أخر الاخبار

رواية ندوب الهوي الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم ندا حسن

رواية ندوب الهوي الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم ندا حسن 

رواية ندوب الهوي الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم ندا حسن 


الفصل_الحادي_عشر

ليلة العُرس، كانت من أطول الليالي التي مرت عليهما معًا، ومن أجمل الليالي وأسعدها بفضل وكرم من الله، ليلة طويلة عاشت بها كثير من اللحظات السعيدة بجواره متناسيه أنه إلى الآن لم ينطق بحبها بل استمعت بقلبها هذه الكلمات في تصرفاته وأفعاله ونظراته لها...


ارتوى "جاد" أخيرًا بوجودها جواره، أربع سنوات يعشقها في الخفاء منتظرًا أن يأتي الوقت المناسب للبوح بما داخله ناحيتها وها هو قد أتى ليروي اشتياقه وحنينه وليظهر شغفه وحبه لها عبر أفعاله ونظراته التي تتحدث بالنيابة عنه وترسل إليها كلمات الغرام دون مجهود وتتلقاها بفرحة عارمة


ليلة عاشوا بها معًا ينعمون بحلال الله ويستمتعون به أكثر من أي شيء آخر، ينعمون بأفضل اللحظات بينهم بفضل من الله الذي سهل لهم طريق الحلال لأنهم أرادوا السير به..


"قبل اذان العصر في صباح اليوم التالي" 


وقفت "نعمة" وابنتها "مريم" أمام باب شقة "هدير" و "جاد" في المنزل المقابل لهم ومعهم والدته صاحبة الوجه الضاحك البشوش، ابتسمت والدتها وهي تضع إصبعها السبابة على الجرس بجوار الباب وتحدثت لوالدته بحرج:


-والنبي زمانهم نايمين يا أم جاد.. كنا جينا بالليل ياختي


تقدمت والدته منها ثم وضعت إصبعها مرة أخرى على جرس الباب وهي تتحدث هاكمة:


-نايمين دا ايه لأ يصحوا بقى 


أردفت "مريم" بسخرية وهي تبتسم تبادل والدته "فهمية" بتهكم:


-إحنا في العصر يا ماما هيفضلوا نايمين لـ بالليل يعني


ضغطت والدتها بأسنانها على شفتيها بحركة شعبية وهتفت بحدة وضجر مستنكرة حديث ابنتها:


-ايش فهمك أنتِ اسكتي 


أجابتها والدته "فهيمة" مرة أخرى بجدية وهي تضع الاكياس التي بيدها على الأرضية أمام الباب:


-عندهم ياختي وقت قدامهم طويل يناموا براحتهم 


عادت "نعمة" إلى الخلف بظهرها لتستند إلى الحائط وقالت باستنكار وداخلها تود العودة حتى لا تقلقهم:


-وإحنا يعني هنناهم على نومه.. بالله الاسطى جاد هيقوم يكروشنا 


استنكرت والدته الحديث وهتفت بحدة مكرره كلمتها ثم تساءلت بجدية:


-يكروشنا!.. يكروشنا ده ايه يا أم جمال ما أنا عايزه اطمن على هدير بنتي مش بنتي ولا ايه 


تقدمت منها بجدية وهي تنفي سريعًا مقدرة ذلك الحب الذي بداخلها لابنتها:


-لأ ياختي بنتك ونص وتلت تربع كمان 


ضغطت مرة أخرى بحدة على الجرس لوقت طويل وهي تهتف بحنق وضيق من تأخره:


-الله ما تقوم بقى يا واد كل ده نوم


بينما في الداخل كان "جاد" في غرفة النوم متعمق في نومه ولا يشعر بأي شيء يحدث بالخارج، منذ يومان وهو ينام بتقطع ولم يستطيع أن يحصل على الكفاية من نومه وبالأمس ليلته كانت طويلة ولم ينم إلا في الصباح فاستغل ذلك الوقت لينعم ببعض الراحة والهدوء في فراشه، جواره زوجته التي كان يحتضنها بيده يضعها أسفل رأسها والأخرى ممده جواره على الفراش وقابلته هي بيدها التي كانت على صدره، تنام وكأنها لم تنم من قبل في منزلهم ومن يراها يشعر وكأنها معتادة على مثل ذلك الوضع منذ زمن..


تململ "جاد" بانزعاج وداخل أذنيه يستمع إلى صفير حاد يقلقه وهو نائم، ابتلع ما وقف بحلقه لتتحرك تفاحة آدم بعنقه وهو مغمض العينين وقارب على أن يفتحهما ويستفيق ولكن صوت الصفير اختفى من أذنه فرفع يده الممده جواره وأحاط بها زوجته ليكمل نومه...


مرةً واحدة انتفض من مكانه جالسًا بعدما استمع إلى الصوت بقوة دائمة، ميزه سريعًا!.. إنه صوت جرس الباب وهناك من يضع يده عليه ولا يريد تركه حتى أنه أزعج أذنيه ورأسه..


نظر جواره ليرى "هدير" تحاول الجلوس على الفراش وهي تفتح عينيها بصعوبة بعدما ازعجها ذلك الصوت البغيض..


وقف على قدميه سريعًا وهو يمسح على وجهه متمتمًا بالاستغفار بصوتٍ عالٍ أثناء توجهه إلى الخزانة ليأخذ منها ملابس يرتديها على هذه الملابس الداخلية التي من المؤكد لا تليق بأن يفتح بها الباب..


ليس من طباعه التعصب بهذه السرعة أو أن يتحدث عن أحد بالسوء ولكن حقًا من يقف على الباب لا يعرف للاحترام طريق.. أنهم الآن يريدون أن ينعموا ببعض الهدوء والراحة ولم يفتحوا من المرة الأولى إذًا ارحلوا!...


نظر إليها وهتف بضجر بعد أن ارتدى بطال أسود بيتي وقميص أبيض يعلوه من القطن:


-هشوف مين الرزل ده وارجعلك 


أومأت إليه ومازالت لم تستيقظ من نومها بالأصل، أنها تجلس على الفراش وتستند بظهرها إلى ظهره في محاولة منها بأن تفتح عينيها وتستوعب ما يحدث ولكن وكأنها لم تنم من قبل!..


فتح "جاد" الباب حتى قبل أن يغسل وجهه وعليه علامات الانزعاج ليرى من ذلك البغيض الذي يأتي إليه الآن، وعندما رأى المزعج صمت ولم يتحدث غير بالترحاب والابتسامة العريضة لهم ليدلفوا إلى الداخل وهتفت والدته بخبث وهي تعبث معه:


-صباحية مباركة يا حبيبي، بس ايه يسطا جاد أنتَ منمتش قبل كده ولا ايه.. ولا تكونش العروسة حطيتلك واحدة منوم 


أغلق "جاد" الباب وحك مؤخرة رأسه، وكرمش ملامح وجهه بحنق وخجل وهو لا يدري ما الذي يقوله لوالدته الآن:


-لأ بس أصل... أصل كنت جوا في الاوضه ياما والباب مقفول مسمعتش 


رفعت حاجبها إلى الأعلى واخفضته مرة أخرى وهي تنظر إلى والدة "هدير" ضاحكة وتعلم أنه يكذب ولكنها لا تريد أن تخجله أكثر من ذلك:


-آه قول كده 


أردفت والدتها "نعمة" وهم يدلفون إلى داخل الشقة باتجاه الصالون قائلة بابتسامة وحب:


-صباحية مباركة يا ابن الأصول


-الله يبارك فيكي 


ابتسمت "مريم" بوجهه هي الأخرى وهتفت بابتسامة عريضة:


-ألف مبروك يسطا جاد


بادلها الابتسامة والمودة قائلًا:


-الله يبارك فيكي، عقبال يا مريم


مرة أخرى تحدثت والدته متسائلة بعدما جلس الجميع في غرفة الصالون:


-اومال فين العروسة مش هنشوفها ولا ايه... اوعى تكون عملت فيها حاجه!..


استند "جاد" بيده على الحائط أمامها وتحدث بجدية وانزعاج وهو يدري أن والدته تريد أن تعبث معه ولكن لا يجوز أن يكون بهذه الطريقة المُخجلة:


-هعمل فيها ايه بس يا حجه.. وبعدين خفي عليا شوية ها خفي 


استدار وتركهم يجلسون ثم سار ليذهب إلى غرفة النوم وهتف بهدوء أثناء ذهابه:


-هروح أشوفها واجي


أبتعد عنهم إلى الداخل وتركهم يضحكون عليه بعد أن احرجته والدته بحديثها هذا..


فتح باب الغرفة ودلف إليها ثم أغلقه خلفه مرة أخرى بهدوء، نظر ناحية الفراش ليراها، وجدها مثلما تركها عندما خرج بل أنها الآن نائمة على جانبها الأيسر، خصلاتها خلف ظهرها وهناك بعض منهم تمردوا ليستقروا أمام وجهها، وعينيها مغمضة، فوقها غطاء خفيف تخطي به جسدها..


ابتسم "جاد" بحنان وتقدم منها وجلس جوارها على الفراش ثم وضع يده عليها برفق وأخذ يحرك جسدها بخفه لتستفيق:


-هدير!.. يا وَحش اصحى ومتفضحناش بقى 


فتحت عينيها ببطء لتظهر من خلفها تلك العسلية القابعة داخلهما ونظرت إليه وهي تعتدل في نومتها على ظهرها وتمسح بيدها على وجهها ثم تعيد خصلاتها للخلف لتراه ينظر إليها بهيام وشغف قائلًا بصوتٍ حنون خافت:


-دا يا محلا الجواز بقى لو هقوم كل يوم الصبح وأشوف الوش القمر ده 


نظرت إليه مُبتسمة بسعادة غامرة بعد كلماته المغازله لها، وكادت أن تتحدث لتجده يتساءل بحنان يترقب إياها:


-في حاجه بتوجعك أو تعبانة؟.


أومأت إليه بالنفي على استحياء واخفضت وجهها بخجل متذكرة أنه أصبح زوجها حقًا بعد ليلة أمس ثم حاولت الاستفاقة من غيبوبة النوم هذه وهي تبعد هذه الأفكار عنها الآن، هتفت بنعاس قائلة:


-مين كان بيخبط؟


ابتسم بسخرية وهو يتقدم منها في جلسته يلتقط كف يدها بيده ويضغط عليه ليشعر بوجودها جواره ويثبت داخل عقله أن هذا حقيقة:


-قولي مين بره 


تنهدت بهدوء وهي تطالعه بغرابة بعد سخريته هذه وتساءلت من جديد باستغراب:


-مين بره طيب 


أردف مُبتسمًا بجدية:


-أمك ومريم والحجه فهيمة 


زفرت بحنق عندما علمت بحضورهم وأردفت بطريقة فظة تتسائل مرة أخرى:


-يعني مش هنام!


مرة أخرى هو الآخر يتهكم عليها، أفتعل صوتًا بفمه يدل على عدم نومها الآن ومؤكد لم يكن يخلوا من سخريته:


-تنامي ايه بقى مخلاص قُضيت كده.. يلا قومي بسرعة غيري واطلعيلهم 


زفرت مجددًا بحنق وضيق أكبر وهي تسحب يدها منه وتقف على قدميها لتظهر منامتها ذات اللون الأزرق الغامق الذي تفاعل مع بياض بشرتها ليظهر مدى جمالها المُحلل له هو وحده حيث كان بنطال المنامة يصل إلى منتصف قدميها وقميصها بحملات رفيعة للغاية، تقدمت بخطوات هادئة إلى الخزانة لتخرج عباءة منها لكي ترتديها وتخرج لهم وهتفت وهي تقف أمام الخزانة بعد أن فتحتها قائلة:


-طيب حاضر 


وقف على قدميه وعاد إلى الخلف ناحية الباب ثم أردف مرة أخرى بجدية وهو يفتحه:


-هطلع أقعد معاهم.. متتأخريش ها 


استندت بيدها وجسدها على باب الخزانة بعد أن استدارت إليه وأجابته بطريقة فظة وهي تتهكم بضيق:


-حاضر 


تنفس "جاد" بقوة وعمق وهو يهتف بحرارة داخل جسده تطالبة باشياء غير الخروج، غامزًا لها بعينه:


-عليا النعمة وَحش


ظهرت أسنانها بعد تلك الابتسامة المشرقة بفعل كلماته وحركت رأسها يمينًا ويسارًا بخفة وهي تنظر إليه بحب وسعادة لتراه يضغط بيده على الباب وهو يهتف بقوة:


-آه... آه ياحج رشوان


خرج من الغرفة وتركها لتعيد تركيزها على ملابسها ومازلت تبتسم بسعادة، نظرت إلى الباب ثم خرجت منه بهدوء دون أن تفعل صوت لتصل إلى المرحاض القريب من غرفة النوم هو والمطبخ لتغتسل ثم بعد ذلك تتجهز وتخرج لهم..


بعد أن دلفت مرة أخرى وقفت أمام الخزانة ثم أخذت عباءة معلقة أمامها لاستقبال الضيوف في مثل هذه الأوقات، لونها أبيض مزينة برقة، ارتدتها ثم تقدمت من المرأة بالغرفة، مشطت خصلاتها ثم رفعتها للأعلى بدبوس كبير من المنتصف ليتدلى الباقي خلفه على عنقها..


أبتعدت عن المرأة ونظرت إلى هيئتها من بعيد ثم ابتسمت وخرجت بهدوء إليهم، سارت في الممر بهدوء ثم إلى صالة الشقة ومنها إلى غرفة الصالون التي يأتي منها الأصوات، هي إلى الآن لم تلقي نظرة على الشقة!.


دلفت غرفة الصالون ليراها الجميع تدلف بطلتها البهية الرائعة، وجمالها البراق المعهود منها، ورقتها الواضحة على وجهها وملابسها، وقفت والدته "فهيمة" على قدميها بسعادة وهي تبصرها وتبصر جمالها الغير معقول، تقدمت منها وأخذتها تعانقها بقوة وهي تتمتم داخلها بآيات صورة الفلق من عين الجميع وهي أولهم..


-ياختي ايه الحلاوة دي، بسم الله ما شاء الله قمر اربعتاشر... صباحية مباركة يا عروسة 


ابتسمت "هدير" بخجل ورقة وهي تنظر إليها بسعادة وهتفت قائلة: 


-الله يبارك فيكي دا عيونك بس هي اللي حلوة 


استنكرت والدته حديثها وتحدثت بطريقة شعبية أصيلة وهي تفتعل صوت يدل على الاستنكار بفمها:


-عيوني!.. عيوني ده ايه دا أنتِ اللي مفيش منك يا جميل 


ابتسمت إليها بود وهي تبادلها تلك السعادة، وداخلها شعور يكاد يجعلها تطير من الفرح لأجل طيبة والدته وحبها لها واهتمامها بها، كم هي محظوظة بوجودها! إن الله أنعم عليها بكثير من النعم التي لا تستطيع أن تقوم بعدِها حتى، تقدمت من والدتها وشقيقتها وسلمت عليهم بحب كبير وترحاب ثم جلست معهم جميعًا وبعد قليل دق الباب مرة أخرى فذهب "جاد" ليرى من الطارق 


وجد أنه "سمير" ووالده "رشوان" رحب بهم كثيرًا وسلم على والده مقبلًا يده ثم دعاهم للدخول إلى الصالون مع الباقيين وذهب هو إلى المطبخ حيث تكون زوجته..


نظرت إليه بعد أن دلف إليها وهي تضع العصير في الكؤوس على رخامة المطبخ وأردفت متسائلة وهي تعقد حاجبيها:


-مين جه 


أقترب منها وأخذ ما بيدها ثم تحدث بجدية وهو يشير إلى الخارج:


-الحج وسمير روحي البسي طرحة وأنا هكمل عنك 


أومأت إليه برأسها ثم خرجت وتركته يكمل مهمتها بدلًا عنها بهدوء..


ارتدت حجاب فوق العباءة واخفت خصلات شعرها ثم ذهبت للداخل عندهم وقامت بالترحاب بوالده بشدة وقابلها بالحب الشديد الذي ظهر أمام الجميع كوالدته وهذا جعل "جاد" يرفرف من فرط السعادة، ألقت التحية على "سمير" بابتسامة وأكملوا الجلسة بسعادة وهم يتحدثون عن ما حدث في الزفاف وكم من شخص حضر وأشياء من هذا القبيل..


                              ❈-❈-❈


نظرت "هدير" إليه بتذمر وضيق ثم هتفت بصوتٍ عالٍ ليستمع إليها:


-لأ أنا هاخد لفه في الشقة علشان مش معقولة شقتي ومشوفتهاش 


أتى "جاد" سريعًا من الداخل ووقف أمامها بقميصه الداخلي بعد أن أزال ملابسه عنه بسبب الجو الحار وفعلت هي المثل مرتدية قميص قطني طويل مفتوح من الناحيتين أسفل الركبة وصدره مفتوح أيضًا بحمالات رفيعه أسود اللون:


-بالله ما يحصل هنلف فيها سوا 


تذمرت أكتر لأنه لا يريدها أن ترى الشقة إلا معه وبنفس الوقت لا يريد رؤيتها!. هل جُن هذا:


-طب ما تيجي الله 


أقترب منها بخبثٍ ثم وضع يده الاثنين على كتفيها وغمز بعينيه الرمادية الخلابة ونظرته تقُل لها أن هناك أمرًا ما ليتحدث بمكر:


-لأ مهو مش ده اللف اللي أقصده


ضيقت ما بين حاجبيها وهي لا تستطيع فهم حديثه الذي يرمي إليه بكلمات غير مباشرة وتساءلت باستغراب:


-اومال تقصد ايه؟..


غمز إليها مرة أخرى بوقاحة لم يعهد فعلها ولكنها لزوجته إذًا فليتقنها، تحدث بصوتٍ ماكر خبيث:


-كلك مفهوميه


نفضت يده عنها بحدة وداخلها تود الابتسامة بقوة ولكن خجلها الذي لم تتغلب عليه كليًا يسيطر عليها إلى الآن، هتفت بحدة مضحكة وهي تتراجع للخلف: 


-لأ خلينا نتفق من دلوقتي أنا مش بحب قلة الأدب.. آه 


أقترب منها مرة أخرى ووضع يده كما كانت وتحدث بلين ورقة وعينيه الرمادية تقابل عسليتها في نظرة حانية:


-لأ خلينا إحنا نتفق من دلوقتي دي مش قلة أدب ده حلال الله 


أخفضت نظرات عينيها إلى صدره مبتعدة عن حدقتيه بخجل ثم رفعت وجهها مرة أخرى إليه تتسائل برفق وصوتٍ خافت:


-هتفضل تغلبني بكلامك لامتى؟..


أبعد إحدى يداه عن كتفيها ووضعها فوق موضع قلبها مُتحدثًا ولوعة الحب داخلة تشتعل أكثر: 


-لحد ما أخد قلبك منك ويبقى ملكي 


استنكرت حديثه الأبلة وأجابته بسخرية واضحة والابتسامة على محياها:


-فكرك لسه ماخدتوش!..


تنهد بعمق وهو يعلم أن اعترافها هو الوحيد الذي سيثبت له أنها تحبه وغير ذلك لن يأخذ بأي أفعال، ربما أفعالها ونظراتها ووقوعها بين يديه بالأمس طيلة الليلة يثبت به أنها تحبه، ولكنه لن يأخذ إلا بالاعتراف، إذًا لما لا يطبق الوضع عليه هو الآخر؟:


-حاجه واحدة هتثبتلي إني اخدته 


سألته باستفهام حتى تفعل ما يريده وتثبت له أنها تحبه ولا تريد غيره ربما في السابق لم ولن تكن تفعل ذلك ولكنه الآن زوجها فحلال أن تقول ما يهواه وربما هو الآخر يقول ما تريد الاستماع إليه:


-ايه هي؟..


أبعد يده وابتسم بهدوء ليبتعد عن الحديث هذا حتى لا يلفت نظرها لشيء يريده فتفعله فقط لأنه يريده:


-كده ابقى بغششك... لازم تيجي منك 


أبتعد عن هذا الحديث نهائيًا وهو يشير إليها بيده لتنظر إلى الشقة ويلهي عقلها عن كلماته:


-تعالي ياستي نلف الشقة من أول الباب 


نظرت إليه وهو يسحب يدها ويتجه إلى الباب، إنها تعلم أنه يريد الإبتعاد عن هذا الحديث ويلهي عقلها حتى لا تفكر فيما يريد وتفعل دون تفكير.. لا يعرفها!..


هي لن تفعل أي شيء إلا أن كانت مقتنعة به وتريد فعله عن حق، لو هي لم تحبه إلى الآن فلن تقول أي شيء ولن تفعل أي شيء يدل على ذلك من الأساس، عليه أن يفكر قليلًا ويبدأ من نقطة البداية خاصته لتستكمل هي الطريق..


تحدث بهدوء وهو يمسك بيدها يدلف من عند الباب وصولًا إلى الصالون:


-هنا الدخلة بتاعت الشقة فيها الكرسي الكبير ده، ودي الصالة الكبيرة فيها ركنه والعفش اللي بينهم أهو قدامك


نظرت إلى كل ما يتحدث عنه وهي تقول داخلها كلمات الذكر بسبب جمال الشقة التي الآن لفتت نظرها إليها، ألوان الحوائط هادئة وجميلة والمفروشات بالأرضية راقية تتماشى مع الألوان والأثاث.. بداية الشقة صالة واسعة بها مقعد كبير وثير مظهره رائع تدلف على صالة أخرى غيرها بها ركنة ملتفة حول حوائط الصالة الثلاثة لونها أزرق غامق يتداخل معه اللون الأبيض لتظهر بشكل جميل يلفت النظر إليها وفي المنتصف طاولة صغيرة الحجم ليكتمل المظهر مع شاشة تلفاز كبيرة على الحائط..


تقدم إلى الجهة اليمنى من الشقة ودلف إلى ممر صغير أمام الغرف والأبواب المغلقة:


-هنا بقى المطبخ وأنتِ دخلتيه والحمام بردو واوضه النوم 


لم يدلف أي منهما لأنها بالفعل ولجت إليهم ورأت ما بهم، كان ممر على الناحية اليمنى منعزل عن باقي الشقة مختفي ما بداخله عن الأعين بالخارج به المطبخ والمرحاض جوار بعضهم وعلى مسافة صغيرة غرفة النوم، عاد مرة أخرى إلى الصالة ومازال يتمسك بيدها وهي تسير جواره ودلف إلى الجهة اليسرى للشقة وأول غرفة دلف إليها كانت غرفة الأطفال الصغيرة: 


-والناحية التانية دي اوضه الأطفال أهي


ولج إليها معها بعد أن فتح الباب وأشعل الأضواء لتنظر إلى الأثاث باللون الأبيض الجميل الذي يظهر وكأنه لأول مرة يوجد.. الغرفة بها فراشين صغيرين وخزانة صغيرة أيضًا ومرآة وعلى الحائط رفٍ صغير في الخلف يحمل بعض التحف وكم كانت جميلة ورائعة تشعرها باللطف الشديد ناحية وجود أطفال هنا..


خرج منها ليدلف إلى الغرفة المجاورة: 


-وهنا الصالون شوفتيه 


خرج منها سريعًا لأنها رأته قبلًا ليدلف إلى الغرفة المجاورة لغرفة الصالون:


-ودي آخر حاجه السفرة... آه نسيت أن فيه بلكونه في الصالة بره وفي بردو في الصالون أهي 


نظرت إلى غرفة السفرة التي كانت تحتوي على سفرة لونها بني غامق مائل للاسود كباقي الأثاث ويحاوطها ستة من المقاعد متقابلين وخزانة النيش موجودة بها أيضًا..


نظرت إليه وتحدثت بسعادة والانبهار داخلها يزداد بهذه الشقة التي أصبحت هي سيدتها بعد شقة صغيرة ملك لوالده يمن على أهلها بها: 


-مكنتش متخيلة أصلًا إن العفش هيبقى حلو أوي فيها كده.. ده تحفه ما شاء الله


تقدم منها ليقبل أعلى رأسها قائلًا بحنان هائل وعشق يتضاخم داخله كلما نظر إلى عينيها العسلية:


-تتهني فيها وأنتِ معايا يا وَحش 


ابتسمت بوجهه بحب تود لو يراه دون حديث بينهم، لتوضح الرؤية لكليهما، سار إلى غرفة الصالون مرة أخرى وهي خلفة ثم رفع صينية الأطباق الفارغة من على الطاولة وهتف بسخرية ضاحكًا وهو يتذكر عبثه مع ابن عمه: 


-الولا سمير أكل الجاتوه 


زفرت بهدوء وهي تُجيبه بابتسامة هادئة:


-يا جاد حرام عليك بجد أنتَ ليه بتحب تحرجه كده 


نظر إليها وهو يضع الأطباق في حوض الغسيل بعد أن دلف للمطبخ وأردف بتهكم صريح وكلماته تدل على أن هناك بينهم شيء خفي:


-هو ده بيتحرج اسكتي أنتِ متعرفيش حاجه


نظرت إليه باستغراب متناسية حديثهم عن ابن عمه عندما رأته يغسل الأطباق أمامها دون وجود أدنى مشكلة منه: 


-أنتَ بتعمل ايه سيب وأنا هعملهم وهحضر الغدا 


نظر إليها ومازال يقوم بعمله مع الأطباق أسفل المياة وأردف بمرح ومزاح معها وهو يخبرها كيف سيكون في الأيام المقبلة عليهم:


-طول ما أنا فايق ورايق كده هساعدك في المطبخ وطول ما أنتِ في حياتي هبقى فايق ورايق يعني هساعدك على طول... ولا عندك اعتراض 


استندت بظهرها على حائط المطبخ أمامه ورفعت إحدى قدميها تستند بها لتظهر القدم الأخرى بسخاء ووضعت يدها الاثنين خلف ظهرها ليضيق القميص عليها أكثر وتصبح مغرية أمامه بشكل لا يُصدق:


-لأ يا سيدي براحتك 


ابتلع ما وقف بجوفه لتتحرك تفاحة آدم خاصته المغرية بالنسبة إليها وأخذ يمرر بصره على كامل جسدها بدقة وأردف بخبث:


-ما تيجي أقولك حاجه 


اقتربت منه ووضعت يدها على كتفه منتظرة منه أن يتحدث:


-قول 


ترك ما بيده وغسلها أسفل المياة ثم أغلقها وفي لمح البصر أمامها كان ينحني إلى الأسفل ليرفعها على ذراعيه بقوة وهو يبتسم بمكر والخبث يظهر في نظراته لها:


-لأ مش هنا... دي حاجه سر مش هينفع الحلل والكوبيات تسمعها 


أطلقت ضحكة رنانة بجانب أذنه ليبتلع ريقه مجددًا ويزفر بعنف أمامها وهي تضع يدها حول عنقه ولا تدري أين ذهب حيائها وذلك الخجل الذي كان يلازمها منذ قليل فقط!.. يبدو أنه حل مكانه السعادة والراحة طلما كان هو جوارها وتخلى عنها الخجل ليترك مساحة لتلك الأنثى القابعة داخلها وتجعلها تخرج ليراها ذلك الزوج الحنون العاشق لها دون علم أحد حتى هي..


                                ❈-❈-❈


لقد وضعت نفسها في مأزق عندما تزوجت ذلك الفقير الوضيع، حذرتها صديقتها وكل من حولها بأن لا تتزوجه، ليس له أصل ولا تعرف له أحد، عرفته وحيد وهو إلى الآن كذلك، لم يكن جيبه يحتوي على مئة جنيهًا ولكن الآن أصبح ممتلئ بالمال بفضلها..


أصبح يملك قناة شهيرة على التلفاز يعمل بها كل من لديه شأن من ممثلين ومقدمي البرامج وغير ذلك، أصبح رجل مهم وسط زملائها ووسط الجميع أينما يذهب يجد من يعرفه ويرحب به وكأنه رئيس يحكم دولة..


أغراها مظهره الوسيم وعنفوانه منذ خمسة سنوات وأحبت أن يكون ملك لها تتباهى به أمام الجميع وتتحدث بحصولها على رجل مثل هذا في شبابه وحيويته..


قدمت له القناة على طبق من ذهب، نعم لم تكن كـ الآن نهائيًا وهو من عمل عليها وأسس كل شيء بها لتكن بهذه الشعبية الكبيرة في البلدة بأكملها..


الآن هي ملت منه ومن وجوده معها، تريد التحرر والابتعاد عنه، حدثت فجوة كبيرة بينهم منذ سنة تقريبًا عندما بدأ يظهر للجميع أكثر وأكثر وأصبح النجاح يحاوطه من كل جانب، غارت منه وبشدة ورأته، يزدهر وهي ينطفئ بريقها..


ظلت تتحدث دائمًا بأنه لا يملك شيء ولم يكن هذا الذي عليه الآن بل كان فقير ضائع، كبيره في القناة أن يكون عامل تنظيف وهو كان لديه كرامة واحترام لذاته ولم يكن يعلم أنها كذلك إلا بمرور السنوات عليهم..


لم يقابلها منه إلا البرود التام!.. الذي أغاظها كثيرًا وجعلها تود أن تقتله..


وضعت السيجارة بالمنفضة أمامها على الطاولة وأخذت الهاتف من عليه ثم أجرت إتصال به ووضعته على أذنها تنتظر رده عليها..


خاب أملها ككل مرة لا يُجيب عليها، زفرت بضيق واستهجان ثم أجرت الإتصال مرة أخرى مقررة داخلها أنها لن تتوقف إلا عندما يُجيب عليها..


على الناحية الأخرى كان هو ممد على الفراش في منزله الآخر مع زوجته الثانية "شهيرة" صديقتها!..


التي وجد الدفء بين أحضانها، وعوضته عن حرمانه الذي وجده عند "كاميليا"، لقد قدمت له الحب والاحترام والحنان في كل حديثها وأفعالها معه غير منتظرة أي مقابل مادي منه بل كل ما كانت تريده هو حبه فقط وأن لا يعكر صفوه بسبب ما تفعله به "كاميليا"..


أعتدلت زوجته في جلستها وهي تستند على مرفقها فوق الفراش لتتحدث بقلق وهي تنظر إليه:


-رد عليها يا عادل ليكون حصلها حاجه 


استهزأ حديثها عن زوجته الأخرى وما الذي سيجري لها فهي هذه القوية بلسانها قبل أي شيء:


-هيحصلها ايه يعني!.. دي زي القطط بسبع أرواح


وضعت كف يدها على مقدمة صدرها حتى تستعطف إياه بلهفة ليُجيب عليها الهاتف:


-طب معلش علشان خاطري شوف مالها 


ابتسم بحنان وهو ينظر إليها واعتدل في جلسته على الفراش يستند بظهره إلى الخلف ومد يده إلى الكومود يأخذ الهاتف من عليه متحدثًا بنبرة رقيقة تليق بها:


-علشان خاطرك بس


فتح الخط عليها ووضع الهاتف على أذنه ببرود ليردف بتهكم وسخرية يملؤها البرود:


-أيوه.. مالك.. مش صابره ليه 


استمع إلى صوتها على الناحية الأخرى يأتي بحدة:


-أنتَ فين؟


-وأنتِ مالك 


استشعر ضيقها من حديثه الفظ وزفرتها العالية قبل أن تردف بحدة وعصبية:


-يعني ايه وأنا مالي.. لأ مالي ونص، تعالى دلوقتي حالًا على البيت عايزاك 


ابتسم بسخرية واضحة حتى أن زوجته "شهيرة" استغربت ذلك ولكنها فهمت سخريته عندما أكمل حديثه معها:


-اوه بجد.. لأ لو كده مسافة الطريق وجاي 


صرخت به عبر الهاتف بقوة ليبعد الهاتف عن أذنه وهو يستمع إليها:


-أنتَ بتستهبل بقولك عايزاك دلوقتي حالًا 


مرة أخرى يُجيب ببرود قاتل ليفعل بها ما أراد رؤيتها به:


-معلش خلي الخناقة لبكره.. بالسلامة 


أغلق الخط بوجهها ثم أغلق الهاتف كليًا ووضعه على الكومود جواره كما كان ليستمع إلى صوت زوجته التي تحدثت بجدية:


-أنتَ ليه بتعمل معاها كده يا عادل مش قولت هطلقها.. هي طالبه الطلاق طلقها بقى وكفايه لحد كده أنتَ جننتها أهو 


نظر أمامه إلى الحائط وغاب في ذكرياته البشعة معها ليتحدث بقهر وخذلان قد رآه على يداها:


-ولسه... ولسه هجننها أكتر، أنتِ متعرفيش حاجه، دي بنت ***، مش هيعرفها غير اللي يعيش معاها 


أعتدلت لتجلس جواره ووضعت يدها على كف يده عندما شعرت أنه يتذكر ما فعلته به ولأنه لديه احترام لذاته ولكرامته يعبث ذلك به دائمًا:


-طب ما تخلصها وتخلص نفسك


نظر إليها وأردف بقوة وتصميم على ما في رأسه بعدما واجهه معها:


-لأ أنا عن نفسي مرتاح كفاية وجودك جنبي يا شهيرة لكن هي لازم تدوق من نفس الكاس اللي دوقته ليا، لازم تشوف المُر بسببي.. أنا شوفت منها تهزيق وشتيمه وقلة قيمة من لسانها الزفر ده عمرك ما تتوقعيها، بتعايرني إني مكنش حيلتي حاجه!.. وأنا كنت هعوز ايه من الدنيا غير ستر ربنا ورضاه عليا وأهو جعلها سبب علشان أكون في النعمة اللي أنا فيها.. بس دي واحدة لا تعرف ربنا ولا غيره لازم اعذبها زي ما عملت معايا لما كانت بتقل من قيمتي قدام الحوش بتوعها علشان تخليني أتنازل عن القناة اللي شقيت فيها ليل ونهار 


ابتلعت ما وقف بحلقها بعد أن رأت تصميمه على الانتقام منها بعدم طلاقه لها وبروده معها الذي سيجعلها تذهب للجنون بقدميها، أنها إلى الآن تخاف أن تكون تلك الصديقة الخبيثة التي سرقت منها زوجها:


-عادل أنتَ دلوقتي مش محتاج منها حاجه هي اللي هتتجن علشان تخليك تتنازل ليها عن القناة أنتَ أكيد مش هتعمل كده بس طلقها وسيبها تروح لحال سبيلها... أنا لحد دلوقتي كل ما بشوفها بحس إني خاينة بردو مهما حصل انتوا كنتوا واحد ومراته وهي ماذتنيش علشان أعمل كده واتجوزك... ريحها وأعمل اللي هي عايزاه وريحني أنا كمان 


أمسك بكف يدها وتحدث بجدية وقوة لتفهم ما الذي يريد أن يقوله لها وليجعلها تعلم أيضًا أنها ليست شخص بشع بل هي كانت من أفضل الأشخاص الذي قابلهم من ناحية زوجته الحقيرة:


-أنا عمري ما هتنازل عن القناة، دا على جثتي ومحدش هيتهنى بخيري غيرك أنتِ وولادي وبس وبعدين أنتِ تحسي بالخيانة ليه؟. تحسي بكده لما تبقي اخدتيني منها لكن أنا اللي جتلك من عمايلها السودة وكرشتها ليا.. أنا اللي اخدتك، أنتِ عمرك ما كنتي خاينة ولا هتكوني أبدًا 


سألته باستفهام وهي تعقد ما بين حاجبيها:


-هطلقها؟..


أومأ إليها برأسه مؤكدًا حديثها وأكمل:


-صدقيني هعمل كده بس مش دلوقتي.. فاضل شوية صغيرين 


-زي ما تحب.. بس بلاش تؤذيها 


ابتسم إليها وقربها منه يقبل أعلى جبينها، أنها توصيه بأن لا يؤذيها وتشعر بأنها خائنة لصديقتها وتقول أنها لم تؤذيها يومًا!.. مسكينة لا تعلم ما الذي فعلته صديقتها "كاميليا" عندما تقدم لها ذلك الممثل المشهور الوسيم الذي أعجب بها عندما رآها معها، لا تدري أنها منعته عنها قائلة بأنها لا تناسب أحد من هذا الوسط لأنها ليست على ثقافة مثلهم وليست تحمل الجمال الكافي لتكون نصفه الآخر وغير ذلك كثير على الرغم من أنها بيضاء بشدة وجسدها ليس نحيف بل يمتلئ قليلًا ومع ذلك مضبوط تمامًا، جسدها ملتف ويحمل البشرة البيضاء ووجهها مستدير ملامحه رقيقة مثلها وخصلاتها شقراء طبيعية..


                                 ❈-❈-❈


"بعد مرور أسبوع"


كانت تسير "مريم" خارج الحارة في منتصف النهار وهي عائدة من إحدى جلساتها مع اصدقائها..


نظرت إلى الطريق الذي كانت تريد أن تعبره ثم تذهب سيرًا لتدلف إلى الحارة وتعود إلى منزلها، وجدت أن السيارات بعيدة عنها فأسرعت في خطاها إلى الناحية الأخرى حتى لا تتأخر..


استمعت إلى هاتفها يصدر صوت مكالمة هاتفية فوقفت لتخرجه من الحقيبة الصغيرة التي تتماشى مع حجابها وحذائها الأبيض على فستان أزرق اللون أظهر جمالها وبياض بشرتها الجميلة..


-أيوه يا هدى أنا خلاص روحت أهو 


صمتت لتستمع إلى الطرف الآخر والتي كانت صديقتها تطمئن على وصولها لأنهم تركوها في التاكسي بعد أن غادروا..


أجابتها مرة أخرى بجدية وهي تبتسم:


-لأ ياستي متقلقيش أنا خلاص هدخل الحارة لما أروح البيت هكلمك 


أبعدت الهاتف عن أذنها وأغلقته ثم وضعته مرة أخرى في الحقيبة وسارت لتذهب إلى البيت، عندما بدأت في السير استمعت إلى صوت تعرفه جيدًا أوقف الدماء بعروقها وجعل جسدها يرتجف خشية منه:


-رجعنالك يا جميل


وقفت مكانها من هول الصدمة ثم بعد لحظات تحاول فيهم أن تتحكم باعصابها استدارت لتنظر إليه وداخلها تدعو الله أن يكن غير الذي أتى بخلدها ليمر اليوم بسلام وحتى لا تعود تلك الأيام التي كانت ترتعش بها من الرعب..


ولكن خاب أملها عندما نظرت إليه ووجدته هو عن حق، لقد عاد بعد عام مرة أخرى لينفذ ما أراده منها!..


استجمعت شجاعتها مثلما قالت لها شقيقتها في السابق وحاولت أن تظهر أنها لا تخشاه وليس هناك خوف من الأساس وصاحت بقوة:


-أنتَ عايز ايه مش كنا خلصنا بقى


ابتسم بسخرية لتظهر أسنانه الصفراء ناظرًا إليها بخبث ومكر يظهر على وجهه مع هذه الندبة الكبيرة التي تحتل وجنته اليمنى بالكامل بداية من فوق عينيه إلى جانب شفتيه:


-لأ يا مريومة مخلصناش.. دا اللي شغلني عنك إني سافرت السنة اللي فاتت واديني رجعت أهو يا جميل


رفعت سبابة يدها اليمنى أمام وجهه وهي تتحدث بشراسة حاولت أن تكون حقيقية قدر الإمكان وداخلها ترتعش خوفًا: 


-أبعد عني أحسن قسمًا بالله اجيبك نصين 


ضحك بصوتٍ عالٍ وهو يراها هكذا تتحدث بهذه القوة والشراسة وهي في السابق لم تكن تستطيع أن تنظر إليه حتى ولكن شقيقتها كانت عكسها تمامًا:


-يابت!.. لأ عجبتيني الظاهر أختك علمتك إزاي تخربشي 


تهكمت بسخرية عليه وهي ترفع أحد حاجبيها بقوة:


-لأ علمتني إزاي أفتح دماغ اللي قدامي مش اخربشه بس 


تضايق كثيرًا منها ومن ذلك الدلال الزائد عليه وبدأ في الملل منها:


-متسوقيش علينا العوج يا حلوة أنتِ مش قدي وأنتِ عارفه كده كويس


أجابته مرة أخرى بجدية وضيق شديد احتل كامل ملامحها وجسدها وودت الهرب منه الآن ولكنها خائفة من داخلها بشدة فآخر مرة عارضته كان سيسكب عليها مياة كاوية:


-أنا قدك ونص يا حيلتها 


استند إلى الحائط جواره ورفع حاجبه وهو يتذكر عندما ذهبت شقيقتها إلى والده وقالت له إن لم يبعد إبنه عن شقيقتها ستأتي به إليه مُحمل: 


-يابت اتلمي أنتِ اللي رحمك مني المرة اللي فاتت أبويا المرة دي مفيش.. أبويا الله يرحمه


هتفت بحرقة والنيران تنهش داخلها خوفًا ورعبًا منه ولكنها تتحلى بغير ذلك: 


-شلا كنت أنتَ مكانه يا بعيد 


ابتسم ببلاهة قائلًا بسماجة ونظرة كريهة من عينيه لها:


-وأهون عليكي 


نظرت إليه بحدة ثم بصقت على الأرضية وهي تستدير لترحل من وجهه سريعًا قبل أن يأخذها في حديث أخر..


عندما وجدها تستدير لتذهب أبتعد سريعًا عن الحائط وأخذ خطوة واسعة ليمسك بذراعها بقوة وهو يديرها إليه بحدة:


-تعالي هنا رايحه فين 


صرخت بوجهه وهي تجذب ذراعها منه وجسدها يرتعش لأجل فعلته المباغتة التي اشعرتها بالاشمئزاز، وتفكيرها يحدثها بأنه يفعل غير ذلك كثير:


-نزل إيدك يا حيوان عني 


ما كاد أن يتحدث إلا أنه وجد من يقف في المنتصف بينهم ينظر إليها بحدة وعصبية وكأن وجهه يخرج شرارات الغضب متحدثًا بنبرة رجولية حادة:


-مريم!.. مين ده 


نظرت إليه بخوف ووضعت يدها على فمها وتكونت الدموع داخل حدقتيها فنظر إليها باستغراب واستشعر أنها تعرفه دون علم أهلها ولكن أبعد ذلك التفكير عن رأسه عندما قالت بخفوت وخوف:


-معرفوش 


استمع إلى الآخر يقول بعصبية وانزعاج وكان على استعداد للعراك معه:


-أنتَ اللي مين ياعم القمور 


نظر إليه "سمير" بدقة يحدد من ذلك الذي يظهر على وجهه الإجرام ولم يتحدث بعد ليراه يحاول أن يمد يده ناحيتها مرة أخرى فوقف حائل بينهم ثم دون أي حديث أعطى له لكمة قوية أسفل عينيه جعلته يعود للخلف مترنحًا ووقف "سمير" ينظر إليه بتشفي وراحة:


-بتمد إيدك عليها ليه يا ابن الـ*** 


رفعت كفي يدها على فمها مخرجة شهقة عالية من بين شفتيها عندما وجدته يلكمة، هكذا هو يفتح على نفسه أبواب الجحيم أمام ذلك المجرم..


رأته وهو يعتدل في وقفته أمام "سمير" ثم ابتسم عليه بسخرية وأخرج من جيبه الخلفي مدية حادة ليفتحها أمام وجهه يحاول أن يصيبه بها..


لوح بها أمام وجهه عدة مرات و "سمير" يحاول أن يتفادها في كل مرة حتى لا تُصيبه، بينما هي عندما رأته أخرجها من جيبه أخذت الدموع تخرج من عينيها بخوفٍ شديد عليه وسارت بعيد عنهم لتأتي بأحد من على الطريق ويوقفهم


وهو يحاول إصابته بها بإصرار شديد، أمسك "سمير" يده الحاملة المدية بمهارة وضرب عليها عدة مرات لتقع منه المدية على الرصيف فأمسك به من ياقة قميصه جاعله ينحني على نفسه وضربه بركبته في فمه ووجهه عدة مرات متتالية جاعلة يفقد توازنه..


دفعه على الأرضية وجلس فوقه يسدد له اللكمات القوية التي أخرجت الدماء بغزارة من وجهه.. فدفعه بقوة من فوقه ليقع عنه "سمير" واستغل هو ذلك ووقف سريعًا على قدميه هاربًا من أمامه ونظر إليها بعدما عادت بشخصين إليهم وأردف بقوة وتصميم:


-مش هسيبك 


نظرت إلى "سمير" بخوف شديد ثم ذهبت سريعًا لتذهب إلى داخل الحارة فوقف على قدميه سريعًا يتقدم خلفها وهو ينادي باسمها بحدة:


-مريم... مريم استني عندك 


أسرعت في خطاها وهو خلفها لا تريد الوقوف معه أو التحدث إليه أو أي شخص غيره، فقط تريد الوصول إلى شقيقتها لتخبرها بعودته مرة أخرى وشعورها بأن النهاية تقترب عليها بسبب ذلك المجرم، وهو على الناحية الأخرى يريد أن يعلم ما الذي يحدث معها ومن ذلك وكيف يتجرأ ويلمسها بيده ولما أيضًا هي تهرب منه..


ظل خلفها ينادي باسمها بقوة وحدة أمام الجميع إلى أن دلفت إلى الشارع الخاص بهم تجاهد في الوصول قبله إلى منزل شقيقتها وهو خلفها أقسم داخله أن يذهب خلفها أينما ذهبت وسيعلم ما الذي يحدث..


  #ندوب_الهوى

#الفصل_الثاني_عشر

#ندا_حسن


      "سعادة مُفرطة على هيئة هواء يطير في الأجواء

         ليستنشقها الجميع شاعرًا بأن الحياة تبدلت

                   كم يكون هذا الهواء النقي؟"


ولجت إلى داخل المنزل وسارت في الرواق بسرعة شديدة لتصل إلى الدرج ثم صعدت عليه ركضًا وهي تلهث بعنف والخوف يزداد داخلها وقلبها يخفق بقوة من أثر هذه المفاجأة التي واجهتها بشراسة غير معقولة، دقت الباب بقوة ثلاث مرات متتالية لتستمع إلى صوت "جاد" الصارخ من خلف الباب بعنف معلنًا أنه قادم..


فُتح الباب أمامها ولم تنتظر أن يتحدث هو بل أسرعت تتساءل عن شقيقتها والعرق يتصبب من وجهها بالكامل:


-هدير فين؟


استغرب هيئتها الغير مُرتبة وتوترها الذي يظهر بوضوح غير لهاثها بعنف أمامه وسؤالها الملهوف على شقيقتها!:


-جوه ادخلي 


دلفت إلى الداخل ووقفت جوار الباب تزيل عن قدميها حذائها ثم تقدمت للداخل خطوات قليلة فأغلق الباب مُستديرًا ينظر إليها باستغراب شديد ليراها تستدير تنظر إليه تتسائل بعينيها عن مكان شقيقتها فأردف قائلًا:


-في اوضت النوم 


سارت إلى الداخل واختفت في الممر المؤدي إليها، تقدم بخطواته إلى الداخل ليذهب إلى غرف الصالون ولكن أعاق ذلك صوت الباب الذي ارتفع دقه بقوة مرة أخرى


عاد أدراجه إلى الباب مرة أخرى وداخله مدهوشًا مما يحدث ولا يدري ما هو، فتح الباب ليرى ابن عمه أمامه بمظهر غير مُرتب هو الآخر والعرق يتصبب منه مثلما أتت "مريم" قبله، بل ويبدو أنه كان في شجار ما، أفسح له الطريق ليدلف وتسائل باستغراب:


-ايه اللي عمل فيك كده 


ألغى سؤاله الذي وقع على مسامعه أو تجاهله أيهما أقرب، وتسائل بحدة وثقة وهو يدلف إلى الداخل يبحث بعينيه عنها:


-فين مريم؟


استغرب "جاد" سؤاله عنها بهذه الطريقة وربط مظهرها بمظهره ودخولها بهذه الطريقة ثم هو خلفها يبحث عنها؟..:


-وأنتَ بتسأل عليها ليه وبعدين رد عليا ايه اللي عمل فيك كده؟


تقشعرت ملامح "سمير" بالضيق والرفض لأسئلة "جاد" وهو يريد أن يعلم أين هي ثم مَن ذلك البغيض ثم كثير من الأشياء في رأسه:


-جاد أنا مش فايقلك هي فين 


أبصره بتمعن وتحدث إليه بقوة وحدة وهو يدفعه للإمام ليدلف إلى صالون الشقة:


-هو ايه ده اللي مش فايقلي هو أنا بقولك تعالى نلعب ما تظبط ياض.. مين عمل فيك كده وعايز مريم ليه؟


زفر "سمير" بغضب وهو يدري أن ابن عمه لن يصمت إلا عندما يعلم كل ما حدث:


-ما هي السبب في اللي أنا فيه ده 


ضيق عينيه الرمادية وهو ينظر إليه باستغراب من حديثه الغريب وتسائل باستفهام:


-إزاي


قص عليه "سمير" ما رآه بداية من وقوفها مع ذلك الشاب ثم إلى أن تلمس يدها وكل ما مر وهو هناك إلى قدومه إلى هنا، وظهر الغضب والضيق الشديد على ملامحه ومع خروج كل حرف من بين شفتيه يُظهر أكثر كم هو مُختنق ويود الفتك بذلك البغيض الذي رآه، وقف "جاد" على قدميه متقدمًا إلى خارج الغرفة ليستفهم عن الذي حدث معها ولما أتت إلى "هدير"؟. ربما لتخبرها بما حدث فقط! أم هناك شيء آخر؟.. 


قصت "مريم" كل ما حدث معها إلى شقيقتها "هدير" والتي كانت على دراية تامة بكل ما حدث في السابق من ذلك المجرم المجنون الذي أراد شقيقتها أن ترافقه دون مسمى موجود في حلال الله، وعندما تقابل بالرفض أخرج هواية المجرم الحقيقية ومهنته عليهم..


أردفت "مريم" بخوف وضعفٍ شديد لشقيقتها وهي تجلس على الفراش أمامها:


-أنا خايفة يا هدير دا مجرم ومجنون ممكن يعملي أي حاجه 


صاحت شقيقتها بحدة وصوتٍ جاف بعد أن نظرت إليها بقوة تنفي حديثها:


-أنتِ اتهبلتي يا مريم يعملك ايه دا أنا اقطعه بسناني


أكملت حديثها بعد أن توجهت للين لتقنعها بعدم الخوف منه ولكنها فشلت في ذلك:


-متخافيش يابت دا بس بيهوش مش هيعمل حاجه زيه زي مسعد بالظبط 


وقفت "مريم" على قدميها وأجابت شقيقتها بتأكيد مما تقوله وتود تذكيرها بما كان سيفعله الاثنين:


-بس هو حاول قبل كده يرمي عليا مايه نار ومسعد حاول يغتصبك يعني مش بيهوشوا 


ارتسم الضيق على ملامح "هدير" بوضوح وهي تستمع من شقيقتها إلى ما حدث من قِبل ذلك المعتوه "مسعد":


-يوه يا مريم هو أنتِ لازم تفكريني بالغم ده.. مش هيعمل حاجه أنا بقولك أهو ولو خايفة أوي نعمل محضر في القسم 


تعلقت "مريم" بتلك القشة التي يتعلق بها الغريق لإنهاء خوفها ولعيش حياة طبيعية مثل أي شخص آخر:


-أيوه.. أيوه هو المحضر وعلشان نثبت إنه بيتعرضلي سمير يشهد باللي شافه، أكيد هيخاف.. أكيد 


نظرت إليها "هدير" بتمعن، إن "مريم" على عكسها تمامًا فعندما كان "مسعد" يطاردها كانت تواجهه بشراسة بينما شقيقتها تنتفض رعبًا الآن بعودة ذلك المختل:


-خلاص يابت متخافيش بقى الله!.. ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾


أردفت "مريم" متمتمة باقتناع وهي تجلس تحاول أن تشعر ببعض الهدوء والراحة:


-ونعم بالله 


استمعت إلى صوت دق باب الغرفة وصوت "جاد" خلفه يستأذن بالدخول، وقفت "هدير" على قدميها لتفتح له الباب فتقدم إلى الداخل وهو ينظر إليها باستغراب وعيناه الرمادية تتسائل عن الذي يحدث من خلفه فنظرت إلى شقيقتها تشير إليها بعينيها..


أكمل سيره إلى داخل الغرفة ثم جلس مقابل "مريم" على مسافة مناسبة وتحدث بهدوء وصوتٍ رجولي:


-سمير قاعد بره من ساعة ما دخلتي هنا ومش عايز يمشي غير لما تفسرليه اللي حصل 


أومأ برأسه بجدية وهو ينظر إليها مسترسل حديثه:


-يمكن مالوش الحق في كده بس هو شايف نفسه مسؤول عنك في أي مكان برا الحارة لأنك أخت مرات أخوه وهو هنا عنده حق


رفع وجهه إلى "هدير" الذي مازالت تنتظر عند باب الغرفة وتستمع إلى حديثه المُرتب المُقنع:


-ولو أنتِ مش عايزة تقولي لسمير على حاجه وشايفه أنها متخصوش ممكن تقوليلي أنا عليها لأني بعتبر نفسي زي جمال بالظبط


رفعت "مريم" نظرها إليه بخجل بعد حديثه ذلك وأردفت بهدوء ونبرة الصدق تحتل المرتبة الأولى في حديثها:


-أنتَ بالنسبة ليا أخ أحسن مليون مرة من جمال، وهقولك اللي حصل بس قدام سمير لأني مش عايزاه ياخد عني فكرة وحشة بسبب اللي شافه 


وقف على قدميه لتقف هي الأخرى وأشار إلى الباب قائلًا:


-سمير مستني في الصالون


خرجت أمامه بعد أن أومأت إليه برأسها وذهب هو خلفها ثم وقف على أعتاب الغرفة واستدار إلى زوجته التي كانت خصلات شعرها تنسدل خلف ظهرها براحة مرتدية عباءة منزلية مغلقة ومحتشمة ولكن تناسبة هو فقط لـ التصاقها على الجسد:


-غيري العباية دي لو هتطلعي بره 


كانت تتقدم إلى المرآة لتخفي خصلاتها أسفل الحجاب وتذهب إليهم وبعد أن استمعت إليه جذبت العباءة بيدها إلى الأمام وأردفت مُجيبة إياه بجدية واستغراب:


-مهي محترمة أهي يا جاد 


نظر إليها بجدية شديدة تظهر على وجهه كما تظهر تفاحة آدم بوضوح وإلى الآن يبدو أنها لا تعلم كيف يغار عليها من الهواء المار جوارها وحتى لو كانت محتشمة ومن بالخارج أخاه:


-غيري العباية دي لو هتطلعي بره يا هدير 


أخذت نفسً عميق وزفرته بصوتٍ مسموع أمامه مُتمتمة بالموافقة على ما يقول ثم أخذ الباب بيده وهو يغلقه ويخرج وهي تذهب إلى الخزانة لتبدل ثيابها..


بعد أن خرجت "مريم" وخلفها "جاد" إلى سمير، جلست بخجل بينهم ونظراتها إلى "سمير" تحمل الحرج والخوف بينما هو لم يكن يريد أي شيء سوى تفسير عما رآه وكأنها زوجته أو شيء يقارب هذا الدور في حياته ويهمه ما حدث وغار بشدة من ذلك الرجل عندما لمس يدها بينما هو لا يستطيع التحدث إليها حتى!..


حضرت "هدير" هي الأخرى إليهم بعد أن قدمت الضيافة لهم وسلمت على "سمير" مُرحبة به، ثم جلست جوار زوجها بعد ذلك بدأت "مريم" بقص ما حدث معها منذ أول يوم رأت به هذا المجرم المختل، أردفت بكل ما حدث بدايةً من أنه أراد مرافقتها تحت أي مُسمى غير ما يكون الخطوبة أو الزواج، وبعد أن رفضت قام بالمحاولة مرات أخرى بطرق ملتوية وثم جعلته شقيقتها أن يرى أنه إذا أقترب منها مرة أخرى سينال شيء لا يريده حقًا، ثم ذهبت إلى والده في ذلك الوقت والذي لم يعجبه الوضع أبدًا فعاقب ابنه أمامها.. وانتهت القصة هنا إلى اليوم نهايةً بقدومه مرة أخرى يُصر على مرافقتها..


الآن أصبح الجميع على علم بما حدث، وكان كل منهم في عالم يفكر أولًا في من يخصه، نظر "جاد" إلى زوجته بجدية شديدة مُرتسمة على وجهه وداخله يفكر كيف استطاعت أن تتحمل هذه المسؤولية وحدها؟.. كيف أصبحت رجل المنزل بعد وفاة والدها وتصرفت في كامل الأمور وحدها؟ أكملت دراستها مع عمل لتوفر الاحتياجات اللازمة لها ولشقيقتها وللبيت والجميع بما فيهم شقيقهم الأكبر والذي تنازل بسهولة عن دوره ومهمته إلى شقيقته الصغرى التي عرضت نفسها إلى الأخطر من الخطر نفسه وهي تمر يوميًا على كلب شهواني كـ "مسعد" كل يوم وغيره كثير من المؤكد قابلتهم ولكن لم يكن دورهم كبير كدور ذلك الحيوان..


بينما "سمير" نظرته إلى "مريم" لا يدري لماذا أصبحت هكذا! يرى حقًا أنها تخصه ومسؤولة منه هو لا غيره، يشعر بأنه عليه حمايتها من أي شخص يريد أن يؤذيها، يراها زوجته، أو ربما خطيبته ولكن لا يراها شقيقته بتاتًا، ربما يشعر بـ الإعجاب الكبير ناحيتها، ربما يريد التحدث معها والتودد إليها والنظر إلى عينيها العسلية الصافية المماثلة لشقيقتها، ربما يريدها له!؟.


                                 ❈-❈-❈


جلس "جمال" بوجه شاحب أمام عيني "مسعد" المشتعلة بالغضب لعدم حضور ماله إليه والآن بالتحديد، بعد انتهاء المدة المحددة بينهم لإحضار ماله الذي قد أعطاه له اعتقادًا أنه سيتزوج شقيقته:


-فلوسي فين يا جمال 


-زفر "جمال" بحدة وهو يعتدل أمامه في جلسته ليتحدث بغيظ وضيق منه:


-ما أنتَ عارف الحال يا مسعد ولا عايزني اجي احكيلك القصيدة كل يوم 


أردف الآخر يتهكم عليه وهو يتذكر عندما أخذ منه ماله واعدًا إياه بزواج شقيقته:


-وكان فين الحال ده وأنتَ بتاخد مني الفلوس يلا 


لوح له "جمال" بيده بعصبية وحنق وهو يراه يصر على أخذ ماله الذي لا يأتي شيء بجانب ما يملكه، ولكنه يفعل ذلك فقط ليضيق عليه الطريق:


-بقولك ايه دول هما عشر تلاف عُمي مش هتزلني بيهم


-زفر "مسعد" دخان سيجارته بحدة وعصبية ووقف على قدميه متقدمًا منه ليجلس أمامه على الناحية الأخرى من المكتب:


-لأ هزلك وازلك وازلك كمان... فلوسي لو ماكنتش عندي بعد أسبوع بالظبط أنتَ عارف أنا هعمل ايه 


نظر إليه "جمال" باحتقار وحقد يظهر على ملامح وجهه بالكامل وأردف مُجيبًا إياه بسخرية وتبرم:


-عشر أيام ويكونوا عندك على الجزمة 


استغرب أنه هذه المرة من وضع المهلة المحددة ثم لعب على أحبال عقلة الملتوية:


-ايه تكونش ناوي تخفف ايدك 


استخف به وهو يلوي شفتيه عائدًا بظهره إلى الخلف:


-سبتهالك يا أبو السعد والهنا ابقى خففها أنتَ


تعمق باللعب وهو يسير على أحبال عقلة الملتوية منتقلًا إلى أحبال عقلة الذائبة والمائلة إلى التلاشي:


-لأ مهو أنا مش محتاج، أنتَ اللي محتاج بس الصراحة أنا لو عندي جوز أختي اسمه أبو الدهب كنت خففت ايدي وسحبت حتتين منه أو من أختي نفسها 


فكر "جمال" بحديثه بجدية وكأنه نوى فعل ذلك حقًا بعد أن وجد أن ذلك لن يفرق معهم من الأساس فهم في حال جيد، بل جيد للغاية حتى أن هدير تعطي والدته أموال كثيرة من الحين إلى الآخر..


استرسل "مسعد" حديثه وكأنه حرباء تتلون بألوان عديدة مختلفة على حسب الفكرة التي يريد أن يوصلها إلى عقله:


-ويسلام بقى لو يقع عليك عريس متريش لأختك الحلوة الصغيرة هتبقى قُضيت معاك 


نظر إليه "جمال" بجدية وداخله يرفض الفكرة تمامًا فربما هو وافق على شقيقته "هدير" لأنه لا يخاف عليها من بشر إنها تستطيع أن تجعله يتمنى الموت إن أصبحت زوجته ولكن "مريم" لن تفعلها:


-متفكرش فيها يا مسعد، يمكن وافقت على هدير علشان بتعرف تخربش وتاخد حقها من عين التخين وكانت هتقرفك في عيشتك إنما مريم لأ 


رفع نظرة إلى سقف الغرفة بهيام وهو يُجيبة ويتذكر ملامح وجهها المحرمة عليه:


-ومين قالك إني فكرت فيها.. أنا كل تفكيري في برنسس الحارة اللي هتجيلي راكعة يا جمال يا ابن الهابط 


ظهرت سخرية شقيقها على وجهه بعد الاستماع إلى كلمات ذلك الأحمق الذي يظن أنها تترك "جاد" الشاب، الناضج الصالح، وربما يظهر عنفوانه عليه في بعض الأوقات، يحبها وتحبه ويعمل ويملك ما تتمنى أي امرأة لأجله هو! لأجل رجل كبير! قليلًا ويصل إلى عمر والدها الراحل، لأجل رجل لا يعرف للدين باب ولا للرحمة طريق وما يهمه بها شيء ندركه جميعًا: 


-وهي مع جاد أبو الدهب!. مظنش يا.. يا مسعد يا ابن الشباط 


ابتسم بسخرية هو الآخر وأردف بثقة وكأنه يعلم أن حديثه سيحدث حقًا:


-بكرة نشوف كلام مين اللي هيمشي 


"في المساء"


جلس "جاد" في صالة منزلة أمام التلفاز وزوجته في المطبخ تحضر عصير البرتقال لهم هم الاثنين، أخذ ريموت التلفاز ثم قام بخفض صوته قليلًا وترك الريموت مرة أخرى وهو يمسك بالهاتف لإجراء مكالمة هاتفية، أتت عليه زوجته من الداخل تتمايل بجسدها الناعم المخفي داخل قميص طويل مطبوع بالورود الملونة والذي لا يُظهر من جسدها سوى مقدمة صدرها العلوية وذراعيها، ولكن مع ذلك يبدو القميص الطويل وكأنه جسدها من شدة التصاقه عليها، تحمل صينية العصير على يدها ثم وضعتها على المنضدة أمامه بعد أن أقتربت منه وجلست جواره..


أشار إليها بالصمت وهو يرفع الهاتف على أذنه ليتحدث بجدية وعملية شديدة رأتها كثير من المرات وهي تتابعه من نافذة غرفتها:


-أيوه يا عبده خلصتوا ولا لسه 


صمت ليستمع إجابته وبعدها أومأ برأسه وكأنه يراه مُكملًا الحديث بجدية:


-آه تمام.. عربية ياسر محمد سلمها لـ حمادة وهو هيتصرف فيها شغلها خفيف 


مرة أخرى يصمت ليستمع إليه من الناحية الأخرى وأردف مُجيبًا إياه:


-أنا هكلمه واخليه يبعت حد ياخده بكرة آخر النهار بس اتاكد إن طارق هيخلص شغل فيه النهاردة 


مد يده إلى الطاولة الصغيرة وأخذ كوب من العصير الطازج وارتشف منه بهدوء وهو يستمع إليه ليُجيب بعدها قائلًا:


-ماشي تمام أنا كده كده نازل بكره 


هتف بسخرية وهو يبتسم:


-هو أنا يعني علشان عريس أهمل شغلي.. هنوفق في الاتنين متقلقش أنتَ 


ضحك بشدة على شيء قد قاله له الآخر على الناحية الأخرى ليتحدث بضيق وهو يبعد الهاتف عن أذنه:


-مع السلامة بقى وأنتَ عيل رخم 


تساءلت زوجته باهتمام وهي تبصره بعينيها العسلية بعد أن أغلق الهاتف:


-أنتَ هتنزل الشغل بكرة بجد


مال للأمام قليلًا يضع كوب العصير على المنضدة مرة أخرى ثم اتجه بكف يده ليضرب فخذ قدمها اليسرى التي جواره وهو يقول بسخرية وتهكم مازحًا:


-آه أكيد هنزل بقى مش هفضل قاعد جنبك كده 


ابتسمت له بحبٍ وأردفت بهدوء:


-ربنا يوفقك 


اعتدل في جلسته جوارها ليعود مستندًا بظهره إلى الخلف مُعاكسًا للاريكة ووجهه مقابلًا لها:


-ويوفقك أنتِ كمان خلاص امتحاناتك واقفة على الباب بتخبط 


ابتسمت بسخرية وهي تستمع إلى حديثه ثم أردفت بغرور واضح ونبرة لعوب تحتل صوتها وهي تتحدث إليه مُشيرة بيدها بمرح:


-متقلقش عليا أنا لو فضلت من دلوقتي لحد الامتحانات مذاكرتش بردو هتخرج، أنا كنت من أوائل الدفعة 


أبصر غرورها وحديثها معه رافعًا أحد حاجبيه ينظر إليها بدهشة، ثم أردف بعد إنتهاء حديثها بمكر وخبث يظهر عليه وواضح في حديثه ويده التي امتدت إلى جانب خصرها الأيمن:


-ايه الغرور ده... خفي شويه أحسن تفرقعي حتى بصي الجوانب زادت إزاي 


ضربت على يده بكف يدها بحدة ليسحبها سريعًا وهو يضحك بقوة فداهمته بحدة ثم لانت وهي ترفع حاجبيها إليه متحدثة بغرور:


-بس يا قليل الأدب.. أنا لسه زي ما أنا عود مظبوط بالمللي


ضحك بقوة وهو يراها تلقي كل هذا الغرور عليه مرة واحدة ونظر إليها من الأعلى إلى الأسفل بسخرية ليثير حنقها أكثر وأكثر مردفًا بسخرية:


-أااو مهو واضح يا وَحش 


ضغطت على فكها بقوة وهي تراه يهزأ بها لتردف بحدة مُضحكة:


-بطل تريقة عليا 


مالت عليه بدلال وخصلاتها تعاكسها لتبقى بجانب وجهها ولتظهر أكثر فتنة وجمالًا، هتفت بعفوية ودلال لا يخلوا من الغرور:


-وبعدين لو مش عاجبك يعجب غيرك 


نظر إليها بحدة واعتدل في جلسته هذه المرة ليقترب منها وهنا لن يتقبل الحديث أبدًا مهما حدث، لن يسمح لها أن تتحدث بهذا الشكل مرة أخرى ولا تفكر به من الأساس فهي لن تفتن شخص غيره إلى موته، أردف بصوتٍ حاد:


-هدير.... هتخيبي ولا ايه ما تتعدلي في كلامك 


عادت للخلف برأسها تعود بخصلاتها هي الأخرى ونظرت إليه قائلة بجدية مُستغربة تحوله:


-أنتَ بتتقمص ليه دلوقتي أنا بهزر 


لن يتقبل هذا بأي شكل من الأشكال لا مزح أو جدية، هتف بقوة وصوتٍ حازم:


-ده مفهوش هزار ولا شيفاني بقرون قدامك هعدي الكلام ده واهزر فيه 


وضعت يدها برقة على ركبته تترجاه بعينيها العسلية قبل حديثها لتعدل ما قالته:


-طيب خلاص متبقاش بايخ بقى 


نظر إليها وهو صامت لم يتحدث فنظرت إلى الناحية الأخرى وتنهدت بهدوء وهي تفكر في شقيقتها "مريم" وما تعرضت له من ذلك المجرم الحيوان، أردفت بخوفٍ ولهفة قائلة:


-أنا بجد خايفة على مريم أوي يا جاد مع إني ببينلها غير ده بس أنا خايفه عليها أوي 


زفر "جاد" بقوة وهو يتذكر ما علمه منهن وما حدث معها، لقد كان هذا صعبًا للغاية حقًا، أمسك بكف يدها يضغط عليه بقوة ليمدها بالأمان والطمأنينة:


-بكرة الصبح هنروح نعمل محضر وإن شاء الله هيتمسك ويشوه على الفحم ده طلع عليه قواضي تانية أصلًا توديه ورا الشمس 


أجابت وذهنها معلق بشقيقتها وما يمكن أن يحدث من قِبل ذلك المجرم الآخر:


-يارب 


ابتسم "جاد" ومد يده إلى وجهها ليجعلها تنظر إليه وتحدث بود ليجعلها تطمئن ثم أبتعد عن ذلك الحديث وهو يعبث معها حتى لا تتذكر ما يعكر صفوها:


-إن شاء الله متخافيش... إنما ايه الحلاوة دي، كل ده ورد ايه قاعد في الجنينة 


صاحت بقوة وهي تنظر داخل رمادية عينيه الساحرة والخلابة بعد أن نظرت إلى قميصها:


-إن كان عاجبك بقى.. أنتَ مفيش فرصة تفوتها إلا لما تتريق عليا 


غمز لها بعينيه وهو يعبث معها بنظرة ماكرة خبيثة تعلمها جيدًا:


-بانكشك يا وَحش الله، ما تقوم تدلع لينا شوية كده زي امبارح 


تهكمت بسخرية وتشدقت قائلة بقوة:


-ليه حد قالك بايعه وسطي 


أقترب منها وهو يحرك يده على قدمها قائلًا بعبث ومكر مازحًا معها:


-لأ حد قالي إنه زي الجلي بيرقص رقص حتى وهو ثابت 


-لا يا شيخ 


أومأ إليها برأسه وتعابير وجهه تدعوها للضحك وهو يتحدث إليها:


-بأمانة 


تهكمت بسخرية واضحة لتجعله يتمايل معها على الأنغام بقوة وهي تقول بمكر:


-إن كان كده بقى يبقى أنتَ كمان تتحرك مع الجلي أهو تفرد عضلاتك دي بدل الغيبة عن الجيم 


استحسن الفكرة كثيرًا وود فعل ذلك حقًا فقال بجدية:


-بس كده يلا بينا 


أخذ هاتفه من جانبه ثم ولج إلى أحد التطبيقات الذكية يبحث عن أغنية بخلده تحمل التصنيف الشعبي خالية من الألفاظ الخارجة والكلمات البذيئة ليتمايل معها عليها دون أن يلوث أذنه وأذنها بأغاني قاطعها هو وإياها معًا..


ارتفع صوت الهاتف بالأغنية فألقى الهاتف مرة أخرى على الأريكة ووقف يبعد الطاولة عنهم قليلًا ثم تقدم ناحيتها يأخذ يدها وجميع أعضائه تشتعل بالحماس ليفعل ذلك معها بينما هي استغربت كثيرًا لموافقته السريعة دون اعتراض وكأنه كان ينتظر شيء كهذا..


جذبها لتقف أمامه ثابته فحركها بيده وهو يتحرك معها بخفه على هذه الأصوات التي تضج مسامعهم، لحظات من برودها وهي تنظر إليه وتراه بهذه الحيوية وهذا النشاط وسريعًا بعدها دلفت معه بحالته تلك لترتسم الابتسامة باتساع على محياهم وتتحول إلى ضحكاتٍ رائعة وهم يتمايلون معًا لتبتسم لهم السعادة مرحبة بهم في عالمها..


                                 ❈-❈-❈


"بعد مرور أسبوع" 


ولجت "مريم" إلى السطح وهي تزفر بضيق وحدة من إزعاج "جمال" لها طوال الوقت، فقررت أن تصعد إلى السطح لتتنفس بعض الهواء الرطب الآن في هذه الساعة..


نظرت إلى جانبها الأيمن بعد أن دلفت لتراه يجلس على المقعد الموجود وبيده سيجارة يدخنها وكوب من الشاي أمامه على الأرضية، نظرت إليه للحظات ثم فكرت هل تجلس هنا!.. سريعًا نهرت نفسها وتفكيرها كيف تسمح لنفسها بأن تجلس معه دون وجود أحد آخر..


استدارت سريعًا لتهبط مرة أخرى وهي تزفر بضيق وانزعاج شديد، ألا يوجد مكان تجلس به قليل من الدقائق لتشعر بالراحة!.. وبينما هي تبتعد رأته بطرف عينيها يقف سريعًا من على المقعد داعسًا السيجارة بقدمه ويتوجه ناحيتها يهتف بصوتٍ جاد:


-استني يا مريم 


وقفت مكانها لتراه يقترب منها إلى أن وقف جوارها على مسافة مناسبة، أردفت وهي تستدير تنظر إليه بجدية شديدة:


-نعم فيه حاجه 


سألها باستغراب وجدية وهو ينظر إليها باهتمام يدقق النظر في ملامحها دون خجل:


-أنتِ مالك مبقتيش طيقالي كلمة ليه؟.. دا أنتِ حتى مش طايقة تبصي في وشي 


نظرت إلى الأرضية عندما وجدته ينظر إليها هكذا وأجابت عليه بعفوية شديدة ثم بترت حديثها في المنتصف عندما وجدت نفسها تقول أشياء لا يجب أن تتحدث بها:


-أنا!، بالعكس بقى دا أنتَ.... وأنا ليه هعمل كده يعني 


وضع يده بجيب بنطاله وآمال رأسه إلى الجانب وهو ينظر إليها بدقة:


-ما أنا بسألك أهو 


جذبت أطراف أكمام العباءة على كف يدها بتوتر وهي تُجيبه بابتسامة هادئة:


-لأ أنتَ بيتهيالك كده بس أنا فعلًا بكلمك عادي 


ضيق عينيه السوداء ناحيتها وأقترب قليلًا ومازالت يده بجيب بنطاله وهتف بسخرية:


-لأ مش واضح وبعدين حاسس أنك بتهربي مني دايمًا ومش عايزة تكلميني ولا تسمعيني حتى 


أبتعدت هي خطوة للخلف وتحدثت هذه المرة بحدة ليتوقف عن هذا الحديث الغير صحيح والذي إذا استمع إليه أحد سيقول أن بينهم شيء ما:


-لأ بجد بيتهيالك أنا مش بعمل كده ولو ده حقيقي مكنتش هقف معاك دلوقتي 


أشار برأسه إلى ناحية الدرج وأردف مُجيبًا إياها بسخرية وتهكم واضح:


-ما أنتِ كنتي نازلة جري ولا أنا مش واخد بالي من دي كمان 


نظرت إليه بهدوء وأجابته بطريقة فظة وهي توضح له سبب ذلك الإحساس الذي يقول عنه:


-الفكرة بس أن مش بحب أبقى مع حد غريب في مكان لوحدي 


ابتسم وهو يخرج يده من جيب بنطاله وأبتعد قليلًا ينظر إلى الخارج ثم نظر إليها وقال بحبٍ وشغف:


-بس أنا مش غريب بالعكس.. أنا قريب وقريب أوي كمان 


لم يستمع إلى ردها عليه بل نظرت إليه باستغراب وفكرت في حديثه الذي لأول مرة يكون واضح هكذا ومنذ فترة وهو مهتم بها من الأساس وذلك يوترها إلى أبعد حد:


-ممكن تديني رقمك 


تساءلت باستفهام:


-ليه؟


أجابها بصدق وجدية وهو ينظر إليها ويقترب مرة أخرى:


-علشان اطمن عليكي لحد ما الواد ده ينقبض عليه 


امتنعت عن ذلك قائلة بآسف يظهر بطريقة فظة:


-آسفة مش هينفع 


تسائل بجدية مستغرب رفضها مع أنها في يوم قد اعطته لـ "جاد" أمامه دون امتناع:


-ليه؟


وضعت يدها أمام صدرها بتحفظ وأبصرته باستغراب متسائلة داخلها كيف له أن يتحدث هكذا ومن أين أتى بكل هذه الشجاعة:


-نفس الحكاية مش هينفع أكلمك.. يعني هكلمك بصفتك ايه؟..


عاد يضع يده في جيب بنطاله بهدوء مُميت ونظر إليها بحبٍ رأته قبل في عيني "جاد" لشقيقتها ولكنها كذبت نفسها من رؤيته هنا:


-على راحتك بس قريب هتكلميني يا مريم وبصفتي حاجه كبيرة وقريبة ليكي أوي يمكن أكتر من نفسك 


-عن اذنك 


تركته سريعًا وعادت مرة أخرى تهبط الدرج لتبتعد عن حديثه الموتر للأعصاب والذي يلعب به على أحبال حبها له، لقد استغربت كثيرًا من حديثه معها هكذا لأول مرة، ربما شعرت بأنه يقترب منها منذ زواج "هدير" و "جاد" ولكنه لم يتحدث أبدًا بهذه الصراحة من قبل وقد فهمت ما الذي ألقاه عليها ولكنها منعته عن عقلها حتى لا تأتي بالمتاعب إلى قلبها قبل عقلها وهي مازالت في بداية الطريق..


                                ❈-❈-❈


وقفت "هدير" في مطبخ والدة "جاد" تعد معها الطعام للعشاء لزوجها ووالده بحبٍ كبير بينها وبين والدته وهم يتسامرون في الحديث معًا..


حملت صينية المكرونة على يدها بعد أن انتهت منها وبقي فقط آخر مهمة لفعلها وهي تسويتها، وضعتها أمامها على رخامة المطبخ متسائلة:


-ها يا ماما فهمية احطها في الفرن كده


نظرت إلى الصينية وهي تقطع السلطة وأومأت برأسها بهدوء والابتسامة على وجهها:


-أيوه كده حلوة أوي يا حبيبتي تسلم ايدك


استدارت "هدير" لتذهب إلى الفرن في الناحية الأخرى وهتفت بابتسامة عريضة تُجيبها: 


-يسلملي عمرك وكلامك الجميل


نظرت إليها والدة زوجها بحبٍ وحنان وهي تمدح بها وكأنها ابنتها قائلة بحماس وطريقة شعبية: 


-كلام ايه يابت يا هدير طب والله أنتِ ما يُعلى عليكي في الطبيخ وبعدين دا جاد بيشكر في أكلك وده مش من العادي يابت افرحي


تركت الصينية في الفرن بعد أن اشعلته ووقفت جوارها تتسائل بلهفة عن حديث زوجها الحبيب عن مأكولاتها: 


-بجد بيشكر في أكلي؟


أكدت والدته الحديث بجدية وهي تقص عليها ما حدث بالأمس من ابنها وزوجها ومازالت تقطع السلطة:


-إلا بجد، امبارح وهو هنا الحج كان بيقوله يتغدا معانا مرديش أبدًا وقال ايه أكل هدير ياما.. أكل هدير ياما، قولتله قوم يا واد أمشي من هنا 


ابتسمت "هدير" بسعادة بعد الاستماع إلى ذلك الحديث منها ثم جاملتها بود ولين قائلة:


-لأ بس بردو مفيش أحسن من أكلك ده أنا هتعلم منك واعمله علشان ابقى جمعت كل حاجه حلوة يحتاجها 


ابتسمت باتساع وهي ترى زوجة ابنها تود أن تجعله لا يفتقد بها شيء بل تجمع كل ما هو يريده بها لتوفر له الراحة والسعادة معها، تحدثت هي الأخرى بابتسامة عريضة:


-تعجبيني يابت يا قمر أنتِ اتشكلي كل يوم وخليه يلف حوالين نفسه كده من جمالك، قفلي عليه كل البيبان علشان عينه متبصش بره أبدًا


أردفت "هدير" سريعًا بعد هذه الكلمات من والدته بلهفة وثقة من حديثها ومنه هو أولًا:


-لأ لأ جاد مش بتاع كده مش بيبص بره ده بيغض بصره في أي مكان 


تركت والدته السكين من يدها وتقدمت إلى حوض الغسيل لتغسل يدها وهي تهتف بفخر واعتزاز بولدها:


-طبعًا تربيتي أنا والحج رشوان ده الحيلة 


تساءلت "هدير" باستنكار وهي تستند بظهرها إلى رخامة المطبخ:


-هو صحيح انتوا خلفتوا جاد بعد تسع سنين


-أجابتها بجدية شديدة وهي تحمد ربها على هذه النعمة الذي من عليها بها، وأكملت حديثها بجدية ولهفة لرؤية صغار ولدها: 


-أيوه بس الحمدلله دلوقتي نحمد ربنا ونشكر فضله.. وشدوا حيلكم انتوا بقى مش عايزين تأخير عايزين قطط صغيرة كتير كده تلعب حوالينا 


تمتمت "هدير" مُبتسمة:


-إن شاء الله 


نظرت إليها "فهمية" باستغراب لعدم رؤية حماسها فصاحت بجدية وحزم متسائلة:


-اوعي تكوني مش ناوية وتقوليلي التعليم وابصر ايه


أجابتها "هدير" بصدق خالص ونظرة بريئة من عسلية عينيها الصافية: 


-لأ لأ والله أنا سيباها على ربنا واللي هو عايزه هيكون 


رفعت غطاء القِدر وهو على الموقد وسارت تقلب محتوياته بالملعقة الكبيرة وهتفت قائلة:


-ونعم بالله يا حبيبتي


مرة أخرى تسائلت "هدير" بفضول:


-هو سمير وجاد أخوات؟. راضعين على بعض قصدي 


ابتسمت "فهيمة" باتساع وهي تتذكر تلك اللحظات التي مضى عليها أكثر من ستة وعشرون عام:


-أيوه، أم سمير سابته معايا وهو عمر سنة وراحت مشوار مع الحج عطوة وفضل هو زن زن طول عمره زنان الواد ده وكان جاد عمر سنتين ولسه بياخد لبن طبيعي فقومت مرضعة سمير 


استمعت إلى حديثها وابتسمت بعمق وما لبثت أن تتحدث إلى أنها استمعت إلى صوت باب الشقة يُفتح ثم يُغلق مرة أخرى فاستشعرت أنه زوجها:


-ده شكل جاد طلع


وقف على عتبة باب المطبخ جوارها وغمز إليها بعينيه بخفه ثم أردف وهو يشاكسهم بمرح:


-يا مساء الفل على أجمل اتنين في الدنيا 


استدارت والدته تنظر إليه بسخرية وهتفت قائلة مُبتسمة:


-شوفي البكاش 


رفع يده وأشار إلى نفسه بطريقة درامية وكأنه حزين ثم ابتسم وهو ينظر إليها:


-بقى أنا بكاش يا أم جاد.. دا أنا الحيلة يا أم جاد 


-بس يا واد بقى الله 


نظر إلى زوجته التي كانت تتابع الموقف بينه وبين والدته بابتسامة عريضة وأردف وهو يمسك بزر القميص الذي جذبه منذ لحظات ليقع بيده عن عمد:


-هدير زرار القميص انقطع تعالي خيطيه 


أعتدلت في وقفتها وهي تتجه إلى الفرن لتلقي نظرة على الصينية التي وضعتها:


-طب خمس دقايق بس هشوف صينية المكرونة 


غمز إليها وهو يقترب ويذهب إلى الداخل قائلًا:


-تعالي بس والحجة هتشوفها 


فتحت والدته الثلاجة ونظرت إليه من خلال بابها وهي تتهكم عليه وقد فهمت أنه يريدها لغرض آخر:


-زرار بردو يسطا جاد.. روحي، روحي ياختي شوفيه عايز ايه 


نظرت إليها باستغراب من حديثها الذي لم تفهمه وحاولت الإعتراض ولكنه لم يدعها تكمله


-لأ بس هشوف.....


تقدم منها ثم جذب يدها وخرج بها من المطبخ بقوة وهو يلعن ذلك الرأس اليابس:


-ما قالتلك روحي بقى الله 


رأته يأخذها باتجاه غرفة نومه هنا فامتنعت وقد فهمت ما الذي يريده وفهمت أيضًا ما الذي كانت تتحدث عنه والدته فقالت باحتجاج: 


-في ايه يا جاد ماينفعش كده 


دلف بها إلى الغرفة وأغلق الباب خلفه بقوة ودفعها خلفه لتواجه الباب بظهرها فاقترب منها بشدة قائلًا بصوتٍ خافت:


-هو ايه ده اللي ماينفعش؟


هتفت باسمه بلين ورقة لتجعله يتركها تذهب للخارج حتى لا تحرج أمام والدته ولكن أتى ذلك بنتيجة أخرى:


-جاد


أمسك بكف يدها ورفعه إلى فمه يقبله برقة وحنان بالغ والشغف داخله نحوها يزداد يومًا بعد يوم، تحدث بحبٍ وحنان:


-وحشتيني يا عيون جاد 


ابتسمت بخجل وهي تنظر إلى رمادية عينيه الخلابة التي تجذبها إليه من نظرة واحدة وأجابته بلين ورقة بالغة وهي ترفع كف يدها الأخرى إلى وجهه تتحسس وجنته اليسرى بيدها بحنان وطريقة جعلته مجنونًا:


-وأنتَ كمان على فكرة


أقترب منها ووضع قبلة سريعة على شفتيها ثم عاد للخلف قائلًا بنبرة رجولية خبيثة:


-خمسة استراحة بقى قبل الحج ما يوصل!


امتنعت وحاولت أبعاده عنها لتخرج إلى والدته حتى لا تتأخر عليها:


-لأ لأ بجد والله عيب كده 


نظر إليها باستغراب وقربها منه أكثر بعد أن وضع يده الاثنين حول خصرها يقربها منه حتى لا تبتعد:


-هو ايه ده اللي عيب يا مجنونة أنتِ، أنتِ مراتي يا وَحش


حاولت أبعاد يده بجدية وهي تتحدث بحزم مقررة أنها لن تجاريه فيما يفعل هنا بالأخص أمام والدته وربما يحضر والده في أي وقت ليتناولوا العشاء معًا:


-مراتك بس ده مش بيتنا وبعدين أبوك زمانه جاي علشان نتعشا... أبعد بقى الله يخليك زمان ماما فهيمة بتقول علينا ايه دلوقتي 


ضحك بقوة أمام وجهها وأقترب منها يحرك أنفه أمام أنفها وهو يلامسها وهتف بقوة وداخله طاقة مكبوتة يريد إخراجها الآن عليها:


-هتقول عرسان.. عرسان 


زفرت بحنق وضيق شديد وهي لا تصل إلى فائدة من الحديث معه:


-يوه يا جاد أبعد بقى كده 


-تعالي أنتِ بس كده


ابتسم بمرح وجذبها إلى داخل الغرفة بخبثٍ ومكر شديد تحلى به لينال منها ما يريد فحاولت أن ترفع صوتها وهي تبتعد عنه بقوة خائفة من أن يأتي والده الان أو تناديها والدته..


-على فكرة بقى لو طلع صوتك هتقول 

علينا كتير 


زفرت بوجهه بضيق وانزعاج شديد فابتسم بوجهها محاولًا ارضائها معبرًا لها عن كم الاشتياق بداخله لها وكم يريد عناقها ووجودها معه الآن..


فمالت رأسها ناحيته عندما استمعت إلى كلماته وحركاته تجاهها وكم يبدو عليه اللهفة والشغف تجاهها، أقترب منها ووضع قبلة حنونة رقيقة على شفتيها وكأنه يخاف خدشها بشفتيه الغليظة الرجولية..


أقترب أكثر ثم أكثر متناسيًا وجودهم في منزل والده ووجود والدته بالخارج ولحظات أخرى ويأتي والده يتناولوا الطعام سويًا ولكنه عندما أقترب منها أبتعد كل شيء عن ذهنه سواها هي فقط.. هي من بقيت داخله وخارجه وبكل الحب يعترف بذلك، أنها استحوذت على عقله وقلبه وجسده وكل ما به ووصلت لمرحلة لم يكن يعتقد أن هناك من تنالها منه لقد وصلت إلى أسمى درجات الحب وما بعد الهوى


#ندوب_الهوى

#الفصل_الثالث_عشر

#ندا_حسن


"يُسر جمالها أعيُني، فتنظر رمادية عيناي عليها

شوقًا ولهفةً، يدق قلبي عنفًا لحبه في قربها،

تتعالى وتيرة أنفاسي بعد النظر لفتنتها،

ما السبيل لـ للتخلص من كل هذا حتى بعد 

الزواج منها" 


"بعد مرور يومين"


وقفت "هدير" في مطبخ شقتها القديمة، منزل والدتها في بيت والد "جاد"، كانت تعد الطعام مع شقيقتها ووالدتها في المطبخ إلى حين وصول زوجها حيث أنها اليوم ستتناول الطعام هنا هي وإياه بطلب من والدتها..


لقد أعدت والدتها الكثير من الأصناف الشهية والمحبوبة لدى "جاد" بالأخص وقد علمت ما الذي يحبه من ابنتها لتقوم بالترحاب به في منزلهم لأول مرة بعد زواجه من ابنتها..


هناك سعادة ليست غريبة على "نعمة" بل كانت تعلم كيف تشعر بها على الطريقة الصحيحة دون أن تخلق أسباب واهية تُحيدها عنها، بعد أن تزوج ابن عائلة "أبو الدهب" من ابنتها العنيدة الشرسة الرقيقة الجميلة بنفس الوقت..


وقد كان هذا حلم بعيد صعب المنال، من المستحيل أن يحدث ولكن وضعت الأسباب ونُفذت القرارات لتكن الآن متزوجة منه وأصبحت من أهم الأشخاص في هذه الحارة، بعد أن أصبحت فرد منهم، فرد من أهم العائلات وأفضلها هنا..


دعت كثيرًا بأن تصبح شقيقتها الصغرى لها حظ مثل "هدير" ويأتي إليها شاب صالح متقي ومقتدر بذات الوقت ليعوضها مثل شقيقتها، وليجعلوا كل منهن تتناسى كل ما رأته في حياتها هنا فلم تعيش أي واحدة حياة طبيعية مثل أي فتاة في عمرهم، تمزح وتمرح وتتلقى كل مطالبها وتكن أمامها مُجابة..


ابتسمت "مريم" بسعادة كبيرة وهي ترى والدتها متلهفة هكذا أن تجعل كل شيء على قدر عالي من الاستحسان، غمزت "هدير" بعينيها وهي تقف تقلب الطعام ثم أردفت بنبرة ماكرة وهي تتهكم على والدتها بطريقة مازحة:


-عقبالنا يارب.. عقبالي كده يا هدير لما اجي زيارة للبيت وأمي تلف حوالين نفسها علشان تعمل لجوزي أكل حلو من ايديها 


ابتسمت "هدير" بغرور أمامها، رفعت كتفيها وأخفضتهم مصطنعة التعالي والكبرياء:


-دي حاجات بتظهر لناس ناس ايش فهمك أنتِ


أردفت والدتهم بعد صمت وهي تتابع حديثهم الذي تفهمه من البداية، هتفت بابتسامة ساخرة وهي تتحرك في المطبخ بجسدها الممتلئ قليلًا:


-هاتيلي عريس زي جاد، ابن ناس ومحترم ومتربي وأنا أعمله الحلو كله 


وضعت "مريم" يدها في خصرها ونظرت إليها بضيق مصطنع وهي تتابع قائلة بذهول:


-لا واللهِ دا على أساس يعني إن أنا اللي هجيب العريس 


أردفت والدتها بفتور قائلة:


-اومال


كادت "مريم" أن ترد عليها ولكن "هدير" أردفت بسرعة وهي تبتعد عنهم إلى الخارج قبل أن ينشب عراك بينهم ككل مرة:


-بقولكم ايه أنا رايحه اتوضا وأصلي أحسن 


خرجت من المطبخ فاستمعت إلى صوت الباب يطرق من الخارج فعلمت أنه جاد قد حضر لأن "جمال" معه مفتاحه الخاص، صاحت لـ "مريم" أن تفتح له الباب حتى لا تتقدم من الباب بملابسها هذه وتظهر إلى ردهة المنزل من الخارج..


فتحت له "مريم" ورحبت به كثيرًا ثم جعلته يدلف إلى الصالة يجلس بها ودلفت إلى والدتها في المطبخ والتي خرجت هي الأخرى بعد أن غسلت يدها وعدلت هيئتها لتسلم على زوج ابنتها التي لأول مرة يدلف منزلهم بعد الزواج وبعد ذلك تركته وعادت لترى ما الذي تفعله في المطبخ من طعام وأصناف ستقدم إليه..


لحظات ووجد زوجته تخرج من المرحاض ووجهها مبلل بالمياة وقدميها كذلك ويدها الاثنين، توصل إليه أنها كانت تقوم بالوضوء لتصلي ربما..


لفت نظره ما ترتديه هنا!.. لقد كانت ترتدي بنطال بيتي قصير يصل إلى ركبتيها ويظهر باقي قدميها البيضاء بسخاء مغري وكأنها عرض للجميع ليرى ما يريد!.. يعلو البنطال تيشرت من نفس لونه يصل إلى خصرها عنوة عنه ومقدمة صدره مفتوحه للغاية وكذلك ذراعيها مثل قدميها يظهران بسخاء بسبب انعكاس اللون الأسود مع بياض بشرتها!..


غير خصلاتها الظاهرة التي ترفعها فوق رأسها بكعكة يخرج منها خصلات متمردة..


نظر إليها بغضب وهو ليس سريع الغضب ولكنها حتمًا ستجعله يجن من حديثها قبل أفعالها الغريبة هذه..


اقتربت عليه بابتسامة هادئة وهي تنظر إلى عينيه الرمادية التي تسحرها، أقتربت منه إلى أن وقفت أمامه وهتفت بلين ودلال:


-حمدالله على السلامة 


أمسك معصم يدها ووقف على قدميه دون سابق إنذار ودون حديث متقدمًا إلى غرفتها فصاحت بقوة وهي تضغط على أسنانها ولكن بصوت خافت حتى لا تستمع شقيقتها أو والدتها:


-جاد.. بلاش جنان بقى أنتَ هتفضحنا 


ظنت أنه يريد أن يفعل مثلما فعل بمنزل والده وتحت أنظار والدته، التي كانت خجلة منها للغاية عندما خرجت أمامها بعد ربع ساعة أو أكثر..


فتح باب غرفتها الذي كان نصفه مغلق وكاد أن يدفعها قبله للداخل ولكن توقف سريعًا يغلقه مرة أخرى عندما وجد نافذة الغرفة التي تتطلع على الشارع بالخارج مفتوحة..


نظر إليها بقوة وحدة وعينيه غابت رماديتها واحتلها لون آخر حاد غير ذلك الذي تحبه، أبعد نظرة عنها ودلف إلى الغرفة مغلق الباب خلفة، تقدم إلى الداخل وثني قدمه على الأريكة لكي يغلق النافذة التي طل منها عبده أمام الورشة يبتسم إليه عندما رآه..


بادلة ابتسامة باردة ثم أغلق النافذة وعاد لتلك المسكينة التي لا تفهم شي مما يفعله، فتح الباب الغرفة وجذبها للداخل تحت نظراتها المندهشة من أفعاله الجنونية، أغلق الباب مرة أخرى بعد أن دلفت وقال بصوت قوي حاد:


-ايه اللي أنتِ لبساه ده؟. هو أنتِ مفكرة نفسك فين بالظبط.. أنتِ مش في شقتك يا هدير علشان تلبسي كده 


نظرت إلى نفسها بدهشة واستغراب شديد وهي تعيد كلماته داخل رأسها مرة أخرى، كيف ليست بشقتها إذًا شقة من هذه؟. رفعت نظرها إليه وتساءلت باستفهام وهي تلوي شفتيها:


-اومال أنا فين يا جاد؟ منا في بيتي أهو وبعدين مفيش حد غيري أنا وماما ومريم وأنتَ لسه جاي ومريم اللي فتحت الباب فين المشكلة بالظبط مش فهماك


أقترب منها وقلص المسافة بينهم وهو يتحدث مشيرًا بيده بحدة ونظرته مثبتة على عينيها العسلية الصافية التي تبادله باستفهام:


-هي المشكلة هنا بس يعني! وجمال أخوكي عادي يشوفك بالمنظر ده ولا الشباك المفتوح على آخره في اوضتك ولا أي حد من الجيران اللي بيقعدوا مع أمك


أبصرته باستغراب شديد وهي تفكر داخلها هل هو طبيعي أم ماذا؟. يتحدث بأي شيء ليقول إن هذه الملابس غير مناسبة وحسب، رفعت حاجبها الأيمن إلى الأعلى عن الآخر وقالت بقوة تماثله:


-جاد أنتَ بتقول ايه بجد هو أي هبل وخلاص.. جمال أخويا ده أولًا ثانيًا الشباك أنا عارفه أنه مفتوح ومكنتش هدخل أنتَ اللي دخلت زي الطور الهايج وجيران أمي ستات... ستات 


استفزه حديثها وتبريرها الواهي، يعلم أن جمال شقيقها هل هو لا يعلم؟ إنه يعلم ولكن لا يحق له رؤيتها هكذا وهي أيضًا كان من الاحترام أن تخفي جسدها هذا عنه وعن شقيقتها ووالدتها حتى، أهو مجنون مثلًا.. إنه فقط لا يريد أن يراها أي شخص هكذا حتى وإن كانت امرأة..


دفعها بكف يده بخفه في كتفها ولكنها هزيلة أمامه تفاعلت الدفعة الخفيفة معها لتعود للخلف بقدمها تلتصق بالحائط فشهقت متفاجأه من فعلته المباغتة وأردف هو أمام وجهها بجدية:


-ما أنا عارف أنهم ستات وعارف أن جمال أخوكي بس ده مش منظر تطلعي بيه ولا تقعدي بيه كده هنا والحاجات دي متعملتش علشان تلبسيها هنا ولا جبتيها في جهازك علشان تلبسيها هنا وبلاش تخليني اتغابى بسبب كلامك المستفز ده.. 


أشار إلى جسدها بيده يتحدث باستهزاء وسخرية يملؤها الغضب المكبوت:


-وبعدين بصي كده الشوية اللي هي مخبياهم مش قادرة عليهم... شفافة وكله باين من تحتها ولا استعميتي دلوقتي 


دفعته بقبضة يدها عنها لكي يبتعد وتتقدم إلى داخل الغرفة ولكنه لم يتزحزح من أمامها فتحدثت بحدة وعصبية ساخرة مثله تمامًا:


-استعميت ايه أنتَ اللي حساس زيادة عن اللزوم.. دي برمودا عادي يعني ومفيش حد غريب قاعد علشان تعمل كل ده.. وأبعد بقى علشان عايزة أصلي


قالت أخر جملة بين كلمتها وهي تدفعه بيدها من أمامها لتذهب ولكنه تمنع عن فعل ذلك وضايقها أكثر عندما وضع يده الاثنين من الناحيتين على الحائط يحاوطها بهما وأقترب أكثر وهو يبتسم بمكر مقرر أن يزعجها أكثر..


-واللهِ.. طب ايه رأيك مش هتطلعي من الاوضه باللي أنتِ لبساه ده 


وضعت يدها الاثنين أمام صدرها وتحدثت بسخرية وتهكم واضح أمامه:


-كده بقى هطلع من غير خالص


-هدير!..


نطق اسمها بحدة وهو يأخذ يديه جانبه مرة أخرى ووقف شامخًا أمامها بطوله وجسده العريض الذي تقف أمامه كابنته..


استمعا من الخارج صوت والدتها وهي تنادي عليهم لتناول الغداء بصوت عالي:


-يلا يا هدير جمال وصل وهنحط الأكل 


وضع يده بجيب بنطاله وهو يبتعد عنها قائلًا بجدية:


-غيري الهدوم دي يلا 


ابصرته بجدية شديدة وهي مندهشة منه حقًا، إنه يعطي الأمر أكبر من حجمه بكثير، أقتربت من الفراش وجلست عليه قائلة بفتور محاولة أن ترى أين آخره وكيف ستتخطى هذا الموقف معه:


-مجبتش هدوم غير دي 


نظر إليها بهدوء وهو يعلم أنها فقط تجادله لترى ما الذي يفعله أن لم توافق، جلس جوارها بهدوء وأردف مُجيبًا إياها بجدية:


-البسي اللي جيتي بيه


امتنعت قائلة بحدة وهي تقف على قدميها مرة أخرى:


-ده دِرس أبيض هيتوسخ 


وقف خلفها وعلى حين غرة أمسك بيدها ليجذبها إليه فاقتربت منه ولامست يدها الأخرى صدره وهي تستند عليه، استمعت إليه وهي تنظر إلى عينيه بعمق يهتف بجدية واضعًا النقاط فوق الحروف:


-لو بتفكري تمشي كلمتك عليا فده مش هيحصل يا هدير.. جاد الله مش هياخد أوامر ولا هيسمع كلام واحدة ست لو مين هي، حطي ده في بالك أنا هنا الراجل وكلامي هو اللي هيمشي وإذا ملبستيش حاجه محترمة وخرجتي نتغدا مع أهلك يبقى هتلبسي هدومك اللي جيتي بيها ونرجع بيتنا


وجدها صامتة تنظر إليه ببلاهة ومازالت يدها على صدره وهو ممسك بيدها الأخرى مقربها منه بحدة، استدار بناحيته الأخرى إلى الفراش وأخذ إسدال الصلاة الذي أبصره قبل قليل ووضعه على صدرها بقوة لترفع يدها التي اخفضتها من على صدره تتمسك به كي لا يقع أرضًا..


استمعت إليه يكمل حديثه بقوة وهو يقرب وجهه منها ويوزع عينيه على كامل ملامحها:


-أنا عارف إن اللي بره أخوكي بس ده مش مبرر أنه يشوف مفاتنك بالشكل المغري ده وعارف كمان أنك عمرك ما لبستي كده وياريت تستمري في اللي كنتي بتعمليه أنا مش عايز حد يشوف أي حته من جسمك وحتى لو هي ست زيك يا هدير.. ياريت يكون كلامي مفهوم..


ترك يدها واستدار وذهب ناحية الباب ثم هتف قبل أن يفتحه قائلًا بجدية ورفق وكأنه سيحاسب مكانها إن أجلت الصلاة:


-صلي قبل ما تخرجي 


فتح الباب ثم خرج وأغلقة خلفه بهدوء بينما بقيت هي بالداخل تبتسم ببلاهة بعد خروجه.. هل يغير عليها إلى هذا الحد؟.. هل يحبها حقًا!.. أجل يحبها فليس هناك أكثر من ذلك يثبت حبه لها سوى الكلمات المتبقية..


الكلمات التي تموت في سبيل الاستماع إليها منه، يتغاضى عن الحديث بها ويبدلها بأفعال جميلة ورائعة، تعلم ذلك ولكنها من مُحبي الاستماع والتمتع بلحظة نطق الكلمات المعسولة التي تدل على الحب والهوى القابع داخل القلوب..


لقد أظهر رجولته عبر حديثه عن أنه لن يستمع لامرأة مهما كانت من هي، وأظهر عنفوانه عبر حركات جسده وتعبيرات ملامحه المنزعجة من مراوغتها ومجادلتها معه في أمر يرفضه، يتمتع برجولة شديدة الظهور وحديث ناضج واضح وأفعاله ليست لها مثيل غير تلك النظرات التي تخرج من عينيه الرمادية ترمي بسهام الهوى وكأنها لم تقع به لتسقط أكثر وأكثر والعشق يأتي بآخره معها منتظرة من مُعذب الفؤاد أن يتحدث..


                                  ❈-❈-❈


"في المساء"


وقفت أمام المرآة تنظر إلى ما وضع عليها بتركيز شديد وكأنها تبحث عن شيء ما!. وكان بالفعل كذلك وهي ترفع الأشياء الموضوعة عليها أكثر من مرة وتنظر بتركيز شديد وتزفر بضيق وانزعاج حضر إليها الآن..


أمسكت بصندوق الحلى الخاص بها والموضوع به ذهبها بالكامل وذهبت إلى الفراش وافرغت كل ما به لتبحث عن أساورها المفقودة.. 


بحثت بينهم مرة واثنان وثلاث اعتقادًا أنها لا ترى جيدًا، ذهبت إلى خزانة الملابس وأخذت تبحث بين ملابس الخروج التي قد أتت إليها من قبل وفتحتها، ربما وقعوا هنا وهي تعدل ملابسها!.. مالت بجذعها للاسفل وهي تبحث بتركيز وتدقق في الأشياء ربما هي لا تراهم..


رفعت خصلات شعرها التي تنسدل على كتفيها وبجانب وجنتيها تعيق حركتها وتزعجها أكثر، زفرت بحدة وعصبية وهي لا ترى أي أثر لهما..


ذهبت إلى المرآة مرة أخرى وانحنت بجسدها على الأرضية تبحث أسفلها وبجوار المقعد ولكن دون فائدة..


دلف زوجها الغرفة وهو يزيل عنه قميصه البيتي ذو اللون الرمادي كـ عينيه ليبقى عاري الصدر بينما يرتدي بنطال أسود قطني يسير حافي القدمين..


نظر إليها باستغراب بعد أن جلس على الفراش ورأى الذهب الموضوع بإهمال هكذا، لقد كان يدلف لينام قليلًا لأنه لديه عمل كثير في الصباح في الورشة وحقًا هو مُتعب للغاية من كثرة الأعمال المتراكمة عليه..


أردف قائلًا يتساءل عن سبب هذه الفوضى وحيرتها الواضحة:


-مالك بتدوري على ايه 


نظرت إليه بعد أن رفعت رأسها ووقفت على قدميها أمامه، تقدمت منه وجلست جواره على الفراش تستدير بجسدها لتنظر إليه وبالمنتصف الذهب الذي أخذت تضعه في الصندوق مكانه مرة أخرى، أردفت بانزعاج وضيق:


-في غوشتين مش لقياهم 


استلقى على الفراش في مكانه ولم يعطي الأمر أهمية معتقدًا أنهم في مكان ما وهي قد نسيت، أجابها بفتور:


-هيروحوا فين يعني أكيد هنا ولا هنا.. وتلاقيكي أصلًا شيلاهم وناسيه 


صاحت بحدة بسبب توترها وانزعاجها من هذا الموقف واختفاء الأساور المفاجئ:


-نسيت ايه يا جاد أنا كنت لبساهم 


وضع يده الاثنين أسفل رأسه ليعلو قليلًا وينظر إليها وتحدث باهتمام حاول إظهاره حتى لا تنزعج:


-وبعدين راحوا فين بالراحة بس وأنتِ هتلاقيهم


تركت ما بيدها وجلست على الفراش نظرت أمامها في الفراغ وهي تحاول أن تتذكر أين وضعتهم بالضبط:


-أنا كنت لابساهم وأنا عند ماما وجيت خلعت كل دهبي اللي كنت لابساه وحطيته هنا على المراية وقعدنا بره... دلوقتي وأنا برتب الهدوم وبحطه في الصندوق لقيت الغوشتين مش موجودين


سألها باستفهام وهو يستدير على جانبه الأيسر يتكئ على ذراعه وينظر إليها: 


-بس أنا مشوفتش في إيدك دهب وإحنا هناك


أجابته وذهنها يفكر أين قد تكون وضعتهم أو أين اختفوا منها وهي لم تذهب إلى أي مكان بعيد:


-ما أنا كنت خلعاه 


عاد يستلقي على الفراش بهدوء ولا يعطي للأمر بداخله أهمية من الأساس لأن من المؤكد أنها نسيت مكانهم ولكنه يتحدث معها باهتمام حتى لا تنزعج:


-طيب ممكن يكونوا هناك نسيتيهم أو وقعوا يا هدير


أردفت بتشتت واضح وحيرة من أمرها لا تستطيع أن تخفيها وهي تود معرفة أين الأساور: 


-أنا مش عارفة... أنا حتى مش فاكرة خلعتهم هنا ولا لأ 


استدار للناحية الأخرى ينام على جانبه الأيمن يوليها ظهره قائلًا بنبرة ناعسة، فقد تخطت الساعة الواحدة صباحًا وهو يستيقظ باكرًا لعمله:


-ابقي اسألي مريم أكيد نستيهم هناك 


وقفت على قدميها وهي تتوجه إلى خارج الغرفة وخصلاتها تتطاير خلفها بقوة، هتفت بجدية وهي تخرج:


-أنا هكلمها فعلًا..


زفر بحنق وهو يستمع إلى صوتها العالي بالخارج بعدما تحدثت مع شقيقتها ولا يستطيع النوم بسبب هذه الأساور الملعونة، وضع الوسادة فوق رأسه لكي يختفي صوتها ولكن ذلك لم يحدث وكان حقًا في أمس الحاجة للنوم..


زفر بضيق وضجر مرة أخرى وهو يقف على قدميه متقدمًا من الباب ليغلقه حتى يستطيع النوم، ولكن عندما أمسك به وقارب على غلقه كانت هي تدلف إليه تهتف بحنق وانزعاج شديد:


-مش هناك.. أنا هتجنن راحوا فين بس 


أمسك بكتفيها معًا بيده الاثنين ثم ابتسم بهدوء رغمًا عنه وتحدث بجدية ونبرة خافتة ونظرته إليها رائعة بعينه الناعسة:


-ممكن تدوري عليهم بكرة ولا حتى متدوريش هيظهروا لوحدهم صدقيني، بس أنا تعبان واللهِ ومحتاج أرتاح شوية يا هدير 


ابتلعت تلك الغصة التي تشكلت بحلقها بحرج وتوردت وجنتيها بخجل شديد منه، إنها تزعجه دون أن تلاحظ وهو يريد النوم، حقًا استيقظ اليوم مبكرًا ويومه كان حافل بالعمل حتى بعد عودتهم من عند والدتها هبط إلى الأسفل أكثر من مرة إلى الورشة ليريهم أشياء كثيرة وغدًا أيضًا لديه عمل وهي لا تشعر:


-أنا آسفة يا جاد ماخدتش بالي والله 


أخذها ناحية الفراش وهو يهتف بصوتٍ حاني:


-هقبل آسفك لما تنامي في حضني وتسيبك من كل اللي بتعمليه ده 


ابتسمت إليه وهي تسير معه، صعد على الفراش وهي جواره، أغلق ضوء الغرفة من مفتاح الكهرباء المجاور للفراش ثم استلقى براحة وهو يفرد جسده عليه وأخذها في أحضانه يقربها منه ويستنشق رائحة خصلاتها الجميلة بالنسبة إليه والمنعشه أيضًا، وضع يده أسفل رأسها والأخرى فوق جسدها القريب للغاية منه..


ابتسمت هي بسعادة وهي تقترب أكثر تستنشق رائحته الرجولية المباحة لها وحدها، ربما هناك كثير من الأشياء داخل عقلها تريد لها إجابة واضحة لتستطيع العيش معه بذلك الحب دون خوف، ولكن كلما رأته يتهرب من نظراتها المتسائلة عادت تتعايش معه دون تساءل وتبعد تشتت تفكيرها عنها لتنعم بالراحة معه..


وضعت يدها فوق صدره العاري الأملس الذي يبدو أسفل يدها كشيء صلب للغاية كالحجر بسبب هذه العضلات والرشاقة التي يحافظ عليها، رفعت قدمها اليمنى ووضعتها فوق قدميه الاثنين من الأسفل ليرتفع القميص عن جسدها مظهرًا ساقيها بسخاء.. 


                                 ❈-❈-❈


"قبل اذان الفجر"


وقف "سمير" في شرفة منزلهم شارد الذهن وصوت القرآن يعلو في ميكروفون المسجد ويستمع إليه جيدًا ولكن تركيزه لم يكن عليه، هو كان بالفعل يستمع لكن تفكيره بها هي!


لا يدري ما الذي حدث إليه هكذا في أيام معدودة وقليلة للغاية بالنسبة إلى موضوع كهذا!.. إنه لا يفكر إلا بها وحدها ولا يوجد سواها من الأساس ليفكر بها، قبل النوم وعندما يستيقظ وهو يأكل وهو يجلس مع أصدقاءه في المقهى وفي كل وقت يراها ويفكر بها وآخر مرة تمتم باسمها في صلاة العشاء أمس!..


إلى هذه الدرجة تستحوذ على تفكيره!.. كلما رآها دق قلبه بعنف وازدادت وتيرة أنفاسه وكأنه في سباق لا يدري من شدة جمالها وفتنتها أم لأن قلبه يكِن داخله شيء لها؟..


هو ليس كـ ابن عمه ينتظر سنوات كي يعبر عن حبه ويبقى بانتظار الفرصة المناسبة، وهو ليس مثله أيضًا يبتعد عنها ويبقى حبها داخله حتى لا يغضب الله عليه، نعم يخاف الله ولكن هو ليس من هذا النوع أبدًا مادام نيته سليمة وواضحة وتفكيره به خير حتى ولو لم يكن هناك شيء رسمي بينهم فليحدثها وينظر إليها ويفعل ما شاء مادام هو لم يفعل الحرام..


ما هذا هل يفكر في الزواج منها!.. يا الله ما هذا التشتت الغريب؟.


أخرج سيجارة من علبة السجائر أشعلها ثم قال لنفسه بأنه سينهي كل هذا الأن ويأخذ قرار يخصهما!.


إنه يريد رؤيتها دومًا، يفكر بها كثيرًا، يود حمايتها من أقرب الأشخاص إليها، يود أن يكون أقرب إليها من نفسها، يود أن تكون معه بمكان واحد يفعل ما يحلو له معها كأي زوجين، زوجين؟!....


إنه يحبها، ويريدها بكل جوارحه ولن يؤجل ذلك بعد الآن أبدًا وأول من سيعرف "جاد" لكي يساعده في ذلك..


أخذ الهاتف من على سور الشرفة ثم أتى برقم "جاد" وألقى اتصالًا به ثم وضع الهاتف على أذنه ينتظر رده


على الناحية الأخرى كان "جاد" نائم مثلما هو وبجواره زوجته على نفس الوضعية، استمع إلى صوت رنين هاتفه والذي كانت هذه المرة الثانية له حتى يستفيق، لقد كان مرهقًا بالفعل..


مد يده المحررة إلى الكومود وأخذ الهاتف ناظرًا إلى شاشته بنصف عين من أثر النعاس، وضعه على أذنه قائلًا بنعاس وصوت خافت حتى لا تستيقظ زوجته:


-أيوه يا سمير مالك 


أتاه صوت "سمير" الواضح منه أنه لم ينم من الأساس وقال بجدية لأول مرة هو يطلبها منه، بل كانت هذه مهمة "جاد":


-قوم يا جاد نصلي الفجر 


على الرغم من استغراب "جاد" لهذا ولكنه ابتسم بسعادة لأن ابن عمه بدأ بالتقرب الحقيقي إلى الله، ولكنه أردف بصوتٍ مُنهك خافت:


-هصلي هنا يا سمير مش قادر أنزل 


هتف سمير هذه المرة بإلحاح قائلًا:


-معلش يا جاد أنزل هنصلي وهكلمك في موضوع مهم وضروري 


زفر "جاد" نفسه بهدوء وهو يُجيبه بالموافقة ثم أغلق الهاتف ووضعه مكانه، أخذ يده من أسفل رأسها تاركها على الوسادة ثم أبتعد عنها ساحبًا ذلك الغطاء الخفيف من آخر الفراش وقام بفرد طويته ليغطي جسدها المكشوف به..


تقدم منها مرة أخرى ووضع قبلة رقيقة حنونة على شفتيها بهدوء وخفة وهي نائمة، ابتسمت في نومها وهي تفتح عينيها بصعوبة وتنظر إليه من بين ذلك النعاس الذي يسرقها بادلها الابتسامة هو الآخر ثم خرج من الغرفة ليذهب إلى المرحاض وتركها تدلف إلى نومها مرة أخرى وهو يعلم أنها بعد قليل ستستيقظ بفعل المنبه المضبوط يوميًا ليستيقظوا في وقت صلاة الفجر ويقوموا بالصلاة معًا كالمعتاد..


من الجيد أنها مستيقظة وانتبهت أنه كان يتحدث إلى سمير عبر الهاتف وسيصلي معه جماعة في المسجد حتى لا تقلق عليه..


بعد انتهاء صلاة الفجر وخروجهم من المسجد سويًا ليعودوا إلى منازلهم، سار "سمير" جوار "جاد" بتوتر وتردد في أن يتحدث لا يدري لما ولكن قلبه يخفق بعنف بسبب مصارحته لأحد غير نفسه بحبها لأول مرة


سأله "جاد" باستفهام وهو يسير جواره عن ماذا كان يتحدث:


-موضوع ايه اللي مهم وضروري ده 


ضرب "سمير" حجارة صغيرة بقدمه بقوة وهو يسير في الشارع ونظر إليه بتردد هاتفًا بنبرة هادئة قليلًا:


-موضوع يخصني يا جاد 


رفع "جاد" نظره إليه وعينيه متسعة على ذلك الغبي الذي يهتف بشيء يخصه! وما هو إذًا، سأله مرة أخرى مستنكرًا بضجر:


-أيوه ايه يعني.. مالك 


أخذ نفسًا عميقًا وهو يسير بهدوء وتروي جواره كي لا يصلوا قبل انتهاء الحديث بينهم، ألقى ثقلًا من على صدره مرة واحدة قبل أن يتردد مرة أخرى:


-بصراحة كده أنا... أنا بحب واحدة وعايز اتجوزها 


ابتسم ابن عمه بغرابة من تصرفاته الغير طبيعية بالمرة فـ "سمير" لم يكن هكذا يومًا ولم يتردد بأخبار "جاد" أي شيء عنه! رفع حاجبه الأيمن وهو يستدير بوجهه ينظر إليه قائلًا بصوتٍ جاد:


-وأنتَ مالك كده ياض خايف ووشك مخطوف ما تفرح دا يوم الفرح كله لما تتجوز وتنقل فوقي أنتَ ومراتك 


ابتسم "سمير" بتهكم وكأن "جاد" سيمانع عندما يعلم هويتها:


-مش لما تعرف أنا عايز مين الأول وبعدين تبقى تقول كده 


استنكر "جاد" حديثه بالفعل هذه المرة أكثر وعينيه الرمادية تنظر إلى الطريق ولكنه يفكر بهذا الأبلة، سأله بهدوء:


-هتكون مين يعني؟


وضع يده في جيب بنطاله وأخرج علبة سجائره بقوة ومعها القداحة، وضعها على فمه وأشعلها ثم أخذ يدخنها بشراهة وكأنه يهرب من الإجابة على ابن عمه لسبب لا يعرفه ولكنه على أي حال أجابه بفتور مُصتنع:


-مريم أخت مراتك 


-مريم!.


نطق اسمها باستنكار بعد أن وقف في منتصف الطريق وكأن قدميه ثُبتت هنا واجتاحته الصدمة بسبب إظهار "سمير" هوية من يحبها، هو لا يمانع ذلك ولكن منذ متى من الأساس، لم يشعر أبدًا أن "سمير" يميل بقلبه إلى شقيقة زوجته!. و "سمير" لم يظهر هذا أبدًا كيف هكذا؟


وقف الآخر جواره وهم على مقدمة الشارع الخاص بمنازلهم ناظرًا إليه بجدية شديدة وملامحه تتحدث بالصدق قبل أن تقوله شفتيه التي أردفت بقوة:


-أيوه مريم يا جاد.. أنا بحبها، بحبها وعايزها في الحلال زي ما أنتَ عملت بالظبط


أردف مُجيبًا بجدية بعد أن فكر بالأمر قليلًا:


-مفيش مانع يا سمير بالنسبة ليا أنا موافق جدًا كمان.. مريم بنت محترمة ومتربية وهتصونك بس الكلام ده مش أنا اللي أقوله دا لازم يكون من عندهم هما وهي بالأخص 


نظر إليه بعينين خائفتين من القادم، أخذ يتحرك مرة أخرى في الشارع سيرًا وفعل الآخر مثله، لم يستطع أن يخفي ذلك الخوف القابع بداخله بعد كلمات "جاد"، فسأله بقلق ولهفة ظاهرة:


-أنتَ شايف أنها ممكن ترفض؟..


مط شفتيه للأمام بعدم معرفة لما يقوله وأردف مُجيبًا وهو يستنتج بالمواصفات التي أمامه وما يعرفه:


-أنا مش عارف بس يعني هترفض ليه، أنتَ عندك المواصفات اللي أي واحدة تتمناها شاب كويس ومحترم وعنده شغله وبيته 


مرة أخرى بقلق أكبر تسائل وهو ينظر إليه مضيقًا عينيه عليه بتدقيق منتظر إجابة منه:


-وسني؟..


وصل كلا منهما أمام أبواب منازلهم المقابلة لبعضها البعض فوقف "جاد" يفكر بهدوء ثم استرسل قائلًا بجدية واستنتاج توصل إليه:


-ماله سنك!. علشان أنتَ عندك تمانية وعشرين وهي عشرين بس؟ يعني معتقدش أنها ممكن ترفض علشان سبب زي ده يا سمير... على العموم اللي فيه الخير يقدمه ربنا 


تحدث بآخر جملة بهدوء وهو يأخذ نفسًا عميقًا ويزفره، فتسائل الآخر بجدية أكثر وهو ينظر إليه:


-أنتَ هتعمل ايه؟


حرك "جاد" عينيه الرمادية عليه وأردف مُجيبًا إياه قائلًا بنبرة رجولية جادة وهو يسعل قليلًا:


-هكلم مراتي واخليها تشوف الدنيا وأرد عليك وبعد كده نمشي في الموضوع بشكل رسمي لو فيه نصيب


ابتسم "سمير" بسعادة دقت قلبه وظهرت أسنانه البيضاء من خلف شفتيه ثم أقترب من "جاد" يعانقه بقوة عنوة عنه وهو يقول بخفة ومرح:


-أنا قولت جاد اللي هيخلص 


ابتسم "جاد" هو الآخر لرؤية هذه الفرحة عليه وشعر بسعادته الغامرة وهو يحتضنه بهذه الطريقة معبرًا عن فرحته الكبيرة بحديث "جاد" وأنه من سيبدأ بالحديث وفعل ما ما يلزم..


                                 ❈-❈-❈


بعد أن أدت "مريم" صلاتها، خلعت إسدال الصلاة عنها ثم استلقت على الفراش لتذهب إلى النوم مرة أخرى، أخذت هاتفها من جوارها على الفراش قبل أن تنام وفتحته قد ولجت إلى موقع من مواقع التواصل الاجتماعي المستخدمة في المراسلة عبر رقم الهاتف وكان الواتساب..


كان هناك رسائل عدة من أصدقائها وغيرهم ما يخص الدراسة ولكن لفت نظرها رقم مجهول الهوية على هاتفها أرسل إليها شيء ما..


ضيقت ما بين حاجبيها بعفوية وهو تفتح الرسالة الخاصة به لترى ما بها والتي كانت عبارة عن صورة مرفقة ببعض الكلمات التي تجعل القارئ لها يرتعش من كثرة الرعب..


كانت الصورة عبارة عن زجاجة غريبة المظهر تبدو متوسطة الحجم ولكنها غريبة وأسفلها كلمات تهديد صريحة وواضحة تخصها هي فقط، وكانت عبارة عن


"مريومة حياتي.. أحب افكرك أن وشك وجمالك ده كان هيروح قبل كده لولا ستر ربنا معاكي وبصراحة أكتر أنا كمان كنت مستخصر المهلبية دي تروح هدر كده لكن المرة دي مش هتفلتي من تحت ايدي بعد اللي عملتيه.. البلاغ اللي قدمتيه فيا ده تبليه وتشربي ميته، هو محدش قالك اني مدوخ الحكومة ورايا ولا ايه.. خافي على نفسك يا قطة وأنا مستني إتصال منك"


جلست على الفراش بهلع وخوف وهي تنظر إلى الرسالة عدة مرات متتالية وتقرأها مرة خلف مرة أخرى غير مصدقة ما الذي يقوله هذا الأبلة الحيوان، لقد فزعت من هذا الحديث وهي تعلم أنه مجرم يستطيع فعلها وهذا ليس تهديد فقط بل يستطيع التنفيذ بكل سهولة دون أن تطرف عينيه..


تسارعت دقات قلبها وتضاربت الأمواج داخله بشدة وسارت الرعشة داخل جسدها بخوفٍ وهلع، تركت الهاتف من يدها على الفراش ونظرت أمامها بعينين متسعة غير قادرة على الاستيعاب وما الذي ستفعله الآن!..


لم يأتي على خلدها غير "جاد" و "سمير" هم فقط الذين يستطيعون مساعدتها لتخرج من هذا المأزق الكبير الذي وقعت به دون مجهود يذكر فقط جمالها من جذبه إليها وقلة دينه وإيمانه..


حاولت أن تهدأ نفسها وهي تأخذ أنفاس عميقة متتالية وتزفرها بقوة وهدوء معًا، ثم استلقت على ظهرها في الفراش ونظرت إلى سقف الغرفة وأخذت تتمتم بذكر الله حتى يطمئن قلبها ولو قليلًا..


 #ندوب_الهوى

#الفصل_الرابع_عشر

#ندا_حسن


"القتل ليس بالضرورة أن يكون مفارقة الحياة، هناك  طرق  أخرى عديدة للقتل تنتزع روحك منك وأنتَ مازلت على قيد الحياة"


بعد أن أشرقت شمس اليوم واستيقظ الجميع مرة أخرى من بعد صلاة الفجر، ذهبت "مريم" إلى شقة "جاد" قبل خروجه للعمل وتحدثت معه هو وشقيقتها عما بدر وجعلتهم يرون تلك الرسالة التي أرسلها إليها لتكون بمثابة تهديد واضح حتى ترضخ لطلبه الحقير وتمحي "مريم" النقية النظيفة قارئة كتاب الله ولتكن أخرى ملوثة بسبب خوفها منه واستسلامها الباكر..


مؤكد أنها لن تفعل ذلك مهما حدث وحتى إن كانت ستموت على يده، لن توقظ داخلها شخصية أخرى غريبة عنها وتتوجه إليه والارتباط بشخص مجرم مثله لا يهاب أحد ويظن أن البشر شيء رخيص لدرجة لا يتوقعها أحد..


لم تخرج من المنزل اليوم خوفًا من أن يفعل معها ما هدد به وبقيت في الداخل على الرغم من أنها لديها محاضرات هامة ولكن لم تخرج..


ولحسن حظها أنه في نفس اليوم زف إليها "جاد" ومعه "سمير" أخبار ساره للغاية جعلتها تقفز من السعادة وهي في بيت شقيقتها حيث أن كل ذلك تم ووالدتها لا تعلم حتى لا تخاف وتقلق عليها وتفعل ما يفعله الأمهات بسبب خوفهن على بناتهن وأيضًا شقيقها لا يعلم ولا يهتم بأي شيء يخصها من الأساس.. فـ "هدير" في الآونة الأخيرة هي التي كانت تعطي لها أموال لتكن معها..


ألقت الشرطة القبض على ذلك المجرم الحقير بطريقة سهلة للغاية وقد وقع في فخهم الذي وضعوه للإمساك به، إنه هارب من حكم بخصوص التعدي على شاب بدون وجه حق وتسبب في عاهة مستديمة لديه، غير فتاة أخرى قدمت بلاغ للشرطة مثلما فعلت "مريم" بسبب تعرضه لها وقد خرج من البلد بطرق غير مشروعة أيضًا وتثاقلت على عاتقه التهم الموجهة إليه وغير ذلك أيضًا لم يستطيع "جاد" معرفته 


لقد كانت فرحتها بهذا الخبر لا توصف حيث أكد لها "جاد" أنه لمن المستحيل الهروب من السجن وإن لم يفعل فلن يخرج إلا عندما يقضي عقوبته به..


شكرته كثيرًا وهي تبتسم بسعادة غامرة وقد قال لها "جاد" أنه بمثابة شقيق كبير لها كلما ارادته وجدته هنا ينفذ ما تريد ولكن "سمير" لم يعلق على شكرها إلا بكلمة أن هذا واجبة وقالها بثقة وتأكيد حتى أنها ظنت أن هناك علاقة بينهم وهي لا تتذكر بسبب هذه الثقة الكبيرة التي يتحدث بها!..


على أي حال لقد ارتاحت الأن وارتاح قلبها ووضعته في ماء بارد بعد تلك الفزعة التي داهمتها بسبب عودته مرة أخرى وقد ظنت في البداية أنه لن يبتعد إلا عندما ينال ما يريد منها أو أن يقتلها والقتل ليس بالضرورة أن يكون مفارقة الحياة، هناك طرق أخرى عديدة للقتل تنتزع روحك منك وأنتَ مازلت على قيد الحياة..


                                 ❈-❈-❈


وقف "جاد" جوارها في المطبخ بعد أن ساعدها في رفع أطباق العشاء من على السفرة وفعل بعض الأشياء البسيطة لمساعدتها لتكن بالنسبة إليها شيء لا يمكن تقديره أبدًا..


استند "جاد" إلى الحائط وثني إحدى قدميه يستند بها إلى الحائط خلفه ويده الاثنين يضعهم أمام صدره باحكام..


وكانت الأخرى تقف أمام حوض الغسيل لتغسل الأطباق وتضعهم في مكانهم مرة أخرى حتى تخرج لتجلس معه في الخارج قليلًا قبل أن يأتي معاد نومه..


فك "جاد" يده من أمام صدره ومد يده اليمنى إلى السفرة الصغيرة التي بالمطبخ أمامه وأخذ من عليها كوب الشاي، ارتشف منه قليلًا وهو ينظر إليها بزواية عينيه ثم ترك الكوب من يده وتقدم منها يقول بجدية:


-تعرفي أن فيه عريس اتقدم لمريم النهاردة من خلالي 


وضعت الطبق على الرخام أمامها بعد أن قامت بغسله وأخذت غيره تفعل المثل، ارتفع حاجبها إلى الأعلى وسألته باستنكار:


-يا سلام واشمعنا من خلالك بقى


استند بجانبه إلى الحائط مرة أخرى واضعًا يده كما كانت أمام صدره وأجابها بجدية:


-تقدري تقولي صاحبي 


وضعت الطبق الآخر ثم أغلقت الصنبور واستدارت بجسدها تنظر إليه بجدية واسترسلت في الحديث معه عن شقيقتها وما تريد:


-كل يوم مريم بيجيلها عرسان بس هي بترفض وبصراحة يا جاد أنا معاها في الموضوع ده.. دي لسه قدامها تلت سنين كلية لو شغلت نفسها بالجواز مش هتعرف توفق بينهم 


رفع يده وأشار عليها بخفة وهو يعارضها بهدوء واضعها داخل المثال لتتقارن بشقيقتها وما تستطيع فعله:


-طب ما أنتِ أهو اتجوزتي وأنتِ في الكلية


انخفضت بجسدها للأسفل وهي تعدل تلك الأشياء الموضوعة أسفل رخامة المطبخ لتظهر بشكل جيد، أكملت حديثها معه موضحة حديثها بجدية:


-لا أنا غير مريم خالص أنا ممكن أوفق في أي حاجه مريم مش زيي أبدًا متقدرش، وبعدين أنا خلاص دي اخر سنة وكلها شوية واتخرج وكونك شايف إن مفيش مشكلة ده علشان أنا أصلًا مش بروح الكلية الأيام دي..


رفع نظرة معها وهي ترفع جسدها وتقف أمامه معتدلة وتسائل باستفهام مضيقًا عينيه عليها:


-يعني العريس ده لو اتقدم رسمي هترفض 


مطت شفتيها للإمام دليل على عدم معرفتها وهي تسير معه للخارج للذهاب إلى الصالة ثم تساءلت هي الأخرى باستغراب:


-أنا مش عارفة... يعني أقصد إني مقدرش أقرر مكانها بس هو مين ده أصلًا 


أجابها بتأكيد وثقة:


-سمير


جلس "جاد" على الركنية في الصالة وقام بتشغيل التلفاز بينما هي وقفت أمام الصالة ولم تدلف معه متمتمة باستنكار وضجر ويظهر على ملامحها الذهول:


-سمير!.. سمير ابن عمك؟..


ابتسم بغرابة وهو ينظر إلى رد فعلها، ما به "سمير"! لا يصلح للزواج أو ماذا! قال بنبرة ساخرة:


-أيوه مالك اتخضيتي كده 


تقدمت وجلست جواره ولم يكن هناك شيء يفصل بينهما، نظرت إليه باستغراب شديد سيطر عليها فهي لم تكن تتوقع ذلك أبدًا ولم يوضح "سمير" هذا من قبل: 


-بصراحة مكنش على بالي خالص إنه ممكن يفكر في مريم 


رأته يقوم بالضغط على زر ريموت التلفاز وينتقل من قناة لأخرى غير مبالي تقريبًا بحديثها، وداخلها كان هناك أحبال سوداء تسيطر عليها وتنسج خيوطها الصغيرة بالداخل، نظرت إليه متذكرة متى بالضبط تقدم لخطبتها ويفعلون ذلك مع شقيقتها الآن!.. سألته بضيق وانزعاج مكبوت داخلها أظهرته على هيئة سخرية:


-وبعدين اشمعنا دلوقتي؟. ولا انتوا عيلة بتحب جبر الخواطر والشفقة 


استدار بعيناه الرمادية ينظر إليها باستنكار شديد لما قالته وظهر الضجر على ملامح وجهه أثر حديثها وهو يدري إلى ماذا تريد أن تصل، عنفها بنبرة جادة وأكمل بتوضيح:


-ايه اللي بتقوليه ده بطلي هبل.. سمير بيحب مريم وعايز يتجوزها وطالبها في الحلال ومظنش أن فيه مشكلة في كده 


مالت برأسها قليلًا بعد صمت ثم هاجمته بسؤال لم يكن متوقعه ولم تكن تتوقع هي أيضًا أنها ستتفوه به، سألته بنبرة حزينة ضائعة:


-وأنتَ يا جاد!؟


لم يفهم في البداية عن ماذا تتحدث فسألها وملامح وجهه تتكرمش:


-أنا ايه!.


ابتلعت ما بحلقها بجفاء وسألته مرة أخرى ولكن بقوة وهي ترفع رأسها إليه حتى لا تظهر أمامه تلك الضعيفة المنكسرة:


-كنت بتحبني وعايزني؟ ولا......


قاطعها "جاد" هذه المرة وكأنه اختنق من حديثها الخارج عن موضوعهم والذي أصبح أيضًا شيء أساسي في أي جلسة بينهم تتسائل عن أن كان يحبها حقًا أو لا:


-شوف بكلمها في ايه تقولي ايه.. أنتِ مجنونة ولا ايه يا هدير انسي بقى اللي في دماغك ده وخلينا نعيش الله يرضى عليكي 


أخفضت عينيها عن رماديته بوجع وحزن لهربه ومراوغته وكأنه يرفضها بحديث لبق لين منه، ككل مرة يتحدث بها عن راحتهم سويًا في هذا الزواج فقط وكأنه يقول أن هذا الزواج سينجح بالمعاشرة ليس بالحب لأنه ليس موجود من الأساس:


-حاضر يا جاد... حاضر 


سألها مرة أخرى عائدًا إلى أمر "سمير" و "مريم":


-ها قولتي ايه 


رفعت عينيها وحركتهما عليه متسائلة بغباء:


-في ايه 


زفر بضيق وانزعاج منها ومن هذه الأفكار السوداوية التي تأتي برأسها عن حبه لها وزواجهم المفاجئ، هتف بحدة وضجر وهو يستدير ليجلس مقابلًا لها:


-في موضوع سمير ومريم لا إله إلا الله


أومأت إليه برأسها مؤكدة بحزن ومازلت داخل تلك القوقعة:


-حاضر.. حاضر يا جاد هشوف مريم كده الأول وبعدين ماما وأقولك 


أمسك كتفيها الاثنين ضاغطًا عليهما بقوة، نظر إليها وتفاحة آدم تتحرك بعنقه بعد أن ابتلع ما بحلقه ليتحدث معها برجاء ولين والصدق ينبثق من كلماته ونظراته ناحيتها:


-انسي اللي في دماغك ده علشان خاطري.. امسحيه وكأنه مش موجود أنا قولتلك بدل المرة ألف أنا معاكي وعايزك وأخدتك بإرادتي وأنا اللي طلبتك والله يا هدير صدقيني..


أومأت إليه وابتسمت ابتسامة زائفة وحركت رأسها مُجيبة إياه بجدية:


-مصدقاك يا جاد 


كان واضح له أنها مازالت تفكر وأن تلك الابتسامة زائفة فهو لن يعرفها الآن، بل هو يعرف كل تفاصيلها وإن كانت تكذب أم تتحدث بصدق، إن كانت سعيدة أم حزينة.. هو ليس أبلة بل يعلم كل شيء، ضغط على كتفيها أكثر وأردف بمرح ومزاح:


-طب بما أنك مصدقاني اثبتيلي بقى أنا عايز إثبات


نظرت إليه بغرابة وهي تحرك عينيها عليه متسائلة: 


-أعمل ايه يعني 


غمزها بعينه الوقحة في هذه الأوقات فقط ومعها هي وحدها، فهو بالخارج الشاب الخلوق الشهم ابن البلد الذي لا يخرج منه الخطأ، أردف بخبث ومكر لكي يجعلها تتناسى ما حدث:


-تعالي نلعب عريس وعروسة زي العيال الصغيرة 


رفعت حاجبها وتساءلت باستغراب كلي وسخرية واضحة من كونه سيفعل مثل الأطفال، وهو كل تعابيره تشير إلى شيء آخر لا ينتمي إلى الأطفال أو حتى المراهقين أو أي فئة غير المتزوجين: 


-وأنتَ هتلعب ببراءة العيال الصغيرة بردو 


مط شفتيه للأمام بمرح وهو يترك كتفيها ووضع كف يده يقرص وجنتها:


-عيب عليكي 


امتنعت وهي تقف على قدميها بضيق وقد كان هذا واضح للغاية، ربما هي لا تستطيع التخلص من الأفكار التي تتلاعب داخل عقلها الآن عن كونه لا يريدها من الأساس، لقد حاولت أن توقفهم ولكنها لا تستطيع، أردفت بجدية وهي تذهب من أمامه:


-مش هينفع النهاردة معلش 


نظر إليها وهي تذهب من أمامه وظهر عليها التخبط والتشتت أيضًا وهذا أحزنه بشدة لقد مرت أيام فقط على زواجهم حتى لم تكتمل لتكون أشهر وبدأت الآن هذه الأفكار بالتلاعب بها.. لو ذهب إليها الآن واعترف أنه يحبها ستقول أنه يشفق عليها ويفعل ذلك حتى لا يأتي بالمشاكل في حياتهم إنه يعرف كيف تفكر..


رفع صوته عندما رآها تبتعد تريد أن تدلف إلى الداخل وقال بنبرة رجولية جادة:


-هدير اعقلي واطردي الأفكار دي من دماغك.. أنا جوزك، معاكي وعايزك وشاريكي بلاش تخلي الأفكار دي تخرب بينا وخلينا نعيش مرتاحين زي أي اتنين 


أكملت طريقها إلى داخل غرفة النوم بعد أن استمعت إلى هذه الكلمات منه، منذ يوم الزفاف وهي تحاول أن تبعد هذه الأفكار حقًا حتى تنعم معه ببعض الهدوء والراحة وأفعاله وحديثه معها يوضح أنه يحبها ويريدها، وعندما يكون معها في لحظة خاصة يظهر كم يشتاق لها ويحبها، يظهر كم الشغف المكنون داخله تجاهها والذي لا يستطيع كبحه عنها..


ولكن مازال لا يتحدث ويعترف أنها يحبها!.. ربما سيفعل أو ربما يجب أن تعيش معه بعض الوقت الآخر لكي يتحدث بشيء هام ومصيري كهذا..


ربما هي هكذا معها حق، عليها بالانتظار والتحلي بالصبر فقط لبعض الوقت وسترى إن كان يحبها حقًا أو لا..


                                   ❈-❈-❈


تحدثت "هدير" مع شقيقتها عبر الهاتف لتأتي إليها وتتحدث معها قليلًا بشيء هام..


جلست "مريم" أمامها على الأريكة بغرفة الصالون وهي تستمع إلى حديثها الهادئ:


-مريم أنا عارفه إنك خلاص مبقتيش صغيرة ودلوقتي أنا حابة أتكلم معاكي بصراحة عن موضوع مهم بس ياريت لو فيه حاجه أنتِ مخبياها عني قوليهالي.. أنا أختك وبخاف عليكي أكتر من نفسي وعايزه سعادتك 


استغربت من هذه المقدمة التي قالتها شقيقتها ولكنها على أي حال ابتسمت وهي تؤكد حديثها برقة:


-طبعًا يا هدير أنا عارفه أنك واخده دور كبير في حياتي وشايله همي كله..


عادت بظهرها للخلف وهي تجلس براحة أكثر كي تتحدث معها دون عائق وتسترسل معها في الحديث قائلة ما لديها، سألتها ببساطة ووضوح:


-طب قوليلي أنتِ مشاعرك ايه من ناحية سمير 


ابتلعت "مريم" ما وقف بجوفها بعد هذا السؤال الصريح منها وكررت اسمه باستنكار:


-سمير؟..


مرة أخرى تومأ إليها ببساطة مؤكدة:


-أيوه سمير 


تساءلت مريم باستغراب كلي عن سؤالها الواضح بخصوصه، ليس هناك أحد يعلم بمكنون قلبها ناحيته ولم تفعل شيء يظهر ما تخفيه داخلها له إذًا؟!:


-هو أنتِ ايه اللي خلاكي تسأليني عنه 


تقدمت "هدير" بجسدها للأمام لتقترب من وجه شقيقتها وتدقق النظر إليها مردفة بجدية:


-جاوبيني بصراحة وأنا هقولك كل حاجه..


ترددت كثيرًا في اخبارها ولكنها طلبت منها البوح ولا تخفي عنها شيء، نظرت إليها بتردد وحركت عينيها على وجهها وهي تنظر إليها تراها منتظرة إجابة منها، زفرت بهدوء وأجابتها سريعًا لتتخلص من ذلك العبء:


-بصراحة... بصراحة أنا بحبه، بحبه وبدعي في كل صلاة إنه يكون من نصيبي وليا في الحلال


دققت النظر إلى وجه شقيقتها الصغيرة وهي تراها تعترف بذلك الحب الذي تكنه له فتساءلت بجدية شديدة: 


-أنتِ بتكلميه يا مريم!..


سألتها الأخرى باستغراب ولم تفهم مقصدها:


-بكلمه إزاي مش فاهمه 


أشارت "هدير" بيدها وهي توضح قائلة:


-بتكلميه في التليفون أو راسمين علاقتكم مع بعض 


أدركت مقصدها فأردفت سريعًا تنفي ما تتحدث به وتعتقده داخلها:


-لأ أبدًا والله يا هدير أنا عمري ما أعمل كده.. هو طلب رقم تليفوني علشان يكلمني بس أنا رفضت وعمري ما كلمته غير في الشارع أو السطح 


استنكرت "هدير" حديثها عن السطح، لما تقابله عليه؟ وأردفت بحدة مرددة نفس الكلمة بضجر:


-السطح؟..


تقدمت "مريم" هذه المرة وهي تحاول أن تجعل شقيقتها تتفهم ما تريد قوله، ضيقت ما بين حاجبيها وأردفت موضحة:


-متفهميش غلط أنا كنت بشوفه صدفة فكنا بنتكلم عادي ومكنتش بطول أنا كنت بنزل على طول 


مسحت على وجهها وهي تدرك أن هناك كثير من الأمور غفلت عنها في حين اهتمت بـ "جاد" ونفسها، سألتها مُجددًا:


-طب وأنتِ حاسه بايه من ناحيته الفترة دي.. أقصد يعني زي ما انتوا وهو على وضعه ولا متغير 


مطت شفتيها بتردد وحركت رأسها بقلة حيلة وهي تتذكر آخر أفعاله معها لتفصح عنها قائلة بتشتت:


-بصراحة لأ هو متغير أوي بيلمح بكلام غريب مالوش غير معنى واحد ودايمًا لما يبص عليا لو في الشارع يفضل باصص ويتابعني أوي بقاله فترة متغير فعلًا وبيحاول يقرب مني 


أدركت "هدير" أن رفض شقيقتها للزواج ليس الدراسة كما تظن وكما تقول هي، بل إنه السبب "سمير" إذًا!..:


-بس يا مريم اللي أنا أعرفه أنك مش عايزة عرسان علشان الكلية معنى ذلك أن السبب الحقيقي هو سمير 


نفت ما تحدثت به وما تظنه داخل رأسها فـ الدراسة أيضًا سبب مهم لمنعها ذلك الأمر الآن، اتسعت عينيها العسلية المماثلة لشقيقتها وهي تُجيب:


-لأ والكلية كمان والله أنا لسه قدامي تلت سنين مش هينفع أفكر في الموضوع ده خالص 


رفعت "هدير" أحد حاجبيها وتشدقت بخبثٍ قائلة:


-حتى لو سمير اتقدملك!


لم تستوعب الأخرى ما الذي أردفته شقيقتها الآن، أردفت بدهشة وذهول متسائلة كأنها لم تستمع:


-ايه؟!


أعادت "هدير" حديثها مرة أخرى بتروي وهدوء والخبث احتل نبرتها والمكر عبث بنظراتها نحو شقيقتها أكثر بعدما رأت ردة فعلها:


-حتى لو سمير اتقدملك 


صمتت ولم تتحدث وكأنها تحاول استيعاب ما تقوله لها، كيف تتسائل عن هذا وهو لم يتجاوز أي شيء معها سوى نظرات وكلمات من خلف الجدار، أكملت "هدير" بعبث وهي تتسائل:


-أفهم من كده إننا نرفضه!


صاحت "مريم" بعينين متسعة ووجه أحمر بسبب ما تستمع إليه لا تدري أهذا خجل أم غضب أم ماذا:


-ترفضوا مين!


أجابتها "هدير" بحنق وضجر مصطنع موضحة الذي لم تقوله إلا الآن:


-سمير.. مهو متقدملك، الله اومال أنا بقول ايه من الصبح 


وقفت "مريم" بلهفة وانتقلت لتجلس جوارها على الأريكة المقابلة، أمسكت يديها الاثنين وأردفت بعدم تصديق:


-أنتِ بتتكلمي بجد!. يعني هو اتقدملي بجد عايز يتجوزني وكده 


صاحت بتذمر واقتضاب وهي تشاهد عدم تصديق شقيقتها:


-اومال هياخدك يربيكي طبعًا هيتجوزك 


ابتسمت "مريم" بسعادة غامرة واتسعت ابتسامتها أكثر وأكثر كاشفة عن أسنانها البيضاء ولمعت عينيها العسلية بفرحة شديدة ثم أردفت بنبرة واثقة ملهوفة:


-موافقة... موافقة طبعًا، أكيد 


نظرت إليها "هدير" ترى فرحتها وسعادتها اللامتناهية عندما علمت أنه يريدها حقًا وأزالت أي مانع كانت تتحدث عنه عندما علمت أنه هو من يهواه قلبها، فتحت لها ذراعيها لترتمي داخل أحضانها وهي تبتسم بسعادة غير مصدقة أنه شعر بحبها له، شعر أنه يحبها هو الآخر ويريدها معه وله!.. كيف حدث ذلك!..


ربتت "هدير" على ظهرها بفرحة متسائلة بعتاب:


-بقى كل ده ومتقوليليش يا مريم.. يا ترى بقى كنتي مكسوفة ولا خايفة 


خرجت من أحضانها ونظرت إليها بخجل ووجهها تلون بالحمرة مرة أخرى وأردفت مُجيبة إياها بهدوء وخجل:


-مكنتش خايفة ولا كنت مكسوفة إني بحب بس كنت مكسوفة إني أجي أقولك أنا بحب واحكيلك حواديتي وأنتِ طالع عينك علشانا.. كنت حاسه إني أنانية 


أجابتها وهي تبصرها بتدقيق وتتحدث بعمق وهي تتذكره هو، تتذكر هروبه الدائم وعدم مصارحته بحبه لها وكأنه يبخل بفرحتها:


-لأ يا مريم الحب مالوش دعوة بأي حاجه في الدنيا دي، بيجي من غير معاد في شخص القلب اللي بيختاره.. حاجه مالكيش دخل فيها إذا طلع بيحبك خير وبركة 


استرسلت مكملة بضعف والحزن يظهر على ملامحها الرقيقة وكأنها أصبحت شفافة فجأة لمن أمامها:


-وإذا لا يبقى هتعيشي حزينة طول حياتك ويسلام بقى لو اتجوزك وهو مش بيحبك... يبقى يا حِزن الحِزن على رأي اللي بيقول


بعد أن رأتها هكذا أتى بخلدها أن "جاد" ربما لا يظهر حبه إليها أو... أو لا يحبها من الأساس، تساءلت بخوفٍ وضيق: 


-هو الاسطى جاد.....


بترت سؤالها عندما رأت لمعة عينين شقيقتها على ذكر اسمه، ونظرة اللهفة والشغف الذي ظهر فجأة دون مقدمات..


سألتها هي هذه المرة:


-ماله!


حركت رأسها يمينًا ويسارًا مردفة بجدية شديدة وهي تنفي حديثها كأنها لم تتحدث من الأساس:


-لأ لأ مافيش 


علمت "هدير" ما الذي تفكر به "مريم" وقاربت على قوله لذا تحدثت بحب وابتسامة عن زوجها الرجل الذي يحمل الاحترام والمعاملة الطيبة داخله:


-جاد مفيش منه يا مريم.. حنين وجدع وطيب وصايني ومعيشني متهنية ومش مخليني محتاجه أي حاجه.. ياختي يارب سمير يبقى زيه


أكملت أخر حديثها وهي تبتسم بمرح ومزاح معها لتبتسم الأخرى مرددة بالدعاء أن يكون "سمير" مثل ابن عمه وتتحدث عنه هكذا بنفس لمعة العنينين هذه..


-يارب


                                 ❈-❈-❈


مرت أيام قليلة عليهم ببطء غريب لأول مرة يشعرون به وكل منهم داخله صراع مع نفسه يحاول أن يقرر أن كان هذا أو ذاك!..


ومن كان حقًا يحارب وساوس وأفكار خبيثة تحمل بين طياتها مرض شرس يؤدي إلى الوفاة بعد ثلاثون دقيقة متتالية، "هدير" زوجة "جاد الله أبو الدهب" حبيب عمرها وأول من وقعت عينيها عليه، أول من أبصرت على رجولته وقوته، شهامته وأخلاقه، عنفوانه المخفي وروحه الجميلة المرحة..


ألا تدرون أن بعد كل ذلك هو سبب هذه الوساوس؟.. ألا تدرون أنه يقتلها ببطء بسبب ذلك الكتمان الذي يعتمد عليه ولا تدري لما!


أحبته وبشدة، دعت وبكت، تخلت وتركت، أبتعدت ثم أقتربت منه هو وحده، ولم تفعل هذا إلا عندما تقدم هو أولى الخطوات، إذًا لم تأخذه من نفسه عنوة، لم تلقي كرامتها عليه بل هو من أتى منذ البداية..


لما يفعل كل ذلك إذًا!.. لما لا يتحدث ويلقي ما يخفيه داخل صدره معترفًا بحبه لها قائلًا قصائد وأشعار متغزلًا في عينيها العسلية الصافية!.. لما يخفي حبه أهو يراه عيب! يراه مُحرم! تُرى ماذا يرى الحب؟ أهو يراه شيء نقي غريب حساس يفتعل أجمل الذكريات ويشعرنا بألذ المشاعر!.. 


أم يراه السخف والضعف والخيبة، يراه الغباء والفراق والألم الذي حل عليها بسببه؟..


لن تنكر أنه بعد كل ذلك يصدر أروع الكلمات في حضرتها، ويتزغل بها حقًا بينما خلفهم خلفية رومانسية وأمواج تتضارب بها معه، وأيضًا لن تنكر أنه يمتلك نظرة داخل رمادية عينيه لا تبصر أحد سواها منه وتعبر عن كل ما كنه داخله وربنا لو أن هناك غيرها لاكتفت بها فهي نظرة دافئة حنونة ناعمة محبة إلى أبعد حد، من تأخذها من عاشق ليس لها الحق بأن تطالب بالحديث والاعترافات ولكنها غير!.


أنها غير الجميع مازالت تريد الإعتراف الذي يعدل خارطة حياتها ويضبط طريق زواجها ومن ثم بعدها تبادله ذلك وتعترف أنها تعشقه منذ عامين وأكثر!..


شيء واحد يمنعها عن فعل ذلك ليس ذلك العقل الذي يفكر بكثرة ويأتي إليها بالصداع النصفي ضاغطًا عليها ملقيًا برأسها أبشع المشاهد بينهم، وليس قلبها الرقيق الذي ينبض به ويريده على أي حال سوى أن تحدث أو لا، إنه كرامتها، كرامتها التي صانتها منذ أن خرجت إلى العالم بصدر رحب لتسير على سطوره الغبية..


ستحاول مرة أخرى أن تصبر وأن تخفي تشتتها وضعفها واستحواذ تفكيرها على كامل وقتها ومعه..


وقفت أمام المرآة في غرفة النوم تنظر إلى نفسها برضا تام بعد أن انتهت من ارتداء ملابسها المكونة من فستان وردي اللون به نقاط بيضاء كما جميع فساتينها المحتشمة الجميلة والتي تعطيها رونق خاص بها وحدها يجعلها أجمل من الجميع في عين أي شخص يراها، فستان صدره محكم عليها يهبط باتساع بسيط به ثلاث خطوت ملونة على بعد مسافة واحدة تظهر بشكل رائع عليها..


أمسكت بالحجاب ذو اللون الأبيض كما الحذاء المفتوح من الأمام قليلًا وبه كعب صغير للغاية، وضعت الحجاب على خصلاتها المغطاة بآخر أصغر منه وبدأت في لفة بهدوء لتستعد للخروج معه إلى عرس أحد أصدقائه من الحارة..


دلف هو من الخارج حيث كان في غرفة الصالون يقف في شرفتها يتحدث غير الهاتف، نظر إليها نظرة شاملة من الأعلى إلى الأسفل والعكس مرة أخرى ليرى هيئتها البهية أمامه والتي جعلته يبتسم لرقتها وجمالها المعهود، ولكن لم يعجبه شيء واحد وازعجه بشدة جعل عينيه الرمادية ينخفي بريقها اللامع تجاهها..


تقدم ليقف خلفها ولم يترك أي مسافة بينهم بل تقدم منها معانقًا إياها من الخلف عندما وضع يده الاثنين على خصرها يقربها منه، واتكأ بذقنه النابتة على أحد كتفيها ناظرًا إليها عبر المرآة، أبعد شفتيه عن بعضهما وهو يقول بهدوء:


-عايز أطلب منك طلب 


بادلته نظرته عبر المرآة ولم تطول في الرد بل كانت سريعة للغاية مؤكدة عليه:


-أكيد طبعًا


أتى طلبه بهدوء شديد ومازال يقف كما هو ليقع عليها الاستغراب والاندهاش منه:


-غيري الدِرس 


وضعت يدها على يده الاثنين تبعدهم عنها لتلتف تنظر إليه وجهًا إلى وجه بعد ذلك الاستغراب الذي وقع عليها:


-ليه!. وحش؟


أشار بعينيه إلى صدر الفستان والذي ازعجه وبشدة، وأطاح بعقله أيضًا بسبب أنه محكم على مفاتنها يظهرها بوضوح لمن يراها به وهذا ليس بجيد أبدًا وهي لا تفعل ذلك ولم يراها يومًا ترتدي شيئًا غير المحتشم الفضفاض ويعلم أيضًا أن هذا جهاز العروس الجديد والذي ربما لم تختاره هي..


نظرت إلى صدر الفستان البارز أمامها، استدارت ونظرت إلى المرآة مرة أخرى تدقق به وهي تلوي شفتيها ووجدت أنه معه حق، هي لم تلاحظ أنه يبرز مفاتنها بهذا الشكل البشع بل أخذته من الخزانة وهي تفكر به.. معذب فؤادها..


استدارت ونظرت إليه مرة أخرى قائلة بجدية وهدوء:


-عندك حق، أنا ماخدتش بالي 


نظر إليها برضا تام وأعتقد أنها ستعانده كما تفعل منذ يومين وابتسم بسعادة بالغة وهو يراها تذهب إلى الخزانة مرة أخرى لتخرج شيء غيره وترتديه.. 


أتت ناحيته بعد أن اختارت غيره وأخذته في يدها، أوقفها أمامه وأخذ منها الفستان ملقيًا إياه على الفراش وداخله يشكرها على أن هذا الشيء بالنسبة إليها ليس به عناد أو مزاح..


لا تفضل أبدًا الملابس الضيقة الكاشفة عن الجسد حتى وإن كانت تغطية، يعلم بذلك منذ وقت طويل وعلم أكثر منذ فترة قصيرة، ترى نفسها وكأنها تعرض على الجميع شيء مجاني وعليه ذنوب تكتب لتكن بانتظارها وقت الحساب..


أمسك بها "جاد" واضعًا يده اليمنى على وجنتها والأخرى تحتضن خصرها الذي قربه أكثر إليه لتكن هي بالقرب منه تقابله بوجهها ويفصلهم عن بعضهم أنفاسهم المتناثرة..


أردف "جاد" بنبرة رجولية خشنة تحمل داخلها الحنان الذي يشع من عينيه وكلماته:


-ربنا يخليكي ليا 


حرك إبهامه جوار شفتيها قبل أن يبتلع تلك الغصة التي وقفت بحلقه معبرًا عن كم احتياجه لها كـ "هدير" زوجته الطبيعية البعيدة عن ذلك التشتت، أقترب بوجهه أكثر منها وداخله رغبة جامحة تحدثه بالاقتراب أكثر وقد فعلها..


وضع شفتيه على خاصتها ببطء وهدوء عندما رآها تغمض عينيها بضعف وقلة حيلة وكأنها راغبة به أيضًا وذلك الرفض داخل عقلها فقط يجلس مع تلك الأفكار المدمرة، تمتع بتلك القبلة وهو يغمض عينيه الرمادية أخذًا منها أقل بكثير مما يستحق ولكن له الصبر كما لها وعاجلًا سيعترف بكل شيء إن كان هذا ما تريده..


تركها بعد لحظات لتأخذ أنفاسها الضائعة منها ونظرت إليه بشغف كبير يغلف نظرتها نحوه، أبتعدت بعد أن ابتسمت إليه بحب وهدوء وتركها هو تبتعد لتبدل ملابسها وتنتهي سريعًا حتى يذهب للعرس..


                                 ❈-❈-❈


"اليوم التالي"


مال "جاد" على الصندوق الأمامي لإحدى السيارات عنده بالورشة عاملًا على تصليحها، ووقف جواره "طارق" الذي استصعب عليه فعلها فاستعان بـ المهندس الماهر الخاص بهم، لحظات وارتفع "جاد" بوجهه المتعرق، نظر إلى "طارق" وهتف بعملية شديدة:


-كده فُله يسطا طارق 


ابتسم الآخر ومد يده يأخذ منه المفتاح الذي أعطاه إليه "جاد" وتقدم بعد ذلك إلى ركن بعيد في الداخل به حوض غسيل، وقف أمامه وفتح صنبور المياة وأخذ يغسل يده ثم أخذ حفنه كبيرة بين كفيه الكبيرين وألقاهم على وجهه مرتين متتاليتين، وقف أمام الحوض ورفع عينيه إلى هذه المرآة الصغيرة المعلقة على الحائط..


ربما هو الآخر يحتاج إلى تصفية ذهنه مثلها والتفكير بهدوء ليستطيع فهم ما الذي سيفعله معها، إنها تصعب عليه الأمور عندما تفعل ذلك معه تبتعد بنظراتها وحديثها يعلم أنه ليس بيدها بل يرى أنها تحاول أن تكن معه ولكن لا تفلح في فعل ذلك..


الذي جعله لا يتحدث ويعترف بحبه الذي مر عليه أربع أعوام هي! هي من جعلته يكتم ذلك داخله بسؤالها المستمر عن لما أتى لخطبتها واعتقادها الدائم أنه فعل ذلك لينقذها من "مسعد" والتخمين الأكبر لديها أنه ليرضي والده!.. غبية ألا تعلم أن والده لم يكن راضي!..


لو تثبت إليه ثقتها به، لو تثبت إليه أنها تريده، لا يريدها أن تتحدث..


وقف عند تلك النقطة وعاد يلقي المياة إلى وجهه ثم رفع عينيه إلى المرآة مرة أخرى وناقض حديثه السابق لأنه داخله يعلم أنها تريده.. نظراتها وحديثها وسؤالها الدائم عن رضاه عن هذه الزيجة..


كل شيء تفعله يقول أنها تريده وتحبه أيضًا لن ينكر أنه قرأ هذا في عينيها كثير من المرات والأكثر عندما يرى خيباتها وحزنها وهو يراوغ في الحديث..


سيبادر، سيتحدث في أقرب وقت وسيقول كم يحبها ومنذ متى أيضًا ولكن سينتظر إلى أن تعود كما كانت في بداية زواجهم لأنه يعرف إن تحدث الآن ستقول أنه يشفق عليها ولا يريدها حزينة لأنه على أخلاق عالية ويريد الإهتمام بزوجته كما أمره الرسول الكريم (ص)، أو ستقول أنه لا يريد أن يخرب حياتهم وهي في البداية لذا يتحدث هكذا، أنه يعلم كيف ستفكر لذا عليه بالانتظار قليلًا وسيقول كل شيء لينال حبها وعشقها له، لينال كل شيء منها دون شك يتبادلونه في تلك الأفعال...


أبتعد "جاد" عن الحوض بعد أن ارتسمت بسمة صغيرة على محياه جعلته وسيم إلى أبعد حد وهو بذلك البنطال الرمادي الضيق وهذا القميص الأبيض الداخلي الذي يبرز عضلات صدره وجسده الرياضي الضخم مع طوله الفارع الذي لا يتناسب معها أبدًا بقصر قامتها..


ذهب إلى الأمام ليقف جوارهم ثم استمع إلى صوت ابن عمه المرح قريبًا منه ورآه يدلف إلى الورشة بسعادة أصبحت ترافقه دائمًا، ولما لا فقد أخبره "جاد" بموافقة عروسه والذي أخبرته بها زوجته شقيقتها..


أقترب منه "جاد" على باب الورشة وصاح بمرح ومزاح وهو يغمز إليه بعينه فاردًا ذراعه إليه والجميع يستمع ويشاهد داخل الورشة:


-هو فيه ايه بقى يا ابن أبو الدهب أنتَ معندكش شغل ولا ايه كل شوية تنط هنا وسايب شغلك ومحلات أبوك وأبويا... الله


أقترب منه "سمير" أكثر ووضع يده على عنق "جاد" من الخلف بحدة يقربه منه وأردف مُجيبًا إياه بغيظ وهو يضغط على أسنانه وصوته خافت:


-أفتكر أنك كنت كده في يوم من الأيام ولم دورك علشان مفضحكش


ارتفع صوته وهو يبتعد عن "جاد" إلى الداخل ويقول بشغف ظهر عليه ونبرة لعوب تخللت به:


-مشتاق يسطا جاد واللي زيك مايعرفش الاشتياق ما أصلها خلاص جبرت معاك 


تهكم عليه "جاد" وهو يبتعد إلى الخارج ضاحكًا بقوة:


-مشتاق لمين بالظبط! طارق ولا حمادة؟.. أصل دخلتك عليهم دي مش سليمة.. ولا يكونش عبده 


نظر إليه بغيظ وضيق ظهر على ملامحه وقال بسخرية:


-دي أشكال يتبصلها يسطا جاد.. دا ربنا يكون في عون كل واحدة هتتجوز واحد من دول


تابع حديثه وهو ينظر إليهم واحدًا تلو الآخر:


-ما تفك ياض منك ليه انتوا مالكوا زي اللي مايتلكم ميت


ضحكوا عليه بينما يتابعون عملهم، يعلمون من هو "سمير" هو دائمًا هكذا يأتي إلى هنا ليوزع عليهم الابتسامات ويمطر مطر صناعي يحمل إليهم السعادة..


هتف "جاد" من الخارج وهو يجلس على أحد المقاعد أمام الورشة: 


-تعالى ياعم أقعد وسيبهم شغالين 


تركهم "سمير" وذهب إلى "جاد" الذي صاح مرة أخرى بصوتٍ عالٍ إلى "عيسى" العامل بالمقهى الشعبي على الناحية الأخرى جوار منزل والده وبينهم منزلين وشارع متفرع:


-خمسة شاي يا عيسى 


استدار "سمير" بجذعه العلوي بعدما جلس على المقعد جوار "جاد" وهتف بسخرية إليهم:


-ابسطوا عطف عليكم أخيرًا بشاي أهو


كاد أن يأتي الرد من "جاد" ولكن قاطعه أبغض شخص على قلبه، أبغض شخص يريد العقاب على كثير مما فعله ولكنه لا يستطيع فعلها ولن يفعلها فهو إذا وضعه بين يديه سيخرج جثة هامدة..


-ما تخليهم سته شاي يسطا جاد ولا أنتَ بخيل زي ما بيقول ابن عمك 


وضع "جاد" قدم فوق الأخرى وظهر جسده الضخم وبنيته القوية أمامه ثم أردف بسخرية:


-آه بخيل وبخيل أوي كمان 


نظر إليه "مسعد" بخبث وأردف قائلًا بمكر محاولًا العبث معه:


-تؤ تؤ لازم تحاول تبقي سخي شوية علشان اللي جاي في السكة


رفع "جاد" رماديتيه عليه بتركيز بعد أن بادل ابن عمه النظرات الضاحكة:


-اللي جاي محتاج كتير ولا ايه


أومأ إليه بتأكيد وثقة وهو يعتدل في وقفته: 


-اومال.. كتير أوي كمان


أردف "سمير" هذه المرة بسخرية وتهكم واضح ونبرة لعوب مضحكة ليستفزه: 


-وده يطلع ايه بقى إن شاء الله ياعمي مسعد.. معلش بس أصلك كبير عليا لازم احترمك


تضايق بشدة من حديث هذا الأبلة ولكنه أخذ نفسًا عميقًا ونظر إلى "جاد" بتمعن يريد أن يرى أثر القنبلة التي سيلقيها عليه الآن، نظر إلى الأعلى وهو يعلم أنها تقف تنظر عليهم، أعاد نظرة إليه وقال بوقاحة: 


-بتسألوا كأنكم مش عارفين.. هي مش برنسس الحارة هتجيب نونو قريب ولا ايه.. اوعى تكون معملتش الواجب معاها تبقى عيبه في حقنا 


وقف "جاد" فجأة عن المقعد بحدة وصدره يتضاخم بقوة وكأن النيران الذي أشعلها "مسعد" بحديثه ستخرج إليهم الآن وستحرقه وحده، وقف "سمير" سريعًا يقبض على يده حتى لا يفعل شيء يندم عليه..


وكان جاد داخله مقرر أنه لن يفعل شيء، لن يعطي فرصة لأهل الحارة بالحديث عنه وعن زوجته وهناك رجل بالمنتصف يشوه صورتها ويجعل الجميع يتحدث عنها..


ضغط على أسنانه بحدة وعصبية شديدة ظهرت عليه وهو يتقدم منه ليقف لا يفصل بينهم شيء وهتف بجدية تامة وحدة:


-وقسمًا بالله أنا خايف عليك مني، أنتَ فاهم إني سايبك طايح كده ليه؟.. ده علشان أنا لو مسكتك هفعصك زي الصرصار تحت رجلي ومش هيبقالك عندي ديه.. وعيالك يتشردوا ومرتاتك يترملوا وأخد أنا ذنب واحد وسخ زيك وربنا يحاسبني عليه وهو أصلًا ميسواش 


رآه يقف ولم يبدي أي ردة فعل سوى أنه ابتسم لجعله يثور هكذا عليه وهو بطبعه هادئ لا يغضب سريعًا، وهنا "جاد" قرر اللعب به ويجعله يبتسم أكثر ولكن على طريقته:


-صحيح.. هو أنتَ لسه معرفتش مين اللي كسر المحل وكسر مناخيرك معاه 


أجابه "سمير" وهو يضحك بقوة والسخرية تهبط من حديثه أمامه وهو يهينه بهذه الطريقة:


-دول بيقولوا يا ابن عمي أنها خبطة جامدة أوي.. زي ما يكون حد بيحبه وكان عايز يجامله بس حسبها غلط


ابتسم "جاد" وهو يبادل ابن عمه الضحكات القوية ثم نظر إلى "مسعد" الذي يقف على جمر مشتعل أسفله، جلس مرة أخرى ووضع قدم فوق الأخرى كما السابق وأردف مُجيبًا إياه:


-زينا كده يعني... عايزين نجاملك تاني بس المرة دي هتبقى الحسبة مية المية 


وجدوا أن "عيسى" يتقدم بصينية الشاي فأردف قائلًا بجدية وهو يشير إلى الداخل بعد أن وضع على الأرضية كوبين من الشاي:


-دخل دول للرجالة جوا


أكمل بسخرية وتهكم وهو ينظر إلى ذلك الغبي الذي يقف أمامه:


-ابقى خد عمك مسعد في إيدك وصله أصله ياعيني كبر وخرف ومش عارف يوصل محله


نظر إليه بقوة وكره شديد وظهرت الغيرة والحقد بعينيه من كونه أخذ ما كان يريد وطاب بين يديه، رفع إصبعه السبابة بوجه "جاد" وقال بتهديد وقوة:


-هتندم يا ابن أبو الدهب 


لم يعطي له الفرصة ليجبب بل رحل سريعًا عنهم وهو غاضب مشتغل بالنيران من حديث "جاد" وسخريته عليه هو وابن عمه، يسير وكأنه يسير على جمر، تعهد داخله بالنيل منه وقريبًا..


بينما "جاد" اشتعلت النيران بصدره وهو يراه يتحدث عنها وعنه بهذه الطريقة الرخيصة متخيلها داخل عقله المريض بها، ما جعله يود الفتك به هو رؤية الرغبة المرضية داخل عينيه وهو يتحدث عنها، لم يكن يصعب عليه ضربه والنيل منه أمام الجميع ولكن لن يجعله ينال ما يريد فهكذا سيتحدث من ليس لديه لسان لأنه من قبل الزواج وهناك مشاحانات واسمها موجود بها.. هو سيجب ولكن على طريقته...


وقفت في الأعلى تفكر بجدية تامة عن حديث "سمير" و "جاد" هل هم من قاموا بتكسير محل مسعد وجعلوه ينال الكثير من الخسائر!..


هل هذا كان لينال منه بعد الذي فعله؟. ولكنه ابرحه ضربًا واعتقدت في ذلك الوقت أنه سيموت، بالنسبة إليها قد أخذ حقها منه عندما رأته لا يتردد في قتله..


هل هو حقًا من فعلها؟..


#ندوب_الهوى

#الفصل_الخامس_عشر

#ندا_حسن


                "وما به القلب سوى بعض الهوى؟..

         الهوى المطبوع عليه الندوب المشوهة للروح"


وقفت في مطبخ شقتها تعد طعام الغداء ككل يوم لها ولزوجها الذي قارب على الصعود إليها، ولكن ذهنها داهمة شيء لم يكن يخطر عليه في يوم من الأيام، لم تكن تتوقعه أبدًا ولم يصل إليها أنه يفعل مثل ذلك الشيء..


أخذت السكين وبدأت تقطيع في الخضراوات وعينيها مثبتة عليهم بقوة وهمية وداخلها تتذكر حديثه إلى ذلك البغيض "مسعد"، لقد قالها بطريقة غير مباشرة أنه من فعل ذلك في المحل الخاص به!، لقد قام بتكسيره وجعله يواجه الكثير من الخسائر وليس القليل!.


لا يهم إن كان يخسر أو يربح ولا يهمها من الأساس ذلك الأبلة ولكن ما يهمها هو زوجها! هل فعلها حقًا أو هو يهتف بهذا الحديث ليزعجه ليس إلا؟..


لم ترى منه فعل عنفواني كهذا منذ أن تعرفت عليه ربما فقط عندما يخرج عن سيطرة نفسه، ولكن منذ سنوات وسنوات وهي هنا وتراه أمامها ولم يصدر منه فعل كهذا بل كان دائمًا هادئ لا يغضب سريعًا ولا يفعل أشياء ليست محسوبة بل يفكر بكل شيء يفعله كثير من المرات قبل التنفيذ ويفكر في إن كان ذلك يذهب لحلال الله أو حرامه..


ربما هذا عقاب لـ "مسعد" عما فعله وأتت على طريقة "جاد" ولكن أيضًا هي لا تحب أن يفعل ذلك ويتحول إلى هذا الشخص الغريب عنها وعنه..


أخفضت بصرها إلى طبق الخضراوات التي كانت تقطعه، لحظات وانهت ما به ثم وضعته مع الطعام الذي أصبح جاهز، توجهت نحو حوض الغسيل تغسل السكين الذي كانت تقطع به وأخذت واحدة من البصل لتقوم بتقشيرها وذهنها مازال يعمل في إتجاه زوجها وما تحدث به وداخل أذنيها كلماته تتردد بتواصل مستمر وعقلها يرهقها كثيرًا كما قلبها بالضبط..


شهقت بعنف وتفاجئ عندما شعرت بالسكين تجرح يدها وليس البصل، أبصرت يدها بعينين متسعة وتركت السكين سريعًا متقدمة إلى خارج المطبخ لتدلف المرحاض..


وقفت أمام حوض المرحاض تغسل يدها التي جرحتها السكين في باطنها جرح مستقيم، لم يكن غائر ولكنه ظاهر بوضوح ويؤلمها كثيرًا غير تلك الدماء التي لا تتوقف..


مدت يدها اليمنى وهي تزفر بضيق وضجر شديد تأخذ منديل ورقي من على مرآة الحوض، ثم وضعته على يدها لعل الدماء تتوقف..


أخذت منديل آخر وآخر ولم يكن الجرح كبير إلى هذه الدرجة ولكنه يخرج دماء كثيرة..


توقف خروج الدماء بعد أن ضغطت عليها مطولًا بالمناديل الورقية ثم تقدمت إلى ذلك الصندوق بالمرحاض وأخذت منه قطن وشاش طبي بوجه منزعج وملامحه منكمشة..


لفت يدها ثم خرجت من المرحاض تتوجه إلى المطبخ مرة أخرى تكمل ما كانت تفعله، ولم يكن للبصلة أي دور اليوم في طعامها ولا تدري لما أخذتها من الأساس وهي قد أنهت كل شيء!...


وهي تذهب إلى المطبخ استمعت إلى المفتاح يتحرك في مزلاج باب الشقة مصدرًا صوت، نظرت ناحيته وهي تقف مكانها في الممر القابع به المطبخ والمرحاض وأيضًا غرفة النوم، وجدته يجذب المفتاح مرة أخرى وباب الشقة مفتوح ثم أغلقه ودلف إلى الداخل وزال حذائه عن قدمه وتقدم ناحية علاقة المفاتيح ووضع مفتاحه بها جوار الباب..


تقدم إلى الداخل ليراها تقف تنظر إليه بغرابة استشعرها في نظرتها نحوه، ولكنه أستمع إلى صوتها يخرج بهدوء:


-حمدالله على  السلامة 


ابتسم بوجهها وهو يتقدم منها:


-الله يسلمك


أقترب إلى أن وقف أمامها مباشرةً ومال عليها قليلًا مقبلًا أعلى رأسها بهدوء وحنان مُبتسمًا وهو يحيط وجهها بكفيه مطولًا في تلك القبلة البريئة أكثر مما ينبغي وهو يستشعر ذلك الدفء الذي يلقاه بين يديها مهما كان يفعل، وكان يود أن يراه بشدة فهي توصل إليه الجفاء بطريقة مزعجة وحتى إن كانت تحاول أن تفعل عكس ذلك..


استغربت المدة الذي بقى يقبل رأسها بها وشعرت أنه يود أكثر من ذلك بكثير، يحق له فهي تتهرب كثيرًا منه ولكن ذلك فوق طاقتها ولا تتحمله، هي من الأساس لا تتحمل نفسها ولا تستطيع أن تكون مشتتة منزعجة وتقترب منه وتفعل ما يطلب حنينهما وشغفهما تجاه بعضهم..


رفعت يدها الاثنين تضعهم على ذراعيه الصلبة ليبتعد حتى تتيح لها الفرصة الذهاب لترى طعاهما الذي تركته، أبعد شفتيه عنها وعاد برأسه إلى الوراء ضاغطًا على نفسه مُتصنع الابتسامة وداخله منزعج لكونها تتفهم ما الذي يريده وما الذي يتحدث به ولكن تتجاهله بجدية تامة ويظهر ذلك بوضوح وكل منهما يخفي داخله أشياء وخارجهما يحاولان وبشتى الطرق أن تكون الابتسامة مُرتسمة دون مجهود..


أبصر "جاد" يدها فأمسك بها بقلق ولهفة ورفع عينيه إليها يحركهما عليها سائلًا باستغراب وقلق:


-مالها إيدك؟


ابتسمت بوجهه لتجعله يطمئن فقد ظهر عليه القلق الشديد وهتفت ببساطة وهدوء:


-مفيش حاجه متقلقش دا جرح بسيط من السكينة 


عاتبها بعينيه قبل أن تتحرك شفتيه متحدثة:


-مش تاخدي بالك 


سحبت يدها منه بهدوء وأردفت مُجيبة إياه بجدية:


-سرحت وأنا بقطع الخضار بيها


تحركت بقدميها خطوة وأردفت مُكملة حديثها:


-هروح أحضر الأكل


أبتعد هو الآخر إلى المرحاض وهو يراها تذهب إلى المطبخ وأردف مُجيبًا بود وهدوء:


-هغسل وأجي أساعدك


قام بغسل يديه ووجهه في المرحاض ثم قام بالتجفيف في المنشفة الموضوعة بالداخل، خرج من المرحاض متقدمًا إلى المطبخ المتواجدة به، وجدها تأخذ أطباق الطعام على صينية كبيرة متوجهة بهم إلى غرفة السفرة..


تقدم ثم أخذها من يدها وسار أمامها إلى غرفة الطعام، وقف أمام السفرة ووضع عليها الصينية وأخذ يضع الأطباق عليها بهدوء واحدًا تلو الآخر، أتت هي بالمياة وبيدها الكوب ثم وضعتهم على الطاولة أمامها وتقدم هو إلى الناحية الأخرى من الطاولة ووضع عليها الصينية الفارغة ثم عاد وجلس على مقعده وجلست هي جواره ثم شرعت في تناول الطعام هي وإياه بعد التسمية..


لم يتحدث معها بل كان يأكل في صمت وفعلت هي المثل إلى أن وصلت لمرحلة لن تستطيع الصمت بها، نظرت إليه وهو يأكل بصمت وتركت الملعقة من يدها ثم ألقت عليه سؤالها كالقنبلة:


-أنتَ اللي كسرت محل مسعد؟


رفع عينيه عليها مثبت إياهم على نظرة عينيها تجاهه ويرى بوضوح ذلك الشك وانتظار الإجابة بفارغ الصبر، ترك الملعقة وابتلع الطعام الذي بحلقه لتتحرك تفاحة آدم البارزة، قابلها بسؤال مستغرب هو الآخر:


-ايه اللي خلاكي تسأليني السؤال ده 


وضعت يدها الاثنين أمامها على الطاولة مُجيبة إياه ببساطة ووضوح:


-سمعتك وأنتَ بتتكلم معاه وبتلمح لكده أنتَ وسمير


وهو الآخر ببساطة شديدة أومأ إليها وأكد حديثها وسؤالها قائلًا: 


-آه أنا اللي عملت كده 


استغربت رده عليها بهذه البساطة ولم تكن تتوقع أبدًا أنه من فعل ذلك حقًا واستبعدته نهائيًا، أخفضت يدها ثانيةً ونظرت إليه بغرابة متسائلة بضيق:


-ليه!


اتسعت عينيه هو هذه المرة وهو يراها تسأله بمنتهى السهولة لماذا فعلها؟ ألا تدري أم تتجاهل علمها كتجاهلها له، هاتفها بحدة واستنكار مُكملًا بسخرية:


-ليه؟.. بتسأليني ليه وأنتِ المفروض أكتر واحدة عارفه، ولا عامله نفسك مش فاهمه حاجه ماهو ده أسلوبك الفترة دي


كادت أن تتحدث وترده عما يقول ويعتقده:


-جاد أنا....


قاطعها هو بحدة ونظرته مثبتة على عينيها العسلية يضغط بإصبعه السبابة على الطاولة بعصبية وهو يتحدث:


-ده مكنش ردي عليه.. مكنش المفروض أعمل كده أنا كان في دماغي شيء تاني كان هيخلص عليه ويمسحه من على وش الدنيا خالص بس استحرمت ولقيت نفسي بشيل ذنب بشع، واحد زي ده مايستحقش اشيله علشانه، ولو كان وقع تحت ايدي مكنش هيطلع غير ميت.. ولو مكنتيش منعتيني عنه كان زمانه ميت فعلًا 


ألقت عليه حديثها ساخرة وكأنه يقول هكذا لن يأتي ذنب عليه:


-وكده مش هيبقى حرام ومش هتشيل ذنب أبشع؟..


وضع يده الاثنين على الطاولة أمامه فاردًا ذراعيه وأدار وجهه للناحية الأخرى قائلًا بانزعاج وضيق يظهر على تعبيرات جسده ووجهه:


-أهو مماتش 


حاولت أن تمتص ذلك الجفاء الذي ظهر في حديثهم فجأة وكل منهم كان يحاول مداراته سابقًا، رفعت يدها تضعها فوق كفه وتحدثت بلين وعينين مُحبة تنظر إليه:


-الحمدلله إنه مماتش لأني مكنتش مستعده إني اخسرك 


ظهر عنفوانه المخفي معها هي دون أن يعلي صوته أو يغضب عليها بل سخر منها بعنف وتهكم شديد وهو يبصر ملامحها الجميلة:


-بس مستعده إنك تتجاهليني ومستعده إنك تزعلي نفسك وتقهريها بالشكل ده وتزعليني معاكي


أخذت يدها وابتعدت عنه قائلة بضيق وانزعاج وهي تزفر بحنق:


-جاد إحنا بنتكلم في شيء تاني 


أجابها بحدة وتأكيد ليلاحقها ويتحدث فيما أراد:


-وأنا جاوبتك على الشيء التاني وقولتلك أيوه أنا اللي كسرت المحل فوق دماغه.. ودلوقتي جه دورك 


أبعدت عينيها عنه، لا تود الحديث في هذه الأمور حقًا فعقلها مشوش بما يكفي، لا تستطيع أن تستمع إلى حديث آخر منه تضعه على السابق ويشتت عقلها أكثر، هي قالت ستتحلى بالصبر فليفعل هو الآخر:


-إحنا بكرة هنروح عندنا علشان سمير...


قاطعها مرة أخرى بطريقة فظة وهو يراها تتهرب من الحديث معه فيما يخصهم:


-عارف... متهربيش من الكلام 


وضعت عينيها عليه وسألته مضيفة ما بين حاجبيها بعفوية قائلة بانزعاج:


-واشمعنى أنتَ تهرب براحتك يا جاد 


قرر ما الذي سيفعله وعلم أنه لن يتهرب مرة أخرى وقليل من الوقت فقط وسيعترف لها أنه لا يحب سواها حتى لا يأتي عقلها بخرافات وتصدقها هي ببساطة، قال بجدية شديدة وهناك لمعة غريب  بعينيه:


-خلاص بطلنا... مش ههرب تاني وقريب أوي هقولك اللي يريحني ويريحك معايا يا هدير بس الصبر علشان أنا عارف تفكيرك هيقولك ايه لو أنا اتكلمت دلوقتي 


نظرت إليه باستغراب ولم تفهم مقصده من هذا الحديث وها هو أضاف شيء آخر على حديثه السابق يشتتها أكثر به، حركت عينيها على ملامحه بهدوء ثم وقفت على  قدميها لتخرج من الغرفة..


أمسك معصم يدها عندما رآها وقفت ولم تكمل طعامها فتحدث بلين وحنان ظهر عليه وهو يطالبها بالجلوس وكأنه لم يكن يعنفها منذ قليل:


-اقعدي كملي أكل أنتِ مكلتيش 


-شبعت الحمدلله.. هعمل شاي 


جذبت يدها منه وذهبت إلى الخارج لتقوم بإعداد الشاي لكلاهما فوقف هو على قدميه بعد أن زفر بضيق وحنق شديد ثم حاول تهدئة نفسه..


تقدم وأخذ صينية الطعام الفارغة من على الطاولة  وبدأ بجمع الأطباق عليها مرة أخرى ليساعدها حتى لا ترهق نفسها أكثر من ذلك فيكفي عقلها عليها..


وقفت "هدير" في غرفة النوم بعد الاستحمام ترتدي ثوب المرحاض الأبيض الذي يصل إلى بعد ركبتيها بقليل وتحكم إغلاقه عليها جيدًا، تركته منذ قليل بعدما ارتشفت من الشاي معه وذهبت لتأخذ حمامًا باردًا في هذا الجو الحار ربما تستفيق مما هي به..


أخرجت ملابسها ووضعتها على الفراش وتقدمت من المرآة ثم أخذت تمشط خصلات شعرها الطويلة الذي أصبحت باللون الأسود الحالك عندما ابتلت بالمياة، حيث أن هذه الخصلات لونها أسود يخالطه البني..


جلست على المقعد أمام المرآة ثم رفعت إحدى قدميها على الأخرى وأخذت من مرطب الجسد الخاص بها وسارت تضع منه على قدمها بهدوء وراحة..


فتح باب الغرفة على حين غرة دون استئذان!. مِن مَن يستأذن هذا بيته وهذه زوجته!.. رفعت بصرها إليه وجدته قد أزال عنه قميصه القطني ليبقى بالقميص الداخلي كما كان في الورشة في الصباح..


نظر هو إليها وحرك عينيه الرمادية عليها من الأسفل إلى الأعلى وتوقف تمامًا على ملامح وجهها الرقيقة، وجهها الأبيض المستدير وعينيها العسلية الصافية، شفتيها الوردية التي ترهقه بابتعاده عنها.. وذلك النمش البسيط الذي يرسم لوحة فنية على وجهها تظهرها غاية في الجمال والرقة..


وكم أشتاق لهذه الخصلات المتمردة دائمًا على وجهها..


وجدته يتقدم إلى الداخل وعينيه مثبتة عليها، وقفت بلهفة وتركت المرطب على المرآة متوجهة إلى الفراش لتأخذ ملابسها ترتديها..


ابتسم "جاد" بسخرية على حركات الأطفال هذه، وتقدم ناحيتها ووقف جوار الفراش معها، أخذ من بين يدها الملابس ووضعها مكانها مرة أخرى مُتحدثًا بتهكم: 


-حركات عيالي أوي


نظرت إلى رمادية عينيه الساحرة ووجهه الوسيم الذي ابتسم يتهكم عليها، وطوله الفارع وجسده العريض الذي يخفي جسدها أمامه، وجدته ينظر إلى شيء ما محدد في وجهها والرغبة تكسو ملامحه متعتطشًا إليها ومع ذلك يبدو الهدوء على وجهه شيء أساسي..


أقترب منها أكثر إلى أن أصبحت المسافة منعدمة، وضع يده الاثنين حول خصرها وهتف بنبرة خافتة وشغف كبير داخلة رغبة تطارده وتظهر بوضوح عليه:


-وحشتيني 


رفع يده اليمنى إلى وجنتها يحرك إصبعه الإبهام عليها بتروي وهدوء ولم يستطع الإنتظار أكثر وهو يراها تنظر إلى عينيه بهذه الطريقة الساحرة التي تجذبه إليها وكأنها سحر حقًا..


قبض على شفتيها بخاصته بطريقة حادة قليلًا يرتوي منها كما يريد، فقد ابتعدت عنه ومازال يطلق عليهم العروسان متحججه بالتشتت والانزعاج ربما، والإرهاق محتمل، لكنه الآن لا يستطيع فرؤيتها بهذا الشكل تجعله يفقد صوابه..


لم تمانع وكأنها كانت تريد قربه أكثر منه وما تفعله ما هو إلا الإبتعاد بطريقة هشة لا تصلح معه وأثار فضولها نحو نطقه باشتياقه لها، هو دائم بقولها، دائم بالاعتراف بهذا الاشتياق فقط، دفعها إلى الخلف لتجلس على الفراش ومازال يعبث معها بنفس الطريقة الحادة المتعطشة إلى قربها منه وأقترب أكثر ليفعل كما يريد ويحلو له ولها أيضًا..


                                   ❈-❈-❈


بعد اعتراف "مريم" إلى شقيقتها بأن قلبها يهوى "سمير أبو الدهب" قامت شقيقتها بتبليغ زوجها أنها توافق عليه وبدوره هو أخبر ابن عمه الذي فرح فرحةٍ كفرحة المجنون بخروجه من مشفى الأمراض العقلية.. لم يستوعب أنها وافقت عليه بهذه السهولة وكأنها تقول له أنها تبادلة نفس المشاعر التي تداهمه!..


وكأنها تقول أقبل أن أحبك وادأهواك أكثر مما ينبغي!.. ألا يدري أنها تهواه!.. 


ألا يدري أنها تحبه منذ البعيد وهو لم يكن يراها من الأساس؟.. فرحته لم يكن أحد يستطيع وصفها وكأنه يحبها منذ زمن ولا يستطيع الإقتراب منها..


تخيله أنها ستكون له وحده وزوجته، شريكة حياته ونصفه الآخر يجعله يشعر بالنصر وكأنه كان في حرب وخرج منها منتصرًا على الأعداء..


عندما تحدث مع والده هو وابن عمه لم يقابله بالرفض أبدًا، تفكير والده غير تفكير عمه تمامًا، لم يمانع، ولم يقول أنه لا يجوز، بل وافق، أعطى الموافقة فور أن انتهى من الحديث مباركًا له متمنيًا حياة زوجية سعيدة لابنه.. كم كان سهلًا معه..


وفي ذلك الوقت كان "جاد" ينظر إليه مُبتسمًا لأجله يقول داخله لو فعل والده مثل عمه لكان ينعم بحياته الآن مع زوجته دون هذا الشك والخلل..


دلفت والدة "جاد" شقة "نعمة" والدة "هدير" وكان معها "سعيدة" والدة "سمير" ابن شقيق زوجها..


قابلتهم "نعمة" بالترحاب الشديد والابتسامة على وجهها من الأذن للأذن الأخرى وفرحتها لا تقدر بثمن لابنتها الأخرى التي ستتزوج الابن الآخر لعائلة "أبو الدهب".. لقد حالفهم الحظ وبقى دعائها لهم بفضل الله..


صاحت بقوة وفرحة وهي تقبل والدة "سمير" بعد دخول "فهيمة" للداخل:


-يا أهلًا وسهلًا يا أهلًا وسهلًا.. دا إحنا زارنا النبي والله.. نورتوا البيت 


ردت "سعيدة" بحب وود والابتسامة تشق طريقها على وجهها مثلها تمامًا:


-البيت منور باصحابه يا أم جمال 


وضعت والدة "هدير" يدها أسفل ذقنها وهتفت قائلة بعتاب ومحبة:


-يوه ما انتوا أصحابه يا أم سمير.. اتفضلي اتفضلي 


دلفت معها إلى الصالة المتواضعة التي يجلسون بها كالمعتاد ووجدت والدة "جاد" قد جلست على الأريكة منذ أن دلفت وسلمت عليها..


أردفت "فهيمة" ببساطة وراحة وهي تعتدل في جلستها على الأريكة:


-إحنا بقينا صحاب بيت خلاص.. براحتنا بقى 


جلست "فهيمة" وجوارها "سعيدة" مقابل والدة "هدير" الذي أردفت بجدية:


-طبعًا يا أم جاد وحياتك دا إحنا اللي ضيوف 


ابتسمت لها بود وهدوء قائلة:


-تسلمي وتعيشي يا حبيبتي


مرة أخرى تحدثت والدة "هدير" بترحاب شديد وسعادة غامرة:


-دا يا ألف نهار أبيض والله.. حصلت ألف بركة 


أردفت هذه المرة "سعيدة" والدة "سمير" وهي تُجيبها بود:


-شالله يخليكي يا أم جمال


أعتدلت "فهيمة" في جلستها ونظرت إلى والدة "هدير" بجدية شديدة وهي تشير إلى نفسها قائلة:


-بقولك ايه يا أم جمال أنتِ عارفاني بحب الدوغري


أكدت الأخرى بقوة وهي تومأ إليها برأسها:


-طبعًا يا حبيبتي


-يبقى صلي بينا على النبي 


ردت والدة "هدير" و "سعيدة" مع بعضهم البعض: 


-عليه أفضل الصلاة والسلام


وضعت يدها على فخذها وأردفت بجدية وهي تنظر إليها تترقب ردة فعلها:


-إحنا جايين يعني نتكلم كلام حريم كده على الماشي وناخد الأكيد منك... بردو أنتِ الكبيرة 


كانت الأخرى تعلم على ماذا تتحدث لأن ابنتها "هدير" أخبرتها سابقًا أنهم سيذهبون إليها ليتحدثوا بخصوص "سمير" و "مريم": 


-وحياتك يا أم جاد هدير ومريم بناتكم وانتوا اللي مربينهم وأنا ماليش فيهم حاجه 


ابتسمت "سعيدة" بفرحة بسبب حديثها ونظرتها للأمام الموفقة في هذه الزيجة ورؤيتها الأكيدة لسعادة ولدها، أجابت بلطف مؤكدة حديث والدة "جاد":


-تعيشي يا أم جمال... جاد قالنا أنكم موافقين بس بصراحة أنا وفهيمة قولنا ناخد الكلام منك وأهو نقعد معاكي شوية والنبي مقعدناش القعدة دي من زمان ياختي 


عادت للخلف وهي تجلس براحة متحدثة بود ولين مقصرة عليهم جميع المسافات وهي تدلي بموافقتها الصريحة:


-تشرفوا وتنوروا يا ولاد الأصول... وأنا زي ما قولتلكم مريم وهدير أنا اللي اطلبهم منكم دا الحج رشوان خيره مغرقنا وهو اللي مربيهم والله


أردفت والدة "جاد" بهدوء: 


-الخير خير ربنا يا أم جمال 


أكملت حديثها وهي تخبرها بما اتفقوا عليه بجدية لتتم هذه الزيجة كما التي قبلها:


-يبقى على خيرة الله وبكرة إن شاء الله من غير مقاطعة الحج رشوان والحج عطوة وجاد وسمير هيجوا يتقدموا رسمي حسب الأصول ويتفقوا ونفرح كده زي ما فرحنا لجاد وهدير 


رفعت والدة "هدير" يدها أمام وجهها وهي تتحدث برجاء ثم أخفضتها مُكملة بفرحة:


-ياختي يارب.. هو أنا أطول والنبي دا أنا ربنا بيحبني أنا وبناتي إحنا هنلاقي أحسن منكم فين بس دا انتوا الخير والبركة 


تحدثت الأخرى بلطف تمدح في بناتها وتربيتها:


-والله ولا إحنا يا أم جمال نلاقي زيك ولا زي بناتك.. أدب وأخلاق وجمال وتعليم كمان بسم الله الله أكبر... دا غير أنهم عاقلين طب وحياتك جاد ابني كل ما أسئلة عن عيشته مع هدير يقول أحسن واحدة خلقها ربنا ومريحاه... ادعيله وأقوله يارب دايمًا يا حبيبي


وضعت "نعمة" يدها الاثنين أمام بطنها متشابكين وتحدثت برجاء: 


-والله يا أم جاد مش عايزة حاجه من الدنيا غير سترهم وإن محدش يسمع بيهم 


هتفت والدة "سمير" بصوتٍ واثق وهي تحرك يدها أمامها أثناء الحديث:


-إن شاء الله يا أم جمال... وأنتِ عارفة عيشة مريم هتبقى زي هدير في بيت لوحدها آه.. حبت تيجي عندنا غدا ولا عشا ولا انشالله تقعد على طول براحتها محبتش بردو براحتها 


افتعلت صوت بفمها دليل على استنكارها لما تقوله وأردفت مُجيبة:


-وهي تطول تقعد معاكي.. 


أكملت حديثها مُبتسمة مؤكدة أن هذه العائلة أصيلة طيبة، تكمل باستنكار محبب إلى قلبها:


-طب والله دا هدير بنتي تقولي يا ماما بزهق من القعدة في الشقة أقوم جاية لماما فهيمة.. البت حتى ياختي متدخلش لأمها لأ تطلع جري على فوق تقعد نص يوم وتنزل تروح من غير ما أشوفها 


ضحكت الأخرى متذكرة جلساتها مع زوجة ابنها المرحة واللطيفة للغاية ومتذكرة أيضًا تذمر ابنها عندما تبتعد عنه فأكملت بضجر واضح منه:


-الشوية بتوعها اللي بيهونوا عليا ياختي... تيجي نفضل نضحك لحد ما تمشي، لو عليها مبتبقاش عايزة تروح إنما جاد ابني بقى كان الله في العون


ضربت "سعيدة" فخذها بخفة وهي تردف ضاحكة بقوة:


-شباب.. شباب يا أم جاد ياختي سبيهم يفرحوا 


نظرت إليها وقالت بصدق ونبرة فرحة حقيقية وأكملت بسخرية ضاحكة:


-والله منا عايزة غير كده يا سعيدة.. دا الواد كان معزوم عندي استكتر يسيبها تساعدني خدها جري على الاوضه


دعت لهم زوجة عمه وتمنت أن ترى ابنها هكذا هو وزوجته والسعادة تحيطهم لينعم بالراحة:


-ربنا يسعدهم يارب وأشوف سمير ومريم كده ياختي 


أردفت الأخرى قائلة:


-قريب بإذن الله


وقفت والدة "هدير" على حين غرة وأردفت وهي تبتعد بسرعة قائلة بانزعاج وضيق:


-يادي العيبة.. الكلام خدني ونسيت اجبلكم حاجه تشربوها


لم تستطع احداهن الإعتراض فهي ذهبت سريعًا من أمامهم وكأنها ركضت إلى الداخل


وقفت في المطبخ بعد أن دلفت إليه لتأتي إليهم بالعصير، وكانت ابنتها هي الأخرى في المطبخ منذ أن أتوا ولم تستطيع الخروج منه حتى لا يروها، تقدمت إلى والدتها وقالت بحنق وضيق:


-يا ماما مش قولتلك مليون مرة ماينفعش تقولي لحد زارنا النبي 


تركت الزجاجة من يدها ثم وضعت إصبعها السبابة والإبهام على شفتيها بعد أن افتعلت صوت بهما قائلة بضيق:


-يوه يا مريم نسيت والله.. الكلمة على لساني 


ربتت "مريم" على ظهرها وقالت بهدوء وابتسامة:


-طيب يا ماما حاولي يا حبيبتي متقوليهاش بقى علشان حرام ماينفعش نشبه زيارة حد بزيارة النبي عليه الصلاة والسلام 


                                   ❈-❈-❈


في اليوم التالي ذهب "رشوان" ومعه شقيقه "عطوة" وأيضًا "جاد" و "سمير" إلى شقة "سامي الهابط" لخطبة "مريم" ابنته..


ومنذ الصباح كانت ذهبت "هدير" إلى شقيقتها ووالدتها لتكن معهم إن أرادوا شيئًا، سعدت كثيرًا لشقيقتها ولم تكن سعادتها عادية بل كانت غاية الفرحة، اعتبرت "مريم" مثل ابنتها وتولت تلك المسؤولية عنها منذ أن توفى والدها، والآن تحمد الله لكون شخص مثل "جاد" يريد الزواج منها..


من أصله وطباعه ومن عائلة على الأقل معروفة في منطقتهم ولها كلمة مسموعة بين الجميع هنا، ستكون سعيدة.. ستكون في غاية السعادة مؤكد فهي تحب "سمير" وهو يحبها وهذا ظاهر بشدة أمام الجميع..


وحقًا كما قالت فـ سعادة "مريم" لم تكن تقدر بثمن، استجاب الله لدعائها، حقق أمنيتها في الزواج منه، حافظت على قلبها ونفسها وكما هي نقية محبة والأن أتى لخطبتها ولتكن له وحده..


زوجته، حبيبته، نصفه الآخر وقوته، حقًا لم تكن تصدق أنه شعر بوجودها وقرر الإقتراب أكثر.. الإقتراب إليها أكثر من نفسها...


لقد قال وفعل.. حقق ما ألقاه عليها بصفة غير مباشرة إلى حقيقة واقعية تحاول تصديقها..


سعادته هو الآخر أكتملت، أكتملت بوجودها، بوجود شخص شعر بأنه يريد قربه وحده طوال الوقت، يريد رؤية ابتسامة منها، رؤية نظرة عينيها العسلية، براءتها وحبها الغير محدد..


لن يتحدث عن سعادته أو حبه لها بل سيقول الحمدلله على ما أعطى له..


ابتسم "جمال" بعد أن استمع إلى حديث "رشوان" والد "جاد" وكبير العائلة بطلبة زواج شقيقته من ابن أخيه:


-أنا مقدرش أرفض يا حاج رشوان، وبعدين انتوا اخدتوا الكبيرة مش هديكوا الصغيرة 


أردف الآخر مرة أخرى بجدية وهو ينظر إليه منتظرًا حديث ليس محسوب كحديثه في ليلة "جاد":


-ربنا يخليك يا جمال يابني.. طلباتك ايه بقى إحنا تحت أمرك 


أجابه "جمال" بجدية شديدة وحزم وهو يعرف ما الذي سيفعله:


-طلباتي في مريم هي هي طلباتي في هدير 


نظر إليه "عطوة" والد سمير باستغراب، هو لم يكن موجود أثناء اتفاقه على زيجة "جاد" لذا لا يعرف ما الذي يريده، تسائل بجدية وهدوء:


-اللي هي ايه يابني


تحدث "جمال" ببساطة ووضوح شديد ولم يخفي شيء بل تحدث بصدق أمامهم:


-الدهب مية ألف والقايمة نص مليون معلش يا حج عطوة أنا عايز اضمن حاجه لأخواتي.. مين عارف ايه اللي هيحصل بكرة 


كانت تقف على أعتاب باب الغرفة تنظر إليهم من بعيد تبتسم بسعادة لأجل شقيقتها الصغرى التي قاربت على أن تكون كبيرة ناضجة.. تستمع إلى حديثهم وذلك الإتفاق الذي يخوضه والد زوجها وشقيقها..


عندما استمعت إلى آخر حديث لشقيقها ذُهلت وكأنها استمعت إلى حديث خاطئ، هل هو من طلب الذهب بهذا المال!.. إنه ليس كثير لدرجة الذهول ولكن ذهولها من كونه يطلب مبلغ أكبر منها ومنه، أن يأتي بالحُلى بهذه القيمة لها هي قمة في السخافة والأنانية بل قمة الإستغلال والطمع..


لقد فهمت أن والد "جاد" هو من حدد المبلغ في ذلك الوقت وصمتت لأنها اعتقدت أن حديث الإتفاق واقعي أكثر من هذا!..


وماذا عن النصف مليون!.. إنه أبله لا يفهم شيء، غبي، متهور، ومستغل، بل طامع وبشدة، لما يطلب أموال كثيرة كهذه، هل يقوم بعقد صفقة!.. 


انزعجت "هدير" بشدة وشعرت بالضيق من فعلة شقيقها وانتظرت الرد منهم لترى إن كان على حق في ذلك.. 


نظر إليه "عطوة" باستغراب شديد هل يتحدث عن الإنفصال وهم في الإتفاق!؟.. هل هو أبلة، إنه لا يفرق معه المال إن كان كثيرًا أو قليلًا ولكن ما يفرق معه حديث هذا الأبلة وطلبه هذا، في الأساس مبلغ كهذا ليس قليل بل إنه كثير للغاية فهي لن تأتي باشياء بهذا الثمن..


ابتسم "رشوان" بهدوء وعقلانية وهو يعلم ما الذي يريده "جمال" وعندما وجد شقيقه صمت أردف هو قائلًا بلين:


-اللي أنتَ عايزة يا جمال المهم الولاد يفرحوا 


أكد "جمال" دون أن يبتسم حتى قائلًا:


-إن شاء الله هيفرحوا ويتهنوا 


اتكأ "رشوان" على عصاه وهو ينظر إلى "جاد" و "سمير" الذين يجلسون بصمت في حضوره منتظرين إتمام ما اتفقوا عليه قبل أن يأتوا إليهم:


-الفرح إن شاء الله يبقى بعد ما العروسة تخلص السنة دي على خير يكون سمير جهز شقته وانتوا كمان لو فيه حاجه نقصاكم 


أردف قائلًا بجدية:


-على خيرة الله 


ابتسم "سمير" عندما استمع إليه يهتف بهذه الكلمات ورأى الأمر يسير بهدوء بسبب حضور عمه وحديثه هو و "جمال" فلو كان أحد آخر لم يكن يستطيع التخلص من "جمال" وحديثه الغريب دائمًا ولكنه يقصر المسافات ويجعله يأتي بالمفيد فقط.. 


-يبقى نقرا الفاتحة 


ابتسم "جاد" وهو ينظر إلى "سمير" الذي هتف بحماس وفرحة، رفع الجميع أيديهم أمام وجوههم يقومون بقراءة الفاتحة لتكن هكذا تمت خطبة "مريم" و "سمير"..


بعد أن مر قليل من الوقت عليهم ذهب "سمير" ومعه "جاد" وزوجته وشقيقتها إلى أحد محلات والده ليأتي إليها بالذهب..


وفي أثناء خروجهم ذهب "جمال" إلى الخارج ومعه والد "جاد" و "سمير" وتبقى والدة "هدير" و "فهيمة" ووالدة "سمير" أيضًا في المنزل وامتنعوا عن الذهاب معهم تاركين "جاد" و "هدير" فقط ليجلسون سويًا جلسة يستمتعون بها بحكايات الزمن الذي مضى عليهم منتظرين عودة أبنائهم بالحُلى الخاص بـ العروس "مريم"


                                   ❈-❈-❈


بعد انتهاء هذه الليلة بسعادة على الجميع، بقيت هي الوحيدة المشغول بالها مما استمعت إليه وما حدث أمامها..


لقد انزعجت حقًا بسبب طلب شقيقها الغبي، لم تكن تعلم أنه سيفعل هذا لو تعلم لما وافقت من الأساس، ألا يدري أنه تزوجها ليبعد "مسعد" عنها، ألا يدري أنه فعل هذا لأجل أن يصمت الجميع ولا يتحدث أحد بالسوء عنها، ألا يدري أن فعلته هذه آتية بسبب أخلاقة الكريمة وشهامته معها، ألا يدري أن هذا تعاطف والده هو الآخر وشفقته عليها..


نظرت إلى "جاد" جوارها على الفراش، كان ينام ممدد على ظهره يضع قدم فوق الأخرى ممسكًا هاتفه يتصفح ما به، بينما هي جالسة في مكان نومها على الفراش تنظر إليه من الحين إلى الآخر وتود الحديث معه..


شعر بأنها تود الحديث بعد نظراتها المترددة هذه، لم يتحدث وبقي مثلما هو منتظرًا منها البدء فيما تريد حتى لا يكون مشوش لافكارها وتكون هي من تحدثت وقالت ما تريد..


لحظات واستمع إليها تهتف بصوتٍ خافت وهي تستدير في جلستها لتنظر إليه بعينيها العسلية الصافية التي تحمل داخلها براءة تعاكس شراستها بقوة:


-أنا عايزة اسألك عن حاجه 


رفع نظرة من الهاتف بل أغلقه كليًا وتركه على الكومود جواره بعد أن جلس نصف جلسه متكأ على الفراش بيده ينظر إليها:


-اسألي 


ابتلعت تلك الغصة التي اشعرتها بمرارة العلقم بحلقها ونظرت إليه بخجل قائلة وهي تضغط على يدها بقوة:


-أنتِ ليه مقولتليش إن جمال هو اللي طلب مبلغ الدهب 


كان يشعر أنها ستتحدث عن هذا، نظر إلى يدها التي تضغط عليها ثم أعاد نظرة إليها مُردفًا بلين وحنان لم تعهد على مثله إلا من والدها:


-مكنش هيفرق في حاجه سواء إحنا اللي قولنا ولا جمال وبعدين مية ألف يعني مش مبلغ فظيع للدرجة دي أنتِ شوفتي جابوا ايه دول كام جرام دهب يعني


هتفت بضعف وقلة حيلة ومرارة الفقر تعكر صفوها أمامه بينما تنظر إلى داخل عينيه بعمق: 


-المبلغ مش كبير بس كتير عليا 


أمسك بيدها التي تضغط عليها واضعًا إياها بين كفيه بحنان وهدوء وأردف وهو ينظر إليها بحب وشغف:


-لأ قليل وقليل أوي كمان.. فلوس الدنيا بالدهب اللي فيها قليل عليكي يا هدير أنتِ تتقدري بأغلى من كده بكتير 


نظرت إليه بقليل من الاستغراب، هل هذا غزل أم اعتراف بالحب بطريقة غير مباشرة، هل هذا تقديره لقيمتها!.. لقد أصابها بالحيرة من حديثه الدائم المستمر بالعبث بها ومعها، تساءلت مرة أخرى بعد أن استكملت الحديث معه:


-بس أنتَ كمان مقولتليش على فلوس القايمة


حاول "جاد" أن يبتعد عن الحديث في هذا الأمر فحوله إلى حديث ساخر يهتف بتهكم وسخرية وهو يبتسم قائلًا باستنكار:


-اوعي تطمعي وتطلقي وتاخدي الفلوس مني 


نظرت إليه بجدية شديدة ولم تأخذ حديثه على محمل المرح بل أخذته على محمل الجدية التامة واستنكرته بشدة بل وشعرت بالضجر أيضًا لمجرد تخيل أن هذا الشيء يحدث بينهم..


أبصرته بهدوء مُجيبة إياه بضعف وحزن تخلل نبرتها المنكسرة:


-أطلق!.. وفكرك البعد عنك تداويه الفلوس..


هو من استغرب حديثها هذه المرة فتسائل بجدية واستغراب:


-تداويه؟..


ابتسمت بحزن يظهر بوضوح على ملامح وجهها، ونظرة عينيها مثبتة على رماديته الخلابة متعلقان ببعضهم البعض واستمع إليها تهتف بألم ونبرة خافتة:


-آه.. أصل البعد عنك جرح، جرح كبير إن طاب بيسيب ندوب كل ما تشوفها تفكرك بالهوى اللي صابك في المكان الغلط 


لما يكابر؟.. ولما تكابر؟.. حقًا هذا سؤال قد يداهم الجميع عند معرفة هذه القصة السهلة البسيطة، ليس بها أي مطبات تمنع الإعتراف والعيش بسعادة وسلامة..


بل هناك كبرياء إمرأة تمنع اعترافها بالعشق ناحيته بسبب ظروف زواجهم الذي أتى بوقت خطأ، تراه تزوجها شفقة ليس إلا وشهامه لأجل إسكات الجميع وعندما تنحدر أكثر ترى حبه بوضوح ولكن دون حديث فتصمت هي..


وهناك تخبط داخله، ود الإعتراف لها منذ اللحظة الأولى ولكنها دائمًا تراه يعطف عليها بهذا الزواج، هل غبية! من هذا الأبلة الذي يتزوج لأجل التعاطف أو الشفقة لو كان هكذا حقًا من أسهل الطرق أن يبعد عنها "مسعد" ويجعل الجميع يصمت بطريقته بعد الذي أردف به عنهم لكنه مؤكد لن يتزوجها.. والآن فقط انتظاره أن يراها ليست مشتتة وسيعترف بكل شيء حتى لا تعتقد أنه يشفق عليها مرة أخرى بحديث كاذب يخترعه لأجلها..


أردف بعد وقتًا طويل يتبادلون فيه النظرات المرهقة المعذبة لأجل الحب، قال بجدية ونبرة رجولية خشنة:


-مش في مكان غلط ولا حاجه يا هدير.. بالعكس دا صح الصح وبكرة تعرفي.. الاسطى جاد مش بيقول أي كلام 


ابتسمت بهدوء وردت مصححة:


-البشمهندس جاد 


استند بظهره إلى الخلف بعد أن اعتدل قائلًا بجدية:


-أهو البشمهندس دي مسمعتهاش من حد غيرك أنتِ وأمي وأبويا الحج رشوان


أردفت بشغف يظهر عليها وحنين يتأكل داخلها:


-بحبها.. وبحب الاسطى جاد بردو 


أبصر وجهها الأبيض وجمالها الطبيعي، ملكه وحده وأردف بمرح وعبث وهو يغمز بعينيه:


-يا حظه الحلو الاسطى 


                                    ❈-❈-❈


حاولت أن تتناسى ما تمر به معه، حاولت أن تبعد جميع الأفكار عن عقلها فـ "جاد" شخص لا يوجد مثله أبدًا..


يكفي حديثه الدائم المتحدث عن كم الحب الذي يخفيه عنها، نظراته نحوها وحديث عينيه عن العشق القابع داخله، يكفي أفعاله وتصرفاته، وما يظهر عليه من حب وحنان عندما تجمعهم لحظة رومانسية..


لو لم يكن يحبها لما يغير عليها بهذه الطريقة الغبية؟.. لما لا يجعلها تتحدث باكثر أريحية مع "سمير" بل يبدو منزعج بشدة وهو يراها تتحدث معه ولو بأمر عادي أمام الجميع!.. تشعر بذلك وهذه ليست أول مرة، لما قد يجعلها تذهب معه إلى الكلية وتعود أيضًا معه إلى انتهاء آخر سنة دراسية لها؟. لما يترك كل ما بيده ويذهب إليها..


لو لم يحبها لم يكن يهمه أمرها بل كان سيتركها تفعل ما يحلو لها..


كل شيء به يتحدث عن حبه لها وهي كالغبية تعكر صفو حياتهم لتحصل على اعتراف!.. وبالمقابل هو يحاول تعديل ما تقوم بتخريبه وصبره ليس له نهاية معها، يجدده كلما شعر أنه يقل بسبب أفعالها..


مر أسبوع وهي تحاول أن تعود كما كانت في السابق معه وتتناسى كل ما حدثت نفسها به من قبل سوى الصبر.. الصبر إلى أن يتحدث عن ما يكنه داخله وإلى ذلك الحين لن تتحدث أبدًا وستحاول أن تمتثل لذلك..


وقف "جاد" بسيارته أمام البوابة الخارجية كالعادة منتظرًا إياها لتخرج له، فك حزام الأمان عنه ومد قدمه اليمنى قليلًا ليخرج الهاتف من جيبه حتى يقوم بالإتصال بها..


جلس براحة في السيارة وهو يضع الهاتف على أذنه بعد أن قام بالإتصال بها ولكنها لا تُجيب على الهاتف، حاول أكثر من مرة وهي لا تُجيب.. أعاد تشغيل السيارة ليذهب إلى الأمام قليلًا..


وبينما هو يذهب وجدها تخرج مع زملائها تقريبًا، صف السيارة في الأمام ثم أمسك بهاتفه ومفاتيحه وقارب على الخروج منها..


وقعت عينيه على المرآة الأمامية في الجانب الأيمن للسيارة التي كانت تعكس صورتها الضاحكة بشدة!.. مع إحدى الفتيات وذلك الشاب الذي رآها معه من قبل!..


خرج من السيارة ووقف جوار الباب وصدره يتضاخم من شدة الغضب الذي تجعله يصل إليه بأقل مجهود، الغيرة تنهش قلبه الذي يخفق بقوة وعنف لأجل أفعالها الغريبة..


لما تقف معه!..، إنه يتذكره جيدًا ذلك الشاب الذي قالت عنه أنه شقيق إحدى صديقاتها، لما تقهقه هكذا!.. ألا تشعر بالخجل؟ أين حيائها وخجلها الآن؟.


ازعجته، وجعلته يشعر بالغضب يتأجج داخله ويتزايد بقوة وهو يراها مستمرة في الضحك معهم، يحاول الإتصال بها وهي لا تُجيب مؤكد منشغلة في ضحكاتها العالية وحديثها المدلل أمام ذلك الحقير..


زفر بحدة وعصبية وهو يغلق باب السيارة بقوة شديدة جعلته يصدر صوتًا عاليًا..


سار إلى ناحيتها وملامح وجهه لا تبشر بالخير بسبب هذا المشهد الذي وقعت عينيه عليه منذ لحظات وقد كان يتنافى مع عاداته وتقاليده وما يجب أن تفعله زوجته أمام أي رجل أجنبي عنها، لقد كان يعتقد أنها تعلم ما الذي عليها فعله!..


نظرت أمامها واختفت الابتسامة تدريجيًا وهي تنظر إليه بقلق، لما مظهره هكذا!.. يبدو أنه غاضب بشدة، ملامح وجهه منكمشة بقوة غريبة تظهره وكأنه قارب على قتل أحدهم غير ذلك الغضب الذي يظهر عليه وتعرفه جيدًا تستطيع أن تميزه من بين ألف حاله بسبب قلة ظهوره.. لا يظهر غضبه إلا عندما يكون تخطى كل مراحل التماسك والصبر.. 


عضلات جسده الذي يتقدم منها متشنجه للغاية وحركته مشدودة وعيناه الرمادية مثبتة عليها بقوة وكأنها هي الشخص الذي أغضبه، ألا تدري أنها هي حقًا!..


تكملة الرواية من هنا

                                


                             

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close