أخر الاخبار

رواية في قبضة اللعنات البارت العاشر حتي البارت الخامس عشر بقلم مريم غريب

رواية في قبضة اللعنات البارت العاشر حتي البارت الخامس عشر بقلم مريم غريب 


رواية في قبضة اللعنات الفصل العاشر حتي البارت الخامس عشر بقلم مريم غريب



رواية في قبضة اللعنات البارت العاشر حتي البارت الخامس عشر بقلم مريم غريب


 ( 10 ) (11) (12) 

_ إختفاء ! _


جلست "يمنى" بجوار جدتها بعد أن أعطتها حبة دوائها بصعوبة، ظلت تهدئها و تربت على كتفها بلطف محاولة الظهور بمظهر المتماسكة على عكس ما هي عليه حقيقة


بينما تذرع "يسرا" غرفة المعيشة جيئة و ذهاباً و هي تتحدث عبر الهاتف بعصبية :


-بقول لحضرتك أمي مختفية بقالها إسبوع. أنا كنت مسافرة و أختي كانت هنا عند جدتي.. هي إللي كلمتني و قالتلي.. يعني إيه نرجع نلاقي الشقة مكسورة و هي مش جوا؟ .. طيب راحت فين و حصلها إيـه ؟.. أومال مين المسؤول يعنـي !!!


و أغلق الخط


ليس من عندها، بل المتحدث الآخر، ضاق ذرعاً بمخاطبتها الحادة فأنهى المكالمة ...


-الله يلعنكوا كلكــوا !!


صرخت "يسرا" في الهاتف، ثم رمته بعنف تجاه الحائط، فسقط متفرقاً لعدة قطع !


-المحامي قالك إيه يا يسرا ؟! .. خرج هذا السؤال من فم "يمنى"


ردت "يسرا" بنفس لهجتها الجلفة دون الإلتفات نحو شقيقتها :


-الزفت قال الموضوع مش في إيده يا حبيبتي. قال النيابة بتحقق و هو مش مسؤول دلوقتي


-يعني إيـه ؟!! .. هتفت الجدة... "ميرڤت" و الجزع بادياً عليها بشدة


-أمكوا راحت يعني ؟ حصلها إيه حد يفهمني !!!


واصلت "يمنى" تهدئتها و هي تقول :


-إهدي بس يا تيتة.. إن شاء الله هانلاقيها بس إهدي يا حبيبتي


-إهدا إيه ؟ و إهدا إزاي ؟ يارا جرالها حاجة. أنا قلبي حاسس بنتي جرالها حاجة !! .. و تدفقت دموعها الحبيسة مع تخاذل نبرة صوتها الثابتة


إحتضنتها "يمنى" و هي تبكي معها و قد إنهارت قواها على الأخير، لم تحسن الإستمرار في دور التماسك هذا أكثر، راحت تجهش ببكاء شديد


لم تتحمل "يسرا" بكائهما المتزايد، فصاحت بإنفعال :


-خلاص بقى. كفاية. كل يوم على الحال ده. حرقة دم و عياط. لازم نتصرف لازم نشوف حل !


لم تردا عليها و إستمرا في البكاء، لتقول و هي ترتعش من قمة الغضب :


-إحنا سألنا كل إللي نعرفهم عنها. الأصدقاء و الأعداء. بس ماسألناش الشخص إللي كان لازم يتسئل أول واحد !


و هنا إنتبهت لها "يمنى"، إبتعدت عن جدتها و نظرت إليها متسائلة بإهتمام :


-هو مين ده يا يسرا ؟؟


يسرا بغلظة : النجم. الـSuper Star إللي كان لازق لأمك ياختي في الفترة الأخيرة. سفيان عز الدين !


-قولتي مين ؟ سفيان !! .. هكذا تساءلت "ميرڤت" بدورها و قد أجبرتها الصدمة علي الكف فوراً عن النحيب المرير


نظرت إلى حفيدتها منتظرة إجابة، فقالت "يسرا" بلهجة نزقة :


-أيوه يا تيتة. للآسف ماكنتش أحب أبلغك حاجة زي دي. بس تقريباً الدنيا كلها عارفة و الخبر كان منشور من فترة في الجرايد و المجلات.. ماما كانت متصاحبة على سفيان عز الدين. المغتي المشهور ده لو تسمعي عنه. ممكن جداً تكون معاه !


لم يستوقف "ميرڤت" أي شيء حكته "يسرا" بقدر ما إستوقفها الإسم الذي نطقته، لتستوضح عنه أكثر بإلحاح :


-الراجل إللي إسمه سفيان ده شاب و لا راجل كبير ؟ و إسمه إيه بالكامل ؟؟؟


زفرت "يسرا" بضيق و هي ترد على الأسئلة التافهة من وجهة نظرها :


-يا تيتة بقولك مغني و Super Star. يبقى أكيد شاب و محبوب جداً كمان. و إسمه بالكامل سفيان عمرو عز الدين


سكتت "ميرڤت" تفكر في الذي سمعته، بينما تقول "يمنى" مجادلة شقيقتها :


-بس يا يسرا إختفاء ماما مش طبيعي. باب الشقة كان مكسور. ده مالوش غير معنى واحد إللي إحنا عارفينه. و ماظنش إللي إسمه سفيان ده يعمل كده. ليه و إيه مصلحته ؟ و لا إنتي إيه رأيك يا تيتة ؟ .. و نظرت إلى جدتها


لم تكن الجدة هنا في تلك اللحظات، كانت مستغرقة في التفكير، أي صدفة هذه ؟ و كيف لم تخبرها إبنتها أمراً كهذا ؟ لو حقاً ما تفكر فيه صحيحاً !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


بدأت "يارا" تستيقظ... عندما شعرت بلمسات أحدهم على بشرتها، و خاصةً وجهها، فتحت عينيها بتثاقل، لتراه ماثلاً أمامها و على وجهه تلك الإبتسامة الواثقة التي تذكرها جيداً


تآففت بضيق شديد و سحبت الغطاء عليها و هي تقوم نصف جالسة فوق الفراش.. كان يجلس أمامها و حاولت الوصول إلى روب المنامة التي أعارتها "وفاء" إياها، لكن للأسف وجدتها ملقاة خلفه تماماً، فإستسلمت لإعتداء نظراته الفاحصة الجريئة لتفاصيل جسمها الذي لا يغطيه سوى تلك القطعة الصغيرة من ثياب النوم ...


-صباح الخير يا حبيبتي ! .. دمدم "سفيان" بصوت حنون تعرف تماماً درجة تظاهره به


فهو ممثل ماهر، لا نظير له في التلاعب بالمشاعر و الأعصاب، لكن ليس معها، على الأقل الآن، ربما قديماً، لكن في الوقت الراهن، لا ثم لا ...


-و في خير ممكن يبقى موجود معاك في مكان واحد !


و كالمتوقع أضحكته جملتها الهزلية، مد يده نحو وجهها و هو يقول بنعومة :


-كل الخير هاتشوفيه على إيدي. لو لينتي دماغك و سمعتيني كويس. كل حاجة هاتتصلح


هتفت "يارا" بحدة و هي تقاوم كفه المحتضن خدها :


-إنت شكل أعراض الشيخوخة ظهرت عليك. مابقتش مركز و لا عارف أنت بتقول إيه.. أنا الشيء الوحيد إللي مانعني دلوقتي أتعامل معاك و أخد حقي منك هو إبني. أبعت هاته لو سمحت


سفيان بجدية : مش من مصلحتك خالص إنك تقابليه دلوقتي. قولتلك هو محتاج يفصل شوية و يكون لوحده. بعدين هايجي من نفسه .. و أكمل بتهكم :


-ما هو مش معقول يقدر يبص في وشك قبل ما يتخطى إللي حصل. لو بص هايشوف إيه و مين ؟ أمه و لا الست إللي كانت عايزة آ ا ..


-إخــرس ! .. صاحت بغضب


-ما إنت السبب. إنت السبب في كل إللي حصلي و حصله. حرمتنا من بعض. حرقت قلبي عليه. و خليت واحدة مستهترة ماتسواش زي بنتك تاخده و تربيه


سفيان بتحذير هادئ :


-إتكلمي عدل طيب. لما تجيبي سيرة بنتي. و ياريت ماتتكلميش عنها خالص لو مش هاتعرفي تظبطي لسانك إللي نسيت أقصهولك قبل ما إمشي ده


يارا بتبجح : إنت فاكرني خايفة منك و لا إيه ؟ الشويتين بتوعك دول كانوا ممكن يأثروا فيا زمان إنما دلوقتي لأ. خلاص يا سفيان باشا. مابقتش العو إللي كنت بترعب منه


رفع حاجبه و هو يتأملاها بناظريه، التحدي السافر الذي يملأ عينيها حاز على إعجابه فوراً، فقال :


-علمتك.. و فلح فيكي العلام. براڤو يا يارا. بجد فخور بيكي أوي


و ضحك


-آه بس علامك ده للأسف مافلحش في بنتك الغالية. بعدك عنها عمل منها نسخة منك. بس نسخة رخيصة أوي. كنت فاكر إنك بتحميها. بس شفت بقى إنك إتقرطست و ضحيت على الفاضي ؟ .. هكذا هزأت به مبتسمة بسخرية


-بنتك المحترمة. ماشية مع خطيبها الأولاني. و بيتقابلوا في شقة مفروشة


لم تتوتر إبتسامته الباردة أبداً، و رد عليها بمنتهى الهدوء :


-إنتي عارفة أنا حتى لو شوفت ده بعيني مش هاصدق بردو. ثقتي في ميرا مالهاش حدود يا حبيبتي. دي بنتي. بنتي أنا


يارا بإبتسامة شامتة :


-ما هي عشان بنتك و الله. و سنين حياتك و عمرك كله. فاكر الكلام ده ؟ مش عارفة ليه حاسة إنك هاتقضي على حياتك قريب. ده لو في حمية يعني فاهمني !


إبتسم من جديد و إقترب منها قائلاً بخبث :


-إنتي تحمدي ربنا إن الحمية دي ماظهرتش لحد دلوقتي. و إلا كانت رقبتك طارت أول واحدة. يا مدام ياللي روحتي إتجوزتي و جوزك عايش !


و طوق خصرها معتقلاً إياها بين ذراعيه في عناق حار ...


-إنت أكيد مجنون. إبعد عنـي !!


لم يؤثر فيه صراخها المعترض أو مقاومتها الشديدة، مما أذهلها، أن يكون محتفظاً بقوته حتى الآن، بل يبدو أنها إزدادت، حتى أن لياقته لا تزال كما هي تقريباً !!!!


-أنا جوزك يا قلبي ! .. قالها ضاحكاً


يارا بعصبية : جوزي رؤوف الزيني مات. أنا ماعرفكش و مافيش حاجة تثبت إنك كنت جوزي


لصق فمه بأذنها و همس دون أن يفلتها :


-لأ فيه. ماتخافيش أنا بحتفظ بكل حاجة. إنتي لسا مراتي. أنا ماطلقتكيش


لم تتوقف عن المقاومة لحظة واحدة و هي ترد عليه :


-حتى لو كلامك صح. القانون و الشرع يسمحولي بالطلاق منك و الجواز من أي حد بعد المدة إللي غيبتها. أنا دلوقتي مش مراتك. و إنت عمرك ما هطول مني حاجة طول ما أنا حية. و المرة دي أنا أد كلامي يا باشا.. و دفعته عنها مستخدمة كل قوتها


لكن للأسف لم تفلح قوتها أبداً أمام قوته، لولا أنه أفلتها بإرادته بعد أن بدأت قواها تخور... قامت من السرير على الفور و إتجهت نحو روب المنامة، إرتدته بسرعة و هي تخاطبه بإقتضاب :


-أنا عايزة أمشي من هنا. أحسنلك تسيبني أمشي قبل ما الموضوع يكبر


قام "سفيان" هو الآخر و إستدار نحوها، وضع يديه في جيبيه و هو يقول بإبتسامة فاترة :


-واضح إن إنتي مافهمتيش معنى ظهوري تاني. أنا ماكنتش مخطط أرجعلك و لا أخليكي تعرفي الحقيقة دلوقتي. حتى لما أتجوزتي على فكرة. قررت أسيبك في حالك. قلت أسيبك تعيشي حياتك يمكن تنسي إللي حصلك على إيدي.. لحد ما وصلني إللي عملتيه في جوزك. ساعتها عرفت إنك مانستيش و لا عمرك هاتنسى. و كنت واثق إن كل ده هايحصل. كنت قاعد مستني. و فعلاً حصل. و أديني رجعتلك. عارفة يعنى إيه رجعتلك ؟ عمرك ما هاتقدري تتخلصي مني تاني. خلاص كان Option لمرة واحدة و خلص


-يبقى هاقتلك ! .. غمغمت بشراسة


قهقه "سفيان" قائلاً :


-أتمنى يبقى عندك الجرأة لحاجة زي كده طبعاً. بس أنا واثق إن حماسك مؤقت ! ..و تابع ضحكه و هو يمضي نحو الباب


قال قبل أن يخرج بينما تقف مكانها و هي تحدق فيه بكراهية عمياء :


-أنا كنت طالع أصحيكي عشان نفطر سوا. بس الظاهر مودك مايسمحش.. مش مشكلة هستناكي على الغدا. لو ماجتيش هاجيلك أنا


و أرسل لها قبلة في الهواء :


-باي يا روحي ! .. و أغلق الباب خلفه


-طلعت روحك !! .. تمتمت بغيظ شديد، و أكملت بتوعد :


-و حياة بنتك لتشوف هاعمل إيه. فيك و فيها. و بإيدك إنت يا سفيان يا داغر ! ............ !!!!!!!!!!!!!!!


❤❤❤


( 11 )


_ إنتقام ! _


وقفت "ميرا" خلف ستار الشرفة الشفاف، تراقب زوجها و هو يتريض كعادة كل صباح بالخارج حول باحة المنزل


كانت تمسك بهاتفها تتحدث بنفس الوقت بصوت خافت تلقائياً :


-الوضع مش مستقر أبداً يا يوسف. أنا مش عارفة أعمل إيه. بجد تعبت خلاص !


إستمر صوته المهدئ في مواطئة مشاعرها القلقة :


-يا ميرا قلقك مش حل. إهدي شوية يا حبيبتي. إن شاء الله كل حاجة هاتبقى كويسة


هزت رأسها قائلة بلهجة يائسة :


-مش حاسة بكده خالص يا يوسف ! .. و إستدارت فجأة ماضية نحو آريكة الصالون


ألقت بثقلها فوقها و هي تستطرد حاجبة وجهها بذراعها :


-سفيان وحشني أوي. أول مرة يبعد عني أوي كده. أول مرة ماسمعش صوته مدة زي دي !!


-حبيبتي لازم تقدري وضعه. إللي سمعته منك أنا نفسي مش قادر أستوعبه لحد دلوقتي ما بالك هو.. لازم ياخد وقته و يبعد عن الضغوطات دي كلها فترة. هو عمل الصح لما بعد


غمغمت "ميرا" بلوعة حارقة :


-بس أنا مش قادرة على البعد ده. قلبي مكسور عليه. ده إبني يا يوسف. إنا ماعنديش غيره


-طيب معلش. هدي نفسك عشان خاطري هايرجعلك. صدقيني مايقدرش يكرهك و لا يبعد عنك زي ما إنتي فاكرة


ميرا بمرارة : ياريت.. ياريت مايبعدش عني على الأقل. إنما واثقة إنه بقى بيكرهني. أكتر من الأول !


طمست الجدية لهجة "يوسف" و هو يرد عليها :


-بصي يا حبيبتي. الحالة إللي إنتي فيها دي ماتنفعش و مش عجباني. و بعدين أنا شايف إن محدش مهتم بيكي خالص الفترة دي. إسمعي. تعالي بكرة على البيت. بيتنا. إنتي أصلاً وحشاني أوي. قولي لجوزك إنك هتسافري في أي حتة يومين و نسافر أنا و إنتي. منها تريحي أعصابك و منها أشبع منك شوية. ها إيه رأيك ؟


ميرا بتفكير : مش عارفة يا چو !


-مش عارفة إيه بس يا حبيبتي. إسمعي كلامي. إنتي محتاجة تفصلي شوية. و بعدين أنا هاخدك لمكان هاتحبيه أوي. بعيد عن العيون و عن الدوشة. هانبقى مع بعض لوحدنا. مش هاخليكي تفكري في أي حاجة. صدقيني مش هاتندمي


تأثرت "ميرا" كثيراً بإقناعه السحري لها، دائماً يتغلب عليها هكذا و يملي عليها رغباتها بمنتهى السهولة


لم تحسن التفكير أكثر كالعادة، تنهدت بعمق ثم قالت مذعنة :


-خلاص يا چو. أوك أنا موافقة... هنسافر !


-هاتسافري مع مين يا حبيبتي ؟! .. جاء هذا السؤال من خلفها مباشرةً


تيبست للحظات، قبل أن تقول بصوت طبيعي منهية المكالمة :


-أوكي يا دودي. هاكلمك بالليل أكد عليكي. باي يا روحي ! .. و أغلقت الخط


قامت من مكانها و إلتفتت لترى زوجها.. "عمرو" قد فرغ من وصلة التريض، ها هو يقف أمامها يتصبب عرقاً إثر المجهود الذي بذله من بكرة الصباح، كان يمسح العرق بمنشفته الصغيرة و هو ينظر إليها منتظر ردها ...


لم تطيل عليه و قالت بلهجة ثابتة مع إبتسامة صغيرة :


-هاي يا حبيبي. كويس إنك جيت. دي داليا البدري لسا قافلة معايا. إتفقت معايا على سفرية للساحل يومين كده. لما عرفت إني مضايقة و في مشاكل و كده. أصرت تاخدني معاها أغير جو !


-هتسافروا لوحدكوا ؟! .. سألها عاقداً حاجبيه


ميرا برقة : لأ طبعاً يا حبيبي. بنت خالتها صاحبتي بردو هاتيجي معانا هي و ولادها الصغيرين


-إمم. و هاتقعدوا فين ؟ حاجزة آوتيل يعني ؟


-لأ هي عندها شاليه هناك. هايتفتح إنهاردة و يتوضب. و بعدين هانروح الصبح


أومأ "عمرو" و هو يطلق نهدة مطولة، ألقى المنشفة من يده و مضى صوبها قائلاً بصوته الهادئ :


-سافري يا حبيبتي. إنتي فعلاً محتاجة إجازة زي دي .. و طوقها بذراعيه و ضمها بقوة مكملاً :


-بس ماتتأخريش عليا. و كلميني كل شوية


إبتسمت "ميرا" على مضض و قالت :


-Sure يا حبيبي. أنا ماقدرش أفوت ساعة منغير ما أسمع صوتك !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


إنطلقت سيارة "سفيان الداغر"... الأب، بشوارع المدينة، تحت آشعة شمس الظهيرة، كان يقود بنفسه، و يجواره جلست "يارا" ملتزمة الصمت الهدوء


بينما تجلس "وفاء" بالمقعد الخلفي.. "وفاء"، شقيقته، لقد هرمت كثيراً، لكنها لا زالت صحيحة العقل و البدن، مثله تماماً، يالها من عائلة !!!


-يآااااه. مصر وحشتني أوي يا سفيان ! .. قالتها "وفاء" و هي تتطلع عبر النافذة على الإنشاءات العريقة و الطرق الحديثة


يرد الأخير دون يشتت تركيزه على القيادة شيء :


-أدينا رجعنا تاني يا وفاء. مش أنا وعدتك في يوم هانرجع ؟


-أيوه. مافيش أحلى منها و الله. مهما روحنا هي الأصل .. و نظرت نحو "يارا" متسائلة :


-إنتي مابتتكلميش ليه يا يارا ؟ أنا من ساعة ما شوفتك مانطقتيش معايا بكلمة !


صمت قصير... ثم قالت "يارا" دون الإلتفات إليها :


-بصراحة حاسة إن حواليا أرواح. و أرواح شريرة كمان. مش قادرة أصدق إنكوا رجعتوا تاني


و هنا ضجت السيارة بالضحك، ضحك كلاً من "سفيان" و "وفاء"... أدارت "يارا" عيناها بسأم، ليقول "سفيان" مسيطراً على ضحكه بصعوبة :


-طيب يا حبيبتي إنتي ممكن تشوفيها مستحيلة معايا أنا. لكن معقولة تخيلتي إني ممكن أقتل أختي ؟ شقيقتي ؟


هزأت به : و ليه لأ ؟ على أساس إنها حاجة غريبة عليك ؟ ما إنت قتلت إخواتك من أمك قبل كده


سفيان بحدة : سبق و شرحتلك الموضوع ده. دول ماكانوش إخواتي. دول كانوا زرعة نجسة أمي نفسها كرهاهم. الله يرحمها بقى


نظرت له في هذه اللحظة، و قالت بثقة :


-إللي أنا متأكدة منه إن ربنا لا يمكن هايرحمك إنت !


سفيان ببرود : دي حاجة بيني و بينه بقى. مالكيش دعوة إنتي


و تدخلت "وفاء" :


-الهدف من خطة سفيان كان قتل سامح بس يا يارا. و كنوع من أنواع الإنتقام مني أنا. قرر يبين اللعبة حقيقية بالنسبة لي كمان عشان يرهبني. باب الأوضة ماكنش ملغم و لا حاجة. و مسدس سامح كان فاضي. لحظة ما إتحركت أنا ناحية الباب عشان أفتحه خرجت الطلقة من مسدس سفيان. و إستقرت في دماغ سامح.. مات !


لفظت الجملة الأخيرة بصوت أبح، و أردفت بلهجة مهزوزة :


-مات و خرجت مع سفيان حية. فجّر المكان و في ثواني كانت كل حاجة عبارة عن كوم تراب.. سامح كان يستحق الموت. و يمكن أنا كمان !


-و أخوكي معاكي ياختي ! .. قالتها "يارا" بإستهجان


رمقها "سفيان" بنظرة جانبية و قال بخبث :


-مش بالسرعة دي يا قلبي. لسا ماشبعتش منك


قهقت بقوة قائلة :


-ده عشم إبليس ده مش كده ؟ .. و أكملت :


-المهم يعني و إنت مخرجني كده و عامل فيها الملاك الطيب واخدني أشوف أمي و بناتي. مش خايف أهرب منك ؟ أو أصوت و أفضحك و ألم عليك الناس ؟


أجابها بفتور : ماظنش بعد الذكاء الخارق إللي حل عليكي فجأة تعملي كده. لسبب بسيط جداً. إبنك. معايا. منغيري مش هاتعرفي توصليله و لا حتى تشوفيه


و هنا نظرت له بقوة، و قالت بصلابة :


-إنت خدته على فين ؟ إنطق إبني فين و عملت فيه إيه ؟؟!!


-إهدي كده بس. مالك ؟ ده إبني بردو هاعمل فيه إيه يعني ؟ مقعده في حتة كويسة و زي الفل. لما يهدا خالص هاخدك و نروحله. أو يمكن هو إللي يجيلنا. هانشوف !


و توقفت السيارة فجأة، نظرت "يارا" حولها لتجد أنها قد رصلت عند بيت أمها أخيراً... نظرت له مجدداً، كان يبتسم ببساطة و هو يقول لها :


-يلا يا حبيبتي إنزلي. هانستناكي نص ساعة. ياريت ماتتأخريش. عشان نلحق اليوم من أوله في بيت ميرا. أصلها هتسافر بكرة يومين و أنا أصلاً ماشوفتهاش من ساعة ما رجعت. يدوب أشوفها و أودعها بالمرة ......... !!!!!!!!!!!!!!!!


❤❤❤


( 12 )


_ صفاء ! _


إنفجرت "يمنى" صارخة فور رؤية أمها خلف باب الشقة، قفزت عليها و عانقتها في الحال و هي تهدل بعدم تصديق :


-مامـــي ! مامــــي حبيبتـي. إنتي كويسة ؟ الحمدلله. الحمدلله إنك رجعتي .. و أخذت تجهش بالبكاء لا شعورياً


راحت "يارا" تهدئها و تربت عليها بلطف و هي تقول :


-بس يا يمنى. إهدي يا حبيبتي مالك ؟ ما أنا قدامك أهو كويسة. إهدي يا قلبي ..


و هنا جاءت "يسرا" على صوت الجلبة هذه، تسمرت مكانها حين رأت والدتها، كانت تقف خلف أختها كالصنم، و ظهرت "ميرڤت" في اللحظة التالية، أقبلت بالكرسي المتحرك و لم يكن تعبيرها مختلف عن حفيدتها... لكنها قاومت مشاعرها و تحلت بشيء من القساوة في ملامحها و حركاتها


نظرت "يارا" نحوها، كلما رأتها تشعر بحنين جارف، فقد مرت سنوات و هي تنأى بنفسها عنها، تحرمها من حنان الأم و هي حية جزاءً لها على ما فعلته بزوجها


يا للغرابة !


أمها تناصر زوجها.. و تقف ضدها، و لكن مع هذا لا يمكن ألا تحبها، تحبها فقط، دون شروط أو متطلبات ...


-كنتي فين ؟


خرج السؤال من فم "ميرڤت" يزخر بالغلظة و الشدة


أبعدت "يارا" إبنتها عن حضنها برفق و مشت عدة خطوات نحو أمها و هي تقول :


-وحشتيني يا ماما. إزيك !


-بقولك كنتي فين ؟؟؟ .. كررت "ميرڤت" بغضب


إبتسمت "يارا" بحليمية، ثم قالت بهدوء :


-باركيلي. كنت بدور على إبني. و لاقيته !


عبست الجدة و الحفيدتين معاً بعد تلك الجملة، فأردفت "يارا" مؤكدة لهن بجدية مطلقة :


-لاقيت إبني يا ماما. لاقيت أخوكو إنتوا كمان.. سفيان عز الدين. المغني المشهور. يبقى إبني أنا !


و حل الصمت و السكون فجأة ....


بعد بضعة دقائق، تجلس "يارا" أمامهن، ما زالت تمضي في شرح الأمور.. كيف إختفت ؟ و أين كانت ؟... و صولاً إلى مجيئها الآن :


-إللي كنت فكراه ميت. طلع عايش يا ماما. هو و أبوه.. تخيلي ؟ بعد السنين دي كلها. يطلع عايش. إبني عايش و واحدة غيري إللي ربته. قال يا ماما لواحدة غيري و أنا حية. حرقة قلبي عليه كانت منغير تمن. عذابي و كل حاجة عملتها كانت منغير أي لازمة !!


-حضرتك عمرك ما جيبتي سيرة عن جواز أول في حياتك ! .. كان هذا صوت "يسرا"


نظرت "يارا" إليها و أجابت :


-ماجبتش سيرة لإن مافيش حاجة تثبته. كل الأدلة إختفت بإختفاء المجرم إللي كنت متجوزاه. بس دي الحقيقة إللي كان لازم تعرفوها فعلاً.. حقكم عليا. خبيت. بس كنت معذورة. كنت هاقول إيه ؟ و ليه ؟ ما أنا كنت فاكرة إن الحاجة الوحيدة إللي صبرتني على مرارة الفترة دي من حياتي راحت. كنت فاكرة إن أخوكوا مات !


يسرا و هي تهز رأسها للجانبين :


-أنا مش قادرة أصدق إللي بسمعه ده


يارا مبتسمة : بس دي الحقيقة يا حبيبتي. إنتي ليكي أخ مني. و تعرفيه. و كمان أعتقد إنك شوفتيه معايا مرة


-طيب هو فين يا مامي ؟


إلتفتت "يارا" إلى "يمنى" لتجيب على سؤالها.. كان الشحوب يكسو وجهها :


-قريب هاجيبه و أجيلكوا يا حبيبتي. خلاص طالما عرفت طريقه. و إنه لسا حي. مش هاسيبه أبداً. هاخده من وسط الكل. محدش هايقدر يمنعني.. و أكملت بتوعد :


-بس مش قبل ما أصفي شوية حسابات قديمة !


-ناوية على إيه ؟! .. للمرة الثالثة في هذه الجلسة يخرج صوت "ميرڤت"


نظرت "يارا" لها، لتضيف بلهجة متشددة :


-المرة إللي فاتت لما كنتي سبب في آذى حد قاطعتك بس. المرة دي لو كررتيها أنا مش هاعرفك تاني. و قلبي عمره ما هايصفالك أبداً.. بنتي إللي ربيتها ما تآذيش حتى لو إتآذت !


قامت "يارا" من مكانها، سارت صوب أمها، ركعت أمامها و أمسكت بيديها قائلة بإبتسامة هادئة :


-إطمني يا ماما.. أنا عمري ما هازعلك تاني. خلاص إبني رجعلي. محدش تاني هايتئذي. أوعدك. حتى لو حصل. مش هايكون بإيدي أنا !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


إستقبل منزل "ميرا" الزوجي عائلة أبيها بحفاوة منقطعة النظير، بدءاً من البوابة الرئيسية و حتى المدخل المفضي إلى البيت... إختصر "سفيان" التحيات مع الجميع حتى أنه تجاوز زوج إبنته عمداً


ليصل إليها هي، رغم أنها كانت أسرع منه و إنطلقت نحو أحضانه فوراً.. كان هذا أكبر عناق حصلت عليه منه، الأكبر على الإطلاق


و وقف الجميع يشاهد هذا في صمت، "عمرو" يبتسم، "وفاء" تتجهم، و "يارا" تسخر في قرارة نفسها.. بينما تعانق "ميرا" أبيها بشدة، يقبل هو رأسها و شعرها و يمسد عليها متمتماً بشوق جارف :


-آاااااااه. وحشتيني. معقولة روحي ترد فيا تاني ؟ كل ما تبعدي عني بموت !


-بعد الشر عليك حبيبي ! .. غمغمت "ميرا" بصوت باكي


عبس "سفيان" و رفع وجهها بكفه دون أن يبعدها عنه قيد شعرة.. حدق بعينيها الدامعتين قائلاً بصوت أجش :


-دموع يا ميرا ؟ ليه ؟!


خرجت الكلمات من فمها بصعوبة :


-عشان إنت وحشتني.. وحشتني أوي. دادي !


علت إبتسامته و قال :


-مش أكتر مني أكيد. يآاااااااه.. ده أنا كنت هاتجنن عليكي. خلاص. من إنهاردة مش هابعد عنك تاني. ترجعي من السفر بس و هاربطك جمبي. و كفاية كده على عمرو .. و إلتفت نحو "عمرو" ليرى تأثير مزاحه عليه


ضحك الأخير و هو يقترب منهما، لم يجرؤ على سحب "ميرا" من بين يدي والدها، فإكتفى بالقبض على ذراعها و هو يقول :


-لأ يا باشا وحياتك. دي ملكي بردو. و حبيبتي و روحي كمان. حد يقدر يفرط في روحه ؟ آسف أنا ليا النصيب الأكبر فيها


-إنسى يا حبيبي طالما أنا رجعت. ميرا ليا أنا وبس !


و ضحكوا معاً


إنتبهت "ميرا" في هذه اللحظة إلى وجود "يارا"، كسا وجهها الوجوم، لاحظها "سفيان" و عرف سر ذلك، فإبتسم و هو يمد يده خلف ...


-تعالي يا يارا. تعالي يا حبيبتي ! .. قالها و هو يقبض على رسغها و يشدها نحوهما


وقفت هي و "ميرا" في مواجهة بعضهما، كلاً منهما و كأنها نداً للأخرى، لا.. في الحقيقة هما كذلك فعلاً !


كانت النظرات فيما بينهما مشحونة بالتحد و الإزدراء، إلا أن "يارا" حرصت على أن يكون كل شيء مبطناً، إلى أن قال "سفيان" محاوطاً كلتاهما بذراعيه :


-شوفتي يا حبيبتي ميرا كبرت إزاي ؟ من دلوقتي بقينا عيلة واحدة. أنا عايز أصفي أي خلاف وقع بينكوا. لو واحدة فيكوا زعلانة من التانية تقول عشان المسائل تنتهي كلها دلوقتي حالاً.. ها ؟!!


-من ناحيتي مافيش حاجة يا دادي ! .. قالتها "ميرا" بصوتها الرقيق


-Seriously !


يارا بإبتسامة صفراء :


-و لا أنا يا قلبي. Seriously !


سفيان بجدية : يبقى خلاص. صافي يا لبن. و كل حاجة ترجع زي ما كانت. و لينا قاعدة كلنا مع بعض بردو


-القاعدة دي تتأجل يا باشا لو سمحت ! .. هتف "عمرو" معترضاً، و تابع بإبتسامة :


-دلوقتي معاد الغدا. إتفضلوا لو سمحتوا الأكل جاهز من بدري


أومأ "سفيان" قائلاً :


-أوك يا عمرو. تتأجل. بس تقدروا تتفضلوا إنتوا و أنا و ميرا هانحصلكوا.. عاوزها في كلمتين بس !


لم يبدي "عمرو" أي إعتراض هذه المرة، و لكن "ميرا".. لم تحسن تفسير إنقباضة صدرها، ترى ما الذي يريد والدها قوله لها ! ................... !!!!!!!!!!!!!!!!!

(  13 ) (14) (15) 


_ مشفى ! _


أغلق "سفيان" باب الغرفة على كليهما، إلتفت فوجدها تقف خلفه مبتسمة ببساطة، إلا أن عين الخبرة فيه إستطاعت رؤية توتر وراء هدوئها المتكلف هذا.. إبتسم بدوره يبث فيها الطمأنينة، على الأقل بالبداية ...


-أخيراً بقينا لوحدنا ! .. قالها ''سفيان'' بصوت خامل


إرتعشت إبتسامة ''ميرا'' و هي ترنو إليه بنظراتها المرتابة، إقتربت منه و إحتضنته مطوقة خصره العريض بذراعيها و قالت بلهجة مرحة عساها تخفي شيئاً من توجسها اللامنطقي :


-وحشتني أوي دادي. أنا طايرة من الفرحة. أخيراً رجعتلي


أخذ ''سفيان'' يمسد على شعرها و ظهرها و هو يقول :


-أخيراً يا روحي.. روحي. إنتي روحي يا ميرا. نفسي اللي داخل و اللي طالع بسببك إنتي


عملت كلماته الملطفة و صوته الهادئ على زيادة طمأنتها، تنهدت بقوة و شددت ذراعيها من حوله و هي تغمغم بإمتنان :


-أنا So Lucky. عشان إنت أبويا. ربنا يخليك ليا !


ربت عليها قائلاً :


-و يخليكي ليا يا عمري. بس تعالي. عايز أتكلم معاكي شوية ! .. و قبض على يدها فجأة


حبست أنفاسها لا شعورياً، بينما يسحبها أبيها تجاه آريكة صغيرة في الوسط.. أجلسها و جلس بجوارها، ظل صامتاً لبرهة، يحدق بعينيها فقط بنظراته الثاقبة، ثم قال :


-أخبارك إيه يا ميرا ؟


ميرا بإبتسامة غير واثقة :


-كويسة. كله تمام. إلا لو بتسأل عن Junior سفيان. بالنسبة لي الموضوع ده لو ماتحلش في أسرع وقت أنا هاتجنن absolutely


سفيان بصرامة : سيبك مين أخوكي دلوقتي. أنا بسأل عليكي إنتي. أحوالك إيه اليومين دول ؟؟


ميرا بتوتر : أحوالي تمام. قصد حضرتك إيه يعني ؟ إيه إللي عايز تعرفه بالظبط !!


-إنتي بتشوفي يوسف ؟


إبتلعت الصدمة فوراً و حملقت فيه بإستنكار :


-يوسف ! يوسف مين ؟ أكيد مش قصدك يوسف My EX !!!


سفيان بتعبير متصلب :


-هو !


ميرا بتمثيل متقن :


-يعني إيه هو يا دادي ؟ و أنا هاشوفه ليه ؟ في لسا حاجة بينا عشان أشوفه أو أكلمه ؟ لا شغل و لا أمور شخصية. مين قالك كده ؟ يارا صح ؟


عبس قائلاً بغلظة :


-و عرفتي منين إنها يارا ؟ يعني كلامها صح ؟!!


ميرا بغضب : لأ طبعاً مش صح. الهانم لما روحت أحذرها تبعد عن سفيان هددتني إنها هاتدمر حياتي. و إنها هاتحيي موضوع يوسف تاني و تخرب بيتي. معقولة صدقتها ؟ مع أول محاولة و كانت معاك تصدق بسهولة كده ؟ يعني لو كانت قالت لعمرو كان صدقها بقى !!


تمهل ''سفيان'' و هو يرمقها بنظرة متمحصة، ثم قال :


-يعني إنتي مابتشوفيش يوسف خالص يا ميرا ؟ متأكدة ؟ لو ده حقيقي. لو كنتي بتشوفيه حتى لو صدفة أحسنلك تقوليلي دلوقتي !


هزت رأسها للجانبين و هي تقول بخيبة أمل متكلفة :


-أنا مش مصدقة ! يارا بقى ليها تأثير كبير أوي عليك.. بس للدرجة دي مش واثق فيا ؟!!


سفيان بجدية : إنتي عارفة كويس إن مسألة الثقة عندي معدومة. و هو سؤال و رد غطاه يا ميرا.. إنتي لسا بتشوفي يوسف ؟ مش هسألك تاني !


رفعت حاجبها و قالت و هي تشتط غيظاً :


-لأ. مش بشوفه. و لا أعرف عنه أي حاجة من يوم ما سيبنا بعض. في سؤال تاني ؟


سفيان بإقتضاب : لأ. مافيش.. خلاص يلا قومي. إتأخرنا عليهم !


و كاد يقوم من مكانه، أمسكت بذراعه و إستبقته قائلة بتلهف :


-طيب إستنى بس يا دادي. ماقولتليش سفيان فين و عامل إيه !!


سفيان بحزم : قولتلك ماتقلقيش عليه. سافري و لما ترجعي هايكون رجع هو كمان. يلا بقى !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


-مامي حصل فيها كل ده ؟! .. قالتها ''يسرا'' بصوت هامس مغلف بالصدمة


كان تعبير أختها و توأمها ''يمنى'' لا يقل فجعة عنها، بينما ترد الجدة الجالسة أمامهما يعلوها الضيق كلياً :


-أمكو عاشت أسوأ فترة في حياتها. كانت بعمرها كله. كل إللي حكيته دلوقتي مايجيش ذرة في المشاعر إللي عاشتها


يمنى بنبرة باكية :


-بس إنتي كنتي سبب في كده يا تيتة. إنتي إللي غصبتي عليها تتجوز سفيان الداغر


نظرت ''ميرفت'' لها و قالت مدافعة عن نفسها :


-أنا إستحالة آذيها بأي شكل يابنتي. أنا كنت أم زي كل الأمهات نفسي أفرح ببنتي الوحيدة. و الحقير ده دخل علينا بالوش الطيب الكريم. كنت بستغرب من تفكير يارا وقتها. هي ليه مش قبلاه ؟ هي كانت حاسة. و أنا خانتني مشاعري. كنت هاموت و أشوفها عروسة. إحساسي بإني مش دايمة لها العمر كله. و العرسان إللي كانت بترفضهم. كلهم كانوا كويسين. و كنت بطاوعها. بس لما جه بسلامته. إفتكرته النصيب. النصيب إللي ربنا أخرها كل ده عشانه. ما صدقت بقى و مسكت فيه بإيدي و سناني.. أيوه غصبتها. بس ربنا يعلم عملت كده عشان مصلحتها. عشان تعيش مرتاحة !


و إختنق صوت الجدة بنحيب صامت


قامت ''يمنى'' من مكانها و مضت إليها، ضمتها في حضنها و راحت تواسيها و هي تبكي معها :


-خلاص يا تيتة. إهدي يا حبيبتي. إللي حصل حصل. مامي قوية و عدت من كل ده و بقت كويسة.. ماتزعليش !


-الراجل ده لازم يدفع التمن ! .. هتفت ''يسرا'' من بين أسنانها


إلتفت لها كلاً من ''ميرفت'' و ''يمنى''، لتواصل بنظرات مستوحشة :


-كل إللي عمله لازم يتردله و زيادة. و مش فيه و بس. في بنته كمان. مش بتقولي كان بيعمل كل ده عشان بنته ؟ لازم يتحسر عليها. هي دي إللي هاتكسره و هاتجيب نهايته !


ميرفت بجدية : أيوه صح. بس كله هايتردله بعيد عنا. منه لله. إحنا ما بنآذيش حد


ضحكت ''يسرا'' بسخرية و قالت :


-إنتي متأكدة من الكلام ده ؟ طيب على أساس إيه سيبتي مامي ترجعله ؟ تيتة حبيبتي. مامي مش هاتسيبه المرة دي. إلا و هو واقع. حتى لو وعدتك ألف وعد ! .. و أردفت بجمود :


-و أنا كمان بوعدك. طول ما أنا عايشة مش هاسيب مامي. و مش هاسمح لأي حد يمسها تاني


ميرفت بقلق : مش فاهمة قصدك ؟ عايزة تعملي إيه يعني !!


يسرا بوداعة : مش عايزة أعمل حاجة. أنا بطمنك بس .. ثم قالت و هي تنهض واقفة على قدميها :


-يلا بقى سهرنا أوي. تصبحوا على خير أنا داخلة أنام !


و مضت ناحية غرفتها مخلفة الجدة و الأخت تحدقان في إثرها بنظرات لا تخلو من الريبة و التوجس ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


ودعت ''ميرا'' أبيها و عائلته دون أن تفلت ذراع زوجها، بالكاد عانقت ''سفيان''، ذلك لأنها شعرت بعدم ثقتها في نفسها ما لو أصبحت ''يارا'' في متناولها مباشرةً


كم تمنت القضاء عليها في تلك اللحظات، و التخلص منها تماماً، ليخلو لها وجه والدها و إبنها، الأخ الذي ربته كإبن لها بل و أكثر !


كانت ''وفاء'' تسير في المقدمة، عندما كان يسير ''سفيان'' خلفها معلقاً يد ''يارا'' على ذراعه، و يده الأخرى مدسوسة بجيبه تنقب عن مفتاح السيارة


و فجأة وقفت ''يارا'' عن السير، سحبت يدها منه بقوة، فإلتفت نحوها مستغرباً تصرفها و قال :


-في حاجة يا حبيبتي ؟ وقفتي ليه نسيتي حاجة جوا ؟!


يارا بغلظة : أنا مش هاتنقل معاك لأي مكان تاني. إلا لما أشوف إبني و أطمن عليه !


-في حاجة يا سفيان ؟ .. صاحت ''وفاء'' من الجهة الأخرى


أشار لها ''سفيان'' لتنتظر دون أن يحيد عن ''يارا''، إقترب منها خطوة و قال :


-أنا مش قولتلك إنه محتاج يبعد شوية ؟ مش في مصلحتك إنه يشوفك دلوقتي صدقيني


يارا بعناد : هاشوف إبني يعني هاشوفه. أنا ماعنديش ثقة فيك. أشوفه بعيني و أتأكد إنه كويس. و بعدين نتفاهم على رواقة يا سفيان


و هنا إبتسم، عندما قالت ذلك، و بالأخص عندما دعته بإسمه هكذا.. رمقها بنظراته الجريئة و هو يقول :


-التفاهم كان جاي جاي. بس طالما وعدتي إنه على رواقة خلاص. مقدرش أعارضك. إتفضلي ! .. و مد ذراعه لها نحو السيارة


رمقته بنظرة مزدرية و مرت من أمامه، إستقلت بالمقعد الأمامي، و إستقل ''سفيان'' بجوارها خلف المقود، قال و هو يشغل المحرك و ينظر لإنعكاس أخته بالمرآة :


-هاوصلك على أول الطريق يا وفاء. تاخدي تاكسي و تروحي. و بعدين هانحصلك أنا و يارا.. في مشوار كده هانعمله سوا !


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


ظاهرياً كان قصراً منيفاً، ذلك الذي وطأته بقدمها معه، داخلياً إستطاعت أن ترى أنها مشفى !!


طاقم الممرضين و الممرضات بكل مكان، الحراسة و و رجال الأمن، الإستقبال و الطوارئ.. كانت مشفى مثالية للغاية، ربما ليست متاحة للجميع، إنما هي فقط للخواص، خواص الخواص ...


-إبني بيعمل إيه هنا ؟ .. همست ''يارا'' بصوت غاضب و هي تميل على أذن ''سفيان''


أجابها مواصلاً سيره خلف المرشد :


-آه ما نسيت إنك بقالك كتير مش متابعة. إبنك الفنان المشهور في نفس الليلة إياها لما ساب بيت ميرا راح يسهر. بس مش ده إللي حصل بالظبط لأن السهرة قلبت بخناقة كبيرة و مسك واحد عوره و كان هايموته


شهقت بصدمة و قالت : لأ. مش معقول. مش معقول هو يعمل كده !


سفيان ببرود : للأسف عمل .. و نظر لها متابعاً :


-لازم نعذره على كل حال. ده كان هايغلط مع أمه. متخيلة !


حدجته بنظرات مغلولة، فأشاح عنها مبتسماً بحبور.. ظلت تعدو في إثره، حتى أوصلهما المرشد عند جناح خاص بالطابق الأخير، و كان هناك أفراد حراسة يقفون أمام الباب، تبادلوا التحية مع ''سفيان'' و وقفت ''يارا'' خلفه تحصي دقات قلبها و قد نال منها الشحوب


رحل المرشد و إلتفت ''سفيان'' نحوها، بنظرة واحدة تفهم الصراع الذي يفتك بها الآن، لكنه لن يرحمها طبعاً ...


-إيه يا حبيبتي ! مش يلا ندخل ؟


كان الخبث يملأ نبرات صوته


لكنها لم تلحظه من فرط توترها و قالت بتردد :


-بص. إدخل إنت الأول !


فإنفجر ضاحكاً، أجفلت ''يارا'' و نظرت له بغضب شديد، فعاد و قال حين هدأ قليلاً :


-إيه الجبن ده بقى ؟ مش إنتي إللي طلبتي تشوفيه ؟ ما قولنا كده من الأول


يارا بحنق : من فضلك.. إدخل إنت الأول. و أنا هادخل وراك !


صمت ''سفيان'' مفكراً، ثم هز كتفيه و قال :


-ماشي.. هادخل أنا الأول !


و أولاها ظهره في اللحظة التالية، قطع المسافة بينه و بين باب الغرفة بخطوتين، مد يده و فتحه، ثم ولج بلا إستئذان، بلا تردد... فأسرعت ''يارا'' تنزوي بجوار الباب، حتى تستطيع أن تستمع جيداً ! .......... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


❤❤❤


( 14 )


_ دماء ! _


كان الجناح الذي أودع فيه منذ فترة قصيرة هادئاً، كل شيء يعمه السكون، حتى هو، لم يعد ينتابه الإنفعال أو العصبية، لم يعد يهتاج على نفسه و يطوف هنا و هناك محطماً كل شيء تمسكه يده، لم يعد يتصايح بغضب محتجاً على إحتجازه هنا قسراً عنه


أصبح مسالماً، أو لعله ليس كذلك، عسى أن يكون هذا الهدوء مجرد مقدمة.. تمهيد... لأمر يفكر فيه !


كان جالساً فوق الكرسي الهزاز، يضع سماعتي الرأس، مغمضاً عيناه في إسترخاء و هو يستمع لإحدى المقطوعات الموسيقية المعقدة... و فجأة شعر بتوقف وتيرة إهتزاز الكرسي الرتيبة، فتح عيناه دفعة واحدة، كان رأسه ملقى للخلف، ظل ساكناً للحظة، عندما شاهد هذا الوجه الذي حفرت تفاصيله كليةً بعقله منذ اللقاء الأول !!!


أطفأ الموسيقى، ثم إعتدل قائماً من مكانه ..


إستدار في مواجهة أبيه المزعوم !!!


يا له من تشابه !


ليس بينهما، لا.. بل بينه و بين إبنته... "ميرا"، أمه المزيفة، و أخته فعلياً بنفس الوقت


نفس الملامح تقريباً، و العينين الحادتين، و الشفاه الدقيقة، و النظرة المتنمرة، رغم أنها لا تجيدها مئة بالمئة مثله، فقط نسبة صغيرة ...


-بتشبه عليا و لا إيه ؟! .. كان هذا "سفيان"... الأب


أول من تحدث، و كانت تعابيره الفاترة منفرجة الأسارير بشكل يوحي أنه يبتسم، إلا إنه لم يكن كذلك !


-أنا أعرفك عشان أشبه عليك ؟


و ظل سؤال الإبن الجاف معلقاً لبرهة، بينما يناور الأب مبتسماً بحبور، قبل أن يقول بخبث :


-إنت فعلاً إبني !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


إستقبل "يوسف" إمرأته الجامحة... "ميرا" عند باب منزلهما السري، أدخلها و هو يعتقلها بين أحضانه و أغلق الباب مسرعاً


كانت تجر حقيبة ملابسها و هي تسير معه متعثرة و موشكة على السقوط أكثر من مرة لولا ذراعيه المحكمتين حولها، أخذت تضحك منه و تحاول إبعاده قليلاً و هي تقول :


-چو ! حبيبي. على مهلك شوية هانقع


و بصعوبة إبتعد عنها، نظر في وجهها مبتسماً بحب جارف و قال مدهوشاً :


-أنا مش مصدق إنك جيتي بالسرعة دي.. عملتيها إزاي ؟ إحنا مش كنا متواعدين على بكره ؟!!


تركت "ميرا" مقبض الحقيبة من يدها، ثم طوقت عنقه بذراعيها و قالت بدلال :


-حبيبي أنا عشانك أعمل المستحيل. بس عشان أبقى جمبك. أنا بحبك أووي يا چو. مقدرش أتخيل حياتي منغيرك أصلاً !


رد على كلماتها الرومانسية بقبلة سطحية على فمها و قال بلطف :


-أنا كمان بعشقك يا عمري. بس فهميني بردو إزاي أقنعتي جوزك بالخروج دلوقتي ؟ و أبوكي. مش كان عندك إنهاردة ؟


تلاشت إبتسامتها شيئاً فشيء و هي تطلق نهدة عميقة، عبس "يوسف" بقلق لمرآى ذلك التعبير على وجهها فقال :


-في إيه يا ميرا ؟ حصل حاجة ؟؟!!


نظرت بعينيه بادئ الأمر، ثم أجابته :


-بص عمرو ده أمره سهل و دايماً بيصدقني. عمره ما يشك فيا أبداً أنا واثقة من ده.. المشكلة بس في دادي !


يوسف بتوتر شديد :


-أبوكي ! ماله يا ميرا ؟؟؟


-إنهاردة كلمني على إنفراد. و سألني Directly إذا كنت بقابلك أو بشوفك !


يوسف بشحوب تام :


-يا نهار إسود ! أبوكي عرف حاجة عن علاقتنا ؟!!


طمأنته على الفور :


-لالا إطمن. أنا أنكرت طبعاً. هو شاكك بس .. و أكملت بلهجة مستوحشة :


-كله من الزفتة يارا. هي إللي راحت قالتله


-و صدقها ؟؟


ميرا بصرامة : صدقها ماصدقهاش مش مشكلة بالنسبة لي. أنا كده كده مركزة و مش هخلي فرصة لحد يمسك علينا حاجة. بدليل إني جيتلك دلوقتي و ماستنتش للصبح. قلت لعمرو هقضي الليلة في بيت داليا صاحبتي و هانمشي سوا الصبح. أما دادي فأنا متأكدة إنه هايراقبني. عشان كده سبقته و مشبت قبل ما يبعت حد ورايا


يوسف بتململ : أيوه يا ميرا. بس كده مش خطر ؟ يارا دي بوظتلنا الدنيا خالص !


ضيّقت "ميرا" عينيها و هي تسأله :


-يوسف إنت خايف عليا و لا على نفسك ؟


عقد "يوسف" حاجبيه قائلاً بجدية :


-خايف عليكي إنتي طبعاً. أنا آه جربت غضب أبوكي كذا مرة قبل كده. بس دلوقتي غير زمان. أنا بقيت راجل سياسي معروف و مهم. مايقدرش يمسني. إنما إنتي ممكن تتئذي. لو مش منه من جوزك


و لانت تعابيرها هنا، إبتسمت و هي تريح رأسها على صدره متمتمة :


-أنا مايهمنيش كل ده. كل إللي يهمني إنت. و حياتي معاك. إنت حبيبي. أنا إختارتك إنت يا چو و من زمان أوي !


-خلاص.. يبقى تطلقي !


حبست أنفاسها في هذه اللحظة،، تطلعت إليه من جديد و قالت :


-قلت إيه ؟!!


يوسف بحزم : قلت تطلقي. و بعدين نتجوز. مافيش حل تاني


ميرا بإرتباك : آ أيوه بس. بس عمرو هاقوله إيه !!


-قوليله الصراحة. قوليله إن عمرك ما حبتيه. قوليله إن حياتكوا مع بعض كانت لازم تنتهي من زمان


ميرا و هي تهز رأسها برفض قاطع :


-لالالأ. لأ يا يوسف. مقدرش أقول كده لعمرو. مقدرش. ده له أفضال كتير عليا. مش ممكن أجرح مشاعره بالطريقة دي.. و أردفت بسخرية مريرة :


-كفاية إنه قبلني على عيبي. إتجوزني و إستمر معايا لحد إنهاردة و هو عارف حقيقة إللي حصلي على إيد سامح. عمره ما عايرني أو فكرني بالمصيبة دي. بعكسك إنت إللي سيبتني وقت ما كنت محتاجة وجودك جمبي !


رمقها بنظرة غاضبة و قال :


-خلاص يا ميرا. طالما شايفة كده مافيش داعي تعملي أي حاجة. تقدري ترجعي و تحافظي على جوزك و بيتك. و أنا مش هاتعرضلك تاني و مش هاتشوفي وشي أبداً بعد كده


ميرا بحدة : إيه إللي إنت بتقوله ده ؟ إنت إتجننت ؟


إبتعد عنها صائحاً بإنفعال :


-عايزاني أعملك إيه ؟ و إنتي بتدافعي أوي عن البيه جوزك. خليكي فاكرة كويس إنه ماكنش يعرف أي حاجة إلا بعد ما إتجوزتوا. لو كان يعرف من البداية ماكنش هايقبل و أحلفلك على كده. أما بالنسبة لي دي غلطتك إنتي من الأول. كدبتي عليا. ماقولتيش الحقيقة. 100 مرة فهمتك. لو كنتي صارحتيني بكل حاجة ماكناش وصلنا لكده !


و فرغ محدقاً فيها بوجه لاهث محتقن بدماء الغضب ...


أجفلت "ميرا" و هي تنظر إليه صاغرة، تآففت بضيق و مشت نحوه، شبت على أطراف أصابعها و إحتضنته، ضمته إليها بقوة و هي تقول :


-أنا آسفة. Sorry يا چو. ماكنش قصدي أضايقك.. خلاص هاعمل إللي إنت عايزه. هاسيب عمرو. هاطلب الطلاق أول ما نرجع من السفر !


و إرتدت للخلف لتنظر في وجهه، كان لا يزال عابساً، فإستخدمت سبابتها في فك العبسة عن جبينه و هي تستطرد :


-خلاص بقى فك التكشيرة دي. أنا جاية عشان أفرح و أتبسط معاك. معقول إنت كمان هاتزعلني زيهم ؟ بليززز يا چو. Smile. عشان خاطري !


لم يستجيب لها فوراً، لكنه إبتسم بالنهاية، إبتسامة بسيطة للغاية ...


إبتسمت بدورها قائلة :


-حبيبي.. ياريت تفضل كده علطول !


و لم يضيعا الوقت بعد ذلك، فإنتقلا إلى مسرح غرامهما مباشرةً، غرفتهما المخصوصة ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


-أنا ماعرفكش ! .. قالها "سفيان"... الإبن، بلهجة متصلبة


ليرد أبيه متعاطياً مع سلوكه العدواني الواضح :


-من الناحية دي مش هعارضك. إنت فعلاً ماتعرفنيش.. بس ماتحبش تعرفني ؟


الإبن بخشونة :


-لأ ماحبش. وفر التعارف أنا مش عايزه لا دلوقتي و لا بعدين


الأب ببروده المعهود :


-للأسف مش بمزاجك يابني. دمي بيجري في عروقك. و مسيرك كنت هاتعرف الحقيقة. و أدي الأوان جه. و عرفت مين هو أبوك. و مين تكون أمك.. بالمناسبة أمك معايا برا. عايزة تشوفك !


-و أنا مش عايز أشوف حد ! .. صاح الإبن غاضباً


-و بالذات ال××××× دي. ما تبعدوا عني بقى. عايزين إيه تاني ؟ جايبني هنا ليه ؟


الأب بهدوء : أوعدك هاتخرج في أقرب وقت. يومين بالكتير و هاجي أطلعك. هانرجع نعيش سوا تاني. كلنا. أنا و إنت و أختك. ميرا. و يارا. أمك !


صمت الإبن محملقاً في أبيه بنظرات مشتعلة، عجز عن الرد من شدة الغضب الذي يجيش بصدره، تفهم والده الوضع جيداً.. إقترب منه بتوأدة، وقف مقابله تماماً، وقريباً كان مقاس الطول واحداً لكلاهما... إبتسم له، و ربت على ذراعه قائلاً :


-أنا فاهم إنت بتمر بإيه.. و عارف إن المفاجآت كانت قاسية أوي الفترة الأخيرة. بس أنا مش هاسيبك كده. أنا لما جبتك هنا كان غرضي تريح أعصابك و تبعد عن كل حاجة. تفصل شوية. مش سجنك يعني زي ما إنت فاهم.. أنا عمري ما كنت هاملك. كنت دايماً تحت عنيا. لو فكرت كويس هاتلاقي إن الأمور ماتعقدتش أوي. بالعكس. لو ماكنتش لحقتك. كانت هاتبقى النهاية و الطريق المسدود فعلاً. نهايتك إنت الأول. و نهاية أمك. و مش نهاية عادية. كانت هاتبقى نهاية على إيدي أنا يابني.. فإحمد ربنا إني رجعت في الوقت المناسب قبل ما كل إللي بنيته كان إدمّر !


و إبتعد خطوة للخلف مكملاً :


-لما ترجع هانقعد و هانتكلم. هاشرحلك كل حاجة. و كل الأسئلة هاجوبك عليها بنفسي.. ماتقلقش خالص يا سفيان !


إزداد إحمرار وجهه حين دعاه بهذا الإسم الذي بات يمقته مقتاً شديداً، بينما إتسعت إبتسامة الأخير و هو يستدير راحلاً و ملوّحاً له مودعاً ...


كانت "يارا" تقف بالخارج كما تركها، بجوار الغرفة، و كأنها صنم.. كانت حالة من الخرس و اللاوعي مسيطرة عليها، فتنفس "سفيان" بعمق و إقترب منها


أحاط كتفيها بذراعه و حركها للأمام معه و هو يقول بلطف :


-هاياخد وقته و هاينسى. قولتلك أصلاً إنه محتاج يبقى لوحده شوية.. معلش. أنا هاتصرف. ماتقلقيش يا حبيبتي !


و لكن مشاعرها كانت تفوق حد القلق أصلاً، كان ذعرها من حديث إبنها أكبر من أي مشاعر عنيفة إختبرتها طيلة حياتها، فعلياً ! ............. !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


❤❤❤


( 15 )


_ إختبار ! _


تملكت الصحوة من "يوسف" فجأة... فتململ بالسرير بتكاسل.. و مد يده نحو الجانب الآخر، حيث ترقد "ميرا" بجواره ....


و لكن المكان فارغاً و بارداً في آن !


يفتح "يوسف" عينيه في هذه اللحظة، و بالفعل لا يجد "ميرا"، و لا حتى حين إعتدل نصف جالساً و نظراته تشمل الغرفة الفسيحة ذات الأثاث و الطلاء الأبيض، و المطلة على البحر مباشرةً


كان ضوء الصباح يتسلل مع آشعة الشمس التي غمرت المكان عبر النوافذ و الأبواب الزجاجية، عندما قام "يوسف" متدثراً بروباً من الحرير الأسود، جال البيت كله بحثاً عن "ميرا" و هو لا ينفك يهتف منادياً بلهجة متحشرجة تحت تأثير النعاس :


-ميرا.. ميرا.. حبيبتي إنتي فين !


و كف عن النداء ...


عندما تناهى إليه صوتها، من جهة الرواق المؤدي للشرفة الهوائية المُزهِرة... أرهف النظر، فوجدها تمسك بالهاتف الأرضي و تضعه على أذنها، فأرهف السمع علّ صوتها يتضح قليلاً، لكن يبدو أنها كانت تتحدث بخفوت، و قد بدا عليها القلق أيضاً !!


-ميرا ! .. صاح "يوسف" و هو يقف خلفها مباشرةً


-بتكلمي مين يا حبيبتي ؟!


إلا إنها لم ترد عليه، و أنهت المكالمة بإملاء عنوان البيت على الطرف الآخر و عبارة شكر مقتضية، ثم أغلقت الخط بهدوء ...


-ميرا ! .. كرر "يوسف" بصوت أكثر حدة


عندما لم تلتفت إليه، و كأنها لا تشعر بوجوده، أو بالأحرى تتجاهله !


أدارت وجهها ببطء، تطلعت له قائلة :


-نعم يا چو ! عاوز حاجة ؟!


عقد حاجبيه مدهوشاً و قال :


-عاوز حاجة !!

لأ سلامتك مش عاوز. عاوز بس أعرف إيه إللي قومك من جمبي منغير ما تصحيني ؟ و كنتي بتكلمي مين عالصبح كده ؟؟؟


قامت "ميرا" من مكانها، إستدارت نحوه كليةً و قالت و على ثغرها شبح إبتسامة :


-مافيش حاجة حبيبي. كله تمام ماتقلقش. أنا بس حسيت إني تعبانة شوية فقلت أقوم أكلم pharmacy يجبولي دوا


يوسف بشحوب : دوا ليه ؟ مالك يا حبيبتي حاسة بإيه بالظبط ؟ أجيب دكتور ؟؟!!


و كان يمسك بها أثناء كلامه، لتبتسم و هي تطمئنه بصوتها الرقيقة :


-حبيبي Calm down. أنا كويسة. شوية صداع و حرارة عالية بس. أول ما أخد الدوا كله هايروح !


ضمها "يوسف" إلى صدره و أخذ يمسح على رأسها و يلاطفها قائلاً :


-سلامتك يا عمري. ألف سلامة عليكي. هتاخدي دواكي و لو ماحستيش بتحسن هاجبلك دكتور إن شاالله أبعت أجيبه من مصر


ربتت على صدره و هي تقول بنظرات ساهمة :


-ماتقلقش حبيبي.. هابقى كويسة !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


منذ بكرة الصباح، و هو لم يتوقف عن التدخين بشراهة كبيرة، في الحقيقة هو لم يكف عنه منذ رحيلها بدون علمه، قبل يومين حيث عزم على إرسال جاسوساً خلفها لينقل له كل أخبارها


و لكن يا لها من داهية !


في كل الأحوال ماذا كان يتوقع ؟ فهي إبنته أولاً و أخيراً، إبنته هو.. إبنة الشيطان الكبير ....


-مش كده يا باشا بالراحة شوية على صحتك !


كان هذا صوت "يارا"... إلتفت "سفيان" نحوها، كانت تلج عبر باب الغرفة و تمشي صوبه بخطوات متمايلة.. متهادية، جلست قبالته في الصالون الصغير، وضعت ساقاً فوق ساق و إبتسمت له قائلة :


-إيه يا إكسلانس ! حارق دمك ليه عالصبح ؟ لا يكون جالك كلامي ! .. و غمزت له


إزداد عبوس وجهه و هو يحدق فيها بنظرات متقدة، كان يعرف و يفهم ما ترمي إليه تماماً، لكنه لم يتكلف عناء الرد عليها حتى.. فأكملت بنبرة خبيثة :


-عموماً أنا حبيت أنورك من الأول. و أعرفك بنتك الغالية بتتصرف إزاي من ورا ضهرك.. أومال. ده إنت في يوم من الأيام كنت جوزي بردوو تهمني مصلحتك


صوت تحطم مصم !


هذه مطفأة السجائر الضخمة و الطاولة الزجاجية التي كانت تحملها، لقد تحطمت فوراً إثر ركلة قدمه العنيفة.. بينما قام هو بلمح البصر و وصل إليها، أمسكها بيديه و شدها إليه بالقوة، حبست "يارا" أنفاسها حين صارت ملاصقة له و تقريباً صدرها يعانق صدره الخافق بشدة، تسارعت أنفاسها و هي تنظر في عينيه المظلمتين.. كم من المشاعر القديمة المتوارية خلف ستار الذاكرة، كلها عادت بلحظة و رغم جبروتها شعرت بتهديد تماسكها و قوتها التي لا تقهر


من هنا حيث البداية، تخلف كل شيء و كأن حياتها من بعده لم تكن، عاد هو فقط، حتى يقهرها !


-إنتي لسا مراتي ! .. غمغم "سفيان" من بين أسنانه


-أنا سيبتك تتجوزي بمزاجي. و سيبتك تخلفي بردو بمزاجي. كنت قادر أمنعك. أمحيكي من الوجود في لحظة. بس عشان كان فيه في قلبي ذرة شفقة عليكي سيبتك في حالك.. لكن إنتي عملتي إيه ؟ فضلتي ورا بنتي. فضلتي تدوري وراها. عايزة تنتقمي مني فيها. بس أوعدك قبل ما ده يحصل. و إذا حصل. هاتكون روحك هي أول التمن يا يارا !


بصعوبة بالغة، إستطاعت إغتصاب تعبيراً بارداً على وجهها، ثم ردت عليه :


-لو كنت فاكرني هخاف منك و من كلامك زي زمان تبقى غلط آ ا ..


-ده مش كلام ! .. هتف بحدة شديدة و قد برز عرق جبهته محتقناً بدماء الغضب


-جربي تدبري حاجة لميرا.. وحياة غلاوتها في قلبي لأدمرك المرة دي بجد. و بالبطيئ. عشان أشوف عذابك بعنيا و أستمتع بيه


إنعقدا حاجبيها بشدة و هي ترمقه بنظرات مزدرية، ليستطرد مشدداً على كلماته بجدية تامة :


-لازم تعرفي كويس. إن لا إنتي. و لا إبنك. تغنوا عن ميرا في حياتي. لولاها أصلاً ماكنش هايعيش خالص. ما أنا قولتهالك من البداية. أنا ماعنديش إلا ميرا.. فاهماني ؟ ميرا !


و تركها فجأة ..


-أتمنى تكون الرسالة وصلت !


و إستدار بحثاً عن هاتفه، بين شظايا الزجاج المتناثر فوق الأرض، إلتقطه بحرص و خطى تجاه الخارج دون أن يصوب إليها نظرة واحدة ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


كان "يوسف" واقفاً أمام الموقد يعد أطباق الفطور لأجل "ميرا"... عندما هدر صوت صراخها بغتة، دون سابق إنذار !!!


إنطلق مسرعاً صوب غرفة النوم، ليجدها تجلس بجوار السرير مشعثة الشعر و ترتدي روب الإستحمام فقط ...


ركض إليها صائحاً :


-ميرا ! مالك يا حبيبتي ؟!!!!


و ركع أمامها فوراً، راح قلبه يدق وجلاً عليها و هو يستطلع أمرها بخوف و إلحاح :


-ميرا مالك ؟ جرالك إيه ردي عليا ؟؟؟!!!


إلا أن صراخها صار في تزايد، فحاول تهدئتها، حاول أن يسكتها بشتى الطرق حتى يتسنى له فهم الأمر... لكن بلا جدوى، ظلت تصرخ و هي تلوح بالإنبوبة أمام ناظريه.. و أخيراً إتضح شيئاً من الكلام وسط كل هذا الصراخ :


-شوفت لونها ؟ زرقا. شايف ؟ أزرق !!!


أمسك "يوسف" بكتفيها و هتف بصرامة :


-إهدي يا ميرا. مش فاهمك. إهدي و قوليلي في إيه !!


لكنها أخذت تضحك فجأة، تضحك بقوة و كأنها أصيبت بالجنون.. ثم قالت :


-أنا حامل يا چو.. و جوزي مابيخلفش. عمرو مابيخلفش !


يوسف بصدمة : إنتي بتقولي إيه ؟ حامل إزاي ؟!!!


ميرا بإنفعال : زي النآاااس.. حامل. أنا حامل يا يوسف. و حامل منك إنت. سامعني. منك إنت. دي رابع مرة أعمل الـTest !!


فأخرسته هذه المرة، مع إصرارها على تأكيد الأمر له، و بالفعل صار متأكداً، مثلها تقريباً ! .......... !!!!!!!!!!


تكملة الرواية من هنا


بداية الروايه من أولها هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close