رواية وتبسمت ذات النقاب بقلم قمر فتحي الفصل الاول حصريه وجديده وكامله علي مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
رواية وتبسمت ذات النقاب بقلم قمر فتحي الفصل الاول حصريه وجديده وكامله علي مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
الحلقة ( 1 ) - بداية الحكاية - :
كان صباحا باردا من أيام الشتاء ، بينما آشعة الشمس الدافئة تتراقص في أرجاء تلك الحجرة الواسعة الفاخرة لاحقتها "هانيا" بعينيها الزرقاوين العابستين و هي تكمل إرتداء ملابسها السوداء أمام المرآة ، فمنذ سبعة أيام من وفاة والدها و هي ترتدي الأسود حدادا و حزنا عليه ..
و لم يمهلها المحامي الخاص بوالدها وقتا كافيا لتستعيد توازنها الطبيعي الذي فقدته نتيجة لصدمتها بموت والدها المفاجئ ، بل أنه أسرع يطلب مقابلتها كي يتحدث معها بشأن أملاكها و إرثها الضخم ، و لكن في الحقيقة لم تكن "هانيا" مهتمة كثيرا بهذه الأمور خلال تلك الفترة العصبية ، فقد وقع عليها خبر وفاة والدها منتحرا كالصاعقة
في البداية لم تصدق ، و لكن لا جدوي من عدم تصديقها فتلك هي الحقيقة ، لقد مات والدها منتحرا ، و كم تساءلت مرارا ، لماذا فعل ذلك ؟ كيف يمكن لأببها رجل الأعمال الناجح المعروف و المشهور علي أوسع نطاق أن يقتل نفسه ؟ ما الذي دفعه إلي ذلك ؟ رجل بقدره و في مكانته ما السبب الذي يدفعه إلي الإنتحار و هو يملك كافة الأشياء !!
إرتعدت "هانيا" لذكرى مرآي جثة أبيها الغارقة في الدماء فوق أرضية مكتبه ، بينما فكرت في مرارة بالغة ، لقد أصبحت وحيدة بهذا العالم بعد وفاة والدتها منذ خمس سنوات ، ثم وفاة والدها منذ سبعة أيام ، لم يكن لها سوى عمها ، و لكن زوجته و أبنائه جعلوه صعب المعاشرة ، إنه رجل لطيف و حنون ، لكن أسرته تفتقر الكثير من صفاته الطيبة ، لا يوجد بينهم سوى التكبر و الغطرسة الوقحة ، و هذا ما جعل "هانيا" بعيدة تمام البعد عنهم ، فلا تزورهم أو تتعامل معهم و لا هم أيضا ..
رغم أن الجميع يحبون "هانيا" كثيرا وفقا لأعمارهم ذكورا أو إيناثا ، مفتونين بسلوكها الهذب و شخصيتها القوية ، إضافة إلي شكلها الجميل
كان أصدقاؤها يتفاوتون ما بين صبية صغار و متقاعدين وحيدين ، و كانت هي سعيدة جدا برابطتها الإجتماعية المتينة ، فقد كانت تهوى مساعدة الناس و حل مشكلاتهم ، لدرجة ظن البعض أن الطريق مفروش بالورد أمام فتاة جميلة مثلها في الثانية و العشرون من عمرها ، لا يعرفوا حقيقة ما تشعر به في قرارة نفسها
الذين عرفوها لفترة طويلة أدركوا تدريجيا أنهم يكادون لا يعرفونها ، و أنها و برغم ما تبدو عليه من روح إجتماعية منشرحة متحفظة للغاية ، لا تبوح بأسرارها أو بأي شئ يجول بخاطرها إلي أي شخص ..
إنتهت "هانيا" من إرتداء ملابسها ، ثم راحت تضع علي وجهها قليلا من مساحيق التجميل الخفيفة ، كي تداري شحوبها و ملامحها الحزينة ، لم تكن " هانيا " مجرد شابة جميلة فقط ، فتفاصيل وجهها الأشقر كانت كاملة إبتداءً من العينين الزرقاوين الواسعتين تحت رموش كثة حتي الشفتين المكتنزتين الحمراوين ، و قد تركت شعرها البندقي المتموج الطويل الذي ورثته من أمها الفرنسية منسدلا علي كتفيها ، ثم عقدت بعض خصلاته بربطة سوداء حريرية زادتها شبابا و أنوثة إلي الوراء
رواية وتبسمت ذات النقاب بقلم قمر فتحي الفصل الاول حصريه وجديده وكامله علي مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
ثم أخيرا غادرت حجرتها ، و هبطت إلي الطابق السفلي حيث كان السيد " شركس ناصف " المحامي ، في إنتظارها إقبلت عليه " هانيا " مرحبة ، ثم جلست قبالته بعد أن طلبت من أحد الخدم جلب القهوة لكليهما
كان السيد " شركس " طويلا نحيلا ذا وجه بشوشا و متقدما في السن إلي حدٍ ما ، فيما بعد ما صافحها و قام بتعزيتها للمرة الثانية ، ركز إهتمامه عليها ، ثم قال بصوت هادئ عميق :
- انا اسف يا انسة هانيا اني طلبت اقابلك بالسرعة دي و انتي في الظروف دي .. لكن الأمر مستعجل و انا مش هاقدر آخره اكتر من كده صدقيني.
أومأت "هانيا" رأسها متفهمة ، ثم أجابته في هدوء :
- مافيش مشكلة يا متر ، انا مقدرة الوضع كويس و عارفة انك اتعاملت مع بابا فترة طويلة ، و علي فكرة مش عايزاك تقلق ابدا انا هدفعلك كل اتعابك.
إبتسم السيد " شركس " في خفة ، ثم قال بلطف :
- يا انسة هانيا انا ماجتلكيش لحد هنا عشان اناقشك في موضوع اتعابي ، والدك الله يرحمه و يحسن اليه كان بيدفعلي اول بأول يعني مسدد دينه معايا ماتقلقيش ، انا بس طلبت اقابلك بسرعة عشان ابلغك بأمور طارئة لسا عارفها من يومين بس.
تغضن جبينها بعبسة متسائلة ، ثم سألته في إهتمام:
- خير يا متر ؟؟
نظر إليها صامتا لبضع لحظات ، ثم أجفل في توتر و أجابها :
- والدك يا انسة هانيا .. من حوالي شهر تقريبا ، باع كل املاكه ، و انا اسف اني اقولك انتي مابقالكيش اي حاجة.
رمقته "هانيا" في صدمة بالغة ، ثم سألته فاغرة فاها :
- انت بتقول ايه ؟؟
ثم تابعت ثائرة :
- مستحيل اللي انت بتقوله ده ، مستحيل بابا يعمل كده ، مش ممكن طبعا !!!
هز السيد " شركس " رأسه في أسف ، ثم تابع بنبرته الهادئة نفسها :
- للأسف يا انسة هانيا ، ده اللي حصل ، انا في الاول كنت زيك كده مش مصدق لما كلمني محامي المالك الجديد من يومين و بلغني الاخبار دي ماصدقتوش ، لحد ما جالي منه امبارح صورة عقد كتابي بالبيع ، يعني توكيل بيع و شرى عليه إمضة مصطفي بيه والدك.
إنعقد لسان "هانيا" في تلك اللحظة ، و أُرغمت علي الصمت ، تحت تأثير تلك المفاجآة القاتلة ، بينما أضاف الأخير بنبرة مفعمة بالشفقة و الآسف :
- المالك الجديد بصفة ودية بيطالب بحقه في ضم كل الاملاك ليه بما فيهم الفيلا و عربيتك كمان لانها مش متسجلة بإسمك ، و لازم تخلي الفيلا انهاردة لانك لو ماعملتيش كده في ظرف 24 ساعة هيضطر يلجأ للمحكمة و الحكم في صالحه هيبقي سريع جدا لان ورقه سليم.
لا زالت "هانيا" تحت تأثير الصدمة العنيفة التي تلقتها منذ عدة دقائق ، و لكنها غصت بريقها ، ثم وجهت بصرها إلي الرجل الجالس قبالتها يحدثها في غاية الهدوء و الآسف ، ثم سألته بصوت أبح :
- مين المالك الجديد ده ؟؟
تحرك في مقعده بشئ من الإضطراب ، ثم أجابها و قد عادت معالم الجدية إلي وجهه :
- هو رجل اعمال معروف ، بس مش عارف اذا كنتي سمعتي عنه و لا لأ .. عموما هو اسمه عاصم ، عاصم الصباغ.
ساد صمت مطبق بينهما ، كانت "هانيا" تفكر بالكارثة التي وقعت عليها ، لماذا قد يفعل والدها شيئا كهذا ؟ لماذا قد يتنازل عن جميع أملاكه بهذه السهولة لأي شخص أيا كان يكون ؟؟ .. :
- في حاجة واحدة بس لسا ملكك يا انسة هانيا ، و محدش هايقدر ياخدها منك.
أعادها صوت السيد " شركس " إلي الحاضر المجنون ، بينما عادت تحدق به في إهتمام متسائلة :
- ايه هي دي يا متر ؟؟
- من خمس سنين بعد وفاة والدتك الله يرحمها مصطفي بيه اشتري بيت جديد و خدك و عزلتوا من الفيلا القديمة.
- ايوه مظبوط ، احنا عزلنا من بيتنا القديم بعد موت ماما ، ماقدرناش نعيش فيه منغيرها !
- اللي انتي ماتعرفيهوش بقي يا انسة ان والدك الله يرحمه كتب البيت القديم ده بإسمك من خمس سنين يعني اول ما سيبتوه و عزلتوا ، يعني هو بقي ملكك انتي من وقتها.
- قصدك ان دي الحاجة الوحيدة اللي هورثها ؟؟
سألته بمرارة هازئة ، فأجابها :
- تقريبا.
ثم عاد يقول بأسف من جديد :
- لكن بردو مع الاسف .. البيت ماعدش يصلح لحد يعيش فيه.
- قصدك ايه ؟؟
سألته مرتابة ، فتنهد بثقل و أجابها في لطف :
- والدك .. حوله لمخزن من سنتين ، فبالتالي مش هاتقدري تعيشي فيه ، الا اءذا كانت ميزانيتك المالية تسمح بإنك ترجعيه مكان يتعاش فيه من جديد.
تنفست " هانيا " بصعوبة و هي لا تزال غير مصدقة بأن والدها فعل بها كل ذلك بعد وفاته ...
***************
في مكاناً أخر ، تحديداً ، بأحد أكبر و أفخر قصور المدينة ..
تواجد " عاصم الصباغ " داخل غرفة رياضة واسعة مزودة بالحبال و القضبان الحديدية و أدوات رفع الأثقال من مختلف الأشكال و الأحجام ، و في إحدي الزوايا دراجة مثبتة بالأرض للتمارين البدنية ، كان " عاصم " يمارس رياضة الجري منذ ساعة فوقها ، حتي تصبب جسده الرياضي المعضل عرقا بكمية هائلة ، بينما راح يضغط علي أحد أزرار الآلة ليزود من سرعة ركضه
و لم يتوقف إلا عندما وصل إلي سمعه صوت صديقه المقرب يقول :
- عاصم ! في اخبار مش كويسة.
عند ذلك ، أوقف " عاصم " الآلة فورا ، و إلتقط زجاجة مياه كانت فوق طاولة قربه ، ثم إستدار نحو محدثه و قال قبل أن يفتح الزجاجة و يشرب كل ما تحتوي من ماء جرعة واحدة :
- في ايه يا زين ؟؟
صمت " زين " لثوان ، ثم أجابه بخفوت :
- شهاب .. هرب من المصحة.
أغمض " عاصم " عينيه بشدة ، كما تقلصت أصابع يده القوية حول الزجاجة البلاستيكية في عنف أحالها إلي قطعة متعرجة بيده ، ثم صر علي أسنانه في غضب و سأله :
- هرب ازاي ؟؟
- الدكتور المشرف علي علاجه لسا قافل معايا ، قالي انه لما جه يمر عليه انهاردة لقا اوضته فاضية ، و مالوش اثر في المصحة كلها.
- ابعت حد يدورلي عليه.
صاح " عاصم " منفعلا ، ثم تابع في عنف :
- هاتهولي من تحت طقاطيق الارض ، عايز الاقيه واقف قدامي الليلة دي.
أومأ " زين " رأسه قائلا في هدوء :
- حاضر يا عاصم ، هيكون واقف قدامك الليلة دي ماتقلقش.
أطلق " عاصم " زفيرا غاضبا ، ثم إندفع خارج غرفة الرياضة و من ثم إجتاز أروقة المنزل الطويلة بخطي واسعة و العرق يقطر من جسده حتي صعد الدرج العريض الذي يربط الطابق السفلي بالطابق العلوي و دلف إلي غرفته تتآكله عصبيته ، ثم إلي الحمام حيث إغتسل سريعا و عاد إلي الغرفة من جديد لاففا حول خصره منشة بيضاء عريضة ، ثم توجه نحو حجرة الملابس الصغيرة إلي حدٍ ما و التي إحتوت بداخلها علي أفخر و أثمن الثياب و الكثير من الأغراض و الحاجيات ..
إرتدي ملابسه الداكنة التي يفضلها مسرعا ، ثم إتجه صوب المرآة ليمشط خصلات شعره السوداء الحريرية الثائرة ، و لكن سرعان ما وقعت عيناه علي جانب وجهه الأيمن ، حيث كانت هناك آثار جرح عميق إمتد من أسفل العين إلي منتصف الفك
و لا شعوريا رفع يده إلي الندبة في وجهه و مر بأنامله القوية فوقها ، بينما إرتسمت علي وجهه تعابير الوجوم و العبس ، إذ تذكر الحادث الذي سبب له تلك العاهة المستديمة التي حولته إلي مسخاً لا أحد يستطيع أن يتحمل النظر المطول إلي وجهه ..
منذ أكثر من عشرون عاما ، كان فتى صغيرا عمره لا يتجاوز السادسة عشر سنة ، عندما إنتهي والده في الحريق الذي ألتهم محتويات المصنع الوحيد الذي تبقي لهم بعد ما سُلبت منهم جميع أملاكهم عنوة من رجل إستطاع أن يخدع والده بمهارة فائقة و دون أن يورط نفسه بأدني دليل ، حين شب الحريق بمصنع الأقمشة كان السيد " طايع الصباغ " بداخله فإندفع "عاصم" كالمجنون صوب المصنع لينقذ والده ، وقتها لم يآبه لتحذير العُمال و الناس و تابع إندفاعه رغم الحرارة الشديدة التي مسته ، ثم فجأة دوى صوت إنفجار شديد و فقد " عاصم " وعيه آنذاك ، و عندما أفاق تلقي خبر وفاة والده بالحريق ، ثم خبر تشوه صفحة وجهه اليمني ..
و هكذا أصبح " عاصم " فجأة يتيم الأب و مسؤول عن أسرة مكونة من أم لا زالت في أوج شبابها ، و من أخ لا زال طفلا رضيعا ، تشردوا في بادئ الأمر خاصة و إنهم خسروا جميع أملاكهم و لم يعد لديهم أي شئ بعد وفاة عائل الأسرة السيد " طايع الصباغ " ..
فيما بعد لجأت السيدة " هدي سليمان " ربة الأسرة إلي منزل أحد أقاربها بإحدي القرى الريفية ، و بالطبع لم يكن مرحب بها هي و ولديها ، و لكن كان للعرف و التقاليد الرأي الأمثل الذي أجبر أقاربها علي أن يقدموا لها المأوى لئلا يثيروا أقاويل من حولهم عنهم ، فما أزاد " عاصم " من كل الذي حدث إلا تصميما و إصرارا علي الأخذ بثأره و ثأر والده ، فطفق يفكر بالعمل ، حتي بدأ حياته العملية في بيع أعواد الثقاب و السكائر في القرية و المناطق المجاورة علي دراجته في أول الأمر ، ثم إلي الأحياء القريبة و مع مرور الوقت بدأ ينجح في عمله بالجهد و الكد و العزيمة و الإصرار ، فزادت تجارته و راح يشتري بضائع مختلفة بأسعار بخسة و يبيعها بأسعار جيدة مما كان ينتج عنه هامش من الربح الجيد له ، و بعد مدة طويلة من العمل المستمر دون إنقطاع و عندما بلغ الخامسة و العشرون من عمره إستطاع أن يفتح مؤسسة صغيرة لمتابعة تجارته من خلالها ، أطلق عليها إسم
- A T S - Group
و التي تشير إلي الأحرف الأولي من إسمه و إسم والده و شقيقه ، علي النحو التالي :
(Asem - Taia - Shehap ) ..
إستمرت تجارته داخل قرية أهل والدته فترة من الزمن ، إلي أن شاء القدر و إلتقي بـ" زين الرويعي " شاب متعلم مثقف و ذكي ، و لكنه ينحدر من طبقة متوسطة و لا يملك الفرصة المناسبة كحال معظم الشباب ، و لكن كان لقاؤهما منفعة لكليهما ، فقد عرض " عاصم " مؤسسته الصغيرة و المال الذي إدخره طوال السنوات الماضية ، بينما عرض " زين " أفكاره المتميزه و المختلفة ، و بذلك بدأت تتشكل معالم شركة
- A T S - Group
للإستيراد و التصدير ، حتي باتت من أكبر الشركات في الأسواق الكبرى العالمية ، و لكن " عاصم " لم يكتفي بتحقيق النجاح و إعادة المجد له و لعائلته فقط ..
لقد كانت فكرة الثأر دائما بحسبانه تنمو بداخله يوما بعد يوم ، و لم يتخلي عنها علي الإطلاق ، إلي أن جاء اليوم أخيرا و إنتقم لوالده شر إنتقام من الرجل الذي إحتال عليه و سلبه أملاكه و حياته أيضا
و ما أراحه أكثر و أكثر هو إنتحار ذلك الرجل ، عند ذلك شعر " عاصم " بلذة إنتصار حقيقية ..
أفاق من شروده فجأة مارا بيده من جديد فوق الندبة علي خده الأيمن ، كانت تلك هي الأزمة الأكثر مرارة في حياته التي دائما ما تنغص عليه يومه كلما نظر بالمرآة ..
قطب حاجبيه ، و قد علت وجهه تعابير الكبرياء و الأنفة ، فهو و رغم كل شئ لا يتحمل العطف أو الشفقة من أي إنسان
سمع في تلك اللحظة صوت طرقاً خفيفاً علي باب غرفته ، فأدار وجهه وصاح بصوته العميق آذناً بالدخول :
- ادخل !
فإنفتح باب الغرفة و ظهرت فتاة قصيرة نحيلة في عمر الربيع ترتدي الزي الرمادي الخاص بعملها في هذا القصر الشاسع المترف ، ثم خرج صوتها الهادئ يقول :
- عاصم بيه ، الست هدى بعتاني اقولك انها عايزاك في اوضتها.
أومأ " عاصم " رأسه مقطبا ، ثم سألها :
- هي خدت الادوية بتاعتها ؟؟
- لأ لسا حضرتك ، هي المفروض بتاخدهم بعد ما تتغدا علي طول.
- طيب روحي بلغيها اني هكون عندها بعد الغدا.
- حاضر.
قالتها الفتاة بأدب ، ثم إنسحبت في هدوء بعد أن أغلقت الباب من خلفها ، بينما تنهد " عاصم " بثقل ، ثم إندفع ينجز بعض أعماله ...
***************
في منزل أخر لا يقل رقياً عن أي منزل مترف بالمدينة الحديثة ، تعالت أصوات الضجيج من داخل غرفة معينة ، يتبعها صوت إمرأة في أواسط العمر ، ذات شعر ذهبي قصير و بشرة عسلية رقيقة و عينان بنيتان واسعتان ، راحت تتوسل إلي زوجها باكية :
- عشان خاطري يا توفيق خليك معانا ، اقعد بس و هنتفاهم كل حاجة هتتحل.
بينما إنتهي السيد " توفيق علام " من حزم أمتعته داخل حقيبة سفر كبيرة ، ثم أخيرا إلتفت إلي زوجته صائحا في غضب جامح :
- انا خلاص مابقاليش لازمة في البيت يا هانم بعد قضية الحجر اللي رفعها عليا ابنك و اللي روحتي تشجعيه عليها لا يمكن استني ثانية واحدة بعد انهاردة ، اعتبروني مُت مش ورثتوني بالحيا ؟؟
هزت " دينار " رأسها نافية ، ثم هتفت منتحبة :
- ماتقولش كده يا توفيق احنا منغيرك و لا حاجة.
فأجابها " توفيق " بنزق :
- ربنا يخليه ابنك بقي ، دلوقتي بقي راجل البيت هايقدر يمشي نفسه و يمشيكوا لكن انا لأ ، سامعة يا دينار لأ.
- طب يا حبيبي اهدا عشان خاطري ارجوك ، اقعد يا توفيق و مروان سيبهولي انا هكلمه.
- هتتوسطيلي عنده يعني !!
هتف في إنفعال إستنكاري ، ثم تابع بصرامة :
- اسمعيني كويس يا دينار .. مش توفيق علام اللي عاش طول عمره بكرامته راجل حر يجي ابنه علي اخر الزمن و يحجر عليه ، دي تبقي الآية إنقلبت زي ما بيقولوا لما ابن يمشي ابوه و يتحكم فيه.
- ما عاش اللي يهينك او يتحكم فيك يا توفيق.
هتفت بصوت محشرج من شدة حدة البكاء ، فيما إبتسم " توفيق " في سخرية قائلا :
- لأ يا دينار ، ربنا يخليه و يديله طولة العمر كمان .. هو بردو ابني اولا و قبل كل شيء.
ثم تابع في ندم مرير :
- الغلطة كانت غلطتي من البداية ، لما سيبتهولك تربيه علي الحقد و الانانية لحد ما طلع تلفان سادي عدواني و مابيحبش الا نفسه.
ضغطت" دينار " علي شفتيها بقوة ، ثم أطلقت أنيناً خافتاً ممزوجاً بدموع عينيها ، فيما أومأ " توفيق " رأسه في هدوء ، و أضاف :
- هي صحيح غلطتي يا دينار .. لكن انا خلاص مابقاليش سلطان عليه ، فات الآوان ، اديني سايبهولك و سايبلكوا الجمل بما حمل ، علي الله بس المركب تمشي و ماتغرقش.
و حمل حقيبته من فوق الفراش ، فقبضت " دينا " علي رسغه في هوان متسائلة :
- طب هتروح فين بس يا توفيق ؟ معقول هتسيبني ؟ انا ماليش غيرك !
أجابها " توفيق " بقسوة و هو يخلص رسغه من قبضتها :
- مالكيش دعوة انا رايح فين يا دينار ، المهم دلوقتي انك تحاولي تشاركي ابنك في ادارة البيت و الشركة اللي عيشت طول عمري بكافح و ببني فيها.
ثم أضاف علي مضض و هو يهبط السلالم المغطاة بالسجاد الأخضر :
- و انا هبقي اكلمك من وقت للتاني عشان اطمن عليكي.
وقفت " دينار " وحدها أعلي الدرج تراقب زوجها في حزن و قلة حيلة حتي إختفي عن ناظريها ، ثم إندفعت راكضة نحو غرفة نومها و أخذت تبحث عن هاتفهها الخلوي إلي أن وجدته ، فأجرت الإتصال سريعا بإبنها و هي ترتجف إنفعالا في كل أنحاء جسدها ...
***************
بداخل قاعة حمام فسيحة مترفة ، وقف " مروان " عاري الصدر يحلق لحيته التي نمت قليلا أمام مرآة مثبتة بالجدار فوق حوض المياه الصغير ، بينما علي بعد أمتار قليلة منه كانت تجلس بـ( البنوار ) الملئ بالماء الدافء و فقاقيع سائل الإستحمام ذا الرائحة النفاذة ، تلك الفتاة التي رافقته منذ سهرة الليلة الماضية ، فيما إنطلق صوتها الناعم يسأله :
- بقولك ايه يا مارو يا حبيبي !
- قولي يا عمري ؟؟
هتف برقة و هو يباشر حلق لحيته متمهلا ، بينما تابعت الأخيرة سؤالها :
- مش هتتجوزني بقي ؟؟
عند ذلك أطلق " مروان " ضحكة مجلجلة تردد صداها عبر جهات الحمام الأربع ، فتظاهرت رفيقته بالغضب و قالت :
- بتضحك يا مروان ؟ للدرجة دي موضوع الجواز بقي نكتة بتضحكك اوي كده ؟؟
توقف " مروان " عن الضحك بصعوبة بالغة ، ثم أدار وجهه إليها قائلا :
- يا عبيطة ، انا بضحك عشان اكتشفت انك لسا ماعرفتنيش يا سالي ، انا احب اه اتجوز لأ ، لعلمك انا مؤمن جدا بالمثل اللي بيقول - إن دخل الجواز من الباب ، نط الحب من الشباك - و بعدين ما احنا عايشين سوا اهو احسن من المتجوزين ، بقي بذمتك يا شيخة لو كنا متجوزين كنت هعرف اقولك يا حبيبتي ؟؟
- يعني انت بتحبني ؟؟
- اه طبعا يا قلبي بحبك ، لكن بردو بحب إنجي و مايا و سوزي و كل البنات الجميلة اللي زيك.
- يعني مش هتتجوز ابدا ؟؟
سألته بصوت مفعم بالسخرية ، فأجابها :
- نو ، نون ، نيانتي ، لأ بكل اللغات يا حبيبتي هو انا مجنون اجيب واحدة تنكد عليا عيشتي صبح و ليل ! انا احب ابقي حر مش متكتف بواحدة تطلع عين اهلي و ..
قاطعه فجأة صوت رنين هاتفهه الذي تركه فوق حامل المرآة الرخامي ، فإلتفت إليه و ألتقطه ، و لما وقعت عينيه علي إسم المتصل تأفف في ضيق ، ثم أجاب بصوت هادئ متراخٍ :
- ايوه يا ماما !
- انت فين يا ولد ؟؟
وصل صوت أمه عنيفا علي مسامعه ، فتغضن جبينه بعبسه ضجرة و قال :
- ولد ايه بس يا ماما هو انا طالب مدرسة ! و بعدين من امتي يعني بتتصلي تسأليني انا فين و تحققي معايا بالشكل ده ؟؟
- ما جايز فعلا تصرفاتي دي هي اللي بوظتك و خليتك تلفان علي رأي ابوك ، بس انا هصلح غلطتي دي و هاوقفك عند حدك يا مروان.
تنهد " مروان " في نفاذ صبر ، ثم عاد يقول بنبرة هادئة :
- طيب يا ماما ، اقفلي انتي دلوقتي و لما ارجع البيت نبقي نتكلم.
- تجيلي حالا.
- حاضر يا حبيبتي سلام بقي.
ثم أغلق الخط مطلقاً زفيرا طويلا ، بينما سألته " سالي " ممازحة :
- ايه يا مارو ! ماما رفعتلك الشبشب و لا ايه ؟؟
فإلتفت " مروان " إليها في حدة مصطنعة قائلا :
- هتهزري معايا يا بت ؟؟
أجابته بغنج باسمة :
- اها يا حبيبي و ماله ؟ بلاش اهزر معاك ؟؟
إبتسم " مروان " بخفة بدوره ، ثم قال بحدة مصطنعة :
- طب يلا بقي قومي من البركة اللي انتي قاعدة فيها دي خليني اخد دوش انا كمان عشان يدوب امشي.
قهقهت " سالي " بنعومة عاليا ، و قالت :
- امرك يا حبيبي.
***************
دلف " عاصم " إلي غرفة والدته السيدة " هدى " بعد أن طرق بابها و آتاه صوتها سامحاً له بالدخول ..
نظر في إتجاه فراشها ، فوجدها نصف جالسة كعادتها ، مستندة بظهرها إلي وسائدها الوثيرة الناعمة ، بينما كانت السيدة المسنة حديثا ترتدي عباءة هفهافة من الحرير الأزرق يتناسب مع لون بشرتها البيضاء ، و شعر الأسود الذي غزاه لون الثلج .. :
- يسلام ! لسا فاكر تيجي تشوفني يا عاصم ؟؟
قالت السيدة " هدي " تلك الجملة في لكف معاتبة أبنها ، بينما خطي " عاصم " تجاه فراشها حتي وصل إليها ، ثم جلس علي حافة الفراش ألي جانبها و قال في هدوء معتذرا :
- اسف يا امي ، بس كان عندي شغل مهم و اول ما خلصته جتلك.
- يعني هو الشغل اهم من امك ؟؟
- لأ طبعا ، مافيش حاجة اهم منك ، و عموما انا تحت امرك قوليلي كنتي عايزاني ليه ؟؟
- هو انا لازم عشان اطلبك ابقي عايزة منك حاجة ؟ انت وحشتني بس و كنت عايزة اشوفك.
إنفرج ثغر " عاصم " بإبتسامة خفيفة ، ثم إنحني إلي يد أمه ليقبلها ، فمدت السيدة " هدى " يدها و ربتت علي شعره في حنان ، ثم مسحت بكفها جانب وجهه المشوه بعاطفة أمومية قائلة :
- ربنا يحميك و يخليك ليا يا حبيبي.
ثم سألته :
- هو شهاب لسا مارجعش من السفر يا عاصم ؟؟
تنفس " عاصم " بعمق كي يضبط إنفعالاته ، ثم أجابها في ثبات كاذبا :
- لأ يا امي لسا ، هيرجع كمان كام يوم ان شاء الله.
- وحشني اوي ، كان لازم يعني يسافر برا عشان يتفسح ! هو بيتصل بيك يا عاصم ؟؟
- اه بيتصل.
كذب مرة أخري ، بينما تابعت أمه سؤالها :
- طيب ما بيكلمنيش ليه ؟؟
- اول ما يتصل تاني هخليه يكلمك علطول.
ثم راح يحدثها بعض الوقت ، حتي سمعا صوت طرق علي باب الغرفة لاحقه دخول الوصيفة الشابة قائلة في خفوت تخاطب " عاصم " :
- عاصم بيه ، في واحد تحت طالب يقابل حضرتك.
- واحد !!
هتف عابسا ، ثم سألها :
- ماقلش اسمه ايه ؟؟
- قال حضرتك ، وجيه عليان.
ردد " عاصم " الإسم بين شفتيه في بطء ، ليهز رأسه في صبر نافذ ، ثم أصرف الخادمة و ترك أمه معتذرا لينضم إلي الزائر الذي ينتظره بالأسفل ، و في أقل من دقيقة ، كان " عاصم " قد هبط إلي الطابق السفلي آخذا طريقه تجاه غرفة الجلوس الواسعة التي تمتد علي طول المنزل من الجهة الأمامية ، بينما إنتصب السيد " وجيه " واقفاً حالما رأى " عاصم " مقبلا نحوه ، فمنحه إبتسامة واسعة ، ثم قال و هو يمد له يده للمصافحة :
- مساء الخير يا عاصم يا بيه ، ازي حضرتك ؟؟
مد " عاصم " يده و صافحة بسرعة و جفاء ، ثم دعاه للجلوس و جلس بدوره في مقعد قبالته قائلا بصوت خشن :
- ايه اللي جابك هنا يا وجيه ؟ انا مش في اخر مقابلة لينا قلتلك ماتتصلش بيا و لا تحاول تقرب مني و تنسي انك عرفتني اصلا ؟؟
إبتسم " وجيه " في تحفظ ، ثم أجابه بنظرة ماكرة :
- حد بردو ممكن يعرفك و ينساك يا عاصم بيه ؟ مستحيل طبعا !
- انت جاي عايز ايه ؟ انت مش خدت باقي فلوسك من زين ؟ و لا في حاجة تانية لسا ماتحسبناش عليها ؟؟
- خيرك سابق و فايض يا عاصم بيه.
- طب قصر و هات مـ الاخر.
هتف محتدا و هو لا يزال محتفظا بملامحه الباردة ، بينما تنحنح الأخير ، ثم قال و قد تلعثمت الكلمات علي شفتيه :
- حضرتك عارف انا اد ايه خاطرت و غامرت يوم ما خدعت مصطفي علام و خليته يمضي منغير ما ياخد باله علي توكيل البيع و الشرى اللي سيادتك اديتهولي ..
ثم بتر كلامه فجأة ، بينما لم يحرك " عاصم " ساكنا ، بل ظل يحدق به في صمت ، فتابع " وجيه " بشئ من التوتر :
- انا طبعا عملت كل ده عشانك.
- يعني عايز ايه مش فاهم ؟!!
قالها " عاصم " في تهكم لاذع ، فأجاب " وجيه بصراحة و دون أن يماطل :
- عايز ارجع اشتغل تاني في المجموعة.
همهم " عاصم " متداركا الأمر ، ثم قال بلهجة قاتمة ساخرة :
- عايز ترجع تشتغل في المجموعة تاني يا وجيه ! ده انا اول حاجة عملتها لما ضميت المجموعة لشركتي هي اني اديت اوامر بفصلك ، جاي بقي دلوقتي تطلب مني ارجعك تاني ؟!!
-بس انا خدمتك يا عاصم بيه ، نفذت اوامرك بالحرف ، عملت كل ده عشانك آا ..
- لأ مش عشاني.
قاطعه " عاصم " في حزم صارم ، ثم تابع بجمود :
- انت عملت كل ده عشان العشرة مليون جنيه اللي عرضتهم عليك و قبلتهم.
ثم أضاف في هدوء :
- اللي خلاك تخون الراجل اللي عيشت طول عمرك بتخدمه ممكن جدا يخليك تخوني او تبيعني لو وثقت فيك و قبلت ارجعك الشركة تاني .. عشان كده يا وجيه طلبك مرفوض ، و زي ما قلتلك قبل كده ، ما تحاولش تتصل بيا او تقرب مني تاني ، اتمني يكون كلامي واضح لاني مش مستعد اعيده تاني بالكلام.
ثم هب واقفا ، و قال في برود و هو ينظر إليه بإستعلاء ؛
- شرفت يا وجيه.
سمعه " عاصم " يسعل في إرتباك ، بينما نهض " وجيه " من مجلسه ، ثم رمق " عاصم " بنظرة متوترة مطولة ، و رحل أخيراً مطرقاً رأسه و هو يجر في أعقابه أذيال الخيبة و التخاذل ....
***************
بعد جلستها المليئة بالصدمات العنيفة مع محامي والدها ، صعدت إلي غرفتها و هي لا تصدق أنها ستغادر منزلها في الحال مُجبرة كي يستولى عليه شخص أخر !
كانت تفكر منذ رحيل السيد " شركس " ، أنها حتما لن تترك الأمور تمضي بسهولة هكذا ، أو تمر مرور الكرام ، يجب أن تعلم السر وراء كل هذا ، يجب أن تعرف الأسباب التي دفعت والدها إلي القيام بتلك التصرفات ، فإذا تحقق مآربها هذا ، ستكشف سر إنتحار والدها ، و لكن كيف السبيل إلي معرفة كل ذلك ؟ كيف ؟
صعدت " هانيا " الدرج المؤدي للطابق العلوي الخاص بالغرف منهكة كأنها تختم يومها ، رغم أن الوقت لا يزال في الصباح ، و بينما كانت تدير مقبض باب غرفتها و دموع اليأس علي وجنتيها ، فاجأتها السيدة " قوت القلوب " بقدومها ، ثم إندفعت تقول في قلق بعد أن لاحظت حالتها المزرية :
- هانيا .. مالك يا حبيبتي ؟؟
إنتفضت " هانيا " منتبهة علي أثر صوت مدبرة المنزل السيدة " قوت القلوب " التي إلتحقت بالعمل في منزل عائلة " مصطفي علام " منذ كانت الإبنة بالمهد طفلة ، بينما رفعت " هانيا " يدها و كفكفت دموعها في سرعة قبل أن تلحظها " قوت القلوب " ثم أجابتها بصوت أبح :
- مافيش حاجة يا داده.
رمقتها الأخيرة في تشكك قائلة :
- مافيش حاجة ازاي يا بنتي ! هو انا مش عارفاكي ؟ انتي كنتي بتعيطي يا حبيبتي ؟؟
لم تجبها " هانيا " بل دفعت باب غرفتها و دلفت متجهة صوب خزانة ملابسها و فتحتها ، ثم أخيراً قالت لها بلجهة متماسكة :
- من فضلك يا داده قوت انزلي ادي خبر لكل الناس اللي هنا اني هسيب الفيلا و مش هرجع تاني ، قوليلهم لازم هما كمان يمشوا قبل الليل و انا هبقي ابعت لكل واحد فيهم بقيت حسابه بس يسيبوا عناوينهم.
علت الصدمة وجه " قوت القلوب " و هي تهتف غير مصدقة :
- انتي بتقولي ايه يا بنتي ؟ معقول هتمشي و تسيبي بيتك ؟ طب هتروحي فين ؟؟
تنهدت " هانيا " بثقل و هي تجذب حقيبة ملابسها الكبيرة من أسفل مرقدها ، ثم راحت تقول في هدوء :
- لحد دلوقتي يا داده لسا مش عارفة هاروح فين !!
- انا مش فاهمة حاجة خالص ! فهميني يا بنتي ايه الحكاية ؟؟
بقيت " هانيا " صامتة لفترة ، ثم عضت علي شفتها السفلي بقوة و هزت رأسها في محاولة لمنع دموعها من الإنسياب من مآقيها ، ثم راحت تفضي بالحقيقة كاملة لتلك المرأة الواقفة أمامها ..
أُصيبت " قوت القلوب " بصدمة عارمة لدي إنتهاء " هانيا " من سرد كافة التفاصيل عليها ، ثم راحت تردد عبارات مستنكرة :
- ايه اللي انا سمعته ده ؟ معقول ! معقول مصطفي بيه الله يرحمه يعمل كده ؟ لا لا مش ممكن انا مش مصدقة ابدا !!
لوت " هانيا " فمها في سخرية مريرة ، ثم قالت :
- للاسف الاوراق اللي شفتها بعيني سليمة يا داده ، بابا اتنازل عن كل املاكنا لواحد انا عمري ما سمعت بيه و لا عمر بابا جابلي سيرة عنه.
- طب ايه العمل دلوقتي يا بنتي ؟ هتعملي ايه ؟؟
- مش عارفة يا داداه .. بجد مش عارفة !!
- طب ما تروحي لتوفيق بيه.
صاحت " قوت القلوب " بحماسة عفوية ، ثم تابعت :
- ده بردو يبقي عمك و اكيد هيساعدك.
أبدت " هانيا " رفضها القاطع بقولها :
- لا لا مستحيل ، لا يمكن ألجأ لبيت عمي أبدا مراته و ولاده مايتعشروش مانتي عارفة يا داده.
- ما انا بردو لازم اطمن عليكي و ابقي عارفة فين اراضيكي ، اقولك تعالي معايا ، تعالي اقعدي معايا في البيت ، البت هنا هتفرح بيكي اوي اه و الله.
إبتسمت " هانيا " في لطف قائلة :
- شكرا يا داده علي اهتمامك ، لكن انا هقدر اعتمد علي نفسي ماتقلقيش عليا.
- مش هاسيييبك ، هتيجي تعيشي معايا يعني هتيجي تعيشي معايا.
قالتها " قوت القلوب " بتصميم لا يقبل النقاش ، بينما لم تجد " هانيا " مفر من رغبة السيدة و تصميمها ، فقبلت عرضها ، إذ لم يكن هناك بديل أخر ، فبيت المربية خاصتها هو المأوى الوحيد حاليا بالنسبة لها ..
و بعد ما تركتها السيدة " قوت القلوب " و ذهبت لتخبر باقي أفراد الخدم بأمر الإخلاء ، حملت " هانيا " حقيبتها فوق الفراش و راحت تجمع ملابسها و جميع أغراضها و تضعهم فيها كيفما إتفق ..
إنتهت بعد عشر دقائق من إغلاق الحقيبة و وضعتها بجوار الباب ، ثم جلست فوق الفراش تستند إليه بكفيها و هي تفكر بصوتٍ عالٍ :
- مش هروح اعيش عند عمي توفيق ده شئ مفروغ منه ، لكن لازم اروح ابلغه بالكوارث اللي وقعت فيها ، جايز يقدر يساعدني .................. !!!!!!!!!!!!!!!!
تابعوا صفحتي وتابعو المدونه ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هناااااا