أخر الاخبار

رواية ندوب الهوي الفصل الاول والتاني والتالت والرابع والخامس بقلم ندا حسن

 رواية ندوب الهوي الفصل الاول والتاني والتالت والرابع والخامس بقلم ندا حسن 


رواية ندوب الهوي الفصل الاول والتاني والتالت والرابع والخامس بقلم ندا حسن 


"يدعي دائمًا في صلاته لتكُن من نصيبه، لا يدري كم من مرة بكى عندما كان يشعُر بضياعها من بين يديه!.، على الرغم من ذلك لا يستطيع التحدث أو البوح لها بما يشعر به داخله لأنه يعلم دينه الصحيح، رفض والده كان قاطع ولا يحتمل النقاش وهو بار به كثيرًا ولا يُريد الخروج عن أمره لتخلق داخله جروحٍ غائرة بجانب ذلك العشق تاركة من خلفها ندوب لا تُمحى تُأثر على الهوى.. لتكن "ندوب بين الهوى والروح"

جلس على سجادة الصلاة بعد أن أنهى صلاته رافعًا يديه إلى الأعلى يدعي ربه بصوتٍ خافض مُنهك:


-اللهم أنك تعلم ما في خاطري فحققه لي إن كان خير وأنتَ تعلم وأنا لا أعلم، اللهم أجعل قلبي يخفق بحبها دائمًا وأجعلها لي في الدنيا والآخرة


شعر أن عينيه تُدمع وحدها عندما تذكرها، وأتى على خاطرة كم من مرة استمع أن هناك من تقدم لخطبتها، وضع يده على وجهه متحملًا على نفسه مانعًا عينيه من ذرف الدموع، وتحدث بنبرة خافتة داعيًا من داخل قلبه:


-اللهم أجعلها من نصيبي عاجلًا غير أجلًا، اللهم أجعل قلب والدي يرق ناحيتي فلا استطيع تركها ولا استطيع عصيانه، اللهم إني اتيتك عبدًا مذلولًا فلا تردني إلا مجبورًا، اللهم تقبل مني دعائي..


#ندوب_الهوى

#اقتباس

#ندا_حسن


حك مقدمة لحيته بعد أن استمع إلى حديثها رافعًا أحد حاجبيه، نظر إليها قائلًا بمكر وخبث:


-افهم من كده ايه؟


أقتربت منه "هدير" قائلة بسخرية وتهكم وهي تنظر إليه بـ اشمئزاز واضح:


-لو واخد منه فرش ولا عليك فلوس من الحاجات اللي بتوزعها ليه قولي وأنا اديلك بدل ماهو لاوي دراعك كده 


جذبها من خصلات شعرها بحدة وعصبية وهو يسب بشتايم بشعة داخل أذنها بعد أن استفزته بحديثها الذي يقلل من رجولته أمامهم جميعًا:


-طب عليا الحرام ما أنتِ طالعه من البيت ده ولا الاوضه دي إلا على بيته 


حاولت والدته جذبه ليبتعد عنها بينما ضربته "مريم" على ظهره بحدة وقوة تحاول التحلي بها أمامه وهي تطلق الدعاء من فمها عليه لما يشاهدونه على يده:


-ربنا ياخدك بعيد عننا.. سيبها حرام عليك كفاية اللي بتعملوا فينا كل يوم 


حاولت "هدير" جذب خصلاتها من بين يده، شعرت أنه اقتلعه من جذوره بيده عندما داهمها هذا الألم الشديد وشقيقتها ووالدتها لا يستطيعوا أن يجعلوه يبتعد عنها، صرخت به بحدة وهي تضربه في معدته بقبضة يدها:


-والله لو آخر يوم في عمري يا ابن أبويا ما هتجوزه 


تعالت صرخات "مريم" وهي تراه يصفعها بحدة وعصبية على وجنتيها الاثنين، ثم أتى بالصفعة الثالثة، ضربته والدته ضربات متتالية على ظهره بقبضة يدها محاولة أن تجذبه مرة أخرى ولكنه صخر لا تستطيع التغلب عليه وتراه وهو يقوم بضرب شقيقته الصغرى دون وجه حق.. لقد عانت منه كثيرًا والآن وصلت إلى مرحلة أنها لا تستطيع حماية بناتها من بطشه..


أخذت مريم حجاب صغير منزلي وجدته على الأريكة في الصالة لوالدتها، وذهبت إلى باب الشقة وفتحته لتذهب إلى الخارج تأتي بأحد ينقذ شقيقتها والدموع تخرج على جنتيها..


وجدت "جاد" يدلف من باب المنزل صرخت باسمه بلهفة وتوسل:


-يسطا جاد... الحقنا الله يخليك 


نظر إليها باستغراب ودهشة شديدة وهو يراها تبكي وحجابها ليس مهندم عليها بل هناك خصلات ظاهرة وعينيها منتفخة وتبكي ويخرج صوت شقيقها من الداخل وهو يصرخ بألفاظ رديئة، سألها باستغراب وقلق:


-في ايه يا مريم؟


أردفت بسرعة وخوف وهي تنظر إليه بتوسل ليدلف معها ينقذ شقيقتها:


-جمال نازل ضرب في هدير عايزها تتجوز مسعد 


لم تراه!.. لم يستمع إلى باقي جملتها من الأساس عندما شعر أن الأمر يتعلق بـ "هدير" دلف إلى الداخل سريعًا وقلبه يخفق بعنف داخل أضلعه، وجدها منحنية على نفسها و "جمال" يجذب خصلاتها بقوة بينما والدته تجذبه إليها وتحاول نزع يده من على شقيقته.. 


تقدم منه وأبعد والدته عنه ثم جذبه إليه بقوة شديدة من ذراعه جاعله يترك شقيقته وتلقى لكمة قوية في منتصف وجهة من "جاد" فترنح إلى الخلف ولم يقدر على استيعاب كيف دلف "جاد" إلى هنا!..


أخذت "نعمة" ابنتها بأحضانها وأتت لها "مريم" بحجاب لتغطي به خصلاتها عن أعين "جاد" بينما كانت ترتدي عباءة منزلية فضفاضة كعادتها..


خرجت الدموع من عينيها بكثرة في أحضان والدتها وهي تراه يلكم شقيقها مرة أخرى لأنه تطاول عليها، هو الوحيد الذي كان يناسبها ليأتي بحقها من الجميع وليحافظ عليها وعلى حبها، هو الوحيد وليس هناك سواه ولكن لم يُكتب من نصيبها، استمعت إليه يهتف بحدة واشمئزاز وهو ينظر إلى شقيقها:


-عيب على رجولتك اللي بتعمله ده، بتمد ايدك على أختك ليه


أبتعدت عن والدتها وذهبت لتقف أمام "جاد" جوار شقيقها وفي خلدها أن ما ستفعله صحيح ولم تكن تعلم أنها تحطم قلبين الحب داخلهم نقي حافظ عليه الله من الدنس الذي يحيطهم..


نظرت إلى "جاد" بتمعن وكانت نظرتها حزينة للغاية معاتبة إياه على ذهابه لأخرى بعد أن أخذت أكبر أمل بحياتها منه، نظرت إلى شقيقها قائلة ببرود وجدية استغربها الجميع:


-أنا موافقة اتجوز مسعد 


دُهش الجميع وهي التي كانت منذ لحظات ترفض وإن كان الموت البديل عن الزواج!. رُسمت الصدمة على ملامح الجميع وكأنها الآن بغيبوبة ولا تعلم ما الذي تقوله ولكن الصدمة الأكبر كانت من نصيب "جاد" الذي نظر إليها بحزن وصدمة ودهشة لم يراها بحياته..


الجميع حلت عليهم الدهشة ولكنه ما حل عليه كان أصعب بكثير، نظر إلى عسلية عينيها الباكية وكأنه يريدها أن تأكد حديثها بالزواج الآن لأنه لا يصدقه.. لا يصدق أن هذه من رفضته على السطح رفض قاطع.. لا يصدق أن من أحبها بصدق ونقاء ودعا ربه من أجلها توافق الآن على الزواج من غيره أمامه وتحت ناظريه..


#ندوب_الهوى

#الفصل_الأول

#ندا_حسن


          "تهوى الروح شخصًا حلمت به ليالي طويلة"


خرج من منزله في الطابق الأول علوي، ثم هبط الدرج بهدوء وبطء قصد أن يفعله لعله يرى شخص لم يراه منذ يومين وكل تفكيره يصب نحوه فقط، والذي ازداد بعدما وقع على عاتقه شيء لن يستطيع أن يتحمله بعد ما حدث بينه وبين والده من نقاش خرج منه هو الوحيد الخاسر.. 


مر من أمام باب شقة في الطابق الأرضي، بعد أن زفر بحنق لعدم تحقيق ما تمنى وكأنه كان يعلم أن ذلك سيحدث وقد خلف الوعد معه..


ولحسن حظه بينما يمر بهدوء تفاجئ بصوت قوي ميزه بأنه صوت باب! ثم شعر بشيء يرتضم بظهره وبعدها استمع إلى أشياء أخرى اصطدمت بالأرضية!..


أعتقد أنها "مريم" الابنة الصغرى لهذا المنزل، ربما تكن متأخرة على إحدى محاضراتها كالعادة، فهو دائمًا يراها تهرول سريعًا إلى أصدقائها بعد تأخرها عليهم، يا لها من كسولة..


استدار بجسده ينظر إليها ليجدها هي!، ليست "مريم" بل الشقيقة الكبرى لها "هدير"، التي كان يتمنى رؤيتها منذ قليل فقط!..


استدارت إليه بعد أن أغلقت باب الشقة بهرجلة ونظرت إليه نظرة معتذرة دون حديث وهي تهبط إلى الأرضية لتلملم كُتبها الذي وقعت على الأرضية، هبط معها سريعًا هو الآخر ليساعدها في جمعهم ولكنه في الحقيقة كان يريد أن ينظر إليها وإلى تفاصيل وجهها وملامحه الذي غابت عنه يومين..


رفعت عينيها عسلية اللون إليه وهي تنظر إلى وجهه وودت لو نظرت كثيرًا لتحفظ معالمه داخلها، هتفت قائلة باعتذار وخجل:


-أنا آسفة والله يا بشمهندس جاد كنت خارجة بضهري مشوفتكش 


ثم وقفت على قدميها فوقف معها هو الآخر، وزع نظره عليها من الأعلى إلى الأسفل، إنها حورية!، جميلة برغم البساطة التي تحلت بها، ترتدي فستان أرضيته لونها أزرق منقوش عليها باللون الأبيض، مغلق بالكامل وأكمامه تصل إلى بداية كف يدها، يحمل على خصرها حزام أبيض اللون ويصل طوله إلى الأرضية، بينما يزين وجهها الأبيض المستدير ذلك الحجاب الأبيض، الذي يجعلها تبدو كالحورية التي تهبط من الجنة..


لا تضع أي مستحضرات تجميل على ملامح وجهها، دائمًا يراها بكامل أناقتها ومع ذلك مثلما هي على طبيعتها، عينيها بلونها العسلي تسحره دائمًا بنظرتها إليه كما الآن تمامًا وذلك النمش البسيط الذي يزيدها جمالًا فوق جمالها..


شعر أنه أطال النظر إليها، أخذ يتمتم بالاستغفار داخله عدة مرات وبأن يرحمه ربه ويسامحه، أنه يفعل الآن الخطأ ليس الصواب..


تحدث قائلًا بجدية وهو يحاول أبعاد نظرة عنها بعد أن قدم لها الكتب لتأخذها بهدوء:


-آسفة على ايه محصلش حاجه


هل كان ينظر إليها بهذه الطريقة؟.. أنه منذ فترة ليس "جاد" الذي تعرفه، هل يريد أن يقول لها شيء أو يريد أن يوضح لها شيء بهذه النظرات؟.. سريعًا عادت ونفضت هذه الأفكار السخيفة من رأسها فهي في هذه الفترة أصبحت تتوهم كثيرًا باشياء لم تحدث بعد وربما لن تحدث أبدًا..


وجدته عاد بنظره إليها مرة أخرى فنظرت إليه تحاول أن تعرف ما هي هذه النظرة وإلى ماذا تشير؟. ولكن وجدت نفسها تتوه داخله، تُبحر داخل تفاصيله، خصلاته السوداء اللامعة الممزوجة بالبنية التي اكتسبت طولًا هذه الفترة، عينيه الرمادية ذات اللمعة الغريبة، أنفه الحاد الشامخ، وشفتيه الرفيعة التي يهبط عليها ذلك الشارب يخفي جزءًا منها وتحيط تلك اللحية ذقنه بينما برزت تفاحة آدم بعنقه..


أنه "جاد الله أبو الدهب" كيف سيكون غير ذلك الرجل الوسيم الذي يقف أمامها؟، كيف سيكون غير ذلك الرجل المعروف بأخلاقه واحترامه لكل شخص بتلك الحارة؟..


تنهدت بصوتٍ مسموع وقد أطالت بوقفتها معه هنا وهي تعلم أن ذلك لا يجوز أبدًا، غير أنها من الأساس متأخرة، انتشلها من أفكارها به هاتفها الذي بين يدها خرج صوته عاليًا آتي بمكالمة من صديقتها فوضعته على وضع الصامت ونظرت إلى ذلك القابع أمامها قائلة بتوتر وخجل من ذلك الموقف الذي وضعت نفسها به:


-عن اذنك لازم أمشي


ثم خرجت سريعًا ولم تعطي إليه الفرصة للرد من الأساس لتذهب إلى كليتها، حيث أنها كانت تدرس بالسنة الأخيرة بكلية الزراعة، تركته يقف بداخل ردهة المنزل يفكر بها، وبحديثها، حركاتها التلقائية، ونظراتها العفوية التي تأتي من عينيها عسلية اللون الساحرة، يفكر بكل شيء يخصها وهناك مع ذلك التفكير دقة قلب عنيفة خائفة من القادم..


هو الآخر خرج من المنزل والذي كان ملك لوالده وعمه، مكون من طابقين علوي هو ووالده ووالدته بالأول وعمه بالثاني مع عائلته وفي الطابق الأرضي منزل "هدير" وعائلتها..


خرج متوجهًا إلى المنزل المقابل والذي كان ملك لهم أيضًا الطابق الأرضي به ورشة ميكانيكا سيارات ملك له، بينما الطابقين الآخرين كانت شقة منهم له ليتزوج بها والأخرى إلى ابن عمه وشقيقه "سمير"..


تقدم إلى الورشة ووجد بها الشباب الذين يعملون معه بها تحت إشرافه، المهندس "جاد الله أبو الدهب"


                                   ❈-❈-❈


"بمنتصف اليوم" 


جلست "مريم" في غرفة شقيقتها "هدير" على الأريكة تحت النافذة التي تنظر منها على الشارع بأكملة يمين ويسار وبالأخص البيت المقابل لهم وورشة "جاد أبو الدهب"، فتاة غاية في الجمال مثل شقيقتها وأكثر، وجهها أبيض مستدير لا يحمل أي شيء من أدوات التجميل بل دائمًا على طبيعته، شفتيها صغيره وأنفها كذلك وجميع ملامح وجهها، غير عينيها العسلية الصافية مثل شقيقتها تمامًا، جلست تفكر بشخص أحبته كثيرًا ولا ينظر لها يومًا، ربما لا يدري بوجودها من الأساس، تنظر له من بعيد الأفق وتحلم بأن يكون ذلك الزوج الصالح لها، صغيرة على أن تفكر بهذه الأشياء ولكن قلبها لم يعد يعرف ذلك، من وسط الجموع أحبه هو وهو لا يبالي بها، ربما لو عرف بمكنون قلبها سيبالي ولكنه لا يعرف..


وضعت يدها على ايطار النافذة ثم اراحت رأسها عليها وهي تنظر على المارة بحارتهم، وتفكر به وتسترجع ملامحه الخلابة بذاكرتها، كلماته الجافة وطريقته الصلبة في الحارة، حركاته الرجولية وسيرة الفريد بالنسبة لها لا يوجد مثله أبدًا وتلك السيجارة التي يمسكها دائمًا وفي جميع الأوقات من خلف النافذة ترى ابن عمه يأخذها منه ويدعسها موبخًا إياه، حتى أنه في الفترة الأخيرة لم تراه يستنشق منها أمامه..


تدعي دائمًا في كل صلاة أن يجعله الله من نصيبها، وتدعي أن يحقق الله لها دعائها وأمنياتها التي تحمله داخل طياتها، من الممكن أن يكون يكبرها بكثير ولكنها تحبه وتريده هو فقط..


بينما تمرر نظرها في الشارع وجدته يتقدم من الورشة بابتسامة خلابة ورائعة، وقف يتحدث مع ابن عمه، يشير بيده يمين ويسار وكأنه يتحدث بأمر هام، وزعت نظرها عليه من الأسفل إلى الأعلى، تُملي عينيها به لتذكره في كل وقت، ولتراه وتميزه من بين الجميع..


قلبها يخفق بشدة وهي تراه يبتسم هكذا، وتفكيرها يتناسى كل شيء إلا هو!


رفعت نظرها إلى بداية الشارع من بعيد فوجدت شقيقها يتقدم ناحية المنزل، وضعت يدها على رأسها تجذب الحجاب وتحكم إغلاقه وقد كان مغلق حقًا ولكن خوفها منه يجعلها متوترة دائمًا، ثم جذبت أبواب النافذة لتغلقها ودلفت إلى الداخل والابتسامة على شفتيها قد رُسمت لأنها رأته..


خرجت من الغرفة إلى صالة المنزل الصغيرة، وجدت شقيقها يفتح الباب ثم تقدم إلى الداخل، نظرت إليه بهدوء وهي تراه يدلف غرفته، ذهبت إلى المطبخ لتساعد والدتها في تحضير العشاء..


وقفت جوارها وتحدثت قائلة مُبتسمة بهدوء وراحة:


-خلصتي يا ماما؟


استدارت إليها والدتها "نعمة" صاحبة القلب الرقيق الحنون، أم مصرية أصيلة تظهر الطيبة عليها وعلى وجهها البشوش، جسدها قصير وممتلئ قليلًا وأجابتها قائلة بابتسامة:


-قربت أخلص روحي أنتِ يا حبيبتي ذاكري


كادت أن تُجيبها ولكنهم استمعوا إلى صوت شقيقها "جمال" وهو يهتف بصوتٍ عالٍ يتساءل عن شقيقته الأخرى:


-اومال هدير فين؟ هي لسه مرجعتش 


أجابته والدته قائلة بجدية وهي تقلب الطعام وتستدير بوجهها بعيد عنه:


-لأ لسه زمانها جايه 


زفر بضيق ليتحدث بحدة وهو يخرج من المطبخ قائلًا بعصبية وغضب:


-بتعملهم عليا.. كل يومين ترجع متأخر، بتروح فين بقى الله أعلم 


ذهبت "مريم" خلفه وتحدثت بحدة مثله قائلة بضيق وهي تدافع عن شقيقتها التي كانت تعمل لتعيل هذا المنزل وهو في فراشة ينعم بالراحة:


-عيب اللي بتقوله على أختك ده يا جمال أنتَ عارف هدير كويس 


استدار ينظر إليها بضيق وانزعاج قائلًا وهو يشير بيده بحركات هوجاء:


-بت أنتِ هو أنتِ هتعرفيني العيب واللي مش عيب.. غوري من وشي


-خلاص يا جمال يا بني هدير زمانها جايه دلوقتي 


قالت والدته هذه الكلمات بهدوء لتجعله يصمت ولا يفعل مثل كل يوم، يبحث عن أي شيء ليرفع صوته عليهم وليعود إلى نفس النقطة مع "هدير" التي يعرفها الجميع.. 


                              ❈-❈-❈


خرج "جاد" إلى بداية الشارع وهو يقود سيارة ليجربها بعد أن قام بإصلاحات بها، بينما وهو يقود إلى الخارج نظر بعينيه دون قصد منه ليراها وهي تخرج من سيارة أول مرة له أن يراها، يقودها شاب لا يعرفه ولا يبدو من الحارة، أنه يعلم أنها لا تجلس مع أحد غريب عنها بمكان مغلق كالسيارة وحدها فهذا خارج حدودها، تمعن بالنظر من بعيد ليراها تميل على نافذة السيارة تتحدث إليه مبتسمة بسعادة وتحرك يدها إليه بعفوية ربما!. 


ودعته بيدها وهي تلوح له ثم ذهبت بطريقها إلى الداخل وهي تنظر يمينًا ويسارًا، هل خائفة من أن يكون هناك أحد رآها؟..


من ذلك الشاب الذي كانت معه؟.. وكيف لها أن تكون معه وحدها؟. ولما خرجت من السيارة بعيد إلى هذا الحد؟.. هل تخفي شيء؟.


هل تخاف من أن يراها أحد معه؟. لقد انهشت الأفكار رأسه واثقلت عليه الأسئلة الذي ستجعله ينفجر كالبركان، كيف لها أن تكن معه وحدها؟!..


إلى هذه الدرجة لم تعد تقدر أحد أم أنها لم تعد تعلم ما هو الحلال والحرام وما هو الصواب والخطأ..


ما الذي يفكر به هي ليست هكذا، مؤكد هناك شيء هو لا يعرفه..


وضع يده على المقود وأدارها من جديد عائدًا إلى الداخل سريعًا قبل أن تصل إلى المنزل ليعلم منها من الذي كانت معه فهو لن يستطيع أن يبقى هكذا دون علم..


وقف بالسيارة أمام الورشة وهبط منها بينما هي تدلف إلى المنزل، أوقفها شقيقها أمام الباب عندما كان يخرج منه..


تحدث معها سائلًا إياها بجدية وهو يشير بيده بطريقة فظة متسائلًا:


-اتأخرتي كده ليه؟.


أجابته بتوتر وهي تنظر إليه بصعوبة قائلة وهي تدلف إلى الداخل:


-زحمة مواصلات 


ذهبت للداخل وذهب خلفها شقيقها، ووقف هو مذهول من كذبها على شقيقها الآن أمامه، لم تراه وهو يقف على مقربة منهم يستمع إلى حديثهم، ولم تراه وهو في السيارة، لماذا كذبت على شقيقها؟.. هي لم تكن اليوم في المواصلات بل أتت بالسيارة، لو كانت تفعل شيء صحيح وليس خطأ كانت تحدثت ولم تخفي ما فعلته ولكنها تعلم أنه خطأ كبير..


ربما هناك شيء بينها وبين ذلك الشاب تخاف من أن يعلمه أحد؟.. لا مؤكد لن يكن بينها وبين أي أحد شيء، هذا مؤكد أنها مثال للأدب والاحترام في هذه الحارة لن يصدق ذلك عنها..


ربما يستمع إلى صوتها العالي في المنزل ويعلم أن لسانها سليط ولكن يعلم أيضًا أنها على قدر عالي من الأخلاق لن يصدق أن هناك شيء بينهم ولن يصمت إلى أن يعلم من هو ولما أتت معه ولما كذبت على شقيقها؟..


وقفت أمامه تستمع إلى هذه الأسئلة الذي تعرفها جيدًا وتعرف لماذا يريد أن يصل بها:


-اتأخرتي ليه؟.. ما كل يوم فيه زحمة مواصلات 


وضعت كُتبها على الأريكة القديمة في الصالة ووقفت أمامه تضع يدها الاثنين أمام صدرها ثم تحدثت بثقة كبيرة قائلة له:


-جمال.. اسمع بقى الكلمتين دول، هدير أنتَ عارفها كويس ومش هسمحلك كل شويه تلمح بحاجه شكل علشان تعمل اللي في دماغك، آه خليك عارف ده.. أنتَ أخويا الكبير واللي المفروض يكون هو السند ليا مش العكس ومش أنتَ اللي تقول عني الحاجات اللي في دماغك دي.. اومال الغريب يعمل فينا ايه؟


نظر إليها بانزعاج وتحدث قائلًا بمكر لن تتقبله:


-وأنتِ عارفه أن أبوكي وصاني عليكم 


أشارت بيدها بهمجية وهي تتقدم إليه تتحدث بعصبية وانزعاج شديد سيطر عليها بعد الاستماع إلى هذه الكلمات التي يقولها دائمًا محللًا ما يفعله:


-لأ يا حبيبي أبويا الله يرحمه لما وصاك علينا كان مفكرك راجل قد المسؤولية مكنش يعرف أنك هتخلي البنات هما اللي يشتغلوا ويصرفوا عليك... كفاية لحد كده يا جمال 


ثم تركته وأخذت اشيائها متوجهة إلى الداخل بعد أن عكر صفوها وجعلها تشعر بالضيق والانزعاج لما وضعت به..


                                 ❈-❈-❈


"في المساء"


مازال لا يعرف من الذي كانت معه في السيارة وحدها!.. داخل قلبه يشتغل بنيران لا تهدأ أبدًا، عقله لا يود أن يفرج عنه بل يأتي إليه بأبشع السيناريوهات ويجعله يتخيلها، حركاته ليست محسوبة وهو هكذا، يريد حقًا أن يعلم من ذلك ولما كانت معه وكيف من الأساس أن تكون معه وهي لا تعرفه!.


أو ربما هي تعرفه، ربما هذه ليست أول مرة لها، ربما هي هنا تمثل دور الاحترام والمثالية!..


ضرب مقدمة رأسه على هذه الأفكار السخيفة التي يرسلها إليه شيطان عقله الأبلة ليجعله يفكر بها هكذا..


خرج من شقتهم وأغلق الباب خلفه، وقف أمام الدرج وانحنى بجذعه العلوي ينظر إلى الأسفل ربما يراها ولكن لن يحدث ذلك..


استدار بقدميه وصعد إلى الأعلى، يريد أن ينعش صدره ببعض الهواء الطلق من على سطح المنزل صديقه الأقرب، أقترب من باب السطح وقد رأى النور مشتعل فعلم أن هناك أحد..


دلف إليه ليراها هي، تجلس على المقعد بجانب السور وبيدها كتاب تقرأ منه، ربما تدرس!.. تقدم إليها ثم أصدر صوتًا خشنًا لتشعر بوجوده معها..


أغلقت الكتاب بيدها ووقفت على قدميها بعد أن نظرت إليه لتراه يتقدم منها ووقف أمامها محافظًا على مسافة بينهم، تحدث سائلًا إياها بنبرة رجولية خشنة:


-ازيك يا بشمهندسة هدير 


ابتسمت بهدوء مُخفضة وجهها بالأرض ثم رفعتها مُجيبة إياه قائلة بخفوت:


-الحمدلله بخير.. بس مش لسه بدري على بشمهندسة دي 


ذهب ليقف جوار سور السطح وأستند بيده الاثنين عليه ينظر إلى الخارج وتحدث بهدوء مُبتسمًا:


-لأ مش بدري ولا حاجه خلاص هانت 


-عندك حق 


نظر إليها وهو يود لو يلقي عليها جميع الأسئلة الذي برأسه لتُجيبها هي وترحم عدم معرفته ما الذي يحدث معها:


-أنتِ بتعملي ايه هنا؟.


وقفت جواره على مسافة مقبولة ونظرت إلى الخارج بعد أن وضعت الكتاب على الطاولة جوار المقعد وهتفت قائلة بابتسامة ساخرة:


-زي ما أنتَ شايف بذاكر.. كالعادة محدش عارف يذاكر في البيت من الجو اللي عامله جمال بالاغاني في اوضته 


ابتسم هو الآخر بسخرية وقد رأت تلك الابتسامة الرجولية الساحرة لتجعل قلبها يدق بعنف داخل صدرها، ماذا لو وضعت يدها على وجنته وشعرت به!.. أغمضت عينيها بقوة وداخلها يقوم بالاستغفار، دائمًا تفعل الخطأ وهي تنظر إليه..


استمعت إليه يقول متسائلًا بجدية وهو ينظر إليها:


-هو أنتِ سيبتي الشغل في محل الأدوات الكهربائية ليه؟.. حد ضايقك؟


فتحت عينيها ببطء ليظهر بحر العسل الصافي المخفي خلف جفنيها:


-لأ لأ أبدًا أنا بس لقيت نفسي مش قادرة أوفق بين الكلية والمذاكرة والشغل، قولت اسيبه والدنيا كويسه معانا الحمدلله


سألها مرة أخرى قائلًا:


-يعني مش محتاجة شغل


ابتسمت إليه وهي تشعر بذلك الإهتمام الفريد منه وودت لو بقى هكذا دائمًا، أجابته بنفي قائلة:


-لأ كلها كام شهر وهخلص الكلية بعد ما أخلص هشتغل إن شاء الله علشان مريم 


نظر إليها وهو يبتسم هو الآخر، لقد كانت مثال الاحترام والأخلاق الحميدة، أنها فتاة صغيرة تأخذ دور كبير العائلة وتعمل لتجعلهم لا يطلبون شيء من أحد، تأخذ دور شقيقها الأكبر الذي لا يهمه أي شيء سوى نفسه وراحته، وإلى الآن لم يقدم لهم شيء يتذكرونه به من بعد أن توفى والدهم، وهي لا تقبل نظرة شفقة من أحد ولا تقبل مال شفقة حتى من والده وعلى الرغم من أنهم يجلسون في بيته إلا أنها تدفع له إيجار رمزي بسيط بعد أن عانى معها في إقناعها بعدم دفع شيء إكرامًا لوالدها الذي كان يعمل عندهم.. 


نظر أمامه ثم دون مقدمات وفجأة سألها بنبرة رجولية جافة ارهقها التفكير:


-مين اللي كنتي راكبه معاه النهاردة؟


توترت قليلًا من سؤاله الغير متوقع، من أين علم؟ أنها خرجت من السيارة بعيد عن هنا؟. هل رآها؟ ماذا قال عنها يا ترى، لابد أنه فكر بها السوء عندما رآها مع شخص لا تعرفه...


نظرت إليه وأجابته بتردد بعد أن شعرت بالتوتر من نبرته التي تغيرت مئة وثمانون درجة عندما سألها:


-ده أخو زميلتي في الكلية 


اعتدل في وقفته وأصبح مقابلًا لها، ذلك بعد أن استمع إجابتها الغير مريحة بالنسبة إليه كليًا، وضع يده خلف عنقه يمررها عليه بحدة وأردف قائلًا بجدية وقوة تتنافى مع حديثه:


-أنا عارف إن مش من حقي أسألك بس بصراحة كده الموقف كان وحش أوي لما شوفتك نازلة من عربية حد غريب عن هنا وبعدين ألاقيكي بتكدبي على جمال.. ولا أنتِ ايه رأيك؟


ابتلعت ما وقف بحلقها ونظرت إلى الأرضية بخجل يكاد أن يجعلها تختفي من أمامه بالكامل، هو معه كامل الحق أنه موقف لا يدل إلا على شيء واحد، استمعت إلى سؤاله مرة أخرى قائلًا:


-وأنتِ بتركبي عربيات مع أي حد كده عادي


رفعت رأسها إليه سريعًا مُجيبة إياه بحدة ونفي لكلماته:


-لأ طبعًا 


وجدته يتساءل بعينيه مطالبًا تفسير فقالت وهي تضغط على أصابع يدها الاثنين بتوتر مُجيبة إياه:


-أنا مكنتش معاه لوحدي


نظرت إليه لتراه مثلما هو يطالب بتفسير آخر فقالت بصدق ما حدث وما تفعله هي:


-أنا عمري ما ركبت مع حد غريب لوحدي دي أول مرة وكمان كان معايا زميلتي تبقى أخته.. هو كان جاي ياخدها فـ أصر أنه يوصلني لأني كنت متأخرة بس مش أكتر 


حك فروة رأسه وهو يقلب عينيه وتساءل مردفًا مرة أخرى:


-بس أنا مشوفتش حد معاه غيرك 


أخذت نفس عميق وأجابته بجدية شديدة وهي تراه لا يصدق حديثها:


-لأ على فكرة كانت موجودة في الكرسي اللي قدام جنبه وأنا كنت ورا ممكن تكون شوفتنا من ناحيته علشان كده مشوفتهاش 


هتف بجدية وهو يلقي عليها نصيحة هادئة ومن داخلة يشتعل وهو يستند على السور بيده ضاغطًا عليه بشدة:


-ممكن بردو.. بس بعد كده خدي بالك ومتركبيش مع حد متعرفيهوش تاني 


نظرت إليه باستغراب، ثم ابتسمت بسخرية وفعلت كما طلب منها قائلة:


-عن اذنك أنا هنزل بقى.. شكل وقفتنا كده غلط 


ابتسم بسخرية وتهكم أكثر منها وهو يرى ذكائها بوضوح، لم يقصد الحديث عنه أيتها البلهاء، رآها تأخد كتابها وهاتفها من على الطاولة وعندما أخذتهم بيدها وجدت الهاتف يصدر صوت مكالمة، نظرت إلى شاشة الهاتف لتراه رقم غير مسجل، فأجابت وهي تعطي له ظهرها:


-السلام عليكم.. أيوه أنا مين معايا


بعد أن استمعت إلى الصوت على الطرف الآخر أردفت مرة أخرى متسائلة باستغراب بعد أن عقدت ما بين حاجبيها:


-وأنتَ جبت رقمي منين؟


تقدمت مرة أخرى من سور الشرفة وألقت نظرة إلى الأسفل أمام المنزل لترى شقيق زميلتها يقف في الشارع والهاتف على أذنه يتحدث معها، وكل ذلك تحت نظرات "جاد" الذي لو أراد أن يحرقها ويحرق ذلك الأبلة الذي يوزع تبسُمات ليس لها معنى لفعل وأحرقهم دون أن يسأله أحد لما فعل ذلك..


نظرت إلى "جاد" بتوتر وهو الذي كان يتحدث معها الآن عن ذلك الغبي الذي أتى إلى هنا وفي هذا الوقت لتراه ينظر إليها بحدة وعصبية ظاهرة بسبب أفعالها الغريبة والغير محسوبة. 


#ندوب_الهوى

#الفصل_الثاني

#ندا_حسن


"الغيرة ليست تقيد حرية، بل هي أكبر دليل على الحُب" 


اتكأ "جاد" على السور بكفيه وانحنى بجذعه قليلًا، نظر إلى الأسفل ليراه يقف والهاتف على أذنه منتظرها أمام الباب، رفع حاجبه الأيمن وهو ينظر باستنكار لما يحدث في هذا الوقت، نظر إليها بنصف عين وقد كان يريد أن يرى تعابير وجهها إلى ماذا تشير..


أغلقت الهاتف وأنزلته من على أذنها تنظر إليه بتوتر فقد وضعت نفسها بموقف سخيف أمامه، ماذا سيقول الآن بعد أن رأى هذا المشهد ولم تكاد تنهي النقاش معه؟..


أردف بجدية شديدة خرجت منه بنبرة رجولية متسائلًا:


-ايه جابه هنا الواد ده؟


ابتلعت ما بجوفها وهي توزع نظراتها في جميع الاتجاهات تضغط على يدها بشدة لتخفف من حدة توترها الذي كان يزداد:


-نسيت كُتب في العربية وهو جيبهالي 


تنفس بعمق وتقدم منها وهو يشير بيده إلى الخلف قاصدًا ذلك الأبلة الذي ينتظر في الأسفل:


-وهو مكانش يعرف يديهم لأخته ولا هو في ايه؟..


دققت النظر بعينيه باستغراب مضيقة ما بين حاجبيها محاولة أن تفهم ما الذي يقصده بذلك السؤال الغير مريح بالنسبة إليها، تحدثت متسائلة بحدة:


-يعني ايه في ايه؟.. تقصد ايه بسؤالك ده؟


أبعد نظره عنها شاعرًا أنه قد تمادى في حديثه وذلك السؤال الذي يشير إلى شيء واحد، ذهب تاركًا إياها خلفه وتحدث وهو يتجه إلى الباب ليذهب إلى الأسفل:


-خليكي هنا هجبلك الكُتب منه ماينفعش تقابليه دلوقتي الناس رايحه وجاية في الشارع 


جلست على المقعد بعد أن تركها وذهب تفكر في هذا الوضع الذي وضعت نفسها به، لماذا جعلته يقوم بتوصيلها من الأساس هي لا تفعل ذلك أبدًا، والآن أتى إلى المنزل أمام الحارة بأكملها.. 


لو لم يكن "جاد" يحضر ذلك الموقف ماذا كانت ستفعل؟. كان من المستحيل أن تخرج له وشقيقها في المنزل فهو يقف على حافة الانتظار ليجعلها تفعل ما يريده ويلقي بها في وادي به ذئب واحد يقتلها في غمضة عين..


-اتفضلي


رأت الكُتب على الطاولة أمامها بعد أن ألقاها "جاد" أمامها بقوة، رفعت عينيها تنظر إليه بخجل وقد أرادت التحدث بعد أن وقفت على قدميها..


لكنه لم يمهلها الفرصة، وجدته يتحدث بضيق وهو يشير إلى الأشياء الذي توجد على الطاولة تخصها قائلًا تلك الكلمات التي قالتها سابقًا وكأنه يرد الصفعة إليها:


-يلا خدي حاجتك وانزلي.. مايصحش حد يشوفنا كده 


نظرت إليه بحدة وقد احترق قلبها من هذه الكلمات التي قالها بجدية شديدة ليس بسخرية أو مزاح، أخفضت نظرها عنه، ثم وقفت وأخذت أغراضها بحدة ثم ذهبت من أمامه لتهبط إلى الأسفل دون أن تنظر إليه مرة أخرى..


فعل هو الآخر مثلها، نظر إلى السماء وأخذ نفسًا عميقًا ثم ذهب خلفها ليهبط إلى منزله.


                            ❈-❈-❈


ولج إلى داخل شقتهم ومن ثم إلى غرفته، أزال عنه حذائه وصعد ممددًا على الفراش، وضع يديه الاثنين أسفل رأسه ونظر إلى سقف الغرفة شاردًا في حوار دار بينه وبين والده وقد كان قبله تغمر الفرحة قلبه معتقدًا أن ما يريده سيحدث ولكن ألن يقولوا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن؟..


"قبل شهرين"


"ذهب جاد من الورشة في منتصف النهار وترك العاملين بها، متوجهًا إلى أحد محلات الذهب الخاصة بوالده وعمه، كان يعلم أن والده متواجد به الآن..


بعد أن فكر كثيرًا وجد أن عليه التحدث مع والده لكي يأخذ إذنه ورضاه على ما يريد فعله ولم يكن يتوقع ما حدث أبدًا..


سار بثبات وقوة في الحارة وقلبه يبشره بالخير والسعادة ووجهه مبتسمًا لكل من يقابله، حتى "مُسعد"!.. ابتسم لـ "مُسعد" الذي لا يطيقه أبدًا ويعلم أنه أيضًا لا يحبه..


ولج إلى محل والده ملقيًا السلام على العاملين به ومن ثم توجه إلى مكتب والده في الداخل، ألقى عليه السلام ثم جلس على المقعد أمامه مبتسمًا بهدوء..


تحدث والده "رشوان" متسائلًا وهو يشبك يديه على المكتب أمامه مبتسمًا:


-ايه يا عم جاد سر القعدة الغريبة دي 


أخفض "جاد" نظره مبتسمًا ثم نظر إلى والده بثبات وهدوء وتحدث قائلًا بنبرة رجولية:


-ولا سر ولا حاجه يا حج 


أردف والده مرة أخرى بخبث وفي داخله استنتج ما الذي يريده:


-لأ فيه سر، طلما البشمهندس جاد قالي أنه عايز يتكلم معايا في حاجه مهمة يبقى فيه سر 


استدار لينظر إلى والده عن قرب وبوضوح وأردف قائلًا بنبرة هادئة:


-يعني زي ما تقول كده إني فكرت في الموضوع اللي بتزن عليا بيه 


وقف والده على قدميه بعد أن استمع إلى كلماته والتي كان يعلمها جيدًا، ظهرت الفرحة عليه بوضوح وذهب ليجلس أمامه على المقعد، وضع يده على فخذه قائلًا بابتسامة عريضة:


-يا ألف نهار أبيض يا عم جاد، ندور على العروسة بقى 


-لأ مهو أنا عندي العروسة


ضحك والده بصوتٍ مسموع وتحدث قائلًا بمكر غامزًا له:


-قول كده بقى.. أنت فكرت في الجواز علشان عندك العروسة مش علشان أنا بزن عليك، مين بقى العروسة؟. حد نعرفه؟


ابتسم "جاد" قائلًا بجدية وهو يدقق النظر بعيني والده:


-عز المعرفة 


وجد والده مضيقًا ما بين حاجبيه مطالبًا بإجابة ليعرف من هي فهتف قائلًا:


-هدير بنت سامي الهابط الله يرحمه 


وقف والده على قدميه في نفس الثانية التي استمع فيها إلى اسم "هدير" ابنة الرجل الذي كان يعمل لديه هو وشقيقه، استغرب "جاد" من تصرف والده الغير متوقع ودق قلبه بعنف ولكن لم يدم هذا الحال طويلًا حيث أنه هتف قائلًا بجدية وحزم:


-لأ.. هجبلك ست ستها لكن البنت دي لأ


وقف "جاد" هو الآخر خلف والده بعد أن أعطاه ظهره متحدثًا بذهول واندهاش من رفض والده الذي لا يوجد له أي أساس:


-ليه يا حج مالها هدير.. أخلاق وأدب وعارفة ربنا والحارة كلها تشهدلها بكده وبعد موت أبوهم أنتَ اللي كملت تربيتهم، ولا أنتَ تعرف حاجه أنا معرفهاش؟ 


أردف والده مُجيبًا إياه بضيق وانزعاج قائلًا:


-الحق يتقال البنت محترمة والكل يشهدلها وأختها كمان... هو بس أخوهم اللي حاله مايل


ذهب "جاد" ليقف أمام والده يريد مواجهته ليعلم منه لما ذلك الرفض، وقف أمامه متسائلًا بجدية وملامح وجهه معقدة:


-اومال ايه يا حج؟.. رافض ليه 


نظر إليه والده بحدة شديدة متحدثًا بحزم وجدية:


-علشان دي متنفعش جاد الله رشوان أبو الدهب، جاد ابني جاي بعد تسع سنين وبقى مهندس قد الدنيا وألف واحدة تتمناه أروح اجوزه واحدة أنا بعطف عليها علشان أبوها كان شغال عندي، كان صبي.. اجوزه واحدة اتمرمطت في المحلات بين الرجالة وهي بتشتغل 


أجابه "جاد" بحدة هو الآخر وقد ازعجه حديثه عنها والذي لا يعني له أي شيء وليس له أي أساس غير أنه يزيده شرفًا لتكون زوجته:


-جاد الله رشوان أبو الدهب اختار دي يا حج مش عايز الألف واحدة اللي بتقول عليهم، وبعدين هي أي ذنبها أن أبوها مات وسابهم على الحديدة مهي كانت بتشتغل علشان محدش يمد أيده ويديهم وأنتَ عارف أنها كانت بترفض تاخد منك أي حاجه وأنتَ كنت بتدي الحسنة لأمها من وراها، يعني بنت شريفة ومعاها كرامتها وهي دي اللي أنا عايزاها 


نظر إليه والده بغضب وعصبية ولأول مرة يستمع إلى صوت ابنه هكذا يتحدث معه بهذه الحدة والعصبية، فازداد غضبة ورفضه لها، أنه لا يريد هذه لابنه بل يريد أخرى يكن لها حسبها ونسبها ويتشرف بأن يجعلها أم لاحفاده، تحدث قائلًا بجدية ونبرة لا تحتمل النقاش:


-وأنا قولت اللي عندي يا جاد الله.. عايز تتجوز اختار أي واحدة إلا دي، وأنا عارف إنك مش هتعصى أمري لأن ده ابني اللي ربيته"


عاد جاد إلى واقعه مرة أخرى وأبعد نظرة عن سقف الغرفة ثم جلس على الفراش ومسح على وجهه بكف يده، وقف على قدميه وفتح باب الغرفة ليذهب إلى المرحاض...


خرج بعد دقائق منه بعد أن توضأ، دلف غرفته مرة أخرى وأخذ سجادة الصلاة من على المقعد الذي بالغرفة، وضعها على الأرضية باتجاه القبلة ثم وقف ليصلي إلى الله متقربًا منه داعيًا في صلاته بأن يرزقه الله تلك الزوجة التي اختارها قلبه...


جلس على سجادة الصلاة بعد أن أنهى صلاته رافعًا يديه إلى الأعلى يدعي ربه بصوتٍ خافض مُنهك:


-اللهم أنك تعلم ما في خاطري فحققه لي إن كان خير وأنتَ تعلم وأنا لا أعلم، اللهم أجعل قلبي يخفق بحبها دائمًا وأجعلها لي في الدنيا والآخرة


شعر أن عينيه تُدمع وحدها عندما تذكرها، وأتى على خاطرة كم من مرة استمع أن هناك من تقدم لخطبتها، وضع يده على وجهه متحملًا على نفسه مانعًا عينيه من ذرف الدموع، وتحدث بنبرة خافتة داعيًا من داخل قلبه:


-اللهم أجعلها من نصيبي عاجلًا غير أجلًا، اللهم أجعل قلب والدي يرق ناحيتي فلا استطيع تركها ولا استطيع عصيانه، اللهم إني اتيتك عبدًا مذلولًا فلا تردني إلا مجبورًا، اللهم تقبل مني دعائي..


مسح على وجهه بيديه الاثنين ثم وقف ورفع سجادة الصلاة من على الأرضية واضعًا إياها على المقعد مرة أخرى متوجهًا إلى فراشة ليتمدد عليه متمنيًا أن تتحقق دعواته التي يدعوها في كل صلاة..


                            ❈-❈-❈


بعد أن دلفت "هدير" إلى شقتهم ولجت إلى غرفتها أغلقت نافذتها وأزالت عنها حجابها وعباءتها المنزلية الفضفاضة ثم ولجت إلى المرحاض وخرجت منه بعد أن أعادت الوضوء، ذهبت إلى غرفتها مرة أخرى، وارتدت إسدال الصلاة بحجابه، وضعت سجادة الصلاة على الأرضية لتصلي نوافل متقربه بها من الله..


أنهت صلاتها وجلست القرفصاء على سجادة الصلاة تُختم مسبحة على يدها عدة مرات متتالية..


رفعت وجهها إلى الأعلى وأمامه يديها متحدثة وعينيها تريد أن تأتي بما في داخلها:


-يارب، يارب أنتَ اللي عالم بحالي وغني عن سؤالي، يارب ريح قلبي أن كان حبه هيفضل يعذبني... يارب انزع حبه من قلبي أن كنت هبقى من نصيب غيره..


خرجت دموعها بعد تلك الكلمات التي تحدثت بها عن كونها ستكون لغيره من الرجال، هتفت وهي تنتحب ببكاء شديد قائلة:


-يارب مش عايزة غيره جاد الله رشوان أبو الدهب، يارب اكتبني من نصيبه واكتبه من نصيبي... أنا شيفاه من فترة مهتم بيا وشاغله تفكيره وعلى طول حاسه إنه مركز معايا يارب لو اللي في بالي صحيح اديني إشارة عرفني بيها أنه بيحبني..


أزالت دمعاتها بكف يدها وعادت مرة أخرى تدعي قائلة بابتسامة زينت شفتيها ومازالت الدموع تخرج من مقلتيها: 


-يارب أنت الغفور الرحيم وأنا عارفه أنك مش هتوجع قلبي وعارفه أن كل شيء بـ أوان، بقالي سنتين بحبه وأنا ساكته وبصاله من بعيد، يارب يحس بوجودي ويريدني ليه زوجة صالحة.. 


-كلامي مش مترتب ولا عارفة أقول ايه بس كل اللي عايزاه إني أكون من نصيبه، ويكون نصيبي الحلو في الدنيا دي، جاد الله أبو الدهب.


                            ❈-❈-❈


"اليوم التالي"


-بقالة فترة متغير يا رحمة، أنتِ مش فهماني... مش ده جاد اللي أعرفه يعني لما كان بيشوفني كان آخره يسألني اخباري ولو محتاجة حاجه.. دلوقتي بيكلمني بجد.. ومهتم بيا فعلًا، تفتكري أنا بتخيل ولا هو ممكن بيفكر فيا؟.


أنهت كلماتها المقتضبة هذه بسؤال تريد إجابة واضحة عليه لتعلم ما القادم بينها وبينه وما الذي ستفعله


نظرت "رحمة" صديقتها من نافذة الغرفة وقد وجدت أن "جاد" حقًا ينظر إليها من الحين إلى الآخر، هي تعلم أنه رجل متعلم ومهذب لن يفعل شيء في الخفاء وبالأخص لو كان بينه وبين فتاة وإن شعر أنه يريدها سيتقدم لخطبتها في الحال..


عادت بنظرها إلى "هدير"، أردفت بجدية وهدوء قائلة:


-جاد الله معروف في الحارة كلها يا هدير، دا راجل دوغري وأنا من رأي أنه لو حس بحاجه من ناحيتك هيجي يتقدملك طوالي لأنه مش بتاع شمال 


أنها تعلم هذا الحديث جيدًا ولا تريد أن يكرره أحد فليس هناك أحد يعلمه أكثر منها ولكن مع ذلك استنكرت حديثها ولم تصل إليها الفكرة التي تريدها:


-يعني ايه؟


ابتسمت "رحمة" ابتسامة بشوشة هادئة وتحدث قائلة بعد أن وضعت يدها على فخذ صديقتها تحاول أن تطمئن قلبها وتنصحها بالخير:


-يعني نستنى يا هدير، استني شوية كده ونشوف مايته ايه عايزك بجد ولا مجرد أنه بيكلمك زي أي حد بس اوعي تقوليله حاجه ولا تتقربي منه 


اتسعت عينيها بذهول ودهشة مستغربة من حديث صديقتها وهي تعلم من هي جيدًا، أردفت بجدية وحزم تنفي حديثها:


-لأ طبعًا أنا عارفه حدودي كويس وعارفه ربنا وبحاول على قد ما أقدر ما اغضبش ربنا مني بسبب حبي وتفكيري فيه، أنا بطلبه بالحلال ولو غير كده يبقى لأ وألف لأ 


ابتسمت "رحمة" مرة أخرى باتساع وهي تنظر لها فخورة بتفكير صديقتها ومع حبها له المخفي داخلها إلا أنها تحاول إلا تغضب الله بتفكيرها به وتحاول التقرب منه بأي طريقة كانت لتنال رضاه عليها..


وقفت "رحمة" على قدميها بعد أن أخذت حقيبتها من على الأريكة جوارها لتقف "هدير" معها فهتفت قائلة:


-يلا بقى أشوفك بكرة أنا لازم أمشي علشان متأخرش على الشغل 


-ماشي يا حبيبتي تعالي اوصلك 


خرجت "هدير" وخلفها "رحمة" التي عندما ولجت إلى خارج الغرفة رأت "جمال" شقيق "هدير" يدلف إلى المنزل، رفع نظرة إلى وجهها الأبيض المستدير، عينيها السوداء وشفتيها الوردية، حجابها الأسود الذي يجعلها تبدو جميلة، لم يحرك عينيه من عليها متقدمًا منهم..


نظرت هي سريعًا إلى الأرضية عندما وجدته أطال النظر بوجهها متناسيًا غض البصر كما أمره الله، وسريعًا ودعت صديقتها وخرجت من المنزل تاركه إياه بنظر في أثرها بهيام..


تقدمت منه شقيقته بعد أغلقت الباب خلفها، نظرت إليه بهدوء وقد كانت تود أن تراه من أفضل الناس ولكنه أختار طريق عليه غضب الله وبعض من الصالحين في هذه الحياة، تحدثت بجدية قائلة وهي تضع يدها على كتفه:


-لو عايزها بجد اتغير علشانها، حبك لوحده مش كفاية، اتغير وساعد نفسك قبل أي حد وروحلها وهي مش هتمانع.. الواحدة الأصيلة مش عايزة في الراجل غير قلب يكون بيحبها وأمان تحس بيه وسند ترمي حمولها عليه


نظر إليها نظرة لم تفهم ما هي، لم تفهم إن كانت حزن لحاله أو فرح بكلماتها، لم تفهم إلى الآن ماذا يريد شقيقها من هذه الحياة..


                           ❈-❈-❈


خرجت من المنزل منذ نصف ساعة، تسير في السوق بين بائع خضار وبائع فاكهة لتأتي بما يلزم البيت هذا الأسبوع، مرتدية عباءة سوداء اللون أنيقة وعصرية، بها نقوش ذهبية على مقدمة صدرها ومعصم يدها، فضفاضة قليلًا، مرتدية حجاب ذهبي اللون ولم تضع على وجهها أي من مستحضرات التجميل فقد كانت جميلة دومًا من دونها..


سارت أمام محل "مسعد الشباط" الخاص بالهواتف المحمولة والحاسوب وغير ذلك من الالكترونيات، ومن سوء حظها أنه كان يجلس خارج المحل ليمتع نظره بمن تمر من هنا وهناك، كان رجل لا يعرف طريق الله، لا يغض بصره عن امرأة بل لو كانت محتشمة يعريها هو..


وقف سريعًا عندما وجدها آتية من أمامه ليذهب خلفها وهي تسير قائلًا بنبرة لعوب لم تتحملها يومًا ونظرته نحوها مفهوم ماهي:


-برنسس الحارة في منطقتنا... دا يا ألف أهلًا وسهلًا، هاتي عنك اوصلك


أقترب من يدها حاملة الاكياس ليأخذها منها ولكنها لم تجعله يلمسها، وقفت أمامه وصاحت قائلة بجفاء واشمئزاز واضح:


-مشكرين لافضالك شيلاك للكبيرة


أتجه ليقف أمامه مباشرةً لينظر إليها من الأسفل إلى الأعلى متحدثًا بنبرة خبيثة مقززة فهمتها على الفور:


-آه لو ننول الرضا وناخد الكبيرة اللي في دماغي.. هناكل الشهد سوا يا برنسس 


أنهى كلماته ناظرًا إلى شفتيها بهيام، وقد شعرت بـ اشمئزاز وكأنها تريد التقيؤ وهي تراه ينظر إليها هكذا، ولكنها أجابته تصيح بحدة وعصبية وتود لو تجعله يقف عند حده:


-لأ يا مسعد أقف عوج واتكلم عدل، مش أنا اللي يتبصلها كده ولا تقدر تفكر فيا بدماغك الزبالة دي 


ينتظر موافقتها منذ الكثير وهي لا تريد، ماذا تعتقد نفسها هذه، ابتسم بداخله مُجيبًا على نفسه بأنها أجمل فتاة في الحارة ويالا حظه لو تزوجها، ضيق ما بين حاجبيه بحنق قائلًا بحدة:


-دماغي الزبالة طلباكي بالحلال وأنتِ اللي مستكبرة علينا وباصه لفوق أوي يا بنت الهابط واللي أنتِ بصاله مش معبرك 


ابتلعت ما وقف بحلقها أثر كلماته، هل يعلم عن ماذا يتحدث؟.. أم أنه يلقي حديث هكذا فقط ليضايقها؟.. تساءلت بضيق وعينيها تتحرك عليه:


-تقصد ايه يا مسعد 


ابتسم بسخرية ناظرًا إليها بمكر متحدثًا بنبرة خافتة:


-ولا أقصد ولا ماقصدش، اللي عايزك تعرفيه أنك مش هتلاقي واحد عايزك زيي في الحارة ولا شاريكي زيي يا بنت الهابط، وخليكي عارفه إن الشباط بينول اللي هو عايزه مهما كان.. والدور عليكي 


ابتسمت إليه هي الأخرى بسخرية مُجيبة عليه وهي رافعة رأسها للأعلى:


-وبنت الهابط بتقولك لو آخر واحد في الدنيا مش هطول مني شعره يا... يا شباط بيه


وزع نظره عليها وعلى ملامح وجهها الشهية والمحبوبة إليه والذي يتشوق للمسها والتقرب منها إلى الحد الذي يريده، أردف بخبث ومكر مرة أخرى:


-بكرة تشوفي شعرك كله رايح فين يا برنسس الحارة


رفعت حاجبها الأيمن ولوت شفتيها بحركة شعبية اعتادت عليها في هذه المواقف وأجابته بطريقة فظة ساخرة قوية بنفس الوقت:


-لو ليك هولع فيه قبل ما تطوله ولا تغمضلي عين


ضحك بقوة في منتصف الطريق وعاد بظهره للخلف وهو ينظر إليها ثم هتف بصوتٍ خافت وهو يقترب منها مرة أخرى:


-عليا الحرام لاناكل الشهد يا برنسس


اشمئزت من طريقته الوقحة والمقززة وقد شعرت بنفور شديد منه وأجابته بقوة وحدة وهي تعلم كلماتها إلى أين تذهب:


-الكلام ده تقوله لـ التلت نساوين اللي في بيتك يا شباط مش لهدير بنت الهابط يا.... يا بتاع الحته بميه 


نظرت إليه بتشفي بعد رميها لآخر كلماتها عليه، ثم بصقت على الأرضية جوارها بتقزز وسارت عائدة إلى المنزل مبتعدة عنه ولكن تفكيرها بحديثه لا يزال يعمل، هل يعلم بأمر حبها لـ "جاد" أم ماذا؟. هل أعطاه شقيقها كلمة محددة في زواجها منه ليتحدث بهذه الثقة أم أنه يثق بقدراته أكثر لذلك تحدث بهذا الشكل؟.


                            ❈-❈-❈


كانت تجلس على مائدة الطعام مستديرة الشكل التي توضع على الأرضية والجميع ملتف حولها معها..


نظرت إلى شقيقها "جمال" بشك وهي تضع الملعقة الحاملة الأرز بفمها وكلمات "مسعد" تتردد داخل أذنها وكم كان واثقًا من حديثه..


تعلم أنها إذا استسلمت له سيفعل بها ما يحلو له كما يفعل بثلاث نساء متزوج منهن، وكيف لها أن تفكر بالزواج من رجل متزوج غيرها..


التفكير في هذا الأمر وفي "مسعد" شخصيًا يجعلها تشعر بـ الاشمئزاز حقًا، بينما لو كانت تفكر بـ "جاد" يختلف الأمر كليًا وتذهر وجنتيها بالحمرة وتزين شفتيها الابتسامة.. 


استغفرت الله داخلها من هذه الأفكار السخيفة التي بداخل عقلها ثم وقفت على قدميها متوجهة إلى المرحاض فتحدثت والدتها قائلة بحنان:


-ما تكملي أكلك يا هدير أنتِ رايحه فين


ابتسمت لها بهدوء وأجابتها قائلة:


-شبعت الحمدلله يا ماما هتوضا وأصلي العصر 


ثم فجأة استمعوا إلى أصوات صاخبة لجمع في الخارج واستغرب الجميع من هذه الأصوات الذي أتت فجأة هكذا من العدم، وقفت "مريم" سريعًا أخذه حجابها من على الأريكة بالصالة وتقدمت إلى غرفة "هدير" وفتحت النافذة لتلقي نظرة على الذي يحدث في الخارج..


أتت تركض في المنزل عائدة إليهم لتقول بهلع وقلق كبير قد ظهر على ملامحها:


-ده جاد أبو الدهب بيتخانق مع مسعد الشباط 


صرخت "هدير" مستنكرة ما استمعت إليه وهي تعلم بطش "مسعد" وحيلة هو ورجالة وتعلم احترام "جاد" وأتباعه للقيم والأخلاق:


-ايه؟..


وقف شقيقهم وذهب إلى خارج المنزل سريعًا ليرى ما الذي يحدث بينما هي دلفت إلى غرفة شقيقتها "مريم" لتأتي بحجاب سريعًا تضعة على رأسها لأن نافذة غرفتها مفتوحة ويرى كل من هم بالخارج الغرفة وما بداخلها..


                               ❈-❈-❈


 #ندوب_الهوى

#الفصل_الثالث

#ندا_حسن


         "قبع الحزن داخل قلبه بعد التخلي عنها!

           ولكن بقى اليقين يحالفه أنها لن تكن

                               لغيره"


تجمهر الجميع أمام ورشة "جاد" ليشاهدوا الذي يحدث بينه وبين "مسعد الشباط" وما سبب هذا الشجار الذي أخلف بعده أصوات عالية استمع إليها الشارع بأكمله وفي هذه المواقف الجميع يقوده فضوله ليكن على دراية تامة بما يحدث من حوله حتى وإن كان لا يخصه..


تحدث جاد بعصبية وصوتٍ عالٍ استمع إليه الواقفين جميعًا ومن بينهم "هدير" وشقيقتها التي وقفت معها في نافذة غرفتها وقد حاول وبشدة أن يحافظ على هدوءه لكن "مسعد" لا يساعده على ذلك:


-اقطم الكلام يا مسعد وامشي من هنا احسنلك 


صاح "مسعد" مُجيبًا عليه بنفس نبرة الصوت العالية يبادلها إياه أمام الجميع قائلًا وهو يشير بيده إليه بهمجية:


-مالك يسطا جاد الموضوع لا يخصك ولا ليك فيه أنا جاي للحج رشوان.. أنتَ مالك محموق كده ليه؟..


تقدم منه "جاد" ولكن أعاق طريقة شاب يعمل عنده بالورشة يُدعى "عبده" حتى لا تتطور الأمور أكثر من هكذا واقفًا أمامه يحيد بينهم، أردف قائلًا بهمجية هو الآخر وقد برزت عروق عنقه من فرط العصبية:


-والحج قالك عيب على سنك روح شوف واحدة من طينة نسوانك ايه ماسمعتش كلامه ولا أنتَ أطرش


ابتسم "مسعد" بسخرية وقد أخرج المكنون داخل قلب "جاد" بطلبه للزواج من "هدير، جعله كالثور الهائج الذي يحاولون سجنه بين القضبان الحديدية، وقلبه اشتعل بلهيب لم يشعر به سابقًا، ذهابه إلى "رشوان أبو الدهب" اعتبارًا أنه الوصي عليهم وفي رتبة والدهم وكان له غاية أخرى مع طلبة الزواج منها وهو أن يتأكد من مشاعر "جاد" ناحيتها وقد علم ما يريد..


ازدادت ابتسامته اتساعًا وهو ينظر إليه بشماته وتحدث قائلًا بمكر غامزًا له والجميع ينظر إليهم:


-لأ سمعت بس أنا مستغرب من رد فعلك.. ولا تكونش عينك من برنسس الحارة قول متتكسفش هي تستاهل بردو 


دفع "جاد" "عبده" من أمامه بحده فترنح إلى الخلف وتقدم بخطوة واحدة إلى "مسعد" بعد أن غلت الدماء بعروقه وكادت أن تنفجر، وتضخم صدره وهو يتنفس بسرعة وغضب كبير لا يصل إليه بهذه السهولة، في لمح البصر كان "جاد" لكم "مسعد" بوجهه أسفل عينه لكمة قوية بقبضة يده جعلته يترنح هو الآخر إلى الخلف متفاجئ من فعلته التي جعلته يشعر بالألم الحاد..


تقدم والد "جاد" منه وقد تركه يفعل ما يريد إلى الآن ليخرج ما في صدره على "مسعد" بعد الحديث الذي قاله لهم في الداخل عن زواجه من "هدير" ولقد تحدث معه باللين رافضًا أكثر من مرة لأنه يعلم أنها لن توافق أبدًا على أمر كهذا وهو الذي وضعوه بمثابة والدها يرفض لها هذه الزيجة رفض تام..


تحدث قائلًا بجدية شديدة وهو ينظر إلى جميع الذين يشاهدون ما يحدث بصمت ولا يريدون غير معرفة ما حدث وهو لا يريد أن يعلم أحد بأي شيء يخص فتاة كـ ابنته:


-يلا كل واحد يروح على شغله سوء تفاهم وهنحله مع بعض


صرخ بهم عندما وجدهم كما هم فبدأ واحد تلو الآخر يرحل إلى أن رحل الجميع فنظر إلى "عبده" قائلًا:


-استنى أنتَ يا عبده 


نظر "مسعد" إلى جاد بكره وحقد داخله يشتعل تجاهه كل لحظة وأخرى، أتى ليتحدث ولكن قاطعة "رشوان" قائلًا بنبرة جادة صارمة:


-امشي من هنا يا مسعد احسنلك زي ما جاد قالك.. أنتَ طلبت مني وأنا رفضت وانفض المولد مالوش لزوم الشويه اللي كنت عايز تعملهم في الحارة وتخوض في عرض الناس 


نظر إليه بسخرية وضيق مستهزء بحديثه ومن ثم نظر إلى "جاد" ورفع يده أمام وجهه مشيرًا إليه بإصبعه السبابة:


-هنتقابل يا بتاع الميكانيكا والخورده... وعايزك تعرف إن الشباط بياخد اللي هو عايزة حتى لو بعد ميت سنة، متنساش


تركه وأدار ظهره إليه فتحدث "جاد" هاتفًا خلفه بغضب وصوتٍ عالٍ:


-لو اتقابلنا أنا اللي هاخد منك يا شباط.. هاخد روحك 


ذهب "مسعد" وكان الجميع قد رحل ما عدا "رشوان" و "عبده" و "جاد" بينهم بارزة عروقه وعينيه يخرج منها لهيب ناري تراه بنظرتك إليه، أتى "رشوان" بنظرة إلى منزلهم ليرى "جمال" يقف كما هو وكأنه يود أن يفهم ما الذي يحدث وهناك على وجهه علامات استفهام كثيرة مطالبة بالتوضيح..


وقد كان هكذا حقًا، يريد تفسير لما حدث الآن أمام الجميع، فقد طلب منه "مسعد" الزواج بشقيقته وهو أخبرها بذلك ورفضت فقال له أنه يريد وقتًا ليجعلها ترضخ له ومن الواضح أنه ذهب إلى "رشوان أبو الدهب" وقد رفض طلبه!..


استدار "جمال" وولج إلى المنزل مرة أخرى بعد أن قال لوالدته أن تدلف هي الآخرى حيث أنها كانت تقف معه، أدار "جاد" وجهه للناحية الأخرى ليراها تقف في نافذة غرفتها البسيطة وحدها، بعد أن دلفت شقيقتها، يبدو على ملامحها اللهفة والخوف، وربما التفكير، نظرتها إليه شاردة، هل فهمت أن الحديث عليها؟..


رأى "جمال" وهو يأخذها إلى الداخل غالقًا النافذة بحدة وعنف..


وجد "سمير" يأتي من نهاية الشارع سريعًا بلهفة، وقف أمامهم متسائلًا:


-في ايه يا جاد؟، كنت بتتخانق مع مسعد؟


أجابه عمه بهدوء يروي له ما حدث منذ قليل من "مسعد" وجاد" أمام الجميع.. 


دلف "جاد" إلى الورشة ومن خلفه والده وابن عمه و "عبده" جلس على أقرب مقعد منحني على نفسه ينظر إلى الأرضية وقد كان داخله نيران ثائرة وبراكين تود لو تدق عليها دقة واحدة لتنفجر في وجه الجميع، لقد كان قلبه مقهورًا من رفض والده والآن ازداد قهرًا بسبب طلب "مسعد" الزواج منها...


لن يصمت.. لن يصمت بعد الآن، في المساء سيتحدث مع والده وسيحسم الأمر على ما هو يريد، يعلم أن الله لن يكسر خاطره وقلبه، يعلم أنه سيقف معه وستكون من نصيبه بطريقة ما.. هذا ما يعلمه جيدًا..


                                ❈-❈-❈


"في المساء"


كان "جاد" في الورشة منذ الصباح إلى الآن، لم يستطع أن يعمل بأي شيء، عقله مشغول بها وبما يحدث وما سيحدث، ولديه كم كبير من العمل ولكن كلما وضع تركيزه بالعمل ليعمل يعود مرة أخرى إليها ويفشل بما يفعل، فترك كل شيء إلى العمال معه بالورشة تحت إدارة "عبده" الأقدم بينهم والأكبر سنًا، ثمانية وعشرون عام والأقرب إليه أيضًا..


-طارق.. حمادة لموا العدة يلا 


بعد أن قال هذه الكلمات ألقى برأسه بين يديه على مكتبه وهو يفكر ولم يتوقف عن فعل هذا الشيء، استمع إلى صوت "حمادة" يتقدم منه قائلًا بجدية:


-لسه في شغل يسطا جاد ولسه كمان معاد قفل الورشة مجاش 


رفع رأسه ينظر إليه بهدوء فتحدث مرة أخرى قائلًا بعدما ابتسم بسخرية: 


-تعرف يا حمادة أنك بتخاف على الشغل أكتر مني.. بأمانة والله 


ابتسم "حمادة" بهدوء وقد فرح لمدحه هكذا وفرح بعلمه أنه يخاف على عمله، وأردف قائلًا بجدية وهو يبتسم:


-اومال يسطا جاد الشغل ده فاتح بيوتنا لازم نخاف عليه 


عاد برأسه إلى الخلف مستندًا إلى ظهر المقعد، ثم هتف بجدية وإرهاق قد ظهر عليه بعدما أنهى حديثه مع "مسعد":


-طب يا عم الحلو... اعتبرها إجازة مني ليكم يلا لموا  العدة 


امتثل لأوامره وذهب من أمامه وبدأ العمل مع "طارق" كما قال، تقدم "عبده" من المكتب الذي يجلس عليه "جاد"، سحب مقعد وذهب به إلى جواره جالسًا عليه عكسيًا..


تحدث قائلًا بخفوت إلى "جاد" وهو ينظر إليه بخجل:


-تسمحلي أقولك حاجه يا كبير 


أومأ إليه برأسه وهو يعلم ما الذي يريد قوله ولو أراد أن يقوله هو لفعل ولكن مع ذلك سمح له ليتحدث ويجعله يشعر بالراحة:


-صراحة كده اللي عملته مع مسعد غلط كان المفروض تمسك أعصابك شوية والحج كان خلص الليلة.. دلوقتي الحارة كلها مالهاش سيرة غير مين البت اللي الاسطى جاد حارق نفسه عليها والأغلبية عارفين برنسس الحارة اللي على لسان مسعد


لم يكن أبلة ليكون لا يعرف ما الذي سيتحدث به!.. أجابه "جاد" مستنكرًا حديثه متحدثًا بانفعال ونبرة حادة وهو يستدير ليقابله:


-يعني ايه حارق نفسه؟.. هي ولا غيرها كنت هعمل كده ده في فرق بينهم يجي خمستاشر سنة لو مكانش ستاشر ومتجوز تلاتة لو وقفت وسطيهم هتطلع ميته 


تحدث "عبده" مُجيبًا إياه بعقلانية وهدوء:


-يا كبير أنا فاهم بس كان ممكن تسيب الليلة في أيد الحج وهو لا يمكن أنه يوافق وأنتَ شوفت بنفسك... وعلى فكرة بقى باللي أنتَ عملته ده نولت مسعد اللي في باله هو عايز يعمل شوشرة حواليها وأنتَ وأنا عارفين ليه 


أردف "جاد" سريعًا بعصبية وحنق من كلماته عنها وهو لا يود أن يستمع إلى أي شيء يخصها:


-لا عاش ولا كان اللي يشوشر عليها ولا يجي ناحيتها دا أنا كنت اشقه نصين ومسعد أنا ليا تصرف تاني معاه سبهولي 


أخفض "عبده" نظره إلى الأرض وكان لا يود التحدث بهذه النقطة ولكن هو من أوصله إلى هنا، رفع نظرة قائلًا بجدية:


-متتحركش ورا عواطفك ناحيتها يسطا جاد.. حكم عقلك 


ضيق ما بين حاجبيه سائلًا إياه بصوتٍ خافت وهو يدقق النظر إليه بعد أن استغرب حديثه:


-تقصد ايه؟


هتف الآخر قائلًا بابتسامة بسيطة وعقلانية في حديثه:


-يسطا جاد أنا واخد بالي من زمان أنك ميال ليها وعارف إنك راجل دوغري وعارف ربنا واللي بتعمله كله بالحلال ولو واحدة تانية مكنتش هتعمل كل ده مع مسعد أنتَ كنت هتسيب الحج رشوان يحل الموضوع... علشان كده خلي بالك من تصرفاتك، أنتَ عارف الحارة كل اللي فيها عايزين خبر يقعدوا عليه ولو عملت اللي في دماغك هتجيب عليها غبار وهي نضيفه


وقف "عبده" على قدميه بعدما ربت على فخذ "جاد" كأنه يمده بالدعم وتوجه ليساعد "طارق" و "حمادة" بينما ترك "جاد" يفكر في حديثه والذي رآه معقولًا وصحيح..


أنه لم يفكر بحديث الناس عنها عندما يفور غضبه هكذا، لم يفكر بماذا سيقول الجميع في هذه الحارة المعروفة بأن أهلها لا يصمتوا عن شيء يحدث وهي فتاة وسمعتها أول شيء يهمها ويهمه هو الآخر..


                              ❈-❈-❈


فتح "جاد" باب شقتهم بمفتاحه الخاص وولج إلى الداخل مغلقًا الباب خلفه وقد كان يود وبشدة أن يدلف إلى غرفته لا مكان آخر ولكن ليس كل ما نريده يحدث، وحتى وإن كان من أتفه الأشياء..


استمع إلى صوت والده يهتف بإسمه من صالة المنزل ليتقدم إليه بعد أن زفر بهدوء شديد، دلف إلى الصالة ووجد والده ووالدته "فهيمة" يجلسون سويًا ويبدو أنهم كانوا في انتظاره..


والدته سيدة طيبة القلب بأصل طيب كـ والدة "هدير" تمام، وجهها طويل نسبيًا، وملامحها تشبه ملامح ولدها وبشرتها خمرية اللون..


ألقى عليهم سلام الله متقدمًا إلى الداخل وجلس على الأريكة بعد أن أجاب عليه والده ووالدته السلام..


تحدث والده بعد أن نظر إليه بجدية قائلًا دون مقدمات كثيرة وقد كان مقرر أن ما سيقوله هو الذي سيحدث:


-من فترة أنتَ جيتلي وطلبت تتجوز حصل؟


أومأ إليه برأسه مستغربًا من سؤاله الذي يعرف أجابته جيدًا:


-حصل يا حج


ألقى عليه والده سؤالًا آخر وهو يتقدم بجسده للأمام:


-يعني أنتَ فكرت في الجواز؟.


حك جاد مقدمة لحيته بعد أن ضيق عينه محاولًا فهم ما يريد أن يصل إليه والده، أجابه بهدوء بعد أن نظر إلى والدته باستغربت:


-فكرت آه


ابتسم والده ابتسامة غريبة وكأنه انتصر عليه في شيء ما، عاد إلى الخلف بجسده يستند إلى ظهر الأريكة وتحدث قائلًا بنبرة جدية:


-أنتَ فكرت في الجواز وجبتلي واحدة أنا رفضتها وأنا عارف إنك مش هتعصى كلامي وقفلنا الموضوع من وقتها ومش هنفتحه تاني 


لم يغلق مواضيع هو فقط ينتظر قليلًا ليجعل قلبه يلين عليه، هو لم يتخلى عنها ولن يتخلى عنها، يريدها أن تكن زوجته الصالحة وليس هناك شيء يعيق ذلك سوى سبب والده الذي لا يعنيه..


أبصر والده بدقة ولم يتحدث بعد، يريد أن يعرف ما النهاية لذلك الأمر وتلك المقدمة، وجده يتحدث مرة أخرى مردفًا بحزم:


-ودلوقتي أنا عايز أفرح بيك... شاور على أي واحدة وأنا اخطبهالك.. ولا خلي أمك اللي تختار ولا أقولك بنت عمك مروان البرنس من كبار الناس في المنطقة.. مفيهاش غلطة أدب وجمال وأخلاق 


لم يتحدث "جاد" وبقى صامتًا يوزع نظره بين والده ووالدته، منتظرًا أن يرى إن كان هناك شيء آخر يود إضافته على هذا الحديث الذي لن يفعل به مؤكد..


هتف والده مستغربًا صمته الذي بقى حتى بعد إنتهاء حديثه:


-مقولتش رأيك يعني 


سأله "جاد" مضيقًا ما بين حاجبيه وهو يعلم أنه لن يفعل ما يريده واضعًا يده على فخذه وهو جالس منحني بجانبه:


-ولو قولت رأي هتعمل بيه؟.


-اسمعه 


وقف "جاد" على قدميه أمامهم واستدار يعطي ظهره إليهم هاتفًا بجدية وحزم:


-أنا لما جيت أخد موافقتك كان عقلي وقلبي رايدين واحدة أنتَ رفضتها ولحد الأن رايدها 


وقف والده هو الآخر على قدميه ينظر إليه من الخلف قائلًا: 


-يعني ايه يا بشمهندس جاد الله


استدار "جاد" ينظر إليه بعد أن نظر إلى والدته التي تضع كف يدها على وجنتها وتستمع إلى نقاشهم دون حديث ويظهر على وجهها الحزن لأجل ولدها، أردف قائلًا:


-يعني مش موافق يا حج إلا لو أنتَ وافقت على اللي أنا عايزها


صاح والده بحدة وضيق شديد من رفضه لحديثه لأول مرة وقد كان مقرر داخله أنه سيفعل ما يريد:


-لأ يا جاد كلامي هيمشي ومش هتتجوز البنت دي طول ما أنا عايش 


زفر "جاد" بصوتٍ عالٍ والضيق احتل ملامحه وهو يرى أن رفض والده ليس له أي أساس وليس هناك أي أسباب مقنعة، تحدث قائلًا بصوتٍ عالٍ:


-يوه.. مهو رفضك ده مالوش سبب مقنع كلام في الفاضي 


نظر إليه والده بذهول، أنه أول مرة يرفع صوته هكذا أمام والده ووالدته، أول مرة له أن يزفر هكذا في وجهه، كل هذا لأجل فتاة؟.. هل نسيٰ ما ورد في كتاب الله ليزفر هكذا في وجهه؟:


- قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً* رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً} 


صمت لبرهة وهو يرى ملامح "جاد" قد تحولت تأثرًا بالآية التي استشهد بها في هذا الموقف، أردف مرة أخرى متسائلًا بحزن:


-بعتصاني يا جاد؟..


أقترب منه "جاد" بخطوات بطيئة متحدثًا بنبرة مترجية قبل أن تكون جادة وهو يشير إليه بيده:


-يا حج أنا مش عايز اعصاك بس أنتَ اللي بتجبرني.. لو أنتَ رافض فكرة جوازي من هدير فأنا رافض الجواز كله 


جلس والده مرة أخرى جوار زوجته وعاد بظهره إلى الخلف، نظر إلى ولده بجدية وهو يود أن يراه أفضل البشر ويعتقد أن ما يفعله هو الصحيح، هتف بحدة وقسوة قائلًا:


-لو رفضت يا جاد الله لا أنتَ ابني ولا أعرفك 


أبصر "جاد" والده بذهول ودهشة مستغربًا ما يقوله، هل يصل الأمر إلى هنا؟.. هل يتخلى عنه والده فقط لأنه يريد الزواج من فتاة ليست مثل ما يريدها والده وعلى الرغم من أنها كبرت أمام عيناه..


نظر إلى والدته التي إلى الآن لم تتحدث بحرف واحد، ربما أخذت التعليمات من والده قبل أن يصعد، نظر "جاد" إلى الأرضية وهو مُنهزم، أمامه خياران الأول أن يعصى أمر والده ولا يتزوج سوى من "هدير" ويكسب غضبه عليه وعدم رضاه عنه والثاني أن يتخلى عن "هدير" ويكسب رضا والده عليه إلى الأبد وهذا ما يريده الله من عبادة أن يكون الوالدين راضيين عنا..


تحدث وهو ينظر إلى الأرضية بحزن بلغ أعماق قلبه جاعله الأمواج تثور داخله:


-اللي أنتَ عايزة اعمله يا حج 


وذهب من أمامهم إلى الخارج، متقدمًا ناحية غرفته وهناك جروح داخله خلقت الآن بعد ذلك الرفض القاطع، ستترك ندوب خلفها لن تمحى إلى الأبد، وهناك صورة بذاكرته لحب طاهر شريف لم يكتب له أن يخلق ويذهب للنور ولكن.. لن يكف عن الدعاء.


                                  ❈-❈-❈


لا يدري كيف فعلها!.. كيف تخلى عنها بهذه السهولة واليوم كان يصيح في الجميع لأجلها!..، لماذا ترك الأمور بين يدي والده ليفعل ما يريد؟.. لما تحدث معه من الأساس، ولكن هو لم يكن يعلم أنه سيرفض بهذه الطريقة..


كيف تخلى عنها هكذا!.. كيف تركها!.. ولكن هل كان يترك والده؟.. الأمران أصعب عليه من الصعب نفسه ولكن والده لا يستطيع التخلي عنه، لا يستطيع أن يراه وهو غاضب عليه، لقد ضغط عليه من ناحية يعلم جيدًا أنها ستأتي بنتيجة مُرضية له..


يحبها، منذ أربع أعوام وهو غارق في العسل الصافي داخل عينيها، وكلما فُتن به وبجمالها الهادئ استغفر ربه وعاد مرة أخرى ينهي نفسه عن نظرتها ليرضى عليه ربه ويجعلها له بحلاله ليس غيره..


يجب رؤيتها يوميًا في ملابسها الواسعة الفضفاضة، يدوب برؤية وجهها الأبيض الذي يزينه النمش الخفيف..


كيف له أن يتخلى عنها وقد زرع الله حبها بقلبه!، وبعد الأن وهو يعلم أنه سيتزوج غيرها!.. لا محال هل يستطيع نسيانها؟..


كيف لا محال وهناك رب يدبر كل شيء لنا ولو كنا نراه شرًا!..


ابتسم براحة متمتمًا بين نفسه بهدوء وسكينة:


-بسم الله الرحمن الرحيم، “وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون“.


وكأن ذلك البركان الثائر داخل قلبه هدأ تمامًا بقول تلك الآية الكريمة، وكأن أفكاره وتشتُت عقله وقف نهائيًا بعد أن تحدث بهذه الكلمات الشافية لروحه..


رفع يده أمام وجهه متحدثًا بيقين وجدية تامة وكأنه متأكدًا مما يحدث:


-أنا عارف إنك مش هتسيبني لوحدي ومش هتكسر قلبي.. أنا مهما روحت وجيت ومهما كبرت أنا في حبي ليها طفل، عارف إنك مش هتصعبها عليا أكتر من كده حتى بعد اللي قاله أبويا الحج..


صمت لبرهة ثم تحدث مرة أخرى قائلًا بلهفة وجميع حواسه تناجي ربه بتلبية دعائه:


-اللهم إن كانت كُتبت من نصيبي فأجعل قلبي يزداد خفقًا لها ولحبها وإن كانت من نصيب رجل آخر فاللهم لا اعتراض على أمرك ولكن لا تترك قلبي مفجوعًا وأزل حبها منه وكأنه لم يوجد 


أخفض يده بعد أن استمع صوت هاتفه يعلن عن مكالمة هاتفية، وقف على قدميه ورفع سجادة الصلاة ووضعها على الأريكة، تقدم إلى الكومود بجوار الفراش وأخذ من عليه الهاتف ليراه رقم غير مسجل، بعد أن فتح وضعه على أذنه وتحدث بخشونة:


-ألو، مين؟


-بشمهندس جاد


أتاه الصوت ليدغدغ خلايا أذنه وليستمع إلى أجمل معزوفة قد يستمع إليها والأحب إلى قلبه، مرة أخرى يستغفر بعد تفكيره ورأى أن نفسه تغوية كثيرًا تجاهها، حمحم بصوتٍ رخيم وتحدث قائلًا:


-هدير؟. في حاجه ولا ايه 


-ممكن أشوفك على السطح دلوقتي 


استمع إلى صوتها الخافت وعلم أنها تطلب ذلك على استحياء ولكن لماذا تريد مقابلته؟.. سيرفض لأن ذلك يجب ألا يحدث مرة أخرى، يجب ألا يراها وحدها هذا هو الشيء الصحيح..


-تمام طالع 


أغلق الهاتف ونظر إليه بذهول ودهشة مُستغربًا من الذي تحدث به!.. لقد أنهى نفسه عن ذلك وقال أنه سيرفض كيف تحدث بهذه الكلمات إذًا!.. يحاول بكل الطرق ولكن كل الطرق تؤدي إليها..


زفر بضيق ثم وضع الهاتف بجيب بنطاله وذهب إلى الخارج ليصعد إليها على السطح وليرى ما الذي تريده..


                                 ❈-❈-❈


وقف "جاد" أمامها بعد أن وضع يده بجيب بنطاله تاركًا بينهم مسافة، نظر إليها ومن ثم إلى البعيد متحدثًا بجدية وهو يسألها:


-مش فاهم يعني أنتِ عايزة توصلي لايه 


نظرت هي داخل عينيه تتمعن بها وتراه وهو يتهرب منها بنظراته وكلماته، هتفت مُجيبة إياه بجدية:


-لأ على فكرة فاهم، أنا سؤالي واضح وصريح مسعد كان متقدملي أنا؟..


نظر إليها هذه المرة وداخله يتسائل ما الذي يجعلها تشعر بذلك ربما تكن فتاة غيرها، أردف بصوتٍ أجش متسائلًا:


-طب وليه بتقولي كده ما يمكن واحده تانية 


وضعت يدها أمام صدرها وتحدثت بتهكم وسخرية قائلة:


-علشان مسعد بيقولي أنا بس برنسس الحارة وكمان طلبني قبل كده من جمال وأنا رفضت ده غير إنه كان في الخناقة بيكلمك ويبص ناحيتي 


برزت تفاحة آدم بعنقه وهو يضغط على أسنانه بعنف وتحدث بغضب وعصبية بعد أن استمع حديثها الذي لأول مرة يستمع إليه:


-وأنتِ إزاي تسمحيله يقولك كده وليه مقولتليش 


اندهشت من تغيره المفاجئ وتحدثه بهذه العصبية بعد أن استمع إلى كلماتها وهو الذي كان هادئ منذ قليل، ولكنها لن تسمح له هو الآخر أن يتحدث لها بهذه الطريقة ولو كان هذا يعود بالنفع لها:


-بشمهندس جاد أنا مفيش حد بيقدر يتطاول معايا في الكلام حتى لو كان مين ومسعد بعرف أوقفه عند حده


صمتت قليلًا ورأت الهدوء عاد إليه مرة أخرى بعد حديثها ولكنها استرسلت قائلة:


-وبعدين أقولك ايه وليه أصلًا؟..


معها كامل الحق، لماذا ستخبره!، من يكون هو حتى تخبره ما يحدث معها، حتى أن هذه أول مرة تتحدث معه عبر الهاتف، مهلًا.. نظر إليها قائلًا بجدية وهو يتساءل:


-أنتِ جبتي رقمي منين؟


-من موبايل جمال أخويا... مش هتجاوبني؟..


تنهد بعمق وأغمض عينيه ثم أخرج يديه من جيوب بنطاله واستدار بجسده ينحني على السور مستندًا عليه بيده قائلًا:


-أيوه أنتِ 


في تلك اللحظات كان هناك رجل يقف على سطح منزل في الناحية الأخرى لهم بعيد قليلًا عن مرمى عينهم يأخذ لهم بعض اللقطات التي تظهر بوضوح وربما أكثر قليلًا بعد أن أخذها بزوايا معينة تُرضيه وتُرضي من سيراهم غيره..


#ندوب_الهوى

#الفصل_الرابع

#ندا_حسن


  "أعطاها الأمل الأكبر في حياتها، بعد مرور يومًا واحدًا      أخذه مرة أخرى ليعيده إلى مكانه وكأنه لم يعطيه إليها"


في تلك اللحظات كان هناك رجل يقف على سطح منزل في الناحية الأخرى لهم بعيد قليلًا عن مرمى عينهم يأخذ لهم بعض اللقطات التي تظهر بوضوح وربما أكثر قليلًا بعد أن أخذها بزوايا معينة تُرضيه وتُرضي من سيراهم غيره، ابتسم من زاوية فمه بخبث ثم وضع الهاتف داخل جيبه وعاد مرة أخرى من حيث أتى..


عاد "جاد" بنظره إليها وهناك سؤال بداخل عقله يلح عليه أن يطرحه إليها ويعرف أجابته ولكنه يخاف أن يأتي بحديث آخر ويستمر هنا، اعتدل بوقفته وتحدث قائلًا بنبرة رجولية هادئة: 


-أنتِ رفضتي مُسعد ليه؟


ابتسمت بسخرية وذهول حل عليها بعد هذا السؤال الذي يُجيب على نفسه أمام أي شخص عاقل، أردفت قائلة بتساؤل:


-يعني مش عارف!..


-أحب أعرف أسبابك 


استدارت ووقفت أمام السور تنظر إلى الخارج وبدأت بالحديث عن الأسباب الذي تتوارى خلفها:


-لأنه أكبر مني يمكن بخمستاشر سنة أو أكتر مش عارفه، ولأنه متجوز تلاتة، ولأنه مش قريب من ربنا بالعكس بيتاجر في حاجات ربنا يبعدنا عنها، ولأني عارفه هو عايز يتجوزني ليه وعلشان ايه...


استدارت بوجهها تنظر إليه بعمق متحدثة بلوعة حارقة:


-والأهم من كل ده إني مش بحبه ولا بطيقه أصلًا وأنا لا يمكن اتجوز واحد مش بحبه حتى لو السكينة على رقبتي 


يتحدث بداخله الآن، هل يَسعد أم يحزن!. لن تتزوج إلا شخص تحبه سيسعد لذلك وسيحزن لأنه لا يعلم من تُحب، وسيحزن لأن والده لن يتركه يفعلها إلا بأمر الله..


ضيق ما بين حاجبيه بعد أن أعاد حديثه داخله وقد وصل إليه سبب ومفهوم كل ما تحدثت به ولكنه يريد أن يعلم هل ما وصل إليه صحيح!:


-أكبر منك ماشي ده سبب مقنع، متجوز تلاتة بردو مفهوم، بعيد عن ربنا وبيتاجر في حاجات ممنوعة طب ما جمال زيه!..


بعد أن تلقت صدمتها منه ومن حديثه عن شقيقها ابتسمت، ابتسمت بحزن يتغلغل داخلها لأجل شقيقها الذي تأخذه الحياة في طريق لن يعود منه إن فات الأوان:


-جمال طيب وشخص كويس بس مغلوب على أمره.. أو مش مغلوب هو مش عايز يشتغل ويتعب نفسه استسهل طريق مسعد وهو اللي عمل فيه كده.. ضحك عليه وفهمه أن الدنيا وردي وإن الطريق ده كويس وسهل، ربنا يرده عنه قادر على كل شيء 


أبتعد بنظره عنها ساحبًا نفسًا عميقًا ثم نظر إليها مرة أخرى دون تردد قائلًا بجدية شديدة:


-السبب اللي قبل الأخير، مسعد عايز يتجوزك ليه؟


داخله يعلم الإجابة التي احرقته عندما تعرف عليها وتخيلها تحدث، داخله يشتعل بالنيران الثائرة، داخله يحاول أبعاد الأفكار السيئة هذه عن عقله ولكنه لا يستطيع ويريد التأكد منها هي ليعلم إن كان هناك سبب آخر!..


نظرت إليه بتوتر وقد أحمر وجهها خجلًا وضيقًا من سؤاله الغريب والذي لن تستطيع الإجابة عنه وهو يعرف ذلك جيدًا، إذًا لما سألها؟!..


-عن اذنك 


ذهبت من أمامه سريعًا متجهة إلى باب السطح لتهبط إلى الأسفل بعد أن ذهب الحديث بينهم إلى اتجاه آخر لا تفضله أبدًا..


-طب لو اتقدملك واحد في سني، من الحارة مثلًا.. ومش متجوز، بيسمع من والدتك دايمًا أنه كويس، ممكن هو مش قريب من ربنا أوي بس على الأقل بيصلي وبيقرأ قرآن على طول يمكن كل يوم وبياكل بالحلال وعايز يتجوزك علشانك أنتِ مش علشان حاجه تانية.. هتوافقي؟. ولا لازم تكوني بتحبيه 


وقفت دون أن تذهب خطوة أخرى إلى الأمام عندما استمعت أولى كلماته، قلبها يدق بعنف، يرفرف من السعادة، اتبتسم؟. تفرح؟ تترك قلبها يصعد إلى السماء مرفرفًا مع الطيور من فرط السعادة.. يتحدث عن نفسه صحيح!.. صحيح، مؤكد أنه يتحدث عن نفسه..


ظلت هكذا لحظات أو ربما دقائق لا تدري تعطي إليه ظهرها والهواء يعبث بطرف حجابها من الخلف، أغمضت عينيها بقوة ثم فتحتهما واستدارت تنظر إليه قائلة بهدوء وخجل اعتقادًا أنه يتحدث عن نفسه:


-لو هو كده فعلًا يبقى أنا أصلًا بحبه


نظرت إلى داخل عينيه بعمق وهو يبادلها نفس النظرة بحب خفي بينهم هم الاثنين منذ زمن، ربما الآن فقط تبادلت القلوب الهمسات وبدأت شعرة الحب في الظهور..


أخفضت نظرها عنه واستدارت تستكمل سيرها لتهبط إلى الأسفل والسعادة تلح عليها من كل جانب أن تتركها وتفتح لها الأبواب حتى تشعر بها وبحب عمرها، وهذا طلب صغير بالنسبة لما تشعر به الآن..


هبطت الدرج والدموع تخرج من عينيها فرحة متمتمة داخلها بالحمد والشكر إلى الله معتقدة أن هذه الإشارة التي طلبتها في دعائها..


بينما "جاد" بقي على السطح ينظر في أثرها بعد أن رحلت عنه ويفكر فيما فعله، هل توقعت أنه يتحدث عن نفسه أم أنه مجرد سؤال؟. يا الله عقله سينفجر، لقد أوقع نفسه في مأزق بسبب سؤاله هذا وسيكون أول توضيح يصدر منه تجاهها والمذنب الوحيد هو لأنه لا يدري ما الذي سيحدث في الأيام القادمة..


فإن كانت فهمت ما رمى إليه فسيتحمل الذنب لأنه جعل فتاة تتعلق به وهو الذي ترك زمام الأمور إلى والده يفعل ما يشاء وهو يرضى..


                                   ❈-❈-❈


"اليوم التالي"


جلس "جاد" على المقعد الخشبي عكسيًا جوار باب الورشة مع ابن عمه "سمير"، كان يتحدث معه عما يفعله به والده هذه الأيام وعن ذلك القرار السريع الذي اتخذه دون موافقة "جاد" التامة..


صاح "جاد" بصوت عالٍ ليجذب انتباه المارة وهو يتحدث مع عامل المقهى الشعبي:


-عيسى.. اتنين شاي مظبوط في السريع


أردف "سمير" بخبث يعبث معه ويثير حنقه وهو ينظر إلى نافذة بيت "الهابط" الخاصة بغرفة "هدير":


-وايه المشكلة يا جاد لما يجبلك عروسة على مزاجه مهو في الأول ولا في الآخر أبوك وعايز يعملك اللي متعملش لحد قبل كده 


نظر إليه بحدة وكأنه يود أن يضع يديه الاثنين حول عنقه ولا يتركه إلا وهو جثة هامدة لأنه يعلم أنه يثير حنقه ويستفزه:


-ولا عليا النعمة هلبسك الشاي اللي جاي ده في وشك وابقى وريني مين هتبصلك 


ارتفع صوت ضحكات "سمير" بعد نظرة "جاد" الحادة الصارمة وحديثه إليه، وقد وصل إلى ما كان يريده هو أن يجعله يثور ويغضب..


مد يده كما فعل الآخر وأخذ الشاي من على الصينية التي كان يقدمها إليه "عيسى" عامل المقهى الشعبي..


ارتشف منه بهدوء دون حديث ثم بعد لحظات أردف قائلًا بجدية وعقلانية في الحديث:


-بس صراحة اللي أنتَ عملته غلط مكنش ينفع تقولها كده 


وضع كوب الشاي على الأرضية جوارهم بين المقعدين ونظر إليه قائلًا بضيق وانزعاج:


-الله يرضى عليك يا عم سمير بلاش تعذيني في نفسي.. أنا عارف إني غلطان بس أهو اللي حصل


استرسل في حديثه بعد أن زفر بهدوء وقال بيقين: 


-في الأول ولا في الآخر أنا راضي باللي ربنا كاتبه ومحدش يعرف يمكن على آخر لحظة تبقى ليا 


ابتسم "سمير" بهدوء ناظرًا إليه متحدثًا بنبرة رجولية هادئة وسعادة داخله:


-ياما نفسي أبقى زيك كده 


ابتسم "جاد" وهو يوزع نظرة على المارة بالحارة، وتحدث قائلًا بنبرة رجولية جادة وحنونه في ذات الوقت:


-يوم ما تبقى رايد حاجه من قلبك وعارف إن ربنا بس اللي يقدر يحققها هتبقى كده، يوم ما تقرب من ربنا علشان تبقى أحسن ويبقى عندك إيمان وصبر هتبقى كده يا عم سمير 


مر من أمامهم رجل في عمر الثلاثون تحدث بصوتٍ عالٍ وهو يمر مشيرًا بيده بحركة تحية:


-السلاموا عليكم، منور يسطا جاد أهلًا ياعم سمير 


رد عليه الاثنين السلام بابتسامة عريضة وأردف "جاد" قائلًا بترحاب وهو يشير إليه:


-اتفضل يا باشا.. اتفضل يا عم محروس 


أجابه الآخر وهو يضع يده على صدره من الأمام مربتًا عليه بينما يسير مكملًا سيره بابتسامة ودودة:


-يزيد فضلك يسطا جاد


ترك "سمير" كوب الشاي من يده بعد أن وقف على قدميه ووضعه على المقعد مكان جلوسه، وهتف بسخرية وتهكم قائلًا:


-أنا ماشي يا عم اروح أشوف شغلي بدل ما أقعد اولول جنبك على حبيبة القلب 


رفع "جاد" نظرة إليه على حين غرة بحدة جدية هذه المرة وكأنه يرفض أن تأتي بخلد أحد غيره:


-ما تحترم نفسك يلا 


-ولا تحترم ولا أحترم أنا ماشي سلام


أردف "جاد" بضيق وانزعاج قائلًا بسخرية وهو يرفع الكوب إلى فمه:


-في داهية 


                                   ❈-❈-❈


أتت "رحمة" بعد صلاة المغرب إلى منزل "هدير" لتخبرها ما وصل إلى مسامعها من والدتها، كانت تفكر بأن تخبرها عبر الهاتف ولكنها عادت مرة أخرى عن ذلك قائلة بأنها يجب أن تتواجد معها..


نظرت إليها "هدير" بقلق وريبة فهي منذ أن أتت تتحدث بمواضيع شتى ليس لها علاقة بهم وتوترها يظهر عليها بوضوح وهي تعلم أنها لا تكون في هذه الحالة إلا عندما تكون تخفي شيء سيء..


أردفت متسائلة بقلق بالغ وهي تنظر إليها بجدية شديدة:


-أنتِ مش على بعضك وحاسه إنك مخبيه عني حاجه، في ايه يا رحمة؟..


ابتلعت "رحمة" ما وقف بحلقها ونظرت إليها بحزن شديد وهي تعلم أن هذا الخبر لن يكن هين على صديقتها التي احتفظت بحبها داخل قلبها لعله يُرزق بمن أحب..


-بصراحة كده فيه 


نظرت إليها بتمعُن منتظرة منها أن تُكمل حديثها وتخبرها بما حدث، وقفت "رحمة" على قدميها ثم اولتها ظهرها متحدثة بقلق وتردد:


-جاد.. جاد هيخطب بنت عم مروان البرنس 


-ايه؟!. أنتِ بتقولي ايه وعرفتي منين الكلام ده... أكيد كدب يا رحمة ما أنا قولتلك اللي قالهولي امبارح 


كانت هذه كلماتها الحادة، بعد أنه وقفت على قدميها هي الأخرى بعد استماع كلمات صديقتها عنه وعن أخرى غيرها وهو الذي بالأمس تحدث عنه وعنها!، وأضاف إليها آمل لم يكن موجود من الأساس وهو من زرعه، يود محوه بهذه السهولة؟..


استدارت "رحمة" إليها قائلة بجدية مضيقة ما بين حاجبيها:


-أنا دايمًا كنت بدعيلك لو شر ربنا يبعده عنك ولو خير يقربه وأهو بعد يا هدير يبقى شر.. احمدي ربنا 


وزعت نظرها عليها بصدمة وذهول تام، لا تستطيع الرد على حديثها الآن وعقلها يفكر بكيف ذلك وهو ألقى عليها كلمات يعلم أثرها جيدًا!.. 


-بس أنا كمان طلبت من ربنا إشارة أعرف بيها إذا كان بيحبني ولا لأ وهو اكدلي ده امبارح وبعدين ممكن يكون خبر كدب أنتِ عرفتي منين؟


أجابتها "رحمة" قائلة بحزن وضيق وهي تضع يدها على ذراعها مربتة عليه بدعم:


-أمه يا هدير هي اللي قالت لماما النهاردة أن الحج رشوان أتكلم معاه امبارح وهيتجوز قريب واتفق معاه أنه يخطبله بنت عم مروان البرنس وأنا أول ما عرفت جيت أقولك علشان متتعبيش نفسك كفاية لحد كده 


جلست "هدير" على الأريكة خلفها بعد أن فرت دمعة وحيدة من عينها قائلة بحزن شديد يظهر على صوتها وملامح وجهها وكل شيء بها:


-طب وكلام امبارح يا رحمة؟.. وتصرفاته معايا كل ده ايه 


ذهبت صديقتها إليها محتضنه إياها بشدة تربت على ظهرها قائلة بحزن هي الأخرى:


-هو مش غلطان يا هدير.. هو معشمكيش بحاجة احمدي ربنا أنها جت على قد كده.. استغفري ربك كتير وركزي على مستقبلك وسيبيه هو كمان يشوف مستقبله 


أبتعدت عنها ثم نظرت إلى داخل عينيها محذرة إياها من شيء أتى بخاطرها:


-هدير، اوعي...


قاطعتها الأخرى بحدة وجدية شديدة قائلة وهي تمسح أسفل عينيها الدامعة وها قد ظهرت مرة أخرى شراستها:


-أنا عمري ما أعمل كده يا رحمة، عمري ما أرخص نفسي بالطريقة دي لو هو آخر راجل على الأرض أنا اللي عايزني يجيلي لحد عندي ويطلبني ويقول إنه بيحبني مش أنا اللي اروحله أبدًا


بعد وقت لم يكن قصير ذهبت صديقتها وتركتها وحدها بعد تقديم بعض النصائح لها لكي تبتعد عنه وتتخطاه وتنظر إلى نفسها وحياتها، لتعود إلى الله وتقترب منه أكثر وأكثر حتى يقف جانبها وتتخطى هذه الأزمة سريعًا..


جلست "هدير" على فراشها بعد أن أغلقت باب الغرفة عليها من الداخل وتركت عينيها تخرج كل الدموع الحبيسة داخلها وقلبها يتحدث بنحيب ارهقه طوال هذه المدة..


جلست بضعف وقلة حيلة تبكي على شخص أحبته داخل قلبها ونفسها فقط ليوفقها الله ويجعلها من نصيبه، لقد أحبته بشدة وليس لنا على القلب سلطان إنه يفعل ما يشاء ونحن خلفه نصلح أخطاءه، عامان كاملين وفي النهاية تكن هذه النتيجة!..


بكت وانتحبت كثيرًا وهي تتذكر نظراته إليها، رجولته الطاغية عليه عندما يعلم أن هناك من تعرض إليها، حنانه وأخلاقه الظاهرة أمام الجميع، لقد أحبته رغم عنها وبضعف منها..


شعور داخلها لا يوصف، قلبها يتمزق إلى أشلاء أو ربما يحترق هي لا تدري ولكن تشعر بالخراب الذي حدث داخله من بعد هذه الأخبار الحزينة.. تحبه إلى هذه الدرجة؟!. إلى درجة شعورها بأن قلبها سيتوقف الآن!


أنه "جاد الله أبو الدهب" أنقى الرجال وأفضلهم، أنه من زُرعت داخله الشهامة والرجولة من سار الحنان إلى قلبه.. أحبته يا الله ولا تستطيع العودة بهذه السهولة


وضعت كف يدها على جانب صدرها الأيسر مكان قلبها تمامًا وسارت تسير بيدها عليه براحة وهي تشعر أنه يُسلب منها وبكائها يزداد لحظةٍ بعد لحظة..


نظرت إلى سقف الغرفة متمتمة داخلها بالاستغفار كثيرًا ثم خرجت كلماتها بصوتٍ عالٍ مع شقاتها تملئ الغرفة:


-لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، استغفر الله العظيم وأتوب إليه، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين


هدأت قليلًا بعد أن بقيت دقائق كثيرة تردد بالاستغفار، مسحت على وجهها بيده الاثنين تزيل دموعها بينما مازالت شهقاتها مستمرة وتحدثت بضعف وحزن ناظرة إلى الأعلى:


-يارب شيل حبه من قلبي لو كان فعلًا رايد غيري 


استمعت فجأة إلى صوت "جمال" شقيقها ينادي بحدة، مسحت بيدها على وجهها مرة أخرى ثم وقفت على قدميها متوجهة إلى باب الغرفة وفتحته، وجدته كان يتقدم إليها فنظرت إليه باستغراب متسائلة:


-في ايه؟


أردف بجدية شديدة ونظرة صارمة وهو يتقدم منها ووالدته خلفه وشقيقته "مريم":


-اسمعي بقى أما أقولك أنا وافقت على مسعد واديت كلمة راجل ومش هرجع فيها 


رفعت والدتهم يدها وضربت على صدرها بصدمة وصرخت به قائلة بغضب:


-يالهوي على خلفتي السودة هو مفيش ورانا كل يوم غير مسعد مسعد مسعد.. ما رفضته وانفض المولد 


نظرت إليها "هدير" نظرة جادة واثقة بذات الوقت وتحدثت قائلة بهدوء وكأنها لم تكن تبكي منذ لحظات وعينيها حمراء وظاهرة بقوة:


-ما تسيبيه يقول اللي هو عايزة.. يبقى يتجوزه هو 


صرخ بها شقيقها مردفًا بحدة وهو يجذبها من معصمها بشدة:


-بت أنتِ بلاش استهبال أنا قولتلك اديت كلة راجل....


قاطعته بحدة وغضب وهي تجذب يدها منه بعصبية صارخة به وكأنها ترى الشياطين أمامها وليس شقيقها، والآن حدتها وشراستها المعهودة على من يتطاول عليها تظهر له:


-راجل مين يابو راجل.. الراجل ده اللي يشتغل ويصرف على بيته ويحمي أهله، الراجل اللي الرجولة والشهامة بيمشوا في دمه اللي يشقى ويتعب علشان يداري عضمه ولحمه من عيون الناس مش أنتَ يلي طول النهار نايم وطول الليل على القهوة مع الصيع بتوعك.. فوق لنفسك يا جمال دا أنا اللي بصرف عليك من فلوسي.. بتاكل وتشرب من فلوسي ولو عايزاك تطلع بره البيت بكلمة مني للحج رشوان هيرميك بره.. فوق لنفسك وأرجع عن اللي في دماغك 


حك مقدمة لحيته بعد أن استمع إلى حديثها رافعًا أحد حاجبيه، نظر إليها قائلًا بمكر وخبث:


-افهم من كده ايه؟


أقتربت منه "هدير" قائلة بسخرية وتهكم وهي تنظر إليه بـ اشمئزاز واضح كما نظرت إلى "مسعد":


-لو واخد منه فرش ولا عليك فلوس من الحاجات اللي بتوزعها ليه قولي وأنا اديلك بدل ماهو لاوي دراعك كده 


جذبها من خصلات شعرها بحدة وعصبية على حين غرة وهو يسب بشتايم بشعة داخل أذنها بعد أن استفزته بحديثها الذي يقلل من رجولته أمامهم جميعًا:


-طب عليا الحرام ما أنتِ طالعه من البيت ده ولا الاوضه دي إلا على بيته 


حاولت والدته جذبه ليبتعد عنها بينما ضربته "مريم" على ظهره بحدة وقوة تحاول التحلي بها أمامه وهي تطلق الدعاء من فمها عليه لما يشاهدونه على يده:


-ربنا ياخدك بعيد عننا.. سيبها حرام عليك كفاية اللي بتعملوا فينا كل يوم 


حاولت "هدير" جذب خصلاتها من بين يده، شعرت أنه اقتلعه من جذوره بيده عندما داهمها هذا الألم الشديد وشقيقتها ووالدتها لا يستطيعوا أن يجعلوه يبتعد عنها، صرخت به بحدة وهي تضربه في معدته بقبضة يدها:


-والله لو آخر يوم في عمري يا ابن أبويا ما هتجوزه 


تعالت صرخات "مريم" وهي تراه يصفعها بحدة وعصبية على وجنتيها الاثنين، ثم أتى بالصفعة الثالثة، ضربته والدته ضربات متتالية على ظهره بقبضة يدها محاولة أن تجذبه مرة أخرى ولكنه صخر لا تستطيع التغلب عليه وتراه وهو يقوم بضرب شقيقته الصغرى دون وجه حق.. لقد عانت منه كثيرًا بعد وفاة والده والآن وصلت إلى مرحلة أنها لا تستطيع حماية بناتها من بطشه..


أخذت مريم حجاب صغير منزلي وجدته على الأريكة في الصالة لوالدتها، وذهبت إلى باب الشقة وفتحته لتذهب إلى الخارج مهروله تأتي بأحد ينقذ شقيقتها والدموع تخرج على جنتيها..


وجدت "جاد" يدلف من باب المنزل صرخت باسمه بلهفة وتوسل:


-يسطا جاد... الحقنا الله يخليك 


نظر إليها باستغراب ودهشة شديدة وهو يراها تبكي وحجابها ليس مهندم عليها بل هناك خصلات ظاهرة وعينيها منتفخة وتبكي ويخرج صوت شقيقها من الداخل وهو يصرخ بألفاظ رديئة، سألها باستغراب وقلق:


-في ايه يا مريم؟


أردفت بسرعة وخوف وهي تنظر إليه بتوسل ليدلف معها ينقذ شقيقتها:


-جمال نازل ضرب في هدير عايزها تتجوز مسعد 


لم تراه!.. لم يستمع إلى باقي جملتها من الأساس عندما شعر أن الأمر يتعلق بـ "هدير" دلف إلى الداخل سريعًا وقلبه يخفق بعنف داخل أضلعه، وجدها منحنية على نفسها و "جمال" يجذب خصلاتها بقوة بينما والدته تجذبه إليها وتحاول نزع يده من على شقيقته.. 


تقدم منه وأبعد والدته عنه ثم جذبه إليه بقوة شديدة من ذراعه جاعله يترك شقيقته وتلقى لكمة قوية في منتصف وجهة من "جاد" فترنح إلى الخلف ولم يقدر على استيعاب كيف دلف "جاد" إلى هنا!..


أخذت "نعمة" ابنتها بأحضانها وأتت لها "مريم" بحجاب لتغطي به خصلاتها عن أعين "جاد" بينما كانت ترتدي عباءة منزلية فضفاضة كعادتها..


خرجت الدموع من عينيها بكثرة في أحضان والدتها وهي تراه يلكم شقيقها مرة أخرى لأنه تطاول عليها، هو الوحيد الذي كان يناسبها ليأتي بحقها من الجميع وليحافظ عليها وعلى حبها، هو الوحيد وليس هناك سواه ولكن لم يُكتب من نصيبها، استمعت إليه يهتف بحدة واشمئزاز وهو ينظر إلى شقيقها:


-عيب على رجولتك اللي بتعمله ده، بتمد ايدك على أختك ليه


أبتعدت عن والدتها وذهبت لتقف أمام "جاد" جوار شقيقها وفي خلدها أن ما ستفعله صحيح ولم تكن تعلم أنها تحطم قلبين الحب داخلهم نقي حافظ عليه الله من الدنس الذي يحيطهم ليكونوا من نصيب بعضهم البعض ولكنها الآن تنهي ذلك إلى الأبد..


نظرت إلى "جاد" بتمعن وكانت نظرتها حزينة للغاية معاتبة إياه على ذهابه لأخرى بعد أن أخذت أكبر أمل بحياتها منه، نظرت إلى شقيقها قائلة ببرود وجدية استغربها الجميع:


-أنا موافقة اتجوز مسعد 


دُهش الجميع وهي التي كانت منذ لحظات ترفض وإن كان الموت البديل عن الزواج!. رُسمت الصدمة على ملامح الجميع وكأنها الآن بغيبوبة ولا تعلم ما الذي تقوله ولكن الصدمة الأكبر كانت من نصيب "جاد" الذي نظر إليها بحزن وصدمة ودهشة لم يراها بحياته..


الجميع حلت عليهم الدهشة ولكنه ما حل عليه كان أصعب بكثير، نظر إلى عسلية عينيها الباكية وكأنه يريدها أن تأكد حديثها بالزواج الآن لأنه لا يصدقه.. لا يصدق أن هذه من رفضته على السطح رفض قاطع.. لا يصدق أن من أحبها بصدق ونقاء ودعا ربه من أجلها توافق الآن على الزواج من غيره أمامه وتحت ناظريه..


                                 ❈-❈-❈


#ندوب_الهوى

#الفصل_الخامس

#ندا_حسن


         "كانت جروح غائرة يصعب شفائها، شُفيت

         الجروح وبقيت الندوب لتذكرنا بما حدث"


يوميًا يتألم قلبه في بعدها عنه، يُجرح لفكرة أنها ربما تكن لغيره، يموت بدل المرة ألف عندما يتخيل ذلك!..


الآن بعد أن استمع إلى حديثها وموافقتها بالزواج من ذلك الغبي، الذي يكبرها بخمسة عشر عامًا غير كل العيوب المتواجدة به لا يستطيع وصف شعوره، لا يستطيع أن يحدد ما الذي يحدث داخل قلبه..


هل داخله نيران تشتعل بحرارة تحرق وحدها من يمر أمامه، أم هناك براكين تثور داخله تجعله غير قادر على الوقوف أمامهم.. ربما ما يشعر به حقًا هو خنجر ضرب منتصف قلبه على عين غرة جعل عينيه الرمادية يختفي بريقها اللامع..


لقد وافقت على الزواج بجدية شديدة تحت أنظاره ووقفت أمامه وتحدثت بهذا، إذًا من تلك التي رفضته لأسباب كثيرة وأولها وجود الحُب!..


أخفضت بصرها إلى الأرضية وتحدثت بصوت خافت خجل بعد أن وضعت يدها أمام صدرها تحتضن نفسها بعد ذلك الموقف السخيف الذي وُضعت به:


-إحنا آسفين لازعاجك، ده سوء تفاهم بيني وبين جمال 


توسعت عينيه بدهشة وهو ينظر إليها ويستمع حديثها، ابتلع أشواك عدة وقفت بحلقه فتحركت تفاحة آدم وبرزت بعنقه مع عروقه الغاضبة، هتف بجدية متسائلًا باستغراب ودهشة:


-أنتِ بتتكلمي من عقلك؟. بجد موافقة تتجوزي مسعد؟!.


رفعت عينيها العسلية إليه وهناك خلف جفنيها دموع حبيسة كثيرة تريد الفرار، والحزن طاغي عليها وقد لمحة هو دون مجهود، أجابته بجدية وهدوء دون تردد:


-آه موافقة 


دقق النظر بها وداخله يشتعل، يحترق، ماذا يفعل؟. كيف سيمنعها من ذلك؟ أخفض بصره إلى الأرضية ثم رفعه بهدوء واستأذن منهم جميعًا وخرج دون أن يتفوه بحرفٍ واحد، قلبه به شيء لا يعلم ماهيته، ربما نيران ثائرة، أو ثلوج تريد أن تأتي به، ربما جُرح بشدة وداخله ينزف.. كثير من التعبيرات تمر عليه وهو لا يحدد


ما الذي حدث!.. كيف لها أن توافق، كان عازم أمره على حل مشكلته مرة أخرى دون الرجوع أمام والده ليحظى بها بعد الحديث الذي قاله لها على السطح، لما تعجلت وبخرت كل شيء؟ لما فعلت ذلك وهي لا تطيق مسعد من الأساس..


خرج من شقتهم ولم يصعد إلى الأعلى بل عاد بادراجه مرة أخرى وهو لا يدري إلى أين يذهب من الأساس..


بينما في الداخل أغلقت "مريم" الباب خلفه ووقفت تنظر إلى "هدير" هي ووالدتها التي تقدمت منها بهدوء عازمة على توبيخها للموافقة على "مسعد" وستمنعها أيضًا من فعل ذلك مهما حدث، ولكنها توقفت عندما استمعت إلى ولدها يتحدث بابتسامة بلهاء وانتصار وهو يزيل الدماء بجانب فمه:


-جدعه يا دودو تعجبيني كده، يابت دا إحنا هناكل الشهد منه حكمي عقلك يا خايبه 


تقدمت منه والدته سريعًا دون سابق إنذار، أخذت حذائها البيتي من قدمها ثم انهالت عليه بالضربات به وهي تصرخ عليه بشدة بسبب قهر قلبها منه:


-شهد ايه يا كلب يا خسيس، بترمي أختك في النار يلي معندكش دم يا رمه


جذبتها "هدير" سريعًا وهي مستمرة في ضربه وهو يحاول الفرار منها حيث كانت ممسكة به من ياقة قميصه باليد اليسرى بينما اليمنى تقوم بضربه بها، أخذت منها الحذاء ألقته أرضًا وتحدثت بجدية وصوت عالٍ أمامه:


-أنتِ بتردي عليه ليه سيبيه براحته 


تقدمت "مريم" منهم وهتفت بحدة متسائلة:


-يعني ايه تسيبه براحته؟ أنتِ عايزاه يبيعك لمسعد 


استدارت تنظر إليه لتراه يقف يوزع بصره عليهم جميعّا والغضب يظهر عليه بوضوح، بسبب حديث والدته وشقيقته الصغرى والتي تحاول أن تؤثر على قراراها في الزواج منه، تحدثت بجدية وحدة غريبة تشابه التهديد وكأنها تتحدث إلى "مسعد" وليس شقيقها:


-أنتَ مفكر الكلمتين اللي قولتهم والاسطى جاد هنا هيتنفذوا؟.. تبقى غلطان أنا قولت أنا موافقة بس علشان مدخلش حد غريب بينا لأن إحنا أخوات ومش عايزة حد في الحارة يسمع عننا حاجه لكن أنتَ لو مسكت سلك الكهربا مش موافقة ولو طولت معايا في الموضوع ده واللهِ العظيم هروح أبلغ عنك وعنه بالزفت اللي بتبيعوه.. وأنتَ عارف إني أقدر ومش هيتهز شعره مني 


نظر إليها بحدة وعصبية والغضب قد أعمى عينيه، كونها تقف أمامه هكذا وتتحدث بهذه الطريقة الفظة المُهددة إياه، جعله يود أن يخنقها بيديه أو يأخذها ليسلمها لمسعد وينتهي من أمره تمامًا، ماذا سيفعل معه الآن!. ومن أين سيأتي بالمال؟. 


توجه إلى باب الشقة وخرج منه فذهبت خلفه وصاحت بصوتٍ عالٍ حاد:


-في ستين داهية  


أغلقت الباب بقوة في وجهه جامعة إياه يصدر صوتًا عاليًا ثم دلفت إلى الداخل ومن ثم إلى غرفتها وأغلقت بابها خلفها مرة أخرى دون التحدث مع أحد..  


                             ❈-❈-❈


أذنت العشاء فخرجت من غرفتها لتتوضأ ثم دلفت مرة أخرى وقامت بالصلاة بهدوء وخشوع وكانت عينيها تدمع وحدها وهي بين أيدي الله، وقلبها يناجيه ليخفف عنه ذلك الحمل الثقيل الذي وقع عليها وهي لا تستطيع حمله.. 


انتهت من الصلاة وجلست كما هي على سجادة الصلاة تستغفر ربها على أصابع يدها، ومن بعدها تصلي على سيدنا محمد، عدة مرات متتالية كثيرة إلى أن انتهت ووقفت على قدميها رافعة السجادة من على الأرضية ووضعتها على الفراش متجهة إلى خزانة ملابسها البسيطة في غرفتها وقامت بأخذ عباءة سوداء واسعة، بدلتها مع إسدال الصلاة ووضعت حجابها متجهة إلى الخارج..


رأتها والدتها خارجة من غرفتها بتلك الهيئة فسألتها باستغراب عاقدة ما بين حاجبيها:


-على فين يا هدير 


-رايحه لرحمة أقعد عندها شوية 


أردفت والدتها بجدية وهي تقف على قدميها من على الأريكة في الصالة:


-رحمة كانت هنا المغرب خليكي لبكرة ابقي روحي بدري شوية


نظرت إليها بانزعاج ثم هتفت برجاء وقد قاربت على البكاء وهذا لأتفه الأسباب:


-علشان خاطري سيبيني يا ماما.. سيبوني اتفك شوية 


أومأت إليها والدتها بحزن وهي تعلم ما الذي يجول داخلها من حزن وقهر لما يفعله شقيقها بها ومن المفترض أن يكون هو السند والعون لهم..


خرجت من المنزل لتمر على ورشة مالك قلبها ومدمر أحلامها، مالك الحب الكامن داخلها، ومُسبب الحزن الدائم لها، رأته يجلس أمام الورشة بيده كوب شاي وجواره ابن عمه وشقيقه "سمير" يضع نظره في هاتفه، نظرت إليه وهي تمر أمامه والحزن يرتسم على ملامح وجهها بالكامل وعينيها تناجيه بضعف وقلة حيلة ليفعل شيء ينتشلها من كل هذا ويقول أنها ستكون له..


وهو عندما رآها خانته عيناه ونظر إليها وعليها، وأشبع نظره منها قائلًا لنفسه أن بعد ذلك لن يستطيع أن يرفع عينيه بها، لن يكن له الحق في النظر إلى عسلية عينيها، ولن يكن له الحق في السؤال عنها، ستكون زوجة رجل آخر!.. لقد احرقه الشوق كل هذه السنوات وازداد الحريق داخله ليصل معها إلى هذه النقطة!.. إنها السخرية بحق..


أكملت طريقها بهدوء شديد متوجهة إلى منزل صديقتها "رحمة" الذي يبتعد عنهم بسير عشر دقائق لتفرغ ما لديها من حديث لا يجوز أن يخرج من الأساس ولتبتعد عن المنزل وعن الجميع وعلى رأسهم "جاد".. 


                             ❈-❈-❈


في منزل من منازل الأثرياء والذي يظهر عليهم ذلك وبشدة، منزل المذيعة الشهيرة "كاميليا عبد السلام" تُقام الحرب بينها وبين زوجها "عادل شرف" في غرفتهم وبينما جميع الخدم في الأسفل يقفون في ردهة المنزل ليستمعون إليها وإلى صراخها على زوجها يبتسمون بسعادة وتشفي لأجل ما يحدث معها وكأنهم يأخذون حقهم بتلك الابتسامة المخفية عنها..


وقفت أمامه في وسط الغرفة تشير بيدها إليه من الأعلى إلى الأسفل باشمئزاز: 


-بص لنفسك يا جربوع وأعرف إن كامليا عبد السلام هي اللي عملتك وعملت الراجل الناجح اللي كل الناس شيفاه أنتَ كنت حتة عيل لا راح ولا جه 


ابتسم بغل وحقد داخله ولكنه مقرر أن يجعلها تفقد أعصابها وتفقد صوابها ولن تأخذ منه ما تريد، أردف ببرود قائلًا:


-قولي مهما تقولي أنا سامعك 


تقدمت منه بحدة وهي لا تستطيع تمالك أعصابها بعد الآن وهو بكل هذا البرود، تريد التحرر منه يكفي الوقت الذي قضته معه إلى الآن:


-ما أنتَ لو كنت راجل زي بقيت الرجالة مكنش ده هيبقى ردك 


ابتسم ببرود مرة أخرى وهو يتكئ على يده ويضعها أسفل ذقنه: 


-وبعدين!..


صرخت بعلو صوتها مرة أخرى عليه بعد أن فاض كيلها منه: 


-أنتَ جبلة، حيوان، طلقني وخلي عندك دم يا بني آدم 


وقف على قدميه متقدمًا منها ثم وقف أمامها يبتسم ببرود واستفزاز، أمسك خصلة من خصلات شعرها ليعود بها إلى الخلف قائلًا:


-عندي سهرة جامدة صباحي أنا آسف مضطر أمشي وبعدين نكمل يا حياتي 


غمزها بعينيه بوقاحة وبرود وهو يحاول أن يجعلها تفقد آخر ذرة عقل بها حتى يجعلها تتعلم كيف يكون الحديث معه وكيف تقلل منه كلما سمحت لها الفرصة، خرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه ليستمع إلى شيء يحطم وأصدر صوت مزعج حاد، ربما ألقت المزهرية خلفه..


هبط الدرج ليرى الخدم كل واحدة تفر هاربة إلى عملها بعد أن استمعوا لصراخها وما يحدث معها، ابتسم داخلة لأنه سبب فرحة هؤلاء البسطاء مثله في يوم من الأيام!..


                              ❈-❈-❈


"في الساعة الواحدة صباحًا"


-امك وأبوك مش ناويين يرجعوا يابني ولا عجبتهم القعدة هناك


كانت هذه كلمات "جاد" لابن عمه وأخيه"سمير" سائلًا عن أهله الذين ذهبوا إلى بلدة والدته ولم يعودوا بعد..


أجابه "سمير" وهو يركل حجرة صغيرة وقعت أمام قدمه وهم يسيروا عائدين إلى المنزل:


-كلمتهم النهاردة وقالوا راجعين بكرة 


-يجوا بالسلامة 


ابتسم "سمير" وهو يتذكر ماتش الكرة العائدون منه الآن بعد فوز فريقهم على الفريق الآخر وتحدث بسخرية وتهكم:


-شوفت سلامة عمل إزاي بعد ما خسر، مش عارف أنا ليه الثقة الزايدة اللي في الواحد دي


ابتسم "جاد" هو الآخر بسخرية متذكرًا تحدي المدعو "سلامة" لهم متوعدًا بالفوز، لم يكن يريد الذهاب وأراد المكوث في المنزل فقد غلبه الحزن والإرهاق ولكن "سمير" الح عليه ليذهب معه ولم يتركه وحده حتى يجعله ينسى ما يمر به قليلًا وسيأتي الحل من عند الله دون مجهود..


رفع "جاد" يده ووضعها على كتف "سمير" من الخلف وهم يسيرون عائدون إلى المنزل ودلفوا إلى بداية شارعهم الذي كان خالي من المارة وتحدث قائلًا باتمان:


-متشكر يا عم سمير 


ابتسم الآخر وغمزه يعبث معه مردفًا:


-عد الجمايل يسطا جاد 


عاد بنظره إلى الأمام وهو يبتسم ثم وقعت عينيه على منزلهم ليرى والدة "هدير" وشقيقتها متجهين ناحيتهم، عقد ما بين حاجبيه باستغراب لخروجهم في مثل هذا الوقت على غير العادة واستمع إلى سؤال "سمير" المستغرب:


-مش دي أم جمال ومريم؟. رايحين فين في الوقت ده 


لم يكن الشارع به الكثير من الناس بل كانوا جميعهم في بيتهم وهناك فقط ثلاثة أو أربعة من الشباب وقلت الحركة به كثيرًا!


أنزل يده من عليه وأسرع في خطاه متقدمًا منهم ليقف أمامهم هو وابن عمه سائلًا إياهم باستغراب وجدية:


-انتوا رايحين فين يا أم جمال.. الوقت متأخر وأنتِ عارفه المنطقة مش كلها أمان 


أجابته بحزن وضعف لا تستطيع أن تتصدى له، إن تغلب عليها سيأخذ حياتها معه، أردفت بلهفة وخوف:


-واللهِ ما كُنا خارجين يابني دي هدير هي اللي خرجت ومرجعتش لدلوقتي 


خفق قلبه داخل أضلعه، وبرزت عينيه بخوفٍ شديد ورهبة داخله عملت على توتره وقد ظهر هذا عليه أمام الجميع ليردف بحدة متسائلًا:


-مرجعتش يعني ايه دي الساعة واحدة! راحت فين أصلًا


أجابته "مريم" بخوف شديد على شقيقتها ورفيقة روحها:


-خرجت من بعد صلاة العشا قالت هتروح لرحمة صاحبتها ونسيت تلفونها في البيت ورحمة تلفونها مقفول حتى جمال معرفناش نوصله فخرجنا نروحلها نشوفها 


أردف بحدة وعصبية وهو ينظر إليهم نظرة جامدة وقلبه يتلوى داخله:


-من بعد العشا ومستنين ايه!. مستنين الفجر


أبتعد عائدًا مرة أخرى ليتوجه إلى بيت صديقتها بيت "المغازي" وأردف بحدة وهو يبتعد:


-ارجعوا وأنا هشوفها.. سمير رجعهم البيت 


أردف "سمير" بجدية مُجيبًا إياه وهو يشير إليهم بالابتعاد:


-هرجعهم واجيلك 


ذهب معهم ليعيدهم إلى المنزل ويذهب إليه سريعًا وداخله يدعوا الله أن لا يكون حدث لها شيء فهو يعلم أن هناك مكان رديء تمُر عليه في الذهاب والعودة..


                            ❈-❈-❈


-بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يارب سلم 


تحدثت "هدير" بينها وبين نفسها في طريق العودة إلى المنزل بقلق وهي ترى الحارة فارغة من البشر على غير العادة، لقد كانوا دائمًا مستيقظين إلى وقت متأخر لما اليوم بالتحديد لا يوجد أحد إلا القليل!..


عندما ذهبت إلى صديقتها اكتشفت أنها قد نسيت هاتفها في المنزل، جلست معها وافرغت كل ما كانت تريد أن تخرجه من قلبها مصاحبه البكاء الحاد ثم غفت في أحضانها على فراشها ولم تستيقظ إلا الآن!، وبخت "رحمة" على تركها إياها إلى هذا الوقت بالأخص أنها تعلم أن هاتفها قد وقع منها وكُسر ولن تستطيع أن تتواصل مع والدتها لا من هاتفها الذي تركته ولا من هاتف "رحمة" المُحطم.. 


خرجت سريعًا وألحت عليها "رحمة" كثيرًا أن تقوم بتوصيلها ولكنها لم توافق لأن لا يوجد أحد بالمنزل سوى والدتها، وذهبت هي وحدها في هذا الوقت..


كانت تسير بسرعة وقلبها يخفق بقوة مستغربة لما اليوم بالتحديد لا يوجد أحد خائفة فقط من مكان واحد ستمر عليه يسمى عندهم بـ "الخرابة" وهو مكان مهجور يجمع كل تالف في حارتهم، تعلم أن ذلك المكان يحدث فيه أشياء محرمة بين الشباب بداية من شرب الممنوعات إلى أشياء أكثر سوءاً.. 


ولم تكن تعلم أن الأسوأ ينتظرها كلما اقتربت من هناك!..


في ذلك الوقت كان "مسعد" يجلس "بالخرابة" وحده يتعاطى الأشياء الذي يقوم ببيعها للشباب وقد توجه إلى هناك قبل ساعة بعد أن أخبره "جمال" بما حدث بينه وبين شقيقته من رفض تام للزواج منه وله..


وكأن القدر يخطط لشيء خفي بدايته حظها العثر!.. ولكن هل يستمر؟..


وقف "مسعد" ثم تقدم إلى الخارج يقف على أعتاب الباب الكبير وبيده سيجارة هو من فعلها ليضع بها ما يريد يفكر بتلك الفتاة التي عذبته وكيفية الحصول عليها..


ترفع رأسها للسماء عاليًا ولم تنظر له وهو الذي أراد لها كل خير معه، حقًا كان سيفعل المستحيل لارضائها ولكن الآن!.. فقط يحصل عليها وسيجعلها تتمنى الموت كل يوم في بيته مما سيحدث لها..


نظر إلى البعيد وضيق عينيه بدقة لينظر إلى القادمة هناك وقد تبين أنها هي!.. يا للسعادة التي حلت عليه، كيف هكذا تقع فريسة أسفله بهذه السهولة، اعتقاده أنه تخطيط إلهي، ولا يعلم أنها بداية أعماله السيئة، توارى خلف الباب سريعًا والابتسامة البشعة ظهرت على شفتيه مظهره أسنانه الصفراء، الفرحة دقت بابه بقوة، لقد تمنى هذا الأن فقط وأتت بقدميها إليه، أخرج من جيبه حبه صغيره وابتلعها في لمح البصر ولمعت عينيه لمعة شيطانية وكأنها التي كانت تستعيذ منه الآن..


توارى في الداخل حتى لا تراه فإنها إذا رأته حتمًا ستعود إلى المكان التي أتت منه راكضه، ولا تترك له الفرصة في فعل ما يريد، أما الآن فلترى الجحيم وما بعده!..


تركها تمر من أمامه وهو خلف الباب ثم بعد ذهابها بخطوة واحدة خرج سريعًا إليها يقف خلفها حاملًا إياها من خصرها من الخلف بيد واليد الأخرى وضعها على فمها ليكتم صراخها ولا يستمع إليها أحد..


وقع قلبها بين قدميها عندما شعرت بمن رفعها عن الأرضية كاتمًا فمها بيده، حاولت أبعاد يده عنها بيدها الاثنين وحركت جسدها وقدميها في الهواء بحركات هوجاء لتفلت نفسها منه ولكنها لم تستطيع..


عاد بها إلى مكانه داخل "الخرابة" وأغلق ذلك الباب الكبير بقدمه مرتين ليغلق بينما هي خرجت الدموع من عينيها بغزارة شاعرة أن النهاية تقترب محاولة الفرار منه وهي تدفعه بيدها وأقدامها ولكن دون جدوى..


ألقاها على الأرضية بحدة فوقعت تتألم ولكن لم تبقى على ذلك الوضع فاستدارت سريعًا لتنظر إليه وترى من هو ولتكن الصدمة من نصيبها، وقفت على قدميها سريعًا حتى لا تعطي له الفرصة ليفعل أي شيء بها وصرخت به بغضب وهي تبكي:


-أنتَ عايز مني ايه 


مال رأسه على كتفه وغمز إليها بطريقة مقززة قائلًا بصوتٍ خافت وهو في حالة اللاوعي:


-برنسس الحارة!.. مش قولتلك هناكل الشهد سوا  


عادت إلى الخلف والخوف يقرع داخل قلبها وعينيها لا تستطيع الرؤية بوضوح من كثرة البكاء ثم نظرت إلى الممر الذي دلف منه والذي يؤدي إلى الباب وداخلها تعلم أنه ليس بوعيه وإطالة الحديث معه ربنا تأتي بالضرر عليها..


-أنا هعمل اللي أنتَ عايزة بس سيبني أمشي 


استمعت إلى ضحكاته العالية بمظهره المقزز والذي تشمئز منه وأردف قائلًا وهو ينظر إليها من الأعلى إلى الأسفل ويراها تجذب حجابها عليها بقوة:


-هو كان دخول الحمام زي خروجه 


ركضت سريعًا من أمامه متوجهة إلى الخارج وداخل مخيلتها تقول أنها ستهرب منه ولكن ربما هذا من تدبير القدر!؟...


أمسكها مسعد دون مجهود فقط أخذ خلفها خطوة واسعة وأمسك بها من حجابها جاذبة بشدة لينقطع الحجاب بسبب الإبر المثبتة به، لف يده حول خصرها دافعًا إياها على الأرضية مرة أخرى وأسفلها القش ثم جسى فوقها سريعًا محاولًا نزع عباءتها ورفع الحجاب عن خصلاتها بالكامل..


دفعته بيدها بحركات هوجاء وهي تصرخ بأحد ينقذها من الخارج، أخذت تتململ أسفله وهي تدفعه عنها بيدها وتحرك رأسها يمينًا ويسارًا حتى لا تسمح له بتقبيلها ولكنه كان الأذكى والأقوى:


-يا زبالة أبعد عني.. الحقوني، بالله حد يلحقني 


أحكم قدميها بقدميه الاثنين ثم أخذ يدها الاثنين رافعًا إياهم أعلى رأسها بيده قائلًا بتباهي وعينيه لا تبشرها بالخير أبدًا:


-براحتك بقى.. انشالله تصوتي من هنا لبكرة 


بصقت بوجهة وهي تبكي وتنتحب بشدة وقلبها قارب أن يقف عن العمل وأخذت تصرخ بأحد في الخارج لينقذ ما تبقى منها، وبداخلها "جاد" وكيف سترفع وجهها به بعد الآن ومازالت تصرخ به أن يبتعد وتصرخ بأن ينقذها أحد إلى أن شعرت أن حبالها الصوتية تأذت كثيرًا ومع ذلك استمرت في دفعه عنها والصراخ مدافعة عن روحها وكم كانت روحها نقية بريئة ولم تستطع التصدي له..


بينما هو لم يتوقف هنا عازمًا أمره على إنهاء ما بدأه لو ماذا فعلت!..


 تكملة الرواية من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close