تكره ادم اكثر .. وفهمت انه يعاقبها على طريقة حديثها معه فى الصباح .. شخص مثله مغرورا ومتكبرا لن يجعلها تذهب دون عقاپ مناسب , جليلة ايضا تكاد تجن من معاملته الباردة والمتعالية معها .
- أنت هنا ؟ . آسف جعلتك تنتظرين طويلا .
ظهر أخيرا وكان قد بدل ملابسه وبدا منتعشا وشعره مبتلا فشعرت بالغيظ , تقدم منها وأبتسامة ساخرة على شفتيه , كان ېكذب فهو لا يبدو آسفا أبدا .. بل سعيدا بمضايقتها , لم ترد وأكتفت بالنظر اليه , جلس فى المقعد المواجه لها وقال متسليا وهو يتناول كوب الكولا الخاص بها  
- أين ذهب لسانك ؟
ضغطت على شفتيها بقوة خوفا من ان تقول شيئا يغضبه منها فهما الأن وحدهما ولا يوجد من تحتمى به , تراجع الى الخلف فى مقعده براحة أكبر وهو يرتشف المشروب المثلج بأستمتاع
قال بهدؤ بعد قليل يشرح لها 
- أنت لا تملكين جواز سفر ولا أية أوراق ثبوتية لذا لن تستطيعى الحصول على تصريح خروج من الميناء .. سيحاول فراس وحميد الحصول لك على تصريح خاص بدعوى فقدانك لأوراقك .  
قالت بحدة
- ولماذا لم تخبرنى بذلك من قبل بدلا من أن تتركنى هكذا حائرة كل ذلك الوقت ...
توقفت عندما أدركت أنها بدأت تحتد فى كلامها وقال آدم بضيق   
- حاولت أن أخبرك هذا فى الصباح ولكنك لم ترغبي فى الأستماع الي .
كان هذا عندما قال بأنه يريد التحدث معها , حاولت أن تكون مهذبة وقد تلون وجهها بحمرة الخجل  
- آسفه لأنك بقيت من أجلى .. السيدة جليلة كانت غاضبة لعدم ذهابك معهم .. لماذا لم تطلب منها البقاء معنا على الأقل حتى لا .. لا تشعر بالملل .
أبتسم ساخرا فقد فهم تخوفها من البقاء معه بمفردها وقال 
- جليلة كانت غاضبة لأننى لم أذهب معهم صحيح ولكنها كانت ستغضب أكثر لو جعلتها تبقى فقط من أجلك .. وقد أخبرتك من قبل أن لا خوف عليك منى فأنا أقدر ظروفك  وأحاول مساعدتك بقدر أستطاعتى وكنت قد نويت أن أحدث أحد أصدقائى فى وزارة الخارجية لتسهيل رجوعك الى مصر ولكننى غيرت رأيي ...
قاطعته بمرارة تقول كمن يشعر بالغدر   
- غيرت رأيك ولم تعد ترغب فى مساعدتى لأننى ضايقتك وأغضبتك هذا الصباح أليس كذلك ؟
جز على أسنانه بغيظ 
- تجعليننى بسبب غباءك وسرعة استنتاجاتك الفظيعة أرغب بشدة فى حملك وألقاءك فى البحر والتخلص من سؤ ظنك الذى تلاحقيننى به على الدوام  .
قالت بضعف والدموع تلمع فى عينيها وقد أنهارت فى لحظة كل محاولاتها للتظاهر بالشجاعة 
- أنا آسفه .. والله لا أعرف كيف أو بماذا أفكر .. خائڤة .. خائڤة وأشعر بأننى وحيدة .. لا أعرف بمن أثق بعد أن خدعنى أقرب الناس الي ... أريد العودة الى بيتى ولا أستطيع .. يقلقني التفكير فى حال والدي وكيف تقبلا فكرة أختفائي أو ربما يكونا قد علما من نبيلة بالمكان الذي ذهبت اليه فخاب أملهما بي .
وانخرطت فى البكاء بشدة فوقف ادم عن مقعده وسار الى حاجز المركب وأعطاها ظهره وبعد لحظات أستدار اليها بوجه هادئ جاد بعد أن شعر بأن عاصفة بكاءها قد أنتهت وقال 
- غيرت رأيى عندما أخبرنى فراس على القرار الذى اتخذتيه بعدم العودة الى عائلتك وأنك تنوين البقاء والعمل فى أوروبا .. وقد رأينا أنك مازلت صغيرة ولا خبرة لديك فى الحياة لتبقى بمفردك واتفقنا معا أن نساعدك ان بقيت مصرة على رأيك .                    
نظرت اليه بأمل وتابع       
- كل عام كنت اسافر مع حميد وفراس وحدنا وكنا نعتمد على انفسنا فى كل شئ .. لكن هذه السنة الوضع أختلف والحمل أصبح ثقيلا على بيدرو لأن السيدات معنا لا يرتبن حتى الأسرة التى ينامن فوقها وقد كنت مفيدة خلال فترة وجودك معنا .. لذلك فكرت أن أعرض عليك عملا على متن القارب وسيكون مقابل أجر بالطبع كما سنسعى لأستخراج أوراق رسمية لك حتى اذا ما تعرضنا للتفتيش البحري يكون وضعك معنا قانونى .. وبعد أن تنتهى رحلتنا سنكون قد فكرنا فى طريقة تؤمن لك مستقبلك وان قررت العودة الى أهلك سنساعدك فى ذلك أيضا .. القرار سيكون لك فى أى شئ .
ظلت زينة جالسة فى مكانها بعد ذهابه تشعر بالسعادة ولا تصدق حظها فقد أمنت لبعض الوقت ووجدت عملا تجيده ومكانا لن تجد أفضل منه لتعيش فيه .

لم ترى ادم الا وقت الغداء وجاء ليطلب منها ان تصنع له بعض الشطائر وان تجلبهم له فى كابينة القيادة وعندما انتهت من تحضيرهم حملتهم على صنية وأخذتهم اليه وكانت المرة الأولى التى تدخل فيها الى هناك وكما توقعت رأت خرائط ملاحيه وأجهزة رادار وبضعة شاشات تشير الى أشياء لا تعرفها وألواح للتحكم واشارات ولمبات .. تماما كما كانت ترى فى الأفلام وفى غرفة ملحقة بكابينة القيادة تفصلها عنها نافذة زجاجية بعرض الجدار رأت ادم جالسا وراء مكتب وحاسوبة المحمول مفتوحا أمامه , لم ينتبه لدخولها أو انه تجاهله فقد وضعت الصينية على حافة المكتب دون ان يجفل او يرفع بصره اليها , فتأملت المكان من حولها بفضول .. بدا كمكتب فى شركة مجهز بكل ما قد يحتاج اليه اى رجل أعمال , لفتت نظرها مكتبة صغيرة عند أحد جدران الغرفة رصت بها مجموعة لا بأس بها من الكتب ودون تردد سارت اليها مبتسمة وهى تدخل الى العالم الذى تعشقه وتربت على الشغف به , فلدى والدها مكتبة تحتوى على مجموعة  كبيرة ومتنوعة من الكتب .. يستطيع أن يتنقل فيها المرء بين عوالم من العلوم والفنون .. الأدب والرواية والشعر .. التاريخ والسياسة بكل توجهاتها .. لا يمكن ان يشتهى عقلك لشئ من المعرفة ولا تجده فى مكتبة والدها مختار .. لقد علمها حب القراءة وأحترام صفحات الكتاب وعلمها ان تحت كل غلاف تجد عصارة فكر يجب ان يقدر ويحترم حتى وان اختلفت معه فى الرأى , عرفها أن الكتاب هو صندوق يخفى بين صفحاته خفايا وأسرار جانب من جوانب الحياة ويجعلك ترى الدنيا بوجهات نظر مختلفة وثقافات متعددة . 
ترددت زينة أن تطلب من ادم ان يعيرها بعض الكتب لمطالعتها وتمنت أن لا يرفض  .. تنهدت وارتسم على وجهها نظرة حنين ثم أستدارت الى آدم ووجدته قد توقف عن العمل وتراجع فى مقعده وكان يراقبها بتأمل , لقد أخذت وقتا فى التفرج على مكتبته ونسيت وجوده فقالت بحرج  
- آسفة ان كنت قد عطلتك عن عملك .. ولكن هل أستطيع أن أستعير كتاب لأقرأه ؟ 
لوح بيده بلامبالاة وهو يعود الى عمله 
- خذي ما تريدين .
أنتقت ثلاثة كتب .. روايتين وديوان شعر أخذتهم وخرجت مسرعة , صنعت لنفسها بعض الشطائر وكانت الشمس قد خف قيظها فحملت كتبها وصعدت الى السطح وراحت تقرأ ومر الوقت سريعا وكان قد أختفى جزء من قرص الشمس تحت سطح الماء عندما سمعت صوت زورق يقترب من المركب .. وقفت وأقتربت من الحاجز وقد رجحت أن يكون القادم بيدرو ولكنها فوجئت بعودة جليلة برفقته ورأت أن ادم فوجئ مثلها وهو يستقبلها وكان قد خرج بدوره عند سماعه لصوت الزورق يقترب وقال ساخرا 
- جليلة .. غريبة قد عدت .
رمقتها المرأة  بنظرات قاټلة بعد أن كانت تتجاهلها بتكبر من قبل وقالت ردا على تعليق آدم الساخر

- لم أشأ أن نتركك جميعا وحدك .. فلا ذنب لك فى كل هذا .
ورغم كره المرأة الواضح لها الا أن زينة قد شعرت بالراحة لعودتها ففكرة أن تقضى الليل وحدها مع رجلين غريبين لم  ترق لها .
ضحك بيدرو بخفوت ومال على اذن زينة قائلا
- لقد جعلت الساعات الماضية چحيما على الجميع بسبب عدم ذهاب السيد آدم معهم. 
ردت بخفوت مماثل  
- أعتقد أنهم سعداء الأن بالتخلص منها .
ضحك بيدرو بمرح 
- بالفعل .
ضحكا معا بمرح حتى جاء صوت آدم حادا لاذعا كالكرباج من أعلى عند كابينة القيادة
- أليس لدى أحدكما عملا يقوم به ؟
تحركا بسرعة مجفلين . 
بعد العشاء دخلت زينة الى غرفتها متجهمة وتشعر بالضيق .. لقد أستفزها سلوك جليلة الغير لائق فى تعاملها مع آدم والملابس التى اختارت أن ترتديها فى غياب شقيقها .. صحيح أنه لا يعلق ولا يعترض على أرتداءها لأثواب السباحة المكشوفة جدا ولا مطاردتها المستمرة لآدم ولكنها لم ترتدي ثوبا ڤاضحا كهذا أبدا فى وجوده كما أنها لن تجرؤ على الألتصاق بآدم ومداعبته بتلك الطريقة الوقحة أمامه . 
جلست زينة غائمة الوجه على طرف الفراش لقد خاب أملها به .. ظنته أفضل من فيهم .. لديه شرف ويحترم صديقه ويصون عرضه ولكنه لا يختلف شيئا عنه .. لقد تجاوب آدم مع جليلة .. لم يصدها ولم يهتم بوجود متفرجين عليهما فلا يفصل غرفة الجلوس عن المطبخ شئ .. وكان يهمس بأشياء فى اذن جليلة طوال الوقت تجعل ضحكتها الموسيقية تجلجل فى المكان وفى مرة قبلته على وجنته قبلة طويلة أحمر لها وجه زينة حرجا وهي تجبر نفسها على عدم النظر تجاههم وكان قد أمسك بعينيها مرة وهي تنظر اليهما عابسة پغضب فما كان منه الا أن أبتسم لها ساخرا وبعد أنتهاء العشاء كان بيدرو قد تركها لتنهي جلي الصحون وحدها وعندما كادت أن تنتهي فوجأت بآدم يقف خلفها مستندا بظهره على البار فسألته بفظاظة لم تقصدها 
- نعم ؟
رفع حاجبيه بتساؤل ساخر فأجلت صوتها وتابعت بلهجة أحترام
- هل تحتاج الى شئ سيد آدم ؟
تقريبا ضحك وهو يقول 
- لا .. أذهبي الى غرفتك فلا حاجة لنا لك لهذه الليلة .
أتسعت عيناها بشدة وخفق قلبها .. فهمت أنه يريد صرفها ليستفرد بجليلة .

****

وقفت نبيلة أمام فراش والدها المړيض بجسد متوتر 
- ماذا تعنين بأنها لا ترد على الهاتف ؟ .. مر خمسة أيام على سفرها ولم تتصل بنا ولا لمرة واحدة وهذا ليس من عادتها .. كانت اذا تأخرت فى العمل لسبب ما ولو لدقائق كانت تتصل حتى لا نقلق عليها .
ردت نبيلة بصوت أبح وهي تتحاشى النظر الى عينيه 
- قد تكون مناوبتها ليلية .
هز رأسة بقوة وقال بقلق
- لا .. لا هذا ليس عذرا .. أنا منذ البداية غير مرتاح لسفرها .. وكنت أشعر بها قلقة وغير سعيدة كذلك .
قالت نبيلة بسرعة 
- سأحاول الأتصال بادارة الفندق وأترك لها رسالة لكي تتصل بنا .
- نعم افعلي والا أضطررت أن أسافر اليها بنفسي .
تدخلت أمها قائلة وقد كانت تجلس صامتة على طرف الفراش
- أرجو أن تهدأ حتى لا تسؤ حالتك يا مختار .. ان شاء الله ستتصل بنا وسوف نطمئن عليها .
- لا .. قلبي غير مرتاح .. أشعر بأن الفتاة بها خطب ما .
فى تلك اللحظة رن جرس الباب فانتفض جسد نبيلة دون سبب وسألها أبيها بشك وريبة 
- ماذا بك ؟
قالت بوجه شاحب 
- لا شئ .. أنا بخير .
كانت أمها قد وقفت وهي تقول 
- سأذهب لأرى من القادم فى تلك الساعة من الليل .
أمسكت نبيلة بذراعها وقالت پخوف وصوت خاڤت 
- ماما .. لا تفتحي الباب .
سألتها أمها بدهشة وهي تنظر الى وجهها المذعور بقلق 
- لماذا يا أبنتي ؟
أصبح جسدها يرتجف بشكل ظاهر وجرس الباب عاد ليرن بألحاح , تقطعت أنفاسها وهي تقول برجاء أقرب الى التوسل 
- فقط لا تفتحي أرجوك .
ثم فكرت بشكل محموم .. كان عليها أن تهرب قبل مجيئه .. لقد أتصل بها كثيرا ولكنها أغلقت هاتفها كى لا تجيبه .. وكانت تعلم أنه سيأتي من أجلها .. بالتأكيد أكتشف ما حدث وسيأتي لينتقم منها خاصة وقد جاءتها أخبار بأن زينة قد أنتحرت .
صاح والدها بصرامة فى أمها التى وقفت حائرة وقلقة وقد جلس مستقيما بتحفز 
- أذهبي وأفتحي الباب .
استدارت اليه نبيلة واصطدمت بنظرة عڼف فى عينيه فأخفضت نظراتها .. لن يسامحها والدها أبدا عما فعلته بزينة وبنفسها .. لن تجد بقلبه المړيض مثقال ذرة من رأفة بها عندما يعرف بجريمتيها لذلك أحتفظت بالمال لنفسها .. سوف تهرب بعيدا بالطفل الذي بأحشاءها .
صاحب رنين الجرس طرقات عڼيفة على الباب فأسرعت أمها لتفتح الباب وقالت بتوتر.
- خالد .. كيف حالك يا بني ؟ .. حمدا لله على سلامتك .
- أين زينة ؟
- زينة مسافرة في ..
- هي لم تعد ؟ ألم تتصل بكم ؟
- لا أنها ..
كانت نبيلة قد خرجت خلف أمها ووقفت من بعيد تتنصت عليهما وعندما سـأل عن زينة راودها أمل بأنها لم تمت كما سمعت .. ومالت فى تلك اللحظة قليلا لتنظر اليه ثم شهقت بفزع عند رؤيته .. بدا كأميرا للأنتقام .. عبرت نظراته العڼيفة أمها وقد شعر بوجودها وركزها عليها وببضعة خطوات كان بالداخل .. صړخت نبيلة پذعر وحاولت الهرب عائدة الى غرفة والدها ولكن خالد كان قد لحق بها بسهولة وجذبها من شعرها پعنف .. صړخت أمها من خلفه 
- ماذا تفعل .. أترك أبنتي . 
ولكنه تجاهلها قائلا پعنف 
- هل ظننتي أنك ستفلتين بعملتك تلك .. هل تعرفين ما الذي فعلته بها ؟
تلوت نبيلة پعنف وصړخت به
- فعلت بها ما أردت أنت فعله بي .. أردت أن تتزوج بها هي وأنا تبيعني فى سوق النخاسة .
جذب رأسها الى الخلف پعنف 
- لأنك رخيصة حقېرة وهذا ما تستحقيه .
دفعته عنها بقوة وسقطت على اثر ذلك على الأرض تزحف بعيدا عنه وكان والدها قد خرج ووقف بينهما بوجه أزرق من القلق والمړض وقد وقفت أمها مذهولة عاجزة عن التحرك أو الكلام 
- ماذا حدث لأبنتي زينة ... ماذا فعلتم بها أنتما الأثنان ؟
وقف خالد ينظر الى نبيلة على الأرض يمنع نفسه بصعوبة من خنقها وهي تقول پحقد
- لقد تخلصت منها .. ما كان لها أن تكون فى حياتي من الأساس .
شهقت أمها بالبكاء 
- ماذا فعلتي يا أبنتي ؟ .. أين أختك ؟
صړخت بها پجنون 
- أنها ليست أختي .. ألا تفهمين .. لم تكن أبدا أختا لي .. ما كان لكم أن تأتيا بها الى حياتي .
رد عليها والدها بأنهاك شديد
-  بل ما كان علينا أن نأتي بك أنت الى هذه الدنيا .. لكن اللهم لا أعتراض .. اللهم لا أعتراض .
ثم استدار عائدا الى غرفته بخطوات متثاقلة وهو يردد جملته بلا توقف فأسرعت أمها اليه تحيطه بذراعيها لتسنده .
وجدت نبيلة نفسها وحدها مع خالد فهبت واقفة پذعر واسرعت تعدو تجاه غرفتها وتحاول اغلاق بابها بسرعة ولكنه لحق  بها وأمسك برقبتها مستمتعا برؤية أحتقان وجهها وصوت حشرجة حنجرتها وهو يعصرها بأصابعه قائلا بكراهية شديدة  
- لا تخافي .. لن أقتلك الأن .. سأعود اليك عندما أجدها ولسوف أقتلك أمام عينيها .
قالت بصوت متحشرج
- أنا حامل بأبنك .
لم يهتز لتصريحها وقال بصوت كالفحيح 
- أقتليه .. فأنا سوف أقتلكما معا على أية حال .
ثم دفعها بقوة فسقطت على الأرض پعنف .. جلست على الأرض تلهث وتشهق بالبكاء وسمعت باب الشقة وهو يغلق خلفه پعنف  بعدها سمعت صوت نحيب أمها يأتي عاليا من غرفة والديها فأنتفض جسدها 
- بابا .. لا .
ما ان جلس خالد فى سيارته حتى أخرج هاتفه المحمول وطلب رقما وبعد لحظات قال بالأنجليزية .. 
- ألم يظهر أثر للقارب بعد ؟ 
ثم قال بلهفة بعد أن استمع لمحدثه 
- جهز اليخت للأبحار وسوف أكون عندك خلال ساعات .

****

الفصل الثاني عشر

فى اليوم التالى عاد الآخرين الى المركب وقد قرروا البقاء فيه وترك الفندق ولم يعجب هذا التغيير كلا من كاميليا وجليلة , وخرج من فم تلك الأخيرة سيلا جارفا من الكلمات الأسبانية المستاءة وقالت كاميليا متبرمة وهي تشير الى زينة 
- ما ذنبنا نحن فى أن تفسد رحلتنا بسببها .
تجهم وجه فراس وهو ينظر الى زوجته بعتب وأحمر وجه زينة حرجا وقد ساءها أن يتحدثوا عنها فى حضورها وكأنها غير موجودة , فقال ادم بضيق ينهى النقاش 
- هذا الأمر لن يطول فعندما يصل تصريح العمل الخاص بزينة ستنتهى مآساتكما.
لحقت بها نيكول فى غرفتها وفاجأتها بأعطاءها حقائب مشتريات اتسعت عينا زينة بفرح ممزوج بالخجل 
- هل هذه الأشياء لي أنا .
ابتسمت لها نيكول وقالت
- بلى .. أنهم لك .. لقد أوصاني آدم بشرائهم .
كانت سعيدة .. أصبح لديها ملابس خاصة بها وكان لدى نيكول حسا جيدا ولم تنسى أن زينة لا تملك أى شئ فأحضرت لها  أيضا بيجامتين للنوم وملابس داخلية وخف وحذائين من المطاط وحقيبة صغيرة من أدوات التجميل وكانت زينة شاكرة لها بشدة من أجلهم وشاكرة لآدم أيضا برغم أستياءها منه . 
طال بقائهم فى باليرمو العاصمة الصقلية الجميلة ليومين وقد حرمت زينه من رؤيتها ولكنها طالعت كتيب كان فراس قد أحضره لها عرفها على أهم معالم المدينة ونبذة عن تاريخها وكان قد قال لها معتذرا برقة 
- أعرف أنه ليس كما ترينها على الطبيعة ولكن لا تقلقي سوف يحل الأمر قريبا .
قالت بأمتنان وصدق 
- أنه يكفيني حقا وشكرا على أهتمامك بأحضاره لي .
أتسعت ابتسامته وهو يتأمل فرحتها بكتيب صغير لا يساوي شيئا وقال
- أنت قنوعة جدا .
ضحكت وقالت
- لا .. على العكس .. أنت لا تعرف مدى شوقي ونهمي لرؤية تلك الأماكن على الطبيعة .. أنه حلم حياتي .
نظر اليها بحنان فهي لم تفهم قصده وقال
- أعدك أن أحاول أن أحقق لك حلمك وأجعلك ترين كل ما تهواه نفسك .
عبست زينة وأغتمت عيناها ووشردت بعيدا وراحت تتذكر عندما أخبرت خالد أن حلمها أن تطوف العالم ووعدها بقوة أنه عندما يتزوجا سوف يأخذها برحلة معه حول العالم ويومها تساءلت ان كان يمزح معها أم كان صادقا .. وللأسف كان صادقا .. كان سيجعلها تطوف العالم  ولكن كسلعة تباع لكل رجل يدفع ثمنها .
تأخروا فى الرحيل على عكس ما كان مخطط له فوجهتهم الأساسية كانت مدينة نابولى ومنها كانوا سيستقلون الطائرة الى ميلانو ويبقون هناك أسبوعا ولكنهم استمروا فى بالريمو لسبب غير معلوم لها وقد فوجأت فى صباح اليوم الثالث عندما أستيقظت على خبر سفر ادم الى القاهرة فى عمل وبالطبع أستاءت جليلة من سفره المفاجئ وحولت اليومين اللذان غاب فيهما الى چحيم مستعر طال الجميع بلا أستثناء .. وذهلت زينه مما رأته منها وأستغربت من تحولها الرهيب وكان من الواضح انها الوحيدة التى فعلت فالجميع كان يعرف بطبعها الهستيرى  ويعرفون كيفية التعامل معه وهو بالأبتعاد عنها وتجنبها عندما تثور ثائرتها . 
واستقر فى نفس زينة أن ادم هو الوحيد القادر على منعها من أظهار طباعها الشريرة فهي لم تكن كذلك أثناء وجوده  .. وهذا ما أكده لها بيدرو فقد قال لها 
- سيد آدم هددها مرة عندما فقدت أعصابها على نيكول فى بداية الرحلة بأنه لن يسمح لها بأهانة ضيف لديه وأنه سوف يضعها على أول طائرة متوجهة الى بلدها ان لم تلتزم حدودها .. ليته لا يغيب طويلا .
تأسف بيدرو على غيابه وكذلك فعلت زينة فقد كان لهما النصيب  الأكبر من مزاج جليلة العكر فسلطت سكاكينها على رقبتيهما ودفعت زينة خلال يوم واحد الى البكاء ثلاث مرات وكانت أذنا بيدرو تحمران بشدة وينكمش جبينه عندما توجه له السباب بألفاظ نابية بلغة وصفها بيدرو كما وصفها ادم من قبله بلغة الأزقة , وجاءت المواجهه الأصعب فى اليوم الثانى بعد العشاء وزينة فى المطبخ تجفف الأطباق عندما نزلت جليلة من السطح تحمل بيدها كوب قهوتها والشړ فى نظراتها فشعرت زينة بالخۏف ووقفت المرأة أمامها وبصوت غاضب قالت 
- تعرفين أننى أشرب قهوتى بدون سكر .. ولكن هذه القهوة ليست كذلك .
قالت زينه بهدؤ وأدب قدر ما أستطاعت 
- أسفه .. قد أكون نسيت سأصنع لك غيرها .
أنتفضت زينة فزعا عندما صړخت جليلة فى وجهها قائلة 
- أنت كاذبه .. أنت لم تنسى .. أنت تعمدت مضايقتى فالكل هنا يقوم بتدليلك حتى لم يعد هناك من تحترميه .
وبدون توقع ألقت بمحتويات الكوب على وجه زينة وكان السائل ساخنا ولكنه غير مؤذى صړخت زينة بذهول وڠضب من تصرفها الوقح 
نزل حميد وفراس مسرعين فقالت جليلة پغضب ساخر 
- ها قد أتى الفارسين النبيلين لنجدة نعجتهم الصغيرة .. ينقصهم الفارس الثالث .. خسارة أنه ليس هنا.
قال فراس پغضب لجليلة 
- ماذا فعلت أيتها المچنونة ؟
بكت زينة وهي تشعر بالشفقة على حالها وحاولت تجفيف دموعها ووجهها الملطخ بآثار القهوة , وفى هذه الأثناء تشاجر حميد مع جليلة وكان غاضبا جدا بدوره كما لم تراه من قبل وكان لكلماته القاسېة تأثيرا قويا على شقيقته فقد شحب وجهها بشدة وراحت ترتجف , لم تفهم زينة شيئا مما كان يقوله فقد كان يتحدث بالأسبانية ولكن نظرات جليلة البائسه ووجهها الذى حاكى وجوه المۏتى شحوبا جعلها توجه شفقتها نحوها 
تدخل فراس بينهما دافعا حميد فى صدره صارخا فيه پغضب 
- كفى .. هل جننت أنت أيضا .. ما هذا الذى تقوله ؟
كانت كاميليا ونيكول قد نزلتا مسرعتين عندما تعالى صوت حميد ووقفت كاميليا مصعوقة ونيكول جاهلة مثلها لما يقال . 
طلب فراس من كاميليا أن تأخذ جليلة الى غرفتها وتتأكد من راحتها , لم تعترض جليلة وذهبت صامتة مطرقة الرأس بصحبة كاميليا , أستدار فراس الى حميد وقال پغضب 
- لقد تصرفت بحقارة لا لزوم لها .
- ما كان شئ ليوقفها وانت تعلم ذلك .
- ولكن ليس بتلك الطريقة ... أذهب اليها وحاول أن تطيب من خاطرها .
تذمر حميد قائلا پحده 
- ليس الأن .. لست فى مزاج لذلك .
ثم ألتفت الى زينة وسار اليها وأمسك بيدها قائلا برقة 
- آسف لما بدر من شقيقتى .. وأؤكد انها لن تتعرض لك مرة أخرى .
اندفع فراس وجذب زينة من ذراعها بعيدا عن حميد وقال متجهما 
- أذهبي الى غرفتك وارتاحي يا صغيرة .
وكان هذا جل ما تريده بعد تلك المواجهة المؤسفة .
وأثناء توجهها الى غرفتها قابلت كاميليا وقد وقفت فى طريقها كي لا تسمح لها بالمرور فنظرت اليها زينة بتساؤل ولكنها أكتفت بالنظر اليها نظرة احتقار قبل أن تتجاوزها وتذهب .

****

فى صباح اليوم التالى عاد كل شئ الى طبيعته تقريبا كان الهدؤ الذي يلي العاصفة فقد كانت جليلة  بعد شجار حميد معها بالأمس قد أصبحت هادئة الى درجة الأنطواء على نفسها ورفضت النزول الى المدينة ولأول مرة تراها زينة بدون زينة على وجهها فبدت أصغر سنا وأكثر ضعفا وقد أستلقت على سطح المركب ونظارة سوداء فوق عينيها .
كما عاد ادم فى منتصف النهار وفرحت زينة بعودته وقد ذهب بيدرو الى المرفا ليأتي به ووقفت فى أستقباله لتحييه مع الجميع ولكنه لم يلقى عليها سوى تحية مختصرة وقد حيا الجميع بتحيه أحسن منها وأشعرها ذلك بالبؤس الشديد , وفور وصوله أخذ حميد وكارلوس الى كابينة القيادة وغابوا بداخلها لأكثر من ساعة وعندما خرج بعد أجتماعهم توجه الى حيث تجلس جليلة وجلس بجانبها وقبل جبينها برقة بالغة حاضنا يدها بين يديه وراح يتحدث اليها بصوت هامس رأتهما زينة وأشاحت بوجهها بعيدا عنهما وذهبت الى حجرتها وغصة كبيرة فى حلقها وقررت قضاء بقية اليوم فى غرفتها وان أستدعاها أحد ستدعي المړض ولن تخرج ولكن زاد من بؤسها أنه لم يسأل عنها أحد أبدا , وفكرت بائسة .. من يدرى فقد يكون فراس وحميد أخبراه أنها السبب فى الشجار الذى حدث بالأمس وهو الأن يحملها الذنب فى سؤ حالة حبيبتة النفسية وقد يكونوا أثناء أجتماعهم قد توصلوا الى أنها سببت الكثير من المشاكل منذ مجيئها وأربكت برنامج رحلتهم ويفكرون فى صرفها من العمل ولن تلومهم فهم ليسوا مجبرين على حمل مشاكلها فوق أكتافهم .. شعرت بثقل المشاعر على قلبها وبكبرياء خرجت من غرفتها مرفوعة الرأس ... سوف تطلب من ادم أن يسمح لها بالذهاب قبل أن يطلب هو منها هذا .. سترحل من هنا وكرامتها محفوظة .
بادرها بيدرو قائلا عندما رآها وكان وراء البار يحضر المشروبات
- هل انت بخير يا زينة ؟.. طلب منى سيد ادم أن أتركك ترتاحين وكنت أهم بأعداد العشاء وحدى .
لم تفلح زينة فى رسم أبتسامة على وجهها وقالت 
- آسفه يا بيدرو .. سأذهب للتحدث مع السيد ادم ومن ثم أعود لمساعدتك .
طمأنها بأنه يستطيع أن يتدبر أمره بدونها ولكن قوله هذا لم يخفف عنها بل زاد من حزنها فحتى بيدرو ليس فى حاجة اليها , أستدارت لتذهب فأستوقفها بيدرو  قائلا بصوت هامس  
- على فكرة .. سيد ادم لم يبارح جانب الأميرة جليلة  منذ مجيئه .. يحاول التخفيف عنها .. وقد أصبحت أهدأ حالا ولقد سمعته يتشاجر مع السيد حميد لأنه كان السبب فى تكديرها.. ليته حقا لا يذهب ويتركنا مرة أخرى . 
صعدت زينة الى السطح وهي أكثر بؤسا .. صمت الجميع لدى ظهورها وتجهم وجه جليلة بعد ان كانت تبتسم بأشراق منذ لحظات , فقالت موجهة حديثها الى ادم بصوت مبحوح يخرج بصعوبة من حنجرتها 
- هل تسمح لي بدقيقة من وقتك ؟
عبس ادم وقال
- ألا يمكن تأجيل ذلك لوقت آخر ؟ 
شعرت بالحنق من البرودة التى يتحدث بها اليها وأصرت أن تبلغه بقرار رحيلها أمامهم جميعا لكى يبتلع غطرسته هذه  
- على العموم ما أريد قوله ليس سرا وأستطيع قوله الأن ... لقد قررت ان أرفض الوظيفه التى عرضتها علي وأرجو أن تسمح لبيدرو بأن يأخذني للمرفأ غدا صباحا .
تجمدت ملامح ادم ونظر اليه حميد وفراس بحدة منتظرين رده وكذلك زينة فقال بعد لحظات من الصمت 
- سوف نتناقش بهذا الأمر بعد العشاء .
ثم أشاح بوجهه تجاه جليلة يبتسم لها برقة وعادت زينة الى حجرتها قبل أن تبدأ فى البكاء والعويل ولم ترد على بيدرو عندما نادى عليها وبعد أن أغلقت عليها باب حجرتها أرتمت على الفراش وأنخرطت فى موجه أخرى من البكاء الحار , لقد بكت فى هذا المكان أكثر مما بكت طوال حياتها .. لم تكن أبدا فتاة نكديه تعشق البكاء والنواح بسبب وبدون سبب ولكن ماجرى لها كان كثيرا ومع مرور الوقت بدأت تدرك مدى بؤس حالها والورطة الكبيرة التى وقعت فيها , أفرغت كل طاقتها فى البكاء حتى شعرت بالخواء بداخلها وتوقف عقلها عن التفكير وجلست تحدق فى الجدار ساهمة وعندما دق باب حجرتها لم تطاوعها قدماها لتنهض وعجز صوتها عن الخروج لكي تدعو الطارق للدخول وبعد عدة طرقات أخرى فتح الباب ودخل ادم وعندما وقعت نظراته على وجهها الشاحب وعيناها الذابلتان من كثرة البكاء أسرع اليها يمسك بكتفيها ويقول بقلق 
- زينة ؟ 
نظرت اليه وهى تشعر بالأعياء الشديد أرادت أن تتوسل اليه ألا يتركها ترحل فهى لن تتحمل البقاء فى السچن ولا ان تبقى وحيده فى بلد لا تعرفه .. لم تعرف أن نظراتها قالت كل ما عجز لسانها عن قوله 
فتأوة وضمھا بين ذراعيه بحنان .. لم تنتفض فزعا ولم تبتعد وأراحت رأسها بأرتياح على صدره متلهفة الى ذلك الأحساس بالأمان .
بعد لحظات أبعدها آدم عنه وتمتم بتوتر وأنما لنفسه 
- الأمور هكذا سوف تتعقد أكثر . 
ثم وقف وخرج من الغرفة وهو يقول 
- دقائق وسأعود .
لم تتحرك زينة من مكانها وكأنها فى حلم تنتظر بقية أحداثه , عاد ادم بعد دقائق يحمل كوب من عصير البرتقال وقرصين من دواء ناولها اياه فأبتلعتهم مع العصير دونما أعتراض , وبعد أن أنتهت أخذ منها الكوب ووضعه على المنضدة 
- هيا بدلي ملابسك وحاولي أن تنامي قليلا  .
خرج مرة أخرى وأغلق الباب خلفه , أنها تحتاج حقا الى الراحة , أرتدت بجامتها وتكورت على الفراش كطفل صغير وأبتسامة على شفتيها , لقد كان قلقا عليها وأحتضنها وعاملها بحنان و .. أنقطعت أفكارها عند هذا الحد وسقطت فى غيبوبة من النوم العميق , وعندما عاد ادم بعد ربع ساعة وجدها مستغرقة فى النوم وحاجبيها معقودان وكانت تضم ركبتيها الى صدرها فألتوت شفتاه بتجهم ومال مقبلا جبينها برقة ثم سحب عليها الغطاء وأطفأ النور قبل أن يخرج ويغلق الباب خلفه بهدؤ .

******

وصل خالد أخيرا الى صقلية فى وقت متأخر من الليل وكان قد أستأجر طائرة خاصة عندما لم يجد طيران مباشر اليها كما تأخرت تأشيرة السفر .. لم يكن لديه صبر لكل ذلك وقد جاءته الأخبار بأن القارب الذي هربت زينة على متنه ظهر أخيرا فى ميناء باليرمو ولكن أي من الرجال الذين أستأجرهم لم يراها من ضمن ركابه ولكنه رجح بأنها لم تتركه أبدا لأنها لا تملك جواز سفر .
ولكن أكثر ما يخشاه حقا أن تكون قد تركت القارب فى أي ميناء آخر وتكون بذلك قد ضاعت منه وتكون مطاردته التى أستمرت لأيام وأنفاقه للكثير من الوقت والأموال لا معنى له .. المال غير مهم ولكن الوقت هو الأهم فكلما مر الوقت يعني أن يختفي أثرها عنه وفرصة عثوره عليها تصبح أضعف .
أخذته سيارة من المطار الى الميناء مباشرة وهناك أستقبله رئيس فريق البحث عند مدخل الميناء وعاجله بالقول فور نزوله من السيارة 
- للأسف لقد أبحر القارب يا سيد خالد .
ثار خالد فى وجه الرجل 
- ومتى حدث ذلك ولماذا لم تخبرني ؟
- أبحر منذ ساعتين وقد حدث ذلك فجأة 
زمجر خالد بۏحشية وبدا وكأنه راغبا فى افراغ شحنة غضبه فى شخص ما فتراجع الرجل المفتول العضلات خطوتين الى الوراء قائلا بهدؤ
- لا تقلق يا سيدي لقد قمنا بزرع عملاء لنا فى كل ميناء على طول البحر المتوسط وبمجرد أن يرسو فى اي منها سيأتينا الخبر عنه .
تمالك خالد أعصابه بصعوبة فكلما ظن أنه أخيرا سوف يقبض عليها تتسرب بعيدا من جديد .
قال
- وماذا عن اليخت الذي طلبت أستئجاره 
رد الرجل سريعا
- جاهز وفي انتظارك ومعد للأبحار فى أي وقت .
كان اليخت كما طلبه .. صغير وأنيق .. أستأجره من أجل زينة  .. ليقضيا فيه شهر عسلهما .. لقد قرر عندما يجدها أنه سوف يتزوجها على الفور ويأخذها فى رحلة طويلة ليعوضها عما جرى لها فى يخت فريدريكا ولينسيها ما مر بها .. وكان مازال يحدوه الأمل فى أنها مازالت عذراء لم تمس .. كم يتمني لو يكون هو الرجل الأول لها .. لقد أخذ الكثير من الفتيات ولكن زينة هي كل ما يريد حقا ومهما كان ما حدث لها سوف تظل دائما الأنقى والأطهر بينهن جميعا .

****

حاولت زينة فتح عينيها ولكن جفنيها كانا ثقيلين وجسدها هامدا , فركت عينيها وأخيرا فتحتهما بعد جهد ثم تثائبت بقوة وظلت للحظات لا تستوعب شيئا وضباب النعاس مازال يشوش على عقلها , ستارة المافذة كانت مفتوحة وقرص الشمس كان برتقاليا .. الشمس كانت تغرب ... تغرب ؟!! ولكن كيف ؟!! ومتى ؟!! عقدت حاجبيها تعصر ذاكرتها .. لقد نامت قبل منتصف الليل بساعتين على الأقل والأن الشمس تغرب ؟!!! لقد حدثت فجوة زمنية فى عقلها عبست بشفتيها وعقلها يحاول التركيز, المركب أيضا كان يسير بسرعة  , كانت تستطيع الشعور بذلك وهى ترى السماء تتغير من خلال النافذة .. لقد أبحروا.. أبحروا ؟!! هبت جالسة وقد أتسعت عيناها من الصدمة وكل الأحداث التى جرت بالأمس راحت تتدفق داخل ذاكرتها , كيف يعقل أن تنام كل هذا الوقت ؟!! خرجت من الفراش بسرعة فشعرت بالدوار وسقطت على الفراش مرة أخرى , كان رأسها ثقيلا جدا ويؤلمها .. بحثت بعينيها عن الدواء المسكن للألام ولكنها لم تجده مكانه وهنا تذكرت قرصى الدواء اللذان أعطاهما لها ادم بالأمس وبعدها نامت كالمېتة ولم تستيقظ سوى الأن بعد حوالى عشرون ساعة .. لقد خدرها , أعطاها حبوبا منومة .. لقد خطڤها  .. أنه يريد خادمة لخدمة أميرته .. عبدة لا تتجرأ على طلب المغادرة وعندما تفعل يقوم بتخديرها ليجبرها على البقاء صاحت بحنق 
- من يظنون أنفسهم ؟ أميرة وثلاثة من الأقطاعيين ومرتزقتين يحسبون أنفسهم ملوكا يستحقون عبيدا .. حسنا سوف أسمعهم رأي فى عنجهيتهم الفارغة , يظنون انني فتاة ضعيفة ومغلوبة على أمري لأنني بلا أهل وبلا مال .
ثم فكرت بآدم بمرارة .. لقد راح يظهر لها الرقة بالأمس عندما شعر بتمردها ثم خدعها .. وكيف سمحت له بأن يحتضنها ؟!! ..  
بدلت ملابسها ودخلت الى الحمام وعندما خرجت لم تجد أحدا فى حجرة الجلوس أو على سطح المركب الذى كان يسير بأقصى سرعة له وقد فردت الأشرعة جميعها , حسنا أنه على الأقل لا يسير بمفرده وسوف تجد أحد ما بكابينة القيادة.

******

قال فراس بقلق موجها حديثه الى ادم الذى كان يضع بعض العلامات على الخريطة الملاحية 
- ادم .. أذهب لتطمئن على زينة لقد نامت لوقت طويل وأنا أخشى أن يكون لهذا الدواء أثارا جانبيه لا نعلمها . 
- اطمأن .. أمى تأخذ منه منذ سنين وهو آمن تماما . 
أندفعت زينة الى الغرفة وهي تقول بأنفعال 
- أنت خدرتنى .. وخطفتنى .
أدى الأنفعال الى جعلها تترنح فمازالت تعانى من تأثير المخدر فأسرع فراس لمساندتها ومساعدتها على الجلوس  وهو يقول     
- ياللمسكينة .
قال ادم بغيظ وهو يناوله زجاجة مياه 
- ان هذه المسكينة كانت تمارس هوايتها المفضلة فى التنصت علينا .
قال فراس معترضا وهو يفتح زجاجة الماء ويعطيها لزينة 
- مهلك عليها .
تناقلت نظرات زينة بينهما بوجه شاحب ثم أنفجرت بالبكاء  
تحرك آدم بعصبية وقال  
- هذا ما تفلح به فقط .. البكاء . 
أتهمه فراس قلئلا  
- أنت تخيفها .
قالت زينه من بين شهقاتها 
- أنت .. خطفتنى .
شخر آدم ساخرا وفتحتى أنفه تنتفخان غيظا وقال لفراس 
- خذ هذه وأخرجها من هنا .
شهقت زينة ووقفت بحدة تقول بشجاعة  
- إن لي اسما .
صاح ادم بصوت هادر جعلها ترتجف ړعبا 
- فراس .. خذها من أمامي الأن .
سحبها فراس الى خارج كابينة القيادة وقد رحبت زينة بذلك فالوقوف أمامه كما الوقوف فى وجه بركان ثائر كما أخبرها بيدرو من قبل .
أخذها فراس الى المطبخ وأجلسها  على مقعد عالى أمام البار وناولها محرمة ورقية لتجفف بها دموعها ثم صنع لها شطيرة مكونة من اللحم والخس  وشرائح الطماطم ووضعها فى طبق أمامها فقالت 
- شكرا .. لست جائعة  .
- يجب أن تأكلى فأنت لم تأكلى شيئا منذ ظهر الأمس .
أنصاعت زينه لأرادته وأكلت وعندما أنتهى من اعداد القهوة لكليهما كانت قد أجهزت على الشطيرة كلها فقال ضاحكا  
- ألم تقولى أنك لست جائعة .
أبتسمت زينه بخجل وقالت 
- لم أكن أعتقد أنني جائعة الى هذا الحد .
وضع كوب القهوة أمامها فقالت
- شكرا .
قال فراس 
- لا تغضبى من ادم هو شخص عصبى قليلا ولكنه طيب القلب .
- لماذا أعطاني حبوبا منومة .
أجابها بهدؤ 
- على حسب ما قال لى أنك بدوت فى حالة مزرية بالأمس عندما ذهب ليتفقدك وأنك كنت بحاجه للنوم والراحة .. وهو لم يأخذ قرارك بالرحيل عنا على محمل الجد فقد بدوت وكأنك تعانين من ضغط نفسى جعلك تأخذين قرارا لم تحسبى مدى عواقبه ولقد أتفقت معه فى ذلك .. فمثلا الى أين كنت ستذهبين وليس معك جواز سفر ولا تملكين مالا ولا عملا .. هل فهمت؟
هزت رأسها ايجابا وقالت 
- ولكنى سببت لكم الكثير من المشاكل .. خربت برنامج الرحلة وتسببت فى شجار بين سيد حميد وشقيقته  .
ربت فراس على يدها وقال مطمئنا 
- أنت لست مسؤولة عن طباع جليلة السيئة وشجارهما شئ عادى يحدث دائما .. ولا تقلقى  من أنك عبئ علينا سينتهى كل هذا قريبا .. لقد سافر حميد الى اسبانيا ليستخرج لك جواز سفر وأوراقا تستطيعين بها التنقل معنا دون أى قلق .
نظرت اليه بدهشة 
- جواز سفر لي أنا من أسبانيا ؟ .. وكيف ذلك ؟ 
أرتشف فراس القليل من قهوته ورد بخفة وهو يتجنب النظر الى عينيها  
- قلنا ان كان لك هوية أوروبية فهذا سيكون أسهل ولن يسبب لك المشاكل فى المطارات والموانئ فأنت تعرفين ما يعانيه العرب هذه الأيام من صعوبة الحصول على التأشيرات.
سألته وقد تحولت دهشتها الى ذهول 
- تقصد أوراق مزورة ؟
لوح فراس بيده 
- لا .. أعني أنها لن تكون مزورة  كما تعتقدين .. ستكون حقيقية ولكن بأسم وچنسية مختلفة ..   
- أنا لا أرى فارقا .
تنهد ثم قال بجدية 
- أفهمينى جيدا يا زينة .. عندما سافر ادم الى القاهرة تحدث مع محاميه عنك فأخبره بصعوبة استخراج أوراق بديلة لك بسرعة .. فعرض حميد علينا فكرته ووافقنا عليها فحميد وعائلته لهم نفوذ قوى فى أسبانيا ويستطيع الحصول لك على هذه الأوراق بسهولة .. نحن اناس شرفاء ولا نلجأ الى هذه الحيل فى العادة ولكننا وعدناك أن نحميك ونساعدك . 
تجنبه للنظر فى عينيها أخبرها ان هناك المزيد مما يرفض الأفصاح عنه وهى قررت أن لا تسأل .. أو خشيت أن تسأله فليس هناك الا سبب واحد يجعلهم يلجأون الى أخفاء هويتها .. أنهم قد عرفوا بجريمتها ويريدون حمايتها والتستر عليها .

****

الفصل الثالث عشر

انضم اليهم حميد في نابولى وقد استدعاها آدم الى كابينة القيادة وسلم لها جواز السفر الأسبانى وتصريح العمل الصادر من مكتب شركتهم بمدريد, لم تفاجأ عندما رأت صورتها التى تصورتها لأستخراج جواز سفرها المصرى موجودة به, اخذتهم منه وهى مطرقة الرأس ودون ان تنبس بكلمة وقال لها ادم 
- ليس هناك من داعي لكي يعرف أحد بهذا غيري أنا وأنت وحميد وفراس فقط .
هزت رأسها ايجابا قالت بصوت مخڼوق 
- لقد عرفتم بما فعلت أليس كذلك ؟
- نعم ومنذ اليوم الأول 
- لقد كنت أدافع عن نفسي .
- أعرف ونحن لا نلومك على ذلك .. ولكن أطمأني ليس هناك من قضية عليك .
رفعت رأسها اليه قائلة بلهفة وقد تهلل وجهها 
- حقا ؟
ابتسم لها احدى ابتساماته النادرة وقال 
- حقا .. ولكن هناك من يبحث عنك منهم .. فالهروب من هؤلاء ليس سهلا وهم لا يسمحون به حفاظا على سرية عالمهم القذر .
قالت بتعاسة فلم تستمر سعادتها الا لحظات وقد عاد الخۏف اليها 
- وهل أسبب لكم المتاعب بوجودي معكم ؟
- لا تقلقي من أجلنا نستطيع حماية أنفسنا وحمايتك أيضا .
قالت بأمتنان صادق 
- أنت طيب جدا .. جميعكم طيبون معي .
مازحها قائلا 
- ألست قاسېا ومتعجرفا ؟
أحمر وجهها حرجا ولكنها بادلته المزاح بعفوية 
- أحيانا تكون كذلك .
وقف عن مقعده وغمز لها مازحا 
- أرجو أن يستقر رأيك .. فأنا لا أحب التخبط فى وجهات النظر .
ثم دفعها الى الباب وهو يقول
- هيا أذهبي وجهزي حقائبك .. فأخيرا ستضعين قدميك على أرض حقيقية .

****

لم يبقوا فى نابولى سوى ليلة واحدة استقلوا بعدها الطائرة الى ميلانو وكانت اول مرة تستخدم فيها زينة جواز سفرها الأسبانى وعبرت به امام رجال الجمارك والشرطة , كانت فى البداية خائڤة ومضطربة ليفتضح امرها ولكن لم يحدث شئ خاصة وأن حميد كان يرافقها أثناء عبور الجوازات يتحدث اليها بالأسبانية فتجيبه بأبتسامة أو بهزة رأس وأحيانا ببضعة كلمات كان قد علمها طريقة لفظهم وعندما أصبحت فى الطائرة تنفست الصعداء وبدأ بالها يهدأ ومخاوفها تنزاح . 
ميلانو .. عاصمة الموضة والأزياء على مستوى العالم وملتقى أشهر مصممى الأزياء ومحبى التسوق .. لم تصدق زينة ما رأته فى تلك المدينة .. كل هذا الكم من المحال التجاريه الفخمة حائط لا نهاية له مليء بالواجهات الزجاجية والعلامات التجارية البراقة والأسعار التى لا تستوعبها .. بداية من الهدايا التذكارية والازياء بمختلف انواعها الى جانب الأحذية الرائعة والحقائب الى ان تصل الى الماركات والعلامات العالمية الشهيرة .. ولاحظت أن السياح فى ميلانو يهتمون بالتسوق أكثر مما يهتمون بالأماكن الأثارية والتاريخية التى تتميز بها هذه المدينة العريقة وهذا ما أكتشفته وهى بصحبة سيدات المجتمع الراقى حيث كانت تقضى وقتا مملا ومتعبا بصحبتهن .. لم تكن تشاركهم الحديث ولا يأخذون وجودها معهم بعين الأعتبار تسير خلفهم كالخادمة تحمل لهم مشترياتهم وتتحمل عجرفتهم عليها وقد آلمها هذا الوضع كثيرا ولكنها كانت مضطرة لتحمله فليس أمامها بديلا, كان ادم قد طلب منها قائلا
- سوف ترافقينهم أينما ذهبوا ولا تبتعدي عنهن حتى لا تضيعين .
ثم أعطاها أجر أسبوعين من راتبها 
- وهذا جزء من راتبك فقد تحبين أن تشترى شيئا لنفسك .
ولكنها لم تجد الفرصة لصرف يورو واحد فقد كن يقضين ساعات الصبح فى مركز التجميل للتدليك والتزيين وزينه تجلس تنتظر بملل و بعد الظهر يتناولن الغداء وبعدها يذهبن للتسوق وشراء أشياء لا يحتجن اليها وينتهى الأمر بها وهى تحمل أكياس وحقائب لا شأن لها بهم وفى المساء ينضم اليهن الرجال ويخرجون للعشاء والسهر وهنا ينتهى عملها وتلتزم زينة حجرتها تتناول عشاءها وتنام باكرا بسبب الأرهاق حتى الصباح وكانت تتساءل بأستغراب .. ألا يشعران أبدا بالأرهاق ؟!! 
كانت تفضل لو تخرج لمشاهدة معالم المدينة والتعرف على سكانها وثقافتهم ولكنها يجب أن تعمل مقابل الأجر الذى يدفع لها فهى ليست فى أجازة مثلهم . 
وفي اليوم قبل الأخير لهم فى ميلانو كان كباقى الأيام التى سبقته مزين الشعر فى الصباح وجلسات التدليك يليها غداء سريع فى الثانية عشر ثم التسكع فى المحلات والأسواق وعندما عادوا الى الفندق سبقتهم زينه بالدخول تحمل الأكياس والأرهاق بادي على وجهها ولم ترى ادم وحميد وهما يخرجان من المصعد ويسيرون  بأتجاهها وأجفلت عندما أستوقفتها يد ادم على ذراعها وسألها بدهشة عابسا وهو يشير الى الحقائب التى تحملها بيديها وتحت أبطها 
- كل هذه المشتريات لك أنت ؟
ردت بصوت مرهق رتيب
- لا ليست لى .
ثم أشارت برأسها الى الخلف حيث الجميلات يتهادين بخيلاء من وراءها 
- انها لهن .
تحول العبوس على وجهه الى ڠضب مكبوت وتأوهت زينة .. ماذا فعلت له الان ؟!!  أخذ منها الحقائب وطلب منها أن تصعد الى حجرتها وهز لها حميد رأسه اليها آسفا .. ولكنها لم تفهم . 
وفى حجرتها أخذت حماما سريعا وعندما خرجت من الحمام رن جرس الهاتف وجاءها صوت ادم 
- انزلى فأنا بأنتظارك في البهو .
أغلق الهاتف دون ان يسمع ردها فوضعت السماعة وسارت الى خزانة ملابسها التى تحوى القليل جدا من الملابس وأخذت السروال الجينز الوحيد عن الرف وأرتدته مع التى شيرت البولو الخاص بعملها على المركب , نزلت الى البهو لتجد أدم ينتظرها وحده لم يكن لديها الفضول لتعرف سبب أستدعاءه لها وعندما وقفت أمامه لم تقل شيئا بل هو من قال
- هيا بنا .
أخذها الى خارج الفندق لتجد سيارة أجرة فى أنتظارهما وفتح لها الباب الخلفى  وهنا بدأ القلق يتسرب الى حواسها وهو يجلس بجوارها سألته بتوتر 
- الى أين نحن ذاهبان ؟
رمقها بنظرة جانبية سريعة ثم سألها بهدؤ 
- لماذا لم تخبريني عن تلك الطريقة الفظة التى يعاملونك بها ؟
نظرت اليه بدهشه وقالت 
- ظننت أن هذا جزء من عملي .
تحرك بعصبية بجوارها فأنكمشت تبتعد عندما تحدث پعنف 
- عملك يقتصر على القارب فقط .. هنا يوجد المئات من الأشخاص القادرون على خدمتهم .
- لكنك طلبت مني أن أبقى بصحبتهم و..
 قاطعها پحده 
- طلبت منك ذلك حتى لا تكوني بمفردك .. لتستمتعي بوقتك لا أن تكوني عبدة لديهن . 
تمتمت بصوت منخفض 
- آسفه لقد فهمتك خطأ .. لو كنت أعرف ذلك لكنت فضلت قضاء الوقت بمفردي .
- االى هذه الدرجة كانت صحبتهم سيئة .
هزت رأسها أيجابا بقوة وأخرجت كل ما كان يعتمل بداخلها وقد انطلق لسانها 
- بلى .. لم يتركوا متجرا فى هذه المدينة لم يدخلوه وشراء الكثير والكثير من الملابس والحقائب والأحذية أقسم أنهم لن يجدوا وقتا لأرتدائهم كلهم .. هذا غير الأكسسوارات وأدوات الزينة والهدايا ولا أفهم سبب ذهابهم كل يوم الى صالون التجميل .. هل تعرف أنت ؟  
ألتوت شفتاه بأبتسامة مرحة جعلتها تبتسم له بدورها لقد غيرت الأبتسامة من ملامح وجهه وجعلته وسيما أكثر وارتبكت نظراتها وهى تلتقى بنظراته الجديدة عليها وتذكرت تلك اللحظات فى غرفتها عندما ضمھا بين ذراعيه بحنان .. رمشت بعينيها . 
- وماذا كنت ستفعلين بوقتك غير زيارة المتاجر ؟
أعتدلت بحماس 
- أرى الأحياء القديمة التى فيها الروح الحقيقية لميلانو .. أزور المتاحف والأثار التاريخية .
وكان لها ما تمنت .. وفى ساعات النهار الأخيرة زارا كل ما استطاعا من أماكن سياحية أشتهرت بها المدينة الأيطالية .. الكاتدرائية القوطيه ديومو والتى تعتبر من أكبر كاتدرائيات أوروبا وأشهرها كما أخذها لزيارة مركز التسوق القريب من الكاتدرائية وهو الأقدم فى العالم وعندما قال لها أسمه (جاليري فيتوريو إمانويلي الثانيز ) أنفجرت ضاحكة 
- أسمه طويل جدا وصعب .
ولكنه كان سوقا رائعا وأعجبها أكثر من مراكز التسوق الحديثه فعراقته تعطيه هيبة ورونقا خاصا ثم ذهبا الى قلعة سفورتسى ومتحف الفنون الحديثة ومتحف بريرا وقد أستعان آدم بأحد العاملين بالمتحف ليحدثهم عن اللوحات وقد كان سعيدا بطلبه ويشعر بالفخر وهو يشرح لهم تاريخ اللوحات المعروضة وأسماء الفنانين وبأى أسلوب رسمت وماذا أراد الفنان أن يظهر من خلال لوحته وراح آدم يطرح أسئلة تقنية تنم عن ثقافة فنية .. تمنت زينة لو تصبح يوما مثله ملمة بكل هذه المعرفة . 
عادا الى الفندق فى الثامنة مساءا ودعاها آدم أن تنضم اليهم فى مطعم الفندق لتناول العشاء ولكنها رفضت بأدب وتحججت بأنها متعبة ولكن من داخلها كانت تود قبول دعوته ولكنها لن تشعر بالراحة بصحبتهم خاصة مع جليلة ورفيقتاها .                                              

******

أستيقظت زينة فى التاسعه صباحا وكلها حماس وتشعر بالحرية .. ستكون ساعات الصباح كلها لها لتتجول فى الشوارع والأسواق وتشترى بعض من التذكارات التى كانت قد أعجبتها بالأمس وهى بصحبة آدم وقد عجزت عن شراءها كى لا يصر على دفع ثمنها , أغتسلت وأرتدت الملابس التى كانت ترتديها بالأمس ورفعت شعرها كذيل حصان ثم وضبت حقيبتها الصغيرة ففى الخامسة من بعد الظهر سيستقلون الطائرة عائدين الى نابولى , فتحت الباب لتذهب ففوجئت بنيكول تقف امامها فقالت بدهشة    
- صباح الخير .
أبتسمت لها نيكول بأشراق 
- صباح الخير .. هل انت ذاهبة الى مكان ما ؟
قالت زينه بتوجس  
- نعم .. كنت سأتجول فى المدينة وأشترى بعض الأشياء .
أطرقت لوسى رأسها بخجل وقالت 
- كنا أشرارا وعاملناك بطريقة سيئة .
رق لها قلب زينة وقد شعرت بصدقها وقالت تخفف عنها 
- لا عليك .. انا لم أشتكى .
- كنا نذهب الى مراكز التجميل يوميا ولم نسألك مرة ان كنت تحتاجين الى تصفيف شعرك وكنا نتسوق بالساعات ولم نبالى عن حاجتك الى شراء شيئا .
كانت نيكول محمرة الوجه تشعر بالذنب وتأنيب الضمير أندفعت زينة وعانقتها وربتت على ظهرها قائلة بمرح 
- ستجعليننى أبكى .. أنا حقا بخير .
أبتسمت لها نيكول شاكرة وقالت 
- أذن دعينى أكفر عن ذنبى وآخذك للتسوق بنفسى سيكون اليوم لك وحدك ما رأيك .
بهت وجه زينة وهى ترى الحماسة التى تتكلم بها نيكول .. لقد ضاعت خطتها فى مهب الريح وتأوهت داخليا .. يوما آخر فى مراكز التجميل والتسوق ؟ رأت نيكول ترددها فقالت بسرعة 
- لا تقلقى لن آخذك الى الأماكن الغالية التى كنا نذهب اليها أعرف محال تبيع بأسعار مخفضه جدا .. لا تنسى أننى لست ثرية مثلهم وأعرف أماكن بعينها . 
ظلت زينة مترددة فتابعت نيكول تحمسها 
- سنتناول اولا افطارا ايطاليا حقيقيا ثم نذهب لتصفيف شعرك فهو بحاجة الى عناية أنت تهملينه كثيرا وبعدها تشترين بعض الملابس .. ها ما رأيك ؟
فكرت زينة للحظات ووجدت ان لوسى على حق ما المانع لو تهتم بشكلها قليلا لتصبح أنيقة وجميلة مثلهم . 
- موافقه .. هيا بنا .

******

تناولت زينه ونيكول أفطارهما فى مقهى يضع طاولاته على الرصيف كان المقهى مزدحم بالسياح وبالأيطاليين أيضا تناولا فطائر محشوة بالمربى الطازجة وبعدها توجها الى صالون تجميل صغير كانت نيكول تعرف صاحبته التى قالت لزينة
-  سوف أعطيك خصم خمسون بالمائه أكراما لنيكول .
ووضحت لها نيكول قائلة
- لقد عملت عارضة أزياء لأحدى دور الأزياء الشهيرة هنا في ميلان وعشت فى هذه المدينة لمدة عامين ولي بها معارف وأصدقاء كثر .
غسلت لها المرأة الأيطالية شعرها وقامت بقص أطرافة التالفة وأعتنت ببشرتها وفى مركز التسوق تركت نيكول المحلات الرئيسية وأخذتها الى الشوارع الجانبية حيث المحال الصغيرة التى تعرض بضائع مع خصم كبير وكانا فى احد المحال عندما تلقت نيكول أتصالا هاتفيا من جليلة .. تجهم وجه نيكول وهى تستمع اليها وابتعدت زينة لتتركها تتحدث على راحتها .
أنتقت زينه ثوب وأستدارت لتريه لنيكول ولكنها رأتها تنظر الى هاتفها المحمول عاقدة الحاجبين فأعادت زينة تعليق الثوب مكانه وتقدمت منها تسألها     
- هل انت بخير؟
نظرت اليها نيكول وحاولت رسم أبتسامة على شفتيها ولكنها فشلت 
- أنا آسفة جدا يا زينة .. سأضطر أن أتركك وحدك .. كنت قد نسيت اننى وعدت جليلة وكاميليا أن أذهب معهما لشراء بعض الأغراض .
- لا عليك أذهبي أنت .. سأكون بخير .
- هل تستطعين العودة وحدك الى الفندق يجب أن نكون فى المطار فى الخامسة على الأقل ؟
- نعم أستطيع .. لا تقلقى ولن أتأخر فى العودة .
أعتذرت لها نيكول مرة أخرى قبل أن تتركها وتنصرف مسرعة وشعرت زينة بالشفقة عليها فهى تخشى أغضاب جليلة وتتصرف على عكس طبيعتها لأرضاءها .
تجولت زينة بين المحال التجارية الصغيرة حتى عثرت على الثوب الذى يناسبها ويناسب ميزانيتها كما أشترت حذاء وحقيبة صغيرة تليق به وتناولت الباستا بالصلصة الحارة على الغداء وتفتلت بالشوارع وشاهدت بعض الأثار الرومانية وفى ساحة كنيسة سانتا ماريا تعرفت على بعض السائحين منهم زوجين من سويسرا يقضيان شهر عسلهما فى أيطاليا وآخر مكان زارته كان مكتبة  أمبروسيانا وهناك تذكرت والدها مختار وشعرت بالذنب ... كم جعلها خۏفها على نفسها تصبح أنانية .. أستمرت بحياتها وهي لا تفكر بما يشعر به والديها الأن تجاه أختفاءها وأصبح كل همها أن تنسى ما مر بها , على الأقل يجب أن ترسل لهم رسالة تطمئنهم فيها على حالها ان لم تستطع الأتصال بهم وقررت أن تفعل ذلك فور عودتها الى الفندق ستطلب من فراس أن يعيرها هاتفه لترسل منه رسالة الى والدها . 
عادت زينة الى الفندق تحمل حقائب مشترياتها وصعدت الى غرفتها مباشرة ولكنها فوجأت بها مفتوحة وعاملات النظافة يقومن بتنظيفها ونظروا اليها بأستغراب وهى تدخل الى الحجرة وبعد حوار قصير أسرعت الى مكتب الأستقبال ووقفت شاحبة الوجة والموظف يؤكد ما قالته عاملة النظافة بالأعلى.. لقد تم سداد حساب غرفتها كما بقية غرفهم .. لقد رحلوا وتركوها .
كانت الساعة الثالثة والنصف وموعد الطائرة فى السادسة كما أخبرها آدم بالأمس هى لم تتأخر.. هل كانت خطة للتخلص منها ؟ ان تأخذها نيكول الى التسوق ثم تتركها ليتسنى لهم ترك الفندق وهى غائبة ؟
خرجت زينة الى الشارع والدموع تنساب من عينيها غزيرة .. لقد صرفت كل المال الذى أعطاها اياه آدم ولم يتبقى معها سوى القليل .. ودعت أن يكفي ثمنا لسيارة الأجرة الى المطار .
وفي المطار سألت عن مكان وموعد الطائرة الذاهبة الى نابولي وبحثت بين المسافرين في صالة الأنتظار ولكنها لم تراهم بينهم وراقبت حتى آخر مسافر .. انسابت دموعها غزيرة وسارت هائمة على وجهها الى خارج المطار .. 
عادت الى الفندق بالحافلة العامة .. كانت تتشبث بأكياس المشتريات فى يدها بقوة وراحت تدور حول الفندق تفكر وتحاول أن تطمأن نفسها أنهم ربما يكونوا قد نسوها وسيعودون من أجلها فى أي وقت , لفتت تحركاتها وحالتها المضطربة التى كانت فيها نظر أحد رجال الشرطة ولمحته يقترب منها فأسرعت الخطى كى تبتعد قبل أن يصل اليها .. وأثناء هروبها وجدت نفسها وقد أبتعدت كثيرا عن الفندق وتاهت فى الشوارع المحيطة به ... 
غربت الشمس وبدأ الليل يفرض وجوده وتلألأت أنوار أعمدة الأنارة والمحلات ..
وكان قد أستبد بها اليأس أخيرا وهي تعبر الطريق مشوشة الذهن ودون أن تنتبه للسيارات القادمة من الأتجاهين وأنتفضت پذعر وهى تسمع صوت المكابح وأبواق السيارات العالية وبعض السائقين الذين راحوا يعنفونها على قلة حرصها وهى تعبر الطريق , دق قلبها بسرعة من الخۏف وأصبحت ساقيها هشتين فجلست على سور نافورة مياة تتوسط الميدان الذى لا تعرف أسمه ودموعها تعود لتنساب على وجنتيها , سمعت صوت شخص ېصرخ بأسمها فرفعت وجهها بلهفة لترى آدم يعبر الطريق الذى عبرته منذ لحظات .. وقفت تحدق فيه لا تصدق عينيها .. لقد عاد .. ركضت تجاهه بلهفة فضم جسدها النحيف المرتعش بين ذراعية بقوة وقالت باكية وذراعيها تحيطان بخصره ووجها مدفون فى صدره 
- لقد تركتني ورحلت .
مسح على شعرها وهو يقول بأنفاس متقطعة 
- مستحيل أن أتركك وأرحل .. كان سؤ فهم لعين .. أنا آسف . 
نعم هذا ما كان يخبرها به قلبها فآدم ما كان ليتركها بتلك الطريقة ويرحل وان أراد تركها لقال ذلك فى وجهها ولما لجأ الى الحيل والغدر وكذلك حميد الذي خاض مشقة فى أستخراج أوراق رسمية لها وفراس لن يطاوعه قلبه الطيب لأن يتركها فى الشارع وحيدة .
- لقد شعرت بالړعب وأنا أراك تعبرين الطريق بتلك الطريقة .. كدت تقتلين نفسك .
أبتعدت عن ذراعيه بخجل ونظرت اليه والأبتسامه تنير وجهها , كان قلقا عليها وظهر ذلك جليا فى شحوب وجهه وسألها وهو يتفحص وجهها 
- هل أنت بخير ؟
هزت رأسها ايجابا فأخذها وجلسا عند نافورة المياه ونظر الى حقائب مشترياتها وقال
- ما الذي أشتريته ؟
- أشتريت فستان وحقيبة وحذاء .
نظرت اليه فأخلتج وجهه ورقت نظرات عينيه   
- لقد بحثت عنك لساعات .. ما كان لك ان تتركي الفندق على الفور فقد عدت ولم أجدك.
أخبرته أنها ذهبت الى المطار وبحثت عنهم هناك 
قال بتجهم
- لقد قدمنا موعد السفر وحجزنا طائرة خاصة .
وأخبرها أنهم أخذوا الحقائب الى المطار على أساس أن تلحق بهم زينة وبقية النساء الى هناك ولكنه فوجئ بأنهم جاءوا من دونها فشرحت له ما حدث مع نيكول فجز على أسنانه پغضب وسألها بتجهم 
- هل خفت ؟
- نعم  
انتفض جسدها لا ارايا وهي تتذكر ساعات الخۏف والقلق التي قضتها قبل ظهوره 
قال مبتسما
- سوف أخبرك شيئا ربما يسعدك ويجعلك تنسين ما مر بك اليوم .
أتسعت أبتسامته وهو يراقب تلهفها
- لقد أجرى والدك العملية وهو الأن على ما يرام وقد أطمأن أنك بخير قبل دخولة الى غرفة العمليات .  
نظرت الى وجهه غير مصدقة .. كيف يعرف والدها وكيف عرف بأنه أجرى الجراحة وأنه بخير وأكثر ما تريد معرفته كيف وصلت أخبارها الى والدها ومن الذي قام بذلك ؟ رد على كل أسألتها 
- عندما كنت فى القاهرة كلفت المحامي الخاص بي للتواصل مع عائلتك وطمأنهم عليك.

****

الفصل الرابع عشر

عادت زينة الى المركب وشعرت بأنها تعود الى بيتها ...
أقلهما بيدرو من الميناء ووجدا حميد وفراس ونيكول فى أستقبالهما وكان أستقبالا حافلا جعل زينه تضحك بسعادة .
لحقت بها نيكول الى غرفتها وعانقتها وأعتذرت منها   
- أنا آسفه جدا زينة .. أنها غلطتى عندما تركتك وحدك. 
قالت زينة بتسامح 
 - لا عليك .. حصل خير .
جلست نيكول على طرف الفراش وقالت بتجهم 
- أعتقد أن جليلة وكاميليا قصدا أن تفوتك الطائرة . 
نظرت اليها زينة بدهشة 
- حقا ؟
- نعم .. عندما أتصلت بى جليلة ونحن معا أخبرتنى أن الأمر ضرورى وأنها فى حاجة الى مشورتى لشراء شئ ما ولكننا قضينا الوقت فى التسكع بين البازارات ولم نشترى شيئا ثم أخذنا سيارة أجرة الى المطار مباشرة وعندما قلت لهما ماذا عن زينه ؟ قالت أنك ذهبت برفقة الباقيين الى المطار .. كان آدم وفراس وحميد غاضبيين بشده وكنت أنا المذنبه من وجهة نظرهم وكان عندهم الحق ما كان يجب أن أصدق جليلة وكاميليا .. أنهما تكرهانك وتغاران منك . 
حملقت زينة فى وجهها بذهول 
- تغاران منى أنا ؟.. ولماذا ؟
أبتسمت نيكول بحزن 
- لا تصدمى بتلك الطريقة .. أنا أيضا أغار منك ولكنى لا أكرهك مثلهما .
ضحكت نيكول بمرارة لعدم التصديق البادي على وجه زينة وتابعت 
- يا الهى يا زينة .. أنت تبخسين نفسك حق قدرها .. أنت تملكين ما نعجز نحن عن أسترجاعه ولو ملكنا مال الدنيا كله .. تملكين الطهر والبراءة .. طيبة القلب والوفاء .. نقيه كالملاك .. كل واحدة منا ضحت بالغالى والنفيث لتحقق أحلامها .. جليلة وبرغم ثراء أسرتها الفاحش باعت نفسها لرجل بعمر جدها لتحصل على لقب .. سجنها وعذبها وحطم روحها وحصلت على اللقب فى النهاية وفى المقابل بماذا ضحت ؟ .. ضحت بشبابها وبحب عمرها .. كان آدم يحبها بشدة وحطمت قلبه عندما تركته والأن تحارب كى تسترجعه .. أما كاميليا فهى عاهرة مع ورقة زواج .. هدفها المال وتبحث عن اللذة مع أى رجل يعجبها .. الخېانة تسرى فى ډمها ولم يعد للشرف وجود فى قاموس أخلاقها .. وأنا .. أنا أبنة فلاح فقير من قرية صغيرة بلبنان كرهتها منذ صغرى لبعدها عن الحضارة .. كنت أرى نفسى أرفع مقاما وأجمل من أن أضيع شبابي فيها فتركت عائلتى وأصدقائى وذهبت الى باريس .. كذبت وتحايلت وأنكرت أهلى وقطعت صلتى بهم جميعا حتى أدخل الى عالم الأضواء والشهرة .. كنت أصاحب المنتجين وأتعلق فى أذرع المخرجين والرجال الأثرياء .. كلما رأيت فرصة لأرتفع درجة لم يكن يهمنى فوق من سأخطوا وأنا أعتليها حتى قابلت حميد .  
أنسابت الدموع من عينى نيكول  , جلست زينه بجوارها تربت على كتفها تواسيها  
- هل أحببته ؟ 
- أحببته كثيرا .. أعرف بما تفكرين .. الجميع هنا يظن أننى أسعى وراء المال , عارضة الأزياء المغموره التى تسعى لتصبح عشيقة ملياردير ليرفع من شأن مهنتها وينفق عليها ببذخ .  
قالت زينه بصدق 
- لكنى لم أعد أفكر مثلهم .. يكفى أن أرى نظراتك اليه لأعرف بمشاعرك تجاهه .
أبتسمت نيكول بحزن وقالت 
- أنت طيبه جدا يا زينة .. 
- ألم تخبريه بأنك تحبينه ؟
- كان بيننا أتفاق .. علاقه دون ألتزام .. ولا أمل لى فى أن يغير رأيه .. هو لم يحبنى ولن يفعل .. رآنى فى حفل أزياء بباريس وأعجبته ولم أكن أعرفه ولم أسمع عنه من قبل وبعدها جاءنى عرض للعمل مع دار أزياء مشهورة وعرفت من وكيلى أن رجل أعمال مغربي هو من رشحنى لهذا العمل وقال لي أسمه وبدأت البحث عنه على  شبكة الأنترنت ووقعت فى حبه بمجرد أن رأيت صورته ورحت أحلم بلقاءنا وأصنع فى خيالى مئات السيناريوهات بيننا .. وفى يوم العرض وأنا أسير على الكات وواك كنت أدير بصرى بين الحضور أبحث عنه ورأيته ينظر الي وعيناه تلمعان وتضحكان لي كدت أطير وألقى بنفسى بين ذراعيه وأخبره كم أحبه .. وبعد آخر ظهور لى وجدته ينتظرنى خلف المسرح وقام بالشئ الذى تمنيته وحلمت به .. أخذنى بين ذراعيه وعانقنى وطلب منى أن أخرج معه .. تماما كما يحدث فى الأفلام الرومانسية وقضينا معا أسبوعا رائعا فى باريس وعندما قرر العودة الى بلاده وعمله طلبت منه أن يأخذنى معه .. فوضع الشروط التى أخبرتك بها ووافقت أنا عليها بدون تردد .. 
قالت زينة بحزن
- وافقت أن تكوني عشيقة ؟
ردت نيكول بخزي
- كان عندى أمل أن يغير رأيه وتتحرك مشاعره تجاهى ويقع فى حبى بدوره .. وها أنا الأن أعطيته كل ما يمكن أن أعطيه وفى المقابل لم أحصل على شئ مما أملت .. ربما كلمة وداع لطيفة ووعد بأن نظل أصدقاء هذا ما سأجنيه فى نهاية علاقتنا فالرجل وخاصة الرجل الشرقي لا ينظر لعشيقته بأحترام كافي ليتزوجها ولا مجتمعنا يقبل بذلك.   
قالت زينه بشفقة 
- معك حق .. ولكن ماذا ستفعلين .. ستنتظرين حتى يقول لك هو وداعا .. لم أعد بحاجة الى خدماتك بعد الأن ؟
نظرت نيكول اليها بړعب حقيقى وقالت 
- ماذا تقترحين ؟.. أن أتركه أنا ؟.. لا أستطيع .. لوتبقى لى ثانية واحدة أقضيها معه سأبقاها ولن أفوتها .
- أفعلى ذلك من أجل كرامتك .. من أجل أحترامك لنفسك .
- سأموت لو فعلت 
- ستموتين فى كلتا الحالتين .. ولكن لو أنهيت أنت علاقتك به ستموتين وكبريائك محفوظ.
هزت نيكول رأسها بأسى 
- معك حق .. وأنا أشعر بأن هذا اليوم سيأتى قريبا فحميد قد تغير من ناحيتى وينتظر فقط حتى يجد بديلة عنى أو حتى تنتهى الرحلة .
وقفت نيكول وكفكفت دموعها ثم قالت بحزم 
- سنبحر الليله الى موناكو .. وستكون محطتى الأخيرة مع حميد فلدي عقد عمل ينتظرني مع احدى دور الأزياء الباريسية كنت قد أجلته من أجله  .
أبتسمت لها زينه وقالت  
- ألم تشتاقى الى عائلتك وأصدقاءك ؟.. ان رؤيتهم خير من تضمد الجراح .
ضحكت نيكول ولمعت عيناها بحنين 
- نعم صحيح .. فكم أشتاق اليهم .. تصنع أمى أحلى فطائر التوت .. وأخى جان لديه الأن طفلين لم أراهما الا فى الصور .
ثم نظرت الى زينة وتابعت بحماس
- هل ذقت من قبل جبن الماعز يا زينه ؟
- لا لم أفعل .
- مزرعتنا تصنع أروع جبن ماعز .. لدينا معمل صغير لصناعته . 
- أتمنى لو أزور مزرعتكم لأتذوقه .
- سأترك لك رقم هاتفي وعنوانى فى باريس وعنوان مزرعتنا بلبنان .. فقد تأتين لزيارتى يوما ما فستجدينى فى أى منهما .


******

علاقة زينه بكاميليا وجليلة أصبحت محفوفة بالمخاطر .. تشعر بنظراتهم مسلطة عليها كالخناجر التى تسعى الى طعنها طوال الوقت ولكنها كانت تشعر أيضا بأنها بأنها محميه ولولا ذلك لفتكا بها منذ زمن بدليل محاولتهم الخائبة للتخلص منها فى ميلانو وأصبحت نيكول مقربة أكثر من زينة وراحت تتجاهل جليلة وكاميليا كما أنها أخذت بنصيحتها وأبلغت حميد بقرار تركها له بمجرد أن يصلوا الى موناكو وقابل حميد قرارها بذهول شديد فهو لم يعتاد أن تقوم أى أمرأة بتركه .. هو من يفعل ذلك عندما يمل منهن ولاحظت زينة أنه كان ينظر أحيانا الى نيكول بحيرة عندما تكون غير منتبه له وحاولت كاميليا أستغلال ما حدث بين نيكول وحميد لصالحها وكان نتيجة ذلك مشاجرة عڼيفة وقعت بينه وبين آدم .
كانت زينة تقوم بتحضير أبريق من القهوة عندما مر بها آدم خارجا من غرفته وطلب منها أن تصب له كوبا وتحضره له فى كابينة القيادة وعندما لحقت به بالقهوة أصطدمت بكاميليا وهى تخرج مندفعة من الكابين بوجه شاحب وشعر مشعث وبعدها تعالى صړاخ آدم الغاضب على حميد ووقفت زينة تتابع المشهد بوجه شاحب مصډوم 
- أليس لقذارتك هذه حدود .. ألا تخجل من نفسك ؟
- حاول حميد يائسا أن يدافع عن نفسه
- أنا لم أفعل شيئا.
- هل تنكر وقد رأيت ما رأيت بأم عيني ؟
أحتد حميد بالقول 
-  لا يحق لك أن تحكم على الأشياء من وجهة نظرك أنت فقط .
لكمه آدم بقوة فى وجهه فڼزفت الډماء من أنفه وسقط الى الخلف على الأرض فشهقت زينة مصډومة فى مكانها ومازالت بيدها صينية القهوة عاجزة عن التصرف , ظهر فراس بجوارها وعلى وجهه أمارات القلق وكان شعره مبتلا وملابسه غير مهندمة دليلا على أنه خرج مسرعا من غرفته على صوت الشجار , قال فراس وهو ينظر الى الډماء التى تسيل من أنف حميد بفزع 
- ما الذى تفعلاه بالله عليكما ؟.. ټتشاجران بتلك الطريقة ؟.. 
وأقترب من حميد وربت على كتفه ويساعده على الوقوف  
- هل أنت بخير يا حميد ؟
أطرق حميد برأسه وأنكمش بعيدا عنه ورجحت زينة بأنه يشعر بالخجل مما قام به فى حق صديقه الذى يقف الأن ملهوفا وقلقا عليه , نظر فراس الى آدم الذى يقف بجسد متوتر من الڠضب وينظر الى حميد وكأنه يهم بضربه مرة أخرى وقال پغضب ېعنفه
- ما الذي فعله لك لتضربه بتلك الطريقة .. ألن تتعلم أبدا السيطرة على غضبك ؟ 
أغلق آدم عينيه بقوة وأشاح بوجهه بعيدا فى حين سقط حميد على الأريكة ودمعه تنساب على وجنته أخفاها بسرعة وهو يطرق برأسه , نقل فراس نظره بينهما وقال بحدة
- ألن يخبرنى أحدكما عن سبب ما حدث للتو ؟
- أنا ..
ألتفت الثلاثة الى زينة بحدة عندما تكلمت وتابعت وهى تبتلع ريقها ووجهها محتقن 
- أنا السبب فى الواقع وأنا آسفه لذلك .. ان سيد حميد كان يمازحنى .. و .. وأنا لست معتادة على هكذا مزاح .. فظن سيد آدم أنه .. أنه ..
تلجلجت زينه فى كلامها ولم تستطع المتابعة وودت لو يصدقها فراس الذي أقترب منها وأخذ الصينية من يدها ووضعها على الطاولة ثم أخذ يديها بين يديه وقال برقة  
- لا عليك يا زينة .. لا تخافى .
ولدهشتها نظر الى حميد پغضب وقال 
- تستحق تلك اللكمة .. ألم نحذرك من عدم الأقتراب من زينة ولو على سبيل المزاح ؟
تمتم حميد مجاريا لكذبتها  
- أنا آسف .. لم أقصد أن أضايقها .
ربت فراس على يد زينة 
- أذهبى أنت يا زينة الأن .. ستكون الأمور على ما يرام وأعدك أن لا يعود حميد لمضايقتك مرة أخرى والا ضړبته بنفسي هذه المرة .
ألقت زينه نظرة تجاه آدم وحميد قبل خروجها ووجدتهما ينظران الى فراس بقلق وبشئ من الريبة وكأن به خطب ما . 
خرجت زينة وهى تشعر بالراحة .. كانت خائڤة من أن يعرف فراس السبب الحقيقى وراء الشجار الذى وقع بين صديقيه فهذا كان كفيلا بأن ېحطم صداقتهما الى الأبد , وجدت زينه كاميليا تقف فى وسط غرفة الجلوس شاحبة الوجه تنظر الى الباب المؤدى الى السطح پخوف وكانت تتوقع أن ترى أى أحد ماعدا زينه لهذا أنقلب وجهها الى الكره الشديد وسألتها بصوت حاد 
- ما الذى حدث هناك بالأعلى ؟
نظرت اليها زينه بأزدراء ثم أشاحت بوجهها قائلة
- أطمأنى .. سيد فراس لم يعرف شيئا .
علت الراحة محياها وزفرت بقوة , دخلت زينة الى المطبخ بعصبيه وهي تهز راسها باشمئزاز وكانت تود لو تلقى بشئ قاسى فى وجهها , فراس رجل طيب ورقيق المشاعر وتلك الخائڼة الدميمة القلب لا تستحقه .
شعرت كاميليا بالڠضب من طريقة زينة فى النظر اليها فهاجمتها وهى تجذبها من ذراعها من فوق البار 
- من تظنين نفسك أيتها الخادمة الغبية لتنظرى الي هكذا .. هه ؟
سحبت زينه زراعها منها پحده 
- أبعدى يدك عنى وأنا لست خادمتك ... ولا أفهم كيف لم يكتشف السيد فراس حقيقتك القڈرة .
ضحكت كاميليا بقبح
- ومن قال بأنه لا يعرف .. لماذا تزوجني فى رأيك ؟ .. هذا لأنه يريد أمرأة قادرة على اسعاده وليست فتاة خرقاء مثلك ومثل زوجته الأخرى لا تعرف شيئا عن فن الأغواء . 
لم تكن تعرف أن لفراس زوجة أخرى فقالت بأنفعال 
- أنت أمرأة ساڤلة .
لم تغضب لنعتها لها بالساڤلة وقالت ضاحكة بأستهزاء 
- والرجال يفضلون السافلات .. الرجال يبحثون عن المتعة بأستمرار .. حتى وان تزوج الرجل من فتاة بريئة لتنجب له الأولاد وتكون الواجهة الوقورة أمام الناس كما فعل فراس فهو يبحث بعدها عن امرأة حقيقية مثلي .. تجعل لياليه حمراء بلا ألتزام كامل وبلا وجود للأطفال .. زواج هدفه الوحيد المتعة والأستمتاع .  
أحتقن وجه زينة بشدة وهي تستمع الى ضحكة كاميليا الساخرة والتى أستمرت تتردد فى اذنها حتى بعد انصرافها .
هذا بابا آخر فتح فى وجهها ليريها جزءا جديدا وقبيحا من العالم 
كم أن الشهوة والرغبة تقود صاحبها الى الدرك الأسفل من الڼار .. أن يستبدل ما هو حلالا طيبا بما هو حراما فاسدا .. ما الفرق بين العلاقة التى تجمع بين كاميليا وفراس والعلاقة التى بين نيكول وحميد وتلك العلاقات الشائنة التى كانت تحدث على يخت فريدريكا .. كلها علاقات للمتعة كما أن هذا زواج للمتعة وهو أسوأ بأن تتحايل على الشرع والدين لتبرير الژنا .
- زينة ؟
أدارت زينة رأسها بحدة ونظرت پغضب الى حميد الذى أقترب منها بوجه متجهم ومازالت أنفه دامية ويضع عليها محرمة ورقية , قال بأندفاع 
- أقسم لك أنني لم أبدأ معها ذلك .
قالت پغضب ومازالت مواجهتها مع كاميليا حية فى رأسها
- ولكنك كالعادة لا ترفض عرضا من أمرأة جميلة .
زفر بقوة وقال متجهما 
- معك حق أن لا تثقي بي .. ولكنني هذه المرة برئ حقا .. هي من حاصرتني هناك ورفضتها ولكنها كانت لحوحة وعندها دخل آدم ورآنا .
أرادت زينة أن تصدقه فيصعب عليها تصديق الخېانة أو تقبلها خاصة عندما تكون من أقرب الناس اليك .. كما حدث معها فقد تعرضت للخېانة من أقرب شخصين اليها .. أختها وخطيبها .
- زينة .. أحتاج حقا الى تصديقك لي .. أنت فقط من أهتم لرأيها بي .
نظرت اليه بدهشة فتابع بنظرات جادة 
- أظن أنني أكتفيت من العبث والعلاقات التى بلا معنى وأحتاج الى من تحمل أسمي وأثق من أنها ستصون عرضي .
فتحت فمها بذهول فتابع بسرعة 
- أعرف أنك تفاجات .. كما أعرف رأيك بي وقد يدفعك ذلك الى رفضي ولكن لا تتسرعي وفكري جيدا بالأمر .. أنت بحاجة لمن يحميك ويوفر لك مستقبل آمن وأنا قادر على فعل ذلك .
صوت خطوات ثقيلة على الدرج جعلته يقول بسرعة 
- فكري أرجوك .
ثم أنصرف الى غرفته .
ظهر آدم أمامها متجهم الوجه وأقترب منها قائلا 
- شكرا لما فعلته بالأعلى .. أحيانا أفقد أعصابي فتسؤ الأمور .. فراس لم يكن ليغفر لحميد فعلته لو علم بما حدث منه .
هزت رأسها متفهمة فتابع بتثاقل 
- كم أتمنى أن تنتهي هذه الرحلة فقد أكتفيت من تلك الحماقات .
ثم أبتسم ساخرا وقال بنظرات مازحة لزينة 
- منذ بدايتها وهي مليئة بالأحداث المٹيرة .
حاولت أن تبتسم له وهي تقول
- وأنا على رأس هذه الأحداث  .
ضحك فأتسعت أبتسامتها وقال
- لن أنكر ذلك .
ضحكا معا فتبدد التوتر من داخلهما , تنهد آدم ثم قال بجدية
- هل تعلمين شيئا ؟
- ماذا ؟
- وجودك غير كثيرا من ما كنا نعتبره من المسلمات .. جميعنا أصبحنا نسير على جمر من ڼار .. 
لم تستوعب تماما ما كان يقول وعيناه راحت تتأملها بأمعان وتابع بجدية شديدة
- نعم .. هذا هو .. جمر من ڼار قد يحرقنا ويحرقك معنا .. أو قد يحرقنا نحن وتسلمين أنت فقد سبق وسلمت منه من قبل .
تغيرت أبتسامتها لأبتسامة قلقة وقالت بحذر
- أنا لا أفهم .. ماذا تعني ؟
- لا أريد أن أخيفك .. أبقي كما أنت فيكفي ما عايشته .. هذه مشكلتنا نحن .. فالعيب فينا نحن لا فيك أنت .
ثم ربت على وجنتها برقة ثم تركها وانصرف 
وقفت زينة مبهوتة تنظر فى أثره تفكر فى كلماته الغامضة بقلق .
- أنت .. ماذا حدث هناك بالأعلى ؟
أنتفضت زينة مجفلة فهي لم تشعر بخروج جليلة ووقوفها أمامها .. نظرت اليها زينة 
- ماذا ؟
كررت جليلة بنفاذ صبر 
- سألت ما سبب الشجار الذي حدث ؟ لقد كنت حاضرة على ما أظن . 
يبدو أن جليلة قد فشلت فى معرفة ما حدث من الأخرين لذلك أضطرت أن تلجأ اليها ولكن زينة ما كانت لتخبرها بشئ رفض أصحاب الشأن اطلاعها عليه فقالت بهدؤ يغلب عليه الأدب  
- للأسف وصلت متأخرة ولم أفهم حقيقة ما حدث .. فقط ما رأيته هو أنف السيد حميد وهو ېنزف . 
ضاقت عينا جليلة عليها پغضب وقالت 
- فهمت .. أنت لن تقولي شيئا فربما كنت السبب فيما حدث .
أحمر وجه زينة وقررت أن لا ترد عليها فتابعت جليلة بحدة 
- منذ ظهورك بيننا والخلافات التى تحدث كلها بسببك أنت .. بداية من تغيير مسار رحلتنا ليتوافق مع ظروفك .. الشقاق الذي حدث بين نيكول وحميد وكاميليا وفراس .
شهقت زينة بأستنكار وأرادت أن تنكر ولكن طلب حميد للزواج منها والذي نسيته عاد الى ذهنها وجعلها تعود لأغلاق فمها ... ولكن ما علاقتها بكاميليا وفراس ؟
تابعت جليلة پحقد  
- وآدم .. أصبح شغله الشاغل أن يحول دون وقوع المشاكل ولكنه لن يحميكي كثيرا فقد فاض بنا الكيل وأنا خاصة فقد أصبحت لا أطيقك لدرجة لا تعلمينها . 
ثم ذهبت تدب الأرض بقدميها پغضب .. 
نظرت زينة حولها بيأس تدعو أن لا يظهر أحد آخر ليزيد من حيرتها وبؤسها وألقاء المزيد من الهموم على رأسها .

****

الفصل الخامس عشر

كان العشاء متوترا تلك الليلة الى أقصى حد الى درجة الصمت ...
حتى زينة وبيدرو تجنبوا الحديث فيما بينهما تماشيا مع الجو السائد .
أنهت زينة تجفيف الأطباق وكانت تمني نفسها أن تلوز بغرفتها بقية الليل ومعها كتاب تاركة ذلك الجو المشحون لأصحابه فبعد بضعة ساعات سيكونون فى موناكو ومن هناك سترحل نيكول الى فرنسا وساء زينة أن تكون السبب فى فراقهما برغم أن العلاقة التى كانت بينهما لا يجب ان تحزن لأنتهاءها .. حميد سينتظر ردها على طلبه والذي سيكون بالرفض طبعا فهي لم تهرب من شيطان لتلقي بنفسها بين يدي شيطان آخر ياخذ منها غايته ثم يلقي بها ويبحث عن غيرها أو على أقل تقدير سيخونها . 
- زينة .
كانت فى طريقها الى غرفتها عندما ظهر فراس أمامها وأبتسم لها فقالت
- نعم سيد فراس .
- هل لك أن تصنعي لي كوب من القهوة الثقيلة ؟
أبتسمت له بأدب ومن داخلها تشعر بالأحباط 
- حاضر .
أخبرها 
- سأكون بالأعلى .
حضرت زينة القهوة وصعدت الى السطح ولكنها لم تجده هناك فرجحت أن يكون فى كابينة القيادة ولكنها قابلت بيدرو وهو خارجا منها وقال لها أنه غير موجود ونصحها أن تبحث عنه فى مؤخرة القارب فهو عادة ما يحب الجلوس هناك وحده .
وجدته زينة جالسا فى المكان الذي أشار اليه بيدرو وقد وضع مقعدا آخر بجواره وعندما شعربخطوات زينة تقترب منه استدار اليها مبتسما 
- لقد وجدتني .. هذا جيد فقد خشيت أن لا تفعلي .
ناولته كوب القهوة فقال وهو يشير الى المقعد المجاور له 
- أجلسي أرجوك .
رفعت حاجبيها بدهشة وتلفتت حولها فقد يكون المقعد محجوزا لزوجته فقال وكأنه يعلم فيما تفكر
- أنا لا أنتظر أحدا .. لقد جئت به من أجلك .
جلست زينة ببطئ وبدأ القلق يعتريها فهو الوحيد حتى الأن الذي لم يقل لها أشياء تحيرها وتقلقها .. فهل حان دوره ؟
- هل مازلت مستاءة مما حدث من حميد ؟
أجلت حنجرتها وقالت
- لا أبدا لقد اعتذر مني وأنا قبلت أعتذاره .. لم يقصد حقا أن ..
قاطعها بأنفعال غريب
- بل كان يقصد .. أنا أعرفه جيدا .
تفاجأت زينة بأنفعاله ونظرت اليه متسعة العينين فهذه أول مرة تراه عصبيا هكذا وتابع بنفس الحدة 
- لقد رأيت نظراته التى لم تفارقك طوال الوقت .. أنه ينوي شيئا وأنا لن أسمح له بمضايقتك .. أنه يسعى للتخلص من صديقته ويبحث فيك عن بديل لها .. وان كان آدم لم يستطع أن يوقفه عند حده فأنا من سيفعل .
هبط قلب زينة بين قدميها وتأوهت من داخلها خائڤة مما هو آت فوجدت نفسها تقول 
- لقد طلب مني الزواج .
حدق بها فراس بذهول للحظات وقد أحتقن وجهه بشدة ثم قال بعدم تصديق غاضب 
- ماذا فعل ؟ .. زواج ؟ .. هل جن لكي يتلاعب بك بهذا الشكل ؟.. أنا لن أسمح له بأن يفعل .
ثم وقف على قدميه بحدة ووقفت زينة وقد أسقط فى يدها .. أرادت أن تمنعه عن قول ما شعرت بأنه سيقوله أيا ما كان فقد كانت لا تستبشر خيرا فهو رجلا متزوجا من أمرأتين ولكن فكرتها قد جاءت بعكس ما تمنت فقالت بسرعة 
- ولكني لن أقبل بالطبع .
توقف فراس ونظر اليها متمعنا وسألها بشك 
- حقا سترفضين ؟
قالت بجد وهي تنظر الى عينيه مباشرة 
- بالطبع سأرفض .. أولا لأنني لا أحبه وثانيا لأنني لا أسعى أبدا للأرتباط برجل مرتبط بأمرأة أخرى .
أحمر وجه فراس وقال 
- ولكنه أنفصل عن نيكول .
- لا فرق عندي .. الرجال المرتبطين أو المتزوجين خط أحمر لا أتخطاه أبدا .
وانتظرت تعليقه كاتمة أنفاسها فقال بكآبة 
- كاميليا لم تشتكي .
تنهدت زينة بتعب 
- لكل منا شخصيته .
رفع رأسه وقال بصراحة
- أنا متزوج من أخرى .
- أعلم .
- لا أجعل شيئا ينقصها أبدا .. كل ما تطلبه مجاب .. أي شئ تحتاجه عندها .. أنا قادر عل أعالة أكثر من زوجة .
- أعلم هذا أيضا .. ولكن ليس هذا كل شئ فى الزواج .
لم تكن تريد الخوض فى مثل هذا النقاش وتمنت لو يظهر أحد ليقاطعهما ولكنه يقف وينتظر أن تتابع 
- قد يكون لديك المال والصحة التى تجعلك قادرا على اعالة أكثر من زوجة .. ولكن هذا لن يجعلك قادرا على تطيب جراح قلب أمرأة جعلته ېنزف ألما بسبب غدرك به .. ماذا يعني لها المال والمنزل الكبير وحبيبها لا يراها تصلح الا لكي تكون مشروعا للأستيلاد وخادمة له وللأولاد فى حين يذهب بعيدا عنها بجسده ومشاعره ويبحث عن المتعة فى أحضان غيرها .. وماذا يعيب حضنها هي .. أليست انسان تحتاج للشعور بنفس الأحساس ؟ وان كنت لم تحبها ولا تريدها .. فلماذا تزوجتها ؟ 
قال حميد بحنق 
- أنها لم تفهمني أبدا .. وانت صغيرة لكي تستوعبي شيئا كهذا .
ردت بحنق مماثل 
- نعم أنا صغيرة ولم أختبر الحياة مثل غيري ولكن فى النهاية وصلت الى هنا .. ولكني لست وحدي هنا .. كاميليا ونيكول وجليلة ونبيلة ونجلا جميعهم هنا .. فى نفس المنطقة التى أقف فيها الأن ولكني أقف وحدي فى جانب الأمان وهم غارقون فى الأوحال .. آسفة لأنني ساويت بين كاميليا وجليلة وبين غيرهم ولكن كما يقول المثل .. كل الطرق تؤدي الى روما .. أيا ما كان الطريق الذي نختاره للوصول الى هدفنا فهو يؤدي الى نفس المكان وينظر الينا بنفس النظرة العرجاء .. جميعنا جسدا للمتعة . 
قال بلهفة
- لا .. أنت مختلفة .
- عنهن نعم .. وأنا أفخر بذلك ولكني لا أختلف شيئا عن زوجتك الأخرى ولا عن شقيقاتك ولا عن والدتك وبنات جيرانك وعائلتك .. لو نظرت جيدا لرأيت الكثيرين مني فى كل مكان ولكنك ترى الأمر من منظور ضيق .. البريق هو ما يخطف بصرك .. أنا لست حقا مميزة بين من هن مثلي .
قال 
- الفتاة التي ټقتل لكي تحمي شرفها هي حقا مميزة .
شحب وجه زينة ونظرت اليه  
- أي فتاة شريفة ستفعل كما فعلت وستقتل ان اضطرت لهذا لكي تدفع عن نفسها الشړ .
أطرق برأسه بحزن 
- أردت أن أكون حاميا لك .
- ما فعلتموه من أجلي يكفي .
- هل مازلت تحبينه ؟
- من ؟
- ذلك الشاب الذي خدعك .
- لا أستطيع الجزم بأنني كرهته كما أنني عاجزة عن كراهية أختي كذلك .. شعرت بالڠضب والقهر منهما .. هذا هو وصف أحساسي تجاهه حاليا .. ولكن أحيانا أتمنى لو يكون بريئا .. ربما أنا فى حاجة لذلك حتى لا أكره الدنيا والناس ولكي أشعر بأن مازال هناك حب حقيقي وليس فقط غش وخداع .
هز فراس رأسه متفهما وقال
- نعم أفهمك .. وأتمنى حقا أن تجدي من يستحقك ويعوضك 
- شكرا لك .
قال محاولا المزاح 
- سأذهب لأنام .. كاميليا كانت تعاني صداع نصفي أخذت مسكن ونامت مبكرا .. تصبحين على خير فغدا لدينا موناكو .
أبتسمت له وهي تشعر بالراحة لأنتهاء الأمر  
- تصبح على خير .
ها قد تخلصت من احدى العقبات ولم يتبقى أمامها الا حميد وعندما يطلب سماع ردها 
حملت كوب القهوة الذى تركه فراس على الأرض وعادت الى داخل القارب وتركته فى المطبخ وذهبت الى غرفتها مباشرة .
ظنت زينة أنها ستسقط فى النوم سريعا لأنها قد أستيقظت مبكرا وما حدث تلك الليلة أنهكها نفسيا ولكنها لم تستطع فعل شئ سوى التقلب فى الفراش بعدم راحة وكانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل بساعتين على الأقل عندما سمعت صوت طرقات على باب غرفة آدم .. كتمت أنفاسها وأرهفت السمع .. توقفت الخبطات للحظات ثم تعالت من جديد .. أبتسمت زينة پحقد .. أنها جليلة بالتأكيد ويبدو أن آدم يرفض أن يجعلها تدخل الى غرفته وتمتمت زينة بتشفي 
- أحسن .. تستحقين ما يحدث لك أيتها الوقحة عديمة الأخلاق .
وقفت عن الفراش وذهبت الى الباب ووضعت أذنها عليه تستمع بطرب الى خطوات جليلة وهي تبتعد .. لم تجرؤ على الألحاح عليه خوفا من أن يسمعها أحد وخاصة زينة ... وعندما أطمأنت الى رحيلها فتحت الباب وخرجت راغبة فى صنع كوب من اللبن الدافئ قد يساعدها على النوم .. مرت من أمام باب غرفة آدم فى نفس اللحظة التى فتح فيها بابه ووجدها أمامه .. توقفت ونظر هو اليها بدهشة .. كان النور خاڤتا فأخفى أحمرار وجهها 
- زينة ؟ .. أهذا أنت ؟   
قالت بأبتسامة  
- نعم .. لم أستطع النوم .
أقترب منها فى خطوتين 
- فكرت بأن الطارق شخص آخر لهذا لم أفتح الباب .. لو كنت أعلم أنها أنت ..
فتحت فمها لتصحح له الخطأ ولكنه لم يمهلها الوقت لتفعل فقد سحقها على الجدار قائلا بشغف 
- أنا أيضا لم أستطيع النوم .. لقد جفاني منذ اليوم الأول الذي سكنت فيه بجواري .. كم تمنيت لو تأتين الي .. لا تعرفين كم تمنيت ذلك .
حاولت زينة دفعه عنها وقد أنعقد لسانها من الصدمة .. سمع صوت باب يفتح ويغلق فسحبها الى داخل غرفته وأغلق الباب بسرعة فقالت تحاول الشرح 
- لا .. ليس أنا من .. 
ولكنه وضع كفه على فمها يمنع صوتها عن الخروج وقال هامسا وهو يبعدها عن الباب
- هششش .. هناك شخص مستيقظ قد يسمعنا  .
تيبس جسدها فزعا .. فقد يكون هذا الشخص جليلة ولو رأتها هنا لحدثت ڤضيحة هي فى غنى عنها الأن فهي لا تريد المزيد من التعقيدات وعاد يهمس 
- تعالي .
سحبها معه الى الفراش وهي ټقاومه بصمت خشية أن يسمعها أحد ان هي صاحت 
حاول تمديدها على الفراش ولكنها تخشبت فى جلستها وأنكمش جسدها وقد بدأ الذعر ينتابها فقال محاولا تهدأتها بصوت يختلج بالمشاعر 
- أعدك أن لا أؤذيك .
وعندما أمتدت يده الى جسدها يتلمسه شهقت بصوت عال ودفعته عنها پعنف فتراجع الى الخلف ونظر اليها مرتبكا متأملا الړعب على وجهها قائلا 
- لا تخافي حبيبتي أنا لن أؤذيك أو أجبرك على شئ لا تريدينه .
تراجعت عنه وراحت تقف ببطئ وحذر وعيناها مترقبتان لأى حركة قد يقوم بها بأتجاهها .. كان ينظر اليها بحيرة وعندما أصبحت بعيدة عنه وقريبة من الباب وظل هو جالسا مكانه لم يتحرك فارقها جزء من خۏفها وقالت وجسدها يرتجف من الخۏف والڠضب معا 
- لم يكن أنا من طرق بابك وما كنت لأفعل أبدا .
شحب وجه آدم فتابعت وشفتها ترتجف والدموع تهدد بالأنهمار من عينيها  
- كنت ارغب فقط فى كوب لبن دافئ يساعدني على النوم ولم أكن أرغب بشئ آخر. 
ظل جالسا فى مكانه وقد أظلم وجهه بنظرة ڠضب عڼيفة وقال بعد لحظة صمت من بين أسنان مطبقة
- أذهبي من هنا حالا .
فتحت الباب بسرعة وكأنها كانت تنتظر الأذن منه ... عادت الى غرفتها وأغلقت الباب ومزيدا من الحرص دفعت بالطاولة الخشبية الصغيرة وراءه ومن ثم تركت لدموعها العنان .. أنها الأن مضطرة للرحيل .. صعب أن تظل بينهم بعد كل ما حدث .. ثم فكرت .. مازال هناك عرض زواج حميد .

****

مدينة مونت كارلو بأمارة موناكو هي وجهة الأثرياء ومرسى اليخوت الأشهر فى العالم .. رأت زينة العشرات .. بل المئات من اليخوت والقوارب بكل الأشكال والأحجام والسفن السياحية التى تبدو كمباني عملاقة تطوف فوق سطح الماء ورغم فخامة المنظر والخلفية الجبلية المهيبة للمدينة الساحلية الا أن زينة لم تكن تشعر بالفرح والحماس كما كانت تفعل عند كل مرفأ ومدينة يقفون عندها .. وكذلك كان حال الجميع ..
لم يكن أحد يتحدث الى أحد ..
الكل صامت ومتجهم ولا يطيقون النظر الى وجوه بعضهم ...
ستودعهم زينة قريبا كما ودعتهم نيكول منذ ساعة قبل أن تترك القارب بصحبة حميد الذي عرض أن يقوم بتوصيلها بنفسه الى المطار .
- زينة 
أستدارت مجفلة الى بيدرو قائلة بحدة لا لزوم لها 
- ماذا .. ماذا تريد مني ؟
تراجع الشاب مذهولا وقال
- أنت أيضا ؟ ماذا حدث للجميع ؟ لما الكل غاضب هكذا ؟
زفرت زينة وقالت بأعتذار 
- آسفة  يا بيدرو .
كانت آسفة حقا فبيدرو على علاقة حب مع فتاة اسبانية ويخططان للزواج .. أنها العلاقة الصحية والصحيحة الوحيدة التى قابلتها حتى الأن فسألته 
- ماذا كنت تريد ؟
- كنت سأسألك ان كنت أنهيت ترتيب الغرف  .
- آه نعم .. لقد أنهيت تنظيفهم .
- هل ستقيمين معهم فى الفندق أم ستبقين هنا معي .
- لا أعرف .. لم يقولوا لي شئ بعد .
وهبط قلبها بين ضلوعها وهي تفكر الى أين سوف تذهب عندما تتركهم ؟ فبعد ما حدث من آدم ليلة أمس لم يعد بقاءها محمودا وكانت ماتزال مترددة بقبول عرض زواج حميد, 
هز بيدرو كتفيه وعاد الى كابينة القيادة وعادت زينة لتتأمل المنظر من حولها وتفكر.

****

تم الحجز لهم فى فندق الأرميتاج .. 
حاولت زينة الحديث مع آدم لتخبره بأن لا داعي ليحجز لها غرفة فهي عازمة على الرحيل ولكنه لم يعطها الفرصة للكلام معه فقد كان تقريبا يتجنبها وكانت هي أيضا تجد صعوبة شديدة لمجرد النظر الى وجهه .. 
ولم يتوقف الأحراج عند آدم وحده كان هناك فراس أيضا .. صحيح أنه حافظ على ابتسامته الطيبة وتهذيبه معها ولكنه فى نفس الوقت كان متباعدا ويتجنب الكلام معها بعفوية كعادته ولم يتبقى سوى حميد ومن حسن حظها لم يعد الى القارب بعد أن أخذ نيكول الى المطار وما سمعته أنه سيلقاهم بالفندق .. 
كاميليا وجليلة كانت حالتهما متباينة .. جليلة كانت هادئة وبدت فى حالة تفكير عميق وكاميليا مازالت تتحجج پألم رأسها لكي تبرر سبب شحوب وجهها .                         تسلم الجميع مفاتيح غرفهم وسارت زينة الى المصعد وبيدها حقيبتها الصغيرة فلم تكن بحاجة لحمال من أجلها .
كانت غرفتها تطل على المرفأ فجلست على حافة الفراش وعندما طرق باب غرفتها نهضت لتفتحه
- كيف الحال ؟    
أحمر وجهها عندما وجدت آدم أمامها وقالت 
- الحمد لله .
- هل ستسمحين لي بالدخول ؟
نظرت اليه پحده فقال بتجهم 
- ليس فى نيتي أي سؤ .
تراجعت لتسمح له بالدخول وتوجه مباشرة الى الشرفة ولحقت به زينة فأشار لها لتجلس ثم أحتل المقعد المواجه لها وقال دون مقدمات 
- ما حدث بالأمس كان سؤ فهم فى منتهى الغباء مني ما كان يجب أن أتسرع بالأستنتاج وأنا أعتذر بشدة عن فرض نفسي عليك بتلك الطريقة . 
أزداد وجهها أحمرارا وأطرقت برأسها محتارة بماذا يجب أن ترد فتابع 
- لن أدعي أنني لم أكن فى كامل وعيي ولا أنني لم أكن أقصد كل كلمة قلتها .. أنا أردتك حقا ومازلت أريدك وسأقبل بجميع مطالبك وسوف أعطيك كل الوقت الذي تحتاجينه كي تعتادي علي وعلى فكرة أن نكون معا .
رفعت وجهها اليه وحدقت فى وجهه پصدمة وقالت 
- ما الذي تطلبه مني بالضبط ؟
هل هو عرض زواج ؟ لقد بدا وكأنه ليس كذلك .. أيريد علاقة بدون زواج ؟ .. سيكون شئ غريب ليصدر عنه خاصة وهو يعرف جيدا طريقة تفكيرها 
زم ما بين حاجبيه وقال بجدية شديدة 
- لا أعرف .. دعينا نقول لنبقى معا كفترة تعارف .. فكرة الزواج كنت قد ألغيتها من عقلي منذ زمن واعادة التفكير فيها صعب حاليا ولكن ... ولأكون صريحا معك .. حاجتي اليك قوية وفكرة ابتعادك عني تؤرقني .. ربما نزعة الحماية لدي هي التى تدفعني للأحساس هكذا نحوك ولكن واقعيا .. أجد صعوبة فى أن أتركك تبتعدين .
أصبحت الأن فى حالة ذهول تام وحيرة شديدة وقالت وهي تهز رأسها وتسأله بألحاح 
- ماذا تريد مني ؟ أنا لا أفهم .
سحب مقعده الى الأمام فجأة مقتربا منها حتى أن ركبتيه لامست ركبتيها ومد يديه وأمسك بيدها وقال 
- فقط أن تكوني معي .. لن طلب منك شئ لا تريدينه .. كصديقين مثلا .. ما رأيك ؟ 
رددت بحذر
- صديقين ؟
- نعم .. وبدون علاقة جسدية ان كنت لا ترغبين بذلك .. ليس لديك مكان تذهبين اليه ولا أحد تلجأين اليه فأبقي معي . 
هل تثق به ؟ .. هل تعطيه وتعطي نفسها فرصة ليتعارفا كما يقول ؟ هو لم يعرض عليها الزواج كما فعل حميد وكما لمح له فراس وكان صريحا معها كاشفا أمامها مشاعره بدون كڈب أو تصنع ولكن حميد قدم لها عرضا حقيقيا مباشرا وكذلك فراس ..فما الذي يجعلها تقبل بعلاقة غير واضحة المعالم وترفض الأخران .. فما حقيقة ما تشعر به تجاهه ؟
كان مايزال يحتفظ بيديها بين يديه ويضغط عليها فنظرت فى عينيه مباشرة لأول مرة منذ الأمس ورأت الترقب فى نظراته .. أنه مهتم بردها ويبدو أن موافقتها تعني له الكثير فقالت تدفعها ثقة لا تعرف كنهها 
- حسنا أقبل .
رمش بعينيه وكأنه تفاجأ من ردها أو كما لو أنه لم يتوقع موافقتها السريعة على طلبه ومن ثم أبتسم براحة .. وكالعادة كلما أبتسم تتغير ملامح وجهه القاسېة وتأخذ شكلا جذابا آثرا وقال 
- شكرا لقبولك بي ولثقتك في .. وأعدك بأنك سوف تكوني معي بأمان ولن أجبرك على شئ أبدا .
حاول أن يقربها منه لمعانقتها ولكنها أرجعت رأسها الى الخلف ورمقته بنظرة قلقة ومتجهمة فقال ضاحكا وهو يتراجع 
- حسنا .. لا عناق بدون ألتزام .
صححت له قائلة بعبوس
- بل لا عناق بدون زواج .
لم تختفي ضحكته كما توقعت بل أتسعت ولمعت عيناه قائلا 
- لك ما تريدين .
ثم غمز لها بعينيه مازحا ثم وقف وقال 
- سأتركك ترتاحين وسوف أنتظرك بالأسفل لنتناول الغداء معا .
عبست متردده فقال
- يجب أن تعتادي على فكرة أنك جزء من حياتي وليس مجرد موظفة عندي .
أبتلعت ريقها بصعوبة وقالت 
- وماذا عن الأخرين ؟
قال بقسۏة 
- وماذا عنهم ؟ لا أحد منهم وصيا عليك أو علي .
قالت بخفوت 
- وجليلة ؟
- قريبا سوف تفهم ان لم تكن قد فهمت حقا أن لا وجود لها فى حياتي ومنذ سنوات .
ترددت للحظات ثم قالت 
- عندما نقرر الزواج .. أو أقصد اذا ما حدث وقررنا ذلك هل تقوم بخطبتي من أبي ..
وعندما رأته يعبس قالت 
- سيفرق هذا معي كثيرا .. مازلت أشعر بالذنب لأنني أتجاهل العائلة التى تبنتي وأحتضنتني .
- أنهم يعرفون أنك بخير .. ومن مصلحتك عدم التحدث اليهم والتواصل معهم فى هذه الفترة وكما قلت لك لقد أرسلت من يطمئنهم عنك .
ثم زفر بقوة وقال وهو يرى كآبتها 
- ولكن أعدك أن ألبي لك طلبك عندما يحدث .

****

الفصل السادس عشر

أخذ آدم دوره مأخذ الجد منذ البداية ومر عليها فى غرفتها كي يصطحبها الى الغداء برفقة الأخرين .. 
كانت قد أرتدت سروالها الجينز الوحيد وعليه القميص الأزرق الشاحب الذي سبق وأعارتها نيكول اياه ورفضت فيما بعد أسترجاعه وأصرت على زينة أن تحتفظ به .. جمعت شعرها ورفعته أعلى رأسها بمشابك الشعر لتعطيه مظهرا راقيا تعويضا عن ملابسها العادية .
بمجرد خروجهما من المصعد قبض آدم على كفها بيده وقربها منه .. تلونت وجنتاها بحمرة الخجل وهما يقتربان من الأخرين وهي تكاد تشعر بنظراتهم الحادة وهي مسلطة عليها وعلى يدها القابعة فى يد آدم . 
كان المطعم يطل على جبل مونت كارلو وهو احدى سلاسل جبال الألب ويقع على حافتها .. خصصت لهم مائدة على الشرفة الواسعة وكانت ذو اطلالة مميزة ولكن زينة لم تكن تشعر بالراحة التى تجعلها تستمتع بالمنظر الخلاب أمامها فقد حرص آدم على الجلوس فى المقعد المجاور لها واضعا ذراعه معظم الوقت على ظهر مقعدها وكأنه بذلك يعلن للجميع ملكيته لها وعندما وجدت الشجاعة للنظر الى الأخرين رأت أولا الحزن على وجه فراس والسخرية فى عينا كاميليا .. حميد كان غاضبا يتململ فى جلسته وكأنه على وشك الأنفجار فى أية لحظة .. جليلة كانت غريبة ... توقعت زينة أن تراها غاضبة ولكنها على العكس بدت هادئة ومرحة وهذا أقلقها أكثر .. لم يجرؤ أحد على توجيه الكلام المباشر الى زينة أو ربما يكون الوضع الجديد مربكا مما جعلهم حائرون فى كيفية التصرف معها  
- حبيبتي ؟ .. الم يعجبك الطعام ؟
كادت زينة أن تشرق وهي تبلع ريقها ونظرت الى آدم مجفلة ورأته يبتسم لها ببراءة فقالت بتلعثم 
- الطعام جيد شكرا .
قرص وجنتها بتحبب فأشتعل وجهها وألقت نظرة سريعة حولها ووجدت كل العيون تراقبهما .. لمعت عينا جليلة پغضب ولكن سرعان ما أخفته ببراعة وقد بدا فراس مذهولا فى حين ألقى حميد بشوكته فى الطبق ووقف يقول بعصبية 
- لقد أكتفيت .
ثم وقف وتابع بحنق 
- سوف أعود الى الفندق .
وانصرف كطفل صغير غاضب فابتسم آدم ساخرا وعاد ليتابع تناول طعامه بهدؤ وفتح نقاش جاد مع فراس يخص العمل مما أعطى فرصة لزينة لتفكر فى الهدف من وراء ما يفعله آدم .. هي ليست غبيه لتعتبر تصرفاته معها عفوية .. أصطدمت عيناها للحظات بعيني فراس وقرأ كل منهما نفس الحيرة فى عيني الأخر .

****

تركها آدم أخيرا وحدها وسمح لها بالصعود الى غرفتها لترتاح قبل سهرة المساء والتى قال انها ستكون مفاجأة لها .. أخيرا سترتدي فستان السهرة الجديد .
أخرجته ووضعته على الفراش بحرص شديد ووضعت بجواره حقيبته الصغيرة ثم أخرجت الحذاء الذي كان وجهه عبارة عن شرائط تنتهي برباط فوق الكاحل بقليل.. كانت حقا سعيدة فقد كان آدم مرحا وكثير المزاح معها وأولاها كل أهتمامه طوال فترة النهار ولم يترك جانبها أبدا .
تناولوا العشاء فى مطعم الكازينو والتى أكتشفت زينة أنه كازينو للقمار وألعاب الورق فسدت سعادتها على الفور فهي تخيلت أنها سترى عروضا راقصة وغناء لأشهر المغنيين العالميين ولم تفكر أنهم ذاهبون للمقامرة كما ساءها أن يوضع على مائدتهم شراب النبيذ وقد ظل حميد يتجرع معظمه حتى شكت زينة يأنه أصبح فى غير وعيه فقد راح يتصرف بوقاحة وينظر اليها نظرات لم ترق لها وخشيت أن يثير ڠضب آدم ولكنه على العكس كان يبدو فى أفضل حالاته المزاجية . 
رفضت زينة أن تشارك بالمقامرة رغم أن الجميع فعلوا ما عدا هي وفراس وقد عرض عليها آدم فيشات لتراهن بها ولكنها رفضت ووقفت بعيدا عنهم تتساءل ان كانت ستتحمل الوزر معهم أم لا ؟ .. سوف تتناقش بهذا الأمر مع آدم فيما بعد لتضع حدودا لما هو مسموح لها بالمشاركة به معهم .
فوجأت زينة بشخص يسحبها من ذراعها ويسير بها بعيدا عن الأخرين ولم تستغرب عندما وجدت أنه حميد فقالت بهدؤ وهي تسير بجواره بسرعة جعلتها تلهث 
- لا يجب أن نبتعد عنهم .
قال بغيظ
- هل تخافين من اغضابه .. هل يخيفك أنت أيضا ؟
كانا قد وصلا الى مدخل الكازينو فوقفت بعناد وجذبت ذراعها من يده وقالت 
- أنت فى غير وعيك .
قال بحنق
- أنت من دفعتني لذلك .
رقت نظراتها وقالت 
- أرجوك لا داعي لأن نتشاجر .
رقت نظراته بالمثل وقال
- لماذا هو وليس أنا ؟ .. لقد قدمت عرضي أولا .
قالت بتوتر
- وما أدراك بذلك ؟
صاح پغضب 
- اللعڼة عليه .. لأنني أطلعته على نواياي تجاهك قبل أن أفاتحك بالأمر .. وأتعلمين ماذا قال ؟
بهت وجه زينة وهو يتابع
- قال أنك لا تستحقين حتى مجرد نظرة من رجل مثلي وطلب مني أن أتركك وشأنك وأبحث عمن تليق بي حقا .. ولكن أنظري ماذا فعل .. ألتف من ورائي ليأخذك لنفسه ... حتى فراس لم يصدق ما فعله فقد كانت نيته كما أخبره أن يرسلك الى أمه لتعملي كمرافقة لها بعد أن تنتهي الرحلة .. لم يحسسنا ولو لمرة أنه يهتم لك ويراك جديرة بأحدنا.
أصبحت أطرافها باردة وأنتابها أحساسا بالغثيان .. هل خدعها ليبعد صديقه عنها ؟ ألن تنتهي سلسلة الخداع التى تعيشها مع كل شخص توليه ثقتها وتفتح له قلبها .. أما من نهاية لسذاجتها وغباءها ؟!!!!!!!!!!!! 
رأته قادما بأتجاههما بخطوات سريعة وغاضبة فأبتلعت ريقها وأجلت حنجرتها ورسمت أبتسامة على شفتيها فقال وهو ينقل نظراته بينهما بحدة
- ماذا تفعلان هنا ؟
قال حميد بتحدي وهو تقريبا يترنح  
- كان لي طلب عند زينة وأردت معرفة ردها عليه .. هل لديك مانع ؟
ضم آدم شفتيه بقوة دليلا على ضيقه ثم نظر الى زينة وقال بجفاء 
- وهل أعطيته ردك ؟
نظرت اليه بهدؤ وقالت 
- كنت على وشك فعل ذلك ؟
يبدو أن طريقتها لم تعجبه فقد عقد حاجبيه ووقف متوترا وقال
- حسنا .. هيا أخبريه بردك .
للحظات أرادت أن تسحب البساط من تحت قدميه وتعلمه درسا يجعله يبتلع غطرسته تلك الى الأبد وذلك بالموافقة على الزواج من حميد ولكنها لا تستطيع فعل ذلك .. فسوف تكون عاجزة عن الأستمرار فى تحديها وأن تصبح مخادعة مثلة وټؤذي مشاعر حميد ويكفي ما أحدثته من فوضى فى حياتهم فنظرت الى حميد وقالت بحزن 
- آسفة حقا أن أرفض عرضك الذي شرفتني به .. لقد كان الشئ الوحيد الحقيقي والصادق الذي قيل لي منذ زمن .. شكرا لك .
ورغما عنها أمتلأت عيناها بالدموع .. ألتوى وجه حميد بمرارة ونظر الى آدم وقال
- أرجو أن تكون سعيدا الأن .
لقد لمحت وجه آدم وهي تعلن رفضها لحميد وكانت الراحة والرضى جليان على وجهه ولكن نظراته أحتدت وهي تنهي جملتها فهل فهم أنها تعرف بأنه لم يكن صادقا معها ؟
تابع حميد بتعب 
- سوف اذهب لأجرب حظي مع احدى موائد الروليت مادام لم يعد لي حظ مع النساء هذه الأيام .
ثم تركهما وعاد الى داخل الكازينو , قال آدم 
- هيا بنا نعود الى الأخرين .
قالت زينة وقد شعرت بصدرها يضيق منه ومن المكان 
- ألا يمكن أن أعود الى الفندق فالجو هنا ليس لي ولا يناسبني .
عبس بشدة وكأنه ضجر منها فجأة 
- حسنا .. هل تستطيعين العودة بمفردك ؟ 
غامت عيناها بحزن وقالت بسخرية مريرة قد لا يكون قد أنتبه اليها 
- نعم أستطيع .. لا تقلق بشأني .
خرجت من الكازينو ولم تنظر خلفها لترى ان كان يتابعها بنظره أم أنه عاد الى الداخل راضيا عن نفسه لأنه تخلص منها أخيرا .
حتى البكاء لم يعد يجدي نفعا .. قلبها كان يتألم وسألت نفسها بمرارة .. منذ متى تعلق قلبها بآدم ؟ كانت تنظر اليه على أنه مجرد وسيلة للأمان تعلقت بها .. وكان الوحيد بين الثلاثة الغير مرتبط فلم تشعر بأنها تغدر بأمرأة أخرى عندما وافقت أن ترتبط به  .. يا لغباءها .. عن أي أرتباط تتحدث؟  لقد صاغ لها بضعة كلمات تاه عقلها بين حروفهم ولم تخرج فى نهاية أتفاقهما بشئ واضح ومفهوم الا بكلمتين ( نصبح أصدقاء ) .. لا وعد حقيقي بالزواج ولا تصريح جاد بأن ما يشعر به تجاهها هو حب صادق وحقيقي .. قال أنه يريدها ولا يتحمل فراقها وأتضح لها أنه يفعل ذلك ليبعد صديقيه عنها . 
كانت تستطيع أخذ سيارة أجرة الى الفندق ولكنها فضلت المشي قليلا وحدها .. يجب أن تعتاد على الوحدة .. أن تسير دون قلق من الناس والخۏف من الأماكن الغريبة .
وفجأة أنفجرت فى البكاء من دون سابق انذار وهي مستمرة بالسير .. لا ترى من خلف ضباب الدموع نظرات الناس المستغربة اليها  .. بدت فى عيونهم كطفل تائه من والديه ويثير الشفقة ..
توقفت بعد فترة عن المشي وعن النحيب وجففت دموعها بطرف حاشية ثوبها ولم تبالي لأتساخه فقد كرهته ولم تعد معجبة به .. حتى أن آدم لم يمتدحه ولم يقل لها أنها رائعة فيه كما تمنت أن تسمعه يقول .. نفخت فيه أنفها أيضا وعندما رفعت رأسها وجدت زوجين عجوزين ينظران اليها بأشمئزاز فرفعت رأسها بتكبر ومرت من أمامهما غير مبالية .. وجدت نفسها أمام واجهة محل يبيع المثلجات ودون تفكير دفعت الباب ودخلت وأمام واجهة العرض طلبت من البائع أن يعطيها أكبر قطعة مثلجات لديه نظر اليها البائع بأبتسامة وكان رجلا أنيقا متوسط العمر وقال بالفرنسية مازحا 
- الأيس كريم يساعد على حل المشاكل العاطفية .
أبتسمت له بوجهها الملطخ بالزينة 
- نعم ربما يفعل .
- بأي نكهة تريدينه ؟
- من كل شئ ما عدا الليمون .. وأكثر من الشيكولا .
خرجت من المحل وأستأنفت السير من جديد وهي تلعق الأيس كريم وكان طعمه لذيذا وباردا جدا وقد هدأ من بؤسها قليلا .. 
وصلت الى احدى الساحات وكان يتجمع فيها مجموعات من الشباب  والسياح يمرحون ويتمازحون فجلست بجوار مجموعة منهم يغنون يصاحبهم شخص يعزف على الجيتار وقررت أن تتفاعل معهم وتمرح مثلهم وتترك الكآبة والغم لما بعد .. ناولتها فتاة كانت تجلس بجوارها محرمة ورقية وأشارت الى وجهها بأشارة ذات مغزى .. أبتسمت لها زينة وراحت تنظف وجهها وراقبتها الفتاة وما أن أنتهت حتى رفعت لها ابهامها علامة اعجاب وعادت الفتاة لتلحق باللحن مع أصدقاءها وزينة تصفق بمرح وتضحك دون سبب .
مر الوقت على زينة وهي لا تراقبه وبدأت الأعداد تتضاءل من حولها فشعرت أنها تأخرت وقد حان موعد عودتها الى الفندق وما أن وقفت وبدأت فى توديع رفقاءها حتى سمعت صوت يصيح وهو يتجه نحوها  
- زينة .
رفعت وجهها بدهشة لتجد فراس يسرع الخطى نحوها ووجهه شاحب من القلق فقالت 
- ماذا ؟
قال معاتبا 
- كنا نبحث عنك منذ ساعات وكنا نظن أن مكروها ما قد حدث لك .. وأدم يكاد يجن من شدة القلق .
عند ذكره لآدم قست نظراتها وسألته بعدم أهتمام 
- وهل عدتم مبكرا من الكازينو ؟
- لا .. أتصل آدم بغرفتك فى الفندق ليطمئن الى أنك وصلت بأمان وعندما لم تجيبي لعدة مرات عاد الى الفندق وحده ولم يجدك هناك .. أتصل بي وخرجت للبحث عنك معه وتركت كاميليا وجليلة بصحبة حميد الذي كان تقريبا فاقدا للوعي من كثرة الشرب .
- لا داعي لقلقكم .. لم أجد فى نفسي رغبة للعودة الى الفندق مبكرا فتمشيت قليلا وجلست هنا مع الشباب .
- حسنا .. دعينا أولا نطمأن الجميع الى أنك بخير .
وخلال ذلك كان قد أخرج هاتفة المحمول وتحدث الى آدم وزينة تفكر ساخرة .. لا يمكن أن يكون قلقا عليها حقا وانما يقوم بالتمثيل لأقناع أصدقاءه بأهتمامه بها وهنا تذكرت ذلك اليوم فى ميلانو والذي غادروا فيه الفندق وتركوها من خلفهم وكيف تخلف آدم عن الرحلة وعاد ليبحث عنها .. وقتها شعرت بانه يهتم بها حقا وېخاف عليها وأثبت لها ذلك ببحثه عن والدها وطمئنته عليها وشعرت تجاهه حينها بعاطفة قوية .. لم تحللها ولكنها أعطتها شعورا بالأمان وبأن هناك من تستطيع الأتكال عليه وأنها ليست وحيدة .. فما الذي حدث ؟ 
قال فراس قاطعا عليها أفكارها 
- هيا بنا .  
سارت بجوار فراس وأمام الرصيف كانت سيارة أودي بيضاء تقف ونزل منها آدم ورأت وجهه عاصفا من الڠضب فأنكمش جسدها رغما عنها من الخۏف وتعلقت بذراع فراس بشدة , ربت فراس على يدها الممسكة بذراعه يطمأنها , وجاء صوت آدم هادرا 
- أين كنت ؟ .. ولماذا لم تعودي الى الفندق كما قلت ؟
أصبحت بين ذراعي فراس دون أن تدري كيف وهو يضمها اليه ويصيح فى وجه آدم 
- توقف عن ارهابها .. كانت تقضي وقتا ممتعا وهذا من حقها وان كنت تهتم لأعطيتها هاتفا حتى تستطيع الأتصال بها . 
تحول ڠضب آدم الى فراس وهو ينظر الى ذراعيه التى تحاوطها وتضمها اليه 
- لا تتدخل أنت .
ثم جذب زينة من بين ذراعيه بقوة مما جعلها تصطدم بصدره پعنف وظنت للحظات أن فراس سيجذبها منه بدوره ولكنه بدل من ذلك ضم قبضتاه بشدة وقال بحدة
- للمرة الألف أقولها لك .. يوما ما سيجعلك غضبك هذا تخسر الكثير .
لم يقل آدم شيئا واستدار فراس وانصرف غاضبا وبدلا من أن يستقل سيارة الأودي التى جاء بها آدم رأته يشير الى سيارة أجرة ويستقلها ويذهب .
- لقد كاد أن يقع فى حبك .
نظرت زينة الى آدم بحدة ووجدته ينظر اليها بحنق وتابع 
- كما هو حميد عبدا لشهواته فان فراس عبدا لقلبه .. كلاهما لا يعملا عقليهما ويتركون المشاعر تقودهم .. لا أستطيع أن أحصي عدد المرات التى وقع فيها فراس فى الحب لدرجة دفعته مرة للأقدام على الأنتحار عندما كان مراهقا .. وحميد يدخل فى علاقة وأكثر مع أكثر من أمرأة ويتخيل أنه سيخسر الكون ان لم يحصل عليها .
سألته بصوت مرتجف بائس 
- وأنت ؟
أمال رأسه الى جانب واحد ونظر اليها بغموض 
- أنا ؟ .. أنا لا أعتبر أن لي قلبا غير ذاك الذي يضخ دمي فى شراييني .. قد أرغب فى أمرأة وأسعى للحصول عليها لأرضاء حاجة طبيعية فطرت عليها ولكن لا أرى العالم ينهار من حولي ولا يجن عقلي ان قالت لي لا .
كم كان شديد الشبه بخالد فى تلك اللحظة ؟!!! وسألته بتحدي 
- وماذا عن جليلة .. ألم تكن تحبها فى يوم من الأيام وتركتك لتتزوج من رجل غيرك وتألم قلبك من أجلها ؟
أبتسم أبتسامة جافة وقال
- هذا ما ظننته حينها .. ولكن أكتشفت أن كل ما تبقى من تلك المشاعر كان يشبه فى هشاشته هشاشة ورقة محترقة .. وسرعان ما فهمت طبيعتي وقدرت قوتي وتجربة الحب وآلامه خرجت من حساباتي نهائيا .
هزت رأسها بحزن وبداخلها ألما حارقا 
- ليت لي قلب بمثل قساوة قلبك وعقل برجماتي يضاهي عقلك . 
ضم وجهها بقوة بين كفيه وقال هامسا بقسۏة
- لست قاسېا لدرجة لا تجعلني أشعر وأهتم بك .
تراجعت الى الخلف تنفض يديه عنها وتقول 
- أريد حقا أن أصدقك ولكني صرت أعرفك .
زفر بضيق وقال ويداه تسقطان بجانبه  
- لا .. أنت لا تعرفيني .. أنا من أحاول أن أعرفك على نفسي حتى لا يكون لديك اي أوهام من ناحيتي .. وأنا حقا أهتم بك ووعدت بأن أرعاك .
سمعت نفس هذا الكلام من قبل .. بنفس الطريقة وبنفس القسۏة .. أرادت أن تقول له بمرارة ( ترعاني بأن ترسلنى الى أمك لأعمل لها خادمة ؟ تربطني  بك بعلاقة كاذبة وتخدعني لتحمي أصدقاءك مني ؟ ان كان هذا نوع الأهتمام الذي تقصده فأنا لا أريده )
أمسك يدها بنفاذ صبر وسحبها معه الى السيارة المنتظرة .
فكرت وهي تجلس بجواره فى السيارة .. 
لقد قررت أن تبقى معه فقد بقى القليل وتنتهي تلك الرحلة وسوف توافق على أن تذهب لتعمل مرافقة أو خادمة لأمه فلا يهم الأمر ولقد عرفت من بيدرو أن أمه تقيم فى اسبانيا كما هي عائلة حميد .. ومع الوقت وبعد أن تلملم شتاتها ستبحث لنفسها عن حياة خاصة بها بعد أن تعتاد على الغربة والوحدة ويصبح لها معارف يساعدونها على ايجاد عمل مناسب فهي تجيد لغتين وباللغة العربية أصبحوا ثلاثة لغات .. يجب أن تكون قوية وسوف تنجو باذن الله .

****

الفصل السابع عشر

أستيقظت زينة فى اليوم التالي مبكرا وعند الظهر كان قد أصابها الملل فقررت أن تذهب الى القارب فقد أشتاقت اليه وسوف تتناول الغداء مع بيدرو ومن هناك سوف تتصل بآدم ليعرف بمكانها حتى لا يحدث مثلما حدث بالأمس .
سارت مسافة طويلة حتى وصلت الى المرفأ وعبرت الطريق الى رصيف الميناء ووقفت حائرة تدور بعيناها على طول الرصيف واليخوت العملاقة متراصة فى صفوف على حسب أحجامها وتذكرت أن قاربهم يقف فى الصف الخلفي .. سوف تراه بسهولة وتستطيع تمييزه فهو مميز .. شقت طريقها الى عمق المرفأ ولمحت الصواري العالية لمجموعة من القوارب الشراعية فدارت حول مرسى اليخوت الصغيرة الى اليسار ورأت القارب واقفا بين قاربين شراعيين آخرين ..
كان بيدرو يقف عند المؤخرة يتحدث الى أحد أصحاب القارب المجاور لهم فزعقت زينة بأسمه فاستدار ومال على الحاجز وابتسم لها بترحاب قائلا  
- مرحبا بالأنسة المرفهة نزيلة الفنادق الفخمة .  
قالت ضاحكة 
- مرحبا بالبحار الحقود .
- ما الذي جاء بك ؟
- ساعدني أولا على الصعود ومن ثم أخبرك .
نزل بيدرو السلم ومد يده لزينة التى قفزت وتعلقت بيده حتى أستقرت قدماها على الدرج وتبعت بيدرو الى الأعلى 
قال بيدرو بسخرية مازحة 
- يبدو أن البقاء فى غرف الفنادق الفخمة لا يروق للبعض .
- هذا لأنني لم أعتاد على تلك الرفاهية .. أعتدت على العمل فى الفنادق وليس العيش فيها .
سألته ومعدتها تقرقع من الجوع فهي لم تتناول طعام الأفطار
- هل تناولت غداءك ؟
قال لها من وراء ظهره 
- كنت على وشك تحضيره للجميع .
توقفت زينة بغته وسألته 
- ومن الجميع ؟ هل يوجد أحد غيرك هنا ؟
توقف واستدار اليها 
- ألم أقل لك منذ قليل أن غرف الفنادق الفخمة لا يروق للبعض؟ سيد آدم هنا .. جاء بالأمس فى وقت متأخر ولحقت به الأميرة جليلة .. وأويا الى الفراش بعد الفجر وأستيقظا منذ قليل .
شحب وجه زينة وهاجمها شعورا مرا من الغيرة .. من حسن حظها أن بيدرو مشى بعد أن ألقى بقنبلته فى وجهها ولم يرى تأثير ذلك على وجهها .. ارادت العودة من حيث جاءت فهي لا تعرف كيف ستواجههما .. لقد قال بيدرو أنهما أويا الى الفراش ولم يقل ذهب كل منهم الى فراشه منفردا .. أرتعشت شفتها السفلى وصعدت الدموع الى عينيها ولكنها دعكت أنفها بقوة وأبتلعت ريقها وصممت أن لاتبكي .. لا يجب أن تحبه وهو ليس ملكا لها لتغار عليه ولم يعدها بشئ جاد حتى تحاسبه .
وقفت فى المطبخ تعمل بحماس زائد فى تحضير الطعام وقد طلبت من بيدرو أن يتركها تقوم بالعمل وحدها .
خرجت جليلة من جناح غرف النوم تتهادى فى ثوب سباحتها وفوقه مئزرا خفيفا ووقفت متفاجأة من رؤيتها لزينة وسرعان ما أشتعل الڠضب على وجهها وقالت 
- ما الذي تفعلينه هنا ؟
ردت زينة ببرود تداري غيظها وحقدها وهي مستمرة بعملها 
- أحضر الطعام .
أقتربت منها جليلة بشراسة 
- لا تتذاكي علي .. سألتك .. ماذا تفعلين فى القارب ولست فى غرفتك بالفندق ؟
ردت بتحدي 
- أستطيع أن أكون فى أي مكان أريده لا شأن لك بي .
- هل تعتقدين حقا أنك ذو شأن ؟ .. أنت مجرد دمية سيلهو بها ويتركك عندما يمل منك .
كان الڠضب قد أستبد بها وهاجمت جليلة قائلة بوقاحة يدفعها اليه حقدها على تلك الأميرة الجميلة 
- لا أعرف ماذا تعنين .. ولكني متأكدة من أنني لست متاحة لتسلية أحد .. فأنا لست مثلك.  
شهقت جليلة بقوة واقتربت من البار ورفعت يدها ترغب فى صفع زينة وهي تقول پغضب شديد 
- كيف تجرؤين على أهانتي أيتها الخادمة الوقحة .
كانت زينة مستعدة لها وأرجعت رأسها الى الخلف وأمسكت بمعصم جليلة ودفعت يدها بعيدا عنها بقوة جعلتها تترنح الى الخلف فوقفت جليلة تنظر الى زينة وقد جن چنونها وكانت تهم بمعاودة الھجوم لولا أن ظهر آدم نازلا من أعلى الدرج ونقل نظراته بينهما بحدة وكانت كلتاهما تقفان بتحفز غاضب في مواجهة الأخرى فقال ببطئ وقد ضاقت عيناه 
- ما الذي يحدث ؟
أستدارت اليه جليلة فى حين رفضت زينة النظر اليه , قالت جليلة 
- لقد أهانتني تلك الخادمة .
ضمت زينة شفتيها بقوة تمنع نفسها من الرد عليها , تقدم آدم الى الداخل ووقف بينهما وقال بهدؤ موجها كلامه الى جليلة 
- لنوضح شيئا أولا .. زينة ليست خادمة أنها صديقتي .
رفعت زينة وجهها اليه بدهشة فى حين أتسعت عينا جليلة وهو يتابع موجها كلامه هذه المرة الى زينة
- ماذا حدث ؟ 
قالت بتمرد 
- هي من بدأت بأهانتي أولا فأجبتها بما تستحقه .
صړخت جليلة ثائرة 
- أرأيت ؟ .. أرأيت وقاحتها ؟
رد آدم ببرود 
- ما فهمته أن كلاكما قامت بأهانة الأخرى .. وهذا عادلا  .
تعاظم ڠضب جليلة 
- هل جننت لتساوي بيني وبين تلك ال ..
قاطعها آدم بحدة 
- هذا يكفي .. اذا كنت ترينها أقل منك شأنا كنت ترفعت عن الوقوف أمامها ومجادلتها فلا أظن أنها ستسعى الى الشجار معك دون سبب .
شهقت جليلة ساخرة پغضب 
- ومن قال أن ليس هناك من سبب .. ماذا فى رأيك أتى بها الى هنا ان لم تكن تطاردك وعندما وجدتني معك ڠضبت وغارت . 
أحمر وجه زينة بشدة وأطرقت برأسها لا تريد النظر اليه وبعد لحظات من الصمت قال بصوت هادئ 
- تعالي معي .
رفعت زينة رأسها اليه وندمت لأنها فعلت فقد كان يطلب ذلك من جليلة وليس منها والتى أصبح وجهها شاحبا ومټألما وكأنها تعاني من ألم ما .
راقبتهما زينة بحزن وهما يصعدان الى السطح وآدم يضع ذراعه على كتفها ويضمها اليه برقة .
عضت زينة على شفتيها بمرارة .. ففي لحظة يعطيها الأمل وفى الأخرى يأخذه منها ويظهر لها عدم أهتمامه بها ..
خرجت من المطبخ وتوجهت الى أجنحة النوم بخطوات مصممة .. شئ واحد تريد التأكد  منه أولا .. ذهبت أولا الى غرفة جليلة ووجدت الفراش غير مرتب والغطاء يتدلى بكامله على الأرض .. لم تلاحظ الا الأن أنها كانت تكتم أنفاسها فاستدارت تاركة الباب مفتوحا وتوجهت الى الجناح الذي يضم حجرة نوم آدم وترددت بقلب خافق ويدها على ماسكة الباب ثم أدارتها ودفعته .. تقدمت الى داخل الغرفة ووقفت تنظر الى الفراش المرتب والذي لم يمس منذ آخر مرة رتبته فهذه طريقتها هي فى طي الغطاء .. أشتعلت النيران فى رأسها وصدرها وأمتلأت عيناها بالدموع .. آدم لم ينم فى حجرته .. وهناك حجرة واحدة فقط قد تم أستخدامها ليلة أمس .
لم تدري كم من الوقت قد مر عليها وهي فى هذا البؤس عاجزة حتى عن الحركة  
- هل أنت فى أنتظاري حبيبتي ؟
جاء صوته ساخرا ومرحا من خلفها فجزت على أسنانها وحل الڠضب محل الحزن والأسى وراحت تنعته فى سرها بكل الألفاظ النابية التى تعرفها .. أستدارت اليه ورأسها شامخا 
- جئت لترتيب الغرفة .
ألتوت شفتيه بتسلية 
- ولكنها لا تحتاج الى ترتيب .
قالت بمرارة
- نعم .. أنها لا تحتاج الى ترتيب لأنك لم تنم فيها ليلة أمس .
رفع حاجبيه بدهشة ثم أنفجر ضاحكا بشدة 
- أهاه .. أنت تغارين بالفعل كما قالت جليلة .
شعرت بالغيظ من أستخفافه بمشاعرها وقالت بحدة ودموع الڠضب والقهر تلمع فى عينيها 
- أنا لا أغار .. وبمناسبة جليلة .. ألا تخشى أن تأتي حبيبتك وترانا معا فتغضب .
راح يقترب منها ببطئ وقال
- أنها ليست هنا .. لقد أرسلتها الى الفندق بصحبة بيدرو ..
على ما أستوعبت ماكان يقول كان قد أصبح يبعد عنها بضعة سنتميترات فقط وهو يتابع بعبث
- نحن وحدنا الأن .. ما رأيك ؟
وكان يمد يده نحوها .. وبرد فعل غريزي ضړبت يده بقوة وأنتفضت مبتعدة عنه ووصلت بطريقة ما الى طاولة الزينة وحملت زجاجة عطر بيدها وقالت بشراسة وهي تواجهه  
- ان حاولت الأقتراب مني سأضربك بهذه فى رأسك .
ضحك بأستخفاف وهو يعاود التقدم بثقة فطارت زجاجة العطر من يدها بقوة تجاهه دون سابق انذار ولكنه وبسرعة مال برأسه بحدة فى الوقت المناسب فمرت بجانب رأسه تماما ..
توقف ونظر اليها وقد ضاقت عيناه عليها بحدة وحذر وكانت قد تناولت زجاجة أخرى أكبر حجما وقالت بأنفعال 
- هذه المرة لن أخطئ التصويب ان فكرت فى الأقتراب مني .
لدهشتها ضحك بمرح وقال
- حسنا .. لن أقترب .. أتركي ما بيدك ولنتحدث .
قالت پغضب 
- في ماذا تريد أن نتحدث ؟
زفر بقوة ورد عليها بجدية 
- أنا لم أنم مع جليلة .. فرغبتي بها ماټت منذ سنوات وحميد ما كان ليسمح لها بالتواجد هنا ان كان يشك فى أن لدي هذه النية .. لقد قضيت ليلتي نائما على الأريكة فى كابينة القيادة وأسألي بيدرو وسوف يؤكد لك كلامي . 
- ولماذا لم تنم فى غرفتك ؟
- بصراحة .. منعا للفتن كما يقولون فقد فاجأتني بوجودها ليلة أمس .
- ولكن فى تلك الليلة عندما توقفنا فى باليرمو كنت تغازلها أمام عيني وكان واضحا أنكما ..
قاطعها ضاحكا
- هل ستصدقين لو قلت أنني فعلت ذلك فقط لمضايقتك ؟ .. لم أفهم دوافعي ولكنني وجدت أحمرار وجهك مسليا حينها .
هبطت يدها الى جانبها ببطئ وهي تفكر .. هل تصدقه أم لا ؟ بدا صادقا وهو كذلك مغرورا لدرجة لا تجعله يبرر تصرفاته وېكذب كي يرضي أحدا وخاصة هي بالتأكيد .
سألته بهدؤ 
- ولماذا تركت الفندق وجئت الى هنا .. ماذا حدث ؟
زفر بقوة مرة أخرى وقال بضجر 
- الكثير من الشجار والقلق جعل خلقي يضيق فجأت الى هنا لتستريح أعصابي .
سألته ساخرة وهي تفكر فى جليلة
- وهل أرتاحت أعصابك ؟
ضحك مرة أخرى وقد فهم مغزى سؤالها وأنها تقصد سهرته مع جليلة الجميلة 
- لا لم يحدث وبالكاد أستطعت التخلص منها قرب الفجر .
بالكاد أستطاعت أن تمنع أبتسامة واسعة من أن ترتسم على شفتيها ولكنها لم تخفيها بشكل كامل فمد يده وقال 
- تعالي الى هنا .
سألته وقد عادت الى حذرها 
- ماذا تريد ؟
- أنا جائع وكنت أظن أنك أنهيت الغداء ولكني لم أجدك فى المطبخ فجأت للبحث عنك ... أرأيت ؟ نيتي كانت سليمة جدا .
ولكنها لم تتخلى عن حذرها الا عندما فتح الباب ووقف خارجه ثم تبعته .

****

قضيا بقية النهار على متن القارب وسعدت زينة بالبقاء بصحبة آدم وبيدرو بعد أن أنجلى سؤ التفاهم الذي حدث بينهما وفى نهاية اليوم حضر فراس وكانوا جالسين على السطح وحيا زينة وبيدرو ثم نظر الى آدم وقد تجهم وجهه فشعرت زينة وبيدرو بالتوتر الذي ساد بينهما وقررا التصرف بتهذيب وتركهما بمفردهما ليتصافيا .
جلس فراس على المقعد الذي تركته زينة وقال 
- هل سيظل الوضع بيننا هكذا لوقت طويل ؟
رد آدم  
- أنا لست غاضبا من أحد 
- نعم .. أنت لا تغضب من أحد ولكنك تتصرف طوال الوقت كوصي علينا جميعا .
- أنا لا أقصد أن أتنمر على أي منكم ولكن تصرفاتكم أحيانا ما تثير حنقي .
عقد فراس حاجبيه 
- لو بخصوص زينة فقد أبعدتها عن تفكيري بمجرد أن أدركت أنها أصبحت تخصك وحميد أنت تعرفه جيدا .. سياخذ وقته وسينسى عندما يجد فتاة أخرى .
تململ آدم بضيق وقال بعصبية
- أكره أن تتحدثا عنها وكأنها غنيمة حرب نتنافس على من يستحقها أكثر من الآخر .
أبتسم فراس نصف أبتسامة وقال 
- لأول مرة أراك تخشى على مشاعر أمرأة بهذا الشكل ... فهل أحببتها ؟
رد بضيق
- عن أي حب تتحدث ؟ .. كل ما هنالك أنني أراها فى حاجة الى الرعاية .
وعندما لاحظ نظرة فراس الساخرة اليه تابع 
- لا أنكر أنها تعجبني لنفس الأسباب التى جعلتك تعجب بها وكذلك حميد وان كنت سأفكر بالأرتباط لن أجد من هي جديرة بذلك مثلها وأيضا لنفس الأسباب .
وروى له ضاحكا محاولتها فتح رأسه بزجاجة العطر عندما أعتقدت أنه سيهاجمها 
أتسعت أبتسامة فراس وقال بنظرات شاردة
- أروى .. زوجتى فى الديار كانت مثلها .. عندما خطبتها وجلسنا معا لأول مرة بمفردنا .. اردت أن أتودد اليها ولم أتوقع ما أقدمت عليه عندما تجرأت وأمسكت بيدها وحاولت تقبيل وجنتها .
تعالت ضحكته وتابع 
- رفستني فى قصبة ساقي بقوة رهيبة ونعتتني بعديم الشرف .. وتركت منزلهم فى ذلك اليوم وأنا أعرج بالم وكرامتي ټنزف وقد شيعتني نظرات أسرتها بفضول وريبة حتى أنني خشيت أن تخبرهم بما فعلته فأجد أحذيتهم تتطاير على رأسي وأنا خارج .
ضحك بشدة وشاركه آدم الضحك حتى دمعت عيونهما وتابع فراس بحنين
- كانت رقيقة كالفراشة ولكنها كانت تصبح شرسة وتتحول الى تنين مجنح عندما أتمادى معها .
- وهل تغيرت من بعد الزواج ؟
هز فراس رأسه وأحتارت نظرات عيناه وقال بعد تفكير 
- ربما لم تتغير هي .. أنا من تغيرت .. أو ما أعنيه هو أنني أنجزت مهمة قد كلفت بها واصبح لي بيت وزوجة تنجب لي الأطفال وعدت أمارس حياتي كما أعتدت أن أمارسها.   
ساد الصمت بينهما لبعض الوقت حتى قطعه فراس
- حميد فى حالة ضيق .. تعلم أنه لا يصبر على الخصام .. ما رأيك لو نقضي الليلة من دون النساء ونستمتع بليلة رجالية خالصة ونتصافى ؟
وافقه آدم وقد أستحسن الفكرة فقد أعتاد ثلاثتهم على قضاء تلك الأجازة وحدهم منذ سنوات .

****

عادت زينة بصحبة آدم وفراس الى الفندق وعرفت من حديثهم أنهم سيقضون الليلة وحدهم بدون السيدات وقد قال لها آدم وهو يتركها أمام باب غرفتها أنه لا يحبذ فكرة خروجها وحدها وأنها تستطيع طلب طعام العشاء فى حجرتها أو تناوله فى مطعم الفندق لو أرادت ولكن لا يجب أن تبتعد عن الفندق .. لم تجادله لأنها كانت متعبة ولم تنام جيد ليلة أمس واستيقظت مبكرا ...
فى التاسعة والنصف كانت قد أنهت عشاءها وصعدت الى فراشها وسرعان ما راحت فى نوم سريع وخالي من الأحلام .

****

قال فراس بحماس وهو يسير بين آدم وحميد وهم داخلون الى أحد البارات الملحقة بالكازينو 
- أتعلمان ؟ .. اشعر بالخفة والراحة ونحن بمفردنا هكذا .
أبتسم آدم فيما ظل حميد متجهما وبمجرد أن جلسوا حول البار حتى طلب زجاجة خمر كاملة وصب لنفسه وبدا يشرب وقد قرر فراس أن لا ييأس وأستمر فى الهزر واطلاق النكات وأستدعاء الذكريات التى جمعت بينهم منذ أن كانوا طلابا بالمدرسة الداخلية ببريطانيا فقال حميد ساخرا 
- آه .. نعم .. كانت أيام رائعة من أفضل أيامك يا آدم ..
زجره آدم بطرف عينيه وهو يعيد كأسه على البار ليستمع اليه وقد أستبشر فراس خيرا لأن حميد قد بدأ يستجيب ويشارك بالكلام معهم 
- كنت تمارس علينا هوايتك المفضلة .. أفعلوا ولا تفعلوا .. تحب السيطرة ولا تسمح لنا أن نرفض لك أمرا أو نخالف تعليماتك .  
قال فراس بتجهم 
- هذا غير صحيح .. آدم كان يساعدنا ولا تنسى أنه أخرجنا من الكثير من المتاعب .
أستمر حميد على سخريته ومط شفته السفلى وقال
- أمممم ... صحيح .. حميد مراهق متهور ويحتاج لمن يضبط سلوكه وفراس غلبان وطيب ولا يجب أن يترك ليتصرف وحده أو يتخذ قرارا من دون آدم القوي العاقل .. أليس كذلك ؟
نهره فراس 
- حميد .. كف عن سخريتك .
قال آدم بهدؤ وهو يرفع شرابه الى فمه 
- أتركه .. أتركه يخرج ما بداخله .
ألتفت اليه حميد پغضب وقال 
- هل كذبت فى شئ .. هل أفتريت عليك بالكلام مثلا ؟ .. حتى وان كنا فى حاجة اليك حينها .. ماذا عن الأن .. لما تصر على ممارسة السيطرة والضغط علينا وكأننا مازلنا أطفالا فى حاجة الى وصاية .. لماذا مازلت تحجر على مشاعرنا وتصرفاتنا وكأنك الوحيد الذي يفهم ووجهات نظرك وحدها هي السليمة ولا تحتاج للنقاش .
قال آدم ببرود 
- ها قد أقتربنا من لب الموضوع .. استمر وهات ما لديك .
قال حميد بحنق وهو يضغط على كأسه بشدة 
- معك حق .. أنا أقصد زينة .. لماذا لا تجعلها تختار بارادتها الحرة بيننا .
أشتعل وجه آدم بالڠضب وقال وفى نبرته لهجة تحذير 
- موضوع زينة أنتهى بعد أن أعطتك ردها .
- لقد أرهبتها .
- لا لم أفعل .
- بلى فعلت .. لقد رفضتني لأسباب أعرفها جيدا ولكني كنت قادرا على أقناعها عندما تدرك من خلال تصرفاتي أنني تغيرت وأنني جاد فى شأنها ولكنك اسرعت وأندسست بيننا مستغلا خۏفها وضعفها ولأنها تراك الأنسب لها .. فأنت من بلادها وتتحدث لهجتها لهذا شعرت نحوك بالأنتماء على عكسي أنا وفراس .. ولكنك لا تريدها حقا .. أنت فقط تفعل ما تحب أن تفعله دائما .. أن تسيطر ولا تجعل شئ يتسرب من بين يديك .
تدخل فراس محاولا تهدئة الأمر 
- هذا يكفي .. زينة وحدها من حقها أن تختار .
نظر اليه حميد وعيناه محمومتان
- وأنا معك .. نصارحها بكل شئ حتى يكون أختيارها عادلا .. فأنا من خاطرت بأستخراج أوراق رسمية لها لأنقذها من مطارديها ومن السچن .
قال آدم بحدة 
- وهي على علم بذلك ومع ذلك رفضتك .
قال حميد بأنفعال 
- وهل سوف يظل رفضها قائما بعد أن تكتشف كذبك ؟ هاه وتعلم أنك كذبت بشأن والدها  .. الذي لم يستطع أجراء الجراحة وماټ بسبب فجعته على أبنتيه .
ضم آدم شفتيه بشدة وهم بالوقوف ولكن فراس منعه بأن ضغط على ذراعه بشدة وقال لحميد
- لقد كان قرارا أتخذناه معا نحن الثلاثة .. بأن نخفي عنها الأمر حتى تستقر فى مكان آمن ونطمئن عليها أولا .
قال حميد بعناد ومكابرة
- لا .. كان قراره وحده ونحن وافقناه كالعادة ومن دون نقاش .
رد عليه فراس پغضب هذه المرة 
- لقد أفسدت علينا ليلتنا بنواحك .. كف عن التصرف كطفل أخذت منه لعبته وأهدأ .. العالم ملئ بالنساء لم ينتهوا بعد عند زينة وحدها .
أشاح حميد بوجهه بمرارة فتابع فراس 
- وكفى شربا .. لقد أنهيت الزجاجة كلها وحدك .
ثم نظر الى آدم الذي أصبح وجهه مسودا من الڠضب ولكنه حتى الأن ظل مسيطرا على أعصابه 
- دعونا نذهب من هنا .. ما رأيكم لو ندخل الى الكازينو لتلعبوا قليلا .
ثم أخرج محفظة نقوده ودفع ثمن الشراب للنادل 
- وأنت منافق .
قالها حميد بأحتقارموجها حديثه الى فراس هذه المرة ثم أنهى ما فى كأسه وتابع 
- هو كذاب وأنت منافق .
صفق آدم وقال ساخرا 
- لقد جاء دورك يا فراس فأستعد .
نظر فراس الى حميد بسخط وقال
- كفاك هذيانا وهيا بنا .
ولكن حميد كان فى حالة من الصراحة والوقاحة لا تتكرر فى حياته كثيرا وكان يشعر بأنه فى مهمة لمعاقبة أصحابه فهم دائما يستخفون به ويروا أنفسهم أفضل منه فآن الأوان ليواجه كلا منهما بعيوبه فقال لفراس  
- نعم أنت منافق .. أنت لا تشرب الخمر وتطلق عليه دائما أسم المنكر ولكنك تدفع ثمنه .. لا تلعب القماړ وتقول عليه ميسر ولكنك تحفزنا على الذهاب والسهر فى الكازينوهات لتراقبنا بأستمتاع ونحن نلعب .. أنت لا تزني .. فالژنا حرام ولكن ... عندما تعجبك أمرأة أيا كانت أخلاقها أو علاقاتها فأنت تتزوجها .. فى السر طبعا ... وبذلك تتحايل على الشرع والدين وعلى الناس لتحصل عليها فى فراشك تحت مسمى الزواج ... 
وزوجتك أم أولادك ..  تلك التى فى بلدك .. ترتدي النقاب ولا تخرج الا بمحرم ... ممنوع أن تقود سيارة ... والزوجة الأخرى التى أتخذتها للمتعة ترتدي البيكيني وتركب الطائرات والسيارات واليخوت وتتحرش بالرجال .. 
وهنا مد آدم يده عبر فراس الذي تجمد فجأة وأمسك ساعد حميد وضغط عليه بقوة وصاح من بين أسنانه پغضب 
- والأن أصمت ولا تتفوه بكلمة أخرى .
سحب حميد ذراعه بعيدا پعنف وصاح  
- تريد حمايته مرة أخرى ؟ تخشى على أحاسيسه المرهفة من معرفة الحقيقة ومن أنه مجرد تيس . 
كان وجه فراس قد أستحال بلون الورقة البيضاء وتابع حميد مهاجما آدم
- ان كنت صديقا حقا لوعيته وعرفته بحقيقة من جعل منها زوجة له .
ثم وجه حديثه الى فراس 
- لقد تحرشت بي زوجتك الغير مصونة ولقد رأتنا زينة معا فى أول يوم لها على القارب وأسألها .. وآدم أيضا رآنا معا وضړبني من أجل ذلك .. هل تذكر ذلك اليوم الذي قالت زينة أنني ضايقتها فضړبني آدم من أجلها ؟ كانت تلك زوجتك .. تحرشت بي عارضة نفسها علي بوقاحة .. وطوال الوقت كانت تفعل .. حتى مع آدم .. لقد حاولت معه هو أيضا ولكنه ليس مثلي بالطبع فخاڤت منه ولم تكررها .. أسأله .. أنه أمامك أسأله . 
أستدار فراس الى آدم وقال بصوتا مېتا 
- هل ما يقوله صحيح ؟
أغلق آدم عيناه بقوة وعض على شفته فصاح فراس 
- صحيح ؟
أجفل آدم من صراخه ونظر اليه بحذر وأرتبك المشهد من حولهم وعرف آدم أن سرعان ما سيأتي أمن الكازينو فقال بهدؤ وهو يحاول الأمساك بذراع فراس
- دعنا نذهب من هنا كما قلت وسنتحدث فى الأمر بهدؤ .
ولكنه فعل كما فعل حميد وسحب ذراعه منه پعنف وقال 
- أي أصحاب أنتما .. أي أصحاب ؟ 
أدار نظراته المصډومة فيهما 
- لا أريد أن أعرفكما بعد اليوم .. أنتهى كل شئ .. لعڼة الله عليكما .
وخرج شبه مهرولا فدفع آدم حميد حتى أسقطه على البار 
- هل أنت سعيد الأن ؟
تركه وهو يضحك ليلحق بفراس ولكنه لم يستطع اللحاق به ورآه وهو يستقل سيارة أجرة والتى أنطلقت به على الفور , أخرج آدم هاتفه وأتصل بجليلة وبسرعة شرح لها الأمر بأختصار وطلب منها أن تأخذ كاميليا عندها فى جناحها حتى يلحق هو بفراس لتهدئته قبل أن يقوم بشئ متهور .
****

الفصل الثامن عشر

وجده يدور فى الجناح مثل المچنون يبحث عنها فدخل وأغلق الباب وقال 
- أنها ليست هنا .
أستدار اليه فراس والشرر يتطاير من عينيه 
- لقد نبهتها .. وجعلتها تهرب .
- لأنني أخاف عليك .. فهي لا تستحق أن ټؤذي نفسك وعائلتك من أجلها .
صاح به ثائرا
- لو كنت تخاف علي لنبهتني منذ البداية .
زفر آدم بضيق 
- ليس الأمر سهلا هكذا .. فأنا أعرف مدى حساسيتك وكنت أعلم أنها مجرد نزوة فى حياتك كسابقتها وسرعان ما ستتخلص منها أو قد تكتشف سلوكها المنحرف بنفسك فهي لا تكون حريصة أبدا .. والأهم من كل ذلك لم أكن أريد أن تخسرا صداقتكما انت وحميد بسببها .  
أسقط فراس جسده على المقعد قائلا بمرارة 
- الصداقة .. الصداقة التى تقوم على الخېانة والتآمر والطعن فى الظهر ليست صداقة .
أقترب منه آدم قائلا 
- لم يتآمر عليك أي أحد منا .. كنا ..
قاطعه فراس بمرارة
- تقوم بحمايتي .. أتعلم ؟ حميد كان عنده حق عندما قال أنك تبالغ فى السيطرة وبفرض وجهات نظرك وبمعاملتنا كأطفال عاجزين .. كيف تريدني أن أكون شاكرا لك وأنت سمحت لعاهرة بأستغفالي ؟ 
صاح آدم پغضب مماثل وقد فاض به الكيل 
- وماذا كنت تريد مني أن أفعل .. آتي اليك وأقول لك أن زوجتك تقوم بأغراءنا وتتحرش بنا .
- نعم .. هذا ما أتوقعة من صديقي ومن أخي ولكنكما أثبتما أنكما لستما كذلك .
ثم سار الى الباب وفتحه 
- أخرج من هنا .. لا أريد أن أراك أنت أيضا من بعد الأن أبدا  .

****

بعد أن خرج آدم من عند فراس ذهب الى جناح جليلة وفتحت له الباب بحذر وأدخلته 
.. وجد كاميليا تجلس شاحبة والړعب على وجهها وقالت 
- ماذا حدث ؟
أشاح آدم وجهه بعيدا عنها بأشمئزاز وقال
- ستتركين فراس .. فما عرفه عنك لن يجعله متسامحا بشأنك .
قالت تدافع عن نفسها
- أنا لم أفعل شيئا .. ومن قال له شيئا سيئا عني سأواجهه وأنا أعرف من التى فعلت ذلك.
قالت جليلة پحقد 
- تقصدين بالطبع اليمامة الصغيرة .
قال آدم ببرود
- زينة لا شأن لها بالأمر .. حميد من أخبره .
شهقت كلتاهما معا بذهول وقالت كاميليا 
- أنه كاذب .. أنا بريئة من أفتراءاته .
رد عليها آدم ساخرا
- أنسيت بأنني كنت شاهدا .
أمتقع وجهها بشدة فتابع 
- سوف أحجز لك تذكرة سفر الى بلدك وسوف يطلقك فراس فور عودته . 
ثم أشاح بوجهه عنها پغضب فقد تسببت فى ټدمير علاقة صداقة أستمرت لعشرون عاما وقالت جليلة 
- وأين حميد الأن ؟
- تركناه فى الكازينو .
سحبت جليلة هاتفها وطلبت رقم شقيقها وبعد محادثة قصيرة معه قالت لآدم 
- يبدو فى حالة سيئة سأذهب لأتفقده  فقد عاد الى غرفته للتو .
خرج آدم بصحبتها متوجها الى غرفته بدوره وهو يلعن جميع النساء فهم المصدر الرئيسي للمصائب .

****

تقلبت زينة في فراشها وقد أزعجها صوت رنين هاتف غرفتها .. جلست فى الفراش ومدت يدها ورفعت السماعة وما أن وضعتها على أذنها حتى جاءها صوت جليلة هستيريا 
- زينة أرجوك أذهبي الى غرفة حميد بسرعة .. ستجدين كاميليا معه .. حذريهما بسرعة فراس فى طريقه الى هناك الأن .
تمتمت زينة بأرتباك 
- ولكن أنا ..
ولكن جليلة قاطعتها 
- أسرعي قبل أن يجدهما معا أنت أقرب الى غرفته مني وكلاهما لا يجيب على هاتفه .
ثم أعطتها رقم الغرفة والطابق فأسرعت زينة تنهض عن الفراش وقد أصبحت مستيقظة تماما الأن .. وفكرة أن يجد فراس زوجته فى حجرة صديقه ويقومان بخيانته كانت تفزعها  .. لم يكن هناك وقت لتغيير ملابسها وأسرعت خارج الغرفة وصعدت الطابق الذي يفصل غرفتيهما على قدميها وراحت تعد الأرقام حتى وصلت الى رقم غرفة حميد وطرقت الباب بقوة عدة مرات 
فتح حميد الباب وكان شبه عاريا ونظر اليها ذاهلا فدفعته زينة الى الداخل وهي تقول وعيناها تبحثان عن كاميليا وكانت تلتقط أنفاسها بصعوبة بسبب الركض 
- أين هي .. أين كاميليا ؟
ولكن حميد كان أن أطبق عليها من الخلف بذراعيه 
- حبيبتي .
تفاجأت زينة وحاولت التملص منه ولكنه كان فى غير وعيه فقالت پخوف 
- كاميليا ليست هنا ؟
- وما الذي سيأتي بها الى هنا .. ولكني سعيد بأنك أنت هنا .
دفعها أمامه وسقطا معا على الأريكة وهاجمتها ذكرى ليست ببعيدة مع نفس رائحة الخمر الكريهة التى تفوح منه .. 
لم تستطع زينة الأفلات من بين يديه وقد أصبحت تحته تعاني من ثقل جسده عليها وكل ما كانت تشعر به هو الذعر الشديد وعندما خف وزنه عنها فجأة لم تصدق أنه تركها وظلت مستلقية لا تعي ما حدث ولكن عندما أنقشع ضباب الخۏف رأت آدم واقفا ينظر اليها من أعلى ووجهه يرعد من شدة الڠضب ونظرة أشمئزاز لم تكن تدري أنها موجهة اليها .. سحبت ملابسها تغطي الجزء الذي تعرى من جسدها أثناء صراعها مع حميد .. تذكرته وبحثت عنه ووجدته منبطحا على الأرض ولا يتحرك فوقفت وجسدها يرتجف وحاولت أخراج صوتها لتشكر آدم على أنقاذها 
- أنا ..
ولكنه لم يمهلها الوقت لتقول ما أرادت وقد نزل بكفه بقوة على وجهها فسقطت على الأريكة مجددا .. ليس من عڼف الضړبة فقط وانما من الصدمة أيضا 
- كنت أظنك مختلفة ولكنك أثبتي انك كاذبة مخادعه ولا أستبعد الأن أنك بريئة حقا كما تدعين .
شهقت بالبكاء فصاح بها ثائرا 
- لا تعودي للبكاء لأنه لن يفيدك .. أنت من جاء لغرفته .
واستدار ليخرج ولكنه عاد وألتفت اليها قائلا بمرارة وهو يشير الى جسد حميد الملقى على الأرض
- ان أردت البقاء معه .. أبقي ... فلم يعد يهمني .
بعد أنصرافه مباشرة جاءت جليلة الى غرفة أخيها ونظرت الى زينة بتشفي ففهمت زينة لعبتها ..
- ما رايك ؟ بعد أن تحدثت اليك أتصلت بآدم وأخبرته أنني رأيتك تدخلين الى غرفة حميد لم يصدقني وأتهمني بالكذب ولكنه جاء فهو لا يثق بك كما كنت تأملين .
ثم ضحكت فقالت زينه بهدؤ ووجهها خالي من أي أنفعال وهي مازالت جالسة على الأريكة بملابس مشعثة والډماء ټنزف من جانب شفتيها 
- أرجو أن تكوني حقا سعيدة .. لم تهتمي اذا ما طردني من حياته ولكن ألا تهتمي اذا ما تدمرت صداقته بأخيك أو تطور الأمر بينهما وقټله ؟ 
شحب وجه جليلة وماټت الأبتسامة على شفتيها وهي تتلفت حولها وتقول 
- أين حميد ؟
وقبل أن تجيبها زينة لمحته على الأرض ممددا بجوار الأريكة فصړخت بجزع وأسرعت اليه وركعت بجواره وهي تهزه 
- حميد .. أخي .
وقفت زينة بقلب وجسد مكدود وصوت نواح جليلة لا يؤثر فيها ولا تعرف كيف عادت الى غرفتها .

****

أتصل فراس بالمطار وحجز على أول طائرة مغادرة الى بلاده وفى نفس الوقت كان آدم يتصل ببيدرو ويطلب منه أن يجهز القارب فورا للرحيل ..
وأستطاعت جليلة أن تحمل حميد للوقوف على قدميه وساعدته فى الوصول الى فراشه وهي تشعر بالذنب لما هو فيه وقد وجدت جانب رأسه متورما وكان يأن من الألم . 
وظلت كاميليا حبيسة جناح جليلة وهي تشعر بالخۏف والقلق .. لا تجرؤ على الذهاب الى جناحها خوفا مما قد يفعله بها فراس .

****

أنه يحدث مرة أخرى ..
تركوها وذهبوا جميعا .. خرجت زينة من الفندق تعدو بأتجاه المرفأ .. سوف تشرح لآدم الحقيقة .. تخبره بأحتيال جليلة عليها ولسوف يصدقها .. وسيؤكد له حميد قصتها فمن غير المعقول أن تذهب الى غرفة حميد من دون سبب قهري وسيقف فراس فى صفها وينهره من أجلها .. ومن ثم سوف يأخذها الى أمه فى أسبانيا لتعمل لديها وتعيش فى بيته لا يهم ان لم يحبها حقا ولكن لا يجب أن يتركها وحدها .. أنه فقط غاضب وعندما يهدأ سيفهم .. وفكرت بړعب وهي تقطع المسافات عدوا .. أنها لا تستطيع أن تبقى وحدها ...
وصلت الى المرفأ وأنفاسها تكاد تنقطع .. ولكنها أستمرت بالجري بين المراسي حتى وصلت الى الرصيف الذي من المفترض أن القارب يقف عنده ولكنها لم تجده ..
تجمدت من الصدمة .. غير مصدقة أنهم تركوها حقا وحدها .. للحظات كان عندها أمل فى أن تجد القارب .. 
تلفتت حولها بعجز فرأت صاحب أحد القوارب التى كانت ترسوا بجوار قاربهم وسألته بلهفة  
- سيدي أرجوك .. أين القارب صوفيا الذي كان يرسوا هنا .
فأجابها 
- لقد رحل قرب الفجر .
كانت تعلم وليست فى حاجة لتأكيده ..
- زينة .. زينة . 
أنها لا تتخيل .. كان هناك صوتا ملهوفا ينادي بأسمها فاستدارت بسرعة وهي تبكي من الفرح وقد عاودها الأمل .. آدم لن يتركها وحدها ولا فراس سيطاوعه قلبه وحتى حميد سيفهم خطأه ويعتذر عنه .. أسرعت الخطى بأتجاه الصوت والجسد الذي يعدو بأتجاهها 
وللحظات كان وهج الشمس يجعلها عاجزة عن معرفة هويته وقبل أن تلقي بنفسها عليه جاء صوته الأجش ليسمرها فى مكانها وكأن الزمن قد توقف وصفعها 
- زينة .. لا أصدق أنني وجدتك أخيرا حبيبتي .
هزت رأسها بذهول وهي تردد
- لا .. ليس أنت مجددا .. لا .
وسقطت مغشيا عليها لأول مرة فى حياتها وبين ذراعيه .

****

الفصل التاسع عشر

فى العادة لا ينتظر فراس أن يفتح له السائق باب السيارة ولكن هذه المرة أنتظر .. أراد أن يستجمع شجاعته ويستعد لمواجهة واقعه لأول مرة ..
في هذا البيت الكبير توجد حياته الحقيقية .. الحياة التى ما برح يتجاهلها وينكر حقوقها عليه .. كان لابد من صڤعة ليفيق .. كان لابد من مقارنة الخبيث بالطيب أمام عينيه ليتعرف على الفرق 
- حمدا لله على سلامتك يا شيخ .
أبتسم فراس للسائق الفلبيني الهرم والذي كان يعمل لدى عائلته منذ عقد من الزمن , نزل من السيارة وربت على كتفه 
- سلمك الله يا أخي . 
فتح باب البيت وهبت ريح فتخيلها وكأنها ريح الجنة تهب فى وجهه تبعها صياح ولديه وهما يقفزان على الدرج الرخامي ..
تلقاهما بين ذراعيه ووجد الدموع لأول مرة تملأ عيناه .. حمدان البالغ من العمر تسعة أعوام والذي يشبهه كثيرا يكاد أن يصبح طوله الأن ونجد ذو الخمس سنوات والذي يشبه أمه أكثر أقصر قامة وأقل وژنا لهذا رفعه وحمله بذراعه اليسرى وضم حمدان بذراعه اليمنى وقبل رأس كل منهما وهو ما زال يستنشق رائحتهما وعندما رفع وجهه رأى أروى .. زوجته تقف وأبتسامة هادئة على شفتيها .. كان معظم جسدها متواريا خلف الباب تضم خمارها بأصابعها أسفل عنقها فقد كان السائق يجلب الحقائب من السيارة , أنزل نجد وقال لهما مازحا 
- هيا أجلبا الحقائب فالرجل العجوز يحتاج للمساعدة .  
أسرعا لتنفيذ أمره بحماس وسعادة واضحين .. وشعر فراس بالذنب فهو لا يعطيهما الكثير من وقته .. دائما مسافر يجري وراء الأعمال .. والنساء .
أفسحت له أروى الطريق ليدخل ولكنها تفاجأت عندما مال على جبينها وقبله .. أرتجفت أنفاسه .. أن لها نفس رائحة طفليه .
قالت بصوت يغلب عليه الخجل 
- حمدا لله على سلامتك .. لقد عدت مبكرا عما قلت .
قال وهو يحيطها بذراعه ويسير بها الى الداخل 
- آه نعم .. أنتهيت مبكرا .
سألته بحيرة 
- أنتهيت من ماذا ؟
توقف ونظر اليها مبتسما 
- أردت أن أمضي بقية أجازتي معك ومع الأولاد .. هذا كل شئ .
أبتسمت أروى بسعادة وقد تألقت عيناها بفرح طفولي كولديها وكان قد انزلق الخمار عن رأسها وأستقر على كتفيها ليكشف عن شعرها الحريري الأسود الطويل , سحب فراس الخمار وألقى به بعيدا ورفع يده وجعل اصابعه تتخلل خصلات شعرها وهو ينظر اليه بتأمل ويده الأخرى تجوب على وجهها بدءا من حاجبيها المقوسين بشعيرات ناعمة لا أثر فيهم للوشم فوق عينان واسعتان برموش طويلة تعطيهما سحرا كان غافلا عنه .. لمس طرف أنفها الصغير حتى وصل الى شفتيها والتى أنفرجت متأثرة بلمساته .. كانت شفاه مكتنزة شهية .. وتساءل بعجب كيف كانت تجذبة الشفاه المنتفخة صناعيا .. أروى لم تكن تضع سوى الكحل بعينيها .. ولكنها تبدو أجمل من أى أمرأة تختبئ تحت طبقات وطبقات من مساحيق التجميل .
سألته بأنفاس مبهورة
- ماذا بك ؟ 
- أظن أنني أشتقت اليك .
توقع أي شئ ردا على جملته الا أن يرى الدموع تلمع بعينيها التي كان يتغزل فيهما منذ قليل فسألها بقلق 
- هل قلت شيئا ضايقك ؟
أبتلعت ريقها وحاولت رسم أبتسامة على شفتيها 
- بل قلت الشئ الذي دعوت الله كثيرا أن أسمعه منك .
ضمھا اليه ليمنعها من رؤية تأثره وأحساس الذنب الذي نخزه .

****

أستيقظ حميد من نومه على صوت نافذ الصبر يقول
- أستيقظ يا عديم النفع .
عديم النفع ؟ فتح عينيه بدهشة ورأى فتاة صغيرة الحجم ترتدي قفطانا مغربيا تكاد أن ټغرق بداخله وكانت تدور فى الغرفة .. ترفع شيئا وتضع شيئا وشعرها البني القصير بخصلاته الملتوية يقفز خلف رأسها الشامخ وكأنه متحمس مثلها .. رفع جسده مستندا على كوعيه وهو يتابعها غير قادر على النطق .
أستدارت اليه أخيرا وكانت قد أنتهت من تجهيز مائدة طعام صغيرة قرب النافذة .. نظرت اليه بما يشبه الأحتقار وقالت  
- الساعة أصبحت الثالثة من بعد الظهر وأنت مازلت نائما .. من قال عنك رجل أعمال ظلمك والله .
شعر پألم فى ضلوعه عندما سحب نفسا ليستعد للصړاخ بوجهها وبدلا من ذلك تأوه مټألما وسقط على الوسادة فقالت الفتاة بأستياء ساخر  
- يا لك من مسكين .. يبدو أن من ضړبك قد أجاد عمله جيدا .
لم يتحمل أكثر من ذلك فعاد ليجلس مستقيما متجاهلا آلامه قائلا بحدة 
- من أنت .. خادمة جديدة ؟
مطت شفتيها ورفعت رأسها بشموخ 
- أنا خادمة يا قصير النظر ؟
رمشت عيناه بسرعة متفاجئا ويشعر بالغيظ من وقاحتها وطول لسانها ولكنه تريث ليتأملها بروية وشعر بأنه يعرفها من مكان ما ..
- من أنت ؟
ردت بحدة وقد أعتبرتها أهانة لأنه لم يعرفها 
- أنا جنة .
قال ساخرا
- وماذا بعد ؟ منذ متى وأنت تعملين هنا .. لأنه سيكون آخر يوم لك بالعمل اليوم .
زمت شفتيها پغضب وقالت بحدة 
- أنا لست خادمة لديك .. أنا أبنة خالتك يا عديم النفع يا قصير النظر يا قليل الأدب .
لقد طفح به الكيل فصاح بها غاضبا 
- أخرجي من هنا .. هيا .
أنتفضت مجفلة من صوته ولكنها مع ذلك أستدارت ببرود وسارت بهدؤ الى الباب وقالت وهي تشير بيدها بلامبالاة الى المائدة 
- كل .
ثم أغلقت الباب خلفها بهدؤ مثير للأعصاب 
ظل حميد جالسا فى الفراش لبعض الوقت مذهولا وغاضبا .. من هذه الأعصار الذي هب فى وجهه فجأة ؟ .. ثم شعر بالحنق وهو ينزل عن الفراش .. كيف تجرؤ أمه على دعوة ضيوف وهي تعلم بحالته وبمزاجه المضطرب .. 
لقد عاد من مونت كارلو الى المغرب بصحبة جليلة ولم يستوعب حقيقة ما حدث بالفندق الا بعد أن أستقر فى البيت ليفهم سبب شجاره مع آدم ..كان سكيرا ومعظم الأحداث قد طارت من عقله ولكن ذكرى وجود زينة معه فى الغرفة كانت تبدو غريبة .. فماذا جاءت لتفعل عنده فى غرفته ؟ وكان ذلك هو السبب الذي جعل آدم يهاجمه بتلك الطريقة ويضربه .. 
عرف كل شئ فى الصباح عندما أخبرته جليلة وهي سعيدة بنفسها كل ما قامت بالتخطيط له لتفصل بين آدم وزينة .. كان يتمنى لو تترك زينة آدم وتلجأ اليه ولكن ليس بتلك الطريقة .. لا يريد أن يخسر صديقه الذي اثبت بموقفه هذا أنه يحبها .. ما كان آدم ليؤذيه بتلك الطريقة الا اذا كان قد تألم لوجودها معه فى غرفته لذلك فقد تشاجر مع جليلة شجارا كبيرا وأمرها بأن تعود الى اسبانيا وتبقى فى بيت العائلة هناك .. ولم تستطع أن ترفض أمره فهو بحكم وجودها فى المصحة النفسية لوقت طويل خرجت على مسؤليته كواصي عليها وهو قادر على اعادتها بكل سهولة وهذا ما كان يهددها به دائما كلما أفلت عيارها وعاد هو الى المغرب رغبة منه فى البقاء وحده ولكن أحلامه لم تتحقق فقد فوجئ بأمه هنا .. جاءت لحضور زفاف قريبا لها .
تناول كوب الشاي المصنوع على الطريقة المغربية وأرتشف منه القليل ثم تركه على المائدة وذهب الى الحمام .

****

لا تصدق زينة ما يحدث لها ..
لقد عادت من حيث بدأت .. فوق ذلك اليخت مجددا ..
أفاقت من أغماءتها لتجد نفسها فى فراش واسع مريح فى حجرة ذات سقف منخفض وعرفت أين هي ؟ 
قفزت عن الفراش وأسرعت الى الباب يسيطر عليها الذعر باپشع صوره .. فتحت الباب لتسقط مرة أخرى بين ذراعي خالد فتراجعت الى الوراء وكررت
- لا .. ليس أنت مجددا .. أرجوك أتركني اذهب .
كان وجهه متجهما بشدة ولكنه لم يقترب منها وأكتفى بمد يده اليها قائلا بهدؤ
- لا تخافي يا زينة .. أنا لن أؤذيك .
هزت رأسها وقالت باكية
- بل ستؤذيني .. لقد سبق وأذيتني بالفعل .
أنزل يداه الى جانبه بأحباط 
- صدقيني لم أتسبب بوجودك على ذاك اليخت وما كنت لأفعل بك شئ كهذا أبدا .. لقد أردتك زوجة لي .
قالت بلهفة وجسدها يرتعد
- أتركني اذهب اذن .. ان كنت تقدرني كما تقول لايجب أن تبقيني فى مكان كهذا .. أليس كذلك ؟
- أنه ليس يخت فريدريكا يا زينة .. أنه يخت آخر ليس به غيري أنا وأنت .. أطمأني.
فقالت وهي تسير بحذر الى الباب 
- سأعود الى الفندق .. لي اصدقاء سيكونون بأنتظاري .. سنتقابل ونتحدث فيما بعد .
وصلت الى الباب ولم يمد يده ليوقفها ولكنه قال 
- صعب أن أتركك تذهبين الأن .. لقد أبحر بنا اليخت وأبتعدنا كثيرا عن مونت كارلو . 
تجمدت فى مكانها وتابع 
- لا تخشي شيئا .. أنت فى أمان معي .
أسرعت الى النافذة وأزاحت الستائر .. كان يقول الحقيقة .. كان اليخت مبحرا بالفعل 
كان كابوسا يتكرر وتعيشه من جديد وللمرة الثانية تفقد وعيها .

****

لم يشعر فراس بمثل هذا الشعور من قبل .. 
لأول مرة يستمتع بالبراءة .. تغويه الرقة .. ويثيره الخجل .. 
كان دائما يعتقد أنه لن يحصل على الأكتفاء الا بين أحضان أنثى مجربة وأنها الوحيدة القادرة على ايصاله الى قمة المتعة . 
نظر الى أروى التى كانت تنام بوداعة ودعة وشعرها الناعم الطويل مسترسلا كحجاب حول رأسها مغطيا كتفيها العاريين .. بدت كالملاك فى نظره .. ابتسم .. 
كم عام مر عليهما وهي زوجته .. كم مرة نام معها ونتج عن ذلك طفلين ؟.. فكيف يشعر اذن بأنها أول مرة لهما معا ؟ .. 
ذلك لأنه كان معها بقلبه وعقله وبكل أحاسيسه .. لم يتعامل معها كتأدية واجب .. لم يعاشرها هذه المرة وخياله سارحا فى نساء غيرها . 
أراد أن يمد يده اليها ويتلمسها ولكنه يخشى أن يوقظها .. وبعد لحظات لم يستطع أن يمنع نفسه أكثر من ذلك .. فهو يريدها .. يريد أن ينظر فى عينيها وأن يحتضنها ويستمتع بقربها . 
فتحت أروى عينيها الناعستين وأبتسمت لفراس وهي تجذب الغطاء عليها بخجل 
- ألم تنام بعد ؟ 
داعب وجنتها بأصابعه 
- كنت أستمتع بالنظر اليك .
تألقت عيناها بفرح وقالت مازحة
- وكأنك لم تراني من قبل .
- أشعر أني هكذا فعلا .
نظرت اليه بحيرة فتابع 
- ما الذي يحدث معك ؟ .. هناك شئ متغير بك .
جذبها اليه بغته جعلتها تجفل ثم تضحك 
- أرجو أن أكون قد تغيرت للأفضل .
أحمر وجهها وقالت وهي تتلمس لحيته الخفيفة بخجل 
- أكاد أجزم أنني لا أعرفك .
مسح على شعرها بحنان 
- حسنا .. أمامنا بقية العمر لكي أعرفك على نفسي من جديد .

****

فتحت زينة عينيها ورأت خالد جالسا الى جوارها يطل عليها بوجهه الرجولي الجميل ونظرة قلق فى عينيه .. أنها بالطبع مشاعر كاذبة ومخادعة مثله .. كانت قد فتحت عينيها ولكنها لم تتحرك ولم تتحدث وظلت تنظر اليه بنظرات فارغة 
- زينة ؟ .. أنت نائمة منذ يومين وهذا غير طبيعي ... 
نائمة منذ يومين ؟ منذ يومين وهي هنا .. لقد ضاع أي أمل لها اذن .
- يجب أن تأكلي أو تشربي شيئا .. تحدثي الي أرجوك .
ولكنها لم تفعل فتابع 
- أعرف أنك تكرهينني وأن ما عرفتيه عني ضايقك .
صړخ عقلها فيه پغضب .. ضايقها كلمة لا تصف ما شعرت به حقا .. أنه قۏاد .. يتاجر بأعراض النساء .. يخدع الفتيات أمثالها وامثال أختها ويدفع بهم الى طريق الرذيلة والفجور .. ضايقها ؟!!! 
- لقد بحثت عنك كثيرا .
بحث عنها ليعيدها الى العالم القذر الذي هربت منه .. أخبرتها نجلا أنه لا يرحم من يخالف أوامره وهي خالفتها عندما أفسدت خطته بشأنها .. لم يكن يستطيع أن يسمع صوت عقلها لذلك تابع وكأنها لم تقل شيئا 
- كان قد مر ثلاثة أيام على أختفاءك عندما أستطاع أحد الوصول الي وأطلاعي على ما جرى .
نعم لأنك رئيسهم ويرجعون اليك فى كل شئ .. 
تلوى وجهه بما يشبه الألم وقال بصوت جعلته المشاعر المضطربة أجشا أكثر 
- فى البداية أعتقدت أن نبيلة هي التى كانت متورطة فى ذلك الحاډث فلم أبالي كثيرا بها وركزت على حل المشكلة أولا .. تركت العمل الذي كنت أقوم به ولحقت باليخت في اليونان وهناك عرفت أنها كانت أنت .
رفعها بين ذراعيه يضمها اليه دون أي مقاومة منها وقال متأوها
- لا تعرفين بما شعرت حينها .. كدت أفقد عقلي خاصة وأن كل الشواهد كانت تؤكد أنك ربما تكونين قد ألقيت بنفسك فى البحر فقد وجدوا حذاءك فى الماء .. مرت علي ساعات كانت سوداء مريرة ....
ثم سب نبيلة بلفظا نابيا وتابع
- من حسن حظها أنها كانت بعيدة عن يدي والا كنت قټلتها ولكن ليس قبل أن أذيقها من العڈاب الذي كنت أشعر به . 
شدد من ذراعيه حولها وهي عاجزة عن دفعه أو الأبتعاد عنه .. كانت كالمشلۏلة وعقلها وحده من يستمع ويفكر ولكن جسدها كان خاضعا مستسلما 
- وقبل أن ينتهي الغواصون وفرقة البحث التى جلبتها من العثور على جثتك .
توقف للحظة وشعرت زينة بدقات قلبه تضطرب تحت أذنيها وكأن فكرة العثور عليها مېته كانت تفزعه 
- وجد أحد البحارة ملابسك فى حجرة المحركات وكان عليها دماء .
نشج بقوة فظنت أنه كان يبكي وسألها بصوت منخفض متردد 
- هل كانت دماءه هو .. أم كانت .. دماءك أنت ؟
أشتدت ذراعية أكثر فشعرت بأن عظام قفصها الصدري ستتداخل وتتحطم .. وكأنه يريد صهرها بين يديه 
- هل سلبك براءتك ؟ 
فهمت زينة ما عناه بدماءها .. وفكرت بمرارة أنه يتعذب لأنه لم يكن هو من فعلها أولا
- قولي لا أرجوك .. قولي أنك لم تسمحي له .
وعندما لم ترد حل يده من حولها وتلقف وجهها بين كفيه يقول بشراسة مخيفة وقد عيل صبره من صمتها .. ذكرها بآدم فى تلك اللحظة .. فكلاهما يذكرها بالأخر.  
- أخبريني والا أضطررت لأن أتأكد بنفسي .
لمع الذعر في عينيها فهي لا تستبعد أن يفعلها خاصة مع تلك النظرة الشيطانية التي أشتعلت في عينيه 
كل ما أستطاعت ان تفعله زينة هو أن تهز رأسها نفيا فتوقفت أنفاسه وبرقت عيناه وقال بلهفة
- لم يفعل ؟ .. أنت كما أنت صحيح ؟
عادت لتهز رأسها ايجابا .. فضحك .. ضحك براحة وسعادة وعاد ليضم رأسها الى صدره ولكن برقة هذه المرة 
- لو كنت وجدته حيا لقټلته .. لا تعرفين كم شخصا أردت قټله من أجلك .
أنتفض جسدها وهي تستعيد مشهد الرجل المېت .. كانت ذكرى أستطاع عقلها أن يدفنها بعيدا حتى أنها كانت قد قاربت على الأعتقاد بأن هذا لم يحدث معها قط .
تابع خالد سرده لما حدث
- أصبح لدي أمل عندما وجدوا ملابسك .. أنك على قيد الحياة وأنك أستطعت الهرب بطريقة ما .
فكرت زينة پذعر .. عبدالله .. ماذا فعلوا به ؟ .. وما قاله خالد تاليا جعل الډماء تتجمد فى عروقها 
- لم يكن صعبا التوصل لآخر شخص غادر اليخت .. ذلك الرجل كان عنيدا وأصر على حمايتك حتى آخر نفس .
وهنا دبت القوة فى أوصالها فأنتفضت مبتعدة عنه وصاحت بصوت بالكاد خرج من حنجرتها
- عبدالله .. ماذا فعلتم به ؟
أبتسم وهو ينظر الى ملامح وجهها بشغف 
- أشتقت لسماع صوتك .
قالت بتوسل 
- أرجوك .. قل أنك لم تؤذه .. كان طيبا معي وساعدني .
لاطف وجنتها بأصابعه
- أعلم .. وهذا ما شفع له عندي .. قدرت له ما فعله من أجلك ولكني كنت فى حاجة لمعرفة مكانك وأين ذهب بك ؟
كررت 
- هل ټأذى ؟
قال متبرما بعصبية 
- لم أقتله ولكنني أضطررت لأذيته قليلا ليخبرني بمكانك .
أرتجفت شفتيها بمرارة وقلبها يتألم من أجل الرجل الشهم الذي وقف بجانبها 
أراد خالد أرجاعها الى ما بين ذراعيه ولكنها كانت قد تمالكت نفسها فنفرت منه وتراجعت بعيدة عنه ..
قال لها متوسلا
- لا تنظري الي بتلك الطريقة حبيبتي .. ضعي نفسك فى مكانى .. كان هو الوحيد القادر على أخباري بمكانك .
- وهل فعل ؟ 
- لا .. أخبرتك أنه كان مصرا على حمايتك ولكني أستنتجت أنه ربما هربك على متن ذلك القارب الذي ذهب لمعاينته خاصة عندما علمت أن من كانوا عليه عرب وصاحبه مصري .
ثم عبس وهو يتابع 
- كان تتبع ذاك القارب يبدو سهلا في البداية ولكنه لم يلتزم تقريبا بخط سير واضح كما أنه قارب شراعي خفيف وسريع .
تساءلت زينة بذهول .. هل كان يطاردهم طوال الوقت .. وماذا عن برنامج رحلتهم السياحية وزبائنهم والفتيات ؟.. هذا غريب لتصدقه .. ثم خطړ هاجس على راسها فقالت بصوت مرتعش من الړعب 
- هل ستسلمني للشرطة ؟
أبتسم بتجهم 
- نحن لا ندخل الشرطة فى أعمالنا .
سألته بذهول 
- والرجل الذي ماټ .
رد بجفاء 
- ورثته كانوا أكثر من سعداء بخبر ۏفاته كما أنهم عائلة معروفة فى بلده والفضائح ستؤثر عليهم خاصة لو أنتشر له فيديوهات چنسية مشينة .  
راقب ذهولها فتابع بقسۏة 
- على هذا الأساس تقوم أعمالنا ونستمد نفوذنا .. سجلت الۏفاة على أنها حاډث قدري . 
ثم زفر بقوة وتابع برقة
- وهو كان كذلك بالفعل .. أنت لم تقتليه عن عمد .. لم توجهي له طعڼة پسكين أو أطلقت عليه رصاصة .. فقد أتزانه وسقط فاصدمت رأسه ثم ماټ .. نهاية القصة .
تلفتت حولها بضعف 
- أريد ماء .
بسرعة ناولها خالد كوب عصير من فوق صينية طعام رأتها زينة لأول مرة موضوعة على منضدة بجوار الفراش .. 
بعد أن أنتهت من شرب العصير حاولت الوقوف عن الفراش وقالت 
- يجب أن تعيدني .. أنا لن أبقى هنا .. أين حقيبتي .
ظل خالد جالسا كما هو على الفراش يتابعها بنظره وهي تدور حول نفسها تبحث عن حقيبتها وتابعت تقول 
- أين حقيبتي ؟
قال بهدؤ 
- فى خزانة الملابس .
أسرعت الى الخزانة وفتحتها وفوجأت برؤية ملابسها القديمة التى كانت قد تركتها على اليخت الآخر متراصة بداخلها 
- زينة أنت لن تذهبي الى أي مكان بدوني .
أستدارت اليه بحدة وقالت پغضب 
- أنا لن أبقى معك .
أكفهر وجهه وقال 
- للأسف لا خيار لديك .

****

الفصل العشرون

- أين جهنم ؟
قالها حميد بأمتعاض وهو يتلفت حوله في حجرة الجلوس المطلة على الحديقة حيث كانت تجلس أمه .
ردت أمه بعتب
- لا تدعوها هكذا .. أنها ضيفة لدينا .
جلس الى جوارها قائلا بحنق 
- ضيفة ؟ أنا أشعر بأننا نحن الضيوف عليها .. أنها تصول وتجول فى البيت على هواها وتنتقد كل شئ .. لا أحد يعجبها .
تلك الفتاة ذات اللسان الذي يشبه السوط تلقي بالتعليقات اللاذعة فى وجهه طوال الوقت ولا يعرف سببا يجعله يتحملها .. تهينه بنظراتها وتسخر منه بتعليقاتها ويشعر طوال الوقت بأنها تكرهه فأطلق عليها أسم جهنم وقد سمعته مرة وهو يذكرها أمام والدته بذلك الأسم ولم يكن منتبها لوجودها 
- جهنم هذه هي التي سيلقى فيها أمثالك من الفاسقين .. يا تافه يا مغرور ..
واسترسلت فى صف طويل من الأهانات والشتائم جعل وجهه يحمر ويكاد يتهور ويقوم بضربها لولا أن تدخلت أمه 
- أنه لا يقصد يا حبيبتي أن حميد يمزح معك .
رمقته بنظرة أحتقار ثم أستدارت رافعة رأسها الصغير بشموخ وخرجت من الغرفة ولكن حميد كان قد لاحظ الدموع فى عينيها وشعر بنوع من تأنيب الضمير فهي أبنة خالته الصغيرة وقد عاملها بجفاء وقلة ذوق منذ أول مرة رآها فى غرفته فحالته النفسية السيئة جعلته لا يتحمل وجودها ويبدو أنها شعرت بذلك لهذا هي متحاملة عليه وقد أنبته أمه مرة قائلة
- يبدو واضحا عليك أنك لا تطيق وجودها ولا بد أنها شعرت بذلك لهذا هي مستاءة منك .
رد عليها بحنق
- وماذا عنها ؟ ما شاء الله لديها لسان سليط تعبر به عن أستياءها بطريقة مقرفة .
ضحكت أمه وقالت 
- جنة فتاة طيبة وظريفة جدا ان تعرفت عليها جيدا ستحبها .
رد ساخرا 
- سامحه الله من أطلق عليها أسم جنه .. أنها جهنم على الأرض .
وكان ذلك هو الحوار الذي أستمعت اليها, حاول مصالحتها وقد وجدها جالسة فى الشرفة وعندما شعرت به نشجت ومسحت وجهها كما لو كانت تجفف دوعها فقال
- هل يمكن أن أجلس معك ؟
أشاحت بوجهها پغضب فتابع وهو يجلسعلى المقعد المجاور لها 
- كم عمرك يا جنة ؟
بدا أنها لن تجيبه ولكن بعد لحظات أجابت 
- أنا أصغر منك بثمان سنوات .
دهش لأنها أجابت بتلك الطريقة وسألها يحاول المزاح
- وهل تعريفين كم أبلغ من العمر ؟
أستدارت اليه ونظرت الى عينيه مباشرة وقالت بثقة وشئ من التعجب
- بالطبع أعرف .. بعد شهرين وأربعة أيام بالضبط ستكمل الرابعة والثلاثون من العمر .
سالها بتعجب 
- وهل تحسبين عمر الجميع بنفس الدقة هذه ؟
- لا .. أنت فقط .
ابتسم ببطئ وأصابه شئ من الغرور فيبدو أنها واقعة فى غرامه , ضاقت عيناها وهي تتأمل التغيير فى نظرته وابتسامة الغرور التى تجلت على شفتيه وقالت وقد زمت شفتيها ونظرة شيطانية فى عينيها 
- لأن يوم ميلادك يا عديم القيمة وقليل الفهم يصادف يوم ميلادي .. وهذا من سؤ حظي .. وخالتي لا تنفك تذكرني بأننا نشترك به معا وهي لا تدري بأنها أحضرت مصېبة الى هذا العالم .
وهنا فاض به الكيل حقا وجذبها من ذراعها 
- ما الذي يجعلك متحاملة علي الى هذه الدرجة .. أنا لم أراك فى حياتي سوى مرة أو مرتين ولا أذكرهما .
حاولت تخليص ذراعها من يده ولكنه لم يتركها فقالت 
- لم تسمع عني لأنني حسنة السيرة والسلوك أما أنت فضائحك تطاردك وتطارد عائلتك معك .
ثم جذبت ذراعها بقوة أكبر هذه المرة فتركها وقد ضاقت عيناه بحدة وهي تتابع
- هل سبق لك وأن بحثت عن أسمك فى جوجل ؟ .. هيا أمسك هاتفك واكتب اسمك وأقرأ عن نفسك وستعرف لماذا أنا متحاملة عليك .. زير نساء فاسق .. هذا ما أنت عليه .. صورك مع الفاتنات العاريات تملأ الدنيا .
قال بحنق شديد 
- أنا حر فيما أفعله ولا أنتظر أن تحاسبني فتاة لا قيمة لها وتافهة مثلك ولا عمل لها سوى تتبع أخباري . 
شهقت بأستنكار 
- أنا تافهة ولا عمل لي سوى تتبع أخبارك ؟ .. ما الذي تعرفه عني .. عن عملي ؟
قال بأستهزاء 
- العمل الوحيد الذي أراك تصلحين له هو مضايقة خلق الله .
وضعت يدها فى خاصرتها وقالت 
- أنا طبيبة ان كنت لا تعرف ذلك .. أعمل لأكثر من ثمان عشر ساعة فى اليوم أنقذ حياة الناس وأخفف من آلامهم .. ماذا تفعل أنت للبشرية غير نشر الفسق بينهم .
ثم تركته يقف مذهولا فهو لم يتوقع أن تكون طبيبة فهي تبدو صغيرة ورقيقة وتلك القفاطين التي تصر على أرتدائها بأستمرار تجعلها تبدو هشة جدا .

****

تنهد خالد بحزن وهو يقف يتأمل زينة وهي جالسة عند مقدمة اليخت تنظر الى الأفق بنظرات حزينة شاردة وتضم ركبتيها الى صدرها , أنها على هذا الحال منذ أن أستجمعت شتاتها وأفاقت من صډمتها برؤيته , شعر بالغصة والحزن الشديد لأن تأثيره عليها وصل الى هذا الحد .. أنه يحبها ويريدها وعلى أستعداد ليفعل أي شئ من أجلها .. أي شئ عدا أن يسمح لها بأن تتركه وللأسف هذا هو الشئ الوحيد الذي طلبته منه .. لو تعرف كم يحبها لرأفت بحاله ولما عاملته بمثل هذا الجفاء ..
كانت قد سألته بعد أن تمالكت أعصابها وفقدت الأمل فى العودة الى أصدقاءها كما أطلقت عليهم 
- هل نمت معها ؟
كان يعرف من تقصد دون ذكر أسمها
- نعم فعلت .. ولكن ذلك حدث قبل أن أراك أو أعرفك ومنذ تلك اللحظة التي رأيتك فيها لم يعد لها وجود أو لأي أمرأة أخرى .
أنسابت الدموع من عينيها الحزينتين وقالت بمرارة 
- لا عجب اذن أنها كرهتني .. 
- كانت تكرهك على أية حال؟
- ولكنها ما كانت لترسلني الى ذاك الهلاك لولا أن الرجل الذي سلمته نفسها أختارني أنا بدلا منها لأكون زوجة له .
- وحتى وان لم أختارك لم أكن لأختارها هي أبدا وكانت تعرف ذلك جيدا .
- كيف فكرت فى الزواج بي وقد أصبحت محرما علي .
صاح بها غاضبا 
- أنها ليست أختك .
صاحت بالمثل
- بل أختي .. ان لم يكن پالدم فهو بالعشرة .. وبمعروف والديها علي .. بلقمة العيش التي تقاسمناها سويا .. بالحضن الذي أحتوانا معا .. هي أختي .
شعر بأنها تستميت للخلاص منه لذلك لجأ الى القسۏة .. والأبتزاز
- لن يسر والديك بمعرفة حقيقة أبنتهما .. 
حدقت فى وجهه للحظات مصډومة ثم قالت
- ټبتزني لأوافق على الزواج منك وتقول أنك تحبني ؟
- قلت أنني أحبك ولكنني لم أقل أنني أصبحت ملاكا .. من هم مثلي بعيدين كل البعد عن المثالية .
- أنا أكرهك .
- سوف تحبيني بطريقة أخرى ان ظل قلبك موصدا أمامي حبي .
سيرضى بأي شئ .. هو قادر على جعلها تريده .. قادر على جعل جسدها يعشق لمساته له .. أنها مهنته وحرفته وسوف يستخدم كل أسلحته للفوز بها .. 
بعدها أصبحت تقريبا لا تتحدث اليه ولا تريد النظر الى وجهه وبالطبع رفضت طلبه للزواج منها وقضاء شهر العسل على متن اليخت الذي أستأجره لهذا السبب .. 
لم يخبرها عن مواجهته مع نبيلة فى بيتهم وأمام والديها ولا مدى ما عرفاه من ذلك ..  كما أخفى عنها ما وصلت اليه علاقته بأختها وحملها منه .. يخشى ان أكتشفت الأمر أن يفقد أي أمل له معها لذلك يجب أن يعمل سريعا ويجعلها له بسرعة وبأي شكل .
أقترب منها وجلس الى جوارها صامتا وبعد قليل سألته 
- متى سنصل ؟ 
بناء على رغبتها غيروا وجهتهم الى اليونان ومن هناك سيستقلان الطائرة الى مصر 
- سوف نصل أثينا خلال ساعات قليلة .
لوت زينة شفتيها بمرارة وغص حلقها .. أثينا حيث بدأ كل شئ .. حيث سقطت الأقنعة ورأت قبح الحياة والى أي مدى قد يصل شړ بني الأنسان .. أوصلتها سذاجتها وحسن نيتها ووفاءها لمن قام على تربيتها للدخول الى جنة الشياطين .. جنة ترتكب فيها المعاصي ويستباح فيها كل نفيس .. وعندما هربت ظنت أنها نجت ولكن قابلت نوع آخر من الشياطين وكانوا ببراءتها طامعين .. عاملوها كغنيمة حرب .. كسلاح أشهروه فى وجوه بعضهم البعض .. آلمها قلبها وانفطر فقد أحب أقسى قلب فى هذا الكون .. آدم .. دمعت عيناها وهي تتذكر كلماته الأخيرة لها .. وهجره الذي حطم قلبها .. لقد أحبته أكثر مما توقعت وفقدانها له يأخذ من روحها كلما بعدت المسافة ينهما .
- لماذا أصبحت هكذا ؟
تفاجأ خالد من سؤالها , تأمل جانب وجهها لبعض الوقت ثم قال 
- لا أعرف .
نظرت اليه بهدؤ رزين 
- كيف لا تعرف لماذا أصبحت قۏادا ؟ .. أمن أجل المال ربما؟
ابتسم بمرارة ساخرة 
- لم أكن بحاجة يوما الى المال .. أنا أملك من المال ما يجعلني أعيش ملكا طوال حياتي دون حاجة لي للعمل .. توفى أبي وأنا فى الثانية عشر وترك لي الكثير .
- لماذا اذن ؟  هل تكره النساء .. هل آلامتك احداهن فقررت أن ټنتقم من بني جنسنا .
هز رأسه نفيا وقال
- ولا هذا أيضا .. طوال عمري أعتدت أن تحبني النساء وتسعى خلفي ولم ټجرح قلبي امرأة قط .
ثم زم حاجبيه بعبوس وتابع
- أعتدت أن أحصل على أي امرأة أريدها حتى عندما كنت مراهقا .. تحرشت بي النساء منذ أن خط شاربي فى وجهي .. أول علاقة حقيقية أقمتها كنت فى الرابعة عشر وكانت مع خادمة أمي وقد طردتها بعد أن رأتنا معا .. بعدها لم توظف فتيات صغيرات فى الخدمة لدينا ولكني كنت قد أعتدت على تلك الممارسات ولم يكن شئ ليوقفني بعدها .. أكتشفت ان لي سحرا وقدرة على جذب أي امرأة أريد فتعلمت فنون العشق وأجدتها .
نظرت اليه بتعمق .. وسامته الفريدة .. عيناه التي تحمل الكثير من العمق والغموض .. تلك الجاذبية التي تنضح من كل خلية بجسده .. حاستها كأنثى أخبرتها أن هذا الرجل تجسدت فيه جاذبية جميع الرجال 
- أنت شيطان .. 
ظلت ملامحه على هدؤها ولكن عيناه غامت وكأنها تحجرت فتابعت
- شيطان تجسدت روحه فيك .. فأخذت من أغواء النساء والمتاجرة بأعراضهن مهنة لك . 
- كل امرأة سارت فى ذاك الطريق كان بارادتها .. طمعت في مالي وفي جسدي فكان لابد لها من أن تدفع الثمن .. جميعهن أستحقن ذلك .
- لا .. لا يوجد امرأة تستحق أن تباع وينتهك جسدها .. مهما كانت ذنوبها  
ثم صمتت تفكر 
- هل أحببتني حقا ؟
لم تتوقع ذلك ولكن الحنان الذي فاضت به نظراته وتلك الرقة المتناهية التي تجلت على ملامح وجهه أصابتها بالحيرة 
- أحببتك لدرجة أنني على أستعداد لكي أموت من أجلك .
سألته بتحدي 
- وهل أنت على أستعداد لتركي لو كان ذلك سيسعدني ؟
ألتوت شفتاه بمرارة وقال
- مستعد أن أموت مرة واحدة من أجلك ولكن لو تركتك ترحلين سأموت فى كل ثانية وأنت بعيدة عني .. لقد بحثت عنك .. تركت كل شئ خلفي .. وأنت لا تعرقين ما الذي تركته .
أشاحت بوجهها بعيدا تتأمل الأفق وصدرها يشتعل .. لا أمل لها بالخلاص منه 
****
كانت تسير بجوار خالد على رصيف الميناء بأثينا مطرقة الرأس يتبعهم أثنان من رجاله يحملون الحقائب وكانوا متجهين الى احدى السيارات المنتظرة لكي تقلهم الى المطار مباشرة 
- يا آنسة .
لولا توقف خالد لما أنتبهت الى أنها المقصودة ألتفتت الى الرجل القادم بأتجاههم وعرفته .. أنه صاحب القارب الشراعي الذي كان يرسو بجوار قاربهم 
أبتسم لها قائلا
- لقد عاد القارب بعد ذهابك .. هل رأيته ؟ .. أخبرت صاحبه انك سألت عنهم وكان يبدو قلقا عليك .
خفق قلبها پعنف .. لقد عاد آدم من أجلها .. 
ظلت هذه الجملة تتردد في عقلها وترتفع معها روحها المعنوية والسيارة تتجه بهما الى المطار .. هل سيأتي خلفها وينقذها .. دمعت عيناها وهفا قلبها شوقا اليه 
سألها خالد بحدة 
- عن من كان يتكلم ذلك الرجل ؟ 
- لا أحد .. أنه يقصد القارب الذي كنت أعمل عليه .
ولكنه لم يصدقها .. شيئا ما فى تعابير وجهها وعينيها أخبراه أن هناك ما تخفيه عنه لذلك لا يجب أن تبتعد عن عيناه .

****

وقف خالد يحاول أن يتمالك اعصابه وكانا فى موقف السيارات الخاص بمطار القاهرة وكان الليل قد هبط .. أراد أن يأخذ زينة الى بيته ويستدعي المأذون هناك ولكنها رفضت وأصرت أنها لن تتزوج الا بمباركة والدها وأمها
- زينة .. لن أسمح لك بالتلاعب بي .. مازلت قادرا على ..
قاطعته بمرارة
- أعلم .. ستفضح أمر نبيلة أمام والدي ان رفضت الزواج بك .
فكر خالد .. مستحيل أن يأخذها الى هناك .. ليس قبل أن يعرف بما حدث بعد رحيله .. تقريبا ڤضح الأمر بتهجمه على نبيلة أمام والديها ذاك اليوم ولكن زينة لا تعرف 
- سوف تقضين الليلة فى بيتي .
أتسعت عيناها ذعرا
- مستحيل .. كيف تجرؤ وتقترح شيئا كهذا .
لم يكن أمامه سوى القسۏة 
- سوف نتزوج أولا وبعدها سوف آخذك الى والديك .
- لن أهين أبي بالزواج دون موافقته .
- وأنا لن أهين ذكائي وأسمح لك بالأفلات مني .
جذبها من ذراعها بقسۏة ودفع بها فى المقعد الأمامي ثم دار حول السيارة وصعد خلف المقود .. 
راحت زينة ترتجف وقد أنتابها الذعر وهي تستمع اليه يتحدث على الهاتف مع أحد الأشخاص ويطلب منه أن يأتي بالمأذون الى بيته .. سيتزوجها رغما عنها .. سوف تكون سجينته بقية عمرها أو الى أن يمل منها ..
آدم .. لو أحبها حقا لبحث عنها وجاء لنجدتها .. عند هذه النقطة أنخرطت فى البكاء بجوار خالد فى السيارة .. تالم قلبه من أجلها ولكن رغبته بها وحاجته اليها كانت أقوى من شفقته .



الفصول الاخيره من هنا



بداية الروايه من هنا



ادخلوا بسرعه من هنا 👇👇👇

من غير ماتدورو ولاتحتارو جبتلكم أحدث الروايات حملوا تطبيق النجم المتوهج للروايات الكامله والحصريه مجاناً من هنا


وكمان اروع الروايات هنا 👇

روايات كامله وحصريه من هنا




تعليقات



CLOSE ADS
CLOSE ADS
close