رواية جبر السلسبيل الفصل الحادي عشر حتي الفصل الثامن عشر والخاتمه
❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙
الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا
❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️
رواية جبر السلسبيل البارت الحادي عشر حتي الفصل الثامن عشر والخاتمه
![]() |
رواية جبر السلسبيل الجزء الحادي عشر حتي الفصل الثامن عشر والخاتمه
الفصل ال11..
جبر السلسبيل2..
✍️نسمة مالك✍️..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
"بعد مرور 6 أشهر كاملة"..
وقت كان بالقدر الكافي لتغير كل شيء، هدنه للجميع ليتمكنوا من التفكير و إتخاذ القرار الصحيح..
داخل مبنى عملاق حديث الطراز يتكون من خمسة طوابق مصممة بعناية و دقة فائقة، بكل طابق مجموعة كبيرة من أكفأ العاملين و المتخصصين بمجال الدعاية و الإعلان، الكل يعمل على قدمًا و ساق ، خاصةً حين علموا بوصول مديرتهم شديدة الطباع ..
تأهب جميع العاملين، و انتصبوا واقفين في إنتظار دخولها من باب المبنى الرئيسي الذي توقف أمامه سرب من السيارات جميعهم من أحدث و أغلى الموديلات العالمية،
هبطوا طاقم الحراسة و حاوطوا السيارة بحماية، تلك السيارة التي تجلس بداخلها المدير العام لهذا المبنى الفخم، هرول قائد الحرس نحو الباب و فتحه لتهبط منه إمرأة في غاية الأناقة بثيابها التي تقوم بتصميمها هي بنفسها، كانت ترتدي فستان أسود طويل منقوش بفرشات من اللون الأبيض يظهر قوامها الممشوق و بروز بطنها التي بدأت في الظهور رغم أنها أوشكت على إنهاء شهرها السابع، چاكت قصير من نفس لو الفراشات و حجاب من اللون الأسود، زينتهم بحذاء رياضي و حقيبة يد صغيرة كلهما من اللون الأبيض، تخفي عينيها الجميلة بنظارة شمسية من أشهر الماركات..
أسرع إحدي أفراد الأمن بحمل حقيبة اللاب توب الخاص بها، بينما سارت هي بين طاقم الحرس بخطي واثقة، رافعة رأسها بشموخ يليق بها كثيرًا..
هذا المكان الذي زاع صيته خلال فترة قصيرة يقع تحت إدارة الديزينر المحترفة "سلسبيل القناوي" رغم حداثة سنها و خبرتها القليلة إلا أنها استطاعت أن تثبت براعتها و تفوقها في مجال الدعاية و الإعلان، فهي تقوم برسم جميع التصميمات بيدها مستغلة موهبتها الفريدة من نوعها..
"صباح الخير"..
قالتها "سلسبيل" و هي تمر من أمامهم متجهه نحو المصعد المؤدي لمكتبها..
"صباح الخير يا فندم"..
نطق بها جميع العاملين بنفس واحد..
خلعت نظارتها قبل أن تدلف لداخل المصعد لتتمكن من قراءة اليافتة المفضلة بالنسبة لها، و التي لا و لن تمل من قرائتها أبدًا..
شركة "السلسبيل" للدعاية و الإعلان..
" جابر وصل؟"..
أجابتها "صفا" سكرتيرتها الخاصة و التي أصبحت صديقتها المقربة أيضًا قائلة بعملية..
"جابر بيه بلغني أنه هيوصل على ميعاد الإجتماع يا سلسبيل هانم"..
جلست "سلسبيل" على مقعدها الجلدي بأريحية، و انتظرت حتى انصرف الجميع بعدما وضعوا الكثير من الملفات أمامها على المكتب يردون توقعيها عليهم، و ظلت هي و "صفا" بمفردهما..
لتهرول الأخيرة تجاه ثلاجة موضوعه بإحدى الجوانب، و فتحتها على عجل أخذت منها طبق من الفاكهة الطازجة و زجاجة من الماء و أخرى من العصير و ذهبت بهم نحو المكتب، أزاحت الملفات برفق و وضعتهم أمام "سلسبيل" التي تتابع ما تفعله بملامح جامدة، تغيرت شخصيتها تغير جذري، حتى أن ابتسامتها الرقيقة قد أختفت تمامًا و أصبحت شفتيها للحديث فقط..
"اممم.. أسيب ماما عفاف في البيت أجي هنا القيكي يا صفا؟!.. أنتي و هي مش وراكم أي حاجة غير أنكم تأكلوني ولا أيه!!"..
بدأت "صفا" في تقطيع ثمرة من التفاح ، و سكبت كوب كبير من عصير المانجو و أعطتهم لها و هي تقول..
"ماما عفاف قالتلي إنك مرضتيش تاكلي أي أكل في البيت عشان كده جبتلك شوية فاكهة و عصير فرش"..
ظهر التوتر على ملامح" سلسبيل "، و أبت أن تتذوق أي شيء مغمغمة بأسف..
" أنا مش هقدر أكل و لا أشرب أي حاجة طول ما أنا قلقانه .. فمتغصبيش عليا علشان متعبش و أنتي عارفة إن أجتماع انهاردة مهم أوي و مش هينفع أعتذر عنه خالص "..
تنهدت" صفا" بقلة حيلة فهي على يقين بأن "سلسبيل" لن تتراجع بكلمة تفوهت بها..
"يا سلسبيل أنا عارفة إن التيم اللي هيحضر إجتماع انهارده يبقوا أهم وكلاء لأكبر شركات في الشرق الأوسط و بدعيلك من قلبي والله ربنا يوفقك و شغلك يعجبهم عشان لو ده حصل هنبقي كسبنا أقوى صفقة في تاريخ الشركة خلال وقت قياسي بس كل ده مش هيبقي أغلى عندك من اللي في بطنك!! "..
مسدت" سلسبيل " على بطنها بكلتا يديها تتحسس حركة جنينها بلهفة و هي تقول ..
" مافيش في الدنيا كلها أغلى من اللي في بطني.. أنا كل اللي بعمله ده بعمله عشانه هو و بس"..
صوت طرقات على الباب جعلت" سلسبيل " تتأفف بضيق..
" صفا مش عايزة أشوف حد دلوقتي..مدخليش أي حد عندي لغاية معاد الإجتماع.. عايزة ألحق أراجع على التصميمات مراجعة أخيرة قبل وصول العملاء"..
غمغمت بها و هي ترتدي نظارتها الطبية التي زادتها وقار و هيبة، مدت يدها نحو حقيبة اللاب توب و تناولته و بدأت تتصفحه باهتمام و ملامح جادة، صارمة جديدة عليها كليًا..
انصرفت" صفا" من أمامها في الحال غالقة الباب خلفها، لتسند" سلسبيل " بظهرها على المقعد، و تطلعت حولها تتأمل مكانها المفضل، انتصبت واقفه و سارت تجاه النافذة الزجاجية الفاصلة بينها و بين العاملين تحت يدها، فور رؤيتهم لها، تأهب الجميع و ظهر الخوف عليهم و بدأو يعملون بجهد تجنبًا لنوبة غضبها المدمر..
كانت تطلع لهم بملامح خالية من المشاعر، فقط البرود، البرود التام أصبحت تتحلى به في الفترة الأخيرة، بينما بداخلها جمرات صغيرة من نيران حارقة خامدة أسفل الرماد..
كانت يدها تمسد بمنتهي الرفق على بطنها، و قلبها يتراقص فرحًا كلما شعرت بركلة من صغيرها،لفت زراعيها حول نفسها، و كأنها تحتضن طفلها بحنان العالم أجمع مرددة بفرحة غامرة..
"يا روح و قلب و حياة سلسبيل "..
............................... سبحان الله وبحمده......
.. بمنزل عبد الجبار..
الأجواء أسوء ما تكون، تبدل حال "عبد الجبار" للنقيض، كأن روحه تركت جسده بعد فراقه عن من ملكت قلبه، رغم أنه بارع في التحكم و السيطرة على مشاعره، إلا أن لسانه ينطق دائمًا بما يشغل عقله و قلبه دون أدنى إرادة منه، و هذا يثير جنون "خضرا" كثيرًا، خاصةً بعد هجره لها منذ ما يقارب السبعة أشهر..
اليوم قررت أن تكسر الحاجز الذي بناه بينه و بينها، و وقفت تنتظره على باب الحمام المواجهه للغرفة التي كانت تمكث بها غريمتها و التي أصبحت غرفة "عبد الجبار"..
فُتح باب الحمام و خرج هو بثيابه الداخليه، ممسكًا بيده منشفه قطنيه يجفف بها خصلات شعره الفاحم..
"خير؟واقفالي كيف الغفير ليه أكده عاد!!"..
قالها متعمد عدم نطق إسمها، فكلما نادي لأحد، لأي شخص كان لا ينطق لسانه سوي إسم ابنة قلبه "سلسبيل"..
مر من أمامها دلف لداخل غرفته، لتهرول "خضرا" خلفه مسرعة غالقة الباب خلفها، و دون سابق إنظار كانت ألقت نفسها داخل حضنه مرددة ببكاء..
"بكفياك.. بحلفك بالله بكفياك جفا و بعد لحد أكده يا عبد الچبار"..
قبلت كتفه مرات متتاليه صعودًا لعنقه مكملة بتوسل..
"كفاياك زعل مني يا خوي"..
كان "عبد الجبار" يقف كالصنم ، ينظر للفراغ بشرود،
فأنهت "خضرا" حديثها و أطبقت بشفتيها على شفتيه مستغله شروده هذا، في باديء الأمر كان لا يبادلها قبلتها هذه، و لكن بعد وقت ليس بقليل إنهال عليها فجأة بقبلة جامحة غالقًا عينيه، و يده تجذبها نحو الفراش، لحظات من الحميمية مّرت عليهما، كانت "خضرا" تظن أنها قد استرجعت رجلها أخيرًا..
لكن بكل آسف حتى بغيابها ستظل هي الحاضرة، رائحتها تملئ رئتيه، أنفاسها الساخنه تلفح بشرته تزيد لهيب عشقه و جنونه بها، خصلات شعرها الحريرية الطويلة تداعب وجهه تُرغم شفتيه على غمرها بسيل من القبلات المتلهفه، ملمس بشرتها الناعمة أسفل أنامله الخشنه تُطير اللُب من عقله تجعله يهمس أسمها بتنهيده حاره دون أدنى أراده منه، و كأنه فقد الكلام بأكمله و لا يتذكر منه سوي حروف اسم "سلسبيل!!!" فقط..
"أني خضرا جولتلك مليون مرة أني خضرا مش سلسبيل".. نطقت بها "خضرا" التي انتفضت مبتعده عنه بعنف ساحبه الغطاء عليها، تطلعت له لبرهةً بأعين جاحظة و ملامح يملؤها الوجع و الحسرة، بينما هو كانت ملامحه جامدة غير مبالي كعادته معاها مؤخرًا،
كان غضب "خضرا" آخذًا في التفاقم أساسًا منذ مدة، حتى فقدت السيطرة الآن فجأة فصرخت قائله بغصة يملؤها الأسى..
"طلقني.. طلقني يا عبد الچبار!!!!"..
و كأنه أستوعب للتو أن حبيبته ليست هنا، فنتفض هو الأخر كمن لدغه عقرب مبتعدًا عن الفراش بأكمله، لتطلع له "خضرا" بأعين تذرف الدمع مرددة بإصرار..
"طلقني يا عبد الچبار"..
نظر لها نظرة طويلة، و من ثم قال بهدوء يُحسد عليه..
"مصاريفك و مصاريف بناتي و كل حاچة تحتاچوها هتكون عنِدكم قبل حتى ما تطلبوها، و أنتي و البنته هتفضلوا أهنه في بيتكم ، و أني هاخد أمى و نمشي"..
صمت لبرهةً و تابع بصوته الأجش..
"أنتي طالق يا خضرا "..
يتبع......
واستغفروا لعلها ساعة استجابة..
الفصل ال12..
جبر السلسبيل2..
✍️نسمة مالك✍️..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
من هنا بداية كل شيء، داخل منزل "سلسبيل" الثاني بمحافظة القاهرة الذي أهداه إليها طليقها "عبد الجبار"، تقف "عفاف" المرأة التي أرسلها الله لتكون السند و الداعم القوي ل "سلسبيل"، ممسكة بيدها دفتر المواعيد الخاصة بمن أتخاذتها أبنه لها..
تنظم لها يومها بالدقيقة و الثانية بدقة متناهيه، تُدير لها مواعيدها كاملة داخل و خارج المنزل، جميع العاملين بالمنزل يأخذون الأوامر منها هي، بسبب انشغال "سلسبيل" الدائم بأخذ الكثير من الكورسات الخاصة باللغة العربية و الإنجليزية، كورس تصميم لتنمية مهاراتها في الرسم، و حتي أنها تتعلم أصول الاتيكيت أيضًا ..
"عايزه الكل يركز معايا لأن انهاردة يوم مهم بالنسبة ل سلسبيل هانم و إحتمال تتأخر في الشغل عشان كده كورس الانجليزي هيتأجل لبكرة و هيكون في نفس معاده الساعة 8 أصبح و هيخلص 9 و نص ، و طبعًا عارفين إن الهانم بتصحي 6 بالدقيقة بتخلص تمارينها 6 ونص، 7 إلا ربع يكون الفطار جاهز لأنها كده هتروح تطمن على الشغل بعد ما تخلص فطار و ترجع على معاد الكورس"..
صمتت لبرهةً و نظرت للدفتر بيدها مكملة ..
" متنسوش كمان انهارده معاد كورس الرسم هيكون الساعة 6 مساءً و هيخلص الساعة 8 يكون العشا جاهز لأن الهانم بتكون 8 ونص في السرير ده ميعاد نومها المعتاد"..
أبتسمت لهم وتابعت بود..
" أنا بفكركم كل يوم بمواعيد مدام سلسبيل عشان تثبت في دماغكم و محدش منكم ينساها.. و دلوقتي تقدروا تتفضلوا على شغلكم "..
أنهت حديثها، و أمسكت هاتفها طلبت إحدي الأرقام، و رفعت الهاتف على أذنها تنتظر الرد..
" صباح الخير يا دكتورة ..أنا عفاف والدة سلسبيل القناوي.. طمنيني يا دكتورة سلسبيل عاملة أيه معاكي؟ "..
" اهلاً وسهلاً يا مدام عفاف.. مش عارفه أقول لحضرتك أيه بس لازم أكون صريحة معاكي.. الحالة النفسية ل سلسبيل هانم سيئة جدًا بل من أسوء الحالات اللي مرت عليا، و برغم أنها دلوقتي بتمثل القوة لكنها أضعف مما هي نفسها تتخيل، عشان كده لازم يكون في رقابة عليها طول الوقت لأن جدار القوة المزيف اللي رسماه على شخصيتها ده ممكن ينهار في أي لحظة عشان كده أنا كنت برجح تفضل في المصحة على الأقل شهر تحت الملاحظة "..
ترقرقت العبرات بأعين" عفاف" و تحدثت بصوتٍ تحشرج بالبكاء قائلة..
" معقولة يا دكتورة حالتها متحسنتش خالص.. دي بقالها أكتر من 5 شهور متابعة معاكي و مفوتتش ولا جلسة واحدة! "..
" للأسف العلاج النفسي بياخد وقت و مجهود من المريض و من الطبيب المعالج كمان.. و حالة مدام سلسبيل عانت من الظلم و العنف لسنين طويلة مش هتتعافي من كل اللي عاشته ده في شهور قليلة"..
تنهدت" عفاف" بحزن و هي تقول..
" بس سلسبيل مستحيل توافق أنها تدخل مصحة نفسية خصوصًا بعد ارتباطها الشديد بشغلها "..
" يا مدام عفاف المصحة عندنا ليها فروع في كذا مكان جوه و برة مصر و مدام سلسبيل لو وافقت أنا هحجزلها في فرع المالديف أو في تايلند .. تعتبر نفسها في فترة استجمام، و هيكون عندها وقت كافي تستغل موهبتها في رسم المناظر الطبيعية الخلابة اللي هتكون حواليها و اللي هتساعدها كتير و تصفي ذهنها قبل ما تدخل في شهور الحمل الأخيرة "..
.............................. سبحان الله وبحمده...........
" عبد الجبار "..
ترك كل شيء حتى ثيابه تركها و أكتفي بأرتداء جلبابه، هذا الجلباب الذي كانت تختبئ بداخله" سلسبيل "من ينبض قلبه بأسمها، غادر الغرفة دون النظر ل" خضرا " التي لم تكف عينيها عن البكاء، تسيل عبراتها على وجنتيها بغزارة، و ما أصعب دموع الحسرة، تعرضت لأبشع موقف لا يمكن أن تتحمله أي أنثى..
"قومي معايا يا أمه خلينا نمشي من أهنه"..
قالها و هو يناولها عكازها يحثها على النهوض..
تطلعت له "بخيتة" بأعين متسعة على أخرها، لتنصدم بنظرة الضياع و الانكسار الطاهرين على وجهه الحزين..
"نمشي من أهنه نروح فين؟!.. أيه اللي حُصل.. مالك يا ولدي؟!"..
أطلق "عبد الجبار " زفرة نزقة من صدره و هو يقول "هقولك بعدين يا أمه.. بس أحب على يدك خلينا نمشي دلوجيت .. مطيقش أفضل أهنه"..
أطبق جفنيه و اصطك على أسنانه بقوة كاد أن يهشمها حين وصل لسمعه صوت ابنتيه الباكي..
"هتهملنا لحالنا و تمشي يا أبوي!!"..
جملتهما كانت كالسكين الحاد انغرس بمنتصف صدره، ركضا اثنانتهما نحوه و أرتموا داخل حضنه يبكيان بنجيب..
"أمي مهتزعلكش تاني واصل بس متهملناش يا بوي"..
"ما تفهمني أيه اللي حُصل يا عبد الچبار؟!"..
صاحت بها "بخيتة" و هي تضرب بعكازها على الأرض بغضب..
" أني هقولك يا أمه و متعشمة فيكِ تساعديني لخاطر البنته الصغيرين المعلقين بأبوهم و إني خابرة زين إنك تطيقي العما و لا تطقيني".. قالتها "خضرا" التي هبطت الدرج للتو، و وقفت أمامها تحاول السيطرة على حدة بكائها مكملة بغصة مريرة يملؤها الأسى..
" عبد الچبار طلقني"..
زادت حدة بكاء الصغيرتان، و تمسكوا بثياب والدهما بكل قوتهما، شعر" عبد الجبار " بالندم الشديد حين رأي مدى الخوف الظاهر بأعينهما..
"متهملناش يا عبد الچبار و إني أوعدك هنفذ اللي قولت لي عليه قبل سابق.. هعيش لبناتي بس سيبني على ذمتك عشان خاطرهم"..
أردفت بها "خضرا" بجمود مفاجيء ظهر على ملامحها المتألمة، بعدما توقفت عن البكاء بشق الأنفس..
"كلامها صُح ياولدي.. ردها على ذمتك لخاطر لحمنا يتربوا في حماك".. قالتها" بخيتة " رغم نظرات الغيظ و الكرهه التي ترمق بها" خضرا "..
رفع" عبد الجبار " يده و مسد على جبهته صعودًا لخصلات شعره الفاحم كاد أن يقتلعه من جذوره بسبب غضبه العارم ود لو أنفجر في "خضرا" و والدته بأنهما سبب أساسي لما وصل إليه الآن ، نظرته لهما كانت كفيله بأن يتفهموا ما يريد أخبارهما به، لكنه تمالك أعصابه لخاطر أبنتيه حتى لا يزيد خوفهما أكثر..
"بكفياكم بكى عاد.. أني عندي شغل مهم هخلصه و هعاود طوالي".. قالها و هو يزيح دموعهم بأنامله، و مال عليهما طبع قبله على وجنتهما مكملاً..
"أني مقدرش استغني عنك يا فاطمة و لا أقدر أعيش يوم واحد من غيرك يا حياة"..
ضمهما لصدره من جديد، لتهمس ابنته "فاطمة" داخل أذنه بتقطع من بين شهقاتها..
" يعني هتخلص شغل و تعاود طوالي صُح يا بوي؟ "..
ربت على ظهرهما بحنان و هو يقول..
"هعاود.. أطمني هعاود يا فاطمة"..
ظل محتويهما بين ذراعيه حتى هدأت نوبة بكائهما تمامًا، و من ثم بعدهما عنه برفق، و رمق" خضرا " و بخيتة" بنظرة أخيرة قبل أن يغادر المنزل بأكمله بخطي واسعة.
هرول إحدي حراسه بفتح باب السيارة الخلفي له، لكنه صعد بمقعد السائق مغمغمًا بأمر..
"معوزش حد معايا.. خليكم أهنه و فتحوا عنيكم زين، لو حُصل أي حاچة حدتني طوالي"..
لم ينتظر سماع رد على حديثه هذا، انفجر هدير محرك السيارة عاكسًا غضبه عليها، ليطير الغبار من الخلف بقوة لحظة إنطلاقها..
يسير بلا هوادة لا يعلم أين يذهب، يشعر لأول مرة بحياته بمعني كلمة الضياع، عاجز عن إتخاذ قرار صحيح منذ ابتعاد" سلسبيل " عنه، حياته بأكملها انقلبت رأسًا على عقب، لم و لن يستطع التأقلم مع غيابها..
يقر و يعترف أنه الآن أصبح ظالم، ظلم الجميع و أولهم نفسه..
و مع كل ما يمر به إلا أنه يشعر بالاشتياق الشديد لها، مهوس بها و بعشقها الذي استحوذ على قلبه، مال على ياقته و أخذ نفس عميق يمليء رئتيه بعبقها، فجلبابه مازالت معبأة بعطرها، المرأة الوحيدة التي حاكت من غضبه هدوء، ومن صخب شرقيته عزفت لحنًا حنون..
شوقه لها كالشمعة تذوب حتي تحولت لجمر شظاياه تجن كل مساء، بقي حديثها القليل معه عالقًا بروحه، أنفاسها تقيد نبضه، أما هو حزنه المهذب خلف ابتسامته يخجله، كم كان رجلًا يتباهى ولا يبالي، بذاك المساء الكئيب سكب الماء براحتيَّها، ضممته هي بقوة كي لا يضيع، و حين رفعت رأسها كانت كل أحلامها التي لم تقبض عليها يومًا ظنًا منها أنها لن تغيب ...تسربت، اختفت بعدما اتهامها بأن مشاعرها تجاهه لم تكن حُب من الأساس ، و أنه لن يردها لعصمته حتى بعد علمه بحملها، فعلته هذه كانت القشة التي قسمت ظهر البعير..
لن ينسى نظرتها له التي كانت تملؤها الخيبة، خيبة أملها فيه، تركته هذه المرة يواجه غروره بيدين خاويتين، يا متاهته لم تتركه هنا رجلًا يملك العالم كما كان معاها، بل تركته فأرًا يقضم الحيرة بمتاهة الشوق اللعين، يعاد بذهنه سؤال واحد يتردد بلا توقف، كيف يمضى الى حال سبيله و قدميه عالقة بأرضها؟..
فهو على يقين أنّ حتى لو اعتذرت الرياح، الغصن سيبقى مكسوراً..
أخرج هاتفها من جيبه، و ظل يتأمل صورتها به بأعين هائمة و قلبًا تحرقه نار الإشتياق ..
"اتوحشتك.. اتوحشتك قوي قوي يا سلسبيل يا بنت جلبي"..
صدح صوت رنين هاتفه، برقم شخص ينطبق عليه مثل ما محبه إلا بعد عداوة..
"أيوه يا چابر"..
أتاه صوت الأخر يقول بغيظ مصطنع..
"وآخرتها أيه يا عبد الجبار في عمايلك دي يعني؟!"..
"اممم.. أكده تبجي عرفت"..دمدم بها و هو يضحك باستفزاز مثير للأعصاب، استشاط" جابر"غيظًا و صاح به قائلاً..
"يعني فعلاً أنت شريك أساسي في كل الشركات اللي سلسبيل اتعاقدت معاهم من أول ما فتحنا الشركة؟!"..
أجابه" عبد الجبار "ببرود قائلاً..
"و الشركتين اللي هيحضروا الاچتماع معاكم انهاردة كمان"..
"كده بقى هتتكشف يا حلو لأن سلسبيل هتحضر إجتماع انهارده و مش هقولك هي بقت ذكية و لماحة إزاي الفترة اللي فاتت دي.. و مش بعيد أبدًا ترفض التعاقد مع العملاء بتوعك".. أردف بها" جابر " بثقة..
ضيق "عبد الجبار " عينيه و هو مازال يتطلع لصورتها عبر الهاتف، و تحدث بخبث قائلاً..
" حيث أكده يبجي اچي أحضر معاكم الاچتماع بنفسي لاچل ما أسمع وأشوف رفضها بعيني"..
....................................سبحان الله العظيم....
" سلسبيل"..
قضت وقتًا ليس بقليل منهمكة في مراجعة تصميماتها، طرقات على باب مكتبها يليها دخول "صفا" بخطي مهرولة، وقفت أمامها تفرك يديها ببعضهما..
" خير يا صفا.. و ايه الدوشة اللي بره دي؟! "..
قالتها "سلسبيل" دون النظر لها، ظلت تتابع شغلها بتركيز كبير ..
أجابتها "صفا" بأسف.. "في واحد برة مصمم يقابلك دلوقتي حالاً يا سلسبيل، و الإجتماع فاضل عليه ربع ساعة بس.. يعني العملاء على وصول"..
"اعتذريلوا و بلغيه ياخد معاد يجي فيه "..
قالتها" سلسبيل " و هي تعتدل بجلستها، و تخلع نظارتها الطبية، ليزداد صوت الشجار بالخارج أكثر، و بلحظة كان الباب انفتح عليهما و اقتحم المكتب أخر شخص تريد رؤيته الآن..
" مش هتحرك من أهنه المرادي قبل ما أشوف بنتي"..
كان هذا صوت" قناوي" الذي دب الرعب بأوصالها "سلسبيل "..
يتبع...
واستغفروا لعلها ساعة استجابة..
الفصل ال13..
جبر السلسبيل2..
✍️نسمة مالك✍️..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
"عبد الجبار"..
مّر بطريقه على متجر من أشهر المتاجر المخصصة ببيع جميع الأغراض الرجالي،خلال دقائق معدودة كان انتقي قميص أبيض اللون، سروال من الجينز الغامق، حذاء رياضي من اللون الأسود، نظارة شمسية سوداء من الماركة الشهيرة Tom Ford Ace ،ساعة حول معصمة من Tag Heuer،
ارتداهم على عجل، و من ثم نثر عطره المفضل Dior Sauvage بغزارة و غادر على الفور غير عابيء لدفع تمن ما أخذه، فهذا المكان من ضمن ممتلكاته الخاصة..
صدح صوت هاتفه برقم رئيس الحرس الخاص بمعذبة فؤاده "سلسبيل"، خفق قلبه بشدة و هو يضغط على زر الفتح قائلاً بلهفة..
"أيه الأخبار عندك؟!"..
أتاه صوت الأخر يتحدث بأسف..
"عبد الجبار باشا.. محمد القناوي والد سلسبيل هانم وصل هنا في الشركة و صمم يقابل الهانم و هو فوق عندها في المكتب دلوقتي"..
"چابر وصل عندك و لا لاء؟ ".. قالها و هو يقفز داخل سيارته، و قادها بأقصى سرعة ممكنة..
" لا يا باشا مش هنا و أنا لسه مبلغتهوش، بلغت سيادتك الأول "..
زمجر " عبد الجبار " بصوتٍ مخيف يدل على غضبه العارم، و قد شعر بالذعر على صغيرته و جنينه من بطش والدها الظالم..
" اسمعني زين..لو قناوي مَس شعره منِها طُخه بالنار.. و اللي خلق الخلق لو حاچة حُصلت للهانم مهيكفنيش رقباتكم كلكم"..
أنهى حديثه و ألقى الهاتف من يده، و ذاد من سرعته أكثر يتمني لو يستطيع التحليق و مسابقة الرياح حتى يصل إليها..
ليرن الهاتف من جديد هذه المرة برقم" جابر"..
" أنت فين يا بني آدم أنت؟! "..
قالها" عبد الجبار "بعدما لكم الهاتف بكف يده لكمه كادت أن تهشمه لاشلاء من قوتها..
أجابه "جابر" بأنفاس لاهثه.. "أنا داخل الشركة أهو"..
أردف "عبد الجبار" بلهجة جادة..
"بلغ قناوي أني چاي في الطريق، و لو لقيته عندك هضربه بالنار.. سامعني يا چابر.. هضربه بالنار"..
................................. سبحان الله العظيم.....
" سلسبيل "..
مع مرور الوقت كل شيء يتحول إلى ماضي إلا اللحظة التي ينكسر بها قلبك تبقى حاضرة إلى الأبد، و الآن يقف أمامها أول شخص كسرها و خذلها طيلة حياتها..
تلك المقابلة كانت تتهيأ لها منذ خمسة أشهر، وافقت "عفاف" حين اقترحت عليها الذهاب إلى دكتورة نفسية حتى تتمكن من التغلب على جميع مخاوفها، و أولهم خوفها الأكبر من المسمى بوالدها..
كان "قناوي" في قمة غضبه، مما جعله يهجم عليها دون سابق إنظار مغمغمًا بوحشية..
"أطلقتي يا هملة.. عملتي اللي على كيفك و أطلقتي من غير علمي يا واكله ناسك؟! "..
كاد أن يصفعها على وجنتيها بمنتهي القسوة ، لكنها كانت أسرع منه و قامت بنثر رزاز على وجهه عبر بخاخة صغيرة، شوشت رؤيته و سببت له دوار قوي للغاية كاد أن يسقط أرضًا بسببه، أجبره على الجلوس على أقرب مقعد ممسكًا رأسه بكف يده ..
"مرحب يا بوي!! "..
تفوهت بها" سلسبيل " ببرود ثلجي تُحسد عليه، لم تتحرك من مكانها ولو انش واحد، ظلت جالسة على مقعدها خلف مكتبها، و أشارت لجميع الواقفين من الحرس بالانصراف مرددة..
"أخرجوا و اقفلوا الباب وراكم و محدش يدخل عندي هنا دلوقتي خالص"..
نفذ الجميع أوامرها في الحال، و خرجوا واحد تلو الأخر حتى بقت هي ووالدها بمفردهما، تراخي جسد "قناوي" على المقعد، و شعر بالدنيا تومض من حوله، فرمقها بنظرة زائغة، و همس بصوتٍ مرتجف قائلاً..
"أنتي عملتي فيا أيه يا بت المركوب القديم؟! "..
أبتسمت له إبتسامة مصطنعه، بدت مخيفة أثارت الريبه بنفس "قناوي"، و تحدثت بهدوء ما قبل العاصفة قائلة..
"دفعت عن نفسي من ظلمك لأول مرة في عمري.. أصل اللي قعدة قدامك دي سلسبيل تانية غير اللي كنت أنت بتضربها بالكرباچ"..
" ااه مقدرش. مقدرش أقوم على حيلي واصل.. انطقي عملتي فيا أيه يا بت الك**"..
قالها بصعوبة وحين شعر بثقل لسانه الشديد..
"أنا معملتش فيك أي حاجة.. من يوم ما شوفتك و عرفت إنك أبويا وأنت اللي بتعمل فيا حاجات"..
رفعت يدها، و بدأت تعد على أصابع يدها..
" ذلتني.. كسرتني.. هنتني.. ضربتني.. غصبتني على الجواز.. ورتني العذاب على كل شكل و لون، و جاي دلوقتي فاكر إنك هتقدر تضربني تاني.. فاكرني هفضل ضعيفة و مدفعش عن نفسي؟! "..
نظر لها بأعين شبه مغلقة و قال بضعف..
" أنى عملت فيكِ أكده لاچل ما اربيكي زين.. كيف ما أهلنا علمونا و تقاليدنا بتقول أكسر للبنتة ضلع يطلع لها أربعة و عشرين"..
" و أنت مش بس كسرت ضلوعي كلهاااا.. لا أنت قتلتني بالحيا.. دمرتني و كرهتني في نفسي و في الدنيا كلهاااا "..
قالتها بصراخ مقهور دون بكاء، كانت متماسكة لأقصى درجة، أخذت نفس عميق زفرته على مهلٍ قبل أن تتابع..
"أرجع البلد يا بوي وقول للناس بنتي سلسبيل ماتت و خد عزايا لأني مش هعمل اللي في دماغك و أرجع ل عبد الجبار.. طلاقي منه اللي مزعلك أوي ده أحسن حاجة حصلت لي لحد دلوقتي.. هو السبب و صاحب الفضل أني أقوى بالشكل ده و أحقق هدفي و حلمي اللي عمري ما تخيلت إني أحققه"..
صمتت لبرهةً و أكملت بغصة يملؤها الأسى..
" و لازم تبقي عارف كمان أني عمري ما هسامحك على اللي عملته في أمي و فيا.. عمري ما هسامحك يا بوي"..
كانت أخر جملة وصلت لسمع" قناوي " زلزلت قلبه قبل أن يغلق عينيه و غرق في نومًا عميق..
تطلعت له قليلاً بأعين تحجرت بها العبرات، و من ثم ضغطت على زر بجواره، فهرولوا رجال الأمن إليها مسرعين..
" شيلوه من هنا و أخرجوا بيه من باب الشركة الخلفي و بلغوا حد من السواقين يوديه الصعيد ، و لما يفوق في أي وقت ابقوا طمنوني "..
حملوه في التو و اللحظة، و ساروا به لخارج المكتب تزامنًا مع دخول "جابر" مندفعًا، ليتسمر مكانه بصدمة حين وقعت عينيه على "قناوي" المحمول على أيدي أفراد الأمن، يبدو أنه فاقد الوعي تمامًا..
بقي مكانه للحظات، يقف بصمت يتنقل بعينيه بين"سلسبيل " و والدها حتى أختفي من أمامهم..
"اممم.. فاضل على الإجتماع 3 دقايق.. كويس إنك متأخرش يا جابر"..دمدمت بها "سلسبيل" و هي تنهض بتمهل من مقعدها و سارت بخطي جاهدت حتى تجعلها متزنة..
"أيه اللي حصل يا سلسبيل؟!"..تساءل "جابر" بقلقٍ جم..
تنهدت "سلسبيل" و هي تجيبه بجمود..
"مش وقته من فضلك يا جابر.. العملاء على وصول و لازم نكون في استقبالهم بنفس!.. "..
قطعت حديثها فجأة حين داعبت حواسها رائحة عطر تحفظها عن ظهر قلب..
رباه!!!.. من المؤكد أنه هنا، تشعر بأنفاسه تحاوطها، دقات قلبه يصل صدي صوتها إلى أذنها، تلاحقت أنفاسها، و انتفض بدنها كله دفعة واحدة حين سمعت صوته المُدمر ينطق إسمها بلهفة من بين أنفاسه المتقطعة..
"سلسبيل!!!"..
كتمت أنفاسها قبل أن تستدير ببطء، و تقابلت أعينهما بعد فراق دام لشهور، حينها شعرت بنصهارها كالشمعة من شدة إشتياقها له،يقف أمامها بطوله المُهيب، جذبيته الساحرة، هيبته، و وقاره كان مثالاً حي للأغواء و الفتنة..
"أهلاً مستر عبد الجبار"..
نطقت بها "سلسبيل" بعملية باحته، و ملامح نجحت في إخفاء مشاعرها تجاهه ببراعة، لكن قلبها خذلها و لم يتوقف عن الأرتجاف بين ضلوعها،
بينما وقف "عبد الجبار" مشدوهًا، يتطلع لها بصدمة من تغيرها الذي أذهله مرردًا بتعجب و هو يتنقل بعينيه بينها و بين" جابر "الذي لم يستطيع السيطرة على ضحكاته..
"مستر!! بجي أنا يتقالي مستر عبد الچبار؟! "..
"الصراحة مستر و عبد الچبار مش لايقين علي بعض خالص".. قالها "جابر " و هو يقهقه بصوتٍ عالِ، جعل "عبد الجبار" يرمقه بنظرة سامة..
"اتفضلوا على قاعة الاجتماعات".. قالتها" سلسبيل" مقاطعة إياهم بلهجة صارمة و هي تشير لهما على غرفة مقابل مكتبها..
كان" عبد الجبار " يتطلع لها بفم مفتوح على وسعه من شدة ذهوله من طريقتها الجديدة عليه و عليها كليًا، و تحدث مستفسرًا..
" وانتي عرفتي كيف أني چاي أحضر الاچتماع وياكم؟! "..
" و هو في شريك أساسي يملك أكتر من نص أسهم الشركة ميحضرش اجتماع مهم زي ده ؟! ".. قالتها دون النظر له، مثلت انشغالها بالنظر في ملف موضوع أمامها على المكتب، ومن ثم رفعت رأسها و أبتسمت له إبتسامة خبيثه مكملة..
"نورت شركتك يا عبد الجبار باشا!!! "..
يتبع.....
واستغفروا لعلها ساعة استجابة..
الفصل ال14..
جبر السلسبيل2..
✍️نسمة مالك✍️..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
داخل غرفة الاجتماعات انقضي وقت طويل كان الجميع منهمكين بالعمل بكل ما يملكون من تركيز، لكنهم لم يستطيعوا الوصول لإحترافية "عبد الجبار" التي ادهشتهم و أبهارتهم في آنٍ واحد فتمكنه في مجال إدارة الأعمال فاق الحدود..
كل منهم يحاول إظهار أفضل ما عنده حتى ينال إعجابه، خاصةً "سلسبيل"، عرضت تصميمتها التي قامت برسمهم بدقة و إتقان شديد، و مع مرور الوقت بدأت تشعر بالإرهاق، و الجوع معًا، فمسدت على بروز بطنها بكف يدها بمنتهي الرفق، أطلقت آهه خافتة لم تصل لسمع أحدًا سواه فتفهم على الفور ما تشعر به رغم أنه لم ينظر لها و لو لمرة واحدة..
بينما هي استغلت انشغاله بفحص الملفات المقدمة له، و ظلت تتأمل كل أنش فيه بملامح جامدة عكس الإشتياق و اللهفة اللتان يملئان قلبها المُتيم به، تحفر بداخلها ملامحه و قسمات وجهه الوسيم بأعين يتطاير منها الفرحة الغامرة بوجوده هنا معاها،لتداهمها ذكرى يوم طلاقها منه، و حديثه معاها أثناء طريقهم نحو منزلها في الإسكندرية..
.. فلاش باااااااااااك..
"اسمعي حديتي و أفهميه زين يا سلسبيل"..
نظرت له باهتمام تنتظر سماع باقي حديثه بنفاذ صبر..
أخذ "عبد الجبار" نفس عميق زفره على مهلٍ مغمغمًا..
"أني طلقتك مش عشان قولتيلي يا أنا يا أم بناتك لع، أنا خابر زين إنك قولتي أكده و صممتي على الطلاق من خوفك عليا من تهديد خضرا اللي قالتلك هتقتلني لو فضلتي على ذمتي"..
رباه!!!
أنه على علم بكل شيء حدث بينها و بين ضرتها! ، كيف علم، من أخبره، و لما طلقها إذن؟!، دارت هذه الأسئلة برأسها لكنها لم تستطع النطق بحرف واحد، بقت تطلع له بأعين جاحظة، منذهلة..
تنحنحت كمحاولة منها لإيجاد صوتها الذي خرج مرتعش و هي تقول مستفسرة..
" أنت عرفت كل ده إزاي؟ و لما عرفت طلقتني أنا ليه و سبت على ذمتك اللي عايزة تقتلك؟!"..
أجابها "عبد الجبار" بملامح حزينة يملؤها الأسف الشديد..
"عرفت من بتي فاطمة.. شافت أمها و هي بتحط منوم ليكم في الوكل.. عملت أنها كلت و نامت زي أختها و أمي بس هي كانت صاحية و سمعت كل حديتها وياكِ و قالتلي على كل اللي حُصل بعد ما وعدتها مأذيش أمها "..
صمت لبرهةً يلتقط أنفاسه و نظر لها بعينيه التي تذوب بتفاصيلها مكملاً بصوته الأجش ..
" و سبت اللي عايزة تطلقني على ذمتي لخاطر بناتي، وطلقتك أنتي يا سلسبيل عشان ده الصُح اللي كان لازم أعمله من الأول.. أنتي ضحية لينا كلنا.. أبوكي، أمي، أخوي الله يرحمه و يسامحه، خضرا، و إني كمان صممت اتچوزك و أني خابر إنك مبتحبنيش و مچبورة على چوازك مني"..
"و مين بس قالك إني مبحبكش؟! ".. أردفت بها و هي ترفع يدها و تضم وجهه بين كفيها الصغيران، و أصابعها تتحسس لحيته بشغف مكملة بعشق..
" ده أنا اعترفلك إنك كنت حلم بالنسبالي، و أمنيتي اللي مكنتش أتوقع أنها تتحقق.. أنا مش بس بحبك.. أنا بعشقك يا عبد الجبار "..
ختمت حديثها و مالت برأسها على صدره بعدما توقت عنقه بذراعيها..
"عشقك ليا ده وهم و هيجي عليكي الوقت و توفقي منه، و وقتها هتكرهيني و تكرهي اليوم اللي شوفتيني فيه، و أني الموت أهون عندي من نظرة كرهه ألمحها في عيونك يا بت جلبي، عشان أكده بحرم روحي منك دلوقتي قبل ما يچي الوقت اللي تحرميني أنتي فيه منك للأبد، لأني واثق إنك لما تفكري في حديتي ده زين هتلاقي عندي حق، وقتها هتحترميني و مش هتقطعي الوصل بنتنا، لكن لو لقيتي قلبك و عقلك متعلقين بيا كيف ما أني متعلق بيكي، و رايداني أردك على ذمتي مرة تانية لازم تكون بأرادك الكاملة ، من غير ضغط و إچبار من أي مخلوق يا سلسبيل"..
ابتعدت عنه و تطلعت له بأعين دامعة، و بهمس عاتبته قائلة..
" بعد كل اللي عشناه سوا، بتشكك في حبي ليك يا عبد الجبار؟!"..
حرك رأسه لها بالنفي سريعًا، و جذبها من خصرها داخل حضنه بلهفة..
" أني واثق من حبي ليكي.. لكن اللي جواكي من ناحيتي مجرد احتياج و بس مش حب، و أنا وفرتلك كل سُبل الحماية و الأمان اللي أنتي محتاجهم، لما تتعودي عليهم هتقدري ساعتها تعرفي إحساسك من چهتي أيه بالظبط، و أي إن كان قرارك أني هحترمه و هقدر يا سلسبيل "..
.. نهاية الفلاش باااااااااااك..
فاقت من تلك الذكرى على صوته ينادي عليها بقلق حين لمح العبرات تترقرق بعينيها الفاتنة التي تسحره بجمالها..
" سلسبيل أنتي زينة؟! "..
" اه كويسة.. كملوا شغل".. قالتها بأقتضاب و هي تنظر لملف موضوع أمامها، فرحتها الغامرة بحضوره التي تزين ملامحها أصبحت ممزوجة بالغضب و الغيظ أخفي فرحتها هذه حين تذكرت رفضه القاطع بردها على ذمته بعد علمه بأنها حامل منه لا يريد أن يكون بينهما رابط يجبرهما على العودة لبعضهما، يريدها كما قال بكامل إرادتها، حتى وصل به الأمر يطلب منها تقولها له صريحة، تخبره بكل ما تملك من جرئة أنها تريده زوجًا لها و هذا لا و لن تسمح لها كرامتها و لا كبريائها بفعله..
كل هذا تحت نظرات "جابر" الذي يتابعها بصمتٍ، و إبتسامة دافئة..
لا يريد أي شيء أخر غير أن يراها قوية، و تحيا حياة سعيدة حتى لو كانت سعادتها هذه مع غيره، منذ اللحظة التي أخبرته فيها بحملها و هو أيقن أنهما لن يتقابلان على طريق الحب أبدًا، و رغم هذا تعهد بحمايتها و دعمها لأنها ستظل صغيرته "سلسبيل"..
"خلينا ناخد ساعة راحة، و نعاود للشغل مرة تانية"..
قالها "عبد الجبار" و هو يرفع رأسه أخيرًا و ينظر تجاه معذبته التي ابتعدت مسرعة بعينيها عنه و مثلت إنشغالها بالأوراق أمامها..
نهض جميع الحضور من بينهم "جابر" الذي تحدث بعملية و هو يتنقل بين "سلسبيل " و" عبد الجبار "قائلاً..
"مدام الشغل مطول كده يبقي نطلب غدا.. تحبوا تاكلوا حاجة معينة ؟ "..
" عايزة بيتزا ميكس جبن يا جابر لو سمحت"..
قالتها "سلسبيل" بصوتها الهامس الرقيق، و هي تعتدل على مقعدها بوضع أكثر راحة، و رمقة "عبد الجبار" بنظرة خاطفة مكملة بابتسامة مصطنعة..
" و وصل مستر عبد الجبار لمكتبه الجديد اللي صممت كل ديكوره بنفسي"..
ذادت ابتسامتها اتساع، و تطلعت له بنظرة بدت باردة و تابعت بثقة..
"تصميمه مش هيعجبك.. بس هو عاجبني أنا و ده المهم"..
كتم "جابر" ابتسامته على طريقتها التي تثير جنون ذلك العاشق الملتزم بالصمت ، لم يتفوه بكلمة واحدة، أكتفي بالنظر للعاملين المرافقين لهم نظرة يخبرهم بها أن يتركوهم بمفردهم، و بالفعل بدأ الجميع يغادرون المكان واحد تلو الأخر..
"طيب يلا بينا يا عبد الجبار أوصلك لمكتبك و بعدها هطلب الأكل.. أطلب لك بيتزا أنت كمان و لا تقضيها سندوتشات زيي؟ ".. قالها" جابر" الذي نهض من مكانه و سار تجاه الباب..
"أطلب أي وكل مش هيفرق"..
نطق بها "عبد الجبار" و هو ينهض أيضًا، سار خلفه بخطوات هادئة أثارت الريبة بقلب تلك الجالسة جعل قلبها ينتفض أكثر بين ضلوعها خاصةً حين وجدته يغلق الباب عليهما بعدما خرج"جابر" مباشرةً..
" و ده إسمه أيه ده إن شاء الله يا مستر؟!".
قالتها بثبات تُحسد عليه عكس انصهارها و ذوبان عظامها..
"أني طلقت خضرا يا سلسبيل"..
قالها بغصة مريرة يملؤها الوجع، جملته هذه هزت كيانها كله، و أصابتها بصدمة للحظات قليلة، رسمت بعدها الجمود على محياها و هي تقول بلامبالاة..
" طلاقك لأبلة خضرا ميخصنيش.. دي حياتك و أنت حر فيها"..
قطع المسافة بينه و بينها في خطوتان فقط، حتى توقف أمامها مباشرةً المسافة بينهما لا تُذكر لكنهما لا يتلامسان..
"اتوحشتك قوي قوي يا حبة القلب"..
قالها و هو يرمقها بنظراته التي يشتعل بها نيران شوقه إليها..
أنهارت كل قوتها المزيفة بلمح البصر، توردت وجنتيها بحمرة الخجل، و نظرت له نظره يملؤها الحب مرددة بتنهيدة كالمغيبة..
"و أنت؟!"..
لم تُكمل حديثها، و كأنها أستعادة وعيها سريعًا..
"وأنت لا.. موحشتنيش خالص يا عبد الجبار "..
رفع حاجبيه معًا و تطلع لها بابتسامة عابثة، و من ثم رفع أكمام قميصه عن معصميه، و فتح أول أزراره ليظهر بداية صدره العريض أمام عينيها المُتيمة به، حينها تردد بقلبها سؤال واحد فقط..
كيف حال الدفء على صدره؟!..
شهقت بصوتٍ خفيض حين جثي فجأة على ركبتيه أرضًا أمامها، و جذبها بمقعدها عليه حاصرها بجسده، شعرت بمدى ضئلتها بين ذراعيه الضخمه،
لم يعطيها الفرصة حتى للاعتراض و مد يده حاوط بطنها الصغيرة بكفيه يتحسس حركة طفله بلهفة شديدة..
"من حجي أطمن على ولدي اللي في بطنك"..
قالها بابتسامة لعوب و هو يتفرس ملامحها بافتنان لا يخلو من الإشتياق..
تنحنحت "سلسبيل" كمحاولة منها لإيجاد صوتها، و رفعت يدها دفعته بكتفه تبعده عنها بعنف لكنه كالصخر لم يتزحزح من مكانه و لو أنش واحد، بل ألتصق بها أكثر..
" و أنت مين قالك إن اللي في بطني ولد أصلًا؟!"..
تطلع لها بفرحة غامرة حقيقية و هو يقول بتساءل..
"بنت؟ حامل في بنت يا سلسبيل؟"..
رمقته بنظرة يتطاير منها الشرر و صاحت في وجهه بغضب قائلة..
"و لا بنت"..
نظر لها بحاجب مرفوع، و مال بوجهه على وجهها حتى تلامست أنفهما مغمغمًا بحرارة..
" يعني لا واد و لا بت!! أمال حامل في أيه عاد؟"..
خطف قبلة من أرنبة أنفها مكملاً ..
" نوع الكائن اللي عمال يخبط شمال و يمين و بيچري تحت يدي ده أيه؟!"..
"ملكش فيه.. لما أولد إن شاء الله أكيد هتعرف وقتها اللي بيجري ده نوعه أيه ".. أردفت بها و هي تكافح بضراوة لتتخلص من حصاره هذا..
كانت عينيه مثبته على شفتيها، و هم بغمرها بقبلة جامحة،
ضيقت عينيها و قد تفهمت ما يدور بذهنه، فضحكت بصوتها كله و هي تقول..
"أنت فاكر إني كنت رافضة أرجعلك بسبب أبلة خضرا ، و دلوقتي ممكن نرجع عشان طلاقتها؟!.. اللي بتفكر فيه ده مستحيل يحصل لأن أنت كنت على حق في كل كلمة قولتها ليا، و أنا اللي غلطانه.. شعوري نحيتك كان مجرد احتياج للحماية فعلاً..مش حب و لا عشق زي ما خيالي المريض صورلي"..
نظرت داخل عينيه بعمق و تابعت بقسوة نابعة من جروحها التي مازالت تنزف..
" يعني أنا مبحبكش ياريت تفهم ده كويس، و بما إني اتعلمت احمي نفسي بنفسي و الفضل في ده يرجع ليك الحقيقة فأنا بعترفلك أني مديونة ليك بالشكر لأنك صممت على انفصلنا يا عبد الجبار، و أنت كنت قولتلي إنك هتحترم قراري"..
كلماتها أصابته بمقتل، شعرت بتصلب جسده حولها، أيقنت الآن أنها خسرته للأبد من نظرته لها المملؤه بالحسرة و الوجع،طعنته في قلبه بسكينٍ بارد، أبتعد عنها ببطء و انتصب واقفًا بطوله المُهيب وتحدث بصلابة قائلاً ..
" و أني عند كلامي.. قرارك هنفذه و مش هردك لعصمتي و من انهاردة اللي بنا هيكون اللي في بطنك سواء بنت أو ولد، و الشغل و بس يا سلسبيل هانم"..
....................................... سبحان الله وبحمده......
بالخارج..
وقف "جابر" مستند بكفيه على مكتب" صفا" يتأملها بشغف،تلك الفتاة الخلوقة، وصية والدته التي أكتشف أنها يتيمة الأبوين و أن زوج والدته يكون صديق والدها الذي لم يُرزق بأطفال فتخذها ابنة له بعد وفاة والدها و والدتها في حادث أليم نجت هي منه بمعجزة إلهية،
ابتلعت لعابها بصعوبة من نظراته الجديدة كليًا عليها، يتطلع لها بابتسامة دافئة لا تخلو من الإعجاب مردفًا..
" أطلب لي بيتزا معاكِ "..
" بيتزا!!.. بس أنت قولت قبل كده إنك مبتحبهاش؟"..
همست بها "صفا" بستحياء متجنبة النظر له، ليميل هو برأسه قليلاً عليها، فنظرت له بأعين متسعة على أخرها من تغيره المفاجئ معاها، ليزيد هو من دهشتها حين قال..
"أصلي المرادي واثق إني هحبها زي ما هي بتحبني و أكتر كمان"..
رمشت بأهدابها مرات متتالية مدمدمة ببلاهة..
"هي مين دي اللي بتحبك؟!"..
نظر لها نظرة مصطنع البراءة و هو يجيبها..
"البيتزا يا صفا.. هيكون أنتي مثلاً اللي بتحبيني؟! و مش بس كده ده أنا كمان هطلب ايديها للجواز انهاردة..بس تفتكري هي هتوافق على طلبي ده؟ "..
تجمعت الدموع بعينيها جاهدت للسيطرة عليهم تمنعهم من الهبوط، و تحدثت بابتسامة متألمة قائلة..
"لو عليها هي أكيد هتوافق على طلبك يا جابر بس معتقدتش إن أنت اللي هتوافق عليها لو عرفت أن؟! "..
صمتت لوهلة، و اعتدلت بمقعدها أظهرت إحدي قدميها، رفعت ثوبها بضعة أنشات لتظهر أمام عينيه طرف صناعي ترتديه بقدمها اليمني..
"رجلها مبتورة"..
"بس أنا عارف يا صفا.. عرفت عنك كل حاجة و بتمني توافقي على طلبي"..
هنا انهمرت عبراتها على وجنتيها بغزارة، و حركت رأسها بالنفي مرددة بأسف..
"أنا سمعت الكلام ده قبل كده من خطيبي الأولاني، و في الأخر سبني قبل الفرح بأسبوع.. و أنا معنديش إستعداد يحصل فيا كده تاني يا جابر"..
مسحت دموعها بعنف، و نهضت من مكانها مكملة بأسف قبل أن تسير من أمامه بخطي شبة راكضة..
"طلبك مرفوض"..
................................. سبحان الله العظيم..........
" خضرا"..
بعد أن تأخر" عبد الجبار " للعودة إلى المنزل عدة ساعات طويلة، كانت تظن أنه لن يتردد في ردها كل هذا الوقت، لكن من الواضح أنه لن يتراجع عن يمينه، هداها تفكيرها إلى لملمت ما تبقى من كرامتها،قررت أن تعود للصعيد، بدأت تجمع ثيابها و ثياب ابنتيها..
" أنتي بتعملي أيه يا أماي ؟! "..
قالتها "فاطمة" بتساءل و هي تتنقل بنظرها لحقائب الثياب الكثيرة من حوالها..
"هنمشي من أهنة يا فاطمة.. خلاص لحد أكده.. أبوكي طلقني و مبقاش رايداني"..
بكت "فاطمة" و هي تقول..
"لا يا أماي أحب على يدك خلينا أهنة في دار أبوي و هو هيعاود.. مش هيعوق علينا هو واعدني أنه هيسامحك و مهيأذكيش واصل"..
نظرت لها "خضرا" بلهفة، و تحدثت مستفسرة..
"وعدك أمتي و وعدك ليه؟! "..
ظهر الخوف على ملامح الصغيرة، لتطمئنها" خضرا" و تربت على ظهرها بحنو قائلة..
" في أيه يا بتي.. في حاچة مخبيها عليا؟ "..
حركت" فاطمة" رأسها بالإيجاب، و تحدثت بصوتٍ مرتجف قائلة..
" أني شوفتك يا أماي.. شوفتك و أنتي بتحطي حاچة في الوكل لچدتي و خيتي وبعد ما أكلوا ناموا طوالي..عملت حالي نمت أني كمان و سمعت حديتك عن قتل أبوي اللي قولتيه لسلسبيل.. خوفت تعملي أكده في أبوي فقولتله لأچل ما يدافع عن نفسه و لما قولتله أكده قالي أمك عمرها ما هتعمل فيا أكده و طمني و وعدني أنه مش هيأذيكي و لا هيهملك تأذيه"..
أجهشت " خضرا " في نوبة بكاء مرير، تذرف دموع الندم، نادمة على ما أوصلت نفسها إليه، كانت حياتها مثالية قبل أن تُشجع زوجها على الزواج من امراءة غيرها، من المفترض كانت رفضت الفكرة من بادئ الأمر و أغلقت باب تلك الرياح القوية التي هدمت حياتها، بموافقتها على فكرة الزواج من الأساس شجعت زوجها على أتفاقه مع الطبيب ليتمكن من أقناعها أكثر..
"هنمشي يا أماي؟!"..
أطبقت "خضرا" جفنيها بعنف، و بتنهيدة متألمة قالت..
"أيوه يا فاطمة.. هنمشي! "..
قطعت حديثها و شهقت بذعر حين استمعت لصوت رجل يتحدث بفحيح كفحيح الأفاعي قائلاً..
"هتمشي يا خضرا بس هتمشي من الدنيا كلها يا وش الخراب"..
استدارت على الفور تنظر تجاه مصدر الصوت، لتجحظ عينيها بصدمة حين وجدت "حسان" يدلف داخل الغرفة ممسك بيده أبنتها" حياة" كاتم فمها بكف يده، و يده الأخرى واضعًا سلاحه الناري على رأسها..
انقطعت أنفاسها، و كاد أن يتوقف قلبها المرتعد من شدة الخوف، و هرولت بإخفاء ابنتها "فاطمة" خلف ظهرها، و تطلعت له بأعين زائغة مرددة بذهول..
"حسان!!.. أنت دخلت أهنه كيف؟!"..
"وه نسيتي إياك إني كنت حارس البيت أهنه و خابر زين كل شبر فيه قبل ما أطرد منه بسببك و اتشرد بالشوارع ملقيش شغل واصل بعد ما الكل خد صف الكبير و رفضوا يشغلوني عندهم، هملني و مقتلنيش عشان خابر أني هموت بالحيا من الجوع و قلة الفلوس"..
قالها" حسان"بغضب عارم، و حقد دفين ظاهر على قسماته المتوحشة..
بينما" فاطمة" استغلت اختفائها خلف والدتها، و أخرجت هاتفها من جيب منامتها، و طلبت رقم والدها الذي أجابها في الحال..
" فاطمة.. في حاچة يا بتي؟! "..
أتاه همسها الباكي تقول بصوتٍ مكتوم..
" إلحقنا يا بوي هيموتنا"..
برغم أن جملتها كانت غير واضحة، إلا أنه انتفض من مكانه فجأة و ركض بكل ما يملك من سرعة حين وصل لسمعه صوت "خضرا" تقول ببكاء و توسل..
"همل حياة يا حسان.. البنتة ملهاش صالح.. أقتلني أني و همل بناتي أحب على چزمتك..."..
يتبع......
واستغفروا لعلها ساعة استجابة..
الفصل ال15..
جبر السلسبيل2..
✍️نسمة مالك✍️..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله...
"سلسبيل"..
بعد حديثها الحاد المغلف بالقسوة مع "عبد الجبار" ظنت أنه سيغادر الشركة، لكنه أدهشها حين بقي و تابع عمله معاها ، كانت تتابعه طيلة الوقت بأعين متلهفة و قلب ينفطر من أجله، تشعر بمدى ألمه التي تسببت هي فيه،على علم بأن كلماتها كانت جارحة لأقصى حد، و هذا ما كانت تريده من الأساس، أرادت أن يشعر بوجعها منه حين تركها و هي في أشد الحاجة إليه..
أقسمت بداخلها لولا وجود العاملين من حولها، لكانت عانقته الآن و غمرته بقبلة عاشقة لن تنتهي إلا بعدما تعود بها زوجته على ذمته مرة أخرى..
هيئت نفسها لفعلها فور إنتهاء هذا الإجتماع اللعين، لن تدعه يذهب هذه المرة، نيران الفرق تحرق فؤادهما معًا، تعترف أن عشقها له انتصر على قوتها الزائفة التي تتحلى بها، تريده هو فقط و لا شيء أخر في هذه الحياة بأكملها غيره..
ليأتيه هذا الإتصال الذي جعله ينتفض من مقعده مسرعًا، و سار من أمام عينيها بخطوات راكضة.
"رايح فين يا عبد الجبار؟!"..
قالتها "سلسبيل" بقلق و هي تنهض و تُسرع خلفه، ليوقفها مكانها بنظره عاتبه من عينيه التي تتسع بخطورة حبست أنفاسها، جمدتها محلها تطلع له بأعين غامت بهما سحابة تهدد بتساقط دموعها على هيئة أمطار غزيرة..
ظلت عينيه عليها حتى أختفي من أمامها لتهرول هي نحو النافذة فرأته يقفز داخل سيارته و قادها بسرعة عالية، و خلفه "جابر" يلحق به بسيارته..
ظلت واقفة مكانها تتابع قلبها و هو يفارقها و يذهب معه، حاولت السيطرة على نفسها قدر أستطاعتها حتى لا تنفجر في نوبة بكاء مرير، أطلقت أنفاسها المحبوسة و رفعت يدها زالت تلك العبرات العالقة بأهدابها قبل أن تستدير متوجهه نحو مكتبها و هي تقول..
"تقدروا تتفضلوا على مكتبكم و الملفات اللي اختارها عبد الجبار باشا تكون جاهزة على مكتبي بكرة أصبح قبل الساعة تسعة"..
خطفت حقيبتها ، و ارتدت نظارتها الشمسية تخفي بها عينيها الحمراء، و غادرت الشركة بخطي غاضبة،مرت بضعة دقائق و صف السائق السيارة الخاصة بها داخل حديقة منزلها..
اندفعت هي منها لداخل المنزل راكضة بوهن، لتقابلها"عفاف" فاتحة ذراعيها لها بعدما هاتفتها" صفا" و اخبرتها بأن حالتها لا تُبشر بالخير أبدًا بسبب اليوم العصيب التي مرت به..
"سلسبيل.. يا حبيبتي يا بنتي تعالي في حضني"..
أردفت بها "عفاف" بصوتٍ تحشرج بالبكاء، لترتمي "سلسبيل" داخل حضنها، و أجهشت ببكاء حاد مرددة بتقطع من بين شهقاتها..
"جرحته زي ما جرحني يا ماما عفاف.. قولتله كل الكلام اللي فضلت شهور برتب فيه عشان لما اقابله أوجعه بيه يمكن يحس بيا ويعرف هو وجع قلبي إزاي.. حتي أبويا كمان وقفت قدامه و دافعت عن نفسي لأول مرة من ظلمه.. أنا انهاردة قولت كل حاجة جوايا كان نفسي أقولها ل عبد الجبار و ل أبويا.. كنت مفكرة هرتاح بعد ما أوجعهم زي ما وجعوني بس أنا مش مرتاحة.. مش مرتاحة خالص.. جرحت قلب عبد الجبار بكلامي اللي زي الخناجر بس قلبي أنا اللي بينزف يا ماما "..
ابتعدت عنها و ضربت بكف يدها على موضع قلبها بقوة، لتسرع"عفاف" بإيقافها، و وضعت كف يدها على قلبها و أردفت ببكاء على بكائها..
" بسم الله على قلبك يا بنتي"..
لتصرخ" سلسبيل " صراخ مقهور..
"ااااه قلبي أنا اللي ذاد وجع على وجعه.. و اللي قهرني أني بعدته عني لما حاول يحضني..مشي و سابني قبل ما ياخدني في حضنه.. كان جبرني على حضنه..كان جبرني على رجوعي ليه..أنا موافقة أنه يجبرني عليه.. إزاي بس مش فاهم أنه جبر السلسبيل.. إزاي مش فاهم أني عايزاه و محتجاله يا ماما.. إزاي صدقني لما قولتله إني مبحبوش و هو عارف إني بعشقه..إزاااااااي!!! "..
" أهدي يا بنتي.. بحلفك بالله العظيم تهدي عشان خاطر اللي في بطنك "..
جلست على الأرض محتضنة بطنها بلهفة، و ظلت تبكي و تأن بضعف و هي تقول ..
" اللي في بطني؟!.. حتى لما سألني عليه مرضتش أقوله ولد و لا بنت.. مرضتش أريحه و في الحقيقة محدش تعبان غيري أنا "..
جلست" عفاف" أرضًا بجانبها، تربت على ظهرها بحنان بالغ، لينتفض قلبها حين رأتها تتوقف فجأة عن البكاء، مسحت دموعها بعنف، و قد تحولت ملامحها لأخرى مخيفة، تحاملت على نفسها و انتصبت واقفة و هرولت لخارج المنزل مرددة بنفاذ صبر ..
" أنا هروحلوا.. هروحلوا و أقوله كفايا فراق لحد كده"..
................................ سبحان الله وبحمده.........
"عبد الجبار"..
كان يضع الهاتف على أذنه أثناء قيادته، يسابق الزمن و الرياح حتى يصل إلى ابنتيه اللتان يصرخان بأسمه صرخات تشق قلبه شقًا، و أخيرًا وصل أمام باب منزله المغلق، ليقتحمه على الفور كسر الباب بأكمله، ليتأهب جميع الحرس رافعين سلاحهم تجاهه، إلا أنهم اخفضوا سريعًا حين لمحوه هو..
اندفع خارج السيارة راكضًا لداخل المنزل بعدما خطف سلاح ناري من يد إحدي الواقفين..
"فااااطمة.. يا أمه.. يا حيااااة"..
صدح بها بصوتٍ جوهري، لينصدم بوالدته تجلس في ردهة المنزل تتناول كوب من الشاي بتلذذ، و تطلع له ببرود قائلة..
"خير يا ولدي.. مالك چاي على ملا وشك ليه أكده؟!"..
دار بعينيه المذعورة في المكان من حوله مغمغمًا..
"بناتي و أمهم فين يا أمه؟! "..
" كانوا أهنة من هبابه.. هتلاقيهم فوق في أواضهم"..
ركض هو بأنفاس متقطعة على الدرج المؤدي للطابق الثاني، لتبتسم "بخيتة" بخبث، فقد رأت" حسان" و هو يدلف لداخل المنزل، و تركته حين استمعت لحديثه و أيقنت أنه أتى لقتل "خضرا"..
"يله خلص يا حسان على بت المركوب القديم و خلصنا منها".. تمتمت بها بسرها، و ظلت مكانها تنتظر سماع الطلق الناري الذي بالتأكيد سيُصيب من تطيق العمى و لا تطيق وجودها..
"يا مُرحب بالكبير.. أني مستنيك من ياما"..
نطق بها "حسان" حين وقعت عينيه على "عبد الجبار" الذي صوب تجاهه السلاح، ليضغط" حسان" على رقبة أبنته" حياة"، و رمقه بنظرة محذرة أجبره على إلقاء سلاحه في الحال..
"همل حياة يا حسان.. البنتة الصغيرة ملهاش صالح بلي بيحصل بنتنا"..
تطلع له" حسان" بملامح كساها الحزن ، و تحدث بندم حقيقي قائلاً..
"أني عمري ما كنت هخونك يا كبير.. لولا الشيطانة اللي دخلت بنتنا. هي السبب يا كبير.. هي اللي فتحت باب الشر من الأول"..
كان يتحدث و عينيه مثبته على" خضرا " التي تحاوط أبنتها" فاطمة" بحماية، و تبكي بصمت، لقم سلاحه و وجهه نحوها و قد عماه غضبه و قرر ينهي حياتها، شعرت بالموت يحوم حولها فرفعت عينيها الغارقة بالدموع و نظرت ل" عبد الجبار" و همست بصعوبة بالغة..
" سامحني يا عبد الچبار.. سامحني يا خوي! آ ااه"..
قطعت حديثها و صرخت بعويل حين صدح صوت الطلق الناري..
.............................................سبحان الله العظيم......
"سلسبيل"..
وصلت للتو إلى منزل "عبد الجبار" لتجد بابه مفتوح على مصراعيه و لا يوجد أي أحد من الأمن، خطت للداخل بخطي مرتجفة و أعين مترقبة، و قلب تسارعت دقاته حين لمحت "خضرا" تسير بخطي مريبة كما لو كانت تحولت لإنسان ألي،حامله بيدها شيء تخفيه خلف ظهرها حتى توقفت أمام مكتب "عبد الجبار" الموضوع عليه كأس من العصير، تطلعت حولها تتأكد من عدم وجود أحدًا، و للعجب لم ترى "سلسبيل" التي تتابعها بأعين جاحظة، و قامت بإظهار زجاجة صغيرة، سكبت منها القليل على كأس العصير و اخفتها من جديد..
تفاجأت "سلسبيل" ب "عبد الجبار" حين لف بالمقعد الجلدي الموضوع خلف المكتب، مد يده و أخذ كأس العصير و تناوله دفعة واحدة بصمت..
رأت الكأس سقط أرضًا من بين أصابع يده، تهشم و تناثرت القطع الزجاجية بالمكان، تطلعت لزوجها بأعين متسعة، مذعورة لتجد وجهه شاحب للغاية يظهر عليه الألم الشديد،
ألم لم يستطيع تحمله، جعل عينيه زائغه، و جسده يترنجح بوضوح كلما حاول النهوض حتى أوشك على السقوط من فوق مقعده، هنا صرخت بأسمه صرخة مدوية هزت القلوب و جدران المنزل معًا، هرولت تجاهه راكضه بخطي مرتجفة متعثرة ..
"عبد الجباااااااار...."..
كان صراخها بإسمه أخر شيء استمع إليه من بين شفتيها قبل أن يغلق عينيه و يغيب عن الوعي أو ربما عن الحياة بأكملها..
"سلسبيل أصحى يا بنتي.. فوقي يا حبيبتي"..
هكذا أيقظتها "عفاف" بعدما غرقت في نومًا متعب بعد جملة "محدش تعبان غيري" أجهشت بعدها في وصلة بكاء دامت لوقتٍ طويل ، لتفتح "سلسبيل" عينيها بذعر و لم تتوقف عن الصراخ بأسم من ينبض قلبها بأسمه..
" عبد الجباااار.. عبد الجبار يا ماما عفاف.. حصله حاجة.. في حاجة.. وديني عنده يا ماما عفاف أبوس إيدك"..
كانت "عفاف" يظهر عليها الخوف و الحزن الشديد، و عينيها حمراء و منتفخة للغاية،لكنها تحدثت بهدوء عكس هيئتها..
"طيب بطلي صريخ يا سلسبيل و قومي غيري هدومك و أنا هوديكي عنده"..
نهضت" سلسبيل " من الفراش بجسد يرتعش بوضوح، و صرخاتها أصبحت غير إراديه لا تستطيع السيطرة عليها تصرخ بلا توقف مرددة بقلب ملتاع..
"عبد الجباااار فيك أيه يا قلب و روح سلسبيل"..
................................ لا إله إلا الله وحده لا شريك له...........
" جابر"..
وصل أمام منزل "عبد الجبار" تزامنًا مع صوت إطلاق النار، ترك سيارته بمنتصف الطريق غير عابئ بمصيرها و ركض بكل سرعته خلف أفراد الأمن لداخل المنزل، مروا من أمام "بخيتة" التي تجلس بأريحية و إبتسامة متسعة على وجهها، و قد ظنت أن مرادها تحقق، و تخلصت من طليقة إبنها للأبد، ليتخشب جسدها، و شعرت بالدنيا تومض من حولها حين وصل لسمعها صوت صرخات "خضرا" و أبنتيها معًا يرددون بنواح..
"عبد الچبااااااااار.. أبوااااااااي"..
حاولت النهوض بشق الأنفس و سارت بخطي بطيئة متثاقلة تدفع بعكازها كل من يعوق طريقها حتى وصلت إلى الغرفة الصادر منها صوت الصرخات المرعبة، ليسقط عكازها من يدها حين لمحت جسد وحيدها ممد على الأرض، قميصه الأبيض غارقًا بدمائه..
كانت" خضرا" و ابنتيه يجلسون حوله، و "جابر" أيضًا يجلس بجواره واضعًا رأسه على قدمه..
"جابر".. حرك "عبد الجبار" شفتيه بها دون إصدار صوت، ليلبي "جابر" ندائه، و مال عليه ليتمكن من سماعه، كان "عبد الجبار" يجاهد ليفتح عينيه، نظر له بأعين ألتمعت بها الدموع، و همس بصوتٍ لاهث قائلاً..
"أمي و بناتي و!! "..
صمت لوهلة لتهبط دمعة حارقة على خديه مكملاً بمنتهي الصعوبة..
"سلسبيل في أمانتك.. سلسبيل "..
كانت هذه أخر كلمة قالها قبل أن يغلق عينيه و يستسلم لقدره وسط صرخات أبنتيه التي تشق القلوب..
"مش هتموت يا عبد الجبار.. فااااهم مش هتموت"..
قالها" جابر " الذي استجمع شتات نفسه و نهض مسرعًا، حمله على كتفه و هرول به لأقرب مستشفى..
يتبع.......
واستغفروا لعلها ساعة استجابة..
الفصل ال16..
جبر السلسبيل2..
✍️نسمة مالك✍️..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
"خبر عااااجل"..
إصابة رجل الأعمال "عبد الجبار المنياوي" بطلق ناري داخل منزله و تم نقله لإحدى المستشفيات الخاصة في حالة حرجة للغاية...
"عودة لتلك اللحظة الحاسمة"..
بعد كل ما فعلته" خضرا" بحق نفسها و بحق زوجها و أبنتيها من خطأ فادح حين لجأت لرجل غريب و فتحت له بنفسها باب حياتها دخل منه بكل جرائة حتى وصل به الأمر إلى وقوفه هنا بغرفة نومها ممسك سلاح ناري يهدد به حياتها و حياة عائلتها بأكملها، وقف" عبد الجبار " على أتم إستعداد ليضحي بنفسه و لا يرى مكروه في فلذات أكباده..
نظر ل "خضرا" نظرة مليئة بالحب و العرفان كم اشتاقت لها، يخبرها بعينيه أن كل ما فعلته ما هو إلا رد فعل ناتج عن أفعاله معاها..
كان "حسان" موجهه فواهة المسدس تجاه "خضرا" شد أجزاءه يستعد لاطلاق الرصاص عليها، و ضغط الزناد لتخرج منه طلقة كانت سرعتها أقل من "عبد الجبار " الذي تناول سلاحه الملقى بجوار قدمه ، و أطلاق النار على "حسان" أصابه بمنتصف رأسه فسقط قتيلاً في الحل، و وقف أمامها كالسد المنيع مستقبلاً الطلقة بصدره بدلاً عنها، كل هذا حدث في لمح البصر..
قوة الطلقة جعلته يتراجع بجزءه العلوي للخلف فلتقطته "خضرا" محاوطة خصره بذراعيه، وقف مكانه للحظات يتطلع لها من فوق كتفه مغمغمًا بأنفاس متهدجة..
"سامحيني أنتي يا خضرا.. أنا رديتك أنتي و سلسبيل لعصمتي وخابر زين إنك مش هتأذيها لا هي و لا اللي في بطنها"..
خارت قواه فهبط على ركبتيه، و عينيه تتنقل بين ابنتيه بابتسامة يحاول يدخل بها الطمأنينة على قلوبهما..
"ياااا أخوي.. لاااا يا عبد الچبار.. متسبناش يا أخوي.. أحب على يدك متعملش فيا أكده"..
صرخت بها" خضرا" بجنون و هي تراه يميل بجسده على الأرض و دمائه تدفق على صدره بغزاره..
حتى وصل "جابر" و من بعد "بخيته" التي سقط منها عكازها، و من ثم سقطت هي بجانبه داخل الحفرة التي ظنت بأنها حفرتها ل" خضرا" لتسقط هي فيها و تقع بشر أعمالها بعدما فقدت القدرة على تحريك جميع أطرافها، بطرفة عين أصبحت لا تقوى على شيء سوي النظر حاجظة العينين تردد بهذيان..
"عبد الچبار يا ولدي.. سندي.. ظهري.. راچلي"..
...................................لا إله إلا الله وحده لا شريك له.......
أنتشر خبر إصابة "عبد الجبار" بسرعة البرق بكل القنوات الإخبارية، و على صفحات الجرائد و المجلات، و حتي مواقع التواصل الإجتماعي، من هنا وصل الخبر ل "عفاف" التي صُعقت من قوة الصدمة، لم تستطيع إخبار" سلسبيل " بهذا الخبر الحزين، بل المميت، فضلت الصمت و منعت عنها أي وسيلة ممكن أن تنقل لها الخبر و أولهم هاتفها ..
أخذتها بسيارتها و قادت بنفسها قاصدة عنوان المستشفى الذي أرسله لها "جابر"، هناك ستكون تحت رعاية الأطباء إذا حدث لها أي شيء لقدر الله..
تطلعت" سلسبيل" للطريق من حولها، و أردفت بثبات مريب قائلة..
"إحنا رايحين المستشفى؟ يبقي أحساسي صح يا ماما عفاف و عبد الجبار جراله حاجة !"..
ظلت "عفاف" ملتزمة الصمت، تُمثل انشغالها بالقيادة، بينما "سلسبيل" رغم ثباتها إلا أنها تحولت للنقيض تمامًا، تملكت منها قوة غريبة أرغمتها على الهدوء، هدوء مخيف يُهدد بعاصفة شديدة ربما تدمر الأخضر و اليابس ، نظرت للسماء من نافذة السيارة بأعين مستجدية و ملامح شاحبة بعدما أنسحبت الدماء من عروقها، متمتمة بأنفاس منقطعة ..
" يارب.. أجبر قلبي و احفظهولي يارب "..
بقت على هذا الحال طول الطريق، لا تتفوه إلا بتلك الجملة مرارًا و تكرارًا بلا توقف..
حتى صفت "عفاف" سيارتها أمام باب المستشفى أخيرًا، هبطت "سلسبيل" تجر قدميها جرًا نحو الدخل، لا ترى أمامها من شدة أنفعالاتها المتضاربة، تترنجح يمينًا و شمالاً كالمخمورة،أنفاسها تتلاشى شيئًا فشيئًا، تشعر بجسدها ثقيل كما لو كانت تغرق بأعماق بحر مظلم، لوهلة ظنت أنها تحيا إحدي كوابيسها البشعة،تسير بجوارها "عفاف" ممسكة بيدها، لتشهق فجأة شهقة قوية حين استنشقت رائحة عبق حبيب روحها، استجمعت شتات نفسها و قادها قلبها نحو مكانه..
كان الجميع يقف أمام باب العمليات إلا "بخيتة" التي دخلت للعناية المركزة لصعوبة حالتها الصحية، لمحتها "خضرا" فهرولت نحوها بخطوات متعثرة حتى وقفت أمامها مباشرةً، تطلعت لها "سلسبيل" بملامح بدت جامدة، رغم أنها تأثرت و شعرت بالشفقة عليها بسبب حالتها المزرية، نظرت لها نظرة طويلة و دموعها تسيل على وجنتيها الملتهبة أثر لطم خديها و تحدثت بصوتٍ مبحوح للغاية بعد وصلة صراخ كادت أن يمزق أحبالها الصوتية..
"حقك عليا يا خيتي.. أني غلط في حقك.. سامحيني يا سلسبيل"..
ختمت حديثها و عانقتها و اجهشت بنوبة بكاء مرير مرددة بنواح..
. عبد الچبار فداني بعد كل اللي عملته و خد الطلقة مكاني.. اااه يا حرقة جلبي عليك يا راچلي"..
ابتعدت عنها قليلاً و نظرت لها بشبه إبتسامة مكملة..
"رچلنا يا سلسبيل.. عبد الچبار قالي أنه ردك يا خيتي "..
تسمرت "سلسبيل" محلها لبرهةً، و من ثم بادلتها عناقها هذا، يدها تربت على ظهرها و ها قد أجتمعوا أخيرًا على حب رجل واحد، مدمدمة بثقة عمياء..
"أهدي يا أبلة خضرا و بطلي عياط.. عبد الجبار هيقوم منها و هيبقي كويس"..
هدوئها الغير لائق بالمرة على هيئتها المتألمة جعل الجميع ينظرون لها بترقب ينتظرون إنهيارها بأي لحظة،
لكنها خلفت ظنونهم و بقت هادئة، مسالمة عكس ما بداخلها من صخب و ألالام تفوق التحمل تكاد أن تزهق روحها..
كانت هناك حالة من الهرج و المرج داخل المستشفى المتواجد بها "عبد الجبار" جميع العاملين بها بلا استثناء يعملون على قدم وساق ليتمكنوا من إنقاذه، لتلجمهم جميعًا الصدمة حين حددو مكان الرصاصة التي تقع بجوار القلب مباشرةً و إذا تحركت أنش واحد ستُسبب جرح بعضلة القلب نفسها..
"إحنا بنعتذر محدش هيقدر يجازف و يعمل العملية ل عبد الجبار باشا لأن فيها خطورة كبيرة على حياته"..
قالها مدير المستشفى بنفسه صدم بها "سلسبيل" التي سقطت على ركبتيها أرضًا، و إثار غضب "جابر" الذي قبض على عنقه بقبضته الفولاذية مغمغمًا.
"يعني ايييه محدش هيجازف.. يعني هتسبوه لغاية ما يموت يا ولاد ال***؟!"..
" مافيش غير جراح واحد في مصر هو اللي هيقدر يعمله العملية دي".. قالها المدير بأنفاس مقطوعة، ليخفف "جابر" قبضته قليلاً حول عنقه، و صرخ في وجهه بنفاذ صبر قائلاً..
"ميييين هو أنطق؟"..
"جراح القلب الدكتور أيوب زيدان...إحنا حاولنا نتصل بيه بس تليفونه مقفول، كلمنا المستشفى اللي هو مديرها بلغونا إن انهارده أجازته، هكتبلك عنوان بيته و روح هاته بنفسك لأن مافيش قدامنا وقت"..
بالفعل تركه "جابر" على مضض، فأخرج ورقة و قلم من جيب البالطو الخاص به و دون بها عناوين دكتور" أيوب " خطفها منه" جابر " و استدار يستعد للذهاب، ليجد"سلسبيل " جالسة أرضًا بجوارها" عفاف" و" خضرا" يحاولان مساعدتها على النهوض، لكنها أبت و ظلت على وضعها محتضنة بطنها بذراعيها في حالة ذعر شديد و مع ذلك لا تبكي متماسكة لأقصى حد،
هرول نحوها وجثي أمامها على ركبتيه، و جذبها بمنتهي الرفق من معصميها أرغمها على الوقوف، و دفعها بخفه لأقرب مقعد أجلسها عليه مغمغمًا..
"متخفيش يا سلسبيل إن شاء الله عبد الجبار هيقوم منها .. ادعيلوا أنتي بس و فوضي أمرك لله "..
أنهى جملته و أختفي من أمامها كالزئبق، ركض بكل ما يملك من سرعة حتى يحضر الطبيب لينقذ حياة الشخص الذي أصبح أعز صديق بالنسبة له..
................................... يا حي يا قيوم برحمتك استغيث....
حالة من الذهول أصابت" جابر " حين وصل بسيارته لعنوان الطبيب "أيوب"، تطلع حوله للمنطقة الشعبية شديدة البساطة التي لا تتماشى مع كونه مدير أشهر المستشفيات في مصر!!
صف سيارته و هبط منها يدور بعينيه يبحث عن منزله، ليلمح يافته كبيرة مدون عليها إسمه بالطابق الأخير لمنزل قديم تم ترميمه حديثًا، اندفع نحو الداخل راكضًا على الدرج حتى وصل لتلك الشقة التي يخرج منها صوت ضحكات لتجمع عائلي تسر القلوب..
أخذ نفس عميق يلتقط به أنفاسه اللاهثه، و ضغط على الجرس عدة مرات حتى فُتح الباب و خرجت منه امراءة بشوشة الوجهه، أبتسمت له بوداعة و هي تقول..
"خير يا ابني!" ..هم "جابر" بفتح فمه لتستطرد "زينب" بفخر و فرحة دون أن تمنحه فرصة للرد..
"عايز ابني الدكتور أيوب مش كده؟ "..
أجابها "جابر" بلهفة قائلاً..
"أيوه يا أمي.. عايزه ضروري جداً في مسألة حياة أو موت"..
تطلعت له "زينب" بشفقة و من ثم لفت وجهها و نادت بصوتها الحنون المليء بالحب..
"أيوب.. يا دكتور أيوب يا نن عين أمك.. تعالي يا ضنايا "..
"اؤمريني يا أمه "..
هكذا لبى ندائها على الفور كعادته معاها، و أتى إليها مهرولاً بهيبته و هيئته التي تخطف القلب،
وقف بجوارها و حاوط كتفيها بذراعه لتُشير له "زينب" على" جابر" الواقف بعيدًا عن وجهة الباب..
"وفي واحد عايزك ضروري يا حبيبي"..
نظر" أيوب " تجاهه و تحدث بترحاب قائلاً..
" أهلاً و سهلاً.. اتفضل"..
"دكتور أيوب أنا آسف إني جاي لحضرتك من غير ميعاد بس في واحد واخد رصاصة في صدره و حالته خطيرة أوي و كل الدكاترة اللي كشفوا عليه رافضين يجازفوا و يعملوه العملية و قالوا محدش غيرك بعد ربنا اللي يقدر ينقذه "..
أردف بها" جابر "مرة واحدة دون أن يدع فرصة ليلتقط بها نفسه..
" أنا جاي معاك".. قالها" أيوب " دون تفكير، فهو لن يغلق بابه أبدًا بوجهه أحد لجأ إليه، قبل يد و رأس" زينب" مغمغمًا ..
" ادعيلي يا أمي "..
ربتت" زينب" على صدره بكف يدها بحنان بالغ و هي تقول..
" دعيالك يا قلب أمك.. تربح و تكسب و يجعلك في كل خطوة خير وسلامة يا أيوب يا ابن زينب"..
كل ما يحدث كانت تتابعه "حبيبة" زوجته التي تحدثت بلهفة قائلة..
"هتنزل من غير ما تاكل و لا حتى تغير هدومك يا أيوب؟!"..
ارتدي "أيوب" حذاءه الرياضي على عجل، أقترب منها و نظر لها نظرته العاشقة التي يخصها هي وحدها بها مدمدمًا..
" لما الأكل يجهز كلميني هبعتلك عربية تجيبك عندي"..
طبع قبلة عميقة على رأسها، و هرول للخارج مسرعًا، انطلق برفقة" جابر" نحو المستشفى..
لم يمر سوي عدة دقائق حتى وصلوا إلى المستشفى بفضل سرعة "جابر" العالية، انقلبت المستشفى رأسًا على عقب فور علمهم بوصول الجراح الشهير" أيوب زيدان" تأهب الجميع لاستقباله، مجهزين له كافة شيء، ليتوجهه "أيوب" نحو غرفة التعقيم مباشرةً ..
كانوا الجميع بانتظاره أمام غرفة العمليات، خرج هو عليهم و تطلع حوله، ينظرون له و كأنه طوق النجاة الوحيد الذي سينقذهم بانقاذه لرجلهم، فابتسم لهم ابتسامته الجذابة التي تطمئن القلب و هو يقول بكل ما يملك من رحمة و رأفة بحالته..
" اطمنوا يا جماعة..خير بإذن الله"..
سارت نحوه "سلسبيل" بخطوات متعثرة، فحالتها إذدادت سوء بسبب ألالام مبرحة تدهمها تحاول هي قدر الإمكان تحملها، و قد بهت لونها و تناثرت حبيبات العرق على جبينها، و الهالات السوداء ظهرت فجأة أسفل عينيها التي يملؤها الحزن، و أردفت بنبرة جادة لا تقبل الجدال قائلة..
"همضي إقرار على نفسي أني هتبرعلوا بقلبي و تاخد قلبي تدهوله يا دكتور بس يعيش"..
رباااه.. جملتها هذه زلزلت قلوبهم جميعًا، تطلع لها "أيوب" بنظرة متفحصة، و من ثم وجه نظره لإحدى الأطباء المساعدين و تحدث بأمر قائلاً..
"ابعت لأخصائي نساء و توليد خليه يجي حالاً "..
سار نحو غرفة العمليات و أشار بعينه على" سلسبيل " قبل أن يدلف للداخل مكملاً ..
" المدام بتولد..."..
يتبع..
واستغفروا لعلها ساعة استجابة..
الفصل ال17 و الأخير..
جبر السلسبيل2..
✍️نسمة مالك✍️..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
اللهم يا سامع كل شكوى، يا شاهد كل نجوى، يا عالم كل خفية، يا كاشف كل كرب وبلية، يا منجي نوح و إبراهيم و موسى و عيسى عليهم السلام نجي "سلسبيل" و ولادها بعينك التي لا تغفل و لا تنام، أجبر قلبها و أشفي "عبد الجبار" شفاءًا لا يغادر سقماً يارب العالمين..
تردد "عفاف" هذا الدعاء بلا توقف منذ دخول "سلسبيل" غرفة العمليات المجاورة لغرفة زوجها مباشرةً، بقي الجميع في حالة مزرية حقًا ينتظرون و لو بريق أمل يُزيح هذه الغمة عنهم..
"ماما عفاف.. سلسبيل بتولد إزاي و هي في السابع؟!"..
قالتها "صفا" التي وصلت للتو حاملة حقيبة كبيرة بها كل أغراض "سلسبيل" الخاصة بالولادة..
استقبالتها "عفاف" بضمة حنونة، و أخذت منها الحقيبة و بدأت تجهز ثياب الصغار و هي تقول بصوتٍ متحشرج بالبكاء..
"الحمد لله إني جهزت لها كل حاجة هتحتاجها بدري.. قلبي كان حاسس أنها ممكن تعملها و تولد في أي وقت بسبب الضغط الكبير اللي بتمر بيه.. أدعيلها يا صفا تقوم بالسلامة" ..
ربتت "صفا" على كتفها مغمغمة بيقين..
" إن شاء الله هتقوم بالسلامة هي و النونو يا ماما عفاف اطمني يا حبيبتي"..
" لا متخليهاش تولد يا دادة عفاف.. خليها حامل لو ولدت أمي هتموتها و تموت أخوي و لا أختي اللي هتيچي كيف ما عملت في أبوي ".. صرخت بها" فاطمة" الواقفة بإحدى الأركان محتضنة شقيقاتها و يبكيان بنحيب بصوتٍ مكتوم..
جملتها جعلت الجميع يتطلع ل" خضرا" بأسف ، لتهرول مسرعة تجاه البنتين فاتحة ذراعيها و قد تذكرت وجودهما الآن ..
" فاطمة.. حياة.. متخفوش يا ضناي.. تعالوا في حضني"..
ظهر الذعر على ملامحهما، و فروا مبتعدين عنها اختبؤا خلف ظهر "جابر"، فعلتهما هذه كانت أقسى عقاب بالنسبة لها، أبنتيها خائفتان منها ! تسمرت محلها تطلع لهما بأعين تنهمر منها العبرات حين قالت "حياة" أبنتها الصغيرة..
"عمو چابر متهملناش وياها.. أبوي وصاك على أني و خيتي قبل ما يموت "..
جثي "جابر" على ركبتيه أمامها، و رفع يديه زال دموعهم برفق مردفًا بابتسامة مطمئنة..
"أبوكم مماتش.. أبوكم بإذن الله هيعيش و أنا معاكم أهو مش عايزكم تخافوا و تبطلوا عياط و أدعوا ل بابا و ل سلسبيل كمان يقوموا بالسلامة "..
أتت إحدي الممرضات و تحدثت بعملية قائلة..
"جهزنا جناح لمدام سلسبيل تقدروا تنتظروها فيه على ما تولد"..
نهضت" صفاء" حاملة الحقيبة، اقتربت من الصغيرتان ضمتهما بحنو، و سارت بهما و هي تقول..
"أيه رأيكم تيجوا معايا نستنى النونو سوا في الأوضة "..
تابعتهم" خضرا" بحسرة شديدة على حالها، لتنتفض بهلع حين وجدت باب غرفة العمليات يُفتخ و خرج منه إحدي الأطباء يتحدث بأنفاس لاهثة قائلاً..
"المريض محتاج نقل دم فورًا"..
"أنا معاه قولي أتبرع فين".. قالها "جابر" بلهفة و هو يفك زرار القميص من حول معصمة، و يرفعه يظهر ذراعه له..
"اتفضل معايا هناخد منك عينة و نحللها الأول"..
أسرعت "صفا" خلفه و هي تقول بستحياء..
"أنا هاجي معاك يا جابر"..
نظر لها" جابر" نظرة جعلت وجنتيها تتورد بحمرة الخجل، ليزيد من خجلها أكثر حين مد يده أمسك كف يدها الصغير بين راحة يده الضخمة ضاغطًا عليها بخفة..
" تعالي "..
سارت بجواره تحاول سحب يدها من يده، لكنه رفض تركها هامسًا بأذنها..
" مش هسيبك.. فاهمة.. أنا مش هسيبك.. ده أنتي وصية أمي يا صفا"..
خفضت رأسها حتى لا يرى ابتسامتها و الدموع التي تجمعت بعينيها تدل على فرحتها بتمسكه بها..
......................لا إله إلا الله وحده لا شريك له......
"خضرا"..
لم يبق أحدًا غيرها أمام غرفة العمليات، عينيها تذرف الدمع بغزارة، دموع ندم، حسرة، خوف من القادم ..
ضربت بيدها على رأسها مرددة ببكاء كاد أن يقطع أنفاسها..
"اااه يا أخوي.. يارب لاچل حبيبك النبي تقلبه مقلب سلامة لخاطر البنته الصغار"..
كفت عن البكاء حين رأت الطبيب المشرف على حالة "بخيتة" يقترب منها بوجهه لا يُبشر بالخير..
"خير يا دكتور.. أمه حُصلها حاچة..
أجابها الطبيب بأسف قائلاً..
" واضح إن المريضة اتعرضت لصدمة شديدة جدًا أدت لشلل رباعي و حالتها للأسف مش مستقرة.. أدعيلها "..
لطمت" خضرا "وجنتيها بعنف مرددة بنواح..
" يا مرك يا خضرا.. يا وچع الجلب اللي ملوش علاچ و لا دوا"..
........................................ سبحان الله وبحمده ....
.. داخل غرفة العمليات..
صدمة شلت الجميع حين توقف قلب "عبد الجبار" عن النبض رغم النجاح الكبير للعملية التي قام بها "أيوب" ببراعة و إتقان شديد،
هرول مسرعًا نحو الجهاز الخاص بإنعاش القلب، و صعقه به مرات متتالية، يكرر المحاولة مرارًا و تكرارًا دون يأس و هو يقول بغضب عارم..
"رافض الحيااااة لييييييييييييه"..
على الجانب الأخر بالغرفة التي تلد بها "سلسبيل" كانت الفرحة تعم المكان حين قالت الطبيبة التي تولدها بسعادة بالغة..
"ولدين.. جالك ولدين زي القمر يا سلسبيل"..
كان صوت بكاء الصغيران يجعل القلوب تتراقص فرحًا، فرحة غامرة تدمع لها العين إلى أن توقف أحدهما فجأة عن البكاء، و تباطأت أنفاسه و حتي نبضات قلبه..
ظهر الذعر على وجهه الطبيب المشرف على حالة الصغيران، و أسرع بإنقاذ الصغير بشتى الطرق أمام نظرات"سلسبيل " الزائغة، لكن في خلال لحظات فقط قد نفذ أمر الله و توقف نبض الصغير تزامنًا مع عودة النبض لقلب والده،
حينها شعر قلبها بفقدان إحدي صغارها فهبطت عبراتها ببطء على وجنتيها، أبتسمت إبتسامة يملؤها الرضى مرددة بصوتٍ ضعيف مرتجف ..
"إبني فدى أبوه.. عبد الجبار هيعيش.. إبني فداه"..
حمل الطبيب الرضيع على يده ، و ركض به مهرولاً عبر الباب الداخلي المؤدي للغرفة المتواجد بها دكتور "أيوب"، و تحدث بأنفاس متلاحقة قائلاً..
"دكتور أيوب.. قلب الطفل وقف فجأة ".
كان "أيوب" أنتهي للتو من إنقاذ "عبد الجبار "، ليطلق صرخة مغتاظة، و هو يلتقط الرضيع و وضعه على كتف والده العاري مرددًا بغضب مصطنع و هو يقوم بإنعاش قلبه بمهارة و دقة عالية..
"الواد و أبوه دول حد مصلطهم عليا انهاردة و لا أيه؟!!!"..
ليصل إلى سمعه صوت بكاء شقيقه التوأم، فتابع بتساؤل مستفسرًا..
" هما توأم؟!"..
"أيوه يا دكتور توأم.. مولودين قيصري.. و الولادة تمت قبل معادها في الشهر السابع"..
لم يتوقف "أيوب" عن محاولة إنقاذ الرضيع و هو يقول..
" هات أخوه بسررررعة"..
ركض الطبيب و اندفع نحو الرضيع الباكي، حمله على الفور و هرول مسرعًا أمام أعين "سلسبيل " التي تتابع ما يحدث بقلبها قبل عينيها..
لحظات مرت من أصعب اللحظات، حبس الجميع أنفاسهم و هم يتابعون محاولات" أيوب" المستميته لإنقاذ الرضيع، قام بوضع شقيقه بجواره داخل حضن والدهما الذي بدأ في إستعادة وعيه رويدًا.. رويدًا..
هبطت دموع "سلسبيل" بغزارة على وجنتيها متمتمة بهمس ضعيف بنبرة متوسلة..
"يارب.. أجبر قلبي يا جبار.. يارب متوجعش قلبي على ضنايا و لا على أبوه.. يارب أنا ملحقتش أخده في حضني"..
و ها قد حان وقت الجبر.. جبر السلسبيل الذي أثلج قلبها حين وصل لسمعها صوت بكاء الصغيريان معًا من جديد، يليه صوت تكبير من جميع الحاضرين الذين بكوا من شدة تأثيرهم عندما خر" أيوب " أرضًا ساجدًا..
لتجهش" سلسبيل " في البكاء و الضحك في آنٍ واحد حين استمعت بقلبها أسمها من بين شفتي "عبد الجبار" يقول دون أن يفتح عينيه و هو يضم صغاره بجسده بحماية دون إرادة منه ..
"س سلسبيل.. "..
تأوهت "سلسبيل" بصوتها كله مرددة بفرحة غامرة..
"آآآآه يا عبد الجبار... يا جبر السلسبيل "..
انتظروا الخاتمة بأمرالله..
و استغفروا لعلها ساعة استجابة..
الخاتمة 1..
جبر السلسبيل2..
✍️نسمة مالك✍️..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
في أوقات غضبنا نجتهد حتى نجرح غيرنا، لكن بعد فوات الأوان ندرك أننا لم نجرح سوي أنفسنا، نحن مخلوقين من ماء و طين، لو زادت الماء نبقي نهر، و لو ذات الطين نبقي حجر، لا شيء يدوم للأبد في هذا العالم و لا حتى مشاكلنا،
الحياة مجرد رحلة تحتاج منا الكثير من الرفق، التسامح، تجاهل الأخطاء لذلك عش اليوم فالغد قد يكون أو لا يكون..
"صورة تاريخية"..
ألتقطها "جابر" بهاتفه لحظة خروج "عبد الجبار" برفقة صغاره من غرفة العمليات بعد مكوثه داخل غرفة الآفاقة حتى إستعداد وعيه، الصغيران نائمان فوق كتف والدهما الذي مازال بين الوعي و اللاوعي، لكنه يضمهما بذراعيه المعلقان بهما الكثير من الأسلاك الطبية بهيئة تخطف القلب و تدمع لها العين..
"حمد لله على السلامة يا أبو الجبابرة.. يتربوا في عزك يا غالي ".. قالها "جابر" بمزاح أثناء تصويره مقطع فيديو له معاهم، مال عليه أثناء سيره بجوار السرير النقال مكملاً..
"الحمد لله ربنا قومك بالسلامة كلنا نبارك ل عبد الجبار باشا المنياوي على الولادة و نقوله يتربوا في عزك و ربنا يتم نفاسك على خير إن شاء الله "..
" أفوقلك بس و هخبرك زين مين اللي بيولد"..
قالها "عبد الجبار" بوعيد بصوتٍ مُتعب للغاية و بلهفة تابع..
"سلسبيل.. بناتي.. أمي"..
"إحنا أهو يا أبوي"..نطقت بها" فاطمة" ابنته الباكية و هي تهرول بخطواتها نحوه و خلفها شقيقتها..
نظر لهما" عبد الجبار " بأعين شبه مغلقة، و أبتسم ابتسامته المطمئنة قبل أن يختفي لداخل غرفة العناية المركزة..
كانت "خضرا" تقف على مسافة منه، تتابعه بعينيها الغارقة بالدموع، غير قادرة على الأقتراب منه أو حتى من بناتها اللتان يصرخان بذعر حقيقي و يختبأن كلما وقعت عينيهم عليها..
فور دخول" عبد الجبار" العناية حملت إحدي الممرضات الصغيران مردفة بعملية..
" الأطفال لازم يدخلوا الحضانة عشان الدكتور يعملهم فحص شامل"..
همس "عبد الجبار" بقلق و عينيه تتابع صغاره قائلاً..
"أمهم.. طمنيني على أمهم؟ "..
أجابته الممرضة و هي تضع الصغيران على سرير نقال خاص بهما و تغادر الغرفة على الفور.. " أطمن الأم كويسة جدًا"..
"حمد لله على السلامة.. خضتنا عليك يا راجل"..
أردف بها" أيوب " الذي دلف للتو و بدأ يقراء نتائج الأجهزة التي تم توصيلها بصدر و يد "عبد الجبار "..
تنهد" عبد الجبار" تنهيده حزينة و هو يقول.. " الله يسلمك يا دكتور.. هخرج أمتي من أهنه؟ "..
رفع" أيوب " حاجبيه معًا، و تطلع له مشدوهًا مغمغمًا..
" تخرج أمتي أيه !!.. أنت ربنا نجاك من طلقة كان بينها و بين القلب واحد سم ، و خرجت برحمة ربنا و رأفته بمراتك اللي كانت عايزه تتبرع لك بقلبها و ولدت قبل معادها من خوفها و قلقها عليك"..
" عشانها و عشان ولادي لازم أخرج من أهنه"..
قالها "عبد الجبار" و هو يكافح بضراوة حتى ينهض من مضجعه، ليوقفه" أيوب " مسرعًا و هو يقول بتحذير..
" أهدي يا عبد الجبار.. أنت كده بتعرض نفسك للخطر"..
أنهى جملته و قام بإعطاءه حقنه مهدئه، أغمض" عبد الجبار" عينيه المجهدة، و بدأ يهذي بقلبٍ ملتاع..
"سلسبيل..مراتي .. لازم أكون چارها"..
ربت "أيوب" على كف يده المنغرس بها حقن معلق بها محاليل طبية و كيس من الدماء، و تحدث بهدوءه المعتاد قائلاً..
"مراتك كويسة و خرجت من العمليات متقلقش.. و أول ما مفعول البينج يروح هتجيلك هنا تطمنك عليها بنفسها"..
............................... سبحان الله وبحمده.............
مّرت عدة ساعات، هدأ روع الجميع قليلاً باستقرار الأوضاع في الوقت الحالي، ف غادر "جابر" المستشفى برفقة "صفا" و معاهم بنات "عبد الجبار"،و ظلت" خضرا "تجلس بمفردها أمام غرفة العناية المتواجد بها زوجها،رغم أن الطبيب المشرف سمح لها بدخول و الاطمئنان عليه لكنها لم تقوى على مواجهته، فضلت الإنتظار لعله يطلب رؤيتها هو..
بينما بقت "عفاف" مع "سلسبيل " التي فور شعورها بأطرافها قالت بفرحة غامرة ..
" أنا حاسة برجلي يا ماما عفاف.. ساعديني أقوم.. عايزة أروح أطمن على عبد الجبار و أشوف ولادي في الحضانة"..
هرولت "عفاف" نحوها مرددة بتعقل..
"أستنى لما أنادي الدكتورة تطمني عليكي الأول يا سلسبيل "..
تعلقت" سلسبيل" بذراعها و نهضت بصعوبة شديدة و هي تقول بأنفاس متهدجة..
"لا.. مش هقدر أستني أكتر من كده.. أنا هتجنن و أطمن عليهم يا ماما.. ولادي و أبوهم واخدين قلبي معاهم"..
ساعدتها "عفاف" بخلع رداء المستشفى، و البستها منامة وردية و من فوقها روب طويل من اللون الأسود أحكمت أغلاقه و رفعت الكاب الخاص به على شعرها، أخذت "سلسبيل "نفس عميق قبل أن تغادر الفراش بوهن و ضعف، تحملت على نفسها، و كتمت آهه متألمة حين أنتصبت واقفه..
استندت بيد على "عفاف" التي قالت بحنو..
"حاولي تفردي ضهرك يا بنتي"..
لم تنطق" سلسبيل" بحرف واحد، قطعت الحديث تمامًا من قوة الألم الذي يفتك بها، لكنها تحملته، و مدت يدها الأخرى استندت على المشجب المعلق به المحلول المتصل بكف يدها، و بدأت أول خطواتها تجر قدميها جرًا على الأرض لا تقوى حتى على رفعها..
" عايزين نروح الحضانة لو سمحتي"..
قالتها" عفاف" فور خروجهما من الجناح، لتقبض "سلسبيل" على يدها بأصابعها الباردة، و تحرك رأسها بالنفي مرددة بصوتٍ بالكاد يُسمع..
"عبد الجبار.. وديني عنده الأول"..
ظهر الضيق على وجهه "عفاف" و تحدثت بأسف قائلة..
"خضرا هتلاقيها عنده هناك يا سلسبيل و بصراحة أنا خايفة عليكي منها وأنتي لسه والدة و تعبانة كده لتعمل فيكي حاجة.. إحنا مش ناقصين يا بنتي"..
هبطت دموع"سلسبيل" على وجنتيها و هي تقول بنبرة راجية..
"عشان خاطري.. عشان خاطري يا ماما وديني عنده"..
حركت "عفاف" رأسها بيأس، و رفعت يدها مسحت دموعها..
" أمري لله.. حاضر هوديكي عنده تعالي نركب الاسانسير لأن هو في تاني دور و إحنا هنا في السابع"..
سارت بخطواتها البطيئة معاها حتى وقفت بها "عفاف" أمام باب الاسانسير ينتظران صعوده، فُتح الباب ليجدوا"جابر" امامهما يقول بقلق و هو يقترب من "سلسبيل" بلهفة ..
"أيه ده رايحين فين؟!"
أجابته" عفاف" قائلة..
" مصرة تطمن على عبد الجبار بيه "..
تطلع لها" جابر "بنظرة عاتبة، و فجأها بلف يده حول خصرها ضمها كلها داخل صدره و هو يقول بغضب ..
"مش أنا طمنتك عليه و وريتك الفيديو اللي صورته له عشان أزل أنفاسه بيه..عجبك يعني و أنتي مش قادرة تقفي كده يا سلسبيل!! "..
لم تستطيع الرد عليه، و لا حتى الإبتعاد عنه، بل أن تعبها الشديد أرغمها بألقاء جسدها عليه..
رمقته "عفاف" بنظرة ذات مخزي مدمدمة..
"امممم.. كويس إنك روحت صفا و جيت تاني عشان تقولها.. أصلي مش قادره امنعها لوحدي"..
تهرب" جابر " بعينيه من أعين" عفاف" التي ترمقة بنظرة يملؤها الأسف، ف عشقه ل "سلسبيل" مازال محفور بقلبه، و ظهر على قسماته حين ضمها لصدره بلهفة هكذا..
"لا.. وديني عنده عشان خاطري يا جابر"..
همست بها" سلسبيل " منعته بالعودة بها تجاه غرفتها مرة ثانية، نفذ طلبها على مضض، و دلف بها لداخل الاسانسير خلفهما "عفاف" و هو محاوطها بذراعها حتى أصبحت قدميها لا تلمس الأرض..
توقف بهما الاسانسير في الطابق المقصود، و فور فتح الباب وجدوا" خضرا " تنهض من علي مقعدها، و تطلع نحوهم بأعين متسعة، متعجبة من وضع "سلسبيل" المستندة على "جابر"، حاولت "سلسبيل" الإبتعاد عن "جابر" و قد شعرت بالإحراج، إلا أنه أبي أن يتركها..
"مش هسيبك يا سلسبيل.. أنا لو سبتك هتقعي و ده مش هيحصل.. مافيش أي حاجة و لا أي حد يقدر يوقعك تاني طول ما أنا في ضهرك"..
كان يتحدث بصوتٍ عالِ متعمد أن يصل لسمع "خضرا"، سارت" سلسبيل" برفقته حتى وصلت أمام باب العناية المغلق فطرق "جابر" عليه بقبضة يده..
بينما بقت" خضرا "واقفة مكانها، تتابعهم بصمت..
خرج إحدي الأطباء المشرفين على العناية، و تحدث بعملية قائلاً..
" خير يا فندم"..
"المدام عايزه تطمن على عبد الجبار بيه"..
قالها "جابر "بصوته الأجش، ليبتسم الطبيب و يشير على "سلسبيل" و هو يقول بثقة..
"أكيد حضرتك مدام سلسبيل؟ "..
حركت "سلسبيل" رأسها بالايجاب، ليتابع الطبيب بابتسامة أكثر اتساعًا..
"عبد الجبار بيه مبطلش سؤال عنك و لو كنتي اتأخرتي أكتر من كده كان هيجيلك هو"..
سار من أمامهم تجاه غرفة أخرى مغلقة و فتحها مكملاً..
"اتفضلي أدخلي هنا و هبعتلك ممرضة تعقمك الأول "..
نظرت "سلسبيل "تجاه" خضرا" و همست بابتسامة متألمة ..
"تعالي يا أبلة خضرا.. هندخله سوا "..
يتبع.....
واستغفروا لعلها ساعة استجابة..
الخاتمة 2..
جبر السلسبيل2..
✍️نسمة مالك✍️..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
مرحبًا..
أنا "سلسبيل" أتذكروني ؟! ..
تلك الأنثى الضعيفة، المنكسرة التي تزوجت بالإجبار لتنجو بحياتها من ظلم والدها ، لكن دعوني أعترف لكم بشيئًا سيبدو مريبًا لكم جميعًا، عفوًا لا يوجد أنثى ضعيفة على وجه الأرض! ، ضعفنا هذا ستار نخفي خلفه ما نريد الحصول عليه، لذلك ذُكر كيدنا بالقرآن الكريم.
أعترف الآن أن ضميري يأنبني منذ أن أصبحت زوجة ثانية لرجل كانت حياته هادئة مكتفي بزوجته و أبنتيه حتى ألتقي بعيناي التي تعمدت رمقه بنظرة ثاقبة أصابت قلبه في الحال، نظرة كنت أستجديه بها أن لا يتركني، أنا من سعيت لزواجي منه فور رؤيته،
لو كنت طلبت منه المساعدة فقط و أظهرت عدم تقبلي له من بادئ الأمر، كان ساعدني و أبعدني عن والدي و عنه هو أيضًا، لكن أنا من فتحت له طريقًا سهل نحو قلبي، طمعت في قلبه فأوقعته بشباكي و أغرقته في بحر عشقي بكامل أرادته،
فقد كنت على دراية كاملة بحسن أخلاقه و معاملته لزوجته التي جعلتها ملكة متوجة، لن أنكر إني تمنيته لنفسي، يكن رجلي أنا الذي طالما حلمت به ، و قد كان حصلت عليه و استحوذت على قلبه و نزعت عن زوجته تاجها و أخذته لنفسي، دمرت بوجودي قلبها و أظهرت أسوء ما فيها..
و ها أنا أقف على عتبة الغرفة التي يرقد بداخلها بعد أن نجي من الموت بأعجوبة ، يمزقني شعوري بالندم و الألم على ما فعلته به و بعائلته الصغيرة ، أنا الزوجة الثانية لكني الجانية الأولى فإذا كان هناك أحدًا مذنب في حكايتي هذه، فهي أنا تلك المذنبة التى أغرمت برجل رأت مدى عشق زوجته له و مع ذلك لم ترحم لوعة قلبها و سرقته منها..
تمنيت الجبر لقلبي لكني لم انتبه أن جبري هذا سيكون على حطام قلب زوجته الأولى، لوهلة تخيلت نفسي مكانها، أرى زوجي يذوب عشقًا بامرأة غيري أمام عيناي، لن أتردد لحظة و لن يقدر أحد على منعي من تمزيقها و تمزيقه معًا بأسناني أربًا..
كل ما فعلته "خضرا" لن يكن شيء أبدًا أمام ما أنوي على فعله إذا كنت أنا مكانها!!
مجرد التخيل فقط أن زوجي بحضن إمرأة غيري جعلني اتهيأ لأخذ عزاه بابتسامة واسعة بعدما أنهى حياته بيدي، صدق من قال هذا المثل المرأة ترى زوجها بقبره و لا تراه مع إمرأة غيرها حقًا صدق،
نصحيتي لكل من قرأ حكايتي إياكِ أن تقربي من رجل متزوج، إياكِ ثم إياكِ أن تدمري قلب إمرأة مثلك فسوف يأتيكِ عقاب قاسي من الممكن أن يمزق قلبك و روحك لأشلاء مثلي تمامًا الآن ..
"مش هتدخلي معايا ليه يا أبلة خضرا؟!"..
أردفت بها "سلسبيل" بتساؤل حين رأت "خضرا" توقفت قبل عتبة باب الغرفة و تراجعت للخلف خطوتين..
ابتلعت "خضرا" رمقها بصعوبة و هي تقول بصوتٍ متحشرج بالبكاء..
"خليني أنا أهنه..هو مطلبش شوفتي.. لو طلبني هدخله"..
أبتسمت لها"سلسبيل " إبتسامة باهتة،و أخذت نفس عميق قبل أن تسير بخطواتها البطيئة مستندة على إحدي الممرضات بيد، و يدها الأخرى تضعها أسفل بطنها مكان جرح ولادتها القيصرية..
خفق قلبها بشدة كلما اقتربت من الفراش الممد عليه زوجها، انهمرت دموعها على وجنتيها بغزارة ، تعالت وتيرة أنفاسها أصبحت على هيئة شهقات عالية متقطعة، فجرحها جعلها لا تقوى على البكاء إلا بتلك الطريقة، حتى وصلت لسمعه فنتفض متأوهًا في مضجعه مرددًا بلهفة..
"سلسبيل.. يا حبة جلبي"..
عاشق و مُغرم هو بها و ليس على العاشق لوم..
أخيرًا قطعت المسافة الفاصلة بينها و بينه، ساعدتها الممرضة على الجلوس على مقعد بجوار سريره، لترتمي عليه بحذر شديد تقبل وجهه قبلات حارة متفرقة، و دموعها تنهمر على بشرته حتى اختلطت بدموعه هو ..
"عبد الجبار.. يا حبيبي.. أنا السبب في كل اللي حصلك..ياريتك سبتني لأبويا يموتني.. يا ريتك ما اتجوزتني.. يا ريت قلبك ما حبني.. ياريتني مت قبل ما تشوفني مكنش كل ده حصلك"..
اسكتها هو بفمه الذي التقط شفتيها بين شفتيه يقبلها بلهفة قبله عميقة غير عابئ لوجود الممرضة التي انسحبت للخارج على الفور بحرج تترك لهما بعد الخصوصية ، ابتعد عنها على مضض، و تحدث بنبرة صوته الذي يدغدغ مشاعرها قائلاً بمنتهي العشق..
"بعيد الشر عنك يا حبة الجلب.. فداكي يا سلسبيل.. أني فداكي و لو رچع بيا الزمن من التاني مكنتش ههملك واصل"..
صمت لبرهةً يلتقط أنفاسه، و تابع بصوتٍ اختنق ببكاء مخيف جعل "سلسبيل" تبكي لبكاءه حين قال بقلبٍ ملتاع أرهقه الفراق..
"خوفت أموت وأنتى مش على ذمتي عشان أكده رديتك لعصمتي.. بس رايدك برضاكي.. برضاكي يا سلسبيل "...
قبلت عينيه ببطء كأنها تتذوق دموعه..
" بحبك.. بحبك يا أبو ولادى.. بحبك يا عبد الجبار و عارفة أني أنانية في حبك بس مش هقدر أبطل أحبك.. والله ما هقدر" ..
أبتسم لها ابتسامته التي تُذيب قلبها العاشق له مغمغمًا..
" قولتهالك قبل سابق و هقولهالك تاني "..
نظر لعينيها نظرته المُتيمة التي تأثرها مكملاً..
"كأنك مولودة في جلبي يا بت جلبي يا أم سند و جبر"..
ضحكت بفرحة غامرة وهي تقول..
" الله.. سند عبد الجبار و جبر عبد الجبار.. أيه الأسامي الحلوة.. عجبوني أوي يا أبو جبر "..
تأمل ملامحها بافتنان و بهمس قال..
" أنتي جبر جلب عبد الجبار يا سلسبيل..مع إنك كيف حب الرمان معرفش أتلم عليكي بتفرطي من يدي فرط.. بس خلاص من انهاردة مهتغبيش عن عيني واصل"..
ظهر الحزن على ملامح" سلسبيل " أخفي فرحتها و همست بتساؤل و خجل قائلة..
" طيب و أبلة خضرا يا عبد الجبار.. هتعمل معاها أيه؟! "..
حبايبى ده اللي كتبته من الخاتمة و للأسف لحد دلوقتي مش عارفه أكملها بس بإذن الله تعالى هنزل الباقي أصبح هي هانت فيها حلقة واحدة..
بعتذر لكم على التأخير و استحملوني لأن دي أخر رواية أنزلها قيد الكتابة..
واستغفروا لعلها ساعة استجابة..
الخاتمة الأخيرة..
جبر السلسبيل2..
✍️نسمة مالك✍️..
قبل الحلقة عايزه أعتذر لكم على كل مرة اتأخرت فيها عليكم، عن كل مرة قولت هنزل في السهرة و سهرتكم و أنا اتسحلت و معرفتش أكتب حقكم عليا يا حبايبي متزعلوش مني♥️..
اسيبكم مع الحلقة..
.............................................
..بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
بعد وقت ليس بقليل، وقتٍ كان كافي ليتعافي فيه الجميع من جروح أجسادهم، بينما جروح قلوبهم لم تشفي بعد..
اليوم مّر أربعين يوم على ولادة "سلسبيل"، غادرت المستشفى بعد أسبوع برفقة صغارها، أنتقلت بهم إلى منزلها في الإسكندرية بأمر من زوجها "عبد الجبار" رغم أعتراضها و إصرارها الشديد على البقاء بجانبه، إلا أنها انصاعت لحديثه بالأخير.
بينما هو مكث شهر كاملاً بالمستشفى حتى استعاد صحته من جديد، خرج برفقة والدته التي فقدت قدرتها على الحركة و الحديث تمامًا، أصبحت لا تقوى على فعل أي شيء سوي تحريك أهدابها فقط.
خلال تلك المدة ظلت "عفاف" برفقة بنات "عبد الجبار" بمنزلهم الجديد بالإسكندرية المجاور لمنزل "سلسبيل" ، بينما عادت "خضرا" لأهلها في الصعيد بعد إدراكها أن وجودها غير مرغوب من الجميع .
فور خروج "عبد الجبار" أنتقلت "عفاف" على الفور عائدة إلى "سلسبيل"، و ظل هو برفقة ابنتيه و والدته يقوم بخدمتهم بنفسه يحاول قدر المستطاع إحتواء أبنتيه، و تفهم حالتهما النفسية السيئة للغاية بسبب ما مّروا به،
عشرة أيام منذ خروجه من المستشفى و "سلسبيل" تنتظر مجيئه إليها، يرى صغاره يوميًا و يطمئن عليهما ولكنه لم يخطو لمنزلها حتى الآن، و هي تحلت بالصبر تقديراً لحالة والدته و أبنتيه..
تقف كل ليلة في شرفة غرفتها تطلع على باب المنزل الخارجي تنتظر طلته على أحر من الجمر، على يقين أنه سيأتي إليها و هي ستظل دائمًا فى إنتظاره خاصةً الليلة سيأتي لا محالة فاليوم فرح "جابر" و بالتأكيد لن يتركها تذهب بمفردها ..
"سلسبيل أنتي لسه وقفة مكانك.. ملبستيش؟!"..
أردفت بها "عفاف" التي دخلت للتو حاملة الصغيران على كلتا يدها..
تنهدت "سلسبيل" بحزن و هي تقول..
"مستنية عبد الجبار يا ماما.. هو أكيد هيجي عشان نروح الفرح سوا"..
أشارت بعينيها على الفراش الموضوع عليه بدلة سوداء كاملة و فستان في غاية الجمال و الرقي من اللون الكاشمير بلون رابطة عنق البدلة..
"أنا جهزت له البدلة و مستنياه عشان ألبسه بأيدي"..
ظهر الأسف على وجهه" عفاف" و هي تقول..
" سلسبيل يا حبيبتي ألبسي يله على ما أبلغ السواق يجهز عشان يوصلك لأن عبد الجبار بيه مش هيجي"..
تطلعت لها "سلسبيل" بتساؤل تحثها على استكمال حديثها، فتابعت "عفاف" قائلة..
" لأنه راح الصعيد يجيب خضرا "..
انتفض قلب "سلسبيل" انتفاضة قوية، و تجمعت العبرات بعينيها و هي تقول بهمس متحشرج بالبكاء..
" هو قالك أنه رايح يجيبها يا ماما عفاف؟!"..
"اه يا حبيبتي قالى البنات محتاجين أمهم رغم زعلهم منها.. بالذات فاطمة بنته الكبيرة تعبت إمبارح و بقت تعيط من كتر التعب و هو بقي هيتجنن و يسألها أيه اللي تعبها تعيط و مش راضية ترد على سؤاله و كل اللي عليها تقول عايزة أمي..جبلها دكتورة و كشفت عليها لقيتها تعبانة من البيريوت.. اتريها بلغت و مكسوفة تقول لأبوها و حتي مكسوفة مني أنا كمان.. وقتها قرر أنه هيسافر يجيب أمهم و فعلاً مشي قبل ما الشمس تطلع"..
هبطت دموع" سلسبيل " على وجنتيها ببطء مرددة..
" و تفتكري هي هتوافق ترجع معاه بعد اللي حصلها؟! "..
أطبقت جفنيها وهي تتذكر أخر لقاء جمعها ب" خضرا"..
.. فلاش باااااااااااك..
تجلس على الفراش ضامة صغارها بين ذراعيها بحنان العالم أجمع،غالقة عينيها التي تنهمر منها العبرات بدون أدنى إرادة منها بسبب قوة المشاعر الجياشة التي تعيشها، تستنشق عبيرهما بلهفة و فرحة غامرة لم تشعر بها من قبل تغلف قلبها و روحها ..
بينما تقف "صفا" بجوارها "عفاف" محتضنة "فاطمة، حياة" يتابعونها بابتسامة و أعين دامعة من شدة تأثرهم..
كانت منفصلة عن الدنيا معاهما حتى أستمعت صوت طرقات ضعيفة على باب الغرفة، فتحت عينيها بصدمة حين قالت "فاطمة" بصوتٍ هامس مذعور..
"محدش يفتح دي أكيد أمه خضرا"..
نظرت "عفاف" ل "سلسبيل " نظرة أسف يملؤها الشفقة فتفهمت "سلسبيل" علي الفور ما يدور حولها، و سبب الذعر الظاهر على ملامح الفتاتين..
ربتت "عفاف" على ظهرهما مرددة بنبرتها الحنونة..
"متخفوش يا حبايبي" ..
فتحت "صفا" الباب، فدلفت منه" خضرا " بخطي بطيئة، تدور في المكان بعينيها الزائغة تبحث عن بناتها، لترمقها "عفاف" نظرة عاتبة مكملة بثقة..
"مامتكم عمرها ما هتأذيكم تاني أبدًا "..
ليجهشان بنوبة بكاء حاد و هما يدفنان وجهها داخل حضن "عفاف" و يرتجفان بقوة مما دفعها لسحبهما سريعًا تجاه غرفة أخرى داخل الجناح،تابعتهما "خضرا" بقلب ينفطر على حالتهما التي تشق القلوب،عقابها هذا أقوى و أقسى عقاب يمكن أن تتعرض له أي أم، توجهت بنظرها ل "سلسبيل" التي تبادلها النظرة بأخرى مترقبة..
ساد الصمت للحظات حتى قطعته "صفا" و سارت تجاه الغرفة المتواجدة بها "عفاف"..
"طيب أنا جنبك هنا يا سلسبيل..لو احتاجتي أي حاجة أهمسي بس هتلاقيني قدامك"..
"مبروك ما جالك يا خيتي.. يتربوا بحسك و في عز أبوهم إن شاء الله "..
أردفت بها "خضرا" بابتسامة باهتة، و هي تحاول السيطرة على عبراتها التي أغرقت وجنتيها، و استدارت على الفور تستعد للخروج..
" أستنى يا أبلة خضرا".. قالتها" سلسبيل " بصوتٍ مختنق بالبكاء، نظرت لها "خضرا " مرة ثانية، لتحسها" سلسبيل " على الأقتراب منها، و هي تمد لها الصغيران، تفاجأت من فعلتها هذه لكنها هرولت تجاهها بسعادة بالغة ظهرت على ملامحها الحزينة، و التقطت منها الصغيران معًا لصغر حجمهما تضمهما بلهفة لصدرها، و انفجرت بنوبة بكاء مرير حين قالت لها "سلسبيل" بابتسامة دافئة رغم الدموع العالقة بأهدابها..
"قولتيلي إن عبد الجبار فداكي بروحه و خد الرصاصة مكانك، و أنا واثقة إنك هتفدي ولاده بروحك و هيبقوا ولادك أنتي كمان زي ما فاطمة و حياة بعتبرهم بناتي"..
كانت "خضرا" تضم الصغيران و تقبلهما بحنان بالغ و هي تبكي بكاء يُبكي الحجر لعلمها أن صوتها سيصل لابنتيها، تعبر لهما ببكائها هذا عن مدى ندمها على خطأها في حقهما..
لتتوقف فجأة عن البكاء، و تنقلت بنظرها بين"سلسبيل " و الصغيران بأعين متسعة على آخرها و هي تقول..
" سلسبيل"..
بعدت الصغيران بضعة أنشات عن صدرها و تابعت بذهول..
"صدري حن.. صدري حن لهم يا خيتي"..
كانت تتابعهما "عفاف" بنظرات مشتعلة بالغضب، لكنها بقت صامتة إلى أن تفوهت "خضرا" بجملتها الأخيرة، فهرولت مسرعة تجاههم و قامت بأخذ الصغيران من "خضرا" مغمغمًا بلهجة حادة..
"مش هينفع يا مدام خضرا.. عبد الجبار بيه كان عارف إن ده هيحصل و ده اللي سلسبيل هتعمله و اللي انتي كمان هتعمليه عشان كده أكد عليا محدش ليه علاقة بالولاد غير أمهم و بس.. و قالي أبلغكم كل واحدة تخليها في نفسها و في عيالها و ملهاش دعوة بالتانية نهائي"..
"عيالي!! و هما فين عيالي؟! ".. غمغمت بها" خضرا " بغصة يملؤها الآسي، و هي تطلع نحو بناتها المختبئتان منها داخل حضن" صفا "، شعرت أنها منبوذة من الجميع، و أولهم أبو بناتها الذي لم يطلب رؤيتها حتى الآن..
" أنتي عملتي الواجب و باركتي لسلسبيل تقدري تتفضلي دلوقتي من غير مطرود"..
قالتها" عفاف" و هي تضع الصغيران من يدها داخل حضن والدتهما التي تطلع لها مشدوهة من طريقة حديثها الجديدة مع "خضرا"، لتزفر "عفاف" بضيق مرددة..
"دي أوامر عبد الجبار بيه مش كلامي أنا يا سلسبيل"..
تنقلت" خضرا "بعينيها بين الجميع، و من ثم غادرت بصمت دون التفوه بكلمة واحدة، لم تغادر الغرفة فقط، بل غادرت المستشفى بأكملها عائدة للصعيد مسقط رأسها.
.. نهاية الفلاش باااااااااااك..
فاقت "سلسبيل" من شرودها على صوت" عفاف" تتحدث بحنو قائلة..
" متشغليش بالك بغيرك يا سلسبيل.. اعملى زي ما جوزك قالك فكري في نفسك و في ولادك دول أهم حاجة عندك دلوقتي.. و يله يا بنتي البسي عشان الوقت بيجري و أنتي لسه هتروحي المنصورة و ترجعي"..
تحركت "سلسبيل" من مكانها على مضض، اقتربت من" عفاف" و قبلت صغارها مرات متتالية مدمدمة بحيرة..
" مش هاين عليا أسيبكم هنا.. عايزة اخدكم معايا و نرجع سوا"..
قالت" عفاف" بتعقل..
"المشوار هيبقي طويل على الولاد.. أنا هقعد بيهم هنا أفضل على ما تروحي أنتي و ترجعي"..
بدأت" سلسبيل" تبدل ثيابها خلف الزجاج العاتم لغرفة الملابس الخاصة بها مردفة بغصة مريرة..
" عارفة يا دادة أنا كنت بقول لنفسي لو رجع بيا الزمن مكنتش وافقت أبدًا أكون زوجة تانية.. و رغم أن جوازي من عبد الجبار كان هو الوسيلة الوحيدة اللي هتنجيني من أبويا إلا أني لو كنت استنيت شوية كنت قابلت جابر و ساعتها يمكن مكنتش اتجوزت عبد الجبار ولا كل اللي عشته ده حصل"..
ردت عليها " عفاف " بثقة قائلة.. " حتى لو كنتي قابلتي جابر قبل ما تتجوزي عبد الجبار مكنتيش هتتجوزيه يا سلسبيل "..
خرجت" سلسبيل " مرتدية فستانها الأكثر من رائع،و نظرت لها بابتسامة خجولة مردفة..
" ليه بتقولي كده؟ "..
" عشان أنتي وقعتي في حب عبد الجبار و قلبك اتعلق بيه و اختاره هو و الحب ملوش كبير و لا على القلب سلطان "..
" عندك حق يا ماما.. أنا مش بس حبيت عبد الجبار.. أنا عشقته و أختارته هو يبقي أبو ولادي لأنه في عيني أعظم أب و زوج في الدنيا"..
........................ لا إله إلا الله..........
"عبد الجبار "..
يقف أمام" خضرا " مصدومًا من هيئتها التي تغيرت للنقيض تمامًا، فقدت الكثير من الوزن في وقتٍ قياسي و هذا إن دل على شيء فيدل على شدة حزنها الذي يظهر بوضوح على ملامح وجهها المنطفئة،
تطلع له بأعين جاحظة، نظراتها زائغة وقد ظنت أنها تتوهم وجوده كعادتها، كانت ملامحه في بادئ الأمر جامدة، لكن داهمته ذكريات لن ينكر جمالها له معاها اهمهم بناته فلذات أكباده أجبرته على الإبتسامة وهو يقول..
"كيفك يا خضرا؟!"..
لم ترد عليه، بل قطعت المسافة بينه و بينها بخطوات متثاقلة حتى توقفت أمامه مباشرةً و رفعت يدها وضعت كفها على صدره بمكان تلك الطلقة التي أصابته تتأكد من وجوده..
تتحسس صدره بأصابعها، صعودًا للحيته، و وجهه مرددة بأنفاس متقطعة..
"عبد الچبار .. أنت أهنة صُح يا أخوي.. ولا أني بحلم بيك زي عوايدي"..
وضع راحة يده على يدها و هو يقول بصوته الأجش..
"لا يا خضرا.. مبتحلميش.. أني أهنة.. چاي لاچل ما أخدك و نعاود لدارنا "..
"يعني قلبك صفي من ناحيتي و سامحتني يا عبد الچبار".. قالتها ببكاء و هي تستجديه بعينيها أن يضمها لصدره..
تنهد" عبد الجبار " و هو يجيبها..
"لازم أسامحك يا أم فاطمة.. لأن الغلط طايل الكل و أني أولكم "..
حركت رأسها بالنفي و هي تقول..
" لا لا يا أخوي أنت مغلطش أنت عملت شرع ربنا.. اتچوزت على سنة الله ورسوله.. و كنت شاري خاطري و زعلي و بتعمل المستحيل لاچل ما ترضيني بس أني الغيرة عمتني عن كل ده و سودت قلبي..و بعد كل اللي حُصل مني چتلي لحد عندي اهنه لاچل ما تردني و تطيب خاطري اللي عمرك ما كسرته..
حقك عليا يا راچلي.. متزعلش مني أحب على يدك"..
قالتها و هي ترتمي على صدره و تجهش في نوبة بكاء حاد، ضمها هو له و ربت على ظهرها بكف يده مغمغمًا بفرحة ..
"متبكيش عاد أمُال.. و افرحي وياي ب فاطمة بنتنا اللي بقت عروسة "..
توقفت عن البكاء على الفور، و رفعت رأسها نظرت له بأعين يغرقها الدمع و ابتسامة تزين شفتيها المرتعشة مرددة بدهشة..
"وه.. فاطمة بتي بقت عروسة..قصدك أنها چاتها؟!"..
حرك رأسه لها بالإيجاب و هو يقول..
" و مريداش حد واصل غيرك أنتي.. مافيش على لسانها غير رايده أمي"..
"عشان أكده أنت چيت تاخدني؟!"..
مسح دموعها بأنامله و هو يقول..
"و ده سبب هين يا أم فاطمة.. بناتي أهم حاچة عندي.. أهم حتى من نفسي و من روحي و لخاطر هم و راحتهم أعمل كل حاچة و أي حاچة و لا أيه يا أم فاطمة"..
" عندك حق يا خوي.. قولك دايمًا بيبقي صُح يا عبد الچبار "..
أبتسم لها و هو يقول..
"طيب همي قوام خلينا نلحق معاد الطيارة "..
رفعت حاجبيها بتعجب مرددة بتساؤل..
" أول نوبة نسافر بالطيارة؟! "..
" عندي مشوار مهم مع سلسبيل مَراتي مينفعش اتأخر عنه"..
هكذا اجابها يؤكد لها أن" سلسبيل " مازالت زوجته مثلها و ستظل للأبد..
أبتسمت هي تلك المرة له و قد عادت ملامحها الحنونة لطبيعتها أخيرًا مردفة بتفهم..
"و ماله يا خوي..ربنا ميحرمناش منك واصل"..
.............................. سبحان الله وبحمده........
.. داخل إحدي أفخم قاعات الأفراح بمحافظة المنصورة، يُقام فرح أسطوري ل "صفا" صاحبة القدم الصناعية التي عاشت أصعب شعور ممكن أن تحياها فتاه في عمرها الذي لم يتجاوز العشرون عام،
ليحين وقت الجبر و يرزقها الله برجل بكل ما تحمل الكلمة من معنى يعوضها عن كل ما مرت به في حياتها، يحتويها بين ذراعيه و يرقص بها رقصتهم الأولى على أنغام موسيقى هادئة تعزف على أوتار قلوب جميع الحضور الذين يتابعونهما بأعين هائمة،
"مبروك يا صفا.. مبروك يا أحلى عروسة شافتها عنيا"..
همس بها "جابر" داخل أذنها و هو يميل على وجنتيها و يخطف قبلة عميقة أشعلت حمرة الخجل بوجهها..
"الله يبارك لي فيك يا جابر".. همست بها بستحياء و هي تطلع لعينيه بعينيها الفاتنة التي جعلت نبضات قلبه تتسارع تؤكد له أن ما كان يشعر به قبل سابق ما إلا وهم بأسم الحب، أما تلك الصفا قد علمته معنى الحب الحقيقي..
حملها "جابر" حتى لم تعد قدميها تلمس الأرض و بقي يرقص بها بفرحة غامرة تُشع من اعينهما، بينما "سلسبيل" الجالسة بجوار جدها شاردة الذهن لا تُفكر في أي شيء سوي زوجها،
رباه!!! لقد اشتاقت له حد الجنون، يرتجف قلبها بقوة كلما داهمتها إحدي لحظاتها الحميمية معه،
اغمضت عينيها ببطء محدثة نفسها بقلبٍ ملتاع ..
" واحشتني أوي يا عبد الجبار.. واحشتني يا أبو سند"..
داعبت رائحة عطره انفها، أرغمتها على فتح عينيها، و بدأت تبحث عنه بلهفة بين الحضور..
ظلت تدور بعينيها حتى أخيرًا لمحته يقترب نحوها،
و ها قد أشرقت شمس حياتي من جديد حين رأيته يقف هنا أمامي على قدميه بطوله المُهيب، و هيئته التي تخطف قلبي و أنفاسي، يتطلع إلى بنظراته المُتيمة التي تُذيب عظامي، هامسًا أسمى بنبرة صوته المُدمرة..
"سلسبيل.. أتوحشتك يا بت جلبي"..
الأمر تخطي كَونه حُب، أنا أصبحت أتنفسه لذا أنا على قيد الحياة.
كان يرتدي البدلة و ربطة العنق التي جهزتها له، مد يده لها، فوضعت يدها الصغيرة داخل راحة يده، فأغلق عليها كفه الضخم حينها تزلزل قلبهما معًا، سحبها عليه بمنتهي الرفق فنهضت من مقعدها و وقفت أمامه على قدميها المرتعشة، مال عليها و طبع قبلة مطّولة على جبهتها،و من ثم سحبها خلفه و سار تجاه العروسين..
"ألف مبروك يا اچدع عريس".. قالها "عبد الجبار" و هو يحتضن "جابر"، بينما "سلسبيل" احتضنت "صفا" مردفة بابتسامة دافئة..
"مبروك يا صفا.. ألف مبروك يا حبيبتي.. ربنا يسعدك أنتي وجابر في حياتكم"..
نظرت ل "جابر" و تابعت..
"مبروك يا جابر.. مبروك يا أخويا"..
أبتسم لها" جابر " و تحدث و هو يضم زوجته لحضنه مرة أخرى..
"الله يبارك فيكي يا حبيبة أخوكى"..
غمز ل" عبد الجبار" و همس بإذنه قائلاً..
" ما تشاركنا في الرقص يا أبو جبر و لا أنت متعرفش ترقص إلا بالنبوت"..
رمقه" عبد الجبار" بنظرة مصطنعة الغضب و جذب زوجته عليه حاوط خصرها و بدأ يرقص بها و هو يقول..
"إسمه الضرب بالنبوت، هعلمك أني كيف ضرب النبوت الصُح يا ابن البندر"..
كانت "سلسبيل" مذهولة من فعلته هذه، حقاً هو يرقص معاها تلك الرقصة التي كانت حلم من أحلامها ظنت أنه لن يتحقق!..
حاوطت عنقه بدلال، و عينيها تتأمل مظهره بإعجاب شديد مدمدمة بغنچ..
"مين اللي لبسك البدلة الحلوة بزيادة دي "..
عينيه كانت تتفرس ملامحها، نظرته لها تصرخ بمدى شوقه و عشقه لها، يتنقل بعينيه بين عينيها و شفتيها بمنتهي اللهفة هامسًا داخل أذنها بأنفاسه الحارة التي تُذيبها كليًا ..
"أني اللي لبستها لحالي.. بس أنتي اللي هتقلعهالي"..
قالها و هو يضغط على خصرها بأصابعه بعنف محبب جعل قلبها ينتفض بين ضلوعها بجنون، توهجت وجنتيها بحمرة قانية حين تفهمت مقصده و ما ينوي على فعله الليله معاها..
ليصدح صوت المزمار عاليًا جعله يبتعد عنها على مضض حين رأي "جابر" يقترب منه حامل بيديه نبوتين و ألقى له أحدهما فلتقطه بمهارة..
تراجع الجميع تاركين لهما مساحة كافيه ليتمكنا من الرقص على أنغام المزمار الصعيدي الشهير..
بينما وقفت "سلسبيل" بجوار العروسة "صفا" يصفقان بحرارة و تشجيع و فرحة غامرة تغلف قلوبهم..
وفي ظل كل ما يحدث كانت أعين "عبد الجبار" ترمق زوجته بنظراته العاشقة محدثًا نفسه بجمله استماعتها هي بقلبها..
"الآن أدركت أنني كنت دائمًا جبرًا لقلب خضرا بينما سلسبيل جاءت لتكون جبرًا لقلبي"..
تمت بحمد الله..
جبر السلسبيل..
بقلمي ✍️نسمة مالك..
❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙
الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا
❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️