القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية لا اصطفي بالحب غيرك الفصل الثاني بقلم فاطمه علي محمد

 رواية لا اصطفي بالحب غيرك الفصل الثاني بقلم فاطمه علي محمد 

رواية لا اصطفي بالحب غيرك الفصل الثاني بقلم فاطمه علي محمد

نهضت "ميان" من موضعها لتركض نحو صغيرها فتجد قبضة حديدية تعتصر معصمها بقوة، وتخيل بينها وبين ذلك، التفتت نحو قبضته، لترفع عيناه التي أصبحت جمرتين من جحيم نحوه، ليحرك رأسه بلامبالاة مرددًا بثبات :

- الاختيار في ايدك... بس فكري كويس، لأن السهم لو اتضرب عمره ما هيرجع مكانه.

 

فاض الذل والانكسار من أحداقها، لترمق تلك الورقة بيده برهة ، وتعود بأنظارها نحو باب غرفتها بنظرات وجع واشتياق، وتصرخ صرخة ألم مدوية بأرجاء المكان، وتنكب نحو تلك الورقة التي باعت بها أمومتها، واشترت بها حياة صغيرها، لتذيلها بتوقيعها المرتجف، وتلتقط جواز سفرها وتركض مغادرة المكان كله.

*******

نهار يوم جديد توسطت  شمسه كبد السماء لتسلل مخترقة زجاج غرفة ذلك الصغير ذو الأعوام الخمس نظريًا ، بينما جسده لم يتجاوز العامين ونصف العام ظاهريًا ، والذي يفترش تختًا طبيًا مجهزًا بأحدث الأجهزة والمعدات، بينما انسل ذلك الأنبوب إلى فمه ليتغذى من خلاله، بينما نبضات قلبه الضعيفة تدوي أصدائها من ذلك الجهاز المجاور له، جلست تلك المربية "هيلدا" تدلك يده بمهارة فائقة بعدما نالت تدريبات كافية لمرافقة "آدم" طوال سنواته الأربع الماضية، ليدفع "يامن" الباب بهدوء والجًا إلى صغيره بأعين سكنها الحزن والألم، ليربت على كتف هيلدا برفق مرددًا :

- أخباره إيه النهارده؟

نهضت "هيلدا" من مقعدها؛ حتى أصبحت في مواجهة "يامن"، لتجاوبه بابتسامة خفيفة :

- حالته مستقرة هذه الأيام، النبض جيد، والضغط جيد أيضًا، أنهيت معه جلسه العلاج الطبيعي الآن. 


تنهد "يامن" ببعض الراحة، لتنفرج ابتسامة خفيفة بثغره، ويردد بعرفان وتقدير :

-  مش عارف أشكرك إزاي يا "هيلدا" على كل اللي عملتيه مع "آدم"، واحدة غيرك كانت خافت تشيل الحمل ده. 


التفت "هيلدا" برأسها نحو "آدم" لتتسع ابتسامتها المُحبة وهي تردد بحنين :

-  تذكر أني أول من حملته يوم مولده، فهو صغيري أيضًا. 

  

وأعادت أنظارها نحو "يامن" مسترسلة :

- وأنت لم تعاملني يومًا كخادمة، بل كنت أخًا لي، عوضتني جميع أهلي، أتذكر جيدًا وقفتك معي يوم إجرائي لجراحة قلب مفتوح ، فأنا من تعجز عن شكرك سيدي... أستأذنك فقد حان وقت إعداد الطعام للصغير. 


أومأت لها "يامن" برأسه ورافقها بأنظاره حتى غادرت الغرفة تمامًا، ليلتفت نحو صغيره مسرعًا الخطى إليه. احتل المقعد المجاور له، مستندًا بساعده على طرف الفراش، مداعبًا كفه باشتياق مطلقًا زفرة طويلة تنم عن نيران شوقه له، ليغمغم  بعتاب ولوم :

- هتفضل كده كتير يا "آدم"؟.. انت وحشتني قوي، وحشني حضنك قوي يا ابني... وحشتني ايدك اللي كانت بتمسك إيدي... وحشتني ضحكتك اللي كانت ماليا عليا الدنيا... قوم بقا يا "آدم"، قوم يا ابني..  أبوك محتاجك قوي. 


وحرر تنهيدة قوية رافعًا رأسه لأعلى هاتفًا بإخلاص قوي :

- يا رب... يا رب اشفيلي ابني.. يا رب ما ليش غيره في الدنيا... يا رب ردهولي بالسلامة يا رب... يا رب ما ليش غيرك... يا رب. 

*********

 بأحد أحياء القاهرة، بشقة كلاسيكية الأثاث والتجهيزات ، كانت "ميرڨت" صاحبة الخمسة وخمسون عامًا،  ببشرتها البيضاء المتشربة بتجاعيد لم تنجح في محو جاذبيتها بعد رغم امتلاء جسدها بعض الشيء ، و شعرها البني الذي  غزاه الكثير من الشيب ليزيدها وقارًا وحكمة ، تقف بمطبخها التقليدي تُعد طعام الغذاء وهي تدندن مع أغنية السيدة "أم كلثوم"  المُذاعة بأحد محطات الراديو، لتجد تلك الدقات الواهنة بباب الشقة، فتعقد جبينها باستنكار مرددة :

- ده مين اللي مش قادر يخبط على الباب ده؟!

 

والتقطت منشفة صغيرة جففت بها يدها وهي بطريقها إلى الباب لاستكشاف هوية ذلك الزائر، أدارت مقبض الباب وجذبته للداخل لتجد من يهوي عليها بكامل جسده، فتترنح بوقفتها وكادت أن تسقط لولا تشبثها بمقبض الباب وهي تصرخ بصدمة :

- "ميان"!... مالك يا بنتي؟.. إنتي جيتي إزاي؟!..  مين اللي عمل فيكي كده؟.. فين "چاد"؟!

 


مجرد ذكرها لاسم صغيرها تعالت شهقاتها ونحيبها، لتبتعد عند والدتها وتنهال على فخذيها لطمًا وصراخًا بكلمات غير مفهومة، لتغلق "ميرڨت" الباب برجفة قوية تمكنت من كامل جسدها، وقبضة أقوى اعتصرت قلبها، لتغمغم بتوجس :

- ماله "چاد" يا بنتي؟... الولد جراله حاجة؟


- مضاني على تنازل عن ابني يا ماما... عمري ما عدت هشوفه  تاني يا ماما... مش هشوف ابني تاني يا ماما.


 هذا ما صرخت به "ميان" ليترنح  جسد  "ميرڨت" ، وتهوي أرضًا جالسة وهي تغمغم بهذيان :

- مين اللي مضاكي يا بنتي؟


تعالى نحيب "ميان" وصراخها وهي تهتف بلوعة وألم :

- "مُهاب" يا ماما... "مُهاب" أخد ابني مني طول العمر... ابني.. ابني 


ليبدأ صوتها في التلاشي تدريجيًا وتسقط أرضًا فاقدة لوعيها، لتتعالي صرخة "ميرڨت" وتدنو منها لاطمة وجهها برفق صائحة ببكاء :

- "ميان".. "ميان".. فوقي  يا بنتي... "ميان". 

  

لتتعالى  دقات أخرى بباب الشقة، فتنهض "ميرڨت"  مستندة على كلا كفيها وهي تهتف باستجداء لقشة النجاة بالنسبة لها:

- مين؟


أتاه صوت ذكوري من خلف الباب :

- أنا "سيد"  الأمن يا "ميرڨت" هانم. 


كانت "ميرڨت" كانت قد فتحت الباب وهو يُكمل حديثه :

- جاي اطمن ست "ميان" وأولها إني حاسبت التاكسي ومشيته. 

تعلقت "ميرڨت" بيد "سيد" بتوسل وهي تشير نحو ابنتها  هاتفتة بتوسل :

- أبوس إيدك تساعدني. 


رمق "سيد" ذلك الشاب العشريني، ذو البشرة السمراء، الأنف المعقوف، الشعر المجعد، وطوله الفارع الذي أظهر نحافته، ليهتف بصدمة :

- ست "ميان". 


جذبته "ميرڨت" إلى الداخل بتوسل مرددة :

- ساعدني ندخلها أوضتها يا "سيد".


دنى "سيد" بجذعه من جسد  "ميان" ليضع إحدى يديه أسفل ظهرها، والأخرى أسفل ركبتيها ويحملها إلى غرفتها وسط بكاء ونحيب "ميرڨت" التي التقطت جوالها  لتهاتف طبيبها الخاص بالبناية المقابلة لها. 


دقائق قليلة وكان الطبيب قد أنهى فحصه لـ "ميان" وقام بحقنها ببعض المهديء، ليتنهد بأسي لحال تلك الـ "ميان" فهي حقًا كإبنته، كونها طبيبها المعالج منذ صغرها، ويردد بنبرة شجنة :

- ضغط عصبي قوي، جهازها العصبي مقدرش يستحمله عشان كده أغمى عليها، أنا اديتها مهدئ هينيمها لبكرة الصبح، وهبعتلها  الأدوية  اللي هتحتاجها وهكتب عليها الجرعات والمواعيد. 


كانت "ميرڨت" تحدق ابنتها بذهول تام، فلا ترى ولا تسمع من الطبيب سوى ضباب وتشويش، ليتنهد الطبيب بأسى أكبر مرددًا بود :

- مدام "ميرڨت" انتي كويسة؟ 


كانت تخطو نحو ابنتها بلاوعي وشرود، لتجلس بطرف الفراش وتنسل إلى جوارها منزلقة أسفل الدثار، ومحتضنة ابنتها بقوة، بينما غادر الطبيب الغرفة وعلامات الحسرة والألم تنهش قسماته، ليقابله "سيد" بردهة الشقة وهو يهتف بلهفة :

- خير يا دكتور، ست "ميان"  مالها؟ 

  

جذب الطبيب يد "سيد" برفق ليصاحبه إلى الخارج  موصدًا الباب خلفه بهدوء وهو يردد :

- ادعلهم ربنا يلطف بيهم يا "سيد". 


اتسعت أحداق "سيد" صدمة وهو يردد بذهول :

- للدرجة دي يا دكتور الحالة خطيرة؟!


تنهد الطبيب بتضرع مرددًا :

- ربنا معاهم. 

*******

شقة من الطراز الحديث بأثاثها الفاخر الذي امتزج به اللونين الأبيض والأزرق ليضفيا بهجة وراحة على المكان، ولجت "سومية"  تلك السيدة الثلاثينية شقراء الشعراء، بيضاء البشرة ، دقيقة الفم والأنف، طويلة إلى حد كبير، ممتلئ القوام، إلى غرفة نومها تحمل بين يديها صينية متوسطة الحجم محملة بكل ما لذ وطاب من مأكولات، مغلقة الباب بقدمها، ومتجهة نحو منضدة بيضاء صغيرة  بأحد أركان  الغرفة  وإلى جوارها  مقعدين وثيرين من اللون الأزرق فتضع الصينية أعلاها ، ملتقطة تلك الوردة الحمراء لتتسلل على أطراف أناملها إلى زوجها الغافي بسباتٍ عميق، لتضجع إلى جواره وتبدأ بمشاكسة بأوراق تلك الوردة التي تلامس وجنته برقة، ليبدأ هو بالتذمر، ملوحًا بيده في الهواء، فتكتم هي ضحكتها  بكف يدها، منتظرة سكونه، لتُعيد الكرَّة  ثانية، ويشتد هو تذمره ليسحب الدثار أعلى رأسه متمسكًا به بقوة، اتسعت ابتسامتها وهي تكبح جماح ضحكاتها المتمردة، محاولة تخليص الدثار من يده، لتجد نفسها بحركة سرعة أسفل هذا الدثار، ومعشوقها يعتليها  بابتسامة ظفر وانتصار، وهو يغمغم بمكر :

- فيه ناموسة غلسة كده على الصبح قاعدة تزن في وداني ، فـ رأيك كده أعمل فيها إيه؟ 

ضيقت عيناها بتركيز مصطنع وهي تهمس بخفوت :

- بس أنا مش سامعة زن يا  "ياسو"، ممكن تكون دي تهيؤات  يا حبيبي. 

  

مط "ياسر" فمه باستنكار مرددًا :

- تهيؤات!... تصدقي ممكن برضه. 


حاوطت "سومية" وجنتي زوجها بيديها وهي تداعب خصلاته بأناملها برقة هامسة بدلال :

- شوفت بقا "سومي" حبيبتك شاطرة إزاي وبتعرف عنك كل حاجة. 

  

- ممم.. طيب... عشان "سومي"  حبيبتي شاطرة  يبقى لازم تشوفلي حل لموضوع التهيؤات ده. 


  قالها "ياسر" وخصلاتها تلتف حول إصبعه بمكر شديد، لتهمس "سومية" بدلال أقوى :

- وأنا عندي علاج وفعال كمان. 


اتسعت ابتسامة "ياسر" فقد اقترب من تحقيق مراده، ليميل نحو  ترقوتها دامغًا قبلة رقيقة  بها، بينما بادلته  "سومية" العشق ليغوصا سويًا في بحر غرام هادر. 


بينما بالخارج كانت ابنتهما "چوليا"  صاحبة الأربعة عشر سنة خمرية البشرة، 

مجعدة الشعر، مدببة الأنف، طويلة ونحيفة كعارضات الأزياء المغرمة بهم، وبتقليد حركاتهم، تتابع أخبارهم على مواقع التواصل الاجتماعي، دق ناقوس الباب، لتصيح بصرامة مستدعية العاملة التي أتت ركضًا لاستكشاف هوية الزائر والذي كان "يامن" لتهب "چوليا" من مقعدها مُلقيه جوالها أعلى الطاولة وهي تصيح بسعادة :

- عمو "يامن". 

  

اقترب "يامن" منها محتضنـًا إياها بأبوة وهي يردد بسعادة غامرة :

- القمر بتاعنا أخباره إيه؟ 


لوحت بيدها بالهواء بحركة ملكية وهو تردد بتعالٍ وكبرياء :

- برنسس المدرسة، وكل الناس نفسها تصاحبني. 


رفع "يامن" حاجبيه بدهشة مصطنعة مرددًا :

- برنسس المدرسة! 


أومأت برأسها له بتأييد وهي تهتف بسعادة :

- طبعًا... مش عمو  "يامن دويدار"  اللي كل البنات في المدرسة بتكراش عليه. 


رفع  "يامن"  أحد حاجبيه  بدهشة واستنكار مرددًا :

- إيه بتكراش دي كمان يا بنت ؟.. حاجة وحشة ولا إيه؟ 

  

تعالت ضحكات "چوليا" المدوية وهي تردد بنفي :

- مش حاجة وحشة والله يا عمو ، بتكراش دي يعني معجبين بيك وبيتابعوا كل تفاصيل حياتك. 

 

هتف "يامن"  بصدمة :

- يا راجل. 


أجابته "چوليا" بضحكات متقطعة :

-  أه والله. 

  

طوف "يامن" المكان حوله وهو يردد بجدية :

- سيبك بقا من كل ده وقوليلي الناس اللي هنا فين؟ 


وضعت "چوليا" مرفقها على كتف "يامن" ومالت نحوه هامسة بخفوت مصطنع :

- عم الدحيح في أوضته بيذاكر، أما بالنسبة لـ مامي فهي في الأوضة بتستفرد بأخوك بعد  ما رجع من السفر. 


رفع "يامن" أحد حاجبيه بقوة وهو يردد بصدمة :

- بتستفرد بأخويا! 


ازدرت "چوليا" ريقها بخجل وهي تحمحم بتوتر وارتباك:

- هـ.. هروح أشوف "يامن" وأرجع لحضرتك. 

وركضت مهرولة نحو غرفة شقيقها "يامن" ذو الاثنى عشر عامًا، بينما جلس "يامن" على الأريكة ملتقطًا جواله ليجري اتصالًا هاتفيًا بشقيقه "ياسر" لإخباره أنه بالخارج. 

أنهى اتصاله بشقيقه وبدأ يتصفح حساباته الشخصية على  وسائل التواصل الاجتماعي، مُجيبًا عن بعض أسئلة جمهوره  لدقائق طالت قليلًا حتى أقبل عليه  شقيقه بابتسامة الباهتة مغمغمًا بجدية :

- إزيك يا "يامن"  منور. 


انفرجت ابتسامة خفيفة بثغر "يامن" تزين محياه وهو يردد بود :

- منور بيك وبعيالك  يا "ياسر". 


ونهض من مجلسه واقفًا قبالة شقيقه وهو يغمغم بأسف :

- أنا أسف لو كنت انفعلت عليك من غير قصد، بس إنت عارف كويس  إن الموضوع ده بيضايقني. 

  

حرك "ياسر"  رأسه مستنكرًا وهو يردد :

- ولحد إمتى هيفضل يضايقك؟... لحد إمتى هتفضل رافض فكرة الإرتباط؟.. لازم تكمل حياتك يا "يامن". 


سحب "يامن" نفسًا عميقًا، وزفره بهدوء مع كلماته المقتضبة :

- أومال فين "سومية"؟ 


- أنا هنا يا فنان.. صباح الفل. 


  

التفتا سويًا نحو "سومية" المتجهة نحوهم بابتسامة ودودة باشة، لتكمل حديثها قربهم :

- عاش من شافك يا "يامن"، مفيش حتى سؤال بالتليفون. 


التقط" يامن"  يد "سومية" وقبلها برقي وهو يردد بتأنيب ضمير :

- عندك حقك والله، أنا فعلًا مُقصر معاكم... بس أديني فضيت ليكم أهو بعد ما خلصت الـ (tour) بتاعتي، يدوب الألبوم ينزل على السوشيال ميديا، ونطلع كلنا الساحل شهر. 


احتلت "سومية" الأريكة مربعة ساقيها أعلاها وهي تشير نحو المقاعد المقابلة لها مردفة بحماسة :

-  لا..  الموضوع محتاج قاعدة بقا، اقعدوا انتوا كمان واحكولي بالتفصيل. 


جلس "يامن" و "ياسر" الذي أردف مشاكسًا :

- معلش.. دي أسرار. 

  

قلبت "سومية" شفتها السفلية بطفولية وهي تردد بحزن :

- أسرار عليا يا "ياسو"؟ 


هبّ "ياسر" من مقعده، وجلس إلى جوارها بلهفة، مرددًا بهيام :

- على الدنيا كلها إلا أنت يا قمر. 

  

- "ياسو"


همست بها بدلال أطرب أشواقه عشقًا، ليميل نحوها برأسه  هامسًا :

- قلبه. 

لينهض "يامن" من مقعده خلسة، مقتربًا منهما بهدوء مرددًا بهمسٍ قوي :

- طُحاله. 


اتسعت عينا "سومية" صدمة وهي تحمحم بخجل هامسة :

- يـ.. "يامن". 


ضيق "يامن" عيناه بمكر هامسًا:

-  لأ أخوه. 


واستقام بوقفته مرددًا  بمكر وهو يطبق أحد جفنيه  :

- اعتبروني ما جيتش. 

  

واستقر بأنظاره نحو شقيقه مستطردًا :

- النهاردة أجازة، بس من بدري تكون موجود  في المكتب. 


واستدار مغادرًا ليستوقفه صوت شقيقه الهادر :

- "صافي" كلمتني وعايزة تشرف ابنها.


*************

ما إن تسلل اسمها إلى مسامعه حتى فارت دماؤه وتصاعدت أبخرتها مع أنفاسه اللاهثة التي نفثها كتنين ثائر، لو فُرطت قيوده لأتى على الأخضر واليابس، تحفز جسده كفيل بإعلام الخصم بضراوة المعركة وخطورتها، إلا أن شقيقه تغاضى عن كل هذا، واقترب منه مرددًا بثبات يُحسد عليه :

- ده ابنها يا "يامـ..

 

استدار "يامن" نحو شقيقه قابضًا على تلابيبه وهو يصرخ به بغضب مستعر :

- "آدم" ابني أنا.... فاهم.

 

ونفض يده عنه بقوة، واستدار مغادرًا الشقة  بصفعة قوية لبابها، لتقطب "سومية" جبينها بغضب لائمة زوجها :

  -إنت عارف إن الموضوع ده أخوك قفله بميت قفل، وحذرنا بدل المرة مليون إننا نفتحه معاه، أو نجيب سيرتها قدامه ، وأنا بنفسي اترجيتك إنك تقفل الموضوع ده وما تسمعهاش، ولا تقابلها عشان خاطر أخوك، لكن إنت مفيش منك فايدة. 


وتركته مغادرة إلى غرفتها وهي تتمتم متعجبة لأمره، بينما هو تنهد بقوة مشددًا على خصلاته بيأس تملك من قلبه. 

**********

صباح اليوم التالي تململت "ميان" بفراشها بجسد منهك، وروح مرهقة، وقلب ممزق، لتجد يد مرتخية تحاوطها بقوة وامتلاك. حادت بأنظارها نحو والدتها التي مازالت ترقد جوارها، لتغمض عيناها بألم قوي فقد جف نبعها تمامًا وأصبحت  أهدابها كأشواك صبار صحراوي يمزق غشائها، لتتنهد بأسي هامسة وهي تمسد شعر والدتها بحنو :

- ماما..


انتفض جسد "ميرڨت" التي باتت يقظة طوال الليل حتى غلبها النعاس وانتصر، لتنهض قليلًا بجذعها هاتفة بلهفة :

- "ميان".. مالك يا بنتي؟.. حاسة بإيه؟ 


زفرت "ميان" بوهن وهي ترتفع بجذعها مستندة على وسادتها بألم ينخر عظامها، التي أخذت تدلك بعضها برفق عليها تذيب بعض آلامه مرددة بشجن :

- كويسة يا ماما... كويسة. 


نهضت "ميرڨت" من الفراش بترنح خفيف وهي تهتف :

- هجهزلك حمام دافي عشان جسمك يفُك يا حبيبتي. 


استشعرت "ميان" سوء حالة والدتها، لتنهض من فراشها بلهفة وهي تحاوط كتفي والدتها برفق مرددة :

- انتي أخدتي دوا السكر بتاعك يا ماما؟ 


تشبثت "ميرڨت" بيد ابنتها بقوة مغمغمة بخفوت :

- ومين اللي كان فيه دماغ لأدوية يا بنتي، انتي ما شوفتيش حالتك إمبارح كانت عاملة إزاي؟ 


تنهدت "ميان" بضيق وهي تُجلس والدتها بطرف التخت مرددة بعتاب ولوم :

- ولو يا ماما... صحتك أغلى من أي حاجة في الدنيا. 


ربتت "ميرڨت" على يد ابنتها بيدها المرتجفة وهي تردد بأسى :

- انتي  عندي أهم من صحتي يا "ميان"، وأهم من حياتي نفسها يا بنتي. 


ضمت "ميان" رأس والدتها إلى صدرها بقوة، مُقبلة إياه بقبلات قوية متتالية وهي تردد بخوف :

- ما تقوليش كده يا حبيبتي، ربنا يديكي الصحة والعافية يا رب، ويخليكي لينا. 


لتقف تلك الغصة بحلق "ميان" فأي جمع هذا الذي تقصده، وهي قد فقدت صغيرها وأصبحت وحيدة، وأحادية؟! 


أطبقت" ميان" عيناها بقوة متضرعة إلى المولى في دعاءٍ ذاتي :

- يا رب احفظهولي فين ما كان يا رب... يا رب ما تشيلش حبي من قلبه يا رب... يا رب قويني عشان خاطره، وخاطر أمي يا رب.


لتفتح عيناها مقررة الجمود بعزيمة قوية، لتردد بثبات رافق ابتسامتها الشاحبة :

- قومي انتي خودي شاور يا ست الكل على ما احضرلك الفطار والأنسولين. 


ابتعدت "ميرڨت" عن ابنتها قليلًا ملتقطة يدها لتقبلها بحنان وهي تربت عليها مرددة :

- ربنا يجبر خاطرك يا بنتي ، ويردلك ابنك بألف سلامة . 

قبلت "ميان" رأس والدتها وهي تردد برجاء وتوسل :

- يا رب... أيوه ادعيلي كده يا ماما. 


- بدعيلك مع كل نفس خارج من صدري يا بنتي... بس إيه اللي حصل، وإزاي جيتي هنا. 


تنهدت "ميان" بألم مغمغمة بحزن :

- هحكيلك يا ماما... هحكيلك. 

*********

بڨيلا "يامن" تحديدًا صالة الألعاب الرياضية التي كانت تضج بأصوات ارتطام الأثقال الحديدية التي يرفعها "يامن" لأعلى بالوضع مستلقيًا على ظهره، كما يضج رأسه بذكريات تمنى أن يمحوها من ذاكرته للأبد. 

بالرواق الأمامي لغرفة العناية الفائقة كانت نيران الغضب تتطاير من أحداق "يامن" وهو يحدقها شزرًا فكم تمنى أن يدق عنقها ويقتلعه من موضعه، نيران صدره المتأججة بصعود وهبوط قوي لأضلعه، ليأسرها فجأة خروج الطبيب عليهم وعلامات  الخيبة واليأس تنهش تعابير وجهه. 

ركض ثلاثتهم نحو الطبيب بلهفة فزعة، ليهتف "يامن" متوقًا :

- طمني يا دكتور.. ابني فيه إيه؟ 


تنهد الطبيب بأسي لحال والده وهو يمط فمه بأسف وقلة حيلة :

- للأسف الولد دخل في غيبوبة. 


ارتجف جسد "يامن" وخذلته ساقيه بتراخيها وترنحها، ليتقهقر للخلف مستندًا بظهره على الحائط الرخامي البارد كبرودة الدماء وتجمدها بشراينه، لتنفلت شهقة قوية من جوف "صافي"، شهقة كتمت باقيها بكفها الذي كان مرساه لشلالات دمعاتها النادمة، بينما هتف "ياسر" بصدمة مكررًا : - غيبوبة.. إزاي؟! 


حرك الطبيب رأسه بحزن مسترسلًا :

  -للأسف الطفل وقع واقعة قوية على راسه، وإنتوا كمان  اتأخرتوا لما جبتوه المستشفى، الأجهزة الحيوية عنده شغالة، لكنه للأسف دخل في غيبوبة ربنا واحدة بس اللي يعلم هيخرج منها إمتى. 


وغادر الطبيب بعدما نزع  قلب "يامن" موضعه ودعسه بقدمه بقسوة وجبروت، ليترك لجام أطرافه، فتهوي أرضًا، ويهوي معها أمال وأحلام "يامن". 


مضى أسبوع كامل وحالة "آدم" الصحية مذبذبة ما بين السوء والاستقرار، بين اليأس والأمل، أسبوع لم يغادر به "يامن" غرفة صغيره  قط، فكان المقعد المجاور للفراش مستقرة ،وطرفه مقامه ، سكن الشحوب والذبول وجهه "يامن"، حتى أن لحيته التي تكاثفت كثيرًا لم تفشل في إخفائه وطمس معالمه، أسبوع زهد به "يامن" كل شيء، فلم يقتات به إلا بضع تمرات بعد إلحاح وتوسل من "ياسر" و "سومية" التي لم تتركه قط، أما "صافي" والتي أرهقها التوسل والاستجداء لحديثه معها، للومها، أو حتى ثورته عليها وتعنيفها، فصمته هذا وتجاهله لها كانا نارًا تنهش قلبها. 


ولج الطبيب إلى الغرفة ليجد "يامن" شاردًا بهيئة صغيره المحاط بالأنابيب البلاستيكية والأجهزة الطبية، ردد بابتسامة خفيفة :

- مساء الخير يا أستاذ "يامن". 


انتفض "يامن" من شروده، ليهب من مقعده بلهفة هاتفًا :

- مساء الخير  يا دكتور.. طميني التحاليل فيها إيه؟ 


انفرجت ابتسامة مطمئنة من ثغر الطبيب قبل أن يردد بمودة :

- اطمن التحاليل كويسة، والكلى شغالة بكامل حيويتها. 


تنهد "يامن" براحة واطمئنان مغمغمًا بهدوء :

- الحمد لله. 


ورفع صوته نسبيًا مستطردًا :

- أنا قررت أني أخد "آدم" البيت. 


- بس ده صعب، وممكن يكون خطر على حياته الفترة دي. 


  هذا ما تفوه به الطبيب قبل أن يُجيبه "يامن" متحمسًا :

- جهزتله أوضة زي دي بالظبط، وجبت أجهزة أحدث من دي كمان، وهخلي ممرضة مقيمة معاه، وأنا كمان مش هسيبه لحظة. 


حرك الطبيب رأسه باستسلام مرددًا :

- تمام... وأنا هخلي عربية مجهزة تنقله لحد البيت، وهاجي أطمن عليه بنفسي كمان. 

تنهد "يامن" براحة قوية، فكل  ما يرغبه أن يحيا صغيره بين جدران بيت جاهد لتأسيسه. 

استقر "آدم" بغرفته وغادر الجميع ليدنو "يامن" بجذعه نحوه ممسدًا على رأسه الصغير بحنان قوي وهو يردد بابتسامة باهتة :

- نورت بيتك يا حبيبي، عقبال ما ضحكتك ترجع ترن فيه من تاني يا قلب أبوك. 


استنشق "يامن" رائحة جسده بأنف مجعدة، ومعالم ممتعضة، فهو لم يتحمم ولم يبدل ثيابه منذ يومين كاملين، ليهمس إلى صغيره مرة أخرى :

- إوعي تكون انت كمان شامم الريحة دي، هروح أخد شاور وأجيلك على طول يا حبيبي. 


و استقام "يامن" بوقفته، وأسرع الخطى مغادرًا؛ حتى يعود إلى صغيره سريعًا. 


ولج إلى غرفة نومه الحديثة الطراز بفرشها الأبيض، وطلائها الأبيض أيضًا، ليجد "صافي" بانتظاره متأهبة للحظة لقاءه هذه. 


ما إن لم رمقها حتى اشتعل الغضب بوجهه، وسارع إلى مرحاضه الخاص، ليجدها تقطع عليه الطريق متشبثة بمرفقيه وهي تهتف به ببكاء :

- هتفضل متجاهلني كده لحد إمتى؟... هتفضل كل ما تشوفني تتهرب مني بنظراتك لحد إمتى؟ 


حدقها بنيران غضبه وهو ينفث أدخنتها بوجهها مرددًا بحدة :

- لحد ما ابني يفوق من الغيبوبة... لحد ما أرجع أخده في حضني تاني.. لحد ما اسمع صدى ضحكته في البيت.. لحـ... 


قاطعته "صافي" بنحيها الذي خالط أحرفها :

- أنا ذنبي إيه؟... ليه حاطط الذنب واللوم عليا؟... ده ابني وعمري  ماكنت أتمنى أشوفه بالشكل ده. 


اندلعت ثورة "يامن" وأفلت لجامها، فقد آن  الأوان لأن يحرر أصفاد غضبه، ويطلق لصراخه حق التنفيس عن روحه المكلومة، ليصرخ بها بقوة :

- ابنك!.. ابنك اللي فضل ساعتين مغمي عليه وده أقل تقدير للدكاترة... ابنك اللي كنتي مشغولة عنه بجلسة مساچ... ابنك اللي لو ما فاقش من الغيبوبة هدفنه بايدي في التراب، بدل ما كان هو اللي يدفني...


أطبقت أجفانها بقوة، فكلماته مزقت نياط قلبها بسكين تلم، لتهمس بألم بعدما رفعت عيناها إليه :

- قولي أعمل إيه عشان تسامحني... قولي أعمل إيه يا "يامن". 


- تدعي ربنا إن ابني يفوق من غيبوبته، ولحد ده ما يحصل تفضلي تحت رجليه ما تسيبهوش لحظة واحدة، ويومها... ممكن أفكر إني أسامحك. 


وتركها متجهًا صوبه المرحاض ليطفئ نيران جسده بسيل من المياه الباردة. 


مضت أيام متعاقبة ووضع "آدم" ساكن كما هي، "يامن" لم يبرحه قط سوى للاغتسال أو تأدية فرائضه، يجلس إلى جواره يقص عليه الحكايا والطرائف، كذلك بعض ذكريات طفولته مع شقيقه "ياسر" الذي لم ينقطع عن زيارته يومًا هو وزوجته "سومية"، أما "صافيناز" فقد بدأ الملل والتأفف يساروا قلبها، وعقلها، لتنسحب تدريجيًا من مسئوليتها نحو صغيرها، فاستقلت بغرفتها وبدأت تقصد غرفته مرتين فقط في اليوم للاطمئنان عليه؛ حتى عادت لسابق حياتها بكل ما تحويه من صخب، ورفاهية . 


تخلى "يامن" عن عمله وأحل جميع تعاقداته، فأضطر لدفع شروط جزائية باهظة، وبدأت حالته المادية في السوء والانحدار، ليأتيه شقيقه "ياسر" مستاءً:

- عدي أربع شهور وإنت لسه بنفس الحالة دي، وكأن الحياة وقفت عندك عند لحظة غيبوبة "آدم"، وكأنك إنت كمان دخلت معاه الغيبوبة... فوق يا "يامن" الناس نسيتك ودورت على غيرك، إن عارف إن الوسط ده ما بيرحمش، وبيطلع فيه في اليوم ميت مطرب ، ده غير إن حسابك في البنك بقا مدين، وبنسحب علي المكشوف. 


لوح "يامن" بيده في الهواء غاضبًا وهو يهتف :

- لو هنام على البلاط مش هسيب ابني لحد ياخد باله منه، ولا هبعد عنه لحظة واحدة... إنت فاهم. 


- وابنك ده مش محتاج مصاريف وعلاج؟.. تقدر تقولي هتوفر  له الحاجات دي منين؟ 


  

هتف "يامن" بقوة قبل أن يغادر متجهًا إلى غرفة صغيره :

- دي بتاعتي أنا بقا، ما تخصش حد فيكم. 


فرك "ياسر" وجهه بعصبية مفرطة، ليركل منضدة صغيرة ركنية بقدمه بقوة ويفر مغادرًا المكان بفوضاه العارمة. 


التزامات مادية عدة  كانت عبئًا على  كاهل "يامن" ما بين رواتب العمال ببيته، وفتاة التمريض، وأدوية صغيره، ومصاريف الطبيب المتابع للحالة، كل هذا بالإضافة إلى متطلباته الشخصية هو وزوجته، الرصيد مدين والبنك يطالب بالسداد، إذن فلا مفر من التصرف في بعض الحُلي الخاصة بزوجته  والتي أهداها إياها. 


اتجه إلى غرفته بقرار نهائي أن يقترض أحد هداياه الثمينة لبيعها والتخلص بثمنها من جميع التزاماته تلك.  وقف أمام خزانة زوجته يتفحص  صندوق جواهرها لينتقي منه قطعة واحدة يغطي ثمنها التزاماته، ليتوصل إلى عقد من الماس الخالص يقدر ثمنه بالمليون ونصف المليون. أغلق الصندوق ووضعه محله، واستدار مغادرًا ليجد من تقطع عليه طريقه بجسدها المتحفز، وساعديها المعقودة أمام صدرها، لتنفرج منها ابتسامة جانبية متهكمة وهي تردد بسخرية :

- كمان بقيت حرامي ، مش كفاية إنك عواطلي لا شغلة ولا مشغلة. 


رفع "يامن" أحد حاجبيه بصدمة، وهتف مستنكرًا :

- حرامي!... من إمتى وفيه حد بيسرق ماله؟ 


- مالك؟ 


هتفت بها "صافي" مستنكرة قبل أن تسترسل بحديثها :

- مالك إزاي يا حبيبي؟.. أعتقد إن اللي في إيدك ده عقد الألماظ بتاعي. 


- اللي جايبهولك... اللي في إيدي عقد الألماظ اللي أنا جايبهولك، مش اللي بابي جايبهولك. 


  

انقضت "صافي" على يد "يامن" المحتضنة للعقد في محاولة لجذبه بالقوة، إلا أن محاولتها باءت بالفشل حينما أحكم "يامن" قبضته عليه وهو يحدقها بنظرات ذاهلة، ليهتف بها بحدة صارمة :

- مش هتخديه، ولا هتاخدي حاجة من الحاجات اللي أنا جبتهالك. 


اشتعل غضب "صافي" وارتباكها من صدق كلامه، لتهتف به مستنكرة :

- انت طمعان في الهدايا اللي جبتهالي؟! 

  عمري ما أتصور  إن يجي اليوم اللي تاخد فيه حاجة جبتهالي، وكمان تاخدها غصب عني، وبالقوة. 


تضاعفت صدمة "يامن" وهو يردد :

- غصب عنك!.. وبالقوة!

  

- أيوة غصب عني.. وأنا عمري ما هفرط في حاجتي أبدًا حتى لو هتطلق منك. 


ثبات وجمود يُحسد عليه، فلم يتحرك في موضعه إنشًا واحدًا، ولم تهتز به شعرة واحدة، وكان جوابه القاطع :

- إنتي طالق، تقدري تاخدي كل حاجتك ، بس تنسى إن ليكي ابن، و اوعي تفكري يوم إن تشوفيه. 


اتسعت ابتسامتها المتهكمة وهي تردد ساخرة :

- كويس إنك وفرت على نفسك المحاكم والقضايا، وبالنسبة لابني فأنا معتبراه ميت من يوم ما دخل الغيبوبة أصلا، بس هي مسألة وقت بالنسبة لك.


الفصل الثالث من هنا


بداية الروايه من هنا


تعليقات

التنقل السريع
    close